قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة واثنا عشر

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة واثنا عشر

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة واثنا عشر

في الطابق العلوي،.

انفردت المرأتين وكلاهما يتحاشى النظر إلى الأعين، وخاصة شادية التي تشعر أنها أصبحت متورطة بشكل ما لتعامل الضيفة بآداب ضيافة، إلا أنها لم تستطيع، أجلت غيداء حلقها وقد تفاجئت من نبرة شادية الهجومية حينما عرفت عن رفضها للتحدث بلهجة الأم الخاصة بها، وفضلت اللغة الإنجليزية الباردة كبداية للحديث، أمسكت غيداء بحقيبتها الأنيقة ووضعتها جانبًا وبدأت تراقب الأريكة المقابلة لها وبدت بعيدة جدا عن خاصتها لتقول غيداء بنبرة أم حنون.

-لا تريدين التحدث معي بلهجتي؟
شرست ملامح شادية سريعًا وهي تجيب بنفي تام مستخدمة لهجتها الأصلية
-لأ
ابتسمت غيداء وهي تبكي دمعات تحسر علي حرمانها من ابنها حتى الآن الله وحده يعلم ماذا يحدث لصغيرها، رقت نظراتها بحنين وأمومة لتقول
-على راحتك إذا، على كلا أنا سعيدة لأنك بعد كل هذا الوقت وافقتي علي زيارتي
فركت شادية يديها بتوتر قبل ان تزيل خصلة شاردة وتعيدها خلف أذنها لتهمس بصوت متحشرج.

-أنا، أنا بس حبيت أعرف عايزاني في ايه
ظنت غيداء انها تلك بادرة حسنة لتبادر هي بالتحدث بلغتها، وهمت بالكلام إلا أن شادية قاطعتها بقسوة غير مقصودة
-متحاوليش تتكلمي بلهجتك
أجفلت غيداء وهي تحدي بها ببعض القلق والخوف الأمومي الذي ينضح من عينيها وقد قرأته شادية لتتراجع بتخاذل وهي تهمس بإرهاق
-خايفة أضعف.

ملامحها المؤرقة والسواد أسفل عينيها الكهرمانية جعل غيداء تسب ولدها على غبائه ثم سارعت بتمتمة عدة عبارات أن يحفظه لها، لتزفر غيداء باختناق وهي تغمغم بشرود
-علمت سبب ارتباطه بك
اتسعت عينا شادية بذعر حقيقي، سرعان ما انمحى الضعف لتزمجر بشراسة
-مش عايزة اتكلم عنه
حوقلت غيداء وهي الأخرى تجيب بحدة حال تذكرها سبب ذعر الفتاة منه
-ولا أنا أريد الحديث عنه، أنا غاضبة بشأن ما قام به.

شحب وجه شادية حتى حاكي الموتي، اهتزت اطراف جسدها، وضربها البرد لتتجمع الدموع في حدقتيها وغيداء بلهفة قلب الأم الذي تعجبت من زرع عاطفة الأمومة لتلك الفتاة قبل رؤيتها
ربما لأن صغيرها حدثها عن رحيل والدتها المبكر، وقررت هي أن تعوضها عن عاطفة الأمومة التي حرمت منها!
أو لأنها رغبت في ابنة وعوضها الله بزوجة ابن تستطيع أن تغذي أمومتها بها!

اقتربت وقلبها يدق كناقوس خطر لتهم باحتضانها وتهدئة ارتجافها، إلا أن شادية سارعت بنفض جسدها عنها، ترمقها بخجل وخذلان وغضب وقهر دفين، سارعت غيداء تقول بلهفة ودموعها هي الأخرى اتخذت مجراها على خديها
- اهدئي والله سمعت حديثكم صدفة أثناء تسللي ليلاً لرؤيتك والاطمئنان عليك لقراءة القرآن كي تنامي قريرة العين.

تراجعت شادية مخذولة، خجلا من نفسها، ومن انكشاف روحها وسرها الذي ظلت لسنوات تدفنه، وتدفع عقلها النسيان كي لا تشمئز من جسدها وتعاود فترة هستيرية ماضية بالكاد تخلصت منها، استند ظهرها على الحائط وانزلقت منه بضعف وجسدها يختض بعنف من ألم ذكريات المرة الأولى
تجردها من محافظتها وشرفها الذي دنس، استحقاره وتهكمه وسخريته حينما أخذ غرضه منها.

اختض جسدها بعنف من وطء الذكريات لتشعر بجسدها مغمور في حضن دافئ وصوت عذب ينطق بالايات القرانية، انفجرت في البكاء الحار وغيداء تكرر ذكر بعض الآيات ويدها تمرر على ظهرها وجسدها ودموعها تشارك دموع الآخرين، بقت علي اعصاب مشدودة وشادية تتشبث بملابسها لتغمغم شادية
- كنتي انتي، يعني انا مكنتش بتخيل
اومأت غيداء بايجاب شديد وهي تحتضن وجهها بك في يديها لتهمس بحنان
-كنت أنا يا مهجة القلب.

ازداد انهمار دموع شادية وإن كان الخجل والحرج ما يتملكها، وقد استكان جسدها من ذكر آيات الحكيم، لتعود الأشباح التي مخادعها، غمغمت غيداء بضعف
-لا تعلمين كم كنت أرغب في ابنة مثلك، دعيت الله أن يجعلني أنجب ابنة، لكن رضيت بما قسمه الله لي، وقلت ستأتي كنتين ستصبحان ابنتاي
عضت شادية علي باطن خدها ووجدت نفسها تقول بسرعة نافية أي سبب قد يجعلها تعود له
-مش هبقي كنتك يا، يا.

تعثر لسانها وازداد امتقاع وجهها لنظرة المرأة الدافئة، التي تخترق حصون قلبها، ربااااه لما تشعر انها تتعلق بها؟!
المرأة كانت تحرص على راحتها في المستشفى وكأنها تعتبرها ابنة لها! قالت غيداء بأريحية وهي تزيل الحرج بينهما
- غيداء، لا حرج من نطق اسمي مجردًا
هزت شادية رأسها بضعف وبدا جسدها يستمد عاطفة المرأة رغمًا عنها دون حرج أو غرابة، أسيدصقها أحد أنها تشعر بالراحة في وجودها؟!

ليتها تمتلك أم ولا توسلت عاطفة الأمومة من أحد!
هي معذورة، إذ أنها علي وشك القيام بأي شيء كي لا تفقد صدر رحب أمومي يغذي به روحها التائقة لسلام نفسي
غمغمت شادية بحرج وهي تمسح ودموعها سريعا
-الألقاب اتعملت عشان تحفظ كل شخص مقامه، من كبير وصغير
ثم كي لا تنجرف لتيار لا تود الانجراف فيه، سارعت بسلخ جسدها عنها وهي تقول بحدة غير مقصودة
-بما انك عارفة كل حاجة عني، جيتي ليه.

فظاظتها لا تحتمل، لكنها تعذرها، هي لم يكن لديها الحق لتكشف سترها الذي حماها الله به، ويكشفه ابنها الغبي، أجابتها بنبرة متوسلة حنانًا
-جئت كأم تثلج صدر ابنتها، تحميها تحت جناحيها، و تهدهدها كي تنام قريرة العين.

فغرت شادية شفتيها بصدمة، وهي تتراجع عنها معذورة، هي من المفترض أنها اختارت حديثا انجليزيا باردًا كي لاتتأثر بها، حتى تستطيع بأعصاب باردة ودون عذاب ضمير أن تغلق جميع صفحاتها السوداء، لاح الجنون في عينيها وهي تدفعها دفعًا لكراهيتها
- انا مش عايزة، بما ان كل حاجة بقت علي المكشوف تحبي احيلك التفاصيل، تحبي تختاري أنهي ليلة ليلته عليا ولا ليلة التاني.

هدرت غيداء بسخط وحزم أمومي وطفقت الصرامة تسيطر على جزء من جسدها
- اخرسي
الجمت شادية الصدمة والدموع في عينيها تنبئ عن نيران مستعرة في أحشائها، وجلد الضمير والذات يزداد ضراوة وهي تتراجع تلك المرة بخوف حقيقي من نبرة السيدة اللطيفة التي أصبحت تنفث نيرانًا من أنفها.

- لن أسمح لك يا غبية أن تلوثي نفسك، وتدمري ذاتك، إياك يا حمقاء أن تضعي رأسك في الرمال، انتِ امرأة مصرية، جيناتك بها صفات الملكات اللاتي حكمن بقعة أرض مميزة بينما العالم الآخر تسوده الوحشية وقانون البقاء
اقتربت غيداء منها بحزم تمسك عضديها بقوة، تنظر إلى عينيها المذعورتين، لتلين ملامحها ورقت نبراتها وإن لم يخلو من الحزم.

-إياكي أن تلقي بستار الستر الذي حماكي الله به أمام الجميع، انتي لستِ غبية لتلك الدرجة
شهقت شادية بألم وهي تحاول التملص من أسر المرأة، تنظر الى عينيها تنظر إلى صدقها من كذبها، جاءت شفقة إليها، أم تحاول إعادة ربط الأواصر!
هي لا تفهم، لا تفهم ماذا تقوم به امرأة غريبة عنه لتزجرها وتعنفها بقسوة كأنها ابنتها هي!
لكن الشياطين ما زالت تعمي عينيها، والغضب الذي تحمله للأخر ألقته في وجهها لتزمجر بشراسة.

-وابنك من الغباء اللي خلاه ينزع الستار ده
زفرت غيداء بتعب حقيقي، وهي ترى نظرات الشك والريبة تحوط عيني الفتاة، ربتت في خفة على ظهرها وهي تقول بجمود
-لن أحمي ولدي، فهذا الأمر يجعلني ألعن شياطينه ووسواسه قبل أن أستغفر وأقول أنه بين يدي الرحمن هو أرحم منا.

لم تنتبه شادية إلى الجملة الأخيرة بذهن يقظ، الإ ان مواء القطة لولو وهي تقترب منها على استحياء وتردد شديدين مزقها وهي تهبط بجذعها تحث القطة على الأقتراب
إلا أن القطة رفعت عينيها الزرقاوين تراقبها بريبة وتردد ثم سرعان ما تقدمت بهجوم لتتمرغ بين أحضان شادية التي تقبلتها بحنان شديد، ابتسمت غيداء برقة وهي تري الصفات المتحدة بين ابنها والفتاة
لكن حفظت لسانها وقررت عدم الخوض في سيرته، لتتنحنح بحرج.

-هل تلك القطة التي جلبها لكِ؟
اجابتها شادية برقة وحلاوة شديدين، وهي تميل محتضنة القطة التي تشبثت بملابسها بنفس القوة لتجيبها برقة
-لولو
تنهدت غيداء مبتسمة لذكرى بعيدة، لكن ما غادرت عقلها قط، إذ أن صغيرها الوحيد لم يغادر ذكراها في يقظتها ومنامها، داعية الله، راجية أن يعود إلى منزله سالمًا، همست بشرود
- أتصل بي وقت جلب لك القطة، كان فخورًا انه قام بعمل صحيح معك في بادرة أولى منه.

تخشب جسد شادية والذكرى التي تسري في ذهن غيداء، انتقل إليها هي الأخرى لينقبض قلبها لاشعوريا
ذلك الاهتمام الزائف منه
العاطفة الخادعة وأحكمت حصارها به
هل لتلك الدرجة كانت حمقاء؟! أم أنها كانت تسعي أن تضع صورة مثالية أن ليس الرجال ذكور يندفعون لتلبية شهوة الجسد، أخرجها صوت غيداء من كوابيس تعيشها وهي يقظة
- جئتك كي تكونين بين ذراعي، أشعر انك ابنتي حتى ولو لم تنجبك رحمي.

تخشب جسدها ولا التردد والذعر، لتزفر غيداء بحرقة وهي تقول ببعض الحدة المصطنعة
-لن آكلك بالطبع، تقدمي يا فتاة
غمغمت شادية بحرج شديد، وذكري أن المرأة أصبحت تعتاد عليها تجعلها تتضطرب
-بس أنا
لم تقف غيداء صامتة، إذ سحبتها محتضنة اياها بعاطفة أمومية حقيقية، مربتة على ظهرها، تلبي نداء عيناها المذعورتين لتدفئ قلبها، غمغمت غيداء بحكمة.

- كوني واثقة أن عدل الله فوق عدل البشر، لا تندفعي بين ظلال الماضي، أنتِ في أوج عمر شبابك لا تلقيها هدرًا بين النواح والألم
لم تستطع شادية أن تظل جامدة وحضن المرأة الدافئ جعلها تتخلي عن جميع حذرها، وهي تتلمس بها حضن أم توفت دون أن تتشبع بها، لم تشعر حتى أنها تتحدث بلغة أخرى وهي تتساءل بعذاب
-ومن سيرضي بي؟ بفتاة لم تحافظ على شرفها
اشتعل الجنون والغضب في عيني غيداء، لازم شفتيها بحزم وهي ترد بصرامة.

-كلمة اخرى و سأقتلك يا ابنة معتصم، عذرية الجسد ليس دليل على عفة المرأة، الكثيرات من النساء تتعرضن للاغتصاب وان كان في إطار شرعي، هل نلعنها نحن ونسبها بأفظع الألقاب
صمتت شادية ولم تجد القدرة سوي أن تندس بقوة بين ذراعيها، توجهت غيداء لاقرب اريكة لتجلس عليها وهي تربت على ظهرها بحنان، متلمسة قطعة غالية من قلب ابنها، الله وحده يعلم كيف امتلكت الفتاة قلبها ومتى حدث!

غمغمت غيداء بسعادة أمومية وهي تعوض حرمانها هي الأخرى بابنة، لتهمس
- فتاة مطيعة، كالقطة لولو
رفعت شادية عينيها تحدق إلى الحنان المتدفق، مشاعر حانية لا تنضب لتسألها بحيرة
- ليس لها ذنب أن أجافيها؟
هزت غيداء رأسها نافية وهي تراها طفلة صغيرة تتخبط بين الأرجاء، باحثة عن أمها التي فقدتها بين الحشد، لتهمس
-لا ليس لها ذنب.

تنهدت شادية بتوجع شديد وهي تضع يدها علي قلبها تمسده، حتى جلسات النفسية ظنت أنها ستهدئها، بل تزيدها سوءًا والحبيبة تحرص على الدق أكثر مناطق ظلماتها التي لم تتجرأ للتطرق إليها لتهمس بألم
- وحشتني ماما
اللهفة في عيني غيداء والحنان المتدفق منها جعلها تستكين أكثر، مررت أناملها على خصلات شعرها لتقول
-ادعي لها بالرحمة، ايمانك مهتز يا شادية
مسحت دمعتها الخائنة سريعًا وهي تجيبها بتحشرج.

-ثقتي تدمرت لثاني مرة على يد رجل ظننته...
تركت حملتها معلقة وهي تغمض جفنيها بألم، لتعيد غيداء احتضانها بحماية وقوة، استغفر وتحوقل إلى شياطين ابنها لتدمير الزهرة بين يديه، همست غيداء بصوت حاني
-إن كان يؤلمك الحديث، ارتاحي ونامي
شعرت شادية أنها علي وشك نزعها من بؤرة آمان اعتادت عليه لتسألها في حذر وخيفة
-ألن تقرأين لي؟

ابتسمت غيداء ودموعها تساقطت على وجنتيها لتسارع في ضمها بين ذراعيها تتلو عليها آيات من الذكر الحكيم، حتى غفت شادية بسكينة جعل غيداء تنظر اليها بألم إلى حال ما وصلت إليه، عدلت نومها على الأريكة وهي تتمنى ألا تندم الفتاة ما باحت به في وجهها حينما تستيقظ! 2.

لا تملك سوى الدعاء أن يهدي كلاهما الى طريقهما المستقيم، اخذت حقيبتها بهدوء واستعدت للخروج وهي تهبط الدرج لتصطدم عيناها بملامح فتاة شرسة الطباع لتهمس غيداء ببرود
-لقد نامت، لا تزعجيها
رفعت جيهان حاجبيها بتعجب، ألا تتحدث المرأة العربية! وخاصة اللهجة الشامية التي كانت تحرص علي التحدث بها حينما جاءت منزلهم، لوت جيهان شفتيها لتقول
-سمعت بالصدفة خبر معرفش اذا كان حقيقي ولا لأ، عن ابنك.

امالت غيداء رأسها وهي تسألها بهدوء خادع
- أي خبر؟
تمتمت ببرود شديد وعدم اكتراث وهي تداعي خصلة من شعرها
-انه قتل معاذ، بالأصح سرمد فين
عقدت غيداء حاجبيها بريية وهي تستنبط نبرة التوجس والحيطة من الفتاة، لتغمغم ببرود ظاهري
-غريب أمرك، أري أنك رافضة وجودي، لما تهتمين به
اتسعت عينا جيهان بدهشة لوقاحة المرأة، لترد بوقاحة أكبر وهي مدفوعة بالغضب تجاه من حطم شقيقتها
-اتكلمي معايا عربي، مبحبش الأسلوب بتاعك.

صمتت غيداء لبرهة من الوقت، دون أن تنسي اطلاق شتائم لقلة تهذيبها ووقاحتها في سرها، لتهمس ببرود
- يبدو أن والدك لم يعلمك أصول التحدث مع الكبار
هزت جيهان رأسها نافية تجيبها بوقاحة متعمدة
- لأ، أصله ملقاش وقت يربيني
زفرت غيداء بيأس، هل عليها أن تقابل نسخة انثوية وقحة من طفليها؟! لتهمس
-لا فائدة ترجى منك، كأطفالي قليلة التهذيب.

تحركت مغادرة وافسحت جيهان لها مجالا، ثم تتبعها بما المتبقي منها من لباقة منعدمة عندها حرفيًا، ترددت للحظات وهي الأخري تشعر أن اختفاؤه عجيب ومريب في آن واحد، هي لا تريد التجسس وتتبع أسرار شخص ليس من حقها وليس من ضمن حيز عائلتها، إذا ما سمعته صحيحًا من ماهر ستبقى كارثة لا محالة!
همست ببعض التردد وهي تنظر إلى غيداء التي يطبق عليها الحزن وإن جاهدت في إخفاؤه
-عايزة مساعدة؟

تعمدت التحدث بالعموم، واللبيب بالإشارة يفهم
أجفلت غيداء من طلب الوقحة الصغيرة، إذ يبدو أنها ليست وقحة فقط، بل معدومة التهذيب وحريصة على عائلتها وتبدي بعض الأهتمام لصغيرها، تنهدت غيداء وهي تغمغم بمسحة رضا
-ربك هو المعين، لقد توكلت عليه
أقرنت قولها بالسلام والمغادرة، وجيهان تحدق في أثر مغادرتها بذهول لتهمس
-دول عيالها مفيش أي مسحة تدين على وشهم، عجايب والله 2.

بعد مرور شهر،
الأوضاع كانت أكثر صخبًا واشتعالاً في منزل النجم
إختفاءه بل اختطفاه مع سلسلة تحقيقات الشرطة التي تبحث عن قاتل معاذ، بل ويبدو أن القاتل لم يكتفي بالقتل الرحيم، حيث أنه أصيب بالكسر في ضلعين عدا وجود جروح غائرة متفرقة في جسده، صورة مقتله كان مقززًا
مزعزعًا لوضع عائلته الحساس، والمركز المرموق، وكل ليلة غيداء تبكي بتضرع أن لا يصيب ابنها بأذي.

لكن شئ داخلي رغم يقينها بالله، تعلم أن ابنها قد ذبح
وما سيعود عليه مجرد بقايا رجل!
خبط سامر بعنف على طاولة المكتب وعينيه تقدم شررًا وشراسة بدائية ليهمس بنبرة مميتة بعد أن اكتفي بوضع المتفرج
-سأذهب لقتله
راقبه غسان بحالة من الأسي والتفهم، إذ هو لا يمتلك حيلة للوصول إليه، ألقي نظرة أخرى نحو زوج من العيون تلتمع بالتسلية، ليصدر صوت لعوب متسلي، بارد الأعصاب
-فكرة جيدة.

زفر غسان بسخط وهو يلقي نظرة ساخطة، متوعدة للرجل بجواره، إلا أن الآخر كان متشربًا من القطب الشمالي ليتعامل مع الوضع بأعصاب باردة متسلية، قال غسان بيأس
-لا تسمع لهذا الأحمق
انقلبت تعابير الرجل للوجوم ثم تحولت للشراسة، حينما هجم عليه سامر ممسكًا بتلابيب قميصه الأسود باهظ الثمن
-انت يا من يتصف بالذكاء الحاد والعقل الداهية، شغل عقلك.

نزع داوود يدي سامر المتسختين حتى ولو عبر عنهما مجازًا، لكنهما يظلان متسخين قبل أن ينفض ويعدل ياقة قميصه ببرود تام وهدوء شديد وكأن الوقت الذي يملكه كافيًا جدًا ليستدير إلى سامر قائلا ببرود وبساطة
-لا أدخل في مشاكل الثأر بين العائلتين، ثم شقيقك كان غبي لكي لا يتصور أنه سوف ينجو بفعلته ليعذب ابن رجل سياسي هام في البلد.

انتفخت أوداج سامر ساخطًا وحاجة ملحة لقتل ذلك الرجل البارد، الشاذ عن أفراد عائلتهم، والعدو اللدود لشقيقه، لمعت نظرة الموت في عينيه إلا أن غسان وضع حائلا بينهما قبل أن يفقد سامر رشده، ليرفع سامر قبضة يده بعجز مشوحًا إياها ليقول
-سأذهب للسفارة
عاد داوود ينظر إلى عجزه ساخرًا، هذا هو حال من يفرح بجيناته الشرقية، لوى شفتيه بما يشبه ابتسامة متهكمة، ليقول ببرودة أعصاب تصيب التجمد.

-لا ترفع سلاح السفارة، أنت تعلم أن ظهرت جناية شقيقك سيعامل كأي مواطن هنا، ولن ينظروا لجنسيته، انت تعلم هذا يا غسان، هدأ هذا الثور
قال آخر جملته بلا مبالاة وهو يرى استعدادات سامر الموشكة على قتله، وغسان يقف بينهما عاجزًا، ليهدر سامر بسخط
-تبًا لك يا داوود، مجيئتك لا تسمن ولا تغني من جوع.

استقام داوود من مجلسه وهو يضم يديه في جيب بنطاله الثمين، كل جزء منه يفتح بالثراء حتى رائحة عطره التي صنعت خصيصًا لأجله من إحدى أشهر ماركات العطور في العالم، أخرج لفافة تبغ من جيب بنطاله وأشعلها ببرود وهو يجيبه
-جئت للسيدة غيداء فقط، وهي واثقة بي.

كان سامر متأكدا من أنه فقط عالة، بل شامتا لوضع سرمد المريب، لولا والدته لاقام حفل صاخب في الموطن احتفالا باختطافه، ظل يسبه كثيرًا وهو يري وقفته المتغطرسة والعنجهية التي تليق به، ينفث من لفافة التبغ باستمتاع شديد وعينيه الداكنتين تراقب بتمهل صياد للإيقاع بالفريسة
التفت سامر تجاه غسان وهو يسأله بحيرة
-ماذا سنفعل؟
هم غسان بالإجابة إلا أن صدح صوت داوود الساخر
-لن يستطيعوا قتله، اطمئنوا.

تنفس سامر كثور هاجت شياطينه، فتحتي أنفه تنقبض وتنبسط بوتيرة سريعة، ودخان يكاد يري يخرج من أذنيه ليهجم على داوود صارخًا
-انت يا أحمق يا
شتيمة نابية خرجت من شفتي سامر وهو يهجم بكل عدائية وغضب نحو البارد الشامت، لكن لم يتحرك به إنشًا واحدًا وقد وجد غسان يتكفل بتهدئة الوحش ليقول ببرود ثلجي اصطبغ في صوته.

-أتعلم والدتك المبجلة، حجم لسانك القذر هذا، لتلفظ بألفاظ نابية أمام الأكبر منك، خسئت جميلتي غيداء لتربي قاطعي طرق مختطفين
وضع على كلمة مختطفين عشر خطوط، ليرفع تلك المرة غسان رأسه وهو يقول بجدية
-إن جئت شامتًا، فيجب عليك العودة بإدراجك إلى حيث كنت، سنتصرف أنا وهو
تلكئت شفتي داوود الحازمتين بشبه ابتسامة، ايميل برأسه محدقًا بتحدي وقوة وثبات شديد إلى عيني سامر المستعرة ليقول.

-حقًا، تريدون التصرف بغباء واندفاع متهور، لتصاب تلك المرة بذبحة صدرية حينما يختطف ابنها الثاني المدلل
زفر سامر بغضب حانق، وهو ينظر بغيين متوعدتين تجاه داوود، ذلك الخروف الأسود الذي اكتسب عداوته هو الآخر خلال بروده وجفائه، بالله ما الذي رأته والدته ليكون عون لهما ومساعدًا؟!
هو منذ أسبوع حينما قدم لم يتحرك انشًا واحدًا، يتعامل مع الأمر بحيادية شديدة وبرود جلبه من كلا القطبين!

غمغم سامر وتحشرج حلقه متذكرًا والدته، وحالتها الهادئة المريبة بعد ثلاثة أيام من اختطافه، ليمر الشهر وهي صامتة، شاردة، يري ذبول وجهها، وعينيها تصرخان بالمساعدة!
- والدتي تنهار كل يوم وكل لحظة وهو بعيد عنها، انت يا جلمود ابعدا خلافتكما جانبًا
دعس داوود لفافة التبغ وسحقها بقوة تحت قدمه، ليعود ضامًا كفيه في جيبي بنطاله متسائلا بشك
-هل قلتم أنه قتل ذلك الآخر؟

زمجر سامر بحدة، لترتسم ابتسامة سخيفة علي شفتي داوود وغسان بادر بالرد قائلا
-ما زالت التحريات تسعى لمعرفة القاتل
صمت داوود لبرهة من الوقت، وتحول وجهه من وجه ساخر إلى وجه حجري، عينيه مثبتة نحو نقطة في الفراغ، ليقول مفكرًا بصوت مرتفع
-ان كانوا يرغبون بالتخلص من أخيك، لكانوا ألصقوا التهمة به، لكن يبدو أن عائلة الثعابين لها أكثر من عدو
هدر سامر بحدة، لكن غسان امسكه من ذراعيه وسامر يزأر بوحشية.

- لا فائدة ترجى منك
رفع داوود عينيه والتقط النيران في عيني سامر ببرود شديد ليقترب منه قائلا بتهكم
-فكر بعقلك يا احمق، ربما سيعذبه قليلا خاصة بعد اكتشاف قتل ابنه سيزيد جرعة العذاب ثم بالنهاية لن يستطيع الاحتفاظ به
ازداد شحوب وجه سامر وهو لا يصدق تفكير الرجل الأجرامي، هل سينتظر ذلك المخبول أن ينهي عقابه مع أخيه، وحينما يمل منه يلقيه على الطرقات، ضغط بقوة علي ساعد غسان وهو يصيح بسخط.

-تبا لي لأني طاوعتك، سأذهب للسفارة لأعلن عن اختفائه
قلب داوود عينيه بملل وهو يجيبه بنبرة ساخرة
-ستفتح بوابة جحيم سيكون شقيقك أول من يحترق فيها
رفع سامر عيناه بتوسل تجاه غسان، الذي بدوره التفت بكامل جسده ينظر إلى عينيه اللامعة بخطر يشبه لمعة الذئب
- داوود، أخرج ما في جعبتك لن ننتظر مطولاً وانت تتحدث كمكر الثعالب هكذا.

صمت داوود مطولاً وانعزل بجسده ويقظته عنهما وهو يفكر في كافة الطرق التي سيجعل سرمد يعود بأقل الخسائر
لن يخفي عليه أن إصابات الرجل المقتول كانت وحشية وغير آدمية بالمرة، وهذا ما يخشي تحدثه أمام غيداء، أن يخبرها والدها إما سيرقد باقي أيامه الأخيرة في المشفى، أو الأسوأ سيصلها خبر وفاته!
رفع عيناه وهو يحدق بهما ليقول
-ليس الآن، حالما أتأكد من شئ، ثم هم يرسلون لكم رسالة عن كونه حيًا يرزق.

اتسعت عينا الرجلان بجحوظ، وذكري الهدية التي وصلت لهما الأسبوع السابق قشعرت كلا جسديهما، ليقول سامر بصوت شاحب
- أتريد مني أن أريك الصندوق الذي بداخله أصبع الإبهام مبتور
عدنا مرة أخرى للدراما، قلب داوود عينيه بملل حقيقي وهو يقول بجفاء
-انت تعلم ان الأصبع مزيف
تلك المرة لم يمنع سامر أن يهدر بأوج غضبه ويأسه وعجزه
- لكن الدم حقيقي.

صمت داوود تلك المرة ولم يحاول السخرية أو الأستهزاء، برغم كل شئ إلا أنه يجمعه بعدوه قرابة دم!
سأل داوود مبددًا الصمت الذي أطبقهم
-ماذا فعل شقيقك الأحمق ليتورط في هذه المصيبة؟
اشاح سامر وجهه للجهة الأخرى، تاركًا إياهم بمفردين، ليجيبه غسان وغصة في حلقه جعلته يحزن على حال ما وصل لهم
-عشق امرأة.

لم يمنع داوود سوى أن يبتسم بسخرية، قبل أن يلقي سبة بذيئة لاعنًا الشئ ما يسمى العشق، و ملامح وجهه مكفهرة بسواد شديد، عبس غسان وهو يرى تبدل حاله من البرود الشديد، إلى بركان ثائر قبل أم تعود ملامحه مرة أخرى إلى البرود الشديد، هز غسان رأسه بعدم اهتمام
يكفيه صديقه وشقيقه المجانين، لن يتحمل فرد آخر!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة