قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني والعشرون

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني والعشرون

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني والعشرون

أصعب شعور ممكن يشعر به أي إنسان، هو الشعور بالعجز نفسيًا وجسديًا، ما شعورك حين يُسلب منك بصرك في لحظة؟، إنه شعورًا قاسيًا يكاد يقتل صاحبه ولكن، يجعلنا ندرك قيمة نعم الله، ولعل في ذلك أيضًا حكمة لا يعلمها إلا الله...

كان قلبه يتمزق وهو يتكئ على زوجته لتوجهه إلى الغرفة والدنيا ظلام أمام عيناه، صوت بُكاء والدته كان يزيد من عذابه الداخلي حتى مواساة زوجته كانت توتره أكثر فأكثر، يكفي عليه ظلام عينيه..
إنحنت جميلة تركع على ركبتيها حتى تخلع عن قدميه الحذاء، فأوقفها ممسكا بكتفيها بقوة ألمتها:
- لا..
فقط كلمة واحدة خرجت من فمه ليعود لصمته مرة أخري وهو ينحني ليخلع حذائه، إعترضت جميلة وقالت وهي تمسح دموعها:.

إسلام أنا بساعدك..
حرك رأسه بعنف رافضا لمساعدتها، فإن كان أصبح عاجزًا ذلك لا يمنعه من الإعتماد على ذاته..
تركته على راحته ونهضت تجلس إلى جواره، فجلس والده قبالتهما بجانب زوجته السيدة عفاف التي مازالت مستمرة في بكاؤها المرير، أخذ إسلام يتنهد بنفاذ صبر، وهو يستمع إلى صوتها المنتحب:
يا حبيبي يابني بقيت أعمي، كان مستخبيلك ده كله فين، ده إنت كنت زي الوردة المفتحة!.
زفر إسلام بقوة، قبل أن يقول بصوت صارم:.

ماما أرجوكي أنا مش مستحمل حاجة..
إستكملت وصلتها وكأنها لم تسمعه، لتنظر إلى جميلة بكره دفين:
من يوم ما إتجوزك وإنتي وش النحس عليه، شوفي النحس وصل لحد فين، إبني بقي أعمي منك لله..
نهرها زوجها بشدة:
عفاف، إيه اللي بتقوليه ده!
بينما توسعت عيني جميلة بصدمة من حديثها الفظ، أتتهمها بعجز إبنها بسبب تلك الخرافات وهي النحس وما شبه؟!
كادت لتستكمل وصلة الإهانة خاصتها إلا إنه صاح بها بغضب عارم:.

إسكتي، إسكتي يا ماما حرام عليكي كفااااااااية كفااااااااية...
صمتت وإبتلعت الكلمات رغمًا عنها، ولكن النظرات كانت تذبح الأخيرة ذبحا، من أي جهة ستلاحق مصائبها..!
وتلك والدته لا تري ما هي فيه لتلقي كلماتها السامة دون رحمة بها..

نهض والده وأجبرها على النهوض مرة أخرى ليستعدا للذهاب، حيث أوصلتهما جميلة إلى الباب وعادت إلى زوجها وهي تحاول ضبط أعصابها فهو يحتاج إلى الراحة والهدوء وهي على أتم إستعداد لتمنحه كل ما يريد وستتجاوز عن آلامها جانبا فآلامه أشد وجعا...
جلست جواره مرة ثانية وهي تلتقط كف يده هامسة بهدوء: إسلام، الدكتور قال هيعمل عملية بعد شهرين ووارد جدا انك ترجع تشوف بلاش يأس عشان خاطري..

تنهد بعمق وهو ينزع يده من بين يديها قائلًا بحزم: سبيني دلوقتي يا جميلة..
شعرت بوخزه في قلبها المتألم ونهضت بطاعة قائلة: حاضر بس على الأقل خليني أساعدك تغير هدومك..
رد عليها بالكاد:
مش عايز اغير يا جميلة، أرجوكي سبيني دلوقتي..
كيف ستتركه بهذه الحالة؟ قلبها يرق له وتريد أن تساعده ولكنه يرفض مساعدتها وهي مصرة..
إقتربت منه أكثر وهي تحاول تهدئته حيث مسحت على رأسه برفق وهي تهمس بصدق:.

إسلام أنا سندك في محنتك، خليني أساعدك وأقف جنبك..
نفذ صبره، لقد نفذ صبره ودفعها بعنف بعيدًا عنه، صارخا بألم: قولت سبيني، ابعدي بقي كفاية انا مش عاجز مش عااااااجز...
برزت مقلتيها بصدمة جلية وهي تتراجع للخلف بعدم تصديق، إنها المرة الأولي ينهرها هكذا، ماذا حدث له؟ لقد كانت تريد التهوين عليه، يبدو أن فقدان بصره سيكون نقطة تحول في حياتهما.

جلس كريم على كرسيه في الشركة وهو يُشير بجدية لنوارة التي تقف أمامه في إستيحاء:
- إتفضلي..
جلست قبالته بينما أخذ هو يتفحص ملفها بدقة، إلى أن قال متنهدا:
تمام، تقدري تشتغلي معانا من بكرة، وأتمني تفهمي نظام شغلنا بسرعة..
أومأت رأسها وقالت:
باذن الله أكون عند حسن الظن..
رفع سماعة الهاتف قائلًا بإيجاز: نسرين، تعالي من فضلك..

ثم أغلق الخط لتأتي نسرين بعد قليل ووقفت أمامه قائلة بهدوء: أفندم يا أستاذ كريم..
قال بجدية:
خدي مدام نوارة وعرفيها شغلها وفهميها النظام بالظبط وهتكون تحت إشرافك لحد ما تفهم النظام، ومن بكرة تستلم شغلها، تمام؟
أومأت نسرين في طاعة وتوجهت بصحبة نوارة إلى الخارج، بينما ظهر الضيق جليًا على وجهه نوارة، يبدو أنها كانت تنتظر معاملة من نوع آخر..
زفر كريم أنفاسه بهدوء وهو يحدث نفسه:.

أما نشوف أخرتها معاكي يا فاطمة إنتي وست نوارة بتاعتك دي..
تفاجئ بهاتفه يصدر رنين فإلتقطته مجيبا عليها بجدية:
خير يا فاطمة؟
آتاه صوتها الهادئ: إزيك يا كيمو؟
رد عليها بإيجاز: كويس، ونوارة إشتغلت وخلصنا أي طلبات تانية؟!
قالت متذمرة:
ليه المعاملة دي يا كريم، أنا زعلتك دلوقتي؟
أردف بنفي: لا مزعلتنيش، بس انا عندي شغل يا فاطمة وانا عارف إنتي بتتصلي ليه..
تنهدت وتابعت:.

ماشي، أنا هقفل وهسيبك تشوف شغلك بس بلاش تتعصب خليك ريلاكس..
مسح على وجهه ضاحكا وقال: حاضر، سلام بقي..
أغلق الخط بدون مقدمات كعادته معها، لتتأفف هي بضيق وتقول بغيظ:
نفسي أكلمه مرة وميقفلش في وشي، ماشي يا كرميلة!

وضع رأسه في حجرها وأغلق عينيه بإرهاق شديد، فيما مسدت سارة على رأسه برفق وهي تهمس بهدوء:
مالك يا حسام، انت شكلك مجهد أوي؟
رد عليها بخفوت دون أن يفتح عينيه:
مرهق شوية من الشغل يا سو، محتاج راحة ومحتاجك جنبي..
إبتسمت له في حنان:
أنا جنبك ديما يا حس..
إبتسم في صمت، ثم قال بنبرة حزينة بعض الشيء: نفسي نخلف يا سارة، أنا بدعي كتير أوي بس لسه ربنا مش رايد أكيد له حكمة في كده..

شحب وجهها بشدة عقب إستماعها جملته التي وصلت إلى قلبها كالسكين الحاد لتمزق نياطه، وأخذ صدرها يهبط ويصعد بخوف شديد..
ففتح عينيه لينظر إليها بقلق متسائلا: مالك؟
إبتسمت بإرتباك وهي تحاول ضبط أعصابها المتوترة: مافيش، ح حاجة، أنا كمان نفسي نخلف..
عاد يغلق عينيه وهو يتنهد بعمق وأردف في تساؤل:
بتاخدي العلاج بإنتظام يا سارة؟
أومأت برأسها وتابعت بقلب وجل: أيوة..
منحها إبتسامة حانية وهو يردد:.

خير إن شاء الله يا حبيبي، ربنا أكيد هيكرمنا..
ساد الصمت بينهما لعدة دقائق، هو صامت وهي تربت على رأسه وكأنها ترسل له إعتذار، عقلها سينفجر، هو حبيبها ولا يستحق منها ما تفعله به، وهي ذات عقل مسكين تائهة بين ماضيها وحاضرها، ولكنها توعده في وليجة نفسها أنها ستقف على قدميها من جديد ستحقق له مراده عن قريب، ستتخلي عن أنانيتها تلك من أجله، ومن أجل علاقتهما..

إنتشلها من أفكارها وهو ينادي عليها بنبرة جادة: سارة.
إنتبهت له مرة أخرى، ففتح عينيه مجددًا وتابع بثبات:
تعرفي إن فجر طلعت بتحبني؟
أنهي جملته بضحكة عالية، ليحتقن وجهها بالدماء وقد إندلعت نيران الغيرة بداخلها:
مين؟!
إعتدل جالسا وهو يقول من بين ضحكاتهُ الرجولية:
سمعتها وهي بتكلم صاحبتها في الموبايل، بجد جالي حالة ذهول، فجر دي طفلة بالنسبة ليا..
كشرت عن جبينها وهي ترمقه بنظرة قاتلة وسألته بحنق:.

وبعدين إيه اللي حصل؟
أجابها بلا مبالاه: عادي فهمتها إنها في فترة مراهقة والصح من الغلط وبس..
هتفت بإنزعاج:
يا سلام على الحنية بتاعتك، ده بدل ما تطردها من الشركة؟!
رفع أحد حاجبيه مستغربا: ليه مش مستاهلة طرد، دي فجر طيبة ويتيمة ومش فاهمة أي حاجة في أي حاجة، وواجب عليا أفهمها..
نهضت تهتف بغضب:
لا يا حسام، البنت دي بتستهبل، هو عشان عاملتها كويس هتحبك، ايه ده وانت عادي كده!

حسام وقد نهض هو الآخر مقتربًا منها:
سارة متخلنيش أندم إني حكتلك، ماحصلش حاجة وأنا نهيت الموضوع، بقولك دي عيلة صغيره أصلا ومش فاهمة حاجة..
زفرت بقوة وراحت تجلس على طرف الفراش بضيق شديد، فجلس جوارها ضاحكا:
ايه ده انتي بتغيري من فجر، بقولك عيلة صغيره!
صاحت به بنفاذ صبر:
عرفنا، عرفنا انها عيلة ما تسكت بقي!
قهقه بشدة وهو يحاوطها بذراعيه:
إنتي اللي في القلب يا سو، وبرضو فجر عيلة صغيره..

ضحكت رغمًا عنها وهي تركزه في ذراعه:
تصدق إنك رخم أوي..

أبدل ثيابه بصعوبة رافضا أي مساعدة من زوجته التي إستمع إلى همسها الباكي، عاتب نفسه على دفعها بعيدًا عنه فهو يعلم أنها تريد مساعدته بأي وسيلة ممكنة، فما كان منه إلا أن نادي عليها بهدوء، فإتجهت إليه على الفور وهي تمسح دموعها بظهر يدها..
قال وهو يبسط يده للأمام:
تعالي..
إقتربت منه لتمسك بيده الممدودة وجلست إلى جواره قائلة بخفوت: محتاج حاجة..

ضمها إليه بقوة، ثم همس معتذرا: أنا آسف، حقك عليا أنا مقصدش أزعلك مني، كل الحكاية إني مش عاوز أحس بالعجز..
تابعت متنهدة بهدوء:
وأنا كمان مش عاوزة أحسسك بكده، صدقني أنا عاوزة راحتك بس..
أومأ رأسه موافقًا على كلامها:
عارف، ومتأكد من كده، متزعليش مني
إبتسمت له بحنان وأردفت: عمري ما هزعل منك أنا مقدرة حالتك وإن كان على الزعيق، زعق يا عم براحتك بس أوعي تمد إيدك عليا أموت فيها..

أنهت جملتها بضحكة خفيفة فضحك بشدة وهو يضمها أكثر:
بعد الشر عليكِ يا جميلتي، عمري ما أعمل كده أبدًا، ربنا يباركلي فيكي..
أغلقت عينيها مجيبا عليه بنبرة دافئة: ويباركلي فيك يا إسلام وميحرمنيش منك، أنا هقوم أحضرلك حاجة تاكلها بقي ماشي؟
هز رأسه موافقًا، ثم قال بمزاح ؛ في ورق عنب؟!
قهقهت ضاحكة وهي تتأمل ملامح وجهه الضاحكة وقد رفرف قلبها لعودة ضحكته من جديد..

تجهز طعامها إستعدادا لمجئ زوجها من العمل كعادة كل يوم، تدندن كعادتها بمرح، لتتفاجئ بهاتفها يصدر صفير فأدركت أنها رسالة..
إتجهت نحوه لتلتقطه بين يدها هامسة بمرح:
يمكن كيمو بعتلي رسالة رومانسية ولا حاجة..
فتحتها وهي تضحك، وما لبثت أن تلاشت الضحكة وهي تقرأ محتوي الرسالة..
عادي يعني كل الرجالة زي بعض، كل ما تديله الأمان كل يخون أكتر وأنتي نايمة على ودانك في العسل، صحصحي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة