قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وسبعة وأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وسبعة وأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وسبعة وأربعون

توقفت سيارة اجرة امام المركز التأهيلي الذي خضعته منذ مدة لا تحتسبها، ابتسمت فرح بإشراق بعدما ترجلت من السيارة وعينيها تلمع بشقاوة..
لقد راهن الطبيب لعودتها
و، حسنًا هى اشتاقت لمشاكسته، والاستماع الى نصائحه وان كانت تجاهلتها، لكنه كان الحافز الأساسي لتغيرها نحو الأفضل..

لم يتغير المكان كثيرًا منذ آخر مرة، ألقت تحية وسلام عابر ثم اقتربت من موظفة الاستعلامات تستفسر معلومات عن اسم الطبيب المعالج لها، لم تتفاجئ بكونه ما زال يعمل فى المركز، تركت اسمها وطلبت منها موعد سريع، ابتسمت الموظفة ببشاشة وبعد عدة دقائق سمحت لها بالدخول قائلة إنه بإنتظارها..

نقرت على باب غرفته ثم دفعت الباب لتتفاجئ من رائحة الغرفة، اتسعت ابتسامتها من رائحة العود الذي يعبق في أرجاء الغرفة بعكس رائحة المطهرات الخنيقة، إلا أن الجدران ما زالت بيضاء، وقعت عيناها على الطبيب لتغمغم
-اتمنى تكون فاكرنى
ابتسم الطبيب وهو يستقيم من مجلسه قائلا ببشاشة وعينيه لمعتا بالفخر وهو يرى الحالة التي وصلت إليها..
ففرح التى قدمت اليه كانت مرتعدة، مهزوزة الشخصية، والأهم كانت مفطورة الفؤاد.

لكن الآن وهي تتقدم نحوه ببهاء وألق حياة مرتسم على ملامحها جعله يغمغم
-للاسف انتى صعب حد ينساكى، ايه سبب زيارتك السعيدة
همست فرح بسعادة مطلقة من عينيها، وخبر بإصدار النسخة الثانية فى الأسواق بل والإقبال الحافل من الفتيات جعلها تكاد تبكى من فرط سعادتها، ناقشت منذ قليل عن موعد حفلة التوقيع التى ستعقد آخر الأسبوع
-انا مبسوطة بجد، مبسوطة من حياتى الجديدة، وحاسة بجد بقى عندى هدف وحياة.

اتسعت عينا الطبيب فرحًا الا ان صوتها كان به شئ من الخيبة، غمغم باستفسار
-بس؟!
تعست ملامحها فوريًا وهى تغمغم بصراحة
-قلقانة
انتظر بصبر حتى تطلق سجيتها معه فى الحديث كما اعتاد معها، ولم تخذله مطلقًا وهى تضع كفها على صدرها قائلة بخشية
- قلقانة انى اخسر ايمانى فى الحب، مش حب الناس لأ، حب خاص من راجل لست
ساعدها على الجلوس والتفت جالسا في مقعده سائلاً بإهتمام
- وايه اللى مخوفك.

عضت على باطن خدها لبرهة قبل أن تهمس بقلة حيلة مطلعة اياه على دواخلها
- مبقاش عندي كامل الثقة فى الشخص اللى قدامى، أى راجل قدامى مش بتحاشاه، لأ بصده وده مخوفني ان ممكن أخسر شخص بجد ممكن بيحبنى
افتر على شفتيه ابتسامة وهو ينظر اليها بنظرة ذات مغزى قائلاً
- وهو لو بيحبك يا فرح تفتكرى هيبعد عنك لمجرد صد خفيف منك، اللى هيحبك بجد هيهدم أى عازل ما بينك وبينه عشان يقدر يوصلك
حسنًا.

الطبيب الخاص بها أصبح رومانسي، عيناها حدقت به لبرهة من الوقت، تحاول أن نستشف أثر تغيره هو الآخر
ليس الأمر عادلاً أن يكون طرف يعلم أكثر من الطرف الآخر، عيناها مرت على خاتم فضى مزين بنصره الأيمن لترتفع عيناها بتفهم وهى تسأله بمكر
- مؤمن بالحب يا دكتور؟
ضحك وهو يهز رأسه مجيبًا
- مؤمن بيه، تمامًا.

حسنًا، لقد احسنت صنعًا تلك المرأة التى ارتبط بها، لقد كان أشبه بالة روبوت مستفزة خالى من أى مشاعر انسانية، لكن الآن بدى اقرب انسان تستطيع ان تتسامر معه لبعض الوقت، انتبهت على صوته الهادئ
-سعيد بنجاحك لكتابك الورقى لو انى ملحقتش اقتنيه
عبست وهي تنظر نحو بتوجس متسائلة
-انت عرفت ازاى؟

تلك المرة لم يمنع نفسه أن ينفجر ضاحكًا، خاصة تعبير الحذر والريبة التي اكتنفت ملامحها، لربما تظنه مترصد لها، لكنه رفع يديه باستسلام قائلاً
-صدقيني يا فرح انك بقيتي من اهم الاشخاص على السوشيال ميديا، وخبر صغير عنك بيسمع مصر كلها
كادت فرح تفقد وعيها، وللحظة نست انها اصبحت شخصية مؤثرة على التواصل الاجتماعى
مغفلة يا فرح، وانتى منذ قليل ظننتيه قاتل مستأجر، عادت الابتسامة توضى وجهها لتقول.

-اوعدك اول ما الطبعة التانية تنزل هحتفظ بنسخة هدية ليك
هز الطبيب رأسه لتستقيم فرح من مجلسها مغادرة، ليست من محبى الرسميات او التحيات، إلا أنها توقفت عند باب الغرفة تهمس
- دكتور
ثبت الطبيب عينيه نحوها ليراها تبتسم فى وجهه قائلة
- شكرا بجد انك استحملتني، و خليني اقول بجد يا بختها بيك
ادعى عدم الفهم وهو يسألها بمشاغبة
- هى مين
ضحكت فرح وهى تهز رأسها يائسة وعينيها معلقة نحو خاتمه لتهمس.

- اللى لابس خاتمها، مبروك
شكرها بلطف لتغلق الباب خلفها وهى تتنهد بقلة حيلة، الجميع يرتبطن أو ينجبن
وما زال حظها تعس حتى الآن..
رنين هاتفها اخرجها من شرودها لتجيب على اتصال غالية قائلة
- ايوا يا غالية، صمتت لبرهة مستمعة اليها قبل ان تجيبها قائلة لأ مفيش مشكلة حاضر متقلقيش، فى طريقي
حسنًا يبدو انها ستنسى نعى حظها البائس بصحبة أطفال غالية المشاغبين!

العودة لقرية الغانم لم يكن امرًا سهلاً عليها، فعلى رغم من ترحاب العائلة، الا أنها أصرت على أن تغلق جميع دفاترها نهائيًا...
زفرت فرح وهي تنظر نحو بوابة المجمع المدرسى بابتسامة، ترجلت من سيارة اوبر التى طلبتها خصيصًا ودفعت هواء داخل رئتيها وهى تتمنى ان لا يوقعها حظها بملاقاته
يكفى تكديره بوجوده فى الدار، بل وسخافته بالحديث وهو يعرض الزواج من صديقتها، كأنها تهتم مثلا!

تواصلت مع احدى المعلمات بعد فحص هويتها وتأكيد ولي الأمر على الشخص الذى سيصطحب الأطفال إلى المنزل، وجهتها إلى نطاق الحديقة حيث الأطفال منطلقين للعب بحرية، بحثت بعينيها عنهما لتتفاجئ بمقطورة عنيفة اندفعت من خلفها وصوت يحيي المشاغب يصيح بمرح
-فرح
تأوهت فرح وهى تحاول التماسك بعد اندفاع جسد الصغير نحوها، كما لو اشبه بكرة البولينغ، غمغمت بتوجع
-يا بني براحة، انا والله مش قدك.

نظر يحيى نحو جسدها النحيف ليجيبها وهو يربت على صدره بفخر طفولى
- انا قولت انك ضعيفة وعايزة تتغذى
الجمتها الصدمة لوقاحة الصغير، صغيرها الاخر حلو المعشر، معسول الكلام بالطبع لن يخبرها انها بحاجة للتغذية، جذبته من ياقة قميصه المغبرة وبعثرت خصلات شعره المشعثة قائلة بتهديد
-لسانك طويل يا استاذ يحيي
هز الطفل رأسه بعدم مبالاة قائلا وهو يستعرض عضلة كتفه النحيلة قائلاً
- انا صريح، انتى اضعف منى، انا اقوى منك.

ابتسمت وهي تهز رأسها بأسى لشجار لا طائل منه لتجذبه من يده قائلة بجدية
- ماشي يا سيدى انت اقوى منى، اعتقد كفاية لعب لحد دلوقتي ماما بعتانى انى اخدكم البيت
لوى الطفل شفتيه، ليغمغم بحنق بالغ
-قولى ليوسف الكلام ده مش ليا، قاعد مع صاحبته بيرسموا
استشعرت مدى ضيق الصغير من صديقة يوسف، سارقة توأم روحه لبعض الوقت، لتربت على ظهره ببعض المواساة متسائلة
- هما فينهم.

اشمئزت معالم الصغير نفورًا وهو يشير نحو بقعة توأمه والمشاكسة صديقته قائلا بحنق
-تحت الشجرة هناك
مالت تطبع قبلة على خده، واضعة اصبعها على جبينه مزيلة تلك التكشيرة على جبينه، لتقول بجدية
- دقيقتين وهجيبه، مش عايزة شقاوة يا يحيي
أومأ يحيي يهز رأسه موافقًا، إلا أن صديقه جذبه للعب مرة آخرى مما جعلها تهز رأسها بيأس، لا تستطيع كبح جماح ذلك المسمى ب يحيي وحدها والدته القادرة على ذلك..

توجهت نحو الصغير الآخر المطيع لجميع طلباتها، تعلم ما ان يستجيب يوسف لمتطلباتها يرضخ التوأم الآخر، وجدت رأسين صغيرين ملتصقين وهما منهمكين بالتلوين، مالت تضع يديها على عيني يوسف جاذبة اهتمامه هامسة بمرح
- الحلوين بيرسموا ايه
ازاح يوسف يدي الشخص عن عينيه، والتفت غير مصدقًا الصوت الذى سمعه، ركض نحوها ملقيًا بجسده على ذراعيها ملتقطة اياه بصدر رحب وهو يصيح بمرح
- فرااااح، انتى جيتى امتى.

عينين ذهبيتين شبيهتين بعينىّ الآخر، فغرت فرح شفتيها ولم تسمع حرفًا مما نطقه يوسف لتهمس بشفتين مرتجفتين لاسمها
- شمس.

ترقرقت عينا شمس بالدموع، وودت لو تركض كصديقها في أحضانها، لكن والدها أخبرها أنها من تركتهما باحثة عن حياة آخرى بعيدًا عنهما، زمت شفتيها الصغيرة بحزن و أشاحت بعينيها عنهما واعتكفت على كراسة الرسم، انتبه الصغير على نظرات عينا فرح المغرورقة بالدموع ليبتعد وهو ينظر نحوهما بفضول، اقتربت فرح من الصغيرة وعينيها تتشبع من رؤيتها
لقد كبرت الصغيرة.

كبرت وأصبحت أميرة صغيرة، المدللة الصغيرة بجمالها سرقت لبها للمرة الثانية، مالت نحوها تنظر الى اصابعها الصغيرة وهى تعبث بالألوان لتهمس بصوت مرح
- مش عايزة تسلمي عليا يا شمس
زمت شمس شفتيها تهز رأسها نافية قائلة بحنق طفولى
- لأ، انتي مشيتي
سبت فى تلك اللحظة الأحمق الآخر
لن يتغير نضال
لقد حذرته ان ما بينهما لا علاقة له ب الصغيرة، لكن أيصمت الأحمق ويدع الأمر يمر مر الكرام!

بالطبع أخذ الأب يدس سمومه فى اذنى الصغيرة، لن تسامحه قط ما حييت على إفساده علاقتها بالصغيرة، تهدلت كتفيها بيأس لتهمس نحو صغيرتها
- مش بإيدي يا شمس، كان احسن حل للكل
لم تجد ردًا من الصغيرة، وما زالت تعبث بورقة الرسم، مما جعلها تنتبه على يوسف الذى يبتسم بمؤازرة لطيفة، سمحت للصغير بالاقتراب لتطبع قبلة على خده الأيسر أثار انتباه شمس، لمع الغضب في حدقتى الصغيرة وهي تراها تقبل صديقها.

الغيرة استفحلت فى عروقها، لكن كبرياءها امتنع عن التفوه بحرف، لم يفت كل هذا عن عينا فرح التى لمعت عيناها بالخبث
الصغيرة لن تكسر بكبريائها، هى فقط حزينة مبتئسة لرحيلها، غمغمت وهى تشجع الصغير على متابعة رسمته لتجذب شمس للحديث قائلة بابتسامة متفائلة
- بقيتي عروسة يا شمس، قوليلى مبسوطة من الحضانة.

لفترة لم ترد الصغيرة، ولم تشعر سوى بكتف يوسف وهو يلكزها لترد على صديقته فرح، زمت شفتيها وهى ترفع عيناها الغاضبتين تجاه فرح قائلة
- مش بكلمك، بابى زعلان منك وانا كمان
بالطبع، وهل يوجد سواه نضال الغانم، الذى يعبث ويفسد جميع علاقاتها مع من تعلمهم
ألا يكفى ما أفسده؟!، ألم يكتفي بعد؟
غمغمت فرح وهي تسألها بتشكك
-بابا!
اومأت الصغيرة رأسها مجيبة بصدر رحب
-ايوا، بابى قالى انك مشيتي.

زمت فرح شفتيها، ولا تعلم ما هى على وشك القيام به إذا كان ذلك المفسد لعلاقاتها أمامها
ربما ستقتله، حتمًا القتل مفيد للبشرية جميعًا
إلا أنها استوقفت على وجه الصغيرة الباكى، حثتها على الاقتراب منها لتركض الصغيرة فى احضانها لتحكم وثاقها بين جنبات صدرها، دفنت الصغيرة وجهها فى صدر فرح شَكاء، بكاء.

وفرح تربت على صدرها تهمس بالعذر مئة مرة، حتى هدأت الصغيرة، مالت فرح تزيل دموع الصغيرة لتخرج حلواها المفضلة من حقيبتها معطية لها و ليوسف الذين أغرقهم بالقبل والاحضان، احتفظت بحلوى اخرى للصغير يحيي
وبالحديث عن يحيي، بحثت بعينيها عنه، لتتنهد بيأس وهي تعلم انها ستستغرق وقتًا للبحث عنه
ف يحيي ان اراد الظهور فسيظهر وقتما يريد، مالت تقبل مقدمة رأس صغيرتها الملتصقة بحضنها متسائلة باهتمام.

- مين المفروض يجي ياخدك دلوقتي يا شمس
اجابتها شمس بعينين تلمعان بالحياة
- بابى وعدنى انه هيوديني الملاهى النهاردة
ما زالت لا تصدق انها تركت الصغيرة بالكاد تتحدث كلمتين، أما الآن فما تشاهده هو طفلة ناضجة تستطيع التعبير عن مشاعرها وأفكارها بنضج، حسنًا ربما تلك الحسنة الوحيدة التي ستشفعه من القتل اليوم، انتبهت على صوت يوسف المتطلب
- انا كمان يا فرح عايز اروح الملاهى.

عضت فرح باطن خدها، ولمعة الأمل المكللة فى عيني الصغيرة جلبت الغصة في حلقها، همست بأسف
- مقدرش يا حبيبي، ماما طلبت انى اجيبكم البيت
زم يوسف شفتيه معارضًا ولاحظت الحزن وخيبة الأمل التى ارتسمت على ملامح الصغير لتجده يغلق كراسة الرسم خاصته واضعًا إياها في الحقيبة، مغمغمًا بصوت واشك على البكاء
- بابا وعدني الاسبوع اللى فات بس مجاش، وماما وعدتني برضو بس كل مرة بتأجله، من فضلك يا فرح.

ترجيه كان كالسكين الذى اخترق صدرها، كيف ترفض طلبه بعد رجاء الصغير، همست وهى تهز رأسها بيأس
- اكسفك واقولك لأ ازاي بس بعد ما كلمة من فضلك دى، طلعت مش سهل وانا اللي كنت فكراك غلبان
الصياد كان يراقبها من على بعد
تاركًا الفرصة لها للتحدث مع صغيرته، عيناه تعلقت على فستانها الصيفى ونيران شعواء تشتعل فى صدره
لم تكن ترتدى تلك الثياب الانثوية المذيبة لأعصابه حينما كانت ملك له.

أم أنه البعد والهجر هيأ له انها ازدادت نضارة وفتنة
فرح التى تتجسد أمامه، لم تكن تلك البريئة بعينين غزالتين شريدتين كأول مرة حطت عيناه عليها، ولا تلك التى كانت تراقبه بحذر وعينين متسعتين بفضول وهو يعلمها ابجديات معنى كونها انثى لرجل مثله
ولا تلك التي أصابها العشق ونحرها بكل خسة ودناءة منه
تلك فرح اخرى نضجت من بعده، لم يملك سوى الابتسام، وقد استحال طلبه امنية لن تتحقق.

لا يستطيع كسرها، ليس لأنها قابلة للكسر، لكنه كره الضعف الذي اكتنفها من قبله.
لم تفته عينيه الصقريتين عن تشبع صغيرته باحضانها، لتبيض سلميات كفيه وهو يهدأ الثور بداخله، يلعن ذاته لأنه لم يسمح لنفسه من اقتراب من أى كائن مؤنث من بعدها...
تبًا لذاته ولمثاليته الزائفة!

اقترب منها حينما لاحظ اليأس يكتنف ملامحها ليسمع حديثهما وهو يرى الصغير يطلب منها الذهاب للملاهى، حين عودته للمنزل سيكافئ الصغيرة ببيت الدمى الجديد الذي طلبته
تدخل مقاطعًا جلستهما الحميمة قائلا بسخرية
- كويس والله ان فيه حد متفق مع قراري
قفزت الصغيرة من أحضان فرح لتندس فى جسده، رفع نضال بقامتها وهو يراها تشبعه قبلتين من كل جانب، ضحك نضال بملئ فيه وأنفه التقطت عطر الاخرى على جسم صغيرته.

رغمًا عنه سمح لنفسه للانجراف
اشتياق موحش لم يتخيله لعودة الخائنة بين احضانه
-بابي
غمغم للصغيرة وعينيه التى اسودتا ينظر نحو فرح قائلاً
- روح قلب بابى انتى
لاحظ التوتر المنبعث من جسدها، النفور منها اعتاد عليها فى كل مرة يقترب من مدارها
انتبه على صوت الصغيرة تهمس بتطلب
-بابى يوسف عايز يروح الملاهي
القى نضال نحو يوسف المندس بين احضان فرح، ليجز على اسنانه والغضب التمع في حدقتيه
ذلك الطفل.

سيقتله، حتمًا سيقتله، الا يكفى صغيرته، ليقرر عدم الاكتفاء بها وأخذ المرأة التى يأمرها بالعودة مرة اخرى اليه، غمغم بفظاظة
-وانا اعمله ايه سي يوسف
لاح الاستنكار على وجه فرح، وازداد تشبث يوسف فى احضان فرح لتنظر بعبوس نحوه كعبوس شمس التى غمغمت ببساطة
-خليه يجي معانا يا بابي
القى نظرة حادة تجاه الصغير الذى تهدلت كتفيه بخزى والحزن الذى يزين وجهه
يعلم أن هناك علاقة شائكة بين الوالدان والضحايا هم الصغيرين.

لكنه ليس نادمًا مطلقًا على شد ذيل الأسد من مخدعه وعرض زواجه من غالية
عرضه ما زال قائمًا، وترك غالية وقت للتفكير، غمغم بحدة
-يوسف عنده مامته وعنده ابوه يفسحوه، احنا ملناش دعوة
تزمرت شمس وهى تطلب منه بيأس
-بابي، خليه يجي معانا
زفر نضال بيأس وهو يجيبها قائلا بسخرية
- امه مش هتوافق، وابوه لو شم خبر مش بعيد هتترحمى عليا
لمح البسمة التى زينت وجه فرح نحو سخطه، القى نظرة خاصة نحوها وهو يغمغم ببرود.

- عجبك طبعًا الكلام
اتسعت ابتسامتها من الأذن للأذن لتجيبه
-جدًا فوق ما تتخيل
لبرهة فكر فى حل يئد تلك البسمة على وجهها، ليس مسموح لآخر ان يفتتن بتلك البسمة سواه، عرض عليها قائلاً
- تيجي الملاهي مع الشياطين دول
انمحت بسمة فرح من وجهها ليحل محلها التوتر قائلة
- صعب، يوم تانى احسن
الا ان يوسف زاد من الوضع سوءً وهو يطلب منها بيأس
- فرح، اقنعى ماما من فضلك.

هزت فرح رأسها بيأس وهي تبتعد لعدة خطوات عنهما مخرجة هاتفها لتحادث والدتهم، لتقع أنظار نضال نحو يوسف هامسًا برضا تام
- الواد طلع مش سهل
جذبت شمس اهتمامه وهى تشد ياقة قميصه قائلة بتطلب
- بابى عايزة ايس كريم
ضيق نضال عينيه وهو يسألها بنبرة ذات مغزى
- أسرار موافقة على الايس كريم النهاردة؟
صمت صغيرته واحتقان وجنتيها جعله يعلم ان ما تطلبه محرم فى هذا اليوم
وتحت توسلات عينيها رضخ لها قائلا
- مش هنقولها، ماشى.

لمعت عيناها بشقاوة وهى تميل تقبل وجنته
-بحبك يا بابى
لم يفت هذا المشهد من عيني الصغير الذى تهدلت كتفيه بأسى، يعلم ما يدور فى عقله
يتمنى من والده ان يكون حاضرًا فى الوقت الحالى، متدللاً عليه كما تفعل صغيرته، القى نظرة نحو فرح التى ما زالت تتحدث على الهاتف
حسنًا ان لم توافق غالية، سيأخذ الصغيرين مع شمس نكاية لوالديهم
تعلق الأمل في وجه الصغير حينما قدمت فرح نحوهما ليسأل بأمل
- وافقت.

هزت فرح رأسها قائلة بنبرة جادة
- وافقت بشرط ساعة واحدة بس
احتضنها يوسف بامتنان قبل ان تبعثر شعر الصغير، وللمرة الاولى لم يجادل معها بل كان فى عالمه الاخر، همست بهدوء
- روح جيب اخوك عشان نلحق الوقت قبل ما يتأخر
أومأ يوسف رأسه قبل أن ينطلق نحو وجهه محددة يعلم أن توأمه سيكون متواجد بها..
شيعته فرح بنظراتها، قبل ان تنتبه على سؤال نضال
- معاكى عربية؟

وقعت انظارها على زوجين من العيون الذهبية، ابتسمت في وجه الصغيرة إلا أنها سرعان ما عبست في وجه الآخر وهي تجيبه ببرود
- طالبة أوبر
هز نضال رأسه وهو يجد التوأمين عادا بابتسامة متحمسة، القت نظرة نحو شمس قائلة
- هنبقي نقابلكم
ابتسم نضال، وأصبحت تتحاشاه الان فى الحديث معه
يكاد يشعر انها ستنفجر من الغضب جراء التصاقها لساعة أخرى معه...

توجها الاطفال الى الالعاب فورًا ما وطئت اقدامهم على ساحة الألعاب، جلست فرح على مقعد خشبى وعينيها معلقة على الصغيرين وهما منهمكين من اللعب، الا ان ما يعلو وجوههم من ابتسامة يهون لكل ما فعله ذلك الخبيث
يظن أن استمالة عواطف الصغار سيحدث فرقًا
اللعنة عليه، ما زال كما هو!

انتبهت على جلوس رجل بالقرب منها، محتلاً مساحة أكثر من حقه، كغازى وهى تجده يجلس بأريحية على المقعد كما لو انه فى اريكة منزله، تخضبت وجنتيها وهي تجلس على الطرف متفادية ولو انش واحد بالقرب منه، تصلب جسدها ما ان شعرت بذراعه امتدت خلف ظهر المقعد ليشملها فى حماية صريحة دون حاجة لتأويل.

عيناها ارتفعت لتحدق اليه لتجده ينظر نحو جهة محددة، حطت عيناها نحو مرمى بصره لتجده ينظر نحو شاب بعداء شديد، شاب مراهق لم يتعدى الثامنة عشر من العمر
لكن يبدو ان ما يدور فى مخيلته لم يعجب الجالس بجوارها، أشاحت نظرها بلا مبالاة وركزت على الطفلين، لقد وعدت غالية أنها ستحافظ عليهما حتى ايصالهما للبيت.
شعرت بتصلب شعيرات رقبتها حينما وجدته يقترب منها بهمس اجش
- مبروك على الكتاب.

رفعت عيناها محدقة فى الظلام الداكن فى حدقتيه، اجابته بصلابة متيقظة لأساليبه الحمقاء لإيقاعها فى شباكه
-مكنش ليه لزوم يا نضال اللى عملته
وهو قرر أن يلعب بمراوغة، ليسألها
-عملت ايه؟
التفتت بكامل جسدها لتزمجر بعصبية فى وجهه
- انت مجنون، تشترى الطبعة الاولى من قبل ما الناس ما تقرأه
رد عليها بثقة وشبه ابتسامة مزينة ثغره المغوى
- هشتريه للعاشر
هزت رأسها بيأس وعينيها عادت للصغيرين لتغمغم بضيق.

- بطل جنون، انا عايزة الناس تقراه
هز نضال رأسه وهو يغمغم ببرود
- الكتاب حلو
رفعت حاجبها بشك وهى تنظر نحو عينيه متسائلة بشك
-قريته؟
أومأ رأسه موافقًا ليقول بنبرة ذات مغزى
-قريته، لسه المشاعر متحكمة فيكي يا فرح
صمتت فرح وهى تنتظر استرساله فى الحديث الذى لم يمنعها عنه قائلاً بسخرية
- السعى للحب والتذلل ليه، تفتكرى كل ده يستاهل التضحية عشانه.

ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيها، وهزت رأسها بيأس، لا فائدة ترجى منه مع هذا الجلمود
كلما تظن أنها تستطيع التعامل معه بتحضر يصدمها بأنه ملتوي مخادع، ما زال على عهده القديم، أجابته بثقة وعينيها تغيمان بتأثر
- أنا مؤمنة بدا يا نضال، لسه جوايا مصدق الحب وهلاقيه
تجهمت ملامح نضال فور رؤيته لتلك النظرة الحالمة، اللعنة يعلمها تلك النظرة جيدًا، طالما رمقته بها ايام زواجهما
طحن ضروسه وهو يزأر مهسهسًا بغضب.

- على جثتى
انتفضت على تلبد الأجواء، وتلك الذبذبات السلبية التى تشعر بها تخرج من جسده، عقدت حاجبيها بريبة متسائلة
- بتقول اي
وهو، اللعنة على شياطين عقله، وما يصوره له، غمغم بخشونة
- بقول لو كنت معاكي كنت زمانك جبتيلي قرود زي دول
اتسعت عيناها حد الجحوظ لجرأته في ما قاله، الا انها ابتسمت بلطف قائلة بلا مبالاة
- اعتقد مش هتغلب تجبلك واحدة تجبلك عيال.

تلك المرة تعمد الاقتراب منها وهو يلتفت بكامل جسده امامها قائلا بصراحة
- بس انتى عارفة مش عايز ستات غيرك
أغمضت جفنيها بيأس لتهمس اسمه بتحذير من مغبة ما يحاول الوصول اليه
- نضال
شعر بها تنتفض للقيام، الا ان يده كانت اسرع للتحكم بها وتثبيت جسدها على المقعد، صاح فى وجهها بجراءة
- حاولت يا فرح، حاولت كل مرة انساكى بس كل محاولة بتنتهي انى بفكر بيكي حامل بعيالى.

تخضبت وجنتى فرح غضبًا وحرجًا، متعمدًا ذكر أمر شائك بينهما، بل استحالته
ولإستحالته ظل نضال يلعب بكل خسة معها وجراءة ليست هى أهلاً لها!
- مش قادر اقبل ست تحمل عيالى الإ منك
إلا أن فرح داخلها يموج فى غضب، تلك الذكرى اللعينة فى حمام المحكمة لا تستطيع ازالتها من ذاكرتها كلما يقترب منها، الفاسد الحقير يتحدث بكل دناءة عن اشياء خصوصية ونسى انها لم تعد سبية لنزواته
استمعت الى صوته الكريه قائلاً.

- مش سامع صوتك يعني
رفعت عينيها المدججتين بالغضب والثورة العارمة، شبه ابتسامة لاحت على شفتيها لتهمس بسخرية
- كلامك جيه متأخر اووى يا نضال، اوعى تفتكر بالكلام ده هتأثر عليا، تستفز الامومة اللي جوايا عشان شبح حلم بدور عليه
استقامت من مجلسها لتشعر به هو الاخر ينتفض من مجلسه، غير سامحًا لها بالرحيل فى الوقت الحالى
هدرت فى وجهه غاضبة.

- نضال انت لسه زى ما انت، عايز وبس، فرح انا عايز، فرح انا عايز، بس فرح طز فيها وفى اللى هى عايزاه
اجابها بعصبية هو الآخر
-انا صعب اتغير، دى حاجة مش بإيدي
همت ان تهدر فى وجهه أن يتركها في حال سبيلها، إلا انها تعلم ان الغضب والعصبية هما وقوده، قالت ببرود
-وانا مليش علاقة، دى حاجة ترجعلك انت تتغير او لأ، بس انت متدخلنيش فى الصورة نهائى وبكل بجاحة تطلب منى ألبي طلباتك.

استدارت لجلب الصغيران ومغادرة قرية الغانم كليًا، إلا ان جسده الضخم اعاقها قائلا اسمها بحذر
- فرح
نظرت نحوه بحدة قائلة بحسم
-نضال كفاية كدا، استسلم للوضع، انا لو بموت وحياتى متعلقة بيك عمرى ما هطلبها منك، من فضلك كفاية كدا
تحركت لتتخطاه الا ان كف يده أمسك رسغها مانعًا إياها من التحرك، رفعت عيناها بيأس ناظرة نحو يده الخشنة عليها لتقول بحدة
- نضال ميصحش كدا.

ضغطة قوية لم تكن عنيفة على رسغها، ثم استسلم لتركها لتقول فرح بابتسامة باهتة
- صدقني انت مجرد متأثر بيا، تأثير مدمن لما يتعالج هينسى إدمانه، انت كنت بالنسبالي كدا
حدق نحو عينيها مجيبًا بصوت أجش
- لو كنتى انتى ادمانى، مش عايز اتخلى عنه
تنهدت يائسة من الوضع، لتغمغم بنفاذ صبر.

- مرة واحدة فى حياتك بطل انانية تفكيرك يا نضال، ركز فى مستقبلك مع شمس، طلبى الوحيد ليك انك تبقى ليها العزوة والسند والقوة ومكان تعرف تلجئ ليه لما العالم كله يديلها ضهرها، انا عارفة انك بتحبها ومستعد تضحي الكون عشانها، بس عشان انا عارفة جنونك وعارفة الحب الكبير ده تجاه غلطة واحدة ممكن يهدم كل حاجة، اتعالج يا نضال
لم يكترث لما قالته بل غمغم بصوت جاد
- وانتى اوعديني.

عينيه المظلمتين لم يكن مؤشر جيد لها، جادلته قائلة
- نضال انا قولت
قاطعها بحدة وهو يهسهس بتملك
-عشان مظهرش فى حياتك تانى، انتى كمان اوعديني متخليش ذكر يا فرح، ذكر بس يقرب منك، الدنيا دى كلها لازم تعرف انك لسه فرح الغانم
صاحت بسخرية ولم تكترث لاغواءته
- عايزني ابقي راهبة يا نضال، واضيع سنين عمرى مع حد ممكن يستاهلنى.

اختلجت عضلة فى فكه، والنظرة فى عينيه تكاد تحرقها، تعلم ان اللعب معه سينتهي بحرقها حية، إلا أنها لم تكترث له، أصبح خارج نطاق حياتها لتسمعه يقول بنبرة عنيفة
- بتقولى ممكن مش أكيد، خليكي ناصحة ونفذي اللي طلبته
لم ترد عليه
تحركت نحو الطفلين لتعلو بصوتها جاذبة انتباههم
- الساعة خلصت، يلا يا ولاد محتاجين نرجع البيت
تحت أصوات تذمراتهم، أمرتهم بجدية للمغادرة، وضع نضال جسده حائلا للأطفال ليغمغم بصوت أجش.

- مدتنيش قرارك
زفرت بيأس قائلة بحنق
- مفيش فايدة الكلام معاك، هتفضل نضال الغانم
ابتسم وهو يغمغم بنبرة ذات مغزى وهو يرى الحنق والغضب الجليان على وجهها
- نضال الغانم عمره ما يستريح غير لما نصه المفقود يرجعله تانى
رفعت حاجبها ساخرة
-عشان ترجع بجبروتك تانى، عيش بنصك المفقود لحد اخر عمرك، واياك تظهر فى حياتى تانى وبطل شغل جنانك ده مع الناس.

التمعت عيناه وهو يرى انها لم تنسى ما حدث فى الدار وعرضه للزواج من الآخرى غمغم بمشاكسة
- غيرانة انى طلبت ايديها
غمغمت فى وجهه بنبرة محذرة
- ابعد عن غالية، فيها اللى مكفيها مش ناقصة انت كمان وجودك
تعجبه فرح وهي تكشر عن أنيابها، قطته ما زالت بحاجة لمروض بارع، انتبه على صوت صغيرته وهى تحمل دمية دب قائلة بسعادة
- بابى، بص كسبت أي
مالت فرح تقبل رأس شمس هامسة
- هتوحشيني يا شمس
عبست ملامح الصغيرة متسائلة بحيرة.

- هتمشى تانى
هزت فرح راسها موافقة، لتهمس
- وقت ما تعوزيني بابا هيعرف يجيبك عندي
اغرورقت الدموع فى عيني الصغيرة وهى تنظر الى والدها بيأس وحيرة
- مش هتعيشي معانا تانى؟، بابى وعدنى
رشقت الآخر بنظرات غاضبة قبل أن تتمتم
- ساعات فيه وعود منقدرش ننفذها، صدقيني ده احسن للكل، اعرفى ان العالم ده كله كوم وانتى لوحدك فى كوم تانى
نفضت شمس سريعًا يد فرح التى تحاول احتضانها لتهدر فى وجهها
- انا بكرهك، امشى.

الجمتها فرح الصدمة، ليهدر نضال فى غضب حقيقي أمام ابنته
- شمس
إلا أن الصغيرة كان بها العناد يفوق عناد والدها لتقول
- بكرهها يا بابى، خليها تمشي
تلونت وجنتي فرح حرجًا وهمت بالمغادرة إلا أن نضال صاح بلهجة جادة أمام وجه الصغيرة
- بت اعدلى لسانك، اعتذريلها
ورغم جنون غضب والدها، ودموع الصغيرة التي تباسل سامحة لها بعدم الهبوط، لم ترضخ ولم تستجيب لطلب والدها، مما ترك نضال يقف بلا حيلة ليسمع همس فرح.

- ارجوك اتعالج
اقتربت فرح تميل هامسة فى أذن شمس هامسة
- وانا هفضل احبك لحد لما اموت يا روحى
قبلة أخرى طبعت على رأسها جعلت الصغيرة تبكى بصمت وهي تشيعها بنظراتها مغادرة مع صديقها وتوأمه، التفتت الى والدها الذى غمغم بسخط
-عجبك كده، طفشتي الست.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة