قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السابع والثلاثون

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السابع والثلاثون

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السابع والثلاثون

بعد مرور إسبوع آخر...
تحديدًا في عيادة الطبيبة داليا، كانت تجلس سارة أمامها وهي تقص عليه مخاوفها ممن هو آت، قلقها الدائم، مشاعرها التي لا زالت مشتتة...
- خايفة ربنا يعاقبني على كل اللي فات وأتحرم من الإنجاب بجد يا داليا، خايفة أخسر حسام للأبد ويسبني المرة دي بجد، قوليلي أعمل إيه..؟
قالت سارة عبارتها بهدوء تام، في حين تابعت داليا بجدية:
إنتي تحللي وتطمني على نفسك يا سارة وسبيها على الله...

واصلت سارة حديثها:
بس حتى لو حصل عقم يا داليا، العقم ده له علاج، بس غالبا بيكون برا مصر، طالما العقم مش مستعصي ناتج عن أسباب..
ردت عليها بإبتسامة أمل:
أكيد يا سارة إن شاء الله، المهم تكوني إتعلمتي من اللي فات، وتعيشي متفائلة بقي..
أطلقت سارة تنهيدة طويلة وأردفت:
ياااه، ده أنا إتعلمت وإتعلمت وعرفت قيمة نعم ربنا عليا، بحاول أصلح من نفسي عشان أعرف أعيش وعشان خاطر حسام..

أومأت داليا بإعجاب، ثم تابعت بإستفسار:
ومامتك، عاملة إيه معاها..؟
أجابتها سارة بنبرة حزينة بعض الشئ:
بحاول أتأقلم معاها، بحاول أنسي اللي عملته فيا، بحاول يا داليا...
داليا بتفهم: هتنسي يا سارة، أكيد هتنسي..

من عواد ليجعلها هكذا رهن موافقته..؟ هل جن؟، لقد جعلها لا تنام الليل من شدة غيظها وتفكيرها به، ويا حسرةً لو كان قراره الرفض..! إسبوعا كاملا وعواد لم يرد مما جعلها تيأس من موافقته وتفقد الأمل، ولكن ما الذي يحزنها إلى هذا الحد..؟
تبدلت أحوالها تماما، هي مُني التي رفضت أشكال وألوان من الرجال ويأتي العواد ليرفضها؟! لم يستوعب عقلها ذلك!..

إستمعت لصوت خالها إبراهيم من الخارج فنهضت بسرعة شديدة وهي تركض خارج الغرفة لعل ذاك العواد أخبره برأيه أخيرا...
وقفت أمام خالها وعينيها تتساءل بحيرة وقلق، وبعد إن طال صمت إبراهيم قررت تتحرر من صمتها هي وسألته بحذر: خير يا خالو، في إيه...؟
نظر لها بغموض مما أرعبها وشعرت أن قلبها سقط بين قدميها، إزدردت ريقها بتوتر بالغ وهي تنتظر الرد بفارغ الصبر!.

بعد موجة من الصمت تعمد إبراهيم التلاعب فيها بأعصابها، ليهتف بنبرة مرحة والإبتسامة تعلو شفتيه:
عوااااد موااافق...
تنفست الصعداء أخيرًا وبدي الإرتياح واضحا على قسماتها، لتسمع إبراهيم يخبرها بهدوء:
إن شاء الله بعد بكرة هيجي عشان نعمل الخطوبة ونقرأ الفاتحة..
أومأت مني برأسها وإلتفتت ذاهبة إلى غرفتها، أغلقت الباب خلفها وإرتمت جالسة بإرهاق وهي تفكر بحيرة فيما ينتظرها...

قررت مُني شراء فستان على أحدث موديل لإستقبالهم حتى تتألق كعادتها دائمًا وتُصبح أكثر جمالا وإشراق، بالفعل ذهبت مني وقامت بشراءه، وفي المساء تجمعوا في شقة العمة رجاء بما فيهم فاطمة، حتى تُبارك لعمتها الحنونة ومُني إن حكمت هكذا فكرت بصفاء نية!.
أقبلت فاطمة على العمة رجاء تعانقها بحنان وهي تقول:
عمتو ماتزعليش مني عشان اللي حصل المرة اللي فاتت أنا ماقدرش على زعلك والله..

ربتت العمة رجاء على ظهرها برفق وهي تخبرها بنبرة هادئة:
ده إنتي بنتي يا بطوطة، مابزعلش منك بس ضغوط الحياة بتخليني أبقي عصبية شوية يا حبيبتي..
أومأت فاطمة برأسها، ثم قالت مبتسمة: ربنا يخليكي لينا يا عمتو، ويتمم لمني على خير..
رجاء بمزاح:
أظن إنك فرحانة أوي إنها هتتجوز وتحل عنك صح؟
ضحكت فاطمة وأجابتها بخجل:
خلاص بقي يا عمتو، ربنا يسعدها..

ربتت على كتفها وتحركت من أمامها، لتتشارك فاطمة مع شقيقاتها وهالة في جو مرح تتعالي فيه ضحكاتهن، في حين إرتدت مُني فستاتها ذا اللون الأحمر وخرجت تأخذ رأيهن في ذوقه، وقفت أمامهن وهي تسألهن بنبرة خافتة:
إيه رأيكم في فستاني..؟
أردفت جميلة بجدية:
جميل بس ضيق شوية يا مني أظن إنك لازم تبلسي حاجة أوسع شويه، ولا إيه يا بنات..؟
أردفت فاطمة بتلقائية:.

هي ممكن توديه للخياطة تفكه من الجنبين شوية وهيبقي واسع، بس هو شكله جميل..
نظرت مني إليها بضيق من تدخلها، الجميع يحق له التدخل إلا هي..
قالت متعمدة إحراجها:
أنا مأخدتش رأيك ولا وجهت لك كلام أصلا، ياريت تحتفظي برأيك لنفسك..
إحمر وجهها بحرج ونظرت إليها بصدمة ثم نهضت بإرتباك وخرجت من الشقة بدون كلمة واحدة..
في حين صاحت بها رجاء غاضبة:
إنتي قليلة الذوق بجد، ليه كده..؟
بينما قالت سارة بدفاع عن شقيقتها:.

ده إنتي بجحة أوي يا شيخة، ايه ده! في حد يعمل كده..
ثم تركتها وخرجت تليها شقيقتها وهالة وقد تركوها وحيدة بصحبة أمها التي رمقتها بسخط وتركتها هي الأخري، فتنهدت بثقل وهي تمسح على رأسها بضيق شديد...
إنخرطت فاطمة في بكاء حار وهي تدفن وجهها بين راحتي يديها وتعاتب نفسها على حديثها معها يا ليتها لم تتحدث فيبدو أنها ستظل معتزة بفظاظة إسلوبها الغليظ ذاك...

إلتقطت هاتفها وقامت بفتح الإنترنت لتهاتفه من خلاله، بالفعل كان مُتصل هو أيضا يعلم أنها ستحادثه متي أحبت..
أجرت إتصالا عليه، ليجيب عليها بنبرته الدافئة:
حبيبي..
تفاجئ بصوتها الباكي وهي تهتف من بين شهقاتها:
كريم، أنا زعلانة أوي..
رد عليها بقلق بالغ:
في إيه يا فاطمة، مالك بتبكي ليه بس؟
أجابته من بين دموعها:
أنا طلعت فوق عند عمتو ومني حرجتني أوي..
قال مستفسرا:
إزاي يعني؟
تمتمت بغضب:.

قولتلها رأيي في الفستان بتاعها وقالتلي مالكيش دعوة وماتدخليش في اللي مالكيش فيه..!
تنهد وقال بعتاب: مش أنا قولتلك بلاش تتكلمي معاها؟ تستاهلي يا فاطمة..
إزداد بكاؤها وهي تصرخ به بنفاذ صبر:
أنا أستاهل؟ إنت كمان هتغلطني، طب أنا هموت نفسي عشان ترتاح!
ضحك رغما عنه، ثم قال بنبرة حازمة:
طب خلاص إهدي وماتزعليش، وبطلي عياط
أردفت نافية: لا..
رد بجدية: بطلي دلع يا بطتي، قوليلي صحيح إنتي رديتي عليها..؟
أجابته بغضب:.

إطمن مردتش لاني إتكبست كبسة ما يعلم بيها إلا ربنا..
كتم ضحكاته، وقال بنبرة هادئة: برافو عليكي يا بطتي، معلش ماتزعليش حقك عليا أنا..
مسحت دموعها بظهر يدها وقالت بإشتياق:
وحشتني أوي
ضحك بخفوت قبل إن يردف:
وإنتي كمان وحشتيني أوي يا بطتي كلها إسبوع واحد ونرجع، بس إسلام لسه مدخلش العمليات..
أومأت بتفهم: ربنا معاه ويرجعك ليا بالسلامة يا حبيبي
إبتسم وسألها بجدية:
العيال عاملين إيه..؟
- كويسين..
- وبطتي الصغيرة..؟

ضحكت بخجل:
بتسلم عليك وعاوزة تاكل كفتة وتحلي بشاورما
قهقه ضاحكا قائلا من بين ضحكاته:
عيوني الاتنين لبطتي الصغنونة والكبيرة..
تنهدت مبتسمة: ربنا يخليك لينا..

بعد مرور يومان..
حضر عواد بصحبة والديه مرة ثانية لقراءة الفاتحة والخطبة العائلية..
جلب عواد معه الشبكة الذهبية والتي إنتقاها على ذوقه هو، ما إن رأتها مُني حتى سألته بحنق:
إيه ده؟
أجابها بجدية تامة: دي شبكتك..
تأففت وهي تهتف متذمرة:
بس أنا معرفش إنك هتجبها إنت، اللي اعرفه انك هاتيجي وننقيها من هنا وعلي ذوقي أنا!
رد عليها بهدوء تام: هو أنا ذوقي مش عاجبك؟

إحتقن وجهها غيظا وجلست بضيق، في حين تدخل أحمد بجدية:
خلاص يا مني مافيش مشكلة وكمان هي ذوقها حلو إعقلي بقي..
رد عواد مبتسما بتسلية:
يلا بقي عشان تلبسيها يا عروسة..
رمقته بنظرات نارية وهي تمد يدها له بنفاذ صبر، فرفع أحد حاجبيه قائلا بصوت أجش:
لحظة يا آنسة، أمي اللي هتلبسك الشبكة...
ولم يمهلها فرصة للتحدث حيث تنحي جانبا وجلست والدته السيدة صباح بمكانه وهي تقول بإبتسامة: ناوليني إيدك يا عروسة...

ذهلت مني من أفعاله لتصر على أسنانها بغضب شديد، فما كان منه إلا أن أشاح بوجهه بعيدا عنها وهو يضحك بلا مبالاه...

كانت في قمة غضبها بعد إن إنتهت السيدة صباح من تلبيسها الشبكة..
كانت ترمقه بنظرات حانقة ومغتاظة بينما كان عواد لم ينظر إليها من الأساس، مما جعلها تستشيط أكثر..
إنتهزت مني إنشغال الجميع ومالت عليه قليلًا وهي تهمس بضيق شديد:
إنت إزاي تعمل كده وتحرجني قدام الناس، إتجننت!
نظر لها بتحذير وبادلها بهمس حازم:.

ماسمحلكيش يا آنسة، إتعلمي تكلميني بإحترام عن كده شوية، ثم إني ما أحرجتكيش، ده شرع ربنا وأنا بنفذه، إنتي لسه مش مراتي عشان ألمس إيدك وشرعا ماينفعش ألبسك الشبكة او المس منك شعرة، يارب نكون فهمنا!
كظمت غيظها منه وصمتت وهي تهز ساقها بعصبية تامة، فعاد عواد يهمس لها بنبرة حادة نوعا ما:.

بقولك إيه أنا مش عاجبني لبسك ده، من فضلك يوسع شوية والطرحة تتلف بطريقة أفضل، مش حتة قماشة صغيرة زي اللي إنتي لابساها دي على أساس إنها حجاب!
أردفت مني بتهكم:
إنت كمان هتدخل في لبسي!
قال بتأكيد:
طبعا ولازم تغيريه وأجي المرة الجاية ألاقيه واسع ومش حاطة مكياج، ده إن كنتي عاوزانا نكمل مع بعض، تمام!
وما إن أنهي جملته حتى قام من مجلسه ليتحدث مع والده في أمر ما تاركا إياها تحترق غضبا وغيظا..

بعد مرور يومان..
قامت سارة بعمل التحاليل حتى تطمئن ولكن لا يوجد إطمئنان فلقد أصبح ظنها بمحله وقد سببت تلك الحبوب عُقم لديها، حزنت وبشدة، إنهارت وبكت ولكن ما من فائدة، لم تبكي على ذاتها إنما على زوجها الذي من الممكن أن ينحرم من الأبوة للأبد وهو الذي بعشق الأطفال ويتمني كُل المُني وجود طفلا بحياته...

تماسكت سارة وهي تضع الطعام أمامه على الطاولة، ثم جلست إلى جواره بصمت تام تحاول إخفاء توترها وحزنها العميق، لاحظ حسام عدم إرتياحها وصمتها ذاك، فسألها وهو يتمعن النظر إلى وجهها:
مالك يا سو؟
نظرت له وقد ظهر الوجل جليا داخل عينيها المعذبتين، ثم أطرقت رأسها وهي تفرك كلتي يديها ببعضهما...
عاد يسألها بقلق:
ردي عليا يا سارة ماااالك..؟
أجابته بصوت خافت جدا:
أنا عملت التحاليل يا حسام..

أغلق عينيه سريعا بألم جلي وهو يكور قبضة يده بضيق، لقد علم ما ستقوله، لقد علم!
تابعت سارة محاولة تخفيف حدة الأمر:
حسام فيه علاج ونسبة النجاح عالية جدا، هسافر وهعمل عملية وهنخلف يا حسام..
تنهد بصوت مسموع وهو يرفع رأسه للأعلي وقد شعر بالإختناق، ماذا لو لم تنجح تلك العملية؟، سيضيع بالتأكيد، سيموت قهرًا..
نهص متجها إلى الشرفة ليستنشق أكبر قدر من الهواء ثم زفره دفعه واحدة عله يخرج معه جزءا من آلامه..

إستمع إلى صوتها الباكي وهي تهمس بنبرة معتذرة:
أنا آسفة، سامحني، أنا آآ...
قاطعها بحزم هادئ:
مش عاوز أسمع أي كلام يا سارة ماتفتحيش أي كلام، أنا مش زعلان منك..
إقتربت منه قائلة: بس عذابك بسببي، أنا السبب في كل اللي إنت بتحس بيه..
مسحت دموعها الحارقة وتابعت في محاولة منها لبث الأمل داخله:
بس في أمل إننا نخلف يا حسام، وحتي لو ماخلفتش أنا هخرج من حياتك وهسيبك تتجوز واحدة تانية أحسن مني تخلف منها وتبقي أب...

إلتفت لها بقوة، وراح يجذبها من معصمها ضاغطا عليه بشدة وهو يخبرها بغضب:
يا رتني أقدر، كنت عملت كده من زمان، لكن إنتي بس اللي في قلبي، مهما حصل مش عارف أبص لحد تاني ومش قادر، ولادي عاوزهم منك إنتي، امهم هي إنتي مش حد تاني، وأنا، أنا بحبك إنتي!
تدفقت عبراتها أكثر وأخذت مجراها مرة ثانية فوق وجنتاها، وما كان منها إلا إن إرتمت داخل أحضانه وهي ترتجف وتهمس من بين شهقاتها:.

حقك عليا والله ما كنت في وعيي ولا مدركة خطورة اللي بعمله، والله أنا كمان بحبك، بحبك أوي أكتر من أي حاجة في الدنيا دي، نفسي أعوضك وأشوفك سعيد ساعتها بس هرتاح..
عانقها بقوة، وهو يهمس لها بصوت معذب: ربنا كبير، وأنا كمان بحبك، هنعمل العملية وكله على الله..

بعد مرور أربعة أيام أخري..
صوت الهاتف يعلو معلنا عن إتصال، إتصال تنتظره على أحر من الجمر، إرتجفت بشدة حين إلتقت فاطمة الهاتف وهي تخبرها بقلق: ده كريم يا جميلة...
خفق قلب الأخيرة بقوة وتجمدت ملامحها وهي تهمس ببكاء:
ر ردي عليه، أكيد هيبلغنا نتيجة العملية، ردي يا فاطمة...
فتحت الخط ووضعته على أذنها وقلبها يخفق بشدة وساد صمت قاتل بينهم الجميع في إنتظار ما سيقوله كريم، تري نجحت أم فشلت، هل سيري أم...

آتاها صوت كريم الحزين وهو يخبرها بنبرة مختنقة:
للأسف العملية فشلت يا فاطمة، حاولي تبلغي جميلة بطريقة هادية شوية..
شهقت فاطمة وهي تضع يدها فمها وعينيها على شقيقتها التي توسعت عينيها بصدمة جلية وهي تهتف بإنهيار: العملية فشلت يا فاطمة!؟
ثم هزتها بقوة وهي تسألها مجددًا بهستيرية:
قوليلي نجحت وإسلام بيشوف، قوليلي يا فاطمة...

عانقتها فاطمة بقوة شديدة وهي لا تعرف كيف تواسيها! لتتفاجئ بها تسقط من بين يديها مغشيا عليا...
...
عاد كريم يجلس أمام إسلام وهو يهتف بغيظ:
إنت مجنون يا إسلام والله، خلتني كذبت عليهم ومراتك إنهارت!
إسلام بلهفة:
بجد جميلة إنهارت إزاي؟!
أجابه وهو يصر على أسنانه غيظا:
انهارت من الصدمة يا أخويا! هيكون من ايه يعني.
إسلام هادئا:
يلا معلش أنا هكلمها كمان شوية كده أهديها، لا إله إلا الله معرفش إنها هتنهار كده..!

رفع كريم أحد حاجبيه قائلا: لا يا شيخ؟، مجنون
إسلام ضاحكا:
بصراحة نفسي أشوف شكلها عامل إزاي مش عاوزها تعرف غير وأنا قدامها
كريم بتفهم: ماشي يا عم، المهم يعني إنت شايفني كويس دلوقتي..؟
أجابه إسلام ضاحكا بخفوت:
أيوة، دي عاشر مرة تسألني زهقتني..
قهقه كريم قائلا من بين ضحكاته:
أصلي مش مصدق نفسي، طب دول كام..؟
إسلام بنفاذ صبر: خمسة، ثم إستكمل ضاحكا بمزاح: خمسة وخميسة عليا..!

غرزت سارة الحقنة المُهدئة في أوردت شقيقتها لتسترخي بعد حالة الإغماء التي أصابتها منذ قليل تليها حالة إنهيار وبُكاء هستيري متواصل، فإضطرت لحقنها بالمُهدئ حتى تنعم بالراحة قليلًا، بالفعل إسترخت جميلة تماما وغطت في سبات عميق وقسمات وجهها مُتشنجة حزينة...
ألقت عليها سارة نظرة حانية وهي تهمس بحزن: يا حبيبتي يا جميلة
- كان عندها أمل إنه يرجع يشوف..
نطقتها فاطمة وهي تحدثها بتأثر، في حين قالت سارة:.

الله يكون في عونها ويصبرها هي وإسلام...
فاطمة بتأمين: اااامين..

بعد مرور ساعتان من الزمن..
كانت غارقة في نوم عميق لا تسمع صوت هاتفها الذي يصدح عاليا بسبب ذاك المهدئ...
تكرر الرنين مرارا وتكرارا حتى إبتدت في الإفاقة حيث فتحت عينيها ببطئ شديد وهي ترمش وتحاول جاهدة النهوض، نهضت جالسة على الفراش ثم مدت يدها وإلتقطت الهاتف من على الكومود، وما إن نظرت في الشاشة حتى أجابت على الفور قائلة بتلهف:
إسلام، إسلام حبيبي آآ..

قاطعها يقول بنبرة دافئة: حبيبتي، كنتي نايمة ولا إيه عمالة أتصل مش بتردي..
إنسابت عبراتها من جديد فوق وجنتيها وهي تحدثه بمرارة:
إسلام حبيبي، إنت كويس؟
قال محاولا تهدئتها: أنا كويس جدا والحمدلله راضي بكل حاجة يا جميلتي، ربنا أراد إن نظري مايرجعش تاني هنعمل إيه..؟ الحمدلله على كل حال يا حبيبي..
إستغربت جميلة قليلًا من إسلوبه الهادئ، كانت تظن أنه في حالة إنهيار مثلها، فمن أين آتي بكل هذا الهدوء..؟!

ربما قوة إيمانه بالله، هكذا حدثت نفسها، ثم سألته من بين بكاؤها: يعني إنت مش زعلان..؟
تنهدت مطصنعا الحزن: يعني شوية، أنا مش عاوزك تزعلي، لو ليا غلاوة عندك ماتزعليش يا جميلة، تمام؟
وصله صوتها وهي تهمس من بين شهقاتها:
كان نفسي تشوف يا حبيبي، بس الحمدلله على كل حال، بجد إنت كويس؟

كتم ضحكاته قبل أن ينفجر وتنكشف خدعته، ثم قال بهمس حزين: الحمدلله يا جميلتي، المهم بقي أنا عاوزك بكرة تجيلي المطار عاوزك اول حد اشوفه، آآ قصدي أحس بوجوده جنبي، تمام يا حبيبي؟
أومأت برأسها في طاعة وهي تخبره بحنان:
طبعا يا حبيبي من غير ما تقول، إنت وحشتني أوي أوي..
همس لها بحب:
وإنتي كمان يا جميلتي، هعد الساعات من هنا لحد بكرة...

مرت ساعات الليل عليه كالسنوات، لم يصدق أنه سيري جميلته أخيرا، حبيبة عمره المخلصة التي إزداد إحتراما وحبا بل وعشقا لها في محنته، أخيرا سيراها وسيري عينيها الجميلتين...
كانت هي أيضا في طريقها إلى المطار بصحبة شقيقتها فاطمة...
توقفت السيارة أمام مطار القاهرة الدولي، وتكاد تتوقف أنفاسها معها، تشتاقه وبشدة رغم حزنها الدفين..

ترجلت من السيارة وإتبعتها فاطمة وهي تكاد تركض إلى حبيبها هي الأخري، إسبوعان بعيدا عنها كيف عاشت بدونه وبدون تدليله لها، عصبيته حنانه عشقه!
إتجهتا إلى الداخل ووقفتا في إنتظارهما، مرت عدة دقائق وهما تقفان في لهفة، شوق وإنتظار..

ثم رأتهما يأتيان من بعيد، فقفزت فاطمة كالأطفال وهي تلوح بيدها لزوجها الذي إبتسم لها بإشتياق شديد، في حين تقدمت جميله للأمام وقلبها يضرب كالطبول وهي تري عيني إسلام مصوبة عليها كأنها تشاهد كل تفصيلة بها..

ركض ركضا إليها، لم يتحمل السير على قدميه، لم يتحمل بعدها أكثر، ظل يركض ويركض إلى أن وصل إليها ضاما إياها بكل ما يمتلك من قوة كادت تحطم أضلاعها، صوت أنفاسه المتهدجة وصلت إلى مسامعها لتهمس بإشتياق جارف:
وحشتني، وحشتني أوووي..
أبعدها عنه بالكاد، ثم إحتضن وجهها الحبيب بين كفيه وراح يقبل كل إنش به وهو يهمس بصوته الحنون:
قلبي إحلويتي أكتر من الأول، إيه الجمال ده..؟

جحظت عينيها بصدمة وهي تشهق بقوة هاتفة بعدم تصديق: إيييه؟ آآ..
قاطعها وهو يومئ برأسه ضاحكا بسعادة:
أنا بشوف، شايفك قدامي دلوقتي يا جميلتي، سامحيني..
عادت تقول بذهول:
إنت شايفني! إسلام...
أنهت جملتها وهي تلوح بيدها أمام وجهه لتتحرك عينيه مع يدها، ثم يلتقطها ليقبلها بحب هامسا بغمزة من عينه:
حتى الطرحة البامبي دي هتاكل من عليكي حتة وعيونك هتجنني يا جميلتي..

فغرت شفتيها وقد إتسعت إبتسامتها ودمعت عينيها بتأثر، لكنها قالت بغيظ من بين دموعها:
يعني كنتوا بتضحكوا علينا..؟
أومأ برأسه وراح يضمها مرة ثانية هامسا بمزاح: سماح المرة دي يا جميلتي كنت عاوز اشوف الفرحة في عيونك بنفسي وأنا اللي أعرفك إني شوفت..
تنفست الصعداء وهي تحمد ربها مرارا وتكرارا من بين بكاؤها...
في حين كانت تستقر فاطمة بين أحضان كريم كأنها طفلة تائهة وجدت والدها أخيرا..
- حبيبي وحشتيني..

همس لها بود، لتبادله الهمس بنبرة عاشقة:
كنت بموت من غيرك..
إبتسم لها وهو يمسح على وجنتها برفق:
بعد الشر عليكي يا بطتي...
ليستمع إلى صوت جميلة وهي تقول بعتاب:
كده برضو يا كريم، تعملوا فيا كده؟
قال كريم مازحا:
بريئ والله، هو اللي قالي وصمم، وأنا أقوله يابني إعقل يابني حرام ماااافيش فايدة!
قهقه إسلام ضاحكا:
ده إنت بتسلمني تسليم أهالي بقي يا كبير، ماتخلنيش أقول لمراتك على الممرضة اللي كانت معجبة بيك هااا.

توسعت عيني فاطمة وهي تنظر له قائلة: نعمممم!
كتم كريم فمها بيده هاتفا بمزاح: ششش إهدي إهدي، منك لله يا إسلام..
لف إسلام ذراعه حول كتف زوجته وهو يغمز له قائلا: إستلم بقي يا كبير، سلام...
ثم سار بصحبة زوجته ضاحكا، لتوكزه فاطمة في ذراعه بغضب: مين دي يا كريم؟
هدئها وهو ينظر إلى عمق عينيها هامسا:
أهي واحدة من ضمن يا بطوطة قلبي، إنتي نسيتي إن مافيش حد غيرك يملي عيني ولا إيه..؟

إحمر وجهها خجلا وهي تبادله الهمس بإرتباك: بس دي أجنبية وأكيد حلوة..
والله ما في أحلي منك يا بطتي، قالها مبتسما ثم تابع بمرح: يلا بينا بقي، قوليلي عملالي أكل ايه، أنا واقع من الجوع..؟
ضحكت وقالت:
ملوخية ومحشي وفراخ محمرة...
قال بإنبهار: أوووه ما تمدي شوية بقولك وااااقع!
ضحكت فاطمة متناسية غيرتها وكل شئ وهي تمرح معه...

وصلوا بعد مرور ساعة إلى المنزل والجميع منتظرهم، أسرع إسلام ليحتضن والدته بإشتياق قائلا بمحبة:
ماما وحشتيني يا ست الكل
بادلته عفاف العناق وهي تهتف: قلب أمك، ألف مليون سلامة يا حبيبي..
أسرعت جميلة تهتف بسعادة:
إسلام بيشوف وكان عامل فينا مقلب..
ضحكت عفاف هاتفة من بين ضحكاتها: فيكي لوحدك ياختي مش فينا..
ذهلت جميلة بعدم فهم، ليقول والده عبد العزيز وهو يصافح والده بمرح:.

إسلام إتصل بينا وحلفنا مانجبلكيش سيرة واحنا كنا عارفين إنه مقلب..
جميلة بغيظ وهي تنظر إلى زوجها:
كده برضو يا إسلام..
إسلام ضاحكا وهو يضمها إليه: سامحيني بقي يا جميلتي...
وساد جو مرح بين الجميع فرحين جميعا بسلامة إسلام لينعموا بجو أسري دافئ..

وتتوالي الأيام، يوما خلف يوم إلى أن مر ثلاثة أشهر قد تغيرت الأمور حيث تغيرت مُني إلى حد ما، ملابسها أصبحت محتشمة أكثر بناءا على رغبة عواد، أصبحت أهدي ولكنها لم تتخلي عن غرورها بعد، ولكنه يصر على تغيرها كليا حتى تُصبح كما أراد ويريد أن يراها، كما أنهما يحضران لزفافهما بناءا أيضا على رغبة عواد...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة