قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وثمانية

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وثمانية

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وثمانية

سمع مقولات كثيرة عن جرح العاشقين
لكن أن يختبره!
نحره من الوريد للوريد...
أن تري أخطائك تتجسد أمام شخص جرحته فى فورة غضبك، وجنونك
وتكتشف مدى غباء عقلك
وجنون غيرتك، لا داعي لها
بل كانت تحتاج الى تهذيب، تهذيب خاص لم يكن يملكه!
لطالما كان متفاخرًا برجولته الحارة، وكيف لا وهو بالنسبة لمجتمعه الغربي بركان ثائر تجاه المقربين، لم تكن لديه امرأة عزيزة سوى والدته، والباقي سواء
حتى جاءت هي.

اقتحمت مداره، جذبته من سهام عينيها
لتسقطه صريعًا في حبائلها...
سقط
وكانت أجمل سقطة عاشها فى حياته
قبل أن يفق على غياهب ظلماته وأكثرهم وحشة!
مقيد بسلاسل العجز، ومحكوم عليه بحكم مؤبد لعمي البصر والبصيرة، ينقاد خلف رجال أشداء
وأنفه تشم رائحة العفن فى المكان الذى جر إليه بعدم أدمية من منزل عائلته..

إن كان من جميع الهذيان الذى مر به منذ الصباح حتي الآن، فهو شئ واحد فقط، أنه يتمني من أعماق قلبه أن يكون ذلك النجس لقى حتفه!
منذ خروجه من مشفى شادية واخر اعترافاتها القاتلة، تفننت بقتله بدم بارد كما تفنن هو فى لحظات جنونه، وأكثر اللحظات ضعفًا لرجولته.
شهر تجنب بها كل شئ، أخذ الحقير من منزل عائلته وجره إلى منفى آخر
حيث هو والنجس، وشياطين معربدة تتقاتل للسفك.

تجردت آدميته، وظهر وحش كامن يناضل من أجل المحافظة على امرأة أعجبته فى البداية، قبل أن يعلم الآن أنها تسير في مجرى عروقه...!
شهر والنجس يتفنن فى إظهار أسوأ ما به!
يحدثه عن تفاصيل جسدها الذي أجج رجولته وجعلته يستبيح جسدها تحت رابط شرعي، يخبره أنها لم تأمنه ولا محاولاته الحثيثة للاقتراب
وقد صدته مرارًا، وكم هذا زاده رغبة فى ذكوريته للحصول عليها بأقرب وقت ممكن!

ذكر له مفاتنها السابقة التي لم يقدر على نسيانها حتى بعد زواجه من أخرى، معطيًا له أدق وصف لكل أنش فى جسدها..
يهذي له عن ليلة حمراء، تشبع بها بأنوثتها، حتى زوجته الباردة، معذرة!
طليقته الباردة، لم تستطيع أن تصل إلي دفء عاطفتها كما فعلت هي فى ذلك اليوم!
أخبره أنها استسلمت بوداعة، والقذر لم يخبره أنه خدرها، واغتصبها بوحشية بما يسمى رباط الزوجية!

أتعلمون أي تخبط يعيش به هو؟!، أي قذارة هو إرتكبها، ليتبع هو خطاه كالأحمق الذي يدافع عن شرفه!
رغم عظم جرمته، لكن ما أن وضع الخاتم فى بنصرها حتي أعتبرها ملكيته، هكذا العرف فى عائلته
الرجل الذي يظفر بوضع خاتمه ببنصر امرأته، تصبح ملكية قلبه وزوجته..
انتبه من فوره شروده، وأحزانه على صوت باب حديدي ثقيل يفتح ليدفعه رجل ذو بأس شديد تجاه الغرفة، وقد إزداد رائحة عفن الغرفة حتي أزكمت أنفه!

تخبط بدون هدي، والقماش الأسود الذي يغطي به عينيه جعلته يقتبس ضوء شحيح فى أقصي الغرفة!
أرهف أذنيه السمع وقلبه يزداد يقينا، أن ما يحدث له مجرد حالة إختطاف أو رد الصاع!
ابتسم بأسي وعينيه تهبط للأسفل ليقف متصلبًا بجسده ليشعر بدفعة غليظة جلبت بجسده الهوان، ليسقط أرضًا
بقدر حالة الذل يعيشه والقهر، بقدر ضعفه وقلة حيلته، لأنه في يوم واحد خسر زوجته وأمه.

أمه التي استمعت إلى حديث فى جنح الليل، ظنه مقدسًا بين طرفي عاشقون، لكنه اكتشف بالنهاية أن أحدهم استرق السمع بطريقة عارضة!
خيم ظل أسود منع الضوء الشحيح لينير ظلمات دربه، ليأتي صوت أجش غليظ
-جبناه يا باشا
صمت لف الجميع إلا من صوت رجل عجوز طويل القامة، انحني ليرفع غطاء الرأس عن سرمد لتتقابل عينيه النجلاوين بأخري سوداء كالهوة السحيقة.

هبط العجوز المدعو براضي، وثيابه الثمينة علامة لمدي ثراء الرجل ومدى نفوذه
ضحكة قميئة تزينت شفتي الرجل، وملامحه الهرمة ذكرته بملامح الآخر النجس، ليقول راضي بنبرة حادة
-هو انت بقي اللي عامل الرعب
انفجر بعدها راضي فى سلسلة من قهقهات مرتفعة، تثير الرعب فى الأبدان، والرجفة فى قلوب الرجل
إلاه
الخوف غريزة تتغذى على كل شخص يهتم به
فما بالك بشخص ميت؟!

رفع سرمد عينيه نحوه وروح من الشموخ والهيبه ما زالت موجودة فى عينيه، قرأها راضي بسهولة، ليتوعد له بما يكسر رجال مثله..
ربما الخطة تبدو درامية قليلاً ليجذب انتباهه...
يتظاهر بموت ابنه، وبنفوذه يأتي برجال شرطة حقيقيين، طالبهم فقط بإجراء مشهد تمثيلي، ومقابل هذا العمل، ملايين دفعها فى جيوبهم..
من السهل قتله، لكن من الصعب كسره.

وهو يريد كسر أنفه، وكل أنف تحاول أن تطول إسم عائلة حافظ علي لمعانها الخادع أمام واجهة المجتمع..
لم يمنع نفسه سوى السخرية منه ليهتف بمكر
-ابني وكنت بقول عليه غبي، لأنه بيمشي زي المسعور ورا واحدة، بس اكتشفت انه مش بس ابني مجنون عليها، انت كمان
يستخدم أسلوب الاستفزاز في الحديث، وقد رأى الشعلة المتقدة فى هوة سحيق عينيه.

وجسده يتحفز على الانقضاض عليه، لولا مداركة حارسه الشخصي لتكبيل جسده، لكن كل هذا لم يشفي غليله
أو محاولته لكسر أنفه، كما كسر أنف فرد من عائلته
أساليبه الملتوية فى الأخذ بالحق، جعله ملقب بالسفاح
لأن أساليبه متفردة فى الأخذ بالحق، دون أن يهدر دم واحد أمام أعداءه
قال بسخرية وهو يحدث رجاله
-ماله ده أخرس ولا ايه
تبرع أحدًا منهما ليجيبه بنبرة غليظة
-بيتكلم يا باشا.

هم الرجل بلكمه إلا أن راضي ألجم جنونه ليقول بنبرة ساخرة
-مش دلوقتي، احنا برضو مش عايزين نطلع قدام الضيوف، لازم ياخد كرم ضيافة لمدة تلات أيام
ابتسم الرجل بشماتة تجاه سرمد الذي ينقل بصره بينهم بلا مبالاة
كأنهما يحدثان عن رجل آخر سيوف يلاقي الويل من ما جرمت يداه، ليهمس بصوت أجش وعينيه ترتفع لتحدق بعيني كبيرهم بتحدي وروح كبرياء
-متل مادورت علييي واخدتني، ببساطة فيك تدور عابنك وتلائيه.

لكنته الشامية الثقيلة و الركيكة بعض الشئ ميزها جميع من فى الغرفة، ليهبط راضي بجذعه مقتربًا منه هامسًا بنبرة مرعبة
-هو انت فاكر مش عارف أجيبه، أنا قولت ألعب على نار هادية معاك، وانت فكرت نفسك صاحب مكان هنا، ونسيت أن الأرض هنا أرضي.

صمت لف الجميع، لينظر سرمد تجاه الوجوه السمراء الخشنة ثم الى العجوز، حينما هم بالتحرك ازداد تكبيل الرجل له ليدحض مقاومة جسده العضلي تحت جسد الآخر الذي يتحكم فيه بقبضة يد غاشمة، وازداد الرجل من انتصار ذراعيه حتى استمع سرمد الي فرقعة عظامه ليبتسم راضي برضًا تام إلى خادمه المتفاني بعمله ليقترب منه هامسًا بتوعد
-انا جايبك هنا عشان أكسرك، عشان بعد كدا تفكر ألف مرة قبل ما ترتكب جرمتك.

ثم استدار مبتعدًا وسرمد يمارس من الضغط النفسي والعصبي كي لا يدع مجالا للألم يتحكم بجسده، ويعطيه نظرة الظفر التي يتمناها، رفع راسه بكبرياء تام وهو يتوعده سرًا
سيرميه كحثالة كحال ابنه، والرجل فى حالة نشوة ليقول بابتسامة متصنعة
-سوء حظك أو من نصيبك أنك هتكون ضيفي الأيام الجاية، وصدقني هكسرك
انفجر سرمد ضاحكًا بقهر، خافيًا وجهه، وطفق كلام شادية الطاعن ليعاني مثلها
وحيدًا، عاجزًا، مقيدًا.

حاله يرثي عليه، وعلى يديها يختبر ألذ العقوبات ضراوة لأي قلب عاشق..
وجه رجل من أحد رجاله وقد استفزهم كبرياء الرجل ليقوم بممارسة أحقر الأساليب الحيوانية لجسد آدمي، ويداه وقديمه تمارسان التعذيب النفسي لكبرياء رجل، تحمل سرمد الألم رغم احمرار وجهه الأبيض وعروق صدغه البارزة، ليفلت بساقه المقيدة وبكل غضب مشحون وجهها إلي أضعف منطقة للرجل، الذي صرخ ينعق كالغراب، وعيني راضي تلمعان بالنشوة.

كلما كان صيده أكثر جموحًا
كلما كان نشوة الصياد تندفع كالإدرينالين فى أوردته، لكن ابتسامته تجمدت حينما بصق سرمد الدماء من فمه حينما توجه رجل آخر ليكيل الضرب بوجهه
-كان ألبي طاير من الفرحة لما سمعت انو ماات، بس طلع قط بسبع ارواح
تلك المرة اندفع راضي بكل غل مراقبًا تشفي ذلك الرجل المقيد، وغضب دفين يتصاعد فى أوردته يهم بالفتك به وقتله حيًا
ليأتي دور الرجل من رجاله أن يتقدم منه قائلا
-اهدي يا باشا، هنروقوه.

استعاد راضي وعيه وهو ينظر بجحيم ناري للمتشدق بتسليه، لتلمع عينا راضي بظلمة داكنة وهو يهمس بقذارة
-انا من رأيي نجيب السنيورة هنا، عشان نخلي الرجالة تتبسط
تلك المرة اندفع سرمد كالثور الهائج
ينطح كل من أمامه، حتى الرجل الذي كان يقيده انفلت منه، غادر جميع تعقل سرمد من عقاله ليمسك الرجل من تلابيب قميصه، ليهدر فى وجهه بنبرة متوعدة.

-ليك ولك والله عالي في سماه لو فكرت تلمس شعرة منها، رح احسب الله ماخلقك ما يغرك انو انا مربوط فهمااااان
رغم كون سرمد هو الضحية وراضي الجلاد، تبدل الموقف لثواني، ليدافع سرمد بشراسة عن أدمية إمرأة أحرقها بنيران غيرته، شراسة عينيه وتوعد لسانه لا ينطق بها هزيًا..

اندفع رجل من حراس راضي بكل غل ليرفع بقدمه ويسحق ساق سرمد الذي تسلم وانفلتت صرخة وهو يشعر أن ساقه قد انكسرت لقوة الضربة، إلا هذا لم يمنع سرمد من ترديد وعيده فى وجوه الجميع وأولهم راضي
-وحق الله لنتفك بسناني ياااااحقيييير، ولا رح يهمني لا انت ولا كلابك يلي عم تتحامى فيهن
ابتسم راضي بسخرية، لينفض التراب الذي علق على حلته الثمينة، ليهدر بضراوة
- وانا حابب اشوف رجولتك اللي ظهرت فجأة يا نمس عشان واحدة ست.

التمعت عينا راضي بخبث شديد، ينبئ الملقي أرضًا أنه سيطول بأصابع الأذى لامرأته التي أحرق جميع فرصه معها!
زئر سرمد بضراوة وهو يكافح للبقاء على قيد الحياة، لأنقاذها
على هذا الشئ الوحيد الذي يفصح عن ذنبه وجرمه الأكبر...

اندفع رجال راضي يتجمعون حول سرمد كالحلقة، ليقترب أحد منهما إليه وهو يتعمد بعينه أن يتفنن بتعذيبه من موطن ضعفه المعراة ألا وهي ساقه المتألمة، جاسر سرمد للدفاع عن أدميته وشرف امرأة صار كالطوق في عنقه، لكن مهما كانت جسارة الشجاع وقوة تحمله لكن الكثرة تغلب الشجاعة دائمًا!
راقب راضي ما يقوم به رجاله لمن تجرأ علي مد يده لأسياد الأرض بتشفي، هو لا يكترث مطلقًا لجنسية الرجل ولا نفوذ عائلته فى بلاده.

يتعامل الأمر بالند، كما أخذوا حق ابنه برضا تام من العائلة، وأكثر ما أثار دهشته حينما عين مخبرًا لتقفي أثر ابنه بعد حادث الرجل الذي يدافع لثاني مرة عن امرأة يراها بعينيه، لا تستحق كل هذا الشجار للظفر بها
فهي بعينيه كرجل، لم يراها بالصورة المثالية التي يهفو اليها رجل ليحارب ما ورائه وخلفه، ولا بالجمال الوحشي الصارخ الذي يستفز أي عصب رجل لترويضها!

لكن ماذا يفعل؟!، لطالما ذوق ابنه كان متدينًا فى اختيار عاهرات فراشه قبل أن يصدمه بخبر طلبه لتقدم بالخطبة من عائلة السويسري! توقع أنه أراد الحلوة الصغيرة، لكن فاجئه بأنه رغب بإمرأة بعيدة كل البعد عن ما قد يختاره ابنه للمرأة..

لكن ابنه رغبها واشتهاها، وألح لمرات كثيرة حتى استسلم وتقدم للخطبة ثم عقد القران، ثم تفاجئ فى صباح يوم على اقتحام معتصم السويسري باب مكتبه وهو يكيل اليه بالصراخ والسباب والضرب، متوعدًا لأبنه اشد انواع الانتقام، ورغم معرفة راضي أن رغبة معاذ بتلك السمراء مؤقتة، لم يمنعه، مادام الأمر تم بنطاق شرعي يهتم به والد الفتاة، فلا ضير واعتبرها شوق الرجل لزوجته ثم اكتشف بعدها أن نفسه عافت عنها!

انتبه من شروده على صوت أحد كبار حراسه، ليبتسم بتشفي وهو يرى الدماء تنبثق من شفتيه وفم سرمد ليهمس راضي بنبرة فحيحة كالأفعى
-متقلقش هنروقك شوية، وهنخلي المدام تبكي على قبرك
تعمد أن يضع مائة خط على كلمة مدام ليزأر سرمد بوحشية، رغم الهوان الذي يكبل أطرافه لكن هذا لم يمنعه أن يعلن الأسد علي فرض سيطرة قوته، أشاح راضي وجهه بلا معنى واندفع خارجًا يتبعه كبير الحراس خلفه كالظل، ليميل اليه قائلا بغضب.

- عايز الموضوع يخلص بسرعة، ودورلي علي الحيوان التاني هيكون موجود فين
زفر راضي بيأس، وكل ما يفعله ابنه الأحمق يعود عليه بالخسارة من منصب عمله ونفوذه، ليندفع كبير الحراس يفتح باب السيارة الخلفي ثم بدون كلمة توجه هو الأخر اتجاه الباب الأمامي بجوار السائق آمره إياه أن ينطلق نحو وجهة سيده التالية.
مسح راضي وجهه على كفيه ليهمس بغيظ
-ريحتك فاحت يا غبي، ومش هقدر أحميك طول الوقت وإلا هخسر كل حاجة.

وقد ترك خلفه ضباعه تتجرأ لأول مرة على عرين أسد، استباحو جسده وانتهزوا مرضه، لتتبدل أحوال طبيعة الأم
ويخر الأسد ساقطًا
سقطة جردته من كبرياءه، وحطمت غروره.

فى منزل النجم،
الحال لم يكن هادئًا فى منزله، فالأم التي تجرأت يدها لأول مرة تصفع ابنها وتنعي حظها وخيبة أمل لأبن ظنت أنها انشأته رجلاً، تبكي قهرًا وكمدًا بعد الرسالة التي تعمد بها أحد رجال راضي لتوجيهها إلى هاتف ثلاثتهم، رسالة نصية صريحة، حيث لا تأويل بها!
رسالة إختطاف، دون طلب فدية
رسالة لرد الصاع بعشرة.

ثم بعدها تعطلت هواتف ثلاثتهم رغم محاولات سامر الحثيثة لفتحه، لكن الأب كان يعلم أنه أحرق هواتفهم كي لا يستخدمه كدليل ضدهم حينما يقرر التوجه للسفارة والاستعانة بهم!
لم يندم قط على معاقبة الحقير الذى رغب فى قتل ابنه، ليحتجزوه بكل تهور وجنون يسري فى عروقهم فى منزلهم، رغم رعب غيداء ورفضها للأمر، لكنه يحفز لأخراج طاقة الغضب وهو يضع أصابع الاتهام فى وجه الحقير، الذى كاد أن يفقد بكرها!

ربت محمد على ظهر زوجته التي اندفعت تبكي بحرقة، ثم تسأل ابنها سامر قائلة بنبرة أم مكلومة
-ماذا تعني يا سامر، هل فقدت وليدي؟
عض سامر على نواجذه يكتم غيظه من ذلك الحقير الذى سلمه شقيقه دون إبداء رفض واحد!
ماذا فعل شقيقه ليتورط مع عصابة بمصر هنا؟!، اقترب سامر مهدئا قلب أمه ليطبع قبلة على رأسها وما زالت في أحضان أبيه يؤازرها
-أرجوك أمي، ستكون الأوضاع بخير.

انهارت آخر مقاومة من غيداء والدموع تعلم طريقها للخروج، يهمس محمد بكلمات هادئة مواسية
لكن لا أحد يستطيع أن يطفئ ذلك الحريق المشتعل فى قلبها، تركت ابنها يعاقب على يدين رجال لا تعرف الرحمة قلوبهم، مدت عيناها الى كف يده الذى صفعه.

كم يؤلمها تلك النظرة التي رمقها بها حينما صفعته، تباينت درجات أفعاله من بين صدمة وألم وخيبة أمل واحتياج شديد طالبه بها، وهي رفضته، بل نبذته من المكانة العالية التي وضعته فيها، ولو عاد الزمن، لفعلتها، نكاية عن حرق فتاة ائتمنته على عرضها ولم يحافظ على وعوده!
لكن أن يرحل دون رجعة!، الهواء يتناقص تدريجيا لتنفرج شفتيها لاهثة وهي تغمغم بحرقة.

-لما رحل، لما رحل وليدي، وهو يعلم أن هذا مجرد فخ لإيقاعه، يا حرقة قلبي علي فلذة كبدي
ضم محمد جسد غيداء بقوة وهو يدحض أي مقاومة منها للفكاك من عناقه، ليهمس بصلابة محاولا شحذ طاقتها لعودة صلابة غيداء التي يعلمها
-اهدئي يا حبيبتي، سيعود.

بكت بحرقة على صدره وهي تدفن وجهها امامه وسامر حائرا، يقسم بأغلظ الأيمان انه لن يدع سرمد ينجو بفعلته، فما سببه من انهيار والدته وصلابة والده التي يراها مجرد قشرة ليحتوي حزنه وهلعه، غمغمت غيداء بحقيقة تقرها
-لن يعود، لن يعود سرمد كالسابق
زم محمد شفتيه بحزم شديد، ليمسكها من عضديها وهو يهدر في وجهها بحدة
-غيداء، عودي لرشدك.

تمسكت غيداء بوجهه بيأس وهي تتوسله المحافظة على سلامة ابنها، وسلامة قلبه وروحه التي تعلم أنها لن تعود للسابق، هل استجاب الرب لدعاء الفتاة المكلومة؟!
اختض قلبها بعنف وهي تتذكر كلماتها التي حرصت على جعلها كنصل سكين فى وجه من بادر بالخيانة أولا
فلتحترق فى الجحيم، لا أكترث بك ولن تحصل على مسامحتي أبدًا، لتعيش في صراع مع الذنب إن كان هذا سيشفي بعض غليلي منك، ولن أتشفي كاملا إلا أن أراك ذليلا مكسورً.

شحب وجه غيداء حتي غادر الدماء من وجهها، عينيها الجاحظتين جعل سامر يمسكها بقوة خشية من فقدها هي الأخري، يردد اسمها عدة مرات وهو ينظر إلى أبيه الذى لن يتحمل وجع فقدها، لينهار ثباتها إلا أن سامر تمسك بساعديها وساعدها على الجلوس على أقرب أريكة، بكت غيداء بصمت وسامر يتسلم الدفة من أبيه الذى يحاول تذكر أي رقم قريب لهم لكن عقله فى ذلك الوقت لايسعه للتذكر بعد أن أحرق الحقير جميع هواتفهم.

استمع الى صوت غيداء المتوسل، يزيد من عذابه فوق عذاب
-تصرف يا محمد لن أترك ابني هكذا بين أيدي الوحوش، أريده سالمًا فى حضني
أطلق بوعده وهو يتذكر دفتره الخاص بالأرقام الذى وضعه فى غرفة المكتب ليقترب من غيداء وهو يجلس القرفصاء
-أعدك سأتصرف
هزت غيداء رأسها بثقة، ورغم قلة حيلة الأب وهي تعلم أنه لن يلجئ للسفارة وإلا فتحوا لأنفسهم باب من أبواب الجحيم!
تيقظ عقلها لبرهة من الوقت لتهمس لسامر بتصلب.

-اتصل بالسفارة يا سامر، اجلب داوود إلي مصر
اتسعت عينا سامر بدهشة وهو يعلم مدى عداء الرجلين الشديدين، ليهز رأسه نافيًا مغمغما
- أتريدين نبش عداوة بينهما مرة أخرى
التفت غيداء بقلة حيلة، وهي تعلم أن ابن أخيها لن يتردد في مساعدة ابن عمته، فالعائلة مهما تملك من مشاكل وشجارات، لكن تعلم أن رابط العائلة بينهما قوي ومتين لتهز رأسها قائلة بنبرة شاحبة.

-هو الوحيد الذي سيتصرف، مهما صدر منهم من أفعال لكن أثق أنه سيساعده، هذه الطريقة الوحيدة لاستعادة ابني
رنين جرس متواصل أوجع قلب غيداء التي شعرت برهبة تطرق أبوابها بقوة لروحها، ساعدها محمد وهو يربت على ظهرها، ظهر غسان الذي يرتسم على وجهه أمارات القلق، بعد ان جاءه الاتصال من هاتف المنزل
-هل وصلتم إلي شئ؟
ابتسم سامر بسخرية وهو يخبره بغضب متنامي فى صدره.

- بعثوا رسالة نصية لهاتف ملقى على عتبة باب المنزل، يخبرونا أننا بدأنا بالحرب وعلينا تحملها
ضيق غسان عيناه بضيق وبدأ يتوصل لتلك البلبلة ليسأل بغيظ
-وأين ذلك الأجرب، ليس موجود فى المخزن
أخبره سامر بحنق، ويداه تشدان خصلات شعره بسخط
-لقد أخذه سرمد منذ شهر لمكان آخر، والأحمق لم يخبرني أين هو
أطبقهم الصمت، كأن على رؤوسهم الطير، قبل أن تتسع عينا الاثنان بإدراك ثم هتفا فى آن واحد.

-لا يعقل أن يكون تركه فى منزل زواجه!
ثم عادا يقولان بنفس الحرقة وكلاهما يتأجج صدورهم من القهر، وقلة الحيلة، وهما أغراب على أرض وطن غريب
-اللعنة
أومأ محمد ما ان رأى نظرة ابنه تجاه والدته، ليقول بحسم
-اذهبا، سأتصرف أنا مع غيداء
سارع سامر آخذًا مفاتيح سيارة أخيه، ثم اندفع كلا الرجلين بسرعة وقلب يبتهل أن الأمور تصبح على ما يرام.

رغم ألمهم الذي يخفونه بمهارة، لكن النظرة المنكسرة لغياب ثالثهم، الضلع الثالث الذي يتصل بكليهما، دعك سامر موضع قلبه وهو يشعر بقبضة مؤلمة تقبض على قلبه بقسوة
تجاهل الشعور وهو يحاول جاهدا أن يضع يفتح باب السائق ليستقل السيارة، لكن غسان عاجله بأخذ المفتاح واخذ مكان السائق، ليلتفت غسان أمام بدن السيارة ويتخذ مقعد مجاور للسائق وانطلق غسان سريعًا إلى وجهتهم
حيث يعتبر الوجهة الأخيرة الفيصل.

اما نقطة النهاية، أو متاهة جديدة يجب عليهما أن يتبعوا قواعدها للخروج سالمين!
انفلتت سبة وقحة من شفتي غسان وهو يضرب بكل قوة على المقود، يلعن الحب وغباء صديقه، لقد ظل لأيام يحاول أن يفهم ما قام به!
لكن الأحمق محتفظا بقدسية سرية بين ما حدث، فقط لو يطمئنه، لكن هذا لا يمنع أن هناك هاجس مخيف، أن الأحمق قام بفعل أحمق مثل تصرفاته المتهورة!

سبه بكل قوة تلك المرة، وهو يلقي السباب البذئ لصديقه، كما علمه الأحمق، وملامح سامر واجمة، عينيه تراقبان الطريق بوجه خامل يستر بركان هائج على وشك قتل من يمنع عنه الوصول الى شقيقه!
صاح غسان بغضب وهو توحشت ملامحه
- ماذا يقوم الأحمق، لترك أحمق كهذا فى منزله
ابتسامة مؤلمة زينت ثغر سامر الذى همس بإقرار
-لا أعلم، يبدو أن هناك أمر جلل حدث مع الفتاة التي يحبها، وانتهى الأمر به فاقد عقله.

زفر غسان متنهدا بحرارة، بدأ يكره الحب والعاشقون، إن كان الحب سيجعله مدمرًا، فاقدا لسلام عقله، الذي هو من البداية ليست من صفاته
تمتم غسان بحرقة وهو يعيد ضرب المقود
-لقد توسلت إليه ليتحدث، لكنه أصبح منعزلا صامتًا، متألما
رفع سامر عينيه محدقًا تجاه صديقه ليسأله بتردد
-هل أحبها حقًا غسان؟
ران الصمت بينهما للحظات، صمت خنيق إلا من أنفاسهم المتهدجة ليقول غسان بصوت مختنق.

-ظننت فى البداية أنه أعجب بها، تعرف أخيك، ما إن تعجبه واحدة حتى يظل ملتصقًا بها، يختبر شعوره معها إذا كان حقيقًا أم مجرد افتتان، وغالبا ما يصبح افتتان إذ يركض خلف أخرى خطفت عيناه
لم يعطيه غسان الأجابة الوافية، إذ كلاهما مع تصرفات سرمد التملكية التي أعلنها لأول مرة على إمرأة أصابتهم بالذهول، ابتسم سامر بسخرية، فقط يصل الأمر لداوود ولن يسلم منه مطلقًا، قال سامر بشرود.

- غسان، أعلم شقيقي الأحمق، لكن توجد به تصرفات تمليكة أراها منه فى بداية أيامي هنا، انه لا يسمح لي بالنظر الي صورها، قائلا أنها تخصه.

زفر غسان بسخط وهو يدعس على مكابح السيارة فجأة، ليرتد جسد سامر للأمام، لولا حزام الآمان لخرج جسد سامر من المرآة، اخرج سامر شتيمة نابية وهو ينزع الحزام ثم يترجل من السيارة، يتبع غسان الذي انطلق بدوره تجاه العقار متخذا السلالم أقرب طريق للوصول الى الشقة بأسرع وقت، توقفا الجسدان فى لحظة فارقة لما سيحدث مستقبلا أمام باب الشقة
وهما يران أن الباب ما هو إلا هو سحيقة، ستبتلع كلاهما.

حك غسان مؤخرة رأسه، وانفعالهما ما عاد ينفع الآن لينظر بيأس تجاه الباب وهو يسأل صديقه
-ألديك مفتاح؟
ابتسامة ساخرة زينت محيا سامر الذى دفعه بحدة قائلا
-وما نفع أجسادنا يا أحمق، أنتفاخر بها فى الصالة الرياضية، ادفع الباب معي
بكل قوتهما وقوة اجسادهما اندفعا لفتح الباب، الذي انفتح تحت ضغط اجسادهما ليرتفع حاجبيهما بذهول وغسان يرى الشقة التي تحولت لدمار شامل
-ماذا فعل هذا الأحمق؟

حك سامر مؤخرة رأسه وعينيه تمر على كل ركن فى الشقة ليحرك قدميه تجاه الشقة، يتوغل داخلها، محاولا معرفة إذا كان هناك أي أثر للمختطف، قال سامر ببرود
-يبدو سيكون سرا بينها وبينه، ولن ينطق الأثنان بما حدث، محتفظين بها داخل قلوبهم
زفر سامر للحظات وهو يحاول الحفاظ على رباطة جأشه حينما بحث فى غرف الشقة، إلا من غرفة واحدة كانت الفيصل للرجلين، غمغم سامر بقهر.

-لقد تشككت أن الأمر خدعة حينما جاءت الشرطة أمام باب منزلنا، الغبي لما لا يدافع ويخبرني أنه لم يمت، لما استسلم لهما؟
سارع غسان بفتح باب الغرفة التي فتحت بسهولة، إلا أنهما اتسعت أعينهما بجحوظ للدماء المراقة على خط مستقيم فى الأرضية، ليغمغم غسان بحرقة
-اللعنة!

تصنم جسد سامر وعينيه تجحظ من رؤية آثار الدماء فى كافة أرجاء الغرفة، دقق بنظره تجاه الأرضية ليزداد يقينه أن أحدا سحب جسد ذلك العفن بعدما مارس سرمد بعض جنونه عليه، ليشد خصلات شعره بجزع وغسان ينطق بتيه
-أين ذهب؟
غمغم سامر بأسي ويده تعود لتمسد موضع قلبه الذى بات يؤلمه ضعافًا
-غيداء ستموت إن سمعت هذا الخبر
يبدو أنه لا يوجد حل آخر سوى الأتصال بداوود!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة