قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وتسعة

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وتسعة

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وتسعة

فى رسالة عاشق لمحبوبته، قال:
بداية الطريق عثرة
ثم تردد
ونهايته هو أنتِ
العثرة الأولي كانت أنتِ
والتردد كانت أنتِ
ونهايتي كانت أنتِ
هائم فى مدار فلكها
متخبط بين نعيمها وسعير مسكنها
وسلامه النفسي لا يحظي سواه منها
الداء والدواء يتخلص بها.
فى قرية الغانم،
سارت رهف الهيونا ورفرفة القلوب التي تتعاضد جنبًا إلي جنب زئير وحوش الأشتياق، دفعها للتهور.

طوال الفترة السابقة بعد مواجهتها الصريحة له عن ماضيها، وحياتها، وخذيها، كان أكثر صدر رحب بعيد عن عائلتها تقبلها دون أي تلفظ
دون أي تردد
ولا لمحة ساخرة في عينيه تخبرها أنها مذنبة
بقدر أنها لم تذنب فى شئ، ولا هي التي حاولت دفع شخص ما وتقييده بحبائلها، لكن هل كان المجتمع رحيمًا يومًا على امرأة؟!
يتربصون فقط لزلة تسقطها، حتى يبدأون ينهشون بها كالضواري!

اشاحت رهف كافة أفكارها النسوية، وبقدر الظلم الذي التمسته هي، بغض النظر عن قوة عائلتها ونفوذهم، إلا أنها كانت ضحية مجتمع لم يرحموا براءتها التي اغتيلت على يد مدمن وتسبب في ضياع صديقة عمرها التي وارتها الثري!

توقفت قدماها عن التحرك فجأة، والضيق يعتري قلبها وأنفاسها، انفرجت شفتيها لاهثة محاولة أن تجد دفعة هواء ناعمة تسلل قلبها، وتنحر وحوش ضارية ما زالت تطرق عقلها وهواجس لعينة تأبى أن تتركها حتى هذا اليوم!
لكن وحده، صاحب القلب الحنون، ذو صدر متسع وعاطفة تكتسح ثباتها، هو القادر علي تدفئة البرد الذي ينخر بعظامها
وجاء بطلها الهمام.

فارس أرضها الذي يقاتل بشراسة وحوش نسجت في خيالها، انتبهت علي وقوفه أمام باب الخلفي للمطعم الخاص به، لتزدرد ريقها وهي تهمس بشحوب
-صباح الخير
آن قلب نزار وهو يقترب منها بلهفة أضنته، وذبحته، يراقبها تنثر عبير عطر أنوثتها التي تظن أنها اغتيلت، لكن عينيه هو من يراها فقط تحتاج لصبر وعزيمة كي يستطيع أن ينفض تلك الأتربة التي تمنع بريقها، احتضن كلتا وجهها بكفيه ليترعد كلتا جسديهما.

والفتيل أحترق ليشب نارا غوغائية في جسديهما، تهدجت أنفاسه وهو يهمس بثقل
-يا صباح الفل والياسمين والجوري ياكنافة قلبي وروحي
فغرت رهف شفتيها لتضع يديها تتشبث بها بذراعيه، عينيها تطيعه فى مشاعره الفائرة
لكن جزء من عقلها، يطالبها بالتعقل
إذ أنها تعلم فى لحظة مجنونه، انه يتخلي عن كافة تعقله إذا ما وجد فرصة سانحة ليختلي بها ويبث بعضًا من حرائق جسدها ليقذفه فى وجهها.

لكن نضال يقف بينه وبينها كالمتربص، كحاله منذ أتي إلي قصر العائلة الجديد الذي انشأه وقاص لهم، متغاضين عن الماضي تماما، لفتح ورقة جديدة للجميع
ورغم أن نضال اتخذ شقة فى القرية الذكية التي انشأها وقاص، في حالة النوم فقط لكن اجتماعات الأسرة ومكوث الصغيرة بيني يدي فريال جعل وقت يتغاضى عن انسلاخه المؤقت، سامحًا بعض الوقت ليتخذ مكانه بجواره!

تراجعت يداها وعن تشبثها لتهمس بخجل ووجهها كالطماطم الناضجة في عينيه
-نزار، اهدي، نضال قاعد هنا فى القرية، وممكن أي لحظة يجي
غمز نزار بشقاوة، وهو يلف ذراعه حول خصرها بتملك، ليزداد تشبثه بها وصدرها اللين يرتطم بصلابة صدره، انفلتت شهقة خجلة منها وانامله المتشبثة بتملك تخبرها صراحة، أنه لن يدعها مطلقا حتى ولو توسلت له!
سألها بخشونة شديدة، وحرائق جسدها يشعلها كالأخرق أمام الجميع
-يجي علي بيتي!

شهقت رهف باستنكار تام، وعينيها تحدق نحو الباب إذا ما هم أحد أن يقتحم خلوتهما!
-واحنا فى البيت!
هادنها نزار وهو يغمغم بنبرة تعلم انها تطير بذرات تعقلها
-هنروح على بيتي يا روحي
فغرت شفتيها وهي تلعن اشتياقها الذي تعلم جرائم فعلتها، أمام أعين أخيها الذي ينتهز كل فرصة وأخرى ليصدر أوامر ديكتاتورية بعدم اقتراب الشامي منها، حتى يحين موعد تخرجها!

- لا لا مش هينفع، نضال وراه interview مع الحضانة اللي شمس دخلالها
قالتها وهي تدفعه للتعقل، إذ أن أنامله كان لها رأي مخالف لما تنويه للمغادرة، غمغم نزار بعاطفة ثائرة
-وشو علاقتك بالموضوع هاد ياروح قلبي انت، بعرف انا هالامور بتكون للاب والام بس.

افلتت منها شهقة لم تحسب حسابها حينما ضرب على وتر أنوثتها الحساسة، وانامله اكتشفت مواطن ضعفها لتستميل له، دفعت أنامله بضعف، والرغبة بالفرار تبدد تحت أثر حصار عينيه المنيع!
-نزار
تأوهت بها ليزفر نزار بحرارة وهو يدفن وجهه فى عنقها، يلثم عدة قبلات، على حبيبته تشعر
او تحس
عن أي شوق يذبحه وهو أصبح كأسير مقيد لدى سجان متوحش، عديم الرحمة
عن أي عاشق يناجيها بلوع أن تكف عن جفائها للوصال به.

عن أي زوج أحترق حينما وجده مسكنه فارغ، ويطالبها للعودة، إذ انسلاخها عنه هلاك
هتف بتأوه عميق، والشوق يذبحه كسكين ملتم ينحر عنقه من الوريد للوريد
-ااااه حاسة فيني ما يا روح حبيبك، اشتقتلك حبيبتي اشتقت للكنافة اممم وحلاوتها يارووح قلب الكنافة انتي
ابتسمت رهف بضعف، وتوسله يقولها
ليته يعلم كيف هي تتعذب أكثر منه، وهو الذي يظنها تحرقه فى عشقها!
انفلتت ضحكة ناعمة جعلها تهمس قائلة بيأس.

- لو حصل حاجة هيبقي بسببك أنا بقولك أهو
اقتبس اللين في ردودها، وجسدها الذي استجاب لشوقه ليهمس بتعجل
-طيب خلينا نفوت عالمكتب محدا رح يزعجنا
عضت علي باطن خدها وجسدها يقشعر من لفحات أنفاسه الحارة علي عنقها، امسكت بوجهه بين كفيها لتقول بنبرة مشجعة
-يا نزار أصبر، هانت
آهة متحشرجة خرجت من جوفه، والأيام التي بينهما، والتي يصر عليها بغباء، أي تخرج هو سوف ينتظرها كزوج محب وداعم لحياتها الدراسية!

أي غباء تفوه هو به أمام شقيقها يوم أن يطالبها فيه! هو مجنون، وكان يسعى لاكتساب رابط حقيقي بينهما
لكن كلمة العهد التي نطقها للرجل، دين يجب تسديده
والعقود الحرة التي تنطق من الرجال، واجب سدادها
تلك المرة هو من أسند جبينه على خاصتها، يرى عمق البحر واتساع السماء في حدقتيها، يرى مزاجها الرائق واعتدال المناخ فيهما ليتقابل السماء والبحر بمصافحة ودية! هل أخبرها عن فتنة عينيها قبلا؟!

يبدو أنه يحتاج ليبث قصائد شعر عن جمال عينيها!
-اااااخ لك ااااخ لايمتا بدي اصبر ااااه لحتى تتخرجي بكون وقتها متت من شوقي
سكينة لفت العاشقان إلا أن صوت كنعاق الغراب، حل على سكينتهما ليهدر بصوت بارد
-ما تموت و احنا مالنا
زفر نزار بيأس وبعناد رجل أمام رجل، تشبث باحتضان خصرها، ولم يسمح لها بالالتفات ما ان سمع شهقة خفيضة من رهف التي حاولت الانسلاخ من جسده
وكأنها تقابل عشيقها وليس بزوجها!

تمتم نزار من بين أسنانه، وعينيه تلومان حركتها الخرقاء
-ذكرنا الجحش قام اجا لحش اووووف شو جابو هاد
كادت رهف أن تموت من الخجل، وعناد نزار يكاد يقتلها، إذ لم يسمح لها أن تنفلت من أسره وكل هذا أمام عيني شقيقها الذي يبث بنيران حارقة تحرق ظهرها!
عقد نضال ساعديه على صدره، وهو يراقب الأحمق الشامي، ذي اللسان المعسول يتشبث كالحية حول فريسته دون أن يسمح لها بالابتعاد، مما دفع لحريق متشعب فى صدره أن يوجهه له.

-بتبرطم و بتقول ايه
نظرات كلامية تجري دون لسان بين نزار ورهف، الذي اضطر آسفًا أن يطلق سراحها دون أن يبعدها انشًا عن جسده، لتقابل رهف عيني نضال الغاضبتين بغيرة حمائية
-نضال
اشار بأنامله نحوها ان تقترب منه بأمر غير قابل للتفاوض
-تعالي يا بت هنا
اندفعت رهف مسيرة استجابة لأمر أخيها، إلا أن نزار أمسكها من زندها بخشونة ليقول بتحدي ديك يناطح ديك آخر
-مارح تجي.

اشتعلت الجذوة في عيني نضال، الذي جز أسنانه بسخط، وهو الذي ظن أنها توقفت عن المجئ للشامي ذو اللسان المعوج
لكن كيف، وتلك المرة يبدو انها جاءته بنفس راضية، لتضرب كلامه بعرض الحائط، ووقاص حينما أعرب عن رفضه لالتصاق الرجل بها أخبره ببساطة
أن يهتم بما يراه مناسبًا، فهو عليه حق عليها كالأخر!
صاح تلك المرة بنبرة خشنة وهو يأمر رهف التي تتوسله بصمت ومناجاة خفية من ورقة عيناها أن تبقى ولو لدقيقة واحدة معه.

-ايه هو اللي مش هتيجي دي، تعالي يارهف هنا
فغرت رهف شفتيها بصمت وهي تشعر أن الرجلين يضعونها تحت اختبار عظيم، عدة مرات اندفعت نحو اخيها دون نظرة واحدة تجاه رجلها
رفعت عيناها تنظر الى عيني نزار، الذي غلفه الضيق والجمود ليترك ذراعها وقد علم أجابتها دون أن تحتاج لقولها..
لكن أليس من المفترض أن تدافع عنه الآن؟!
تشبثت بيده التي الفتها وواجهت نضال بجرأة فاجئتها أولا قبل الرجلين
-خمس دقايق يا نضال، وهحصلك.

اندفع نضال يقترب منها وقدميه تنفثان نارًا ليصرخ بصوت مكتوم
-خمس دقايق!، بت متطلعيش جناني عليكي
لم تجد ما تدافعه به عن نفسها، فأكثر شئ تتجنبه هي رهف، هي جنون حمائيته الزائدة، تنعي لحظ شمس الذي جعلها تصبح ابنة لرجل مجنون غيرة لنساء يخصونه، زادت تشبثت بيد نزار الذي احتضن يدها بقوة، والأنفس المتبارية لم تسجل أي نقاط لصالح أي خصم منهما!

صوت صرير سيارة اترفع حولهما، لتهبط منه أسرار بحدة وهي لا تصدق أنه هنا بعد ان ذهبت للمدرسة لتجد أن الأب متغيب لظروف غامضة، لم تحتاج للتفكير
غياب رهف هي الأخري، أعلمها أنها مع خطيبها بعقد زواج رسمي لتصيح بحدة
-كنت عارفة انك هتكون هنا
انفرجت عن شفتي نضال ابتسامة متوحشة وهو يرمق كلتا المرأتين ليقول بجنون
-ايه عملتوا رباطية مع بعض.

اندفعت نحو تسحبه نحو السيارة وجسده المتصلب لم يستجيب ليدها الحثيثة لتحريكه، لتقول بحنق
-هنتأخر على الميعاد، مارية كلمتني انها وصلت قدام المدرسة
توقظه من فورة غضبه عن ابنته التي تخضع لمقابلة شخصية لا يعلم أهميتها هو، كما وصله الأمر أن ذلك من بروتوكولات المدرسة، ليلتفت بوعيد تجاه نزار قائلا
-والله ما سايبك، افوقلك بس
زفرت أسرار براحة، ويدها تمسد موضع جنينها الذي أصبح ركلاته اليوم أعنف من ذي قبل.

-وانتي يا هانم خمس دقايق، لو الراجل قالي مرجعتيش البيت، ليلتك طين
اندفع نضال يوجهها تجاه سيارته بفظاظة شديدة، وعينيه لم تفت عنه انحناء جسدها ولا تمسيد ظهرها والألم الذي يحاكي وجهها ويبدو أنها تواجهه بصلابة
عقلها الجلمود هذا، كحجر صوان سيؤديها للتهلكة أمام غضب البوهيمي زوجها!
...
فى مقر المدرسة،.

جلس نضال بكل تحضر يمتلكه رغم آثار الرفض والامتعاض وهو لا يصدق أن المدرسة تختبر ابنته كما لو أنها فتاة تعاني من تخلف عقلها، بل كحالة مرضية يكتشفون حالتها ويخشون أن تنقل مرضها وهذا ما سبب ذعر صغيرته، نور عينيه وهو يراها تبكي بانهيار تتلقفها حضن والدتها البيولوجية التي بدأت تكسب تعاطفها وودها وتمد أواصر العلاقة بين الأم والبنت، وكاد أن ينفجر فى وجوههم إلا قطبه البارد الخاص أمرته أن يهدأ ويتريث قليلا، إذ أن مصلحة الفتاة أهم منه ومن غباء كبرياءه وغرور أحمق!

لم يحاول ان يكتم حنقه، إذ انه بادر بإخراج غضبه المتعاظم داخل صدره
-انا مش عارف ايه لازمة زفت انترفيو عشان طفلة
انفتح باب غرفة الناظرة، ليتأملها نضال بعينين صياد متربص لطريدته الجديدة، التي كانت امرأة في أواخر الثلاثينات وبداية الأربعون، ذو جسد يتناحر عليه النساء لأجراء تلك العمليات تحت مشارط جراح التجميل، ولكن النظرة الصارمة التي ترمقه بها جعله ينظر اليها بابتسامة صياد متمرس..

جلست الناظرة على المكتب الخاص بها وهي ترى الجميع من حولها، أخبرته بصراحة تامة دون أن تحاول خلق حوار هادئ
-تعرف أن بنت حضرتك هتكمل خمس سنين ومش بتعرف تكون جملة كاملة
لكن الأب ما زال على درجة من العناد والتكبر، ليقول ببرود
-و ايه المشكلة
رفعت حاجبيها بدهشة سرعان ما استحال لغضب طفيف، لأب مهمل في حق ابنته لتقول ببرود.

-لو هي سنتين كنا عذرناها، لكن مع system شغلنا ودراستنا وخصوصا حالة البت مش هتقدر تتفاعل مع باقي زمايلها فى الفصل
هم نضال بالانقضاض عليها كأسد يفترس طريدته، إلا أنه كان من الذكاء أن يثير رعب امرأة قبل أن يعلن كامل هجومه عليها!
خبط بعنف على سطح مكتبها الضخم، مما جعل الناظرة تلقي نظرة مستهزئة لحركاته المفتعلة التي يخلقها، غمغم نضال بسخط
-اللهم طولك يا روح.

قلبت الناظرة الأوراق الخاصة بالطفلة، لترفع عينيها تنظر نحو والدتها التي تحتضن شمس التي تملك جنيات قوية كأبيها لتقف بنفس التحفز لها، والعبوس والشراسة الوليدة استعجبتها لطفلة ترفض الانصياع للأوامر كما أخبرتها المختصة!
خاطبت الناظرة بنبرة هادئة، لوالدتها، على الأقل أحد من الزوجين ينقذ الفتاة من براثن أب مختل
-انا بنصح أنها تتابع مع حد مختص للتخاطب
زمجر نضال بغضب ليندفع واقفًا بتحفز نمر وهو يهمس بجنون.

-اسحبي كلامك
رفعت الناظرة حاجبيها، وهي تنقل نظراتها بينه وبينهن، إذ المرأتين دارت بوجهيهما، الا الطفلة التي تساند والدتها لترمقها بشراسة لتقول
-أفندم!
هدر نضال في وجهها بحدة وهو يمسك بدباستها الخاصة يلقيها ارضًا، مما جعل المرأة تجفل قليلا لتمرده وجرأته وهو يصرخ فى وجهها.

-انتو بترفضوا بنت عشان شايفينها بعقولكم الضيقة دي مش بتنطق خطاب قدامكم، اومال انا جايبها الخرابة دي هنا ليه، عشان تطلعلي وزيرة ولا عشان تتفاعل مع العيال اللي قدها
اقتربت أسرار منه وهي تمسد بطنها من جانب، وتمسك نضال من جانب آخر، تحثه علي الهدوء الذي يبدو أنه غادر منه
-نضال
صرخ بشراسة مندفعًا تجاه أسرار التي تعض شفتيها بقوة، متكاملة ألم طفلها المشاكس اليوم
-اسكتي انتي.

ثم عاد بنظراته الجهنمية ينظر بتوعد للمرأة التي ما زالت تحتفظ برباطة جأشها ليهدر بجنون
-ما تردي يا هانم، وفالحين بس تنهبوا ملايين من أولياء الأمور
صمتت الناظرة وكأنها تعامله كطفل قليل التهذيب، أو مجنون يخرج كافة جنونه وتمرده قبل أن تأتي بمخدر تسحبه من ما متبقي ذرات لتلقيه في دوامة أخرى، دافعت بشراسة على مؤسستها التي يتشكك بها.

-تلاميذنا بيطلعوا متفوقين وآخر دفعة اتنين بيكملوا دراستهم في أهم الجامعات في العالم
ثم انقبضت معالم وجهها للغضب الحانق، لتقول باندفاع
-بعدين حاسب كلامك يا أستاذ نضال، فيه تلميح سئ ولا انا ولا المدرسة تقبل الاهانة دي
انفجر نضال ضاحكًا بشراسة ليميل بجذعه مقتربا منها هامسًا بوعيد
-هو انتو شوفتوا حاجة.

ابتسمت الناظرة دون أن يهتز جسدها سوي بحركات طفيفة، كانت عينا نضال تلتقطها وهو يراها تسارع في لملمة شتاتها لتقول بجفاء
-اقدر أبلغك، أن بنت حضرتك مش مقبولة فى مدرستنا
وضع كافة يديه على المكتب ايميل صارخًا بتحدي تعلمه هي جيدًا، تحدي رجل أحمق يحكي عن مدى نفوذه القوية يهدد به مدرستها التي سعت لتطويرها ومنع أي رجل عنصري يشكك في مدى منافستها حتى للمدارس الحكومية!

- مش هترتاحي غير لما تلاقي المدرسة بتنهار من حواليكي
رفرفت الناظرة جفنيها لتجيبه بحدة
-المدرسة سمعتها معروفة، وبقالها سنين هنا والكل عارف رسالتنا
لم يبدو نضال علي وجهه أي علامة للتراجع عن شن مخالبه لتمزيق المرأة، لكن صوت ضعيف ورقيق جدًا
يبرز متى ضعفه تجاه مهجة قلبه
-بابا
تنفس الأب بهدر وجيوشه لم تكن تتراجع مقهقرة هدرًا سوى الصغيرة، التي أنقذت الموقف، اعترفت الناظرة أم لا!

الصغيرة تملك سحر عجيب للرجل الذي استجاب بلهفة أبوية ليحتضنها بين ذراعيه ليقول
-يا روحه
زمت الطفلة شفتيها بحنق، بعد فترة تمرغت بها بين أحضان والدها، متشبثة بعنقه ودفء صدره، رفعت عيناها الشبية بعيني والده تحدث للمرأة بشراسة
-شريرة، شريرة أووي
ربت نضال بحمائية شديدة تجاه صغيرته، الوحيدة التي تجعله يتشبث بحياة غادرة ومرة كالعلقم، ليقول بنبرة ذات مغزى ورسالة رعب يقذفها في قلب المرأة.

-لا عاش اللي يرعبك، واللي يعمل كده انسفه من على وش الدنيا
ثم التفت بعينيه الشرستين لتصبح وديعتين، ينظر بحنان جارف تجاه صغيرته ليقبل رأسها هامسًا
-كدا مرضية انتي
اومأت الصغيرة برضا تام وهي تحتضنه بذراعيها الصغيرتين حول عنقه، مما جعل نضال يسب كل لحظة تجعله رغمًا عنه قاسيًا فى حمايته المتشددة، هو لم يغفل عن تعثرها لنطق جملة مفيدة، لكن يعلم ابنته جيدًا.

هي ذكية جدًا، بل متقدة بالذكاء حيث أنها بدأت تستخدم أسلوب ماكر أنثوي منه، تعبر عما ترغبه إما بجمل وهذا يحدث داخل حصن منزله، تثرثر بتقطع مرات وأخرى بانطلاق عن أسيل ابنة وقاص ورهف، وأمر آخر إن علمت رهف انه وظف صغيرته كجاسوس صغير عن تحركاتها لذلك الأرعن الشامي لن تسامحه
لكن هكذا هو
ملعون بدائرة حمائية محرقة!
التفت الناظرة تقول لوالدتها باين شديد
-لازم تتابع البنت مع اخصائي تخاطب.

هدر فى وجهها يخرس لسانها بعدائية
-ابلعي لسانك ده، علشان محشورهوش في زورك
ثم اندفع خارجًا تلحقه أسرار بيأس، تشبث نضال فى احضان صغيرته التي تستكين بوداعة على صدره ليغمغم بسخط مخاطبًا اياها
-قال تخاطب قال، انتي يا اخرة صبري كوني جملة مفيدة معايا
انتبهت الصغيرة انه يشركها في حديثه، لتلمع عينا صغيرته بمشاكسة شديدة لتهمس
-بابا شرير أووي.

غمز نحوها بشقاوة شديدة وهو يربت على ظهرها بفخر، يعلم ابنته حق المعرفة، لقد أربكوا طفلته، هو متأكد، لن يسمح لهرطقة فارغة من شفتي تلك المرأة يلعب كوسواس في عقله، استمع الي تأوه أسرار وهي تحاول أن تجاري خطواته المهرولة
-نضااال
توقف عن الحركة و استدار على عقبيه لينظر اليها، وهو يرى ملامح الألم ما عادت تتحملها، حتى تصدع قناعها الجليدي لتهمس بنبرة فاقدة للسيطرة ويداها تضعها على بطنها المتكورة.

-ميصحش اللي حصل ده
تشبث نضال علي غضبه المستفحل لتدمير تلك الحشرة الرقطاء، ليقول بغيظ
-بقولك ايه، الولية دى انا هعرف أربيها بمعرفتي
تأوهت أسرار وهي تكتم ألمها لتهم بالرد عليه، إلا أن مارية هي من اندفعت بالقول بعد أن تخلت عن صمتها أمام استفزازه
- انت هتشتغل شغل بلطجية عشان رفضت بنتك، الاستاذة بتتكلم في مصلحة البنت
اندلعت نيران في حدقتيه، ليقترب من مارية وهو يكتم غضبه ليصدر هسيس مرعب.

-البنت عايزة تتواصل مع أطفال قد سنها، وتتفاعل معاهم، انا هتصرف
همت مارية بالجدال إلا أن صرخة مؤلمة خرجت من شفتي أسرار أخرجته من أي شعور سلبي يكنه الناظرة المتعجرفة وللمدرسة التي سيحرقها
-نضااال
لم يمنع أن يصدر تعليق ساخر، رغم نظرة القلق في عينيه عليها
-ايه هتولدي انتي كمان
تلك المرة صرخت أسرار بصوت يقسم الجميع أن استمع لصداه كامل المبنى الضخم للمدرسة
- اااااه، هولد يا غبي، كلم سرااااج.

بسرعة وضع شمس بين ذراعي والدتها وأمرها بالصعود للسيارة، قبل ان يمسك بيد أسرار وجهها المحمر والدموع التي بدأت تتجمع حول حدقتيها، جعله يسب زوجها
ويسبها
هل سيجرونه لتلك المشاعر مرة آخرى!
...
في المشفى،
تتشبث بملابس نضال بقوة حينما وضعوها في غرفة تجهيز ما قبل الولادة، رافضة بتنعت أمام الطبيبة والممرضات أن تدخل الغرفة حتى يأتي زوجها، كاد نضال يصاب بالخرس من كثرة صراخها وتوسلاتها المؤلمة له.

-كلم سراااج يا نضاال
مرر انامله على رأسها، يمسح حبات العرق المتصفدة على جبينها، ليقول بصبر
-كلمته، وجاي في السكة
تصاعد رنين هاتفه، ليجذبه من جيب سترته يهم بالأغلاق وهو يتمتم بحنق حينما وجد أحد رجاله يتصل به، لكنه ليس في وضع يسمح له للرد على أحدهم، إذ أن أسرار تحتاج كل اهتمامه ما دام زوجها غائب
-مش وقت تلفونات
زفرت أسرار انفاس متحشرجة لتغص بمرارة والألم يعاود للفتك لتهمس
-حاسة اني هموت يا نضال.

زم نضال شفتيه بقسوة، والمرارة في عينيه تنضح عذاب وحدته، مما دفع أسرار تعض باطن خدها بأسف لتلمس كف يده تهم باعتذار، لكن هو بفظاظته الشديدة والمتعجرفة أزاح يدها ليقول بعنف
-عندك كلمة عدلة قوليها
دمعة خائنة تسللت لجفنها، مما دفع لنضال ان يزيلها وهو يتنفس بضيق يقيد أنفاسه، أكثر أوقات ضعفه هو وقت الولادة، يختبر شعور قوي يضرب وتر حساس خاص به
وذكري خاصة تجعله يفكر فى طليقته الحرة!

أغمض جفنيه متنهدًا، وفرح نفسها لا تزوره
إذ أنها لا تغادر مخيلته، وعينيه مطلقًا
يراها تتخبط فى الحياة، لكن بإتزان، يعجبه أنها بدأت تعود لدراستها، ثم تتابع عن مختص نفسي لن ينكر أنه يثير حفيظته وإن كان الرجل مرتبطًا
لكن ما تتعامل معه رجل، والله يشهد ما الذي تتبرع بقوله لتعري نفسها أمام رجل مدعي أنه مصلح نفسي!

ابتسامة ساخرة زينت شفتيه وهو يهيم في ملكوته الخاص، ليتفاجأ بفريال تقتحم الباب يتبعها وقاص، لتقترب فريال منها بتلهف ثم تمسك بساعدها قائلة
-اتنفسي يا أسرار، هتبقي كويسة
زفرت اسرار وهي تحاول اتخاذ نصائح فريال، لتأن بألم
-مش قادرة يا فريال
ابتسمت فريال بمؤازرة وهي تتذكر ما مرت به سابقًا، لتقول بابتسامة ناعمة
- هتقومي بالسلامة
اقترب وقاص من نضال المتجهم الوجه ليقول بمكر
- سمعت باللي عملته مع مديرة المدرسة.

جن جنون نضال وهو يتذكر المرأة الثلاثينية ذات الجسد فائر الأنوثة، ليبتسم بقسوة قائلا
-ده أنا هطلع عين أهلها، بس تصبر عليا
لا فائدة ترجى منه!
هز وقاص رأسه بيأس وهو يعلم متي صلابة رأس نضال، ليقول بجمود
-عندي اقتراحات مدارس تانية، واعتقد هتفيدك
ابتسامة شريرة لعبت ثغره ليقول بتحدي
-بالعند هدخلها المدرسة دي، وأعلى ما في خيلها تركبه
رفع وقاص حاجبيه بدهشة قبل أن يسأله بسخرية.

-ايه قررت تحول مجالك وتبقي مدير المدرسة
ابتسامة شيطانية مرتسمة على شفتيه ليقاطع حديثهم صراخ أسرار
- فين سراااااج
انتفخت أوداج نضال بغيظ، ليقول بحدة
-مش عجبينك يا مدام، فيه ايه من الصبح سراج، سراج، ما تتعدلي شوية، وتقدري اللي معاكي.

منعت أسرار شتيمة وقحة تكاد تسبها في وجهه، والفضل يعود لزوجها وإحدي ألفاظه النابية التي تسمعها عارضة فى عمله، بالطبع لن تسمح له أن ينطق بألفاظ نابية داخل حدود منزلها، التفتت نحو وقاص بصبر قائلة
-كلم جوزي يا وقاص ارجوك.

هم وقاص برفع هاتفه ليتصل به، لكن اقتحام رجولي بوهيمي يخصه جعل أسرار تنظر اليه بلوم شديد والوعيد، اندفع سراج يقترب منها والقلق يحفر معالم وجهه، التمس أنامله الدموع المتجمعة على جفنيها العرق المتصفد علي جبهتها ليهمس بصوت أجش والقلق يهتز بأركان جسده
-جيت اهو
لوت أسرار شفتيها بعبوس وهي تضرب ساعديه بحدة قائلة
-يا متوحش، شايف عمايل ابنك.

احتقنت اذنا سراج من الحرج الذي تسببت به امرأته، ليجز على اسنانه وهو يهمس بحدة وجهها لها
-أسرار، اتلمي احنا مش في البيت
انفرطت الدموع من مآقيها، لتمسك بساعدها تضعها علي بطنها المتكور، واستعداد ابنها للخروج للحياة قبل انتهاء فترة حملها بشهرين
-حاسة اني هموت يا سراج
قاطعها قائلا بجزع ويده تحاوط وجهه والاخرى ابنه
-بعد الشر عنك، اوعدك اول واخر مرة
دفعته بحدة عن بطنها لتصيح بحدة ووقاحة تشربتها على يديه.

-انا عايزة عيال كتير منك يا غبي، انا مش هستحمل طبيعي ينفع نخليه قيصري
ضحكات متسلية خرجت من شفتي فريال ووقاص، سوي نضال الذي يرمقهم بقرف حقيقي، ليس الأمر بيده كي يتقبل سراج في حياته
حتى وإن كان الأمر صار واقعًا، لكن لم يكن يشعر بنفس التهديد منذ أن تزوجت أول مرة، لأنه بطريقة ما يعلم أن المرحوم السابق لم يصل لقلبها كالآخر..
يلعن دوافعه التمليكة تجاه أي امرأة تقرب له من ناحية القرابة أو كزوجة..!

لعن أفكاره التي تصب فى صالحها هي، وكأنه أشبه بالتائه الذي يسير في حلقات لا نهائية ويصل لنقطة البداية
حيث نقطة ضياعه ووحله
حيث جردته من انسانيته ومشاعره
جعلته كمسخ، وشيطان يهلك من يقترب منه
إلى أين الفرار؟
هو لا يعلم
إذ أنه استسلم منذ سنوات، وترك نفسه ضحية لهواجس تقتات من روحه...
انتبه علي همس عاطفي من أسرار كاد يمزق أوتاره، ليسمعها تقول للوحش خاصتها الساكن بوداعة أمامها
-ربنا يخليك ليا.

عاد رنين هاتفه يرن بإلحاح، لينسل الهاتف من جيبه وهو يزمجر بغضب ما إن رأي إحدي رجاله يعاود إتصاله بإلحاح، ليرد عليه بفظاظة
-مش بيجي من وشك خير ابدا، سمعني عايز تقول ايه
اختفي الهزل من معالم وجهه، وتجمدت تعابير وجهه لتهتز مقلتيه وعينيه. أصبحت مقروءة لعيني أسرار التي تستعد للولادة بصحبة زوجها المتنعت، قال بصوت لا حياة فيه
-امتي الكلام ده حصل.

زم شفتيه وهو يستمع إلي رد رجله ثم سرعان انهي المكالمة بوقاحة شديدة أصبح الرجل يعلمها بل جميع رجاله، ليضع الهاتف في جيب بنطاله وبدي مترددًل بين شيئين يشق عليه
الأولي أخته
والثانية الجاحدة التي تطلقت منه، فارة من قيوده
رفعت أسرار وجهها إليه لتهمس بابتسامة مرهقة
-روحلها
لاح الرفض علي عينيه المكشوفتين للجميع وأولهم أخيه، الذي يكتفي الآن بوضع المراقب.

لن يتدخل فى شؤون أخيه، سوي انتشاله من ورطة يكاد يقتحم فيه بتهوره
لكن الآن، سيدعه يتصرف
يدعي ربه أن يتصرف بتعقل تلك المرة، إن رغب بودها وإجابته سيجد لها صدي في قلبه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة