قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع والعشرون

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع والعشرون

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع والعشرون

قابله أحد الحرس فأسرع بفتح باب سيارته، وضعها حازم بحرصٍ بالمقعد الخلفي، ثم صعد جوارها وهو يقذف مفتاح السيارة للحارس ليأمره بضيقٍ: أنت لسه هتتفرج عليا، اطلع على أقرب مستشفى بسرعة!
التقط المفاتيح ببراعةٍ، وأسرع للمقعد الأمامي، فتحرك به للمشفى على الفور، والاخيرة مازالت متشبثة بزوجها، وتهمس بوجعٍ قاتل: مش قادرة يا حازم.

ضمها إليه غير عابئ بإتساخٍ ملابسه، فانحنى تجاه نافذة السيارة يراقب الطريق، وتساءل بقلقٍ: لسه كتير؟
هز الحارس رأسه وهو يجيبه: لا يا باشا خلاص قربنا أهو.

وبالفعل ما هي الا دقائق معدودة حتى وصل بهما لمشفى خاص، هبط حازم ثم انحنى بجسده تجاهها فعاونها على الهبوط، ثم حملها بين ذراعيه، وأسرع بها لداخل، فهرول تجاهه الممرضين، عاونها على الجلوس على المقعد المتحرك المجاور لباب الأستقبال، ثم دفعوها للداخل، بينما طالبه موظف الاستقبال ببعض البيانات التي قد تعاون الاطباء بسرعة اسعافها داخل العمليات، فطالبوه بهويته ومبلغ دفعة أولى من حساب المشفى، مرر يده على جيب بنطاله بعصبيةٍ بالغة حينما تذكر هبوطه المسرع بها دون اللجوء لهويته أو حتى لمحفظته، فقال للموظف: دقايق هطلب حد من البيت يجبلي البطاقة. بس من فضلك شوفوا حالتها الأول.

أجابه الموظف بلطفٍ: أكيد. الدكاترة جوه بيشوفوا الحالة.
ابتعد حازم عن مكان الاستقبال، ثم نادى الحارس فاستعمل هاتفه بمكالمة طارئه، طلب أخيه وترقب اجابته بصبرٍ زهق عنه، يود بتلك اللحظة التوجه خلفها للداخل للاطمئنان عليها، حمد الله بتلك اللحظة حينما أتاه صوت أحمد يجيب: الو.
أجابه مسرعًا: أحمد أنا حازم.
باستغرابٍ تساءل: رقم مين ده؟!
=مش وقته. عايزك تجيلي على مستشفى، حالًا، وهات معاك بطاقتي ضروري.

نهض عن الفراش بصدمة وهلعًا: بتعمل أيه في المستشفى أنت كويس!
أجابه بإيجازٍ: نسرين بتولد وأنا معاها لوحدي ونسيت بطاقتي وفلوسي.
=متقلقش أنا جايلك حالا
متقولش لحد أنت شايف الوضع عندك بنفسك.
=حاضر زي ما تحب. بس ابعتلي الموقع.

انهى مكالمته معه، وأسرع لحمام غرفته، ابدل ملابسه لبنطال رمادي وقميص أبيض أنيق، وجذب مبلغ من المال من خزانته الخاصة وهويته، ثم اتجه للمغادرة، فتوقف فجأة حينما استعاب حاجة أخيه لبطاقته لتقيد المولود واتباع الاجراءات اللازمة، جز بأسنانه على شفتيه السفلى بتفكيرٍ قاطع، كيف سيسمح لنفسه بالدخول لجناح أخيه الخاص، كُل محرم تواجده بالجناح الخاص وبالأخص غرفة النوم لا يسمح لأي شاب مهما كانت مكانته بتجاوز هذا القانون الا لأضيق الحدود بوجود الزوج والرجال أحيانًا، رفع أحمد ساعته اليه ليجدها السادسة مساءٍ، وبالطبع بعد عودتهم بالصباح مازال الجميع بسباتٍ عميق، اتجهت نظراته لزوجته التي تتمدد الفراش بإرهاقٍ، فلم يمتلك أي حلول أخرى سواها، أسرع ليجلس قربتها، فأبعد خصلات شعرها المنسدلة لتخفي ملامحها عنه، تردد بإيقاظها لعلمه حالتها المضحكة التي تستحوذ عليها حينما يحاول ايقاظها ومازالت لم تأخذ حقوقها كاملة بالنوم، ومع ذلك حاول مضطرًا لذلك، فهمس بصوته هادئ وابتسامة مضحكة تسبقه: آسيل!

عاد ليناديها مجددًا: آسيل اصحي محتاج مساعدتك.
كانت كالتمثال المستلقي، فإن حركها شمالًا تنصاع إليه وللجانب الأيمن تنصاع له، ضحك وهو يردد بمكرٍ: أنا آسف بس مضطر صدقيني!
وحملها بين ذراعيه ثم ولج بها لحمام غرفتهما، فأسندها أمام حوض المياه، وبذراعه الأخر جذب المياه ليدفعها بوجهها برفقٍ، فتحت عينيها بصعوبةٍ وهي تردد بنومٍ: أيه يا أحمد. حرام عليك سبني أنام أنا استنيتك للظهر ولسه نايمه.

واستندت برأسها على صدره لتغوص سريعًا بالنوم غير عابئة برزاز المياه المنسدل فوق رأسها، أغلق أحمد الصنبور وأبعدها عنه فترنحت على ذراعه، وبذراعه الاخر لطم وجنتها وهو يحاول السيطرة على ضحكاته قدر المستطاع فقال بحزمٍ مصطنع: آسيل فوووقي، نسرين بتولد بالمستشفى ومحتاج بطاقة حازم من أوضته وشوية لبس للبيبي ولنسرين!
فتحت نصف عين وهي تتساءل بنوم: مين؟
أجابها بضجرٍ: نسرين!

لفت ذراعيها حول رقبته وهمست وهي تنصاع خلف أحلامها الوردية: وديني السرير وغطيني وهي هتبقى زي الفل بكره. عادي بتحصل بتحصل.
برق بعينيه لوهلةٍ وهو يحاول يستوعب ما تقول، ظنها تخبره بأن يساعدها على ارتداء جلباب محتشم لتخرج وتساعده بصدر رحب وفزع ينتابها لمعرفتها بما قال، فدفعها للخلف وهو يصيح: فوووقي وركزي. حازم هناك لوحده والبيت كله نايم!

حكت شعرها بضيقٍ وغيظٍ ينتابها، فتحركت للخارج بخطواتٍ شبه متعثرة، ثم فتحت خزانتها فجذبت جلباب أسود فصفاض ينغلق بأزرر لنهايته، ارتدته واستندت برأسها على باب الخزانة فغفت محلها، راقبها أحمد بصدمة، فصاح بها: آسيل!
اهتز جسدها وكأن أصابها زلزل، فجذبت الحجاب وطرحته باهمال على خصلات شعرها فسقط أرضًا من خلفها دون أن تراه، واستكملت طريقها اليه وهي تخبره بنعاسٍ: لبست أهو!

وزع نظراته بين ححابها المترنح أرضًا وخصلاتها المنسدلة، وتساءل بتذمرٍ: هتخرجي كده؟
صاحت بعصبية بالغة: والله العظيم أسيبك وادخل أنام أنت خنقتني مش كفايا أنت السبب في سهري وقلقي طول الليل راجع تكمل عليا وتقلق منامتي انت ومرات أخوك!

تعالت ضحكاته فأشار لها بهدوءٍ وهو ينحني ليجذب هو الحجاب ويعقده حول رأسها: أنا آسف يا روحي. أنا فعلا اناني وقلبي جاحد اني أزعجتك، وعد مني هسيبك تريحي يومين وههتم بالاولاد لحد ما تعوضي الليلة دي. مرضية كده.
اكتفت بإيماءة بسيطة وهي تغلق عينيها دون رؤيته، فأشار لها بالانصراف.

ولجت آسيل للجناح الخاص بحازم ونسرين، قضت بالداخل أكثر من ثلاثون دقيقة ومازال أحمد بالخارج يمضي طريقه ذهابًا وإيابًا وكأن زوجته هي التي تخضع لجراحة المولود وليست زوجة أخيه، فهمس بسخرية: ممكن تكون نامت جوه!
خابت ظنونه حينما فتحت الباب وخرجت للخارج بخطواتٍ متعثرة، كادت بها بالسقوط، أمسك بها أحمد وهو يردد بضحكة: أشهد أن لا اله الا الله، أنا افتكرتك نمتي جوه!

استندت على ذراعه ورددت بتكاسل: مش بيجيلي نوم غير في سريري!

تطلع لها بصدمة، وبداخله يحمد الله بأنها كذلك فربما كانت ستغفو بالداخل فوق الأساس ان اضطر الأمر، تمسك بها أحمد وحاول فتح الحقيبة بذراعه الأيسر، فوجدها تخص ملابس المولود ونسرين، أغلقها وهو يتفحص ما أحضرته، فوجد بالمكان الصغير الخاص بالحقيبة جواز السفر الخاص بحازم وقسيمة زواجه، وبعض من متعلقاته الخاصة كأوراق تعليمه ودراساته، وأخيرًا وجد بطاقته الخاصة، انتقلت نظراته إليها فقال ساخرًا: أنتي عبيتي كل الاوراق اللي في الخزانة!

وتابع وهو يفصل الاوراق الغير هامه: ده لو طالع هجرة مش هيحتاج كل المستندات دي!
همست له آسيل وهي تترنح خلف انحناء جسده لوضع الاوراق على الطاولة القريبة من جناح أخيه: رجعني سريري بقا.
أشار له وهو يتجه للدرج: أنا اتاخرت يا آسيل، أنا همشي وانتي ارجعي كملي نومك.

أومأت برأسها بخفةٍ، فحمل الحقيبة وأسرع للمصاعد، ففتح باب أحداهم وكاد بالولوج، استدار تجاهها فوجدها تجلس على أحد المقاعد وتحتضن الطاولة بجسدها، وتغوص برحلة منامتها غير عابئة بما يحدث حولها، ترك الحقيبة عن يده ثم دنا منها، فحملها وهو يردف: أنتي بني آدمة تانية وأنتي نايمة.

وضعها بالفراش وجذب الغطاء ليداثرها، ثم كاد بالخروج فتوقف مجددًا وهو يتجه اليها ببسمة عاشقة تتأمل تفاصيلها، كاد بتحريكها فتوقف وهو يمرر يده على وجهها حتى لا يفزعها للمرة الثانية، فردد بهمس خافت: آسيل.
انزعجت معالمها بطريقة تمردت ضحكاته لاجلها، وخاصة حينما قالت: عايز أيه تاني يا أحمد!

طبع قبلة على جبينها وهي يخبرها من بين ضحكاته: لا مش عايز حاجة. أنا راجع أقولك اني موبيلي فاصل شحن وبيشحن قدامك أهو عشان متقلقيش عليا زي امبارح. تمام؟
فتحت نصف عين وهي تخبره: أنت رايح فين؟
سقط فوقها من فرط الضحك وردد بصعوبة: آسيل عشان خاطري فوقي عايز أمشي ومش هيهون عليا قلقك تاني. أنا رايح المستشفى عشان نسرين بتولد. عشان أيه؟!
هزت رأسها وهي تردد كمن يلقنها درسًا تحاول حفظه: نسرين بتولد.

ابتسم وهو يشير لها باعجابٍ: برا?و، يلا كملي نومك.
وتركها وغادر على الفور، ففتحت نصف عينيها وهي تتأمل الغرفة، فرددت بنومٍ: هو كان بيقول أيه؟
وهزت كتفيها بعدم مبالاة، ثم تمددت لتغوص ببحرها العميق وجسدها يحتضن الوسادة براحةٍ.

هبط مسرعًا الطابق السفلي، فأسرع بخطاه للخارج، توقف فجأة حينما استمع لصوتٍ خشن يناديه: أحمد!
التفت للخلف فوجد ابيه يجلس جوار الشرفة وبيده الجريدة وكوب من القهوة، وضعها عن يده ونهض اليه يتساءل بدهشةٍ: رايح فين دلوقتي أنت مش راجع تعبان؟
أجابه سريعًا: نسرين بتولد وحازم محتاج بطاقته. لازم أروحله حالًا لاني اتاخرت.

أسرع إليه حمزة، وهو يجذب جاكيته الملقي على الأريكة: استنى يا ابني أنا جاي معاك. ربنا يسترها وتقوم بالسلامة يا رب.
خطى خطوتان تجاه باب الخروج واستدار اليه يخبره: تمام بس حازم مش حابب حد يعرف الوقتي.
أجابه وهو يرتدى جاكيت بذلته الداكنة: متقلقش.

بالمشفى.
بقى بالخارج بمفرده يترقب سماع أي خبر من الاطباء، أخر ما وصل إليه بأنه إن تعثر وضعها ستلجئ الطبيبة لاجراء ولادة قيصرية، دثوا المحاليل بأوردتها ومنحوها ثلاث ساعات كمهلةٍ أخيرة، جابت عينيه الردهة المطولة حتى استقرت عينيه على باب المشفى، فوجد أخيه يدلف بصحبة والده، أسرع حمزة تجاهه فجلس لجواره وهو يسأله باهتمامٍ: طمني يا ابني؟
رد عليه والقلق يبدو بارزًا بنبرته: الدكتورة معاها جوه لسه.

ربت على ساقه وهو يخبره ببسمة هادئة: خير يا حبببي. ان شاء الله تقوم بالف سلامة.
منحه بسمة صغيرة وهو يردد: يا رب يا بابا يا رب.
جلس أحمد من جواره، فهزه بمشاكسة: الاولاد مش بيجوا بالساهل، اجمد عشان اللي جاي يا زوما.
رسم ابتسامة صغيرة وهو يخبره: تقوم بس بالسلامة وأنا جاهز لأي شيء والله.
أكد له بتفائلٍ: هتقوم هي والبيبي بالف سلامة. متقلقش.

منحهما ابتسامة هادئة، وعقله مازال شاردًا بحالتها الآن، صراخها وتأوهاتها الخافتة بين ذراعيه مازالت تتردد داخله، عينيه تترقب باب الغرفة بلهفةٍ، يحسب كل دقيقة بعنايةٍ، ففتح الباب من أمامه وخرجت احدى الممرضات للخارج، أسرع حازم إليها، فتساءل بقلقٍ: طمنيني.
منحته بسمة تحمل البشارة ومن خلفها خبره المفرح: حمدلله على سلامتها، ولدت وجابت ولد زي القمر.

حملت السعادة لقلب حمزة، فردد بفرحة: ما شاء الله تبارك الله.
ولج حازم للداخل على الفور، فوجدها تغفو بالغرفة على فراشها، وجهها كان يصب عرقًا كمن ركضت ألف ميل، حملت الممرضة الصغير لحازم المنشغل بتأملها، فقال دون أن يتطلع تجاهها: خديه لوالدي وأخويا بره من فضلك.
انصاعت إليه وغادرت به للخارج، بينما أسرع حازم إليها، فاحتضن كف يدها وهو يناديها: نسرين!

فتحت عينيها بإرهاقٍ شديد، ومالت برأسها تجاهه، فمنحته بسمة باهتة، جذب منديلًا ورقيًا، وأزاح عنها عرقها، فدخلت الطبيبة اليهما بعدما انتهت من خلع زي الجراحة، ثم قالت ببسمة عملية: حمدلله على سلامتك. الحمد لله اننا ملجناش للقيصرية.
اكتفت ببسمةٍ صغيرة، واتجهت نظراتها لمن يجلس جوارها، مال برأسه على جبينه وطبع قبلات متفرقة على يدها، وعاتبها بنبرةٍ خافتة: قلقتيني عليكي!

أغلقت عينيها بتعبٍ، وهمست اليه: أنا كويسة متقلقش. هتسمي الولد أيه؟
تابعها باهتمامٍ فوجدها أغلقت عينيها باستسلامٍ لنومٍ بعد عذاب قضته لساعاتٍ، اعتدل حازم بجلسته حينما وجد أحد الممرضات تدنو منها لتساعدها بتغير ملابسها، التقط منها الحقيبة بلطفٍ وبإختيار كلمات مناسبة قال: من فضلك تقفلي الباب أنا اللي هغيرلها.
منحته ابتسامة عملية صغيرة، ثم خرجت وتركته بمفرده.

بالقصر.
استعاد نشاطه فقرر الهبوط للأسفل، لانجاز بعض الأعمال المتعلقة بالمقر نيابة عن الشباب، هبط رعد للأسفل، ثم اتجه لغرفة المكتب الرئيسية، فاندهش من رؤيته للضوء يغمره، فتح بابه فوجد ابنه يغفو على الأريكة الجانبية السوداء، ضيق عينيه بذهولٍ، فاقترب منه ثم ناداه باستغراب: رائد!
فتح عينيه بتكاسلٍ، فاعتدل بجلسته سريعًا وهو يردد بخفوتٍ: بابا!
جلس جواره وسأله بشكٍ: رانيا طردتك؟!

منحه نظرة ساخطة، بدت اجابة صريحه لسؤاله، فضرب كف بالاخر وهو يردد بعدم تصديق: انتوا لحقتوا!
خرج عن هدوئه حينما صاح بانفعالٍ: نفس اللي قولتهولها. مع انها راكبة معايا وسمعاني وانا بحكي اللي حصل لحضرتك لا مصرة تسمع تاني مني وأنا راجع مش قادر أفتح عيني.
ازاح عنه جاكيته ثم حرر جرفاته، فانتظر سماع باقي الاحداث، وحينما وجده صامتًا، فقال: وبعدين؟

امتعضت معالمه وهو يسترسل: قالتلي شوفلك مكان تنام فيه لحد ما تفوق وترجع تحكيلي اللي حصل فنزلت هنا!
هز رأسه بسخرية، لحقت نبرته: انتوا مش ناوين تكبروا وتعقلوا بقا، دي مريم بقت عروسة!
أجابه باستنكار: أنا تربيتك وعاقل هي اللي مخها طاير منها!
رد عليه رعد باستهزاءٍ: مهو لو تربيتي طمرت فيك مكنتش وصلت للمرحلة دي مع مراتك.

ولف يده حول كتفيه وهو يدنو منه ليهمس بحديثه الهام: يا ابني الستات دول زي البسكوتة، عايزة معاملة خاصة، بمعنى انك تكون حريص في التعامل معاها، وذكي لان أهم حاجة الذكاء مش العناد!
واستطرد بمزحٍ: يعني تعرف ازاي تبقى الشاي السخن اللي تدوب البسكوتة فيه، وازاي تبقى اللبن البارد اللي مستحيل يقصر فيها، فهمت حاجة!

لوى شفتيها وأخبره بسخرية: احنا هنقلبها سوبر ماركت!، أنا وضعها ده خنقني ولازم تتصرف يا رعد باشا عشان ابنك خلقه كنز!
جذب الملف الموضوع على الطاولة جواره، ثم قذفه بوجه من تمدد استعدادًا لنومٍ مريحًا غير عابئًا بمن يوجهه، استقام بجلسته مجددًا، فتابع رعد بغضب: أنت غبي ومتستاهلش المحاضرات اللي قاعد ادهالك. أنا هقعد أكمل شغل أفضل.

وتركه واتجه للمقعد الرئيسي الخاص للمكتب، فلحق به حتى جلس قبالته على أحد المقعدين، فلعق شفتيه وهو يتساءل بغيظٍ: طب أنا أسف قولي أعمل أيه وأنا هعمل!

بالأعلى.
شعر بأظافر حادة تخترق ذقنه النابتة، ففتح عينيه بتكاسلٍ، ليتفاجئ بصغيرته تستقبله بأروع ابتسامة، تململ جاسم بفراشه، وهو يردد ببسمةٍ واسعة: مساء الجمال يا تولي. طبعًا انتي معرفتيش تنامي خالص صح؟

وضعت الرضيعة (البيبرونة) بفمها، وصوته الرفيع يعلو بضحكاتها، التفت جاسم تجاه داليا فوجدها تتحرك بالفراش بانزعاجٍ شديد، فسحب قميصه الملقى على المقعد المجاور اليها ثم ارتداه وحملها للشرفة، وهو يهمس لها بطريقة مضحكة: هوووش مامي نايمة وش الصبح وبتتلكك لابوكي، يرضيكي يتنكد عليا دلوقتي؟
تعالت قهقهة الصغيرة ومعها ضحكاته، فقال بدهشة ومازال مستمر بضحكاته: أيه اللي يضحك في كده؟!

وبشكٍ قال بعدما وضعها على سور التراس وحاصرها بيده جيدًا: شكلك بتنبسطي لما مامي تهزقني صح!
عادت الصغيرة لضحكاتها، فتصنع جديته بنظراته الحادة، فما أن تهدل فمها بغضب طفولي، فكادت باللجوء للبكاء حتى تهللت اساريره وتعالت ضحكاته بنصر: أيوه كده لازم تكون مشاعرنا متصلة ببعض مينفعش قلبك يبقى جاحد عليا ده انتي بنتي الوحيدة!
طب وأنا!

همساتها خافتة لامست أذنيه، ويدها كانت تحتضنه من الخلف، ابتسم جاسم والتفت للخلف، فوجدها استيقظت، تحركت داليا للامام فجلست جوار ابنتها وحركت قدميها بعشوائيةٍ وهي تخبره: أنا مش بنتك الكبيرة ولا أيه؟!
حمل الصغيرة عن السور اليه، ثم احاطها بذراعه وهو يغمز لها بمكرٍ: انتي بنت قلبي وفلذة كبدي وكل الاجهزة الحيوية.
تعلقت برقبتها، ثم مالت لتحتضنه، فردد بصوت منخفض: الرضا الغريب ده مش طبيعي، أنتي كويسة؟!

ابتعدت عنه باستغرابٍ، فاشار لها بالاقتراب وهو يقرب خده منها، وضعت خدها فوق وجنته فتفحص حرارتها وهو يردد بدهشةٍ: أمورك تمام أهو أمال أيه الدنيا؟
أعادت خصلة تمردت على عينيها وهي تخبره بنظرة خبيثة: مفيش. قررت أجيب أخ لتولين، مش حاباها تكون لوحدها.
جحظت عينيه صدمة، فسألها بقلقٍ: متأكدة من قرارك ده؟

أومأت برأسها والارتباك يبدو على معالمها فقال بتعصب وهو يحمل الصغيرة ويدلف للداخل: لا أنا مش موافق يا داليا.
لحقت به وهي تردد بتعجبٍ: أيه!
قال باصرار: زي ما سمعتي كده انتي نسيتي اللي حصل معايا بسبب ولادتك ولا ايه؟!
وحمل الصغيرة واتجه للاسفل على الفور، فما أن غادر حتى انفجرت من الضحك حينما عاد اليها طيف ذكرى ما حدث بولادتها الاولى.

كان بطريقه للاسفل ومازال يهمس بكلمات لازعة، عينيه كانت تراقب باب غرفته ظنًا من أنها ستلحق به، اصطدم جاسم برائد فصاح به بانفعال: مش تفتح يا معتوه هتوقع البنت منك!
معالمه كانت مشدودة بشكلٍ استدعى الاخير لسؤاله المتهم: في أيه. اتخنقتوا عاشر؟
اتجهت نظراته اليه، فقال ساخرًا: وأنت ورانيا الحب بينكم مولع في الاجنحه!
لوى فمه بحنكٍ، فتركه واتجه للاريكة القريبة من الدرج وهو يخبره: الستات كلها خلقت للنكد!

حمل جاسم صغيرته واتجه ليجلس جواره، فربت على كتفه وهو يقول: ربنا كبير قادر يهديهم.
هز رأسه باقتناع، والتفتت تجاهه ليسأله باهتمام: طب قولي انت وداليا متخانقين ليه؟
قال وهو يربت على الصغيرة: مفيش.
دفعه برفق: يا عم قول أنت هتخبي عليا.
منحه نظرة مشككة، لا يرغب بالبوح له لما سيحدث هنا، فقال بتماسكٍ: أختك عايزة تخلف تاني!
ما أن تفوه بكلماته حتى شدد عليه: متضحكش!

كبت رائد ضحكاته بصعوبة وهو يشير له بتقبله للامر وبقائه صامدًا، ولف رأسه للجهة الاخرى ثم تعالت ضحكاته حتى أحمر وجهه، فانتصب جاسم من جواره وهو يصيح به: أنت انسان تافه زي أختك. فكرك اني مجنون هساعدها وبعد كده تفضحني عشان تحفلوا عليا سنة لقدام زي ما عملتوا!
نهض عن مقعده وهو يشير له بثبات يجاهد له: أنا مقدر موقفك. بس هنعمل أيه ده حقها يا حبيبي!

جحظت عينيه صدمة، فقال باستنكار: حقها تقوم تسيحلي في نص الشارع وانا واخدها للدكتور بعد ما جالها الطلق بنية سليمة، تقوم تصرخ وتلم علينا الناس وتقولهم اني اتحرشت بيها!
واستطرد بعصبية: انت عارف عملوا معايا أيه في القسم، دول رموني مع المجرمين وأقسمتلهم اني جوزها محدش مصدقني! كل ده ليه عشان الهانم مش قادرة تتحمل وجع الولادة!

وارتخت معالمه وهو يخبره: عارف لو كنت اتاخرت عليا انت وياسين شوية المجرمين كانوا هيعملوا معايا أيه؟!
انفجر ضاحكًا فربت على كتفه وهو يخبره بصعوبة بالحديث: متخافيش يا حلوة شرف العيلة لسه زي البفتة البيضة!

دفعه للخلف بعصبية: بتهزر. أنا اتبهدلت بسبب اختك واترجتها تتكلم وتقول الحقيقة قلبها قسي بسبب وجع الولادة وافترت عليا، حلفت للظابط اني جوزها وانه يشوف البطايق ولا عبر. ثم اني هتحرش بيها ازاي وهي عاملة زي القنبلة المؤقتة!
ربت على ظهره ومازال يجاهد لثبات قامته من فرط الضحك: ميبقاش قلبك أسود أمال، اللي فات مات.

وضع الصغيرة بين يده ثم قال بسخط: خد دي. روح لاختك عقلها حمل تاني لا الا لو هتضمنلي إني أكون بره مصر وقت ولادتها. ومش راجع الا لما ترجع لطبيعتها وتبقى بني آدمة تاني!
حمل عنه رائد الصغيرة وراقبه وهو يهرول للاسفل، فاتحه بها خلفه وهو يناديه بدهشة: جاسم. خد هنا. احنا بنتناقش يا بني آدم!

بالمشفى.
نُقلت لغرفة مريحة بعد الولادة، فما أن استعادت وعيها حتى وجدت حازم وأحمد لجوارها، واستدارت تجاه السرير المتحرك الخاص بالصغير، فوجدت حمزة يحمله بين ذراعيه بحنانٍ، فقابلها ببسمة هادئة وهو يخبرها: حمدلله على السلامة يا حبيبتي.
منحته ابتسامة هادئة، ثم قالت: الله يسلمك يا عمي. تسلم.
حمل عنه أحمد الصغير، فطبع قبلة على جبينه وردد بفرحة: ما شاء الله تبارك الله قمر. ربنا يباركلكم فيه يا رب.

لف حازم يده حول كتفيه ثم قال بمشاكسةٍ: بص يابو حميد أنت تتكفل بالواد ده عشان بطلع محترم وطيب زيك كفايا خالد بقى منحل زيي. لذا مينفعش تتخلى عنه سامعني.
قال حمزة بسخرية: كويس انك معترف بجنانك وانحرافك، وعلى فكرة انا بنفسي اللي هخلي أحمد ابني يريبه أنت غير مسؤول ومؤهل بده.
تعالت ضحكات نسرين وهي تتابعهما بتسليةٍ، فقال حازم: كده يا موزة وأنا اللي كنت هسمى الواد حمزة عشان نستبارك بيه!

رمقه بنظرةٍ حانقة وهو يردد بغضب: لا يا حبيبي أبعد عني أنا زي الفريك محبش شريك. سميه أحمد على اسم أخوك العاقل المحترم، اياكش بس تبعد عنه وتسيبه يطلع لاخوك كفايا خالد اللي يا قلب أمه مقضيها وراك حلبة مصراعة، الولد بقى محتار المرة الجاية هيحدفك بأيه من كتر الابتلاء اللي بقى فيه.
ضحك حازم، وأشار له بجدية: عيوني هسجله أحمد أنا أطول انه يطلعله.

ابتسم أحمد اليه، واقترب ليضعه بيد نسرين قائلًا بمحبة: ربنا يجعله بار بيكِ، ويحميه من كل سوء.
أمنت بود: يا رب. تسلم يا أحمد.
أشار حمزة لحازم قائلًا ببسمته الهادئة: هنخلص أنا واخوك الاجراءات وأنت جهز مراتك عشان هنرجع البيت.

لساعاتٍ طويلة حاول بها النوم، ولكنه لم يستطيع، لذا نهض عن فراشه وصعد للطابق الاخير، افتقد وجوده بتلك الغرفة التي تحمل كل ما يخص عمله، ابتسم عدي بتهكمٍ وهو يتأمل الغبار يملأ صالته الرياضية المنعزلة عن الجميع، كان يرفض مشاركة ابناء أعمامه بالصالة الخاصة بهم، كان الجيم لا يناسبه تمامًا، فكان يراهم يمارسون رياضة لا تناسب مستواه كظابط شرطي، تدريباته كانت مختلفة تمامًا عنهم، لذا كان يلجئ للتدرب هنا منعزلًا عن الجميع، يقف بذاك المكان متخبطًا لا يعلم هل يشتاق لبقائه هنا منعزلًا أم لا يشعر بذلك للفترة التي قضاها بصحبتهم، خطى ليصبح بمنتصف الصالة، فمرر يده على جهاز الركض الخاص به وعاد بذكرياته للخلف، ابتسم وهو يردد بغموض: مش هتبطل تمشي ورايا وتراقبني؟!

خرج من خلف الباب يجيبه بتذمرٍ: يا أخي أنت مركب عيون ورا؟!
استدار اليه عدي، فدنى عمر منه ثم قال بابتسامة يملأها الفرحة: طبعًا لازم أكون جانبك واشاركك فرحة رجوعك للشرطة يا حضرة المقدم!
رفع عدي يده على كتف أخيه ثم قال: أنا اللي سعيد انك هترجع لشغلك يا عمر. كنت حاسس بالذنب طول الوقت لما عرفت ان بابا بعدم عن شغلك بسببي.

تلاشت ابتسامته وقال بعتاب: لو مكنش عمل كده مكنتش هستمر في شغلي، أنا معاك دايمًا ومشاركك في كل قرار سواء في صفك أو جاي عليك.
وبمزحٍ استطرد: وكان نفسي أكون معاك بنفس الكلية والشغل بس أعملك أيه دماغك مش جايبة غير الاسلحة والمجرمين وأنا دكتور محترم!
ضحك بصوته كله، وقال وهو يضمه اليه: في دي عندك حق.
بابا جدو قالي ان حضرتك رجعت الشرطة!

كلمات متلهفة قالها ياسين الذي ركض للاعلى بكل طاقته، ابتعد عمر عن عدي، فوجد ابنه يلتقط أنفاسه بصعوبة، والفرحة تجعل عينيه يلمعان بسعادة، فاتجه اليه وهو يهز رأسه ببسمة صغيرة: ياسين باشا سامحلي بده بس لسه قدامي عقبة تانية.
تساءل الصغير بدهشة: عقبة مين؟
واتجهت نظراته لعمه فسأله بحزن: أنت يا أنكل عمر!
رفع يده بمزحٍ: لا والله أنا عقبة بالفراولة يا ياسين!

ضحك الصغير رغم قلق موقفه، فاخبره عدي بضحك: مامي لسه معرفتش بالقرار ده.
ضم الصغير شفتيه معًا، وصمت قليلًا يفكر بالامر، وقال بعد حيرة: حاول تقنعها يا بابي، أنا عايزك أنت اللي تعلمني عايز أكون زيك أنت.
انحنى عدي اليه وضمه بقوةٍ، وهمس اليه بحب: هتكون أحسن مني يا حبيبي!

لاحظ عدي من يقف قبالته، فرفع عينيه ببطءٍ فوجد أبيه يراقب ما يحدث بثبات، فاستقام بوقفته وهو يمسك يد ياسين، فتحرر عن صمته وهو يسأله باستغراب: ليه مقولتلهاش لحد دلوقتي؟
أجابه وهو يتطلع لاخيه الذي يشير له بالبوح عل المساعدة تأتيه من القوات العليا (ياسين الجارحي)، فقال: مش حابب أزعلها في وقت زي ده.

دنى منه ياسين بخطواتٍ متهدجة، فرفع عينيه اليه بصرامةٍ تلازم نبرته: بالعكس ده الوقت المناسب انها تعرف قراري، عشان متفكرش انك خبيت عليها.
واسترسل قائلًا بمكر: أنت تقدر تخلي أي وقت يناسبك ويناسب الكلام اللي هتقوله. وأنا هقولك تعمل أيه بالظبط!

تململت بنومتها بقلقٍ، فانحنت بجسدها تجاه المصباح الصغير المجاور لها، ما أن ساد الضوء الغرفة حتى بحثت عينيها عنه بدهشةٍ، تفاجأت رحمة بعدم وجوده بالغرفة، ولاحظت تحرر مقبض الباب، ليطل بهالته من خلفها، يدفع طاولة صغيرة متحركة، حتى أصبحت مجاورة للفراش، وزعت رحمة نظراتها المستنكرة إليه تارة وإلى الطاولة تارة أخرى، فرسم بسمة جذابة على شفتيه وقال بحنانٍ: حضرت غدا صغير خاص بينا.

برقت بعينيها بدهشةٍ، ورددت بعدم استيعاب: أنت اللي حضرته!
هز رأسه ونظراته الثابتة تحيط بها، رمشت بعينيها بعدم تصديق، فرفعت اصبعها تجاهه: طب ممكن ثانية واحدة.
حاول عدي فهم ما تود فعله، فتفاجئ بها تجذب هاتفها تعبث به وترفعه لأذنيها بذعرٍ، فما أن استمعت لصوت المتصل به حتى خبأت شفتيها بيدها ظنًا من أنه لن يستمع لحوارها الهامس: حضرتك عملت أيه في عدي بالظبط؟

صمتت تستمع اليه وقد بات توقعه اكيد بأنه ياسين الجارحي، وخاصة حينما قالت بنفس صوتها المنخفض: تخيل محضرلي الغدا بنفسه؟
تفاجئ الطرف الأخر، فأكدت له قائلة: أنا مقلقة ومش مطمنة!
ضيق عينيه بغضب، جعلها ترسم ايتسامة مخادعة اليه، فجذب الهاتف عن يدها ثم ابتعد عنها للشرفة، فهمس لابيه: شوفت بنفسك لما نفذت اقتراحك حصلها أيه. كان ممكن أقولها على الموضوع من غير الدخلة دي كلها!

اتاه صوت ياسين الجارحي الرزين يردد: اهتم بالتفاصيل تنال الرضا!
احتضن وجهه بيده ثم قال بتريث: هحاول.
وأغلق الهاتف، ثم عاد إليها والابتسامة مرسومة على وجهه، فنقل الطعام للطاولة المستديرة القريبة من الشرفة، وأشار لها بالجلوس، جلست قبالته وهي تراقبه بدهشةٍ واستغراب، خاصة حينما جذب العصير وسكبه بالكوب، فقدمه لها، تأملت رحمة الكوب بشرودٍ جعله يردد: مش حاططلك سم أكيد يا رحمة!

رفعت رأسها اليه ورددت بتوتر: لا أنا بس مستغربة.
واتخذت الطريق المباشر حينما قالت: هو في حاجه يا عدي؟
ترك الملعقة عن يده، ثم زفر وهو يخبرها: أنا قولتله الطريقة دي مقبضة أكتر من انها تدي أمل رومانسي في الموضوع مصدقنيش.
والقى المنديل الورقي عن قميصه الابيض، ثم قال: من الاخر بابا وافق اني أرجع لشغلي تاني.

تجمدت تعابيرها لوهلةٍ، فلعقت شفتيها بتوترٍ، جعله يمسك يدها وهو يخبرها بحنانٍ: أنتي عارفة اني سبت الشغل علشانك ومستعد أعملها تاني وعاشر ومليون، صدقيني أنا ميهنيش غير راحتك.
ونهض عن الطاولة وهو يخبرها ببسمة صغيرة: اعتبريني مقولتلكيش حاجة.
وترك الطاولة وكان بطريقه للخارج، فتوقف حينما قالت: لو هترجع هترجع بشروطي!

توقف عن المضي قدمًا، واستدار تجاهها وهو يرمش بعدم تصديق لجرائتها بوضع قوانين مفروضة عليه، نهضت رحمة عن مقعدها ولحقت به، فقالت بابتسامة رقيقة: أنا كنت واثقة ان بابا هياخد القرار ده في يوم من الايام، وواثقة بردو انه اتاكد من انك اتغيرت عشان كده هيسمحلك ترجع، فأنت دلوقتي مضطر تخضع لشروطي الاخيرة.
رفع أحد حاجبيه وهو يردد باستنكارٍ: شروطك!

هزت رأسها اليه، فتحكم بانفعالاته وهو يشير اليها بالحديث، فقالت: أولًا. مفيش رجوع غير لما تبقى كويس.
وتابعت قبل أن تهاجمها عاصفته: ثانيًا. موبيلك ممنوع منعًا باتًا تتجاهل مكالماتي لاني ببقى هموت عليك حرفيًا.
مال برأسه وهو يتساءل بثبات: وثالثًا؟
ارتبكت وهي تشير اليه: لا هما شرطين حلوين أوي.
بدد ربكتها ابتسامته الصافية، فجذبها لاحضانه وهو يخبرها: شروطك مقبولة وأوعدك هعمل بيها.

ابتعدت عنه وهي تردد بعدم تصديق: ياسين الجارحي غيرك فعلًا!

بجناح مروج.
رأسه الثقيل جعله يغفو بنومٍ مرهق، ففتح عينيه وهو يردد بتعبٍ: مروج. اعمليلي قهوة من فضلك!

لم يستمع لصوتها فظنها بحمام الغرفة، نهض مازن عن الفراش، ثم اتجه للشرفة فظل بمحله لعشر دقائق يتأمل غروب الشمس التي تلامس الأشجار بدلالٍ، فأغلق عينيه باستمتاعٍ حينما داعبت أنفه رائحة القهوة، التي وضعت من أمامه، ارتشف منها على الفور واستدار اليها في نية صريحة لضمها، فسكب ما بفمه بوجه من يقف أمامه، جحظت عينيه صدمة لما رأه، فتراجع للخلف حتى وصل للتراس فالقى يجسده عن السور وهو يصرخ برعبٍ: الحقوني!

صعق من أمامه حينما وجده يلقي بنفسه عن السور المرتفع عن الارض بثلاث طوابق، فنزع عنه قناع البومة التي يرتديها وتمسك بجسد مازن الواشك على السقوط وهو يخبره ببسمة عريضة: صلي على النبي يابو نسب. ده أنا ميزو!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة