قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وعشرة

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وعشرة

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وعشرة

فى منزل السويسري،
ظلت جيهان تقلب الثياب الخاصة بشادية التي تنام على الأرض رافعة بساقيها على الحائط، مستمدة من الحائط البارد والأرض الصلبة قوة واهية، تعيد صلابتها
لكن كيف؟!
وهو انتزع رحيقها!
تفنن فى تجريد كل مسحة إنسانية أو مشاعر كره
أصبحت باردة
امرأة جوفاء، معطوبة، أستنزفت أنوثتها.

لم تحاول حتي الدخول فى أي مشادة كلامية مع جيهان، التي تعلم سبب عبثها بخزانة ثيابها الخاصة بالعمل، ترتدي منها ما تريده وتأخذ ما يريحها، ثم بنهاية الشهر ستري ثيابها قد اصبحوا ملك شقيقتها!
اغمضت جفنيها وآنة خافتة انفلتت من شفتيها، لن تنسي اليوم ابدا ولن تنساه هو
الحقير
الوقح
المغتصب
يغتصب حقوق ليست له، يتعامل معها كزوجة اكتشف الزوج خيانتها!
هي لم تخن
لقد انخدعت، أسيضعونها داخل إطار المرأة اللعوب؟!

التي تتفن في تعذيب الرجال، وتجعلهم يتحرقون شوقًا لها، وتقوم باللعب بقذارة معهم ومن يظفر يكون هو أسدها على الفراش!
انقلبت معالم وجهها للغثيان، وأفكارها المشتتة التي تشكي عن معاناة الأنثي تندفع مرة آخري ثائرة للبحث عن مخرج..
انتبهت من حروب عقلها علي صوت جيهان التي تمسك بزيها العملي المفضل تضعه علي جسدها قائلة
-البدلة دي تجنن عليا
تأففت شادية بضجر، لتغمغم بصوت لا حياة فيه.

-مش خلصنا من موضوع الهدوم دي يا ست هانم
رمقتها جيهان بسخرية مصطنعة، وداخلها يكاد يبكي ألمًا وهي تري ذبول شقيقتها يوما عن اليوم الآخر حتي بعد عودتها من المستشفي وخضوعها لعلاج نفسي قررت هي البدأ فيه مع طبيبة!
رفعت جيهان انفها بأنفة لتقول
- انا دلوقتي بقيت business woman، يعني لازم ابقي شيك ولبسى يكون محترم.

وأن يتوقف زوجها برتبة خطيب عن نوبات جنونه من الغيرة التي تفزعها وتجعله كليث يتربص أي حركة خاطئة لفريسته، لتسمع شادية تقول بنزق
-تقوم تاخدي من دولابي
ابتسمت جيهان بوداعة شديدة وهي تأخذ ثيابها العملي، ثم ظلت تبحث على ألوان أكثر حيوية عكس الألوان الكئيبة الباهتة التي تضم خزانة شقيقتها
-ما دولابي قدامك أهو، روحي خدي اللي عايزاه
ابتسمت شادية بسخرية لتقول بامتعاض
-دولابك محدش يطلع بيه برا اوضة النوم.

تراقصت حاجبي جيهان بمكر شديد لتقول
- ابقي ألبسيه لجوزك يا ست شادية
ألم أحتل كامل حواسها وأخرسها، لتعض جيهان على طرف شفتها بغباء ما قالته، لكن كتلة الفرو أبيض أقتحم غرفة شادية، تموء لصديقتها التي أصبحت تنفرها بشدة مسببة ألم لمشاعر لولو التي أصبحت قليلة الحركة
و طاقتها وعبثها بدأ يخف تدريجيا، لتصبح كنسخة باهتة مثل شقيقتها، قالت جيهان بحزم وهي تدعوها لتصبح قريبة منها
-لولو.

مواء القطة الضعيف وهي تنظر نحو حدقتي عينا شادية التي شحب وجهها، جعل شادية تقول بحزم وهي تلعن تذكرها لهديته التي أهداها لها فى أشد لحظات ضعفها
-جيهان، قولتلك ابعديها عني، مش طايقة اشوف وشها
نهرتها جيهان بحزم وهي تحمل القطة بين ذراعيها، لتنظر القطة بتوسل الي صديقتها التي اعتزلتها بقسوة لا تجد له القطة مبرر لتمرر جيهان علي فروها الناعم
-انتي يا معدومة الرحمة، حد يقتل لولو بإيده، ثم قولتلك هربيها أنا.

عضت شادية شفتيها بحدة لتستقيم من جلستها وقد وجدت أن لا فائدة لها فى الوقت الحالي لمساعدتها على الأسترخاء، استقامت وهي تعدل من ثيابها القطنية المريحة داخل جدران عرفتها قائلة بحدة
-بعديها عني
مواء آخر شل جسد شادية التي تحترق للمسها، لكن ذكراه يقف حائل بينه وبينها
لقد كانت ستتخلص منها وتبعثها له، لكن شقيقتها تشبثت بها بغباء.

بل القطة رفضت أن تترك ساقها لتتحرك داخل حدود غرفتها، لولا جيهان التي أصرت علي مراعتها وقد تعلقت بها وأصبحت تفسدها دلالاً فاخر تستعجب منه شادية مؤخرًا
استمعت الي غمغمة جيهان المتأثرة لمشاعر القطة
-دي وحشاكي يا أم قلب حجر
نظرت شادية من بين جفنيها الي القطة، لولو المدللة الخاصة بها، شبيهة الرحيلة
الحقير بل الوضيع أهداه لها في عيد ميلادها.

زفرت بإختناق وهي لا تستطيع أن تتخلي عن مشاعر الكره لنفسها، ولسذاجتها، بل حمقها لتدع رجلا مثله يقترب من حياتها.
طرق علي باب الغرفة جعل الشقيقان تنظران تجاه باب الغرفة، ليبتسم ماهر وهو يسأل
-أقدر أدخل
لوت جيهان فمها لتسحب ثياب الغد الخاص بعملها قائلة ببرود
-تعالا يا ماهر، انا كدا كدا اخدت اللي عايزاه، هبعتلك طقم امبارح لما يرجع من المكوجي
رددت شادية الكلمة باستنكار شديد
-مكوجي!

أصدرت جيهان صوت ساخر لتقول بقرف
-عيشي عيشة أهلك يختي!
ابتسم ماهر وهو يحك مؤخرة رأسه قائلا
-بيئة طول عمرك
انقلبت تعابير وجه جيهان للشراسة، واكتفت بالتوعد وهي تخرج من الغرفة تاركة لهما خصوصية ظاهرية!
-مش ناوية تحكيلي
قالها ماهر وهو يجذب انتباه شادية الشارد لأحدي الاشياء الموضوعة على طاولتها، لتغمغم شادية بهدوء
-الموضوع انتهي.

لم يحاول ماهر التجمل، او الرفق بها، إذ أبيه يعاني من انهيار تام رغم صلابته الظاهرة ليشدد من أزر صغيرته ليقول
-لسه بتحبيه؟
أجفلت شادية من سؤاله، إذ انه الوحيد الذي لم تتوقع أن يسألها سؤال صريح كهذا، دون تمهيدات
سؤال يعني أنها تموت على رحيله، أجابته بعد صمت قصير
-لأ، بكرهه
هز ماهر رأسه وملامحه لم تكن مقروءة لشادية، التي حاولت أن تفك تلك الطلاسم دون جدوي، ليغمغم قائلا
-الكره الشديد معناه أنه خذلك.

هزت شادية برأسها ورعدة عنيفة تضرب أوتار قلبها لتهمس بإقتضاب
-راضية بقضائي
وضع ماهر يديه فى جيب بنطاله، وعينيه تتفحصان جسدها ورد فعلها بعد القنبلة التي فجرها فى وجهها، وزعزعت المجتمع المخملي
-جالي خبر ان معاذ اتقتل النهاردة
فغرت شادية شفتيها بصدمة، وحالة من السكون والبلادة طغي على وجهها لتهمس
-اتقتل!

يبدو أن هاكر المنزل لم تصلها الأخبار بعد، أو لم تشئ وضعها في موقف صعب وهي تراها تتخبط حتي تجد طريقة لإستعادة توازنها، أخبرها بما وصله من أخبار منذ قليل
-لقوا جثته على طريق الصحراوي، وعلى جسمه علامات تعذيب متفرقة واضح انه اخدله علقة محترمة منه
ذكر منه يعود على الذي لفظته بعنف خارج غرفة المستشفي، بعد أن جاء بكل برودة أعصاب يطلب غفران
أي غفران أحمق يطلبه منها، وهو قضي عليها نهائيًا!

هي لا تستطيع مسامحة أو غباءها لتعيد تجربتها ثانية لتقول
-تقصد هو اللي قتله؟
أجابها ببرودة أعصاب، ورغم جميع مشاعر الكره التي يوجهها للحقير، لكنه تشفي بخبر موته ليقول
-هيبان فى التحقيق
رن هاجس عنيف أنه قتله
ربااااه، استحال وجهها للشحوب، ماذا يفعل بنفسه، هل يريد تعذيبها نفسيًا؟!
ألا يكفي ما بها؟
يريد وضع أنها السبب لكل ما حدث له؟! وأنها أصبحت لعنته؟! فليحترق
لقد انتهت من كلاهما.

تصاعد رنين هاتفها، لينقبض قلبها وهي تجري لتخطف الهاتف لتري رقم مميز يتصل بها
اللعنة إن كان هو
لا لا
لن ترد
لكن اناملها خانتها لتضع الهاتف علي أذنها تهمس بإرتجاف
-ألو
زفرة حارة ثم أتبعها صوت أمومي ذا لكنة شامية ذكرها بعايشة والدة نزار
-مساالخير حبيبتي، بدي اخد شوي من وقتك
اعتصر قلبها بألم وهي تخشي صاحبة الصوت لتهمس
-مين معايا؟
زفرة مختنقة خرجت من شفتي غيداء لتعرف عن نفسها، وصوتها به عطف وتوسل قيدها.

-أنا غيداء النجم، أمو لسرمد، بدي منك تحطي مشاعرك عجنبك، بدي شوفك ياعمري
اختنقت أنفاس شادية، وعقلها يصرخ
لن تفعلها
لن تعود للدوامة مرة آخرى!

انخراطها فى عالم الدراسة والجامعة لم يكن سهلاً
حيث تري نفسها صورة باهتة جدًا مقارنة بمن حولها...
صورة أنضج، متخلية عن أحلام المراهقات، وسعي الفتيات لتجربة اللهفة من المشاعر الأولي علي يد فتي، فتي وليس برجل
هي حتي تستنكر كيف بحمقاوات يرتبطن بزميلها، الرجل ما زال فتي فى حياته
لم يحصل على وظيفة
لم يجد مصدر رزق دائم كي يستطيع فتح باب منزل.

بالله هو لا يستطيع أن يجد مال يكفيه، وبكل حقارة يطلب من والده مال للأجرة!
زفرت فرح بيأس وهي تحاول اخراج كافة مشاعرها السلبية، لن تجعل امتحان أحمق لعين ظلت ساهرة عليه لعدة أسابيع لكي يأتي الأستاذ بأسئلة خارج الكتاب، الأستاذ نسي أنه يدرس في الفرقة التي بها، ليأتي بأسئلة من عام سابق
أحمق غبي، لقد ضاع التقدير الذي تبحث عنه، لتضع اصبعيها في عيني الطبيب الأحمق..

قدماها تتحركان خارج أسوار الجامعة، حيث ستبحث عن أي وسيلة تنقل للذهاب الي التسويق الذي بات عادة لها، لتشتري منه ما تحتاجه من ثياب، ثم تشتري بعض الأحتياجات الخاصة لشقتها..
رفعت عيناها حينما لمحت سيارة سوداء ضخمة تشبه التي كان يمتلكها زو، تعني طليقها، عيناها انخفضت نحو رقم السيارة بحروفها المميزة لتجلي حلقها بتوتر حينما فتح الباب الخلفي ليترجل منه نضال بهيمنة رجل
لم يزيده الطلاق.

سوي توحشًا، ووسامة برية!، عضت فرح باطن خدها لهرومونات لعينة أو مشاعر حمقاء تضربها لترتعش شفتيها دون أدني مقاومة لتهمس
-نضال!
عيناها سريعًا مرت علي الجميع من حولها، ورغم ازدحام المنطقة فى هذا الوقت إلا أن كل شخص لاهي فى عمله وحال أمره، ازدردت ريقها بتوتر لتهمس
-انت بتعمل ايه هنا؟!

مال نضال برأسه وعينيه دون إرادة تتفحصان ثيابها، قوامها، وملامح وجهها التي تخفيها تحت مساحيق التجميل الخفيفة لتبث نضارة زائفة!
لاحظ أول ما تغير بها وهي انها قصت شعرها، اشتعلت عيناه بجنون وهو يعض علي نواجذه بغضب
الحمقاء
الغبية
هل هذا حركة تمرد منها له؟!

لقد نجحت إذا، لقد كان مفتون بخصلات شعرها التي كان يحرص كل الحرص أن تتوسد صدره بعد جولات حارة يطلبها منها سابقًا، قبل أن يستعيد صلابته وبروده ويهجر فراشها، كأنه يستنكر مشاعر الضعف التي تحتله بجوارها، فينبذها ويبنذ نفسه
لكنه أحمق غبي، ليعود مرة آخري مطالبًا إياه بعاطفة أشد حرارة، وجنونًا، ولا يتركها سوي منقطعة الأنفاس
وهي كانت تتخبط منه، ثم سرعان ما تستسلم له
تري هل يشتعل جسدها من أثر لمسة منه؟

سؤال متطرف لعب بعقله، وكله تحت أثر أنها لم تعد زوجته
محرم عليه إجبارها
وعودتها
سألها بخشونة ليطرد تلك الحرارة التي تكتسح جسده، رباااه لقد أصبح قديسًا من بعدها!
-عملتي ايه فى الامتحان؟
رفعت فرح حاجبها باستنكار، وعلي عكسه هي
إذ هي ترمقه بكل برود وثقة شديدين فى عينيه دون تراجع أو تخاذل، لتقول بجفاء وكذب تعلم أنه يعلمه
-حليت كويس
لم يشأ أن يبتعد عن ما جاءه اليها، لينظر نحو عمق عينيها وهو يسألها بجفاء.

-لسه بتتواصلي مع أهلك؟
ارتبكت من سؤاله المباغت، لم تتوقع مقابلتهم بعد خروجها من المركز أن يسألها عن أهلها
أي أهل تلقي ابنتهم لرجل جشع، ولا يفكروا للسؤال عنها؟!
كبضاعة متلفة تخلصوا منها، أجابته بجمود
-أعتقد أنت أكتر واحد عارفة إجابة السؤال ده
زفر نضال بحدة وقد زادت من أمر مجيئه صعوبة، منذ متي كان يتردد ويخشي أن يجرح مشاعر الذي أمامه؟!
منذ متي أصبح لين القلب؟

الأبوبة حقًا أفسدت الجانب السئ منه، إذ بدي حائرًا لثواني وهو ينطق أسمها بخشونة
-فرح
نظرة الآسف التي يرمقها به جعلها تشهق بذعر وهي تضع يدها على ثغرها تهز رأسها بنفي
ترجوه أن ينكر ذلك الهاجس المميت، هل أحدًا منهما مات؟!
تجمعت الدموع علي حافة مآقيها لتترك كفها وهي تشهق باختناق هامسة
-متقولش أرجوك
هز رأسه بأسف وهو يجيبها بنبرة غريبة، وجديدة على أذنيها
- أنا آسف
هل قال آسف؟

هل يعتذر منها أم أن عقلها المعطوب يخيل لها؟
الإمبراطور يعتذر لإمرأة اتخذها جارية؟!
اقتربت منه مندفعة بألم وعدم تصديق، متشبثة بسترته لتسأله بانيهار
- مين مات؟، رد عليا و قولي
وضع يداه علي يديها المشتبثة بسترته، جاذبين أنظار فضولين ليقول بهمس أجش
-أبوكي
انهمرت الدموع من جفنيها، واناملها تتركان سترته لتنظر بتيه الي نفس الشارع الذي جاءته صباحا.

قد كانت مندفعة بحيوية وأمل وإصرار علي نسيان ماضيها، وعائلة تركتها لتخلق عائلة خاصة بها
عائلة مكونة من عمل وأصدقاء عمل وبعض المرح كالسفر والجنون!
لماذا إذا تتألم؟! وهي التي ظنت أنها جاحدة
ناقمة
ولما لم تحاول أمها الأتصال بها؟!
لقد تركت رقم هاتفها القديم، وهي لم تستطع أن تقطع الخيط الأخير، كان لديها بعض الأمل إذ ما شعرت والدتها بالحنين لرؤيتها!
لما حتي هذا الخبر يصلها منه تحديدًا!
همست تسأله بضياع.

-امتى حصل الكلام ده؟
أجابها بهدوء وهو يترقب مشاعر التشتت والضياع الذي ظهر على وجهها المليح
-الصبح
ثم عرض عليها لما جاء لأجله ليهمس
-تعالي أوصلك ليهم
وقد توقع أنها سترفض، تحاربه، أو تهاجمه
لكنها فاجئته حينما تحركت من جانبه لتجلس علي المقعد المجاور للسائق، وكأنها تحاول سلخ نفسها عن الجلوس بجواره وإن عني هذا الجلوس بجوار السائق!
صرف السائق بحدة من مكانه، ليتخذ مقعد السائق وهو ينطلق بسيارته نحو حي فرح.

مسحت فرح الدموع المتحجرة لتنظر نحو النافذة وقد تغيرت البنايات الراقية إلي آخري شعبية، ومن طرق شاسعة إلي آخري ضيقة، وبدأ التضاد بين العالمين تراه حقيقة بصورة مؤلمة!
لم تنبس ببنت شفة تجاه نضال الذي تراه يختلس النظرات نحوها، لكنها لم تكترث له، ان ظن ان بتوصيله لمسكنها يعني شئ فهو مخطئ
هي جاءت فقط لأنها لا تعلم كيف ستثق بذاتها لتأخذ سيارة أجرة والله أعلم ما داخل بنوايا سائقين الأجرة هذه الأيام.

هي ببساطة تأمنه بطريقة ما
الشهور التي عاشتها جعلتها تعلم أنه ليس دنئ لتلك الدرجة! وإن كان فمشاعر الأبوة غيرته تمامًا ليبتدل نضال بنسخة آخري تثير غبطتها..
ترجلت من السيارة ما إن وصلت أمام حي مسكنها القديم، رأت سيدات الحي متشحات بالسواد تتوجهن داخل مبني مسكنها، اجلت ريقها بتوتر وهي تتحرك بتباطؤ تجاه الحي، لكن ظهر لها شخص من العدم ينظر اليها ببعض الهلفة وعاطفة قديمة.

-البقاء لله يا فرح، حوالت أكلمك كذا مرة بس تلفونك مقفول
لا، لا، لا، ليس ذلك الرجل مرة اخري
عماد الذي عبر عن لهفته للزواج بها حيث كانت متزوجه منه، سخرت من نفسها وهي ما زالت تراه على عهده
اجابته بهمس خافت وهي تتجاهله للخروج عن حصاره
-شكرا يا عماد
عاجلها عماد قائلا، وعينيه المتلهفتين يري معذبته بعد شهور طويلة من انقطاعها لزيارة عائلتها
-هيطلعوا بيه على الجامع دلوقتي.

تجمعت الدموع في حدقتيها وهي تشعر انها معراة أمام الجميع!
ترغب بالفرار أو الهرب، وصوت نواح السيدات يزيد من اشمئزازها ورعبها
شعرت بجسد نضال يحجبها عن أعين الآخرين، ليمسك يدها بحزم متوجها بها تجاه سيارته
والغرابة انها اتبعته راضية ونشيج بكاءها يزيد من ليونة قلبه
اللعنة عليه
منذ متي يتأثر بدموعها؟!
قال بحدة وهو يتمني لو تكف عن التصنع أو تتلبس بشخصية غير شخصيتها
-ابكي يا فرح
أعطاها الاشارة الخضراء.

لتنهمر الدموع بلا انقطاع
والقلب يأن وجوارحها تتعاضد جنبًا لجنب مع ألمها
لتبكي بكل حرقة ووجع كتمته، وعينيها ترتفع لتري الرجال يمسكون بجثمانه متوجهين به تجاه الجامع، ويتبعهم نسوة يصرخون ويصدرون أصوات كنعاق الغربان، ومنهم والدتها التي ميزت السيارة الفاخرة التي لم يكن يمتلكها سوي زوج ابنتها..
ظنت فرح أن ما يحدث سيلين قلب والدتها ومشاعرها، وهي تراها تتقدم تجاهها.

همت فرح بالقاء جسدها بين ذراعيها، الا أن والدتها هدرت في وجهها بقسوة
-انتي سبب موته، بعد ما عرفنا خبر طلاقك
تراجعت فرح مذعورة، متفاجئة من كمية الغضب المنبعث من والدتها التي رفعت يدها تهم صفعها أمام الرائح والغادي، لكن يد قوية تمسكت بساعد المرأة العجوز ليهمس بشرر مطلق
-قسما بالله لو مديتي إيدك عليها، هخليكي تحصلي المرحوم
نفض نضال يده عنها بعنف والمرأة تنظر بقهر تجاهه، ثم اليها لتقول بقسوة.

-طلعتي غبية يا فرح، غبية، مش عايزة اشوف وشك تاني
اتخذ نضال موضع الهجوم ليقول بتحذير
-تمشي كدا زي الشاطرة ترجعي بيتك وتاخدي واجب الراجل الميت ده، وفلوس كل شهر هتوصلك
نظرت اليه بتردد تختبر مدي صدقه من كذبه، ثم سرعان ما غادرت تلتحق بالنسوة اللاتي بدأن وصلة الهمز واللمز للمشهد الذي سيظل حدث عالمي لعدة أشهر قادمة!
اقترب نضال منها بعدما رأي شحوب وجهها واهتزاز حدقتي عيناها لتهمس بصدمة.

-هي قيمتي رخيصة للدرجة دي!
انتفض جسد نضال حينما شعر بترنح جسدها، ويبدو انها ليست في كامل وعيها ليمسكها من عضديها وهو يدفن رأسه في اذنها قائلاً بصوت مطمئن
-اششش، انسي يا فرح
حاول أن يجد منها مقاومة، أو انتفاضة لكن سكون جسدها هذا أثار جزعه وقلقه، رفع وجهه عنها ليري رأسها سقط علي صدره وجسدها ارتخي مما جعل نضال يتشبث بها بقوة، والطواحين في رأسه تصرخ
أن فرح غادرت الحياة بغيبوبة تفصلها عن العالم.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة