قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس والعشرون

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس والعشرون

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس والعشرون

كانت توقع على الملفات بصمت تام بعد موجة بُكاء هستيرية، وكان هو أيضًا صامتا غاضبا من نفسه على حماقته معها، كيف يثور عليها يبدو أن كلام والدته كان له تأثير سلبي عميق...
أغلقت الملفات قائلة بجدية:
خلاص وقعت على كله!
أومأ برأسه إيجابا، ثم مد يده قائلًا بهدوء: يلا عشان نروح..
تنهدت بثقل وراحت تمسك يده الممدودة إليها لتساعده على النهوض وما إن نهض حتى حاوطها بذراعيه ضاما إياها إلى صدره بقوة هامسًا:.

أنا آسف..
أغلقت عينيها بقوة في محاولة منها لإحتجاز دموعها داخل مقلتيها قبل أن تتدفق مرة ثانية، لم يتلقي منها رد فقط سكنت بين ذراعيه كقطة وديعة..
ليستمع إلى صوت شهقاتها الخافتة المكتومة التي مزقت قلبه، تنهد بقوة وهو يضمها إلى صدره أكثر هامسًا مجددًا:.

سامحيني يا جميلة عارف إني زودتها بس أنا بغير عليكِ حبيبتي من الهوا الطاير ومش قادر أتخيل إني محروم من إني أشوفك وكل الناس بتشوفك ولا عالم نيتهم إيه، إعذريني أنا هتجنن عليكي يا جميلة..
ثم مد يده ليلمس وجنتيها ويزيل العبرات العالقة عليهما برفق، فما كان منها إلا أن همست من بين دموعها:
متقساش عليا تاني، ومتعملش فيا كده!
أومأ مبتسما ثم وضع قبلة صغيرة فوق جبينها قائلا ؛: حاضر يا جميلتي، حقك عليا..

- ربنا يخليك ليا..
همست له بحنانها المعهود، فتنهد بإرتياح وقد علم بزوال غضبها منه، ليضمها إلى صدره بقوة أكثر..

في المساء..
تسطح كريم على الفراش بتعب، إقتربت فاطمة متساءلة بتذمر:
كريم إنت مش فاكر حاجة؟
أغلق عينيه بنعاس وهمس:
لا يا بطتي مش فاكر..
إستكملت بحزن: خالص خالص؟
حرك رأسه بعلامة النفي، فظهرت علامات الإحباط على وجهها أكثر وأضافت:
كريم بكرة كام في الشهر؟.
تقلب على جنبه الآخر ليقول بنفاذ صبر:
مش عارف يا فاطمة، سبيني أنام بقي الله يكرمك..

نفخت بغضب، تبا لقد نسي عيد ميلادها كعادته، لابد أن تذكره بذلك كل عام..!
تسطحت جواره وهي تزفر حانقة منه، همست بنبرة خافتة طفولية:
ممكن تلف ومش تديني ضهرك كده طيب؟!
إلتفت لها بنفاذ صبر وأغلق عينيه كمان كان، لتتأمله بإرتياح حتى تغفو هي الأخري..

في اليوم التالي..
بشركة حسام
تبدلت أحوال فجر تماما، نزعت من عقلها تلك الأوهام، ولم يعد حسام يشغل تفكيرها كالسابق، فقط هي تعمل، تجتهد، تتقرب إلى الله، وكأن كلمات حسام كان جرس الإنذار لها، لتضع نقطة وتبدأ من أول السطر، هي غالية، صغيرة، مسلمة، إذا عليها أن تجتهد فيما يرضي خالقها ولا تلتفت لهذا وذاك فقط ستنتظر المَن من الله..

لم تكن فجر شاعرة بمن حولها كثيرا، فهي تقضي عملها وتذهب إلى المنزل فورًا وكلامها محدود خاصة مع الجنس الآخر، لذلك هي غافلة عن تلك العينان اللتين تراقبناها في صمت..

إستيقظ كريم بالصباح وإرتدي ثيابه الأنيقة ليقف أمام المرآة يمشط شعره الأسمر، توجهت فاطمة إلى داخل الغرفة وملامحها غاضبة بشدة، ثم وضعت ما تحمله على الكومود بضيق قائلة بصرامة: النسكافيه أهو..

نظر لها بطرف عينه ومط شفتيه مستغربا من غضبها هذا، إتجه ببطئ إلى الفراش وجلس ثم تناول المشروب وإرتشف منه وهو يرمقها بنظرات متساءلة دون أن يتحدث، عاد يضع الكوب على الكومود وفضّل الصمت منتظرا ثرثارتها الصباحية، بالفعل هتفت وهي ترمقه بإغتياظ:
كريم، إنت مش فاكر حاجة؟.
أجابها هادئا بلا مبالاه: لا مش فاكر يا فاطمة، ماتجيبي من الاخر وتقولي فيه ايييه؟

ضغطت على أسنانها غيظا، ثم تابعت بخيبة أمل: كنت فاكرة إنك هتفتكر لوحدك لكن زي كل سنة لازم أنا اللي أفكرك يا كريم..!
قطب حاجباها وهو يسألها بجدية:
إيه ده، هو النهاردة السنوية بتاعت أبوكي الله يرحمه؟
فتحت عينيها على إتساعهما بصدمة، وتمنت أن تلكمه الآن في وجهه من شدة غيظها، كورت قبضتيها وقالت بهدوء حزين: الله يرحمه يا كريم النهاردة مش السنوية بتاعته...

عاد يرتشف من مشروب النسكافيه الخاص به مرة أخرى وهو يسألها دون إكتراث: إومال؟
قالت بملامح متجهمة للغاية: النهاردة عيد ميلادي يا كريم يا زوجي العزيز..
رفع حاجباه بدهشة قائلًا بإبتسامة: أوووه، حبيبي كل سنة وأنتي طيبة يا بطتي أنا..
تجهمت ملامحها أكثر: والله؟ إنت عمرك ما تفتكر لوحدك يعني..
نهض واقفا بعد أن أنهي مشروبه ليقول متعجلا:
خلاص بقي يا بطتي، انا مطحون في الشغل ومش فاكر كلت إيه إمبارح، يلا سلام بقي.

ركضت خلفه لتلحق به:
كريم هو ده اللي ربنا قدرك عليه؟ إيه اللي واخد عقلك يا كريم؟
إلتفت لها ضاحكا: بلاش جنان، وبعدين إنتي عارفه ان اعياد الميلاد دي تفاهات وانا مبهتمش بالتفاهات دي يا بطوطة قلبي، قولنا كل سنة وانتي طيبة وخلصنا بقي، متعكريش دماغي على صباحة ربنا..
عضت شفتها السفلي بغيظ شديد، ثم قالت متذمرة: هو إنتوا كده يا صنف الرجالة كاسرين بخاطرنا ديما..

رفع حاجب ليضيف بصوت جادي: بطتي، إتفلقي وخلاص هسحب الكلمة، مش كل سنة وأنتي طيبة، اقولك كل سنة وانتي مجنونة ومزهقاني في عيشتي، مكدبتش لما قولت عليكي نكدية، سلام..
خرج سريعا وأغلق الباب خلفه هابطا درجات السلم تاركا إياها تحترق غيظا وغيرةً عليه..

وبعد مرور ساعة بالشركة..
ذهب والده إبراهيم إلى مكتبه وولج إلى الداخل، ثم راح يجلس أمامه قائلا بنبرة حازمة تحمل من المرح أيضًا:
مزعل مراتك ليه ياأبو الكرم؟
رفع كريم احد حاجبيه متابعا بإستغراب:
إنت عرفت منين يا بابا؟
إبراهيم وقد ضحك بمرح: لسه قافلة معايا دلوقتي وإشتكتلي منك، إزاي ياض إنت تنسي عيد ميلادها؟!
كظم غيظه منها، وتابع متوعدا إياها: يا مجنونة، ماشي يا فاطمة..

تحدث إبراهيم بجدية: إيه وهي إشتكت لحد غريب، فيها إيه يعني! وبعدين فيها إيه لما تراضيها يا كريم مش هتخس ولا هتخسر حاجة..!
كريم بذهول: أراضيها! هو أنا كنت زعلتها أصلا يا أبو خليل، يا بابا متشغلش دماغك إنت بس، فاطمة دي مجنونة وأنا بعرف أتعامل معاها...
إبراهيم بنبرة حادة:.

إيه يا كريم، ده أنا بقول عليك عاقل، مش قصدي انك نسيت عيد ميلادها قصدي إنك كسرت بخاطرها وكسر الخاطر مش كويس، كان ممكن تقولها انك نسيت بطريقة حلوة وتقولها هجبلك هدية وكلمتين حلوين هتعدي الليلة يا كريم..
مط كريم شفتيه بعدم إقتناع، ثم تابع بتنهيدة عميقة:
ما أنا فعلا قولتلها كلمتين حلوين بس هي اللي قلبت نكد، هي قالتلك إيه بالظبط؟
تابع إبراهيم بهدوء:.

قالت إنك زعقتلها وقولتلها إنها نكدية ومزهقاك في عيشتك ده كلام برضو؟
ضحك كريم على زوجته التي تتعامل بروح الطفلة دائمًا، لم ولن تكبر فاطمة أبدًا ستظل هي مهما مر من الدهر..
كريم ضاحكا:
هي اللي بتستفزني والله وبعدين دول كلمتين وخلاص وبصالحها على طول النصابة دي..
إستكمل إبراهيم:.

الست دايما تحب الاهتمام حتى ولو بكلمة صغيرة حلوة، خليك فاهم كده، ممكن تكون مجنونة وطايشة زي ما بتقول بس تقدر تحتويها، هات ليها حتى وردة وشوكولاتة هتفرح إسألني أنا، ايييه الله يرحم أمك كنت بعمل معاها كده والله يابني، بكرة العمر يعدي ماتخلهوش يعدي في المشاكل ووجع القلب عيشوا حياتكم وحسوها واستغلوا الايام في الفرح مش الحزن فاهمني؟

أومأ كريم مبتسما ومعجبا بوالده ليقول بصوت هادئ: فاهمك يا بابا، إنت مافيش منك إتنين ربنا يباركلنا في عمرك..
قال ضاحكا بخفوت:
المهم انك تعمل بالكلام ماااشي؟
رد كريم موافقًا: ماشي يا بابا إنت تؤمر!

وفي مساء اليوم..
تناولا وجبة العشا في هدوء وجو من المرح كعادتهما الأخيرة، لقد إستقرت حياتهما بشكل كبير وإستطاعت سارة أن توازن بين عملها وزوجها وليس فقط، بل فكرت جيدًا في موضوع الإنجاب، راودتها الافكار وتيقنت أنها تفعل فعلا شنيعا وجريمة بشعة في حق زوجها ولذا قررت وقف تناول هذه الحبوب لتمنح زوجها طفلا يتمناه طويلا...

جلس حسام يتابع أعماله على الحاسوب الخاص به، وذهبت سارة إلى المطبخ تعد الشاي، وقررت أيضًا مهاتفة صديقتها داليا حتى تخبرها بقرارها النهائي فيما وصلت إليه..
آتاها صوت داليا مرحبا عبر الهاتف:
أهلا يا سو، إزيك؟
أجابتها سارة بتنهيدة مريحة إلى حد ما:
الحمدلله، أنا كويسة أوي أوي يا داليا..
داليا متساءلة بمرح:
ايه اللي غير حالك يا جميل؟

ردت سارة هادئة: قررت إني خلاص مش هاخد حبوب منع الحمل تاني يا داليا، أنا هفوق من الهم ده بقي..
حمستها داليا وسعدت جدا بهذا الخبر المُفرح، بينما نهض حسام من أمام الحاسوب عندما شعر بألم يجتاح رأسه، فأخذ يبحث في الأدراج عن حبوب مسكنة، فلم يجد، هتف مناديا:
سارة معاكي مسكن للصداع..؟
لم تسمعه سارة، فقط آتاه صوت قهقهتها مع صديقتها، فهمس بغيظ:
سيباني وعمالة ترغي مع صاحبتك يا سارة، ماشي!

فرك جبهته بأصابعه وهو يحدث نفسه: إيه الصداع ده بس..
قرر فتح حقيبتها ف بالتأكيد سيجد بداخلها حبوب مسكنة، فتحها بدون تردد وإبتسم بإرتياح عندما وجد علبة المسكن..
قال متنهدا بإرتياح: الحمدلله لقيت أخيرًا..
أخرج منها الشريط، ثم دقق النظر إليه بإستغراب، مط شفتيه وقد عقد مابين حاجباه محدثا لنفسه:
مالها عاملة كده ليه!

وما لبث أن توسعت عينيه في صدمة جلية شلت عقله الذي لم يستوعب ما قرأه بظهر الشريط، حبوب منع الحمل!
عاد يقرأ مرة ثانية وثالثة ليتأكد، يريد أن يستيقظ حالا من ذاك الكابوس المفاجئ، لا هي لم تفعل، لم تفعل تلك الجريمة!.
كانت سارة قد أنهت المكالمة وخرجت من المطبخ وهي تمسك بقدح الشاي، توجهت إلى الغرفة وهي تهتف بمرح:
انت هنا وانا عمالة ادور عليك آآ...

إنقطع الكلام فجأة، وجف حلقها تماما، ثم سقط الكوب من يدها فورًا مرتطما بالأرض ليصدر صوتا عاليا جعلها تنتفض في مكانها وأصابها إرتجافة عنيفة، فقط هو شعور الضياع هو الذي تشعر به الآن كيف حدث ذلك وهي قررت أخيرًا التوقف عن الهراء الذي كانت تفعله ولكن، تأتي الرياح دائمًا بما لا تشتهي السفن!
تقاربا حاجبيه بشدة من بعضهما في شكل غاضب مُخيف وهو يطالعها بعدم تصديق، ذهول، صدمة، صدمة جلية لم يكن يتوقعها أبدًا..

صمت قاتل خيم على المكان، نبعت العبرات بتدفق من عينيها وهي ترتجف بشدة، بينما هو إقترب وهي تراجعت، كلما إقترب خطوة، تراجعت هي خطوة أخري، قلبها يخفق بوجل، وإزداد خفقان حين سألها بهدوء مُخيف: إيه ده؟
وصمت، صمت مرة أخرى يتمني أن تُكذب ما رأت عينيه، تدافع عن نفسها ويعتذر لها عن سوء ظنه، يا ليت يكون هذا الشريط لا يخصها هي..

طال صمتها وهي تشهق بصوت مكتوم، لم يتحمل أكثر من ذلك، قبض على ذراعها بعنف هاتفا بصوت يكاد أن يصم آذنيها:
إيييييه ده؟!
حركت رأسها يمينًا ويسارًا بحركة عنيفة، هاتفة بهستيرية من بين شهقاتها المريرة:
والله ما، ك كنت هاخدها تاني، أنا أنا بطلت، أرجوك، صمتت لتحاول إلتقاط أنفاسها المتهدجة:
ح حسام آآ...

وكان رده عليها صفعة مدوية جعلتها تسقط أرضا متأوهة بألم، ليهز رأسه في عدم تصديق ويكسر كل شئ أمامه، أطاح بكل شئ أمامه بجنون، لقد طعنته ومزقت كل شئ بينهما، تلك هي القاضية..
صرخ بها بصوت متألم:
يعني إيه، كنتي بتضحكي عليا؟ بتقوليلي إنك مبتخلفيش وبتاخدي زفت منع الحمل! إيييييه الجبروت ده، ليه، ليه كده عشان ايه!

إزداد بكاؤها وتعالي صوت تحيبها لم تستطع المدافعة عن نفسها بأي حق، وأي وجه تدافع، هي فقط تشعر بالخزي والندم، ولقد فات أوان الندم!
نهضت بصعوبة بالغة عن الأرض في محاولة منها للإعتذار، وحين إقتربت دفعها بعيدًا عنه كأنها ستلوثه، لم يستوعب ولم يتوقع يوما أنها لا تريد الإنجاب منه، كل شئ غفره لها إلا هذا، لن يغفر، لن يغفر حبه لها هي من قضت على حبه وعلي ما تبقي إليه من أمل ولم تترك له سوي الخدلان..

وحين تكلمت مرة ثانية أخرسها صارخا بإهتياج:
بااااس، ولا كلمة زيادة يا، يا دكتورة، أنا هريحك، روحي حققي ذاتك وكبري مكانتك في المجتمع إعملي أي حاجة إنتي عاوزاها وبالمرة دوري على حد تاني تتجوزيه ينفعك اكتر مني ويبقي شخشيخة في إيدك يا محترمة!
توسعت عينيها بصدمة، تتوسله أن يسمع، أن يفهم، ولكن ما الذي سيسمعه لن يسمع شئ..

فقط كلمة واحدة خرجت من فمه بعد موجة صمت مُرعبة، كلمة واحدة كانت قادرة على تمزيق قلبها وروحها المنهكة...
-إنتِ طالق يا سارة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة