قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع والعشرون

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع والعشرون

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع والعشرون

توجهت سارة إلى شقة شقيقتها بخطوات مترددة، إقتربت بصحبة الصغيرة من والدتها الممدة على الأريكة تتنفس ببطئ، إقتربت أكثر وهي تسألها بنبرة خافتة بالكاد خرجت منها:
مالك؟
تنظرت الأخيرة لها بحنان وبسطت يدها لها قائلة بصوت مُرهق:
شكل الضغط وطي فجأة، ممكن تقسيه ليا؟
تمتمت سارة بضيق:
طيب..
قامت سارة بفعل اللازم لوالدتها، وبعد ذلك وجدت أن حرارتها قد إرتفعت ونبعت حبات العرق عن جبينها...
قالت بقلق:.

إنتي سخنة أوي، شكلك أخدتي برد!
نهضت بدون مقدمات وذهبت إلى المطبخ لتخرج من المبرد مكعبات الثلج وأحضرت كمادات أيضًا وعادت إليها من جديد..
جلست إلى جوارها وهي تبتلع ريقها بتوتر ووضعت قطعة القطن المبللة بالمياه البارده فوق جبهتها بحذر شديد وهي تحاول الإبتعاد ببصرها عنها..
كانت أنهار في أشد حالاتها السعيدة لإقتراب إبنتها منها إلى هذا الحد..

- يارتني تعبت من زمان لو اعرف انك هتقربي مني كده كنت اتمنيت اتعب من بدري يا حبيبتي..
قالتها أنهار وهي ترمقها بنظرات حانية، لتحتد ملامح سارة من جديد وهي ترد عليها بجمود قاتل:
مش بعمل كده عشانك، ده واجبي بما إني طبيبة، لكن زيك زي أي مريض بعالجه بلاش تحلمي كتير!
نهضت سارة مجرد أن أنهت كلماتها اللازعة تلك، ثم وجهت حديثها للصغيرة قائلة بهدوء حازم:.

تعالي يا سارة إنتي كملي الكمادات دي، ولو في حاجة تاني ابقي اندهيلي..
قبل أن تتراجع للخلف ألقت عليها نظرة أخيرة لتري العبرات قد تلألأت بعينيها، شعرت بشئ ما يتحرك بقلبها ربما تحركت مشاعرها لصدق عبراتها النادمة وربما تكن لها حبا طبيعيا كونها والدتها مهما صدر منها..

لم تبالي سارة وتركتها لتصعد سريعا عائدة إلى شقتها، بينما إنفجرت أنهار في أنهارا من الدموع ونياط قلبها يتمزق تريد الغفران والعفو فهل ستغفر إبنتها؟!..

أغلقت الباب خلفها وهي تتنفس بسرعة، توجهت نحو غرفتها وأخرجت دفترها الصغير من خزانتها وراحت تجلس بهدوء على طرف الفراش وقد تناولت قلمها لتكتب جزءا من آلامها، فالورقة والقلم أحيانًا يكونا خيرا صديق...
الأمومة، هي ليست مجرد لقب تلقب به الفتاة بعد إن تنجب بل هي شئ عظيم لذلك كرمها الله ووضع الجنة تحت قدميها ولكن..

ولكن الجنة لن تضع تحت قدمي تلك التي ألقت بأولادها خلف ظهرها ورحلت تبحث عن ملاذها وقد تركتهم في مهب الريح وربما ستأخذهم العاصفة بلا رجعة..
والأم سترا لأولادها فعلا وليس قولا..
الأم مدرسة تُعلم وترتقي بفكر من أنجبت، الأم هي أساسا لنشأة أولادها وهي من تزرع القيم حتى تحصد عند الكبر ما زرعته يوما..
فماذا عن أم لم تزرع شيئًا وتنتظر الحصاد؟!
وكان هذا ما كتبته سارة في دفترها السري...
...

مرة ثانية، مرة ثانية رسالة أخري وتكررت الرسائل، وفيما معني تلك الرسائل هي خيانة زوجها، أصبحت قلقة، خائفة، حائرة ورغم ذلك لا تزال تثق بزوجها ثقة عمياء ولكن تلك الرسائل تُحزنها وبشدة، تلك الرسائل ستجنن عقلها إن لم تتعرف على المرسل في أقرب وقت..
وكانت أخر رسالة اليوم هي التي وصلت لها الآن من رقم آخر غير السابق..!

فتحتها وبدأ صدرها يصعد ويهبط بحركة سريعة وراحت حبات العرق تنتشر فوق جبينها من أثر إنفعالها المكبوت..
مسحت على وجهها وهي تنهي قراءة الرسالة والتي كان محتواها على فكرة جوزك مش في شغله دلوقتي ولو مش مصدقة تقدري تتأكدي بنفسك
ألقت الهاتف بعنف من يدها ثم أغلقت عينيها في محاولة منها لتهدئة نفسها المنهارة..
عادت تجذب الهاتف مرة ثانية وأجرت إتصالا ثم وضعته على أذنها منتظرة الرد..

فآتاها رد نوارة وهي تقول بنبرة صوتها الهادئة:
إزيك يا فطوم؟.
أجابتها متنهدة بإيجاز: الحمدلله يا نوارة، هو كريم موجود بالشركة؟
أجابتها نوارة:
- لا يا فاطمة خرج في شغل، الموجود أستاذ إبراهيم بس، هو إنتي عاوزة حاجة؟
إزدردت فاطمة ريقها بتوتر وهي تمسح فوق رأسها بعصبية، هل هو يقضي عمله فعلا أم هناك شيئًا آخر يفعله زوجها..!
طال صمتها وهي تفكر حائرة ولم تنتبه إلا على صوت نوارة وهي تسألها بقلق:.

فاطمة في إيه مالك؟
ردت فاطمة بنبرة حزينة بعض الشيء:
مافيش حاجة، سلام..
أغلقت الخط وجلست تفكر في أوهامها وعقلها صور لها عدة مشاهد درامية، وسوسة الشيطان بدأت، هل هي مغفلة غافلة فعلا عن زوجها؟ أم أنها إدعائات فقط عليه...؟!
إذا أين ذهب خارج الشركة وكيف علمت تلك التي تبعث الرسائل بذلك؟.
ربما هو معها وهي بعثت الرسالة..!
سيتوقف عقلها من كثرة التفكير، ستموت حائرة، قلقة..

- يارب يا كريم ماتخيبش أملي فيك، أنا عمري ما هشك فيك يا حبيبي بس أنا هموت من الحيرة..
حدثت نفسها بخفوت وهي تمسح دمعة ساخنة إنحدرت فوق وجنتها، فهي تغار عليه حد الجنون لم يكن زوجا عاديا ولم يكن مثاليا إنما هو حبيبها وهي تعشقه كاملا بالعيوب والمميزات..
لم تستطع تهدئة نفسها فقررت مهاتفة هالة فهي دائمًا التي تنتشلها من أحزانها بطيب كلماتها الحنونة..

في مقر عمل إسلام..
كان يجلس أمام الحاسوب يستمع إلى القارئ الآلي في حين ذهبت جميلة إلى إحدي المكاتب تقضي أمر ما بالعمل، تفاجئ إسلام بهاتفه يرن فمد يده ببطئ ليمررها على سطح المكتب حتى إلتقطت يده الهاتف، أجاب قائلا بخفوت: سلام عليكم..
ردت عفاف بحنو:
وعليكم السلام يا حبيبي وحشتني أوي..
إبتسم إسلام مجيبا:
وأنتي كمان يا ماما، طمنيني على صحتك؟

أجابت بهدوء: بخير يا حبيبي، إنت أخبارك إيه وعارف تشتغل ولا لا؟
قال متنهدا: الحمدلله تمام يا أمي والبركة في جميلة ربنا يباركلي فيها..
لم يعجبها مدحه في زوجته فهي لم ترضي عنها بعد، ولا تزال تراها بنظرة آخري، لا تزال تراها تبعده عنها، تأخذه منها، وربما تعصيه عليها!.
قالت عفاف بعد إن مصمصت شفتيها بعدم رضا:
ميغركش يابني، تلاقيها شيفالها شوفة في الشركة ولا حاجة!

تحولت ملامحه سريعًا للغضب والقتامة، أردف بحدة جلية:
إيه اللي بتقوليه ده يا ماما؟!
ردت عليه متهكمة:
بقول ايه وهي يابني بتعمل كل ده عشان بتحبك! أكيد عاوزة تشوفلها حد مناسب واول ما تلاقيه هتسيبك على طول..!
هتف إسلام وقد إنهارت أعصابه: بس، بس كفاية يا ماما حرام عليكي إتقي الله، هتفضلي طول عمرك بتكرهيها لا وفي الاخر بتذمي فيها، حرام عليكي بجد..

أغلق الخط بدون مقدمات قبل أن ينفعل عليها أكثر من اللازم ويتفوه بكلمات قد تجرحها وهو مازال يبرها كونها أمه ولكن أزادتها حقا أزادتها..
ورغم إنزعاجه من كلماتها إلا أن نيران الغيرة إندلعت داخل صدره، فزوجته جميلة، هي جميلة شكلا وموضوعا كيف وافق على عملها معه بالشركة وجعلها تتعامل مع الآخرين هي من حقه فقط، فكيف يراها الناس وهو لا يراها، جميلته الحنونة هل أعجب بها أحد العملاء؟

راح يفكر بجنون وهو يصر على أسنانه غيظا، وأخيرا إستمع إلى صوتها الرقيق وهي تدخل من باب المكتب بعد أن شكرت أحد الموظفين بالشركة..
شكرا لحضرتك يا أستاذ مجدي، لو إحتجت حاجة تاني هاجي لحضرتك ...
أغلقت باب المكتب وهو جن جنونه، تقدمت أكثر إليه وإبتسمت بينما هو إحتدت ملامحه هاتفا بصوت جهوري أرعبها:
كنتي بتكلميه في إيه؟
إستغربت من لغته الحادة تلك، ماذا فعلت ليغضب منها هكذا؟!
مطت شفتيها وأجابته هادئة:.

في حاجات مكنتش فهماها يا إسلام وهو فهمهالي فشكرته بس كده..!
صاح غاضبا: وتسأليه هو ليه؟
توسعت عينيها بإستغراب تام وردت متوترة:
إسلام إهدي مالك؟
تجاهل حديثها وقال بنفس الغضب: ردي عليا!
قالت وقد عقدت ما بين حاجباها بحزن:
أنا رحت أسأل عمو عبد العزيز (والده) وهو قالي أسأل الشخص ده وهو هيفهمني بس كده..
مسح على وجهه بكف يده ثم قال بصيغة آمرة ؛:
لما تعوزي حاجة بعد كده تقوليلي أنا، فاهمة ولا لا؟!

جميلة بجدية: هقولك إزاي بس يا إسلام آآ..
قاطع حديثها وهو يلقي الملفات من على سطح المكتب وقد هب واقفا بعصبية هاتفا بصوت صارم:
عشان أعمي مش هعرف أفهمك صح؟ جميلة مافيش شغل تاني، خالص! أنا غلطان إني شغلتك أصلا معايا..
حاولت تهدئته فلم يمنحها فرصة حيث هتف مجددًا بغضب عارم:
خلص الكلام، مش عاوز أسمع صوتك دلوقتي!

صمتت وهي تنظر إليه بصدمة من تحوله المفاجئ، فيما جلس هو وصدره أخذ بالصعود والهبوط لاعنا نفسه على غيرته الزائدة والتي أشعلتها والدته لتتحول إلى نيران ولم تحرق سوي زوجته المسكينة..

تناست فاطمة غضبها وهدأت تماما بعد مكالمة هالة، بل وعادت إبتسامتها من جديد حين أخبرتها هالة أنها تتذكر عيد ميلادها، فغدا هي ذكري ميلادها، كانت تعتقد أن لا أحد يتذكر، هل كريم يتذكر؟
راحت تفكر وهي تتأمل في ذلك، ثوانِ معدودة وإستمعت إلى صوت الباب يُغلق معلنا عن وصوله، أسرعت تستقبله بإبتسامة عريضة، وبادرها هو أيضًا بإبتسامة هادئة..
خلعت عنه سترته وهي تقول بنبرة دافئة: حمدالله على سلامتك يا حبيبي..

مسح على وجنتها برفقٍ وراح يطبع قبلة هادئة فوق جبينها كما يفعل دائمًا وهو يردد بإرهاق: الله يسلمك يا بطتي..
ذهب إلى الغرفة ثم جلس على طرف الفراش، فإقتربت منه مجددًا تسأله بنبرة حانية:
مالك يا كيمو؟، شكلك تعبان أوي
هز رأسه موافقًا وألقي بجسده للخلف ليجيبها بصوت خافت:
جدا، كان عندي شغل كتير النهاردة
سألته بحذر: في الشركة؟
قال ضاحكا: أومال يعني في الشارع يا بطتي يا ذكية!
ضحكت بإيجاز وهي تسأله مجددًا بقلق:.

يعني انت كنت طول اليوم النهاردة في الشركة؟
إعتدل جالسا ثم قال بعدم إكتراث:
حاجة زي كده..
نهضت بحركة مفاجئة هاتفة: رد عليا، كنت في الشركة ولا لا؟!
رفع حاجب وهو يطالعها بتعجب:
مالك في ايه؟! وبتسألي ليه يعني مش فاهم!
إبتلعت ريقها بإرتباك وأجابته متلعثمة: ع عادي يعني بسأل، وعاوزاك ترد عليا..
ضيق عينيه وأجاب قاصدا إشعال غضبها أكثر ليعرف فقط لماذا تسأل:
أه كنت في الشركة طول اليوم، في إيه بقي؟

فتحت عينيها على إتساعهما بصدمة، هو يكذب عليها؟! حسنا، فصاحبة الرسائل معها الحق..!
إقتربت منه أكثر وهي تصيح حانقة: إنت بتكذب عليا، إنت كداب يا كريم..
نهض بعنف عن الفراش جاذبا إياها من كلا ذراعيها وقد هزها بغضب:
نعم؟، وإنتي عرفتي منين أساسا إني مش في الشركة، نوارة؟ نوارة بتنقلك كل أخباري صح؟ قولي بقي إنك خلتيني أشغلها عشان كده، وجاية تحاسبيني وكمان بتغلطي فيا! يا بجاحتك يا فاطمة!

شعرت بالخزي من نفسها لقد أزادتها معه، وتطاولت عليه أيضًا..
أطرقت رأسها للأسفل وهي تقول معتذرة: أنا آسفة..
تأفف بضيق وتركها ليعود جالسا بعصبية، إتجهت إليه قائلة بخفوت: معلش مش قصدي أغلط فيك أو أكذبك بس أنا كنت بكلم نوارة بالصدفة وقالتلي إنك خرجت في مشوار وإتعصبت بس لما قولتلي إنك كنت في الشركة...
هز رأسه بيأس وهو يردد متسائلا: أنتي شغلتي نوارة عشان كده يا فاطمة؟

حركت رأسها سريعًا هاتفة بصدق: لا والله العظيم، الموضوع جه صدفة يا كريم وبعدين المفروض لما أسألك تجاوب عليا!
نظر لها مذهول:
فاطمة، إنتي مجنونة، مجنونة رسمي والله!
ركعت أمامه مباشرة وقالت بنبرة رقيقة:
بس بحبك وماليش غيرك ماتزعلش مني، أنا عارفة إني أخنق وبخنقك بأسألتي، بس إنت حبيبي بجد، ها سامحتني؟
كظم غيظه منها، ثم تابع مغلقا عينيه:
بتثبتيني يا فاطمة؟!

ضحكت قائلة: والله أبدا يا كيمو، هو إنت مش عارف إنت عندي ايه؟
نظر لها مجددًا وقد إبتسم مراوغا: أحب أعرف عرفيني..؟!
قالت بدون تردد فيما إشتعلت عينيها ببريق حبا صافيا:
إنت حبيبي وجوزي وقلبي وروحي وأغلي الغاليين على قلبي..
مسح على شعرها هامسًا بهدوء:
ربنا يباركلي فيكِ يا بطتي ومايحرمنيش منك.
إبتسمت بإتساع وتابعت بحذر:
طيب مش هتقولي إنت كنت فين النهاردة بقي؟

إنفجر ضاحكا وهو يضرب كفا على كف هاتفا من بين ضحكاتهُ الرجولية:
يا ولي الصابرين يااااااارب!.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة