قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وأحد عشر

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وأحد عشر

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وأحد عشر

نسقط
لكي نقف مرة أخري
نقع
لننهض مرة أخرى..
جمل تحفيزية منمقة، تحث على دفع الأدرينالين وخلع ثوب الوهن للمواجهة!
وماذا إن تعب المرء؟!
كره الصمود مرة أخرى
اختار الاستسلام
انهي حروبه مع الحياة بسهام مصائبها وحوادثها؟
أيعتبرونه ضعيفًا إذاً!
فليضرب الجميع رأسه في حائط
الحياة حياتها هي
مصيرها هي
حياتها مخيرة، كرهت الانقياد واشمئزت من تكذيب نفسها، وقوتها المدعاة
الحصون تدمرت
والأعلام تكسرت
والمنزل هدم
والروح احترقت.

أصبح جسدها خاويًا
وحياتها مُرة كالعلقم، يومان فقط قضتهما في حالة استنكار شديد بين جدران المشفى وطليق مجاور لها!، هي حتى ظنت وجوده حالة من خرف العقل، كذبته رائحته وصوته وعينيه وجسده الدافئ الذي كان يقترب منها في حذر مع المحافظة على بعد جبري، إذ أنهما ما عادا زوجان!

هزت فرح رأسها بشدة تنفض حالة من الجنون التي تلبستها لترفع عيناها تنظر تجاه المركز العلاجي، عضت على أطراف شفتها السفلي بحيرة، وقد بدت على صفيح ساخن
لا تجد صديق يشدد من أزرها، ولا عائلة تلتجئ لهم!
لقد أصبحت يتيمة، رسميًا، وقد نبذتها المسماة بوالدتها!
دموع القهر والهوان سيطروا وخضعوا لإرادة القلب، لتسرع تلك المرة بالتوجه إلى مكتب طبيبها!

تعلم ان الوقت ما زال مبكرا، وان يأتي في قبيل ساعات العمل، هزت بتحية خافتة الموظفة الاستقبال لتتوجه نحو السلالم ملتهمة إياهم بسرعة البرق وقدميها محددة مكان توجهها..
اقتحمت الغرفة بعد طرقتين على بابه، لتنظر اليه بملامح متألمة جعل الطبيب يستقيم من مجلسه وقد تراجع جميع السباب الصباحي لمقتحم الغرفة، انفرجت ابتسامة ساخرة وهي تقول بتهكم
-مالك متفاجئ بوجودي ليه.

لم يمنع الطبيب أن يعود الحلو مرة أخرى على مقعده، وهو يتعامل بنفس البرود الساخر
- سقطتي يا فرح وجاية تقوليلي البشارة
تأوه خرج من شفتيها، موجع، جعلها تغلق باب الغرفة ثم سقطت علي المقعد المقابل له وهي تهمس بهذي
-سقطت
اصبحت الدموع تحجب رؤيتها، وضباب عقلها يمنع لسانها عن التحدث، ظلت لبرهة تفرج شفتيها لتخرج شهقات متأوه، موجعة. لقلبها، لتنقبض ملامح الطبيب وهو يقول بنبرة لينة
-سامعك.

زمجرت فرح بوحشية وهي تقول بفظاظة
-لازم تسمع، اومال انا بجيلك ليه
رفع الطبيب حاجباه ببرود، وأطل الغضب البارد من عينيه ثم اندفع قائلا يقول بنبرته العملية المغيظة لها حرفيًا
-انتي عارفة مهما عملتي من وقاحتك في الكلام معايا مش هتأثري فيا حاجة
مسحت الدموع سريعا بكف يدها ثم فضلت أن تتحاشى عن سبب زيارتها الأصلي وقررت اللهو وهي تحدق في الحوائط البيضاء بكره
-مش ناوي تغير حيطان الاوضة.

جارها الطبيب وهو يبسط ذراعيه علي فخذيه قائلا
-كتير بيحب الابيض، مريح للعين والقلب
اندفعت فرح تغمغم بسخط وطاقة عنيفة من البغض تجعلها فاقدة للسيطرة
-مفيش حاجة اسمها ابيض، هو لون اسود، الابيض ده بنخدع بيه الناس
مال الطبيب برأسه وهو يحدق إلى اضطرابها، ورعشة اناملها ورجفة عينيها ليقول بتساؤل
-روحتي لعيلتك؟

اختنقت أنفاسها وهي تمسد صدرها بقوة، تشحذ بكامل طاقتها أن تظل على قيد الحياة، وأن تسحب هواء وفير كي تكون صلبة أمامه، همست بصوت متحشرج
-بابا مات
ثم انفجرت في ضحك مرير، ممزق وهي تتابع في سخرية لحالها
-واللي خلفتني شايفاني عار ليها
عم الصمت للحظات الا من شهقات مكتومة، وقلب مفطور على صعوبات الحياة التي يواجهها، اجفلت من سؤاله برهة
-كرهتيها؟
لم تفكر للحظة وهي تجيبه بصوت أجش
-لحد اللعن انها ولدتني.

هز الطبيب رأسه وهو يستفز جوانبها لأخراج كل ما جعبتها وهو يسألها
- هتكفري دلوقتي؟
رمشت بأهدابها عدة مرات، متداركة ما قالته، لتستغفر في خفوت ثم نظفت حلقها لتقول بصوت مضطرب
-ساعات الكلام مش بقصده بعينه، وساعات من القهر يطلع كلام هيخليني اخسر دنيتي واخرتي.

اومأ الطبيب رأسه بتفهم، ليترك كل ما في يديه وهو يستقيم من مقعده يدير حول المكتب ليجلس في مقابلتها، نظرت اليه فرح من بين أهدابها بسخط وشعور غبي يتوارد في خاطرها لقتل كتلة الاستفزاز هذا
ثم قتل نفسها، لانها سارعت اليه، بعد افاقتها من الغيبوبة التي لن تخبره بها في الوقت الحالي! ربما ان اظهر بعض العطف الإنساني ستكون متساهلة معه
هي ليست مريضة، هذا ما يخبره دائما
هي تفتقد صحبة.

صحبة حقيقية، ولم تجدها في العائلة ولا الزواج، هبطت عيناها سريعا تجاه بطنها لتضغط بكف يدها عليه والدموع الغبية تتلاحق لإظهار قشرتها الصلبة الواهية!
هبطت عينا الطبيب تدريجيا إلى يدها التي تمسد بطنها لتلتمع عيناه بخاطر جعل فرح تنظر اليه من بين رموشها لتقول بخفوت
-نضال كان معايا.

اتسعت عينا الطبيب وقد رأت نظرة في عينيه تقسم انها جعلت وجنتيها رغما عنها تتورد، وقد فهمت تفكير الرجل لتنزع يدها عن بطنها ليسألها الطبيب في شك وحيرة
-اللي طلقك؟
هل أصابت هدف؟ لقد اربكته؟ هذا واضح جدًا في عينيه التي تهبط سريعا إلى بطنها والي كلامها الملتوي، غمغمت بثقة شديدة وهي غير نادمة حتى على طلاقها منه
-اللي طلقته، ده اول انجاز في حياتي.

هز رأسه بتفهم وان بدي الحيرة والفضول الذي تقرأه في عينيه يدفعها للضحك، الأحمق البارد أصبح بشرًا أخيرًا
اسندت ظهرها على المقعد لتقول ببساطة عن سر آخر تكشفه منذ الايام القليلة المنصرمة
-اغمي عليا بعد كلام الست اللي خلفتني اني سبب موت ابويا، وانها مش طيقاني، دي حتى عارفة اني اتطلقت ومحاولتش تتصل بيا و تقولي انتي فين، تعالي عندي، تكوني في حضني.

منعت الدموع أن تتجمع في مقلتيها وهي تواجهه بجسارة وجسد مضطرب ليتحشرج صوتها وهي تنفجر في بكاء حار ويدها تضع علي بطنها الهاوية من نطفة
-انا كان نفسي، كان نفسي في طفل من نضال، كان نفسي اعوض كل اللي عيشته واخلي ابني يعيش أحسن مني، نضال كان هيبقي اب ممتاز ليه، بس القدر
ضمت كفي يديها وهي تبكي بتحسر، بقدر ذعرها بعد فعلته التي لم ولن تسامحه عليها في حمام عام.

خشت ان تحمل نطفة كما هو بكل جبروت يتأمل بوجوده، لتبقي أسيرة له
لكن حينما مر شهر انقطاع ذعرت أن يكون تحقق ما آمله وسارعت بالفحص المنزلي لعدة مرات ولم يهدأ جنونها حتى ذهبت لطبيبة نسائية واخبرتها انها ليست حامل
بقدر راحة الكلمة وأن الخوف المستقبلي لم يتحقق، بقدر عاطفة أمومة استحوذت عليها وهي تبكي لتتعاطف الطبيبة معها مؤازرة اياها، مع بعض النصائح الطبيبة للحمل السريع!

زفرت بحرارة وهي تمسح دمعة فارة من مقلتها ليسألها الطبيب بدهشة
-كنتي عايزة حاجة تربطك بيه تاني؟
زفرت بحنق وكرهت سؤاله الأحمق، لتتحاشي اجابته وهي تقول بصوت خاوي
-انا مليش حد غير أصحاب، والصحبة دلوقتي بقت مؤقتة زي الأهل كدا، كل واحد بياخد مصلحته وبيمشي
هز الطبيب رأسه كارهًا حالة التبلد والتقوقع الذي تعود إليه من جديد ليستفزها بالحديث
-بتكلميني وكأنك في الستين يا فرح
وهي كانت شاردة عنه، بجسد حاضر
وعقل غائب.

عينيها تسبحان في لحظة استيقاظها من غفوتها لتبصره
حاضرًا، مهيبًا، بخشونة ملامح وجهه ونظرة عينيه التي رأت بهما لهفة، هل كانت حقًا؟، ثم وقت وصول تقريرها الطبي الذي كان يقرأه بملامح مكفهرة وجمود وجه لا تعلم متى حفر في وجهه، وقد اعتادت على سخريته ولا مبالاته وحدة لسانه اللاذع
لقد تغير، تغير نضال، أو عقلها هو الذي أصابها بالعطب؟!
هي لن تحتاج وقت للتخلص منه، هي تحتاج وقت للاعتياد على حياتها بمفردها.

التوقف عن اتكالها عن شخص ينوب عنها في اختباراتها وحياتها، غمغمت بشرود
- وقت ما فوقت من الغيبوبة لقيته جنبي، عيني اتحطت في عينه، كأنه مش مصدق ان مفيش حاجة منه اتزرعت جوا رحمي، افتكرني بكدب عليه، حسيت من عينيه كأنه، كأنه
لهثت وعينيها تتسع باجفال حقيقي حينما سمعت صوت الطبيب الهادئ
- خسرك
شهقت باستنكار تام، وهي تحط بعينيها الساخطتين على عينيه الساكنتين، لتعض على شفتيها السفلي متذكرة اعتذاره لتهمس.

-ده اعتذرلي، نضال باشا السلطان يعتذر
ابتسم الطبيب وهو يوقعها في فخ سؤاله
-أتغير يا فرح؟
هزت رأسها بعدم اهتمام حقيقي، لتجيبه بصدق
-معرفش، ومش مهتمة، انا دلوقتي بقولك مضايقة اني مش معايا طفل
بدت نزقة جدًا ووحش امومي شرس انتفض من سباته يطالب بحقوقه
حق لن تستطيع تنفيذه في الوقت الحالى، أجابها الطبيب ببعض التهكم
-روحي اتجوزي وخلفي، اعتقد ده مش صعب
شحب وجهها لتهز رأسها نافية من شبح فكرة الاستسلام لرجل آخر.

شخص آخر يخدعها بوجهه الزائف
رجل آخر لن تستطيع أن تكون فرح القديمة
رجل متطلب في مشاعرها وعواطفها، رجل لن يقبل سوى بإمرأة راغبة بين ذراعيه، امرأة تتغنج بدلال وترتدي كل ما يحلو له
شحوب وجهها أصبح مقلقًا وفكرة شبح رجل يعري جسدها وروحها مرة أخري جعلها تقول بنفي ساخط
-مش هرجع اتأسر تاني، العصفور اللي يدوق طعم الحرية عمره ما يرجع للقفص
قدم لها حل آخر بسهولة
- اتبني طفل.

وضعت يدها على بطنها، ورحمها ينهشها نهشا، ينتفض بثورة عن جنين يتكون وروح أخرى تشارك حياتها، أجابت بسخرية حادة
-ده علي اساس انا عارفة اشيل مسؤولية نفسي
تطلع الطبيب نحوها ببعض النزق وصباحه الهادئ تبدد بشحنة الطاقة السلبية التي أتته كالقطار السريع، استقام من مجلسه وهو يتوجه نحو النافذة يتطلع إلى حركة الصباح الهادئة في حديقة المركز، غمغم بنبرة هادئة بعيدة كل البعد عن سخريته المقيتة.

- روحي أي مقر رعاية بنين وبنات، وخدي وقتك معاهم، غذي روحك والأمومة الفطرية اللي عندك
بدا الأمر كمسكن لألمها لترفع رأسها بلهفة إليه قائلة
-عندك اقتراح لمكان؟
عبس الطبيب للحظات وهو يسألها باهتمام
- عايزاني أدورلك؟
تراجع حماسها، وخبتت عزيمتها لتقول بحنق
-حلولك كلها مؤقتة، زي دوا المسكن بتدي راحة مؤقتة بس الوجع موجود
تطلع نحوها تلك المرة بضجر حقيقي جلي بسمة شقية لفرح ليتخلي عن بروده قائلا.

-عايزاني أقولك أرجعيله
يعجبها ذلك النوع من الطبيب، عن الآخر البارد، ستأتيه كل ساعة صباح قبل أن يستعد أن يرتدي قناع الطبيب البارد لتقول بتهكم
-ده الناقص
سألها بحدة وقد شعرت فرح انها غير مرغوب بها في تلك اللحظة
-خلصتي امتحاناتك
اجابته بيأس شديد وهي تستقيم من مجلسها، مقررة حفظ ماء وجهها والكف عن هدر وقته الثمين
-عندي بكرا امتحان، ومليش نفس اروح.

سألها متعجبًا وهو يرى تبدل كلامها وثقتها اللانهائية للظفر بتقدير مميز
-والتقدير؟
حركت كتفيها بدلال عفوي قائلة
-يغور، عندي فلوس طليقي
انسلت ابتسامة منه، وقد بدي يعلمها أكثر من نفسها
حالات ثورتها ومقتها، حتى أشد حالات ضعفها وتخبطها، إلا أن إصرارها وعزيمتها هما وقودها وهذا ما يجعله بعض الشئ متفائلاً أن ما تمر له مرحلة وستتخطاها بمهارة، سألها بابتسامة باردة
-واضح انك شاربة المادة، مش مذاكراها بس.

لمعت عيناها بإصرار وبريق مخيف، لتجيبه بإصرار
- قولتلك مفيش حاجة هتوقفني مهما كانت ايه من أهدافي
ضم يديه في جيب بنطاله، ينظر اليها بتفحص وعمق شديدين اصابها بالاجفال شديدة وهي تتذكر عيني ذهبيتين اعتادت أن تراقبها بنفس الهدوء والبرود، إلا عمق عيني الرجل خاوية بعكس الأخرى النهمتين ليقول بهدوء
-مستني النتيجة.

انفرجت ابتسامة شقية ومريحة، والثقل الذي كان على صدرها أراحها منه ونزعه منها لتغمز بشقاوة أصبح يعتاد عليه وهي تقول
-هتنبهر يا دوك.

سارعت بالخروج وهي تبتسم بتفاؤل وأمل، تتحاشى أي خاطرة سيئة تمر عليها وتلك المرة تلقي سلامًا ناعمًا لموظفة الاستقبال التي هزت راسها باحترام، خرجت فرح من المركز وعينيها تضحك بإشراق لتسمح لهواء الصباح يتغلغل روحها، ضحكت برقة وهي تخبط بكف يدها على رأسها ثم قررت أن تتخذ السير رياضة جديدة لها قبل عودتها للمنزل، متغافلة عن عيني شديدتي السواد ترمقها بوحشية وقسوة، دعس نضال عقب السيجارة في قدمه بسحق مؤلم وتمني في تلك اللحظة دعس وسحق شخص واحد هنا.

تلك اللعينة التي تزوره في أحلامه، القاسية المتبلدة المشاعر التي فضلت صحبة طبيب، صحبة رجل غريب عنه هو 9
الجاحدة وهو الذي خشي أن تنتحر على أقرب كوبري، ليتفاجأ بذهابها في الصباح للطبيب وخروجها بعد فترة تخطت الساعة مشرقة مبتهجة للحياة! 4
رفع أنظاره تجاه المركز، وخاطر عنيف وشرس لقتل الرجل الذي اختطفها منه تزين عقله! 9.

في قصر السويسري،
تنهد معتصم بأسي والقلق يحفر عميقًا في عينيه، حبيبة قلبه وقرة عينه تذبل كل يوم عن الذي يليه وما يزيد سخطه وغضبه أنها ترفض أن تخبره ما حدث لتعود لنكستها
تقاوم، وتصمت وتحميه منه، جز على أسنانه ساخطًا وهو لا يصدق أنها وقعت في حب رجل أحمق أجنبي وقح لا يكترث بقيم عاداته، محطمًا لقوانين أزلية، مسد موضع قلبه وحنين زوجته يمر على قلبه ليزداد حسرته.

ربما إن كانت زوجته هنا، لعلمت العلة في قلب ابنته، ربما كانت ستكشف لها روحها دون حرج أو أسف..
لماذا لم تأتيه منهارة وتحدثه عما فعله الحقير كما فعل الداعر معاذ، لما لم تفعل؟! استقام من مجلسه وهو يزفر بسخط وغيظ وعينيه تستعر نيرانًا وهو يتذكر مجيئها الخجل صباحًا.

تورد طبيعي دب فيه الحياة لقلبه الملكوم، لتفجعه بخبر مجئ والده ذلك الداعر، كانت ستطلب الخروج ومقابلتها لولا قسمه بعدم خروجها من المنزل، وأي ضيف سيكون تحت ناظريه
لقد انتهى عصر ترك بناته ليتخبطن في الحياة ليشتد عودهن، سيعود يفحص ويدقق كل تفصيلة في حياتهن! 1
دق باب مكتبه ليدخل ماهر بابتسامة هادئة إلا أن القلق في وجه ابنه جعله هو الآخر يعلم كم يكابح ابنه لمداراة القلق ليهمس معتصم بحرج.

-انت شايف اننا سايبنها معانا كدا أحسن يا ماهر.

ضم ماهر قبضة يده بقوة وهو يزفر بحدة وقد تكلف بصعوبة استقبال سيدة غيداء بحسن ضيافة ودماثة خلق، المرأة ذات نفسها كانت تبدو حرجة وخجلة إلا أنها دارته بصلابة أم تجيد إخفاء معاناتها التي علمها بالصدفة، وقتها حرص بقلب أخ شقيق ألا تخبرها عن غياب سرمد الذي من المتحمل أن يكون مختطف، ووقتها رأي نظرة قاسية في نظرة عينيها وهي تزجره بخشونة بلغة ايطالية يعلم القليل منها ثم سارعت بالتحدث الشامية وهي تقول انها ما جاءت أبدًا لهذا الغرض، كل ما رغبته هو الأطمئنان عليها!

اقترب ماهر منه وهو يقول بابتسامة قلقة
-بابا، بنتك مش طفلة، استريح وبطل قلقك ده
تنهد معتصم بأسي، وقلبه يأن حال أنين قلب ابنته، ارتخى بمجلسه على مقعده ليقول بصراحة
-انا خايف، بكرا لما تبقي أب هتعرف شعوري
ثم بذكره للأبوة، ارتفع عينا معتصم بحدة وهو يسأله بخشونة وزمجرة
-وهي مراتك مش ناوية تجيب عيل، ولا استكفت ببنتها من ابن الغانم.

اتسعت عينا ماهر ببلاهة، لتبدل حال أبيه من القلق إلى الغضب، ليقول بحرج وقد انقبضت معالم وجهه
- بابا
زجره معتصم بعنف
- جرا ايه يا واد، بقالك قد ايه متجوز، حن علي ابوك وجيب حفيد للعيلة
زفر ماهر بحدة، وهو حتى الآن يجد أساس قوي يسير عليه هو وزوجته التي أصبحت مهوسة لأبنتها وأمر تعليمها أصبح شغلهم الشاغل، هي أخبرته أنها ترغب أن تكون أم مرة أخري، لكن ليس قبل شفائها
أجابه بفظاظة شديدة ووقاحة.

-عندك جيهان بنتك، اطلب من جوز بنتك يجبلك
تجهمت ملامح معتصم للشرر، وتذكيره أن ابنته تزوجت من شبل أشقر جعله يجز على أسنانه ليقول بحدة
-اعدل كلامك يا ولد، فاكر نفسك بتتكلم مع مين بالبذاءة دي عشان تاخد راحتك مع ابوك.

انسلت ابتسامة متسلية من شفتي ماهر، وهو يراقب والده كما لو انه جالس علي صفيح ساخن، والده يعاني من فكرة بعد ابنتيه عنهما رغم أن الأولى ستكون ملاصقة له ولا يبعدهما سوي أسوار المنزل والثانية يبدو أنها اعتكفت عن الزواج ليقول بوقاحة
-العفو يا باشا، بس متقلقش لو هجيب طفل من ليلة هعرف تخليها تكون حامل مني
رفع معتصم عينيه وهو يرمقه بسخرية لوقاحته، ليحطم كبرياءه وثقته لشديدين قائلا.

-اهو ده اللي انت فالح فيه، نافشلي ريشك زي طاووس وانت اخرك...
ترك كلمته معلقة، لتتبادر كلمة بذيئة في ذهن ماهر الذي احتقنت أذنيه خجلا وحرجًا، ليتمتم
-بابا
اشاح معتصم يده وقد علي غضبه وسخطه منه ليقول
-اخرس، ده اللي باخده منك طول الوقت كلام
لوي ماهر شفتيه بيأس ليقول بوقاحة متعمدة
-خلاص شوف ابنك التاني يصنع مجدك.

هدر معتصم بقسوة وخشونة، وذلك الأحمق الآخر منذ الزواج عزله عن ابنته التي يجعلها لا تجد وقت متنفس لراحتها من ضغطه لها للعمل، حتى أنها تكاد تعود للمنزل لا تري ما أسفل قدميها وتسقط نائمة على الفراش بتعب، رغم مقدار الثقل الذي وضعه علي كتفيها إلا أنها لم تعارض، ولم ترفع شعار إضراب عن العمل!
قال بلهجة خشنة تبث الوعيد في عينيه.

-ملكش دعوة بوسيم، انا ما صدقت الشعنونة فاقت من جنانها وركزت على شغل ابوها، مش زيك يا فاشل روحت طيران
رفع ماهر يديه مستسلما لنبرة التهديد في والده، الذي يحذره من اللعب في منطقة خطرة، ليتراجع بجيوشه قائلا بفخر
-متستهونش بالفلوس اللي باخدها، وتذاكر السفر المجاني
امال معتصم برأسه وهو يقول كلمة واحدة تخسف من كبرياء وعلياء رجل مثله
-اتنيل.

زفر ماهر بقلة حيلة تجاه والده الذي لا يتوقف مرة عن إعرابه بكرهه لمجال عمله المخالف له، مرت عدة ثوانً ثم تبعها استقامة معتصم القلقة الذي يهم باقتحام مجلس صغيرته مع المرأة السري
- لا انا قلقت دي طولت معاها كتير
وضع ماهر نفسه حائلا بين والده والباب ليقول ماهر بهدوء
-اهدي يا بابا، هي بنفسها رضيت تكون موجودة معاها في البيت قدام عنيك.

زمجر معتصم بوعيد تجاه المرأة إذا أبكت صغيرته، أو رغبت في استغلال طيبة قلبها لعودتها لأبنها المختطف، حوقل باستغفار لكن هذا لم يمنع أن يقول بوعيد
-جاية تعيد الأواصر من تاني، قسما عظما انا..
قاطعه ماهر بصلابة وهو ينظر الى عيني أبيه المضطربتين
-ابنها اتخطف يا معتصم باشا، وانت عارف مين اللي خطفه.

اسود ملامح وجهه قتامة، ورغمًا عنه قبضة مؤلمة تستحكم قلبه، هو الآخر أب وجرب شعور الفقد كما يعانيه أهله، لكن خرج لسانه بفظاظة يقول
- ان شاء الله يتحرق في جهنم، ميهمنيش، خليهم يولعوا في بعض
صمت لثواني وهو يزمجر ويهدر بكلمات حانقة قبل أن يسأله
- وصلتوا لايه عن اللي قتل النجس التاني؟
رفع ماهر عينيه بدهشة قبل أن يميل اليه قائلا بشقاوة
-واضح جوز بنتك المستقبلي روقه.

اشتعل جذوة الجنون في حدقتي معتصم ليزمجر بوحشية قائلا
- متقولش جوز بنتي، معنديش بنات للجواز، مش هجوز شادية، هخليها جنبي
ارتفع حاجبا ماهر بتسلية وهو يقول بنبرة مشاكسة
-عندي ليها طيار زميلي كان معجب بيها 2
هدر معتصم بوحشية وهاجس عريس آخر يجعله متقلب علي صفيح ساخن، ورغبة عنيفة في القتل
- ولدددد، لم نفسك مش طايق هزارك.

انفلتت ضحكة أنثوية جعل معتصم يرفع رأسه ليرى انضمام الشقية العابثة إلى حوار خاص يجري بينهما لتقول جيهان بمشاكسة
- يعني مش هنخليها تترهبن يا عصوم
نظر معتصم نحوهما بشراسة، ليكشر عن أنيابه قائلا
-كلمة كمان هطلع العصاية اياها، واجري وراك انت واختك
انفلتت ضحكات صاخبة من شفتي جيهان التي أخذت تعدل خصلات شعرها التي أصبحت فوضوية أثر يوم عملها العصيب لتقول.

- طب واحدة بنت جميلة و حلوة وكانت موديل ونص شباب مصر والوطن العربي بيجروا وراها تخليها تخاف من العصاية وتقعد تهرب منك
هدر صوت معتصم بقسوة وقد تحمل ما فيه من سماجتهم
- امشوووااا من وشي عشان مطلعش جناني عليكم
غمغمت جيهان بهدوء وهي تميل مقتربة منه تقبل وجنته مربتة على قلبه
-متقلقش عليها، هي مش هشة للدرجة دي
اغرورقت عينا الأب وهو يسند يده على يدها التي تربت على قلبه ليغمغم
-لا اعتراض على قضائه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة