قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني والثلاثون

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني والثلاثون

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني والثلاثون

أُصيبت داليا بالهلع عقب إستماعها جملة سارة، أدركت جنونها في نبرة صوتها، لتصرخ بها عبر الهاتف:
سارة، سااااارة، ردي عليا...
أصابها إرتجافة عنيفة وهي تنهض عن مقعدها برعب، ثم أخذت تصغط أزرار هاتفها في محاولة منها للإتصال بشقيقتها علها تنقذها، بالفعل قامت داليا بمهاتفة جميلة وهي تهرع خارج مكتبها، أسرعت تركض إلى سيارتها والهاتف على آذنها حتى آتاها صوت جميلة:
سلام عليكم
صاحت داليا بإهتياج:.

ج جميلة، إطلعي بسرعة إلحقي أختك سارة، أختك إنتحرت..
صرخت جميلة بعدم إستعياب: سارة!
ألقت الهاتف من يدها وراحت تركض وهي تلطم على صدرها، بينما الجميع خلفها وأنهار أيضًا التي إنقلع قلبها على إبنتها..
أخذت جميلة تطرق الباب بكل ما لديها من قوة، صرخت بحرقة وهي تنادي على شقيقتها، قطعة من قلبها...

صعدا أيضًا كلا من هالة وأحمد على صوت صراخها، ليقوم أحمد بدفع الباب بكل ما لديه من قوة حيث تراجع عدة مرات للخلف ليندفع مجددًا إلى الباب وبعد عدة محاولات منه فُتح الباب على مصرعيه وركضت جميلة إلى شقيقتها صارخة:
سارة سااااارة..

جثت على ركبتيها وهي ترفعها في حالة ذهول ودمائها من حولها، تكاد تبكي بدل الدموع دما، شقيقتها هل ماتت؟! لا، توقف العقل ليتعالي صراخها مرة أخرى بإستغاثة: إطلبوااا الاسعااااف يا ناااس، حد يلحقني أختي بتموت..
حملها أحمد بدون تردد وركض بها على السلالم وقلبه يضرب بعنف، الجميع في حالة صدمة، عدم إستعياب وذهول، ليصطدم أحمد فجأة ب حسام الذي برزت مقلتيه بصدمة جلية وهو ينظر إلى زوجته الغارقة في دمائها..

لم يتكلم حسام إنما إلتقطها من بين ذراعي أحمد بخوف حقيقي، بألم جلي يجتاح صدره، ليحملها هو بدلا منه وأسرع راكضا نحو سيارته...

وبعد مرور ساعة كانوا يقفون في حالة حزن، لقد علم الجميع بخبر إنتحارها، إنتحار! لم يصدق أحد منهم ما فعلته فكيف لأي إنسان أن ينهي حياته بإرادته وهو يعلم جيدًا أنه سيموت خاسرا كل شئ، الدنيا والآخرة، سيموت كافرا عصيا!
في حين كان حسام في حالة يرثي لها، أيعاتبها أم يعاتب ذاته؟!

أيشفق عليها أم على ذاته؟، يعشقها لا ينكر وقلبه لم يعشق أحدٍ غيرها، حبيبته التي دمرته تدميرا وها هي تقضي عليه هذه المرة بمحاولة إنتحارها..
كان يدعي لها فقط، فهو لا يملك شيئًا سوي الدعاء..
وكذلك كانت الأم في حالة حزن شديدة على حالة إبنتها، تعاتب نفسها ألف مرة فهي سببا رئسيا لما وصلت إليه إبنتها المُعقدة نفسيا..

وإما عن الأختان فكانتا في حالة لا تحسدان عليها، هن الثلاثة قطعة واحدة تربن على القسوة معا، هما فقط من تشعران بآلام شقيقتهما..
كانتا تبكيان دموعا حارقة حزنا وخوفا، تتمنيان سلامة تلك المسكينة التي غُرقت في العذاب والآسي منذ نعومة أظافرها..
خرجت الطبيبة داليا من غرفة الطوارئ بحكم عملها كانت تصاحب الطبيب المعالج لسارة، لتركضا إليها كلا من جميلة وفاطمة التي قالت من بين دموعها:
طمنينا على سارة أرجوكي..

قالت داليا بهدوء لتهدأ من حالتهم:
سارة بخير يا جماعة الحمدلله قدرنا ننقلها كمية دم مناسبة في الوقت المناسب، الحمدلله عدينا مرحلة الخطر اطمنوا..
تنهد الجميع بإرتياح شديد، وخاصة حسام الذي أغلق عينيه بشدة دون أن ينبس ببنت شفه...
سألها إبراهيم بقلق:
طيب هي فاقت؟
أردفت داليا بنفي:
للأسف مش مستجيبة، الدكتور حاول بكل الطرق، سارة دخلت في غيبوبة...

إتسعت العيون مجددًا وهم ينظرون إلى بعض، فيما تحدث حسام أخيرًا محاولا السيطرة على أعصابه:
- يعني إيه؟
نظرت له داليا بنظرات ذات معني:
الموضوع نفسي، وهي معندهاش أي أمل في الحياة يا أستاذ حسام، سارة إختارت تموت عشان مش قادرة تعيش..
وقالت جميلة ببكاء مرير:
يعني أختي مش هتفوق تاني من الغيبوبة دي يا دكتورة؟
قالت بإطمئنان:
لا طبعا هتفوق بس مش بالساهل كده، وحاليا شخص واحد بس قادر يخليها تعدي الأزمة دي بسرعة..

أنهت جملتها ونظرت إلى حسام بجدية تامة، إنه هو ذاك الشخص، هو الحياة، هو حياة زوجته مهما تمردت عليه مسبقا، فكل قوتها معه كانت ضعف مغلف بتلك القوة المزيفة..
تابعت داليا:
من فضلك يا أستاذ حسام محتاجة أتكلم معاك على إنفراد..
أومأ حسام برأسه موافقًا وسار معها إلى أخر الممر حيث يوجد مقعدان من الخشب، جلسا في هدوء، لتقول داليا وهي تكتف ذراعيها أمام صدرها:
حضرتك أكيد تسمع عني وتعرف إن سارة من أعز أصدقائي..

قال بتنهيدة مؤلمة: عارف..
واصلت داليا حديثها الجادي: بس متعرفش إن سارة مريضة عندي، سارة مريضة نفسيا ومعقدة جدا..
رمقها بنظرات مذهولة ومتسائلة أيضًا، لتجيبه بتفهم:.

سارة كانت بتحكيلي كل حاجة عن حياتكم، عنادها معاك وتمردها عليك، شغلها اللي كان نقطة سودة بينكم، ردها عليك بإستفزاز، كل ده كنت أعرفه، كل ده كان غلاف من بره، لكن هي من جوه اضعف مما تتخيل، ابوها وامها سابولها سلبيات كتير مقدرتش تتخلص منها، بتغلط كتير وده غصب عنها مش بإرادتها مافيش حد بيبقي عاوز يكون وحش يا أستاذ حسام، أنا عارفة إنك إتوجعت منها جدا وليك حق بس إنت عارف إنها كانت هتبطل الحبوب قبل ما إنت تكتشف، أكيد انت لاحظت تغير سارة في الفترة الأخيرة ولاحظت انها اهتمت بيك عن شغلها ولاحظت انها بتسمع كلامك، كل ده لاني كنت بعالجها وكان في نتيجة جامدة..

مسح حسام على وجهه بكف يده وهو يتنهد قائلًا بجدية:
وهي ليه ماجتش قالتلي كل الكلام ده؟ ليه مقالتش وخدعتني ليه حرمتني ليه ليه..

ردت داليا متفهمه: عشان خايفة تقسي عليها، هي اتربت على القسوة وخايفة تعيد الشريط من الاول، عقلها صورلها ان مع اول مشكلة بينكم انك هتتقمص شخصية والدها، ومين اللي هيشرب القسوة دي؟ أولادكم، زي ما هي وإخواتها شربوا قسوة ابوهم، أوعي تستهون يا أستاذ بعلاقة فاشلة بين الزوجين العلاقة دي جريمة في حق الاولاد وزي ما شوفت سارة وصلت لايه، وصلت انها تكرهم وتكره حياتها وترفض حتى الإنجاب..

كان يسمعها بصمت وقد ظهر الألم جليًا داخل عينيه، لتتابع داليا في هدوء: وممكن برضو تسألني ليه هي بالذات دون عن اخواتها، هقولك انت مدخلتش جوه قلوبهم ولا شوفت معاناتهم، كل انسان مشاعره بتختلف تماما عن غيره، فيه اللي مشاكل الحياة بتأثر عليه تأثير إيجابي وفيه بتأثر عليه تأثير سلبي، تفكيرنا مختلف تماما ويمكن هما حظهم كان أحسن من سارة أو قريبين لربنا أكتر، يمكن عشان هي كان سنها أصغر منهم متحملتش، يمكن حاجات كتير أوي..

خلاصة الكلام سارة كرهت حياتها بس حبيتك إنت ويوم ما انت أكدتلها انها خرجت من حياتك نهت حياتها، لو لسه بتحبها إغفر وأقف جنبها وعدوا المحنة مع بعض..
نهضت بهدوء، ثم قالت قالت قبل أن ترحل وتتركه:
هي مش محتاجة غيرك، مش هترجع للدنيا غير لما تحس بوجودك..
تحركت من أمامه تاركه إياه بين عاصفة من المشاعر تتخبط بداخله..

نهض هو الآخر وسار حتى وصل إلى غرفة الطوارئ، ما إن وصل حتى فُتح الباب بواسطة إحدي الممرضات بصحبة سارة الممدة على السرير النقال في عالم آخر، حتى نقلوها إلى غرفة أخري هادئة، إتبعوها الجميع ليطمئنوا عليها بينما قبلتها فاطمة بحب وهي تمسح على وجنتها برفق شديد، وكذلك فعلت جميلة التي قالت بآسي: ربنا معاكي يا حبيبتي وتقومي لينا بألف سلامة، وأخذت الأم تقبل كل إنش في وجهها وهي تعتذر هامسة من بين بكاؤها المرير:.

أنا اسفه يابنتي حقك عليا، كل اللي إنتي فيه ده بسببي يارتني أموت وأرتاح..
إبراهيم متدخلا بجدية: أنهار مالوش لازمة الكلام ده، إدعيلها بس..
خرج الجميع بعد ذلك من الغرفة ما عدا حسام الذي جلس إلى جوارها بإرهاق، ظل ينظر لها بوجوم ثم مد يده ليمررها على ملامح وجهها الساكنة، وهو يحدثها بخفوت شديد:
ليه عملتي فيا وفي نفسك كده، ليه!

تفاجئ كريم بهاتفه يصدح عاليا، فنظر إلى شاشته ليتعرف على المتصل إلا إنه وجد رقم غير مسجل، إبتعد عن الجميع وأجاب قائلا بصوت أجش:
ألو، مين معايا؟!
آتاه صوت إنثوي ناعم:
إزيك يا كريم..؟
تجمدت ملامحه مجرد سماعه صوتها، صمت طويلا وهو يحدق بالفراغ، ليسمعها مجددًا:
إيه يا كريم إنت مش عارفني أنا ريهام، حبيبتك..
إنهارت مشاعره وهو يسمعها من تلك حبيبته؟ هل جنت؟! حبيبته هي فاطمة وغيرها لن يعشق!

رد عليها وهو يصر على أسنانه بغضب:
إخرسي، إنتي عاوزة مني إيه، وإيه اللي فكرك بيا بعد السنين دي كلها؟!
أجابته بدلال:
عادي يا كيمو كده كده أنا نسيتك زي ما إنت نسيتني صحيح نفسي أرجعلك تاني بعد ما إطلقت من جوزي بس مش هرمي نفسي عليك..
صاح بها بنفاذ صبر: اخرسسسسي، مش عاوز اسمع صوتك ده لأني بكرهه، وبكرهك..
زفرت بصوت مسموع وقالت:.

على فكرة أنا ماليش ذنب في الحكاية دي كلها، سمعت إنك ناوي تعمل محضر بس المحضر ده المفروض ميتعملش ليا لاني أنا عبد المأمور.
تابع كريم مستفسرا: بمعني؟
أجابته بلا مبالاه:
يعني اللي قالتلي أعمل كده مُني بنت عمتك، ودورت عليا لحد ما وصلتلي ودفعتلي مبلغ حلو وإنت عارفني يا كيمو أعز الفلوس أوي..
إبتسم ساخرًا وتابع: طول عمرك رخيصة، كلبة فلوس، مستعدة تعملي أي حاجة عشان الفلوس، قذرة..

أغلق الخط بدون مقدمات ومسح على رأسه بإنفعال، أخذ صدره يهبط ويصعد بقوة لقد ضغط على الجرح مجددًا لينزف من جديد..

شرد بذهنه بعيدًا، بعيدًا جدا، حيث كان في مقتبل العمر، وفي السنة الأخيرة من كليته، حبها بكل جوارحه، تلك التي تسمي ريهام، وهي مثلت دور المحبة بإمتياز، ليتفاجئ ذات مرة أنها تخونه مع شخصا آخر، وهو فقط مصدر لآخذ المال، مصدر لراحتها المادية، وهو كان يعطيها بنقاء قلب، بمحبة، بإخلاص، وهي ماذا فعلت..؟ طعنته بسكين حاد، لتتركه يعاني سنوات ويكره صنف حواء، ومازال يكرههن بإستثناء فاطمة، تلك التي داوت جرحه ليعود إنسان طبيعي من جديد...

عاد إلى واقعه وهو يغلق عينيه بقوة، تفاجئ بها تقف جواره وتتأمله بصمت، بحيرة، بحب ينبع من عينيها المرهقتين الحزينتين..
شعر بوجودها ففتح عينيه ويطالعها بصمت هو الآخر، تبادلت النظرات بينهما حتى سألته بهدوء حزين:
كنت بتكلم مين؟
أجابها بعد أن أخذ نفسا قويا:
بعدين هحكيلك، الظروف دلوقتي متسمحش بأي كلام..

صمتت مرة أخرى وهي تقترب منه وجسدها يرتجف، حاوطها بذراعيه رغم حزنه وألمه، وغضبه منها أيضًا، فهو يعرفها جيدًا عندما تخزن ويوصل الحزن بداخلها إلى أشده، لا تحتاج إلا حضنه فقط، لتستمد منه بعض القوة والأمان..

مسح على وجنتها بنعومة، ثم راح يهمس لها بحزن واضح في نبرته:
قسيتي عليا يا سارة، حرمتيني من أكتر حاجة بتمناها، دبحتيني بسكين بارد وسبتيني بفرفر وجيتي تعتذري، طب إزاي أسامح؟
زفر أنفاسه بقوة ليتابع بثبات:.

كنتي قولتيلي على كل حاجة يمكن كنت ساعدت في علاجك، زعلان منك وزعلان عليكي، بحبك رغم كل اللي عملتيه، حاولت أنساكي معرفتش، ومعرفتش اني بحبك كده غير لما شوفتك بتنتهي قدام عيني يمكن لو كنتي رحتي مني كنت هعيش عمري كله بموت في اليوم ميت مرة..
وضع كف يده على يدها وضغط عليها برفق قائلًا بنبرة هادئة:
أنا جنبك...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة