قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وخمسة

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وخمسة

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وخمسة

الصدمة ما زالت تصرخ بهلع فى صدور الجميع، وأولهم معتصم الذى شعر بأن عكازه انكسر للمرة الثانية، الضجيج يملأ عقله والخوف كمرض عضال يقتات جسده بشراسة، حتى أنه نفسه لم يجد القدرة على الوقوف ومواجهة ما يخشاه للمرة الثانية..
يتذكر المرة الأولي حينما تحطمت على ذلك القذر معاذ واختفى كالزيبق و نفوذ والده وعائلته غطت على نفوذه هو شخصيا، فإن أحد أهم الرجال السياسيين فى البلد بالطبع أهم من رجل أعمال حر.

الألقاب محفوظة لكل منهم، ابتسم بسخرية والعجز كأسواط تجلد جسده
والقلب العليل يحاول الوصول الى حالة التشفي
نكس رأسه، ونكسة الرأس للرجل تحكي وجعًا
وقهرًا وغضبًا
بداخله نيران مستعرة فى روحه، وغضبًا لا يستطيع أن يشفي غليله ليبقى معلقَا، بين شقي رحي أبوته الممزقة، ورجولته المشروخة!

لم يشفي غليله بعد من الذى ذبح ابنته، وابنه تدخل فى الأمر وأخبره أن الأمور داخل نطاق سيطرته، فالأبن لم يسمح لأبيه أن يلطخ يده بدماء قذرة هو صمت حينما وجد وهج جديد يأسر عينيها.

صمت رغم شعوره بالقلق، الرجل كان يقلقه، بل يثير رعبه ملامحه الرجولية وكلامه المعسول، بل نظرات التحدي التي كان يتبادلها معه حينما أعرب بوقاحة لأول مرة أن يتخذ صغيرته كصديقة!
لكن ما انجلي فى عيني الأجنبي، كان مرعبًا، يري الأشتهاء فى عينيه وهذا ما أثار جنونه ليطرده شر طردة من منزله لكن أحكم حصاره على صغيرته
وبقي صامتًا، نزقًا يراقب ما ينجلي فى نفس شادية التي تتفتح براعمها الأنثوية.

برغم غضبه وسخطه، لكن كان هناك خيط رفيع غير مرئي من الثقة
هو رجل وأعطي كلمة عهد لرجل،
لكنه ببساطة أعاد تسليمها إلى المقصلة، عذاب الحب والضعف الذي يحتاج المرء
تلك المرة لم يري انجذاب أو عاطفة لأمرأة انجذبت لا إراديًا، لرجل معسول الكلام، وسيم الملامح بل أنثي عثرت أخيرا على رجلها!

وما زال فعل للرجل الذى أعطاه قرة عينه الأولي، لقد خذله مرة أخري وعادت الشائعات مرة اخري تلوك فى أفواه الجميع، والأحمق، الغبي، المتهور العنيد عرض زواجه بكل صفاقة أمامه، كأسلوب لوي ذراع كما أستخدمه الوسيم الأشقر للزواج من قرته الثانية!
وهو الذى توعد اليه حينما رأي التحدي المشتعل فى عينيه.

يخبره أرفض، لتطيلك فضيحة، وقبل التحدث بكلمة جاءته الفاجعة بسقوط ابنته بين ذراعي أخيها الذى حملها على وجه السرعة فى سيارته حينما لم فشل محاولاته لإيقاظها!
انتبه على حركة متوترة من حوله ليستفيق من ذكريات ساعة مرت، وهو ينظر الى الجميع بنظرة مبهمة قبل أن يتجمع الجماهير حول الطبيب الذى خرج من الغرفة!
لم يستطيع النهوض، قلبه أبي وجسده تخشب.

يخشي أن يستلم رداء كفن روحها مرة أخري، شعر بماهر الذى اقترب منه وعلى وجهه ملامح صارمة، ليسأله بنبرة متحشرجة
-طمني مالها، الدكتور
اجلي ماهر حلقه وهو يخبره بما يخشاه بقوة
-للأسف جالها انهيار عصبي
فغر الأب شفتيه لينسحب الدماء من وجهه ويده التي يستند بها على عكازه سقطت ارضا ليصدر صوتا مدويا والأب يتمتم بقهر
-انهيار! تاني يا ماهر.

وضع الأب يده علي قلبه يمسده، ويزحف الطمأنينة التي غادرته فورًا، ليسارع ماهر بان يستنده وهو يتمتم بقلق
- ارجوك اهدي يا بابا، هي هتبقي كويسة
لا يعلم أكان يطمئن بها نفسه، أم يطمئن بها لوالده المفجوع على قلب ابنته، تشدد الأب بأنامله على منكبي ماهر والأب فى حالة هذيان خاصة به
-ازاااي، انا ما صدقت رجعت فاقت لحياتها، ايه سبب النكسة، مفيش غيره.

نطق اخر كلماته بحدة وعينيه بلا وعي ترتفع ليذبحه بسهام طاعنة، ذلك الجاحد الذي أتى مع عائلته ولحقوا بهم توجه سريعًا نحوه ليمسكه من تلابيب قميصه ودفعه للحائط
الأمر لم يكن أن معتصم يملك من القوة والبأس الشديد ليدفع حائط بشري، لكن لم يكن يعلم أن الهوان فى جسد الآخر أصابه.

لم يشعر بجريمته الشنعاء سوي الان، لم يدرك فداحة ما قام به سوي وهو يراها من قمة عليائها المرتفعة سقطت، سقطت ولم ترحمه لتسحب روحه معه وتدفنه معها
رفع سرمد عيناه بتيه شديد وهو يترك جسده لمن يطالب بالثأر منه
صرخ معتصم هادرًا فى وجهه وعينيه تحكيان وجع أب ملكوم على قلب ابنته
-عملت فيها ايه.

وهو سابح فى ملكوت آخر، ومضات سريعة للشهر المنصرم كيف قضاه بين وحوش تركها تتغذي عليه بحماقة منه، لمعت عيناه لذكري قريبة بعيدة فى آن واحد حينما انفجرت فى وجهه تخبره
كيف تلمس امرأة غريبة عنك بكل أريحية هكذا دون أن يصيبك شعور بالقرف لما فعلته، تتمنى لو أن يدك قطعت، وجسدك يحترق علّك تنسي ما اقترفته.

رباااااه ما فعله!، لقد قام بقتلها بنفس السكين الذى ذبحت منه المرة السابقة!، بعينين غادر بهما السخرية والتحدي قال بنبرة ميته لوالدها
- لقد دمرنا أنفسنا
كان يتحدث بلغة بلدة، وهذا زاد ثورة الأب الذى فى فورة جنونه صفعه بغضب على وجنته وهو استقبل الصفعة برحابة صدر على روحه الجريحة، ورجولته الممزقة
ليعود معتصم يجذبه من قميصه ليصرخ فى وجهه
- انطق وخليك راجل لراجل وقولي عملت فيها ايه.

اختلجت عضلة فى فكه وذكري بعيدة اقتحمت دهاليز ظلامه لصوتها المعذب
عايزة أروح لماما، عايزة أقولها تسامحني اني بقيت وحشة، مش ذنبي، والله مش ذنبي، هما اللي خلوني أبقي كدا
تقهقرت دوافعه وبقي معري أمام الجميع، لتندلع ابتسامة مريرة على شفتيه وهو يغمغم
- لقد ذبحتها، وذبحت روحي.

هم الأب بإفراغ جميع شحناته ليضربه مرة أخرى على وجنته والصفعات تبرئ ذنبه في حق ابنته، حق رجل وثق به، فما الفارق بينه وبين ذلك المعتدي الخسيس مدعي الرجولة!
وهو من ظن أن عرقه الغربي من ستأخذ الدفة ليراقبها كيف كانت تتصرف معه، كيف تتفاعل واستجابة جسدها الذى قيده له، أشعل نيران لتلتهمه هى فى النهاية!

نداء بعيد بصوت غيداء جعله يرفع رأسه وهو ينظر الى حضنه الدافئ اندفعت بثورة لكي تخلص جسدها مع من ذبح ابنته، ليتها تركته وقتلها
لو علمت والدته التي تدافع بشراسة عنه ما فعله بها، لتركته ممزق بين أسنانهم الحادة!

لكنه وجد نفسه مغمور فى حضنها الدافئ، ليرفع يداه المرتجفتان الي عينيه اللتان انتهاكها، انتهكت ما كان سيكون له على طيب خاطر، باندفاع غبي وتهور منه لم يستطيع تهذيبه، لطاما كان فخورا برجولته المرتفعة لعنان السماء
اتي الحقير وهو يذبحه بأفظع الصفات عن أنثاه، لا يعلم إن كان الرجل حي يرزق أم قتله فى فورة جنونه قبل أن يندفع لاسترداد كرامته
كيف تغاضى عن رسائلها؟، عن ترددها، ونفورها منه.

لم يكن نفور شخصي منه، بل كان من جميع الرجال، وهو الذي توقع أنه متعلق به شخصيا وافتخر بسحقه..
لقد دافع عنها وعرض حياته للخطر وقدم حياته قربانا لها، لانها استحقت أن يدفع بعمره لها! ماذا فعل؟
ماذا اقترف؟
أي بشاعة هو قام بها؟
دافع عن شرفه أمامه، ومزق شرفه أمامها شر تمزيق
ود لو يديه بترت
وروحه صعدت لبارئها، كما هتفت
لكن ما نفع الندم، بعد التهور؟

شعرت غيداء بارتجاف جسد بكرها لترفع رأسها وهي تحتضن وجنتيه لتشهق من برودة وجهه، رفعت يديها سريعا تتحس يديه وذراعيه ثم عنقه ليصدمها الصقيع المتجمد لتهتف بلوعة
- سرمد
العبرات فى عينيه تجمعت ليشيح وجهه عنها بخجل عما اقترفه ليهمس
-انا اسف أمي.

اتسعت عينا غيداء بصدمة، لفظ أمي لا يقولها سوي لأمر حلل ويعينها تمامًا، شهقة مؤلمة انفلتت من شفتيها قبل أن تحكمها جيدا وهي تقول برجفة أم على وشك سماع أفظع تصورات عقلها
- ماذا فعلت لها؟

رمش بأهدابه عدة مرات وعينيه تحاول نسيان صورتها المنتهكة، لقد كانت كالجثة الهامدة وهو يلمس كل انش منها بيده، كان يمحو ذكريات خسيس قديم ووضع بصمته الخاصة، لتظل تلعنه عليها طوال حياتها اغمض جفنيه وهو يلعن ويأمر الصور التي تستمر فى العرض أمام عقله الغائب وقتها عن الوعي ليهمس بهذي
- لا أعلم، لا أتذكر أي شئ
امسكت ذراعه بقوة واندفعت بعيدا عن الجموع وهو ترك نفسه لها، ليراها تدفعه الى مكان منعزل لتقول بجدية.

- ما الذي تعاطيته؟، هل تشرب أي من تلك المهلوسات؟
وصمته أرعبها، لتأتي تخيلات أثارت اشمئزازها، لترفع يدها تحتضن وجنته لتهمس بقلق أمومي
- ماذا حدث بني؟، أين كنت طوال الشهر؟
تنفس سرمد باختناق وهو يرفع رأسه للسقف ليصيبه الضوء القوي ببعض العمي، ليخفض رأسه وهو يغمغم بنبرة محترقة
-كنت أحترق، لقد مت فى اليوم ألف مرة وأنا عاجز على التصرف.

شحوب وجهه، ونظرات عينيه التي تحكي عن ألم أبرع هو فى توجيهه لمن لا تستحقه قرأته أمه، التي هي من تستطيع قراءة روحه تخبطات يديه، وارتعاش جسده وتلك البرودة فى جسده كله خاطئ
التفت سرمد الى الحائط ليكلمه بكل غل، وهو ينفذ اخر كلماتها عن قطع اليد، ويتمنى الآن لو قطعت يده قبل أن يتجرأ عليها، انفجر يصرخ بأغلاله التي قيدته
- ظننت أنني سأستطيع أن أواجه نفسي وجنوني، لكن لم أستطيع، أنا لا أعرف ما الذي قمت به.

لقد قتلتها بيدي العاريتين، نظر الى يديه بعدم تصديق، لقد قتل امرأة قلبه دق لأول مرة لها
ذنوبه الكثيرة ما عادت تشفع عندها، أصبح ملوث مليء بالذنوب والخطايا
واقترف جريمته العظمي بها، وحلم عروسته بفستانها الأبيض حوله لحرب دماء
رائحتها معلقة فى أنفه، ليهمس بعذاب
- لقد خذلتها.

وضعت غيداء يدها على قلبها تربته بوجع، ووجع ابنها والفتاة جعلها تبكي بصمت، تستقبل صدمات تخبطات ابنها والضحية الوحيدة هي الفتاة التي أرادتها كنة لأبنها، طالما حلمت بأبنه حلوة المعشر وتبر بوالديها، وما رأته فى الفتاة ومدى تعلقها الشديد بوالدها وسماعها من ابنها عن حزنها الشديد لخسارة والدته فى فترة حرجة فى عمرها
وهي التي أقسمت أنها ستطبطب جراحها، وتجعلها تشبع بالأمومة التي حرمت منها.

وأين الأحلام من سطر الواقع؟!
مجرد تراهات، وأحلام يقظة!
انتبه سرمد على صيحة غسان المذعورة التي تلقي الخبر من سامر وهو يخبره باختصار شديد عن صمت سرمد الشديد، لتتسع عيناه ذهولا وهو يراقب تبدل حالة صديقه لأسوأ مما توقعه
- أخي
اخفض سرمد عينيه ارضا وهو يشيح وجهه بخجل واحتقار عنهما، ليأتي سامر وهو ينادي بإسمه عدة مرات، قبل أن ينتبه له وهو يرفع يده ليمسك بساعديه ليسأله
- ما اخبارها؟

ببضع عبارات مال سامر برأسه وهو يغمغم
-ستكون بخير أخي
حدق سرمد نحوه بعدم تصديق ليهز سامر رأسه وكل الفاظ المساواة غادرت طرف لسانه، ليقول غسان بجنون وهو واقفًا عاجزًا يرى ملامح الموت التي ترتسم على وجه صديق عمره
- ماذا حدث؟
مسحت غيداء دموعها سريعًا وقلبها يخبرها بإن ابنها كسرها، كسرها عميقًا، و التهور والانفعال هما جنايته، غمغمت لغسان بصلابة
-غسان ارجوك تحدث معه.

أومأ غسان بتفهم ليقرر أن يأخذه بعيدًا عن المشفى، لكن قدمي سرمد أبت أن تتحرك، استدار غسان إليه وهو يسأله بقلق يكاد ينهش روحه
- ماذا حدث يا صديق؟
ازدرد سرمد لعابه، وطعم صدئ مرير غص حلقه ليغمغم بتيه
-لا استطيع تذكر ما قمت به، لقد فقت من جنوني لينتابني جنون اخر وانا اذبحها بكل خسة مني ودناءة
تعامل غسان الموقف بهدوء شديد وتروي، لن يأخذ كلام هذي على محمل الجد، ربما يكون حقيقي، لكن ليست الحقيقة الكاملة!

قال غسان بهدوء وهو يحفز جسده المتصلب علي التحرك
-اهدأ، ستكون الأمور علي ما يرام
لكن رفض سرمد وعدم تزعزعه من مكانه، جعل غسان يقول بحدة طفيفة
-هيا لنعد للمنزل، لن يسمح أحد من عائلتها للجلوس معها
أدرك سرمد مدى صحته في الحديث، لو فاقت وأخبرت للجميع جرمته سيقيمون له حد القصاص، وأمه هي التي ستسلمهم لهم عن طيب خاطر.

اندفع جسد انثوي نحوهما لتهم جيهان بالركل والضرب وهي في حالة اندفاع وجنون شديدين، إلا إن ذراعي وسيم اطبقتا على خصرها لتمد بجسدها وهي ترفع ذراعها تهم بهشم وجهه وهي تنفجر بجنون
-قسما بالله يا سرمد لو عرفت بس انك السبب في الموضوع، هتشوف مني وش عمر ما حد شافه بجانب بابا وماهر، هاكلك بسناني واخليك تندم علي اليوم اللي فكرت تقرب منها فيه.

هاجت شياطينها لتموج أنفاسها وهي تحدق به بخيبة أمل انطلقت كسهام الي قلبه العليل، انبثقت الدموع من عيني جيهان وهي تهمس باضطراب
- قولي كسرتها ليه، تبعد عنها كل الايام دي ليه؟، دي لسة الصبح كانت حاسة الدنيا طايرة بيها وهي بتقولي انك كلمتها
انفجرت تبكي وترثي على حال شقيقتها، ليغمض سرمد جفنيه باسي ودمعة واحدة خائنة
كانت لحظة خاشعة
وأمر جلل، بحياته ما ذرف دمعة لأجل امرأة!
-جيهان.

قالها وسيم وهو يحاول دحض مقاومتها، واعلان استسلامها، ظلت تحارب الهواء قبل أن تشهق ببكاء
-كسر فرحتى وفرحتها، حسبي الله ونعم الوكيل فيك
نظر وسيم بإسي نحو الرجل الذي تبدو حالته تغيرت مائة وثمانون درجة بعد اعلانه المتحدي للزواج الذي قوبل بسقوط العروس فاقدة للوعي
بعض العقول ستتخذها أن العروس لم تتحمل خبر الفرحة لتسقط.

والأخرى ستعيد النبش في الدفاتر القديمة، أن المرأة ما زالت مخلصة لخطيبها الأول حتى بعد خطبتها بإبن عمه!
هز رأسه بيأس، ينفض عنه أغبرة تشتت من تركيزه، لف ذراعه حول خيرها وسمح لها بالبكاء فى صدره، انهارت الورقة الخريفية تحكي عن حياتها ومعانتها مع الرياح العاصفة، حتى انتهت قصتها بدعسة حذاء حطمتها!
ربت علي ظهرها وهو يغمغم بنبرة هادئة، وقلبه يستشعر حلاوة الحلال معها
ليس مرعوب أو خائف أن يكتشفها أحد.

علاقة فى النور، وهالة من البهجة انتابته لم يكن ليتوقعها وهو يعقد قرانه عليها
أن يداه وعناقه وقبلته لن يكون إثمًا
-اهدي يا حبيبتي
زادت جيهان من حدة بكائها، وقهرتها عليها تزداد أضعافًا، هي الشخص التي من المفترض أن يلومونها، لم يكن غيرها التي شجعتها على المجازفة في الحب، الأمور ما زالت مبهمة
لكن كما استشعر الأب بوجود شئ خاطئ دون أن يعلم أنها قابلته في الصباح، فهي متأكدة انها فقدت الوعي بسببه.

لقد كانت ذابلة طوال الشهر، لكن كانت حية، تتنفس وتؤدي عملها، لكن ساعات فقط واختفت وظنت أن الوقت قد سرقهما وسوف استقبلها فى الخطبة
لكن لم تأتي، رأت عائلته فقط وهو لم يأتي!
غمغم وسيم بدفء تلك المرة وماله يتقطع عليها
- أهدي
رفعت عيناها المنتفختين من البكاء لتزم شفتيها لفترة قبل أن تهمس بقلق
-انا خايفة عليها، خايفة ترجع لنفس حالتها زمان.

هز وسيم رأسه برفض تام وهو يتذكر الحالة منذ سنوات التي اختفى بها خطيبها الأول معاذ. كالزيبق قبيل الزفاف، لتعاني من بعدها حالة من الصدمة الشديدة التي على أثرها غيرت من طباع شادية
وجعلتها أكثر حساسية، وهشاشة!
لكن يقين داخلي يخبره
-هتبقى أقوى، صدقيني، انا عارف شادية، هترجع تقوم من تانى
مسحت دموعها المنهمرة وهي تغمغم بحشرجة.

-انا السبب، انا اللي شجعتها، قولتلها تغامر بقلبها من تاني عشان تحب وتتحب، انا اللي شجعته يقرب، عشان كنت شايفة فيه حاجة حلوة ما بينهم
زفر وسيم وهو يقترب يحتضن كلتا وجنتيها بيده ليقول بصوت أجش
- جيهان
اضطرب عيناها لثواني قبل أن تتقابل عيناه، ابتسم وسيم وهو يداعب وجنتيها بإبهاميه ليهمس باطمئنان
- اهدي يا حبيبتي، هتبقي كويسة لما تفوق
هزت رأسها بأسف قبل أن تقول بعذاب.

-انا تعبتلها بجد يا وسيم، هي متستاهلش كل ده
عادت البكاء مرة آخري، لكن تلك المرة هي عاجزة، مكبلة الأطراف
مقيدة الروح
متخاذلة للهزيمة التي سحقتها
عاجزة عن التفكير، وتقديم المساعدة لشقيقتها، هادنها وسيم وهو يشدد من معانتقته ليربت على ظهرها هامسا بدفء لذيذ
-ابكي دلوقتي، لكن مش عايزك تبكي تاني، جيهان انتي عكاز البيت يعني من غيرك هينهار البيت.

اسبلت اهدابها وهي ترفع رأسها متمسكة بحلته الزرقاء الداكنة، وبدي بهيئته الآن
أكثر بوهمية عن صورة الرجل الجذاب الذي يتوعدها بنظراته حين عقد القران
فغرت شفتيها بذهول وهي تتفاجئ انها تعانقه وتتشبث به
وهو يبادلها عناقا واجتياحًا، أسبلت أهدابها بحياء هامسة
-وسيم
احتضن وسيم كلتا وجنتيها بكفيه لتقشعر وجلاً ورهبة
على حافة الإدراك، ومغبة السقوط.

زرقة عينيه الداكنة قشعرت أطراف بدنها لتتسع عيناها وهو يقول بنبرة حميمية بدت تسمعها منه لأول مرة
- انا واثق فيكي يا حبيبتي
ذعرت وشعرت أنها فى حلم يقظة لتدفعه بعيدًا عنه، لكن يدها تسمرت على ضلعه الخافق بجنون، تقرأ انفعالات جسده من لمسة يد عارضة
تقسم تلك المرة انها عارضة، لتنخفض لا اراديا بصدره قبل أن تلسع يداها وهي تنزعهما لتهمس باضطراب
- وسيم.

سب وسيم ببذاءة علي مشاعره المنفلتة، جسده اللعين لا يهدأ، ولا يبرد، وتلك المرة يصدقها، يصدق وقع تلك الأنامل على جسده، بريئة!
لماذا ينفعل؟!
جذب خصلات شعره بجنون وهو يطمئنها
- ابوكي مش هيكون فايق للشغل، دورك انتي تحلي مكانه، الشركة لو جاب فيها المدير بتقع، وسيبي الباقي علي اخوكي.

أسدلت أهدابها بيأس شديد، وعاتق عمل كهذا ومسؤولية آلاف من الموظفين، وأولهم والدها الذي دخل فى نوبة انفعال وغضب لن تجعله حكيمًا فى عمله فى تلك الفترة العصبية، غمغمت بقلق
- بس انا لسه بدرب، وخايفة أغلط
شدد من عضدها وهو يقول بثقة
- مش هتغلطي، انا واثق انك مش هتسمحي لنفسك انك تغلطي
نظرت اليه بامتنان، مستشعرة صدق كلماته المحفزة، بل ثقته الدائمة به، بلا وعي سمحت لدموعها تهبط على وجنتيها لتهمس.

- مش عارفة من غيرك هعمل ايه
ابتسم وسيم وهو يحك مؤخرة رأسه بإضطراب، ويتقاتل كي لا يقبلها
بدت أمامه شهية للغاية، صغيرة، متوسلة الحماية
جيهان التي يعرفها حق المعرفة، قبل أن يقوم بتغيرها إلى نسخة أنثوية منه، جامحة، عابثة، اقترب منها وود طبع تلك الذكري معه وتخليدها
همس بخشونة وهو يزيل دموعها بأنامله
-امسحي دموعك يا بنت السويسري، عايزة يقولوا بعد كتب كتابنا اني غصبتك عليا.

انفجرت ضاحكة بمرارة وهي تهز راسها بيأس، لتتنهد على حال انتهت هذا الصباح، بل المفاجأة التي أعدها لها وفاجئتها وفاجأت الحضور سوى عائلته وشقيقتها وشقيقها ليضعان والدهما أمام الأمر الواقع، زفرت وهي تقول ببؤس
- والله كنت محضرة خطط كتير بس للأسف جيه الفقري وفقرها علينا
ضم رأسها إلى صدره لتتنهد جيهان بزفرة حارقة وقلبها يؤلمها على شقيقتها، لولا تدخلها ما سمحت لجرح آخر ينتفح ولم يبرأ جرحها بعد!

- بكرا كل حاجة هتتعدل متقلقيش
-مش عارفة من غيرك هعمل ايه
قالها وسيم مطمئن جوارحها المؤنبة، ليهمس
- انا طول عمري جنبك
شدد من معانقة جسده، لاجئة للإطمئنان
وهو ما ردها يومًا مخذولة!

العالم مليء بالأوغاد
حتى نحن، فى لحظة متهورة من حياتنا نصبح مثلهم.
صدق من قال لن أستمر فى جعل حياتي مليئة بالصراعات، فالحياة فترة قصيرة، نقتطف منها كل أحلامنا، مشاعرنا، قبل أن تتوفنا المنية!
بقت آسيا على صفيح ساخن متقد، والرسالة كانت القشة التي قصمت ظهرها
بحياتها لم تري جنونا، كمثل الذي انتابها، توقعت أن محتوي الرسالة خدعة، أو كذبة منهم.

لكن كيف يتوه قلبها على توقيع اسمه المميز لخطها، المدة التي يتعمدها فى حرف الألف ثم ألف صغيرة توضع كبصمة خاصة لاسمه وباقي حروف اسمها مضمومة حول الألف..

شهر مر، وما قاله العجوز الخرف نفذه، انتقلت لمنزل آخر، بيت ضخم من المرجح أنه يعود لخليفة المالكي، منزل فى السابق يعود لأبيها قبل أن يمتلكه لؤي، هذا ما سمعته من العجوز قبل مغادرتها دون رجعة وتفكير، رغم بكاء وجد وحزنها لكنها أخبرتها أنها ستستطيع زيارتها
تلك الصغيرة الماكرة الناعمة، استطاعت أن تأسر قلبها وتستسلم لنظرة عينيها الحزينتين ولا تعلم كيف أخبرتها أن لا تحزن.

هي من لا تكترث بأحد سوي نفسها، اهتمت بأمر الفتاة التي من المفترض أن تصبح غريمتها
أفاقت من ذكرياتها على صوت الرسالة لتقرأها مارية شقيقتها بصوت مرتفع
تعيد نبش الماضي، بكلامه هو
بلسانه، تتخيله هو من يتفوه بتلك الكلمات وليست شقيقتها.

آسيا، ابنتي الصغيرة، أكتب الرسالة وأنا أعلم أنني سأكون في ذلك الوقت مجرد ذكرى في قلوب أحبتي، غادرت البلد مضطرًا، خائفًا ومذعورًا، غادرت لأنني كنت جبان أخشى فقدان من حياتي، ومنصبي وعائلتي، تصرفت بأنانية لأتزوج بأمك، وكان هذا أكبر تحدي لي لأكسر بكلام عائلتي، عشت معكم وأنا سعيد، مسؤول عن نفسي ولكم، أشعر بالحرية لأكون سيد قراري، لكن طلبوا مني العودة زوجتي رفضت ووقفت ممزق بينكما، احترت ماذا أختار قبل أن اخبرها انني يجب أن أمهد لعائلتي لتقبلكم، وطالبت زوجتي بالصبر، لكنها خشت فقداني فقررت الرحيل.

عادت الدموع تتخذ طريق كلا منهما، الأولي بحزن على فراق والد لم تستشعر وجوده لصغر سنها، والثانية لضياع حياتها فى ركب من الجنون والسخط، تركت الغضب والحقد يقود طريقها
والنهاية!
ماذا كسبت؟
خسرت نفسها، ثم خسرت كل شئ
ما عادت هي آسيا وما عاد المستقبل يغفر للماضي بذنوبه
ووقف الحاضر صامتًا، حزينًا، منتظر عفو المستقبل
استرسلت مارية وهي تمسح الدموع من عينيها لتهمس بصوت متحشرج.

عذاب عشته وأنتم بعيدون عني، حتى اخباركم من أصدقائي قررت والدتكم بكل غضب أن تقطع كافة التواصل ولو من بعيد، لا أعلم لماذا غادرت وغامرت ان تترك المنزل، حتى المال رفضته بكبرياء ممزق، لقد قتلتني والدتك بعد أن ذبحت انوثتها ما ان سمعت عن طلب والدي للزواج من ابنة عمي، توقعت بعد مدة ستسحب المال من أجلكم أنتم فقط، لتعيشوا بهناء، لكن كلما تواصلت مع البنك قالوا ان المال لم يمسه أحد مطلقًا، أنا أخطأت فى حقكم، ووالدي أخطأ في حقي، فطلبي عندك هو ألا ترفضي يد تقدم المساعدة، جعلت لؤي وصي عليك، هو الوحيد الذي ائتمنه عليك من بعدي، رجاء صغيرتي إن كان هناك حب لوالدك، واخلصتي لذكراه، كوني معه، لا ترفضيه ولا تنبذيه، اتركي الماضي، لقد رحلت أنا ووالدي أستشعر به تغيرا سيكون عظيما فى المستقبل، ربما لا يريد اظهاره، لكن لا أريدك أن تعيشي بمفردك، أدرك كافة المسؤولية التي من الممكن أن تقع عليك وانتِ صرتي من فتاة مدللة إليها الي فتاة تكدح للعمل، الذنب ذنبي، والخطأ خطأي.

انا استسلمت لمصيري وخنوعي وضعفي وقلة حيلتي، لم احارب كفاية لكم لم أكن فارسك يا صغيرة كما ينبغي، اعذريني وسامحي والدك الذي استقبل خبر مغادرتك انتي وطفلتي مارية رحيلكم المفاجئ وخروجكم عن حدود أرضي
انفجرت آسيا فى البكاء الحار، وعذاب قلبها يؤلم صدرها
تشعر بالخيانة، كل المقربين لها خانوها
حتى والدتها، أرادت معاقبة والدها
ما ذنبها هي بحروبهم؟ لما أدخلوها عنوة؟!

انتبهت علي انغمار جسدها في عناق شقيقتها التي ربتت على ظهرها قائلة
-مش كفاية كده يا آسيا
جزت اسيا علي اسنانها بسخط وعينيها تلمعان بقهر لتصيح بعدائية
-كنت بلومهم دايما، بس دلوقتي زاد سخطي ليه هو
زفرت مارية بيأس وهي تتقبل دفعها لتبعد عنها وهي تسمعها تقول بتعب
-انا تعبت
غمغمت مارية بلوم
- قولتلك اطلعي منها، ابعدي عنهم بس انتي رفضتي.

رفعت اسيا عيناها نحو مارية، بقدر ما هو مؤلم كلامها، لكنها محقة! انتبهت الي صوت شقيقتها التي تحدثت بحماس
- تعالي نرجع امريكا تاني، كملي شغلك وحياتك لو مش قادرة تعيشي هنا
هزت اسيا رأسها بإستحسان بعد صمت مطبق لمدة دقيقة لتقول
-انا مكاني مش هنا يا مارية، انا مكاني هناك، اتربيت هناك وعيشت هناك، وحياتي هناك بس كل ده رميته ورا ضهري علشانه.

تعثرت انفاسها وتحشرج صوتها لذلك البعيد الجاحد، من يتفنن فى البعد والهجر
وهي ما عادت تتحمل هذا منه، منذ صفعته الأخيرة وكل الكلام الذي بينهما بني له ألف سد وسد
لم تحاول هي باختراقه وهو منعزلا صامتًا، كالجبل لم ينكسر...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة