قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع عشر

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع عشر

رواية أحببت فاطمة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع عشر

هل جربت إحساس الضياع من قبل؟، ضياع مشاعرك بين الخوف والقلق وكثير من الرعب، تنتظر بلهفة ويقتُلك الإنتظار!، قطعة من قلبك تنازع وأنت عاجز تماما عن فعل أي شئ، تسيل دموعك قهرًا، خوفًا، قلقا على حبيب كان لك سندا وأمان، حماية وحنان!

شعورًا قاسيًا كان يجتاح جميلة التي وقفت منذ أربع ساعات متواصلة أمام غرفة العمليات والجميع يقف إلى جوارها يواسيها بكلمات هي لا تريد سماعها، هي تريده هو، هو حبيبها وزوجها، هل سيتركها؟! هل سيرحل حبيبها وأمانها؟!.
حين وجدته غارق في دمائه قبل أن يدخل غرفة العمليات صرخت عاليا وكأن قلبها إنشق إلى نصفين..

تدعو باكية وتضرع إلى الله أن ينجيه ويخفف من آلامه، ما الذي أصابه حدث، لقد صفعها القدر فجأة لتقف هي بين الحياة والموت مثل زوجها!..
صوت بُكاء والدته كان يزيد من آلامها، ومواساة شقيقاتها تزيدها رعبا، هو بخير بالتأكيد سينهض سيكمل معها حتى آخر المطاف..

جلست بين شقيقاتها في وضع لا تحسد عليه، بينما أخذت السيدة عفاف تبكي بنحيب على فلذة كبدها، والجميع تراص في حالة حزن شديدة منتظرين. ولقد طال الإنتظار، ساعة تمر وأخري تأتي، وهو داخل العمليات، حالة قلق بالغ سيطرت على الجميع، يتهامسون بالدعاء والذكر، لعل الله يستجيب وينجيه..

حل المساء، ليخرج الطبيب وكأنه كان يُجاهد حيث كان يمسح حبات العرق بإرهاق شديد، ثم أخذ يلتقط أنفاسه بهدوء في حين ركضوا جميعًا إليه متسائلين بقلق عن حالته، ليخبرهم بجدية تامة:
عملنا اللي نقدر عليه، الحالة كان عندها إرتجاج في المخ زائد إن زجاج العربية لما إصطدم في العربية تانية إتكسر لقطع صغيرة جدا وتناثرت في العين بشكل كبير جدا!

شهقت جميلة بصدمة، في حين لطمت السيدة عفاف قائلة ببكاء مرير: يعني إيه؟والإزاز ده خرج ولا لا!
تابع الطبيب بهدوء:
أكيد خرجنا الإزاز كله، لكن للأسف كان تعمق بالقرانية وعموما تأثير الزجاج على العين هيبان بعد ما الحالة تفوق..
تساءلت جميلة بصوت متقطع منتحب:
ط طيب ه هو هيفوق إمتي؟
أجابها:
في خلال 48 ساعة، وهيفضل في العناية لحين إفاقته، وإن شاء الله خير..

أنهي الطبيب حديثه وإبتعد، لتنفجر جميلة باكية مرة أخرى وهي تهتف بحزن شديد:
يا حبيبي يا إسلام، يارب إشفيه وإعفي عنه..
أخذت فاطمة تربت على ظهرها بمواساه، وكذلك فعلت سارة في محاولة للتهوين عليها..

مرت عدة ساعات أخري، وهم يجلسون في الإستراحة والصمت يسود...
تفاجئوا بها تدخل عليهم في توتر وتردد منذ إن علمت بالخبر من إبراهيم وهي قررت تقف جوار إبنتها في هذه المحنة..

ألقت السلام عليهم بصوت خافت متوتر خائف، لترفع فاطمة رأسها وقد توسعت عينيها وهي ترمقها بعدم تصديق، ولم تختلف حالة سارة عن حالتها فقد شعرت بنفسها تتجمد عندما رأتها، هل واتتها الجُرئة لتأتي، ماذا تفكر نفسها تلك، هل تعتقد أنها أم حقا!
تبادلت النظرات لعدة دقائق بينهن، عدم تصديق وإشمئزاز وغضب..
إتجهت أنهار إلى إبنتها جميلة تعانقها بقوة وهي تربت على ظهرها قائلة بصوت مختنق:.

- قلبي عندك يابنتي، إن شاء الله هيبقي كويس وبخير..
إستسلمت جميلة لحضنها فهي تحتاجه الآن، ثم هزت رأسها وجلست مرة أخرى، وظلت أنهار تنظر إلى إبنتيها فاطمة وسارة، ولم تري في عين كلا منهما سوي نظرة إشمئزاز من وجودها ولكنها تريد عناقهما تريدهما، تريد فتياتها، تريد عفوهن عليها..
كان كريم يتابع الموقف بعينيه وهو يعلم أن زوجته لن تقبلها، وستنفجر بها إذا حاولت الأخيرة الإقتراب..

تحدثت أنهار وهي تطرق رأسها للأسفل:
- ف، فاطمة، سارة، من فضلكم عاوزة أتكلم معاكم على إنفراد..
لم تجيب فاطمة إنما ضغطت على أسنانها بغضب، بينما قالت سارة بحدة:
مافيش كلام بينا وبينك..
هزت الأخيرة رأسها برفض متابعة بإصرار وتمسك:
أرجوكم، خلونا نتكلم، ونتعاتب..!
إبتسمت سارة بتهكم: نتعاتب!، على إيه بالظبط!.

صمتت لوهلة قبل أن تردف وهي تزفر أنفاسها: روحي من هنا إحنا اللي فينا مكفينا الله يكرمك، روحي الله يسهلك سبينا في حالنا
ترقرقت العبرات في عيني أنهار وهي تري إنعدام الأمل في الوصول إليهما هما بالأخص، فإلتفتت إلى كريم تتوسله ببكاء:
لو سمحت يا كريم إقنعهم، وإقنع فاطمة هي بتسمع كلامك..

نهضت فاطمة فجآة تنهرها بشدة: كفاية بقي، كفاية إنتي جاية ليه وعاوزة إيه، أنا مش عاوزة أسمع منك أي كلام، إنتي إختارتي البعد وإحنا إتجبرنا عليه، ودلوقتي إنتي راجعة برضو بإختيارك بس إحنا دلوقتي مش مجبورين نقبلك، إنتي خرجتي من حياتنا للأبد!
نهض كريم متدخلا فالوضع لا يسمح بالنقاش الحاد ذاك، جذب زوجته من يدها وأشار لوالدتها أن تتبعه وكذلك سارة بعد أن حمسها حسام للمواجهه، فحتما ستحدث..

إعترضت فاطمة وهي تسحب يدها منه: لا يا كريم، خليها تبعد..
تنهد وقال بجدية ؛: إهدي، إهدي وإسمعي مش هتخسري حاجة..
جلسوا بعيدًا في مكان هادئ، كاد كريم أن يتركهن تاركا لهن بعض الخصوصية إلا أنها أوقفته بجدية وعينيها تتوسله بأن يبقي، بأن يجعل زوجته تحن، إبنتها تعود إليها..
بدأت الكلام أنهار في ثبات:.

- مهما قولت عارفة إني مليش مُبرر، معترفة إني غلطانة، بس، بس لازم نسامح وأنا ندمانة وعيزاكم معايا، عاوزة نلم الشمل من جديد..
آتاها صوت سارة الساخر: شمل؟ ثم ضحكت متهكمة:
شمل إيه ده اللي بتتكلمي عنه يا مدام أنهار..
أنا أمك يا سارة، بلاش تكونوا قاسين عليا أوي كده..
ردت عليها وبدي الألم جليًا في عينيها:.

نعم! أم مين إنتي ضيعتينا، قوليلي على أمارة واحدة تخليني أقول عليكِ إنك أمي غير إنك مكتوبة في شهادة الميلاد، الام اللي تربي وتعلم وتضحي مش اللي تخلف وترمي وتجري تتجوز وتسيب لحمها ودمها لراجل ميعرفش معني الرحمة، أنتي فاكرة نفسك أم!
إنسابت دموعها تأثرا بقسوة كلماتها، فهتفت بحرقة: والراجل اللي ميعرفش معني الرحمة ده هو اللي خلاني عملت كده، هو دمرني زيكم وآ..

قاطعتها فاطمة وهي تصرخ بها: وإتجوزتيه ليه، بتخلفي منه ليه، بتعيشي معاه ليه، أما هو معندوش رحمة بتخلفي منه تلاته ليه، عشان تعذبيهم وتمسحي بيهم الأرض، أنا مش لاقيه ليكي أي مُبرر، كلك غلط في غلط، وعارفة كل كلمة هتقوليها، إتجوزتيه غصب عنك والكلام الفارغ ده!
هزت رأسها بآسي تخبرها بدفاع عن نفسها:
عشت عشانكم وقولت يمكن يتغير بس متغيرش..
- رحتي رميانا ورا ضهرك وطفشتي مش كده يا أنهار هانم؟

قالتها سارة بشراسة لمعت بها عينيها المتألمتين، ثم تلألأت عيناها بالعبرات وهي تتابع بصوت مختنق متألم:
كنتي فين لما ضربني وسيح دمي ودخلت المستشفى لا حول لي ولا قوة، كنتي فين لما غلطت ولجأت لطريق غلط عشان ألاقي حد يحس بيا، كنتي فين! وجاية دلوقتي تقوليلي بنتي يا شيخة ارحمي نفسك وارحمينا وإمشي، إمشي بعيد روحي لجوزك اللي قد عيالك..
لتهتف الأم من بين دموعها:.

أنا إتطلقت منه يابنتي وندمانة صدقيني ندمانة، وبعدين أنتوا سامحتوا أبوكوا، إشمعنا أنا لا! أوعي تقوليلي أن غلطي أكبر من غلطه..
أطلقت فاطمة ضحكة متهكمة وهي تخبرها بتأكيد:.

طبعا غلطك أكبر من غلطه، على الأقل مارمناش زيك، صحيح ضربنا، شتمنا، ذلنا، لكن كمل معانا للاخر، ماراحش إتجوز وتركنا زي ما يكون كلاب، ثم إنك الأم، يعني المفروض إنك منبع الحنان، أنتي اللي تحتوي وتصلحي وتعالجي مننا، لكن للأسف مكنش ليكِ أي دور في حياتنا غير إنك بعتينا بأرخص تمن...

وجعتها الكلمات ودخلت قلبها كالخنجر، فهما محقتان، هما على حق، هي لم تكن أما كما يجب، هي لا تحمل معني الأمومة، عاشت دور الضحية مع جلادها، لتترك جلادها يجلد فلذة كبدها وترحل! دون وقفة معه، لماذا أنجبت ولماذا إستمرت مع رجلا ليس بأهلا للزواج، هذه ليست تضحية بل هي جريمة ومن أبشع الجرائم، إتركيه وشأنه، وإرحلي بأولادك، وهنا تكون التضحية...

شعرت باليأس ولم تجد شعاع أمل ينير فيخبرها بالعفو منهما، يبدو أن الذي كُسر صعب أن يعد كما كان، فكسر القلوب ليس له إصلاح!
إنسحبت بهدوء ودموعها تتساقط، ساعدها كريم عن النهوض فلقد أشفق عليها رغم ما فعلت، هي بالنهاية أم، ولكن عليها أن تلتزم الصبر، عليها الصمود، عليها الكثير والكثير لتفعله، عليها التضحية، عليها تضحية صحيحة من أجل فتياتها..

خرجت سارة وهي تحجز دموعها داخل مقلتيها لتعود تجلس جوار شقيقتها وهي تنظر إلى حسام الجالس أمامها، نظرة كانت كفيلة لتخبره أنها تتألم وكالعادة تتظاهر بالقوة والصمود، وهو يعلم، هو يعلم جيدا أنها تنهار بداخلها تصرخ من الأعماق، وتريد المدواة.

لم تختلف حالة فاطمة عن حالة شقيقتها، فالأخيرة ليس من عادتها الصمود، إنهارت بأحضان زوجها وهو يربت على ظهرها بدون كلمة واحدة فلا مجال للكلمات، هي تريد إحتوائه وهو يعطيها..

يومان مرا على جميلة كأنهما سنتان، تقف خلف الزجاج المعدني تراقب زوجها بأعين دامعة متألمة وهو ممدد لا حول ولا قوة يُغطي بملاءة بيضاء خفيفة وصدره عاري موصل بعدة أجهزة، ورأسه ملفوف بشاش أبيض وعينيه كذلك، ومنذ أخبرها الطبيب أن هناك إحتمال في فقدان بصره وهي تأن وجعا، حبيبها الحنون يتألم، وما عليها إلا الدعاء وها هي تنتظر خروجه بلهفة من العناية إلى غرفة أخري..

بالفعل إنتقل بمساعدة الممرضات، ودخلت هي تمسك يده بشدة وقد إنحت قليلًا تقبلها برفق ودموعها لم تتوقف..
شعرت بها يتمسك بقبضتها وهمسته الخافتة إخترقت آذنها جميلة، كانت أول ما قال..
لتبتسم وهي تقترب منه تبادله الهمس بنبرة مطمئنة:
إسلام حبيبي أنا هنا جنبك..
أطلق تنهيدة مطولة ومرهقة وتمسك بيدها أكثر ولم يتكلم بعدها..

في حين دلف الطبيب محاولا إخراجها حتى يكشف جرح عينيه ويطهره إلا أنها رفضت وبقيت معه متمسكه به بقوة...
أخذ الطبيب يضع المطهر على عينيه وهو يحدثه بمرح: صحتك إتحسنت كتير في يومين يا بطل واضح إن بنيتك قوية ما شاء الله..
رد إسلام بنبرة خافته بالكاد خرجت من فمه: هو أنا مش هشوف تاني؟!

صمت الطبيب قليلًا حتى إنتهي من تطهير جرح عينيه، ومن ثم وضع الشاش الأبيض كمان كان حولهما وتابع بهدوء تام:
- خلينا نتفائل خير يا أستاذ إسلام، بعد إسبوع كل حاجة هتوضح عشان يكون الجرح خف..
أدرك إسلام أن الطبيب يطمئنه فقط، وقد شعر بنغزه في قلبه لا يعلم سببها، لكنه يشعر بأنه لن يخرج من هذه الحادثة متعافي تماما هناك إحساس يراوده بذلك..

فهز رأسه بالإيجاب ليخرج الطبيب من الغرفة تاركا إياه في حالة من اليأس، ضغطت جميلة على كف يده أكثر برفق وحدثته بصوتٍ هادئ:
إسلام حبيبي إن شاء الله هتبقي كويس أوي وأحسن من الأول متقلقش..
رد عليها بإبتسامته الحانية والتي تخصها هي فقط:
طول ما إنتي معايا أنا كويس، كنت خايف أتحرم منك ومن سارة، بس الحمدلله إن ربنا نجاني ولكن الخوف بقي أكتر، وشكلي كده هتحرم من إني أشوفك تاني يا جميلتي..

بادرت بوضع كف يدها على فمه وهي تقول بلهفة:
متقولش كده، هتبقي كويس وهتشوف يا حبيبي
هز رأسه موافقًا، ثم تفاجئا بوالدته تدلف بصحبة والده وإبنته والبقية...
أسرعت السيدة عفاف تنحني بجسدها وهي تقبل رأسه بحنان ثم هتفت من بين بكاؤها:
سلامتك يابني ألف سلامه إيه اللي صابك يا قلب أمك ما أنت كنت كويس، يارب يشفيك ويعافيك يا حبيبي.
إبتسم لها بخفة وأجابها برفق:
أنا كويس يا ماما متقلقيش يا حبيبتي.

بينما قال والده بحزن وهو يربت على كتفه:
هتبقي كويس يا إسلام، إنت قدها وهتتعافي بإذن الله..
أومأ إسلام برأسه قائلًا بهدوء: إن شاء الله يا بابا، الحمدلله على كل حال..
في حين إقتربت إبنته سارة تقبله بحزن وهي تهمس له: بابا حبيبي أنا زعلانة اوي عشانك، سلامتك
مد ذراعه نحوها ليجذبها إليه برفق وقد أطلق تنهيدة عميقة قائلا بإطمئنان: متزعليش يا قلب بابا، هبقي كويس..

قبلته مرة أخرى على وجنته وجلست بجواره، بينما واساه الجميع في محاولة منهم للتهوين عليه ما هو فيه، وهو يبتسم ويرد بل ويتبادل المزاح معهم في محاولة منه لنسيان ما يشعر به قلبه..
إنتهت وقت الزيارة وغادر الجميع الغرفة إلا زوجته التي أصرت أن تبقي معه وترافقه...
ظلت تواسيه بكلماتها الحنونة المُريحه على مسامعه، فجذب يدها إليه وهمس لها بنبرة دافئة:
قربي مني يا جميلة..
إقتربت منه فهمس مجددًا بمزاح: كمان..

أردفت بإندهاش: أكتر من كده؟ أنا جنبك أقرب إزاي أنا كده هنام جنبك بقي!
هز رأسه متحمسا وأردف بجدية:
فعلا وهو ده اللي عايزو أنا..
جميلة وقد توترت بشدة: إسلام!
إستكمل بتصميم: نامي جنبي يا جميلة عاوز أحس بوجودك أكتر عاوز أحس بنفسك، كفاية إني مش شايفك..
إنصاعت له وراحت تتمدد إلى جواره، ووضعت رأسها على صدره ليطبع هو قبلة هادئة فوق جبينها وقد ضمها إليه بشدة، وسكنت هي بين أحضانه لتنام مطمئنة بسلام...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة