قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السابع والعشرون

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السابع والعشرون

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السابع والعشرون

صُدمت سارة عندما وجدت حالته المزرية تلك، دخان سجائر يملأ الغرفة، وهو ممدد على الأريكة الصغيرة مغلق عينيه بشدة..
سعلت قليلًا من رائحة السجائر النفاذة، لينتبه حسام إلى الصوت ويفتح عينيه ناظرًا إليها بذهول، هل واتتها الجرئة لتأتي إليه بقدميها!
لألأت عينيه بوحشية وهو ينهض عن الأريكة بغضب، ليهتف بصوتٍ حاد قوي:
وليكي عين تيجي هنا!

إبتلعت ريقها بخوف حقيقي من ملامحه الحادة، تجاهلت رهبتها منه الآن وسألته بعفوية:
إنت من إمتي بتشرب سجاير ومعقولة شربت الكمية دي كلها؟!
كانت تشير إلى أعقاب السجائر الملقاه بإهمال على أرض المكتب، في حين دفعها حسام بيده لتتراجع إلى الخلف متماسكة حتى لا تسقط من شدة الدفعة..
- أخرجي برا ومتورنيش وشك تاني، إنتي فاهمة!
حركت رأسها بعنف رافضة لما يقول، إنسابت دموعا حارقة فوق وجنتاها، ثم هتفت من بين شهقاتها:.

أن أنا لازم أتكلم معاك، وإنت لازم تسمعني، لازم تفهمني وتعرف أنا عملت كده ليه، أرجوك
رفع سبابته أمام وجهها مشيرا إليها بتحذير:
أنا مش هفهم، إنتي إنتهيتي بالنسبة ليا خلااااااص!، خلصت الحكاية يا دكتورة..
إقتربت منه مرة ثانية تتوسله في بكاء:
أرجوك إهدي، أنا عملت كده عشان آآ...
صرخ بها وهو يدفعها مجددًا وتلك المرة سقطت على الأرض بقوة..

عشان شيفالك شوفة تانية، عشان أنا مش مالي عينك، أنا عارف قذارتك كويس وزي ما عملتي زمان بتعملي دلوقتي يا...
قاطعته صارخة ومدافعة عن نفسها:
إخرس يا حسام، أنا عمري ما خنتك حرام عليك ماتبقاش قاسي لدرجة دي!..
قهقه ساخرًا بشدة وهو يضع يده فوق معدته، إستمرت ضحكاته لثوان إلى أن هدأ وقال مستهزءا:.

ضحكتيني، يا شيخة ده إنتي تعلمي الحجر معني القسوة، إنتي شيطانة. وانا اتخدعت فيكي وكنت مغفل، إمشي، إمشي إطلعي برا دلوقتي حالا خلاص بقيت لما بشوفك بكره الدنيا..
إندفعت نحوه تعانقه بقوة، بأمل، بإستغاثة، بضياع أيضًا..

- سامحني، س سامحني و وهعوضك، ه هعيش خدامة تحت رجليك، والله كنت في دوامة مش عارفه أطلع منها، كنت محتاجة حد ياخد بإيدي كنت محتجاك وخايفة منك في نفس الوقت، أبوس إيدك سامحني يا حسام، أنا آسفة..

قالت كلماتها دفعه واحدة عله يتأثر بها ويتفهمها أكثر، ولكنه كان كالمغيب تماما، حتى إنه لم يتأثر بكلمة واحدة مما تفوهت به، لينزعها بعيدًا عنه ويجرها من ذراعها بقسوة لم تعهدها منه قبلا، وكانت الصدمة وهو يفتح باب المكتب دافعا إياها بقسوة أعنف صائحا: برااا، ماتجيش تاني إحنا إنتهينا فهمتييييييييي!

ثم صفق الباب بقوة وتركها تبكي بحرقة وتنظر حولها إلى الموظفين الذين تجمعوا يشاهدون ذلك الموقف البائس، وإبتدت الهمسات والهمزات وهي في حالة يرثي لها وكأن شُلت قدماها ولم تعد قادرة على حملها مرة أخري..
أسرعت فجر تركض إليها، ثم جثت أمامها قائلة بتلهف:
دكتورة سارة! تعالي، تعالي قومي معايا!.

ساعدتها على النهوض حتى وقفت على قدميها مرة أخري وهي تطرق رأسها للأسفل وتمسح دموعها الحارقة عن وجنتيها، وأخيرا رفعت رأسها لتسير بهدوء مبتعدة، هتفت فجر منادية عنها ولكنها لم تسمع ولم تري أمامها الان هي في عالم آخر مليئ بالأوجاع..
تعجبت فجر مما حدث للتو، فقد شاهدت مشهد إلقائها خارج المكتب وقساوة زوجها معها، هي تعلم أن يوجد مشكلة بينهما ولكن يبدو أنها مشكلة عويصة، إذا عليها التدخل والإصلاح بينهما..

ترددت قليلًا في البداية، ولكنها حسمت الأمر وطرقت الباب عدة طرقات خافتة فلم يأتيها رد أو إذن بالدخول، فقررت المغامرة والدخول بنفسها..
بالفعل توجهت إلى الداخل، وإقتربت بحذر..

كان يقف وينظر من خلف زجاج النافذة ليشاهدها وهي تخرج من البوابة الرئيسية للشركة، ترقرقت العبرات في عينيه حزنا وألما، اللعنة عليكِ يا سارة مازال القلب يعشقك، مازال يخفق خوفا عليكِ يا من ذبحتيني، ولكن لا حتى إذا توقفت نبضاته من شدة شوقه لكِ لفضلت الموت بدلا منكِ...
تنحنحت فجر بإحراج شديد، وقالت بصوت خافت جدا: أستاذ حسام...
زفر حانقا ومسح دموعه سريعًا بيده قائلًا دون أن يلتفت إليها:
خير..

فجر بخجل: ممكن أتكلم مع حضرتك شوية..؟
- قولي...
قالها بضجر ومازال يوليها ظهره، فقالت بحذر: أنا مش بتطفل بس كنت عاوزة أعرف فيه ايه بين حضرتك ودكتورة سارة يمكن أقدر...
قاطعها بصوت صارم:
مالكيش دعوة يا فجر، الموضوع ميخصكيش، إتفضلي روحي على شغلك دلوقتي..
حاولت تهدئته، فصرخ بنفاذ صبر: برااا يا فجر برااا..
إنتفضت بقوة وقد برزت مقلتيها صدمةً من صوته المخيف، وما كان منها إلا أن ركضت هاربة من بطشه..

في حين إلتفت حسام ليعود يجلس على مقعده ضائعا...

نهض كريم عازما على الذهاب إلى الشركة مرة ثانية ليستكمل عمله، بينما قالت فاطمة في ضجر: إنت هتروح الشركة تاني!؟
رد عليها بإيجاز ؛: أه لسه عندي شغل مهم جدا..
قالت زافرة:
طيب أنا هروح لسارة شوية أنا والعيال، ممكن؟
أومأ موافقًا وقال في هدوء: ماشي، إلبسي هوصلكم قبل ما أروح الشركة..

هزت رأسها بإيجاب، وذهبت إلى الغرفة وفي عدة دقائق، عادت إليه بعد إن إرتدت ملابسها بصحبة صغارها، وتوجهوا إلى الخارج وبعد إن إستقلوا السيارة قال كريم في تحذير:
ياريت يا فاطمة تكوني على وعدك معايا ولما تشوفي اللي إسمها مني دي ماتنفعليش ولا تخليها تستفزك، مفهوم؟
قالت بتذمر: مفهوم حضرتك، أما نشوف أخرة الاوامر دي إيه..
رمقها بنظرة جامدة وقال:.

مش هتخلص يا فاطمة، وبعدين فين الاوامر دي؟ ده تحذير، عشان أنا مش ناقص مشاكل فهمتي؟
أومأت قائلة بغيظ: فهمت..
مط شفتيه متابعا بحيرة: مش عارف إنتي متوترة ومش على بعضك بقالك فترة ليه يا فاطمة، خليكي براحتك بس إفتكري إني سألتك كتير عشان يوم ما اعرف انتي مخبية ايه ماتبقيش تزعلي مني وما تلوميش إلا نفسك تمام؟
تلعثمت وهي تجيبه بتوتر: انا مش مخبية حاجة يا كريم، هخبي ايه يعني؟
نظر لها بشك:.

أوك يا فاطمة، وأنا مصدقك، وواثق فيكي، ها!
قالت بتمرد: ايه واثق فيا دي يعني ايه بتحذرني من ايه يعني!
أدار وجهه لينظر من النافذة وقال بنفاذ صبر:
الصبر يا ولي الصابرين...

وصلوا بعد مرور ساعة من الزمن إلى البيت العائلي الذي كان يجمعها ذات يوم مع شقيقاتها، ترجلت من السيارة بصحبة الصغار لتسمع صوته يقول بصيغة آمرة:
هجيلك بعد ما أخلص شغل، رجلك ماتخطيش الشارع يا فاطمة، تمام؟
أومأت بغيظ من إسلوب سي السيد الذي يمارسه معها في بعض الأحيان..

إنطلق بالسيارة وهي صعدت إلى الأعلي، أسرعا الصغار يطرقان باب شقة عمتهما بإشتياق، لتفتح وتتفاجئ بهما وبها، إبتسمت بإتساع وصافحتهم بحرارة وإشتياق، وركض الأطفال يلعبون مع بعضهم، تسامرتا كلا من فاطمة وهالة قليلًا، ليأتي دور جميلة بالترحيب حيث خرجت تعانق شقيقتها في حنان بالغ، وكذلك فعلت فاطمة، في حين قالت جميلة بعد ذلك:
فاطمة، ممكن تسلمي على أمك وكفاية كده بقي؟!

صدمتها الجملة قليلًا، وصمتت طويلا، وتجمدت أيضًا، هل تصفح وتغفر الآن؟.
التوقيت غير ملائم وهي في حالة نفسية لا تتحمل ذلك المشهد الدرامي، ربما تزيد الامور سوءا إذا تواجهت معها الان لذا قالت وكأنها تهرب من الموقف:
أنا هطلع أشوف سارة..
أنهت جملتها وركضت فوق الدرج هاربة، فتنهدت جميلة بغيظ، لتقول هالة ضاحكة: فاطمة عمرها ما هتكبر أبدًا..

كانت سارة شاردة في عالم آخر حين جلست فاطمة جوارها تواسيها بكلماتها الهادئة، تعاتبها تارة وتصبرها بحنان تارة أخري، والأخيرة لم تري أمام عينيها سوي ذاك المشهد القاسي وهو يلقيها أمام الجميع خارج مكتبه، تلك القساوة تستحقها هكذا قالت في وليجة نفسها، ليته يعفو ذلك الحسام المجروح..!

تفاجئت فاطمة برسالة جديدة على هاتفها، فتحتها بتوتر، وثوان حتى نبعت حبات العرق عن جبينها من شدة إختناقها مما قرأته في الرسالة التي كان محتواها يعني من إمتي هو جه البيت ورجع الشغل تاني يا مغفلة؟!
ضغطت على أسنانها بشدة، حتى إن شقيقتها لاحظت ذلك وسألتها بصوت مرهق: مالك يا فاطمة؟ رسالة دي ولا إيه؟!
قالت متلعثمة:
لا، اه، دي رسالة من شركة فودافون، عادي..
رسالة أخري تليها، لتفتحها وتستشيط غضبا وغيظا..

طب لو مش مصدقاني، قومي دلوقتي وروحيله الشركة وهتعرفي إن كلامي صح
مسحت على وجهها بغضب مكتوم، ثم هبت واقفه وخرجت من شقة شقيقتها وتقف على إحدي درجات السلم، وقد أجرت إتصالا سريعا على صديقتها نوارة، ما إن ردت نوارة حتى قالت فاطمة بصوت مختنق:
نوارة، هو كريم، ترددت أن تسألها ماذا يفعل زوجها، ولكن الغيرة تنهش قلبها بقوة..
قالت بإرتباك: ه هو كريم بيعمل إيه دلوقتي؟.
نوارة بإستغراب:.

مش عارفه يا فاطمة هو في مكتبه، في حاجة؟
فاطمة بتساؤل:
طيب هو معاه حد؟
أجابتها نوارة في هدوء:
أه معاه عميلة..
عميلة وليس عميل!
جن جنونها وهي تتخيلهما بمفردهما في غرفة مكتبه!
تعلم أنه جادي لأقصي حد وتثق به، به فقط..
ولكن هناك شئ خطأ عليها أن تعلمه قبل أن تجن بالفعل، ستذهب إليه، ستذهب بلا خوف ولا تردد دون أن تعلم عواقب ذهابها إليه دون علمه وإذنه..

أغلقت الخط وكادت تهبط الدرج، ولكنها توقفت حين سمعت صوتها الذي تبغضه بشدة..
- ايه ده، فاطمة؟ إنتي هنا من إمتي..؟
إحتدت ملامح الأخيرة وهي ترمقها بإشمئزاز، في حين تابعت مني بإستفزاز:
ياه، ليكي وحشة يا بطتي..
نظرت لها بتحذير وهتفت:
ششش بس ما تقولليش بطتي دي تاني، أنتي فاهمة ولا لا؟
مني وقد ضحكت بسخرية:
أهاا، سوري نسيت إن محدش بيقولك كده غير جوزك، سوري يا فاطمة..

تأففت فاطمة وأكملت هبوط الدرج، لاحظت مني أنها غاضبة إذا عليها إشعال غضبها أكثر، هتفت بإستخفاف ؛
إبقي سلميلي على كراميلة..
أنهت جملتها بضحكة عالية سخيفة أشعلت غضب الأخيرة بشدة، كادت أن تذهب إليها وتصفعها عدة صفعات حتى ترتاح وتشفي غليلها منها، ولكن لا ستتحمل رغمًا عنها حتى تكشف مكيدتها القذرة تلك!.
هبطت الدرج دون أن تعريها أي إهتمام، وإستقلت سيارة أجري ذاهبة إلى زوجها في مقر عمله..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة