قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السادس والعشرون

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السادس والعشرون

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السادس والعشرون

ما هو ذنب ما نحب في ماضينا المؤلم؟، ما ذنبه في تفكيرنا العقيم، لمَ نقسو دون أن نشعر بقوة القساوة تلك..؟! وهل الندم يفعل شيئًا في الوقت الضائع، لن يفعل لطالما وجدنا من ينصحنا مرة وإثنان وثلاث، ونحن نصر على الخطأ، وبعقل مسكين نفكر..!
علينا التفريق بين ماضينا وحاضرنا، فالماضي قد رحل بقساوته وآلامه والحاضر في أيدينا وأبدا لن نعيد الدهر مرتان!.

كانت سارة في حالة يرثي لها منذ أن تركها ورحل، تكاد عينيها تبكي بدل الدموع دما، كان قلبها يعتصر من شدته آلامه كما لو أن أحد لكمها به بكل ما يمتلك من قوة، ليجعله يتمزق بقسوة...
كانت راكعة على ركبتيها في حين توجهت إليها أمها التي إستمعت إلى صياحه وهو يهبط الدرج وبكاؤها وهي تتوسله بأن يرأف بحالها...
جثت الأم على ركبتيها جانبها تسألها بقلق بالغ:
سارة، إيه اللي حصل؟

وكأن لمستها كالكهرباء صعقتها لتنهض مبتعدة عنها صارخة بحجم آلامها:
عاوزة تعرفي في إيه؟، في إنك دمرتيني، عذبتيني، ضيعتيتي، منكوا لله، يارتني ما كنت جيت الدنيا وشفتكوا يارتني اموت، يااااااارب خدني بقي وريحني...
صوتها يكاد يهز جدران المنزل، صراخ نابع من الصميم، صراخ وقهر وندم، ضياع وفقدان أمل..

أسرعت أنهار تحتضنها رغمًا عنها هاتفة ببكاء: بس، بس يابنتي متدعيش على نفسك، اهدي وكل حاجة هتبقي كويسة بس إنتي إهدي يا بنتي..
وعلي صوت صراخها صعدتا كلا من هالة وجميلة في هلع..
أسرعت جميلة تحتضن شقيقتها، متساءلة في وجل:
سارة حبيبتي في ايييييه؟
عانقتها سارة بقوة وهي تهتف من بين دموعها: ح حسام، حسام طلقني يا جميلة..

شهقت جميلة بقوة وهي تفتح عينيها على إتساعهما، ولم تختلف حالة هالة عن حالتها حيث أنها صُدمت بشدة، بينما الأم لطمت على صدرها بقوة هاتفة بصدمة جلية: طلقك!
في حين أبعدتها جميلة قليلًا وراحت تمسك كتفيها لتسألها بنبرة حازمة: ليه، عملتي ايه، إنطقي يا سارة إيه اللي حصل؟
ستخبرهن بما حدث فما الفائدة فالخفي الان، لقد ضاعت وإنتهي الأمر..!

أخبرتها سارة وهي تحاول جاهدة التماسك قليلًا من تلك الإرتجافة التي تجتاح جسدها، :
أن، أنا كنت باخد حبوب منع الحمل..!
صدمة أخري تجتاح الثلاثة في آن واحد لتتسع عينهن مرة أخرى في صدمة أشد..
وسؤال واحد يتسألن به، لمَ؟ لمَ فعلتي..؟
خرج السؤال من فم أنهار بلا تردد:
ليه كده يابنتي؟
إحتدت ملامح الأخيرة بتشنج وقد لمعت عينيها بنظرة شرسة:.

أقولك أنا ليه، عشان ماخلفش عيال وأمرمطهم زيك وزي جوزك، عشان ماسبهمش وأروح أتجوز، عشان أبوهم ما يمسكلهمش الحزام ويطيح فيهم ضرب، عشان أنا مش هبقي أم مثالية، عشان أنا هقصر في حقهم، عشان أنتي وهو كرهتوني في العيشة واللي عايشنها، عاوزة تعرفي تاني يا مدام أنهار؟
أطرقت أنهار رأسها للأسفل بخزي، ولآلآت عينيها بالعبرات، بينما هتفت بها جميلة بغضب:.

إيه التخريف ده، إنتي مجنونة يا سارة، مجنونة، الكلام اللي بتقوليه ده كلام فارغ ومش مُبرر أبدا وذنب جوزك المسكين إيه في ده كله؟ معقولة، معقولة يا سارة كنتي بتضحكي علينا كلنا ومفهمانا إنك مش بتخلفي وإنتي بتعملي كده بإيدكي، حرمتي نفسك وجوزك من الخلفة بإيدكي يا سارة؟!
إنخرطت مجددًا في بكاء هستيري، ولم تجد سوي اللوم والعتاب منهن فهي تستحق ذلك..

-بتعيطي ليه؟، ندمانة؟ للأسف فات الاوان يا سارة، ضيعتي نفسك وإرتاحي يا سارة!
نطقتها جميلة في حين إزدادت الأخري بكاء والكلمات كالسموم تدخل إلى مسامعها..

جرحه ليس بهين، لقد طعنته سارة متعمدة ذلك، وهو كالمغفل يحبها من أعماق قلبه، متي قصر في حبه وعشقه؟ كلا هي من تقصر، هي من خانت، هي من طعنت وجرحت وعذبت..
لمَ يا سارة، لمَ تفعلين وذبحتيني بسكين بارد..
راح حسام يفكر بجنون، في غرفة مكتبه بالشركة، جلس بتهالك رافعا رأسه للأعلي، ما الذي حدث للتو، طعن، غدر، طلاق!

يا ليته كان في كابوس مُزعج، يا ليتها مُصابة بالعقم حقا، وهو على أتم إستعداد للعيش معها حتى آخر العمر دون أطفال، ولكنها تنجب! هي تنجب، وحرمته..!
يا له من جبروت لديها..!
مرت الأيام عليهما، لم يذهب إليها أبدًا وكان ينام ليلا في الشركة، وبالصباح يعمل بهذيان، لم يعد قادر على العمل بطبيعته..
ذهب إليه كريم في أحد الأيام وهو لا يعلم ماذا يقول هل يواسي صديقه العزيز أم إبنة عمه ذات العقل المسكين؟!..

جلس قبالته في صمت وهو يطالعه بنظرات مواسية، في حين كان حسام يحدق بالفراغ لا يريد حتى أن ينظر له..
وأخيرا تحدث بجدية تامة:
جاي ليه يا كريم، جاي تصلح بينا ولا تقولي حاول تفهم مراتك وتحتويها؟
لم يجد ما يقوله حقا، عجزت شفتيه عن التفوه بأي كلمات ممكن أن يتحدث بها، طل صمته إلى أن تحرر أخيرًا وهو يهمس بخفوت:.

مش عارف يا حسام، مش جاي أصلح ولا أقولك إحتويها لأني مش قادر أبرر غلطها، بس إنت صاحبي يا حسام، يظهر إنك نسيت ده..!
حسام وقد أطلق ضحكة خافتة متهكمة:
أنا نسيت كل حاجة، مش عارف مين الصاحب من العدو من الفاسد، ماهو انا هنتظر ايه بعد خيانة مراتي ليا؟ مابقتش فارقة يا كريم!
تفهم كريم حالته تلك، فلو كان مكانه لفعل أكثر، حاول تهدئته وهو يقول:.

هي دي الحياة يا حسام، تجارب ومواقف، صحيح بتكون قاسية بس مينفعش نستسلم، وأنا مش هطلب منك إنك ترجع لسارة، إنت تحاول تخرج نفسك من اللي إنت فيه ده عشان تعرف تفكر الأول..
أومأ حسام بصمت وهو ينظر إليه بتمعن كأنه يرسل إليه نظرات عتاب قاسية..
تفوه حسام دون وعي منه:
مش هي دي اللي دافعت عنها المرة اللي فاتت؟ إيه مبتدافعش عنها ليه المرة دي؟، مش بعيد تكون كنت عارف انها بتعمل كده، ما إنتوا شكلكوا عيلة...

قاطعه كريم صائحا بغضب:
بس بلاش تقول كلام تندم عليه يا حسام، إوعي تتجنن وتغلط وتاخد عاطل مع باطل!
حاول حسام أن ينفعل عليه، أن يتهمه، لكنه لم يمنحه فرصة وهب واقفا هاتفا بحزم:
خلص الكلام يا حسام ولينا كلام تاني لما تفوق وتهدي!
أنهي كلامه وخرج صافقا الباب خلفه، في حين ضرب حسام بقوة على سطح مكتبه ثائرا...

ذهب كريم بعد ما يقارب الساعة إلى المنزل، وما إن دلف حتى ركضت فاطمة نحوه تسأله بتلهف:
ها يا كريم إتكلمت معاه، وقالك ايه وقولتله إيه وآآ..
قاطعها بنفاذ صبر:
بس يا فاطمة إسكتي شوية..
زفرت بحنق وهي تجلس جواره وتسأله مجددًا بنبرة أهدي:
طيب طمني..
أجابها متنهدا بضيق: حسام حالته سيئة جدا، وانا مش عارف اقوله ايه؟ تفتكري ايه اللي ممكن اقوله يعني؟
فاطمة بإحباط:
يعني مافيش أمل يسامحها؟
كريم بجدية:.

هي خبطته في كتفه بدون قصد؟ ولا علت صوتها عليه يا فاطمة، أختك عملت جريمة في حقه عارفه يعني إيه جريمة، يعني صعب أوي يغفر!
طغي الحزن على قسماتها أكثر:
يا كريم إحنا بشر وبنغلط، ولو بيحبها هيغفر لها!
كريم معارضا: لا مش بالسهولة دي طبعا، والحب مش بيغفر كل حاجة في حاجات لا تغتفر يا فاطمة، أختك غلطت وتتحمل بقي غلطها ياما حذرناها مافيش فايدة، شوفي بقي استفادت ايه دلوقتي من عنادها ومخها البايظ ده..

فاطمة بدفاع عن شقيقتها:
سارة ليها مُبرر يا كريم وانت عارف كويس اوي ليه عملت كده بلاش تقسي عليها إنت كمان..
كريم بعدم إقتناع:
واشمعني هي، ما انتي وجميلة كمان عيشتوا نفس الظروف يبقي ليه هي كده..
- عشان مشاعرنا مختلفة عن بعض، وكل واحد بيحس بطريقة مختلفة..
- يمكن يا فاطمة بس أنا مش قادر أتعاطف معاها ولو كنت مكان حسام مش عارف كنت هعمل ايه، الراجل من حقه يبقي أب، فاهمة؟!

أومأت برأسها بحزن وانهمرت دموعها حزنا على حال شقيقتها، فلا أحد يعلم معاناتها وصراعها الداخلي غيرها وغير شقيقتها الأخري..
وما كان من كريم إلا أن عانقها بمواساة وهو يهمس لها بتهوين:
ربنا هو اللي هيحلها من عنده يا فاطمة، سبيها على الله..

قامت السيدة عفاف بزيارة لبيت ولدها حتى تطمئن عليه، جلست بصحبته بعد أن طيبت خاطره على كلماتها اللازعة تلك التي ألقتها عليه عبر الهاتف وهو كعادته دائمًا إستجاب وتناسي..
بينما قدمت جميلة إليها مشروب فراولة طازج، لتذهب وتجلس جوار والدتها..
أردفت عفاف بإستخفاف للأمر:
قلبي عندك يا جميلة، عرفت إن أختك إتطلقت، مش كانت تاخد بالها من حياتها بدل ما تقعد كده بقيت عمرها!

نظرت لها جميلة بغضب مكتوم وفضّلت الصمت، في حين همس إسلام من بين أسنانه: مالوش لازمة الكلام ده يا ماما!
فيما قالت أنهار بجدية:
أظن إن دي حاجة شخصية شوية يا أم إسلام، بلاش ياختي تدخلي نفسك فيها...
عفاف بحدة: إنتي بتكلميني كده ليه يا حبيبتي؟ أنا في بيت إبني وأقول اللي يعجبني، إنتي اللي ضيفة هنا!
توسعت عيني جميلة بنفاذ صبر، فيما قال إسلام بجدية تامة: يا ماما من فضلك خلاص!

نهضت أنهار بغضب عن مقعدها وقالت في حدة:
صح عندك حق، أنا ماشية..
أسرعت جميلة تمسكها وهي تقول بتحذير: مستحيل هتمشي يا ماما، أرجوكي إقعدي مكانك..
حاولت أن تتدخل عفاف مرة ثانية بحديثها الفظ إلا أن إسلام أوقفها صارخا:
والله العظيم يا ماما لو ما سكتي لأكون أنا اللي سايبلك الدنيا وطفشان عشان ترتاحي..
إبتلعت كلماتها وصمتت بالكاد، ولكن النظرات لم تصمت ولم تهدأ عفاف أبدًا..

نهضت بعد أن ألقت عليهما نظراتها المشمئزة قائلة بصرامة:
أنا هروح يابني وهبقي أجيلك تاني..
توجهت صوب الباب وهي تتمتم بضيق: البيت بيت أبونا ويجي الغرب يطردونا!
خرجت وصفقت الباب خلفها، لتتحدث أنهار بخفوت:
سامحيني يا جميلة مكانش قصدي أعملك مشكلة مع حماتك، بس أنا لازم أمشي..
جميلة بإصرار ؛: أنا محتجاكي جنبي، ماتسبنيش!
تنهدت أنهار وهي توزع أنظارها بينهما، ثم تركتهما قائلة: عن إذنكم..

جلست جميلة إلى جوار زوجها في هدوء، أتواسيه أم يواسيها هو، هو به ما يكفيه وهي أيضا، ولكنها هي من تبادر دائمًا كعادتها.
- متزعلش يا إسلام..
إلتقط كف يدها بين راحتي يده قائلًا بهدوء:
إنتي اللي متزعليش، إمسحيها فيا وسامحيها، هايجي اليوم اللي هتعرف إنها كانت غلطانة معاكي وهتشوفك زي ما انا شايفك وزي كل الناس ما شيفاكي..
جميلة بتنهيدة عميقة:.

أنا مقدرة حبها ليك، بس مش عارفه أنا إيه ذنبي، وليه كل ما تشوفني تعمل كده، ما علينا يا إسلام، مهما عملت هي على راسي عشان خاطرك إنت..
رفع كف يدها إلى فمه طابعا قبلة هادئة: ربنا يخليكي ليا، بإذن الله هتتغير، وهتحبك أوي كمان..
أراحت رأسها على كتفه وهي تهمس: بإذن الله يا إسلام، ربنا المستعان..

حاولت مهاتفته ولكن محاولاتها فشلت، فكان هاتفه مغلق بإستمرار..
أصبحت حالتها أكثر بؤسا وهما، أصبحت على وشك الجنون إن لم يفصح عنها ويمنحها فرصة أخري وأخيرة..
لم تجد فائدة من محاولات الوصول إليه عبر الهاتف فقررت الذهاب إليه في مقر عمله..

ترددت قليلًا ولكنها حسمت الأمر وإرتدت ملابسها بسرعة شديدة، وتسحبت خارج الشقة وهبطت الدرج بحذر شديد خوفا من أن تراها شقيقتها وتمنعها من الذهاب، تعلم أنها لو ذهبت لإشتعلت الأمور أكثر وربما يتهور عليها أكثر..
إستقلت سارة أول سيارة أجري مرت من أمامها وهي تدعي الله أن يتفهم موقفها ويغفر..

وصلت بعد مرور نصف ساعة، ترجلت من السيارة وصعدت، أبطأت في خطواتها وتعثرت أكثر من مرة، تخشي رؤيته وترغب بها في نفس الوقت..
أخبرت السكرتيرة أنها تريده، لتخبرها السكرتيرة أنه أمرها أنه لا يريد رؤية أحد أيا كان، وبعد قليل أدخلتها السكرتيرة بقلة حيلة...
وما إن توجهت سارة إلى داخل المكتب حتى توسعت عينيها بصدمة مما رأت...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة