قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وثمانية وعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وثمانية وعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وثمانية وعشرون

في المشفى،
وتسأليني ما الشوق؟
الشوق ان تكون قريبة بما يكفي
وبعيدة عن متناول يدي؟
وتسأليني ما الفراق؟
أن نعاند بعضنا البعض، وكلانا يتلظى في نيران الهجر
وتسأليني ما الحب؟
أن أبسط تفاصيل وجهك محفورة على جدران قلبي!
أتسألين نفسك الآن لما البعد والهجران
والافضل ان نجتمع.

مساء أمس نزع الضمادات عن كلتا يديه، يواجه صعوبة فى حركة يديه لكن افضل من ان يصبح مقيد بهما، يحرص الطبيب على أن يباشر بجلسات العلاج الطبيعي بداية من يديه كي يستعيد مرونة حركتهما سابقا، لكنه عاند ورفض
لا يريد أن يدخل في أي دوامة علاج ستستنزف من باقي طاقته التي تجعله صامدا هادئا كبركان خامد في الظاهر، لكن داخلي يتراقص من الفوران
لو بيده لأقيم الدنيا حربا حامية الوطيس، ولن يهدأ حتى يثأر بحقه.

لكنه اكتشف أنه لن يجني شيئا من حروبه!
لا شئ سوي عذاب نفس وألم نفسي لم يعد يحتمله
ما يؤرق مضجعه هي
وهل لكهرمانية عينيها تدعه يعيش فى سلام، وهي تذكره بعظم جريمته معها؟
لو تعلم فقط انه لم يقصد ايذائها جسديا، ولم يؤذي مشاعرها
هو متهور، لعين، احمق، مدفوع بغضب رجل غيور على امرأة كانت تخصه
و كان محلها ماضيا، و التمني محالا، وإن كان خيالا.

فلا شئ من تمنيه سيغير حقيقة الوضع، ولا شئ من المستقبل يعطيه بصيص امل انه شئ سيحرك المياه الراكدة
فهو اصبح مشلول!
كتم تأوه يكاد يزلزل جسده وهو يستمع بصبر الي صديقه الاحمق غسان عبر الهاتف، لا يصدق ان الاحمق ما زال مكابرا لما يعرض أمامه من حياة ورفاهية.

-تريد استفزازي وقتلي، تلك الساحرة الشقراء، أتصدق تتصل بي اليوم وتخبرني ان تستعد لرؤية خطيبها الأحمق هذا، كيف تنظر إلى هذا الرجل؟، ونظرات عينيه تكاد تلتهمها، اللعنة تلك الحمقاء أتختار هذا الرجل بالنهاية؟
اغمض سرمد جفنيه بأسي وسماعات الاذن كانت فكرة مريعة، صوت صديقه يكاد يخترق طبلة اذنه ليقول بهدوء اكتسبه بعد فاجعته
- ماذا أخبرتك منذ البداية؟!
استمع الى زفيره الآخر الحانق، ليتابع سرمد بحدة.

-انت يا احمق توقف عن ترديد كلمات حمقاء، اذهب اليها وصارحها بحبك
والمكابر للحب
الغارق حد الثمالة بها صاح باستنكار تام
-انا لا احبها، هل سأظل أغنيها لك
قلب سرمد عينيه بملل، وهو يرى والدته تقرأ وردها اليومي من القران وقد تركت له مساحة خاصة للتحدث مع صديقه، غمغم بتذمر
- ماذا تريد غسان؟، انا بالكاد اتحمل تذمر الطبيب والممرضة وأنا صائم هذا اليوم
جاءه استنكار غسان ليغمغم بفظاظة.

-هل صمت اليوم؟ يا احمق لقد اخبرك الطبيب ان تنتظر قليلا، ثم هذه رخصة لن تذهب لجهنم اهدأ
أغلقت غيداء مصحفها لتستقيم من مجلسها قائلة بصوت آمر
- سرمد، اغلق المكالمة الآن
رفع سرمد عينيه تجاه والدته ليبتسم وهو يسمع إلى تذمرات صديقه ليغمغم بمرح
- انتظري امي، ابنك الآخر يريد أن يذهب المتبقي من عقلي
نظرت غيداء نحوه بريبة، تعلم لطالما أراد أن ينفرد بصديقه يشمل حديثهما فتاة!، سألته بحذر
- أيشمل فتاة في حديثكم؟

اومأ رأسه وقال بصراحة تامة متأصلة به
-نعم
ابتسمت غيداء بجفاء وهي تنتزع السماعات من اذنيه، اعترض سرمد بتذمر لتأخذ غيداء الهاتف صائحة بتوبيخ تجاه الأحمق هذا
- استمع يا ولد، ان كنت تريد ان تتسلى بأي فتاة هنا، اقسم لك سآتي في عقر دارك وسأربيك ولن تفعل والدتك أي شى حينما تري أنني أعيد تهذيب طباع ولدها البكري
غمغم غسان بتذمر طفولي دائما يثير بها امومتها
-يا امي.

التمع فيض حنان جارف لكن تعلم ان الماكر إلى أين يريد أن يصل هدفه، لتقول بنبرة غير قابلة للنقاش
-لا تصدع رأسي، بالكاد اتحمل واحد هنا صعب المراس
انهت مكالمتها والقت بالهاتف علي الاريكة مريحة طلبتها خصيصا كونها تمضي معظم يومها معه، اقتربت من فلذة كبدها وهي تري رغم ملامح وجهه الهادئة، عينيه تروي قصة وجع
ابتسم فى وجهها ومد يده ليمسك يدها يضغطه بخفة محاولا التحكم على سيطرة يديه بهدوء ليهمس
-احبك.

مررت أناملها على ملامح وجهه لتطبع قبلة على جبهته هامسة
-وانا احبك يا صغيري
نظر بأسف إلى ما تعانيه والدته نتاج تهوره، ابتسم بأسف ليغمغم
-امي اذهبي الى البيت، يكفي ما فعلتيه اليوم، ستعتني بي الممرضة هنا
ضيقت غيداء عينيها لتنظر اليه بوجوم لتقول بحدة
-وهل سأتركك يا ولد بين الحسناوات هنا؟

انفجر ضاحكًا وهو لا يصدق، يبدو كرجل بائس اختفي سحره على النساء، هم بالرد عليها إلا أن قاطعه طرقات على باب الغرفة، اشاح برأسه وهو لا يصدق الطبيب يأتيه في هذا الوقت ليطمئن عليه لعاشر مرة فى هذا اليوم كونه صائم واضطر أن يؤجل أي أدوية علاجية لبعد
أذان المغرب
الأمر ليس كونه مصرا على أن يؤذي جسده، أو كون له رخصة يستطيع أن يقضي الشهر حالما يسترد صحته.

لكن شعر أن هذه أقرب فرصة له يتقرب من خالقه، يشكي همه ويستجيب دعاء قلبه
هالة روحانية تغمر جسده وهو يشعر بنسائم طيبة تبشره بصبره الذي لم يكن يتوقع أن تصبح من شيمه
انتبه الي حفيف ملابس وصوت انثوي يعلم مصدر صاحبته تهمس بخجل
-رمضان مبارك
ارتفعت عيناه لا اراديا ليصطدم بوجهها المتورد.

هل توردت وجنتيها أم هو يخيل له؟ والصدمة الكبرى هو حجاب رأس أبيض يغطي شعرها لتنزلق عيناه برؤية فستان محتشم بلون أسود يصل إلى كاحليها لتزين قدميها بحذاء مسطح كلاسيكي، فغر شفتيه بذهول
وهيئتها الجديدة قاتلة
تبدو في عينيه مصدر بهجة وطاقة سعادة تتغلغل أوردته
سرعان ما اشاح بعينيه وتساقطت الكلمات من شفتيه، ود لو عبر عن جمال هيئتها وبريق عينيها الذي يراه لأول مرة منذ فاجعته.

هل تخطته؟ بتلك السرعة تخطته؟ ووجدت مسكن آخر غيره، اسودت ملامحه قتامة ليرفع بوجهه وهو يراقبها تحتضن والدته باريحيه ودفء جعل اعصابه تنفلت ليهدر بحدة
-ماذا تفعلين هنا؟ أجننتي؟
رفعت عينيها المعذبتين لتبتسم بهدوء قائلة
-طنط غيداء هي اللي سمحتلي ادخل
نظرة شكر عبرت بها عما تشعر به تجاه المرأة الحنونة التي تؤازرها كما تفعل مع ابنها المدلل، صاح سرمد بسخط
- ما هذا؟ اخرجي من الغرفة يا امرأة.

اتسعت عينا شادية لوهلة، وهي لا تصدق وقاحته وهو الذي لم يفعلها قبلا أن يكون مضيف سئ لتهدر غيداء بحدة
- اصمت يا وقح، أهكذا نعامل الضيوف؟!
نظر سرمد بتردد تجاه المرأتين، هل تحالفت المرأتين ضده؟ هو المسكين المقعد وتلك هي الاميرة المتكبرة من المفترض أن تحمل ذنبا تجاه دفاعه عن حياتها عض على نواجذه وهو ينظر بحدة تجاه شادية ليقول
-ضيوف من يا أمي!، ماذا تفعل هذه هنا؟

ربتت غيداء علي ظهر شادية محاولة أن تهدأ ذلك الثور، لم تتوقع أن يكون بهذه الحدة والغضب عند رؤيتها، توقعت ربما عتاب صامت أو أمل يسكن قلبه، نظرت تجاه شادية بأسف التي هزت رأسها بتفهم لمشاعره لتقول غيداء بهدوء وهي تدفعها لتجلس علي الاريكة
-لك اتصلت فيني وئلتلها تجي تونسني.

فغر سرمد شفتيه وهو يراها تمسك بحقيب بلاستيكة تضعها على مقعد ثم جلست على الاريكة بهدوء وطاعة وتورد وجنتيها يزداد احمرارا وقد جهل سببهما؟
لماذا تتورد تلك الغبية؟ هل اكتشفت فداحة ما قامت به؟
هل جاءت لتصفح عنه؟
لوى شفتيه بسخط وهو يقول بوقاحة
-تؤنس من؟! وماذا أفعل أنا معك؟
لكن والدته قررت ان تتجاهله كليا وهو يراها تسكن بين ذراعي والدته، رغما عنه صمت.

واكتفي بجمال مشهد تمناه في الماضي وإن كانت الجدران تكون فى منزلهما بإيطاليا
اختنقت أنفاسه ليشيح بوجهه محاولا كبح جنونه، ألا يؤذيها بالكلمات وهو أدري أنها تري فى عناق امه عوض عن وفاة والدتها
سمع إلى همس والدته الجنون وهي تربت على ظهرها
-لك تؤبشي قلبي ياارض احرسي ماعليكي، الله يثبتك ياروحي
ابتسمت شادية وهي تنظر بصراخ صامت الي غيداء قائلة.

- ادعيلي كتير يا طنط، ده الشهر الوحيد اللي بلبس فيه طرحة على استحياء
عضت باطن خدها وهي تتوقع سخرية منها، لن تنكر انها تشعر بهذا الشهر أنها تقوم بارتداء الحجاب تلقائيا، راحة كبيرة تغمرها وهي ترتديه كما اعتادت سابقا
لكن لولا تفريطها فى شرفها وتصديق مدعي كاذب لما نزعته
أمسكت بكفي غيداء بقوة لتبتسم غيداء بهدوء وهي تقول
- انا متفائلة كتير هالسنة، وانت كمان خليكي متفائلة.

التمعت عيناها بالدموع وهي تري لمحة من انها متجسد في شخصية هذه المرأة، استقامت غيداء وهي تعلم أنها استأذنت لحديث خاص تود أن تحادث به ابنها لتقول بنبرة ذات مغزى للأحمق الذي يشيح بوجهه عنهما
- تاركلك المكان بحاله طالما مابدك ياني
انتبه سرمد الي صوت امه، ليغمغم بصدمة وهو يحدق تجاهها وتلك الساكنة على الاريكة بوداعة
-تغادرين الى اين، امي انتظري تبقي قليل على الإفطار، من سيطعمني؟

كشرت غيداء عن أنيابها لتقول بحدة تجاهه
-اتي بالممرضة يا ولد، ولك يدان الان
تدلي فكه بصدمة وهو يراها تنوي مغادرة الغرفة، لينظر الى يديه ثم إليها قائلا
-تعرفين لا استطيع ان احركهم كثيرا
وردها وللمفاجئة إغلاقها لباب الغرفة؟!

أهكذا تعاقبه لرفضه لبدأ العلاج الطبيعي؟ تجعله يجلس مع معذبة الفؤاد بمفردهما، التفت نحوها وطاقة عنيفة يود إخراجها ويصب جام جنونه على تلك بهية المنظر ليعبس بشدة وهو لا يصدق كلمات الغزلية التي يكاد يلجم شفتيه علي البوح بها أمامها، صاح بفظاظة
-غادري
ارتعد جسدها لا تلقائيا وهي تسمع نفوره من الحديث معها، فركت يديها بتوتر وهي ترمقه من بين أهدابها.

حانق، وتعابير وجهه قاتلة، ربما ان استرد عافيته والتي تأمل أن تكون فى وقت عاجل سيمسك عضديها ويخرجها من غرفته، رفعت عيناها بثبات تجاهه لتبتسم فى وجهه
وأثر الابتسامة كانت مفاجئة له، شلت حواس الآخر لتستقيم من مقعدها بثبات وهدوء تحسد عليه والابتسامة لم تتزحزح من على ثغرها لتجلس على المقعد المجاور للفراش لتهمس بهدوء
-سمعت انك مش عايز تعمل علاج طبيعي
هل وصلها الخبر ايضا؟

ابتسم بشر وتعابير وجهه توحي بمدى عدم ترحيبه بوجودها ليقول بوقاحة متعمدة
-لا دخل لك
عينيه راقبت رفرفة اهدابها ورعشة شفتيها وقد أخذها على حين غرة من وقاحته التي تزداد في جلستهما ليراها تنظر الي عينيه بجرأة دون اهتزاز
-كنت هزورك امبارح، بس مرضتش اسيب بابا يفطر لوحده، بس لما جيه ماهر ومراته قررت استغل الفرصة واقابلك.

لا يعلم لما تخبره بتفاصيل يومها الأول، ولا يعلم لما أخذ بتلك التفاصيل، وويل عينيها تلك التي تغرقه أكثر فى عالمها
سألها بتهكم
-وهل يعلم والدك انك معي؟
أومأت برأسها إيجابا، مما جعل عينيه تتسع ذهولا
هل هو في حلم؟!
ليخبره احدهم؟ شاديااه التي يعلمها ما كانت ستضيع فرصة سوى ان تلعنه لدخوله حياتها، غمغم بتشكك متسائل
-انت تمزحين؟
هزت رأسها نافية لتهمس بصدق
-لا
زمت شفتيها بعناد كالبغال ليقول بحدة.

-غادري يا شاديااه، يكفيني ما أنا به
ورجاء صوته في آخر جملته جعلها تنظر اليه بعبوس لتستدرجه بنبرة معاتبة
-يرضيك امشي قبل الفطار، ويجيلي هبوط ومكنش مركزة وانا سايقة واعمل حادثة
رأت اتساع عينيه فزعًا، اللهفة والخوف والقلق يموجون في ظلمة عينيه لتبتسم بخفة وهي تسمعه يزفر بسخط
-ماذا تريدين؟
ابتسمت براحة لتهمس قائلة بوداعة
-هنفطر مع بعض، وبعد كده همشي لما تيجي طنط غيداء.

نظر اليها بتشكك، وشئ تخفيه تلك المرأة جعله يشعر بعدم الارتياح، نظر الي الساعة الموضوعة على الحائط وقد اقترب موعد الإفطار، متمنيا ان تأتي والدته وتوفر عليه هذا العناء
يقسم إنه ما عاد يتحمل هذا الأمر
يراقبها بحسرة وقد طوت صفحة حياتهما ومن يعلم؟ ربما يأتي من يرمم جراحها؟!
ومن سيرمم جراحه هو؟
تملك عنيف اندفع يعلن ملكيته عليها، أنها هي بمفردها من ترمم جراحه، ليسخر عقله وجسده، وما ذنبها هي بتهورك وجنونك؟

هل قالت لك دافع عني؟ هل قالت اجعل الحقير يندم على فعلته؟ ألم تحاول مرارا أن تصده؟!
كاد رأسه يصيبه بالصداع جراء أفكاره وتساؤلات عقله التي لا يعلم أجوبتها!
كيف تركته أمه؟ ماذا فعلت تلك الناعمة لترتضي امه؟ سألتها بفضول لم يخفيه
- كيف تحسنت علاقتك انت وامي؟
انفرجت عن شفتيها ابتسامة واسعة لتجيبه
-مامتك مفيش ست زيها اتنين، ربنا يبارك لك فيها.

يجب أن تتوقف تلك المرأة عن الابتسام، حتما يجب أن تتوقف والا سيكون هلاكه علي يديها! رأها تستقيم من مجلسها وهي تبتعد عدة خطوات ليري ثيابها، سألته قائلة بهدوء
- ايه رأيك في اللي لابساه، حلو؟
عينيه انزلقت على قماش فستانها الأسود، ليشيح بعينه مستغفرا ليهدر اسمها بحدة
- شادياااااه
يطالبها بالتوقف عما تقوم به
هو لا يعلم ماذا تفعله؟ لكن مؤشراته سيئة للغاية، اقتربت منه قائلة بلهفة صادقة.

- خلاص متتعصبش اهدي، انت متعرفش قد ايه اتحايل على الدكتور عشان يسمحلي ادخل اكل انا عملته ليك
تدلي فكه بذهول وهو يحدق بها غير مصدقا لما تقوله؟ إذا كان في حلم لما لا يفيق الآن؟ لما لا يفيق، يود أن ينتهي هذا الحلم ليصحو على مرارة واقعه
لكن الحلم بدا واقعيا بدرجة مؤلمة لقلبه
وموجعه لكبريائه، هدر من بين اسنانه بغضب
- شادياااااه، لا تكسري صيامي عليك الان.

شهقت شادية وهي تضع يدها علي فمها علامة للصمت، ظلت تنظر الي غضبه وحاجبيه المعقودين بشر رغم لهفة عينيه، وتأمله لهيئتها الجديدة بحجابها، ابتسمت وقد توردت وجنتيها أثر تحديقه لهيئتها وهي تري الانبهار الذي يكسو عينيه لتهمس بتوسل
-اوعى تشتم خليك هادي كدا لحد الفطار
اشاح بيده بعصبيه وقد كتم تأوه كاد ينفلت من بين اسنانه لحماقته، ليقول باستياء واضح
-انصرفي بعيدا عني الآن، الشياطين تتقافز في وجهي.

زفرت بيأس وهي لا تصدق انها تعامل طفلا بضخامة جسده وعقله هذا، عقدت ساعديها على صدرها لتسأله باستياء واضح لزيارتها التي أضحت ثقيلة عليه
-طب اروح افطر عند الدكتور طيب، واسيبك هنا لوحدك
رفع عينيه لتقرأ الوعيد المبطن و شرارات نارية مدفوعة بالغيرة جعلها تنفجر ضاحكة لتقول
- اهدي طيب، سرمد عشان ضغطك ميرفعش.

كاد أن يطلق سبة إلا أنه سارع بكتمها وهو يتطلب من الله الخلاص من هذه المرأة، لأول مرة يشعر يضيق يجثم قلبه وهو يراها تستعيد كامل حيويتها تؤلم قلبه
انتهي فترة الحداد على روحك لتبقي بمفردك ووحدك
سألها بحدة وقد أكتفي من ضحكاتها المغناجة
-ماذا تفعلين هنا يا امرأة، اتريدين رؤية معاناتي هنا؟، لما لا يأتي أحد ليساعدني؟
لملمت ابتسامتها لتقول بهدوء
-قولتلهم محدش يزعجنا، انا هساعدك النهاردة لحد بعد الفطار.

تسكب الملح على جرحه الغائر، اشاح بوجهه للجهة الأخرى واكتفي بحديثه معها الى هذا الحد
ارهفت شادية اذنيها لسماع الأذان من جامع يقع بالقرب بالمشفى لتتسع ابتسامتها وهي تسارع بإخراج محتويات الحقيبة البلاستيكية التي تحتوي على حافظة طعام وطبق تمر مغلف، رددت دعاء الصائم فى سرها لتتناول التمر منزوع النواة واقتربت بهدوء تجاهه وهي تمد التمر في فمه لتقول
-مفيهوش نواه، جبتها مخصوص ليك عشان متتعبكش.

تناول منها التمر بحدة، لا يصدق انها تظنه عاجز لتلك الدرجة، تناول التمر بهدوء وهو يراقبها تفرغ محتويات الطعام لتعود اليه سريعا وهي حاملة في كلتا يديها كوب حراري مرفق بشحاطة لتسهل له تناول العصير مدت له بأول كوب لتقول بابتسامة ناعمة
- اكتر عصاير بحبها في رمضان، قمر الدين وتمر هندي
لم يستطيع ان يمنع يده من ان يرفض طلبها، ارتشف عصير قمر الدين وهو يراها من بين أهدابها تنظر اليه بتوتر لتسأله
- عجبك طعمه؟

ود لو يخبرها ان والدته دائما ما تصنعه في المنزل في هذا الشهر، لكنه اومأ برأسه قائلا بخشونة
-ليس سئ
اتسعت ابتسامتها وحمدت الله كثيرا علي عدم رفضه لعصير أعدته فى المنزل، لن تنكر استياء جيهان ولا نظرات ابيها المحبطة، لكن كم مرة أرادت الحديث معه ولم يسعفها لسانها للنطق!
تركها فى النهاية تمارس ما تريده، اخبرها بصراحة واضحة، إنها إن سقطت على قدميها مرة اخري لا تحاول ان تناديه وقد أكتفي من هذا العبث.

ان كان والدها قد رفع يديه عنها، فهي الأولى أن تصلح ما كسر
حاولت أن تأخذ الأمر بوجه نظر محايدة، ان كانت هي خسرت روحها فهو فى المقابل خسر جسده
تمتمت بنبرة واثقة
-كنت متأكدة هيعجبك
سارعا بالقيام مرة أخرى وهي تستأذنه لعدة دقائق
- اديني خمس دقايق هصلي وهاجي علطول، محتاج اي حاجة؟
عبس ملامحه وهو ينظر اليها بضيق، وقد انقطع سحر الهدوء الذي يغلفهما ليقول بحدة
-غادري يا شادية، وابعثي بممرضة هنا.

نظرت إليه بثبات، ورغم ما يؤلمها حديثه
لتسخر من حالها في الماضي
يوم ما كان يتشبث بها، وهي تلفظه بكل شكل وكل أسلوب، عجبًا للدنيا!
قالت بصرامة وقد تلبستها أسلوب الناظرة العنيدة
-مش همشي، ده كلام مفيهوش نقاش
ارتفع حاجباه حينما صفقت الباب خلفها بحدة، زم سرمد شفتيه بعبوس وهو لا يصدق ما يحدث
تلك . صاح مزمجرا بحدة
-اللعنة.

ود لو يلقي الكوب في أي مكان، إلا أن رؤيته للكوب جعل عيناه تتسع حينما رآها طبعت حروف اسمه بخط كوفي، ابتسم رغما عنه وهو لا يعلم أهذا بداية اعادة صداقة أم علاقة جديدة؟
اسئلة تدور كالطواحين فى رأسه وهو يمسك بالكوب بقوة جعلت يده ترتجف رغما عنه، ارخي يده ليغمض جفنيه بأسي
تريد قتله تلك المرأة حتمًا
وهو لن يتحمل أي مقدار قرب منها، قرب مدفوع بشفقة فقط.

اكفهرت ملامح وجهه وهو يفتح جفنيه بحدة ليقع بصره عليها وهي تفتح الباب بهدوء وابتسامة ناعمة تزين ثغرها لتغلق الباب خلفها وحينما همت بسؤاله عن ما يرغبه، شهقت بصدمة حينما هدر فى وجهها
- تحدثي يا امرأة ماذا تفعلين هنا، أتريدين أن تعلمي الى اي مدى يصل عجزي لتشفقي عليّ؟
اتسعت عيناها بجحوظ وهي لا تتصور ما يفكر به عقله، هزت رأسها بنفي عدة مرات لتنفي ما يدور فى عقله العقيم هذا، ولسانها اجابه بلغتهما المشتركة.

- كن غليظا كما شئت، لن أبرح من مكاني حتى تأتي والدتك
تجهمت ملامح وجهه وهو يراها تفتح حافظة الطعام لتتناول أول ما وقعت عيناها عليه عشقه السمبوسة وبلغة آخري السمبوسك تتناوله بتلذذ وهو يسألها بغضب
-كيف سمحت لك بتركي؟
هزت راسها بدون معنى لتجيبه بمشاكسة
-وهل انتي صغيرة تخشين من مغادرة والدتك، يا خسارة
التمعت عيناه بخطر ويبدو ان مزاجه ليس رائقًا لتجده على وشك أن يلقي سبابة وقحة
-أيتها..

التهم باقى الكلمة في جوفه تحت أثر عينيها المحذرتين، ليراها تترك الطعام وتلتفت اليه
وعينيها تلتقي عينيه فى طريق جديد
ابتسامتها الهادئة جعلته غير متأكد أنها في حالتها الطبيعية
اللعنة ان كانت في إحدى نوبات النساء الشهرية تلك؟ ظل يهز راسه بنفي وهو يلعن افكاره المنحرفة
لكن اللعنة إن أتته صباح اليوم التالي لتنفجر صارخة في وجهه، تخبره أنه حاول التغرر بها
سمعها تقول بنبرة جادة خالية من المزاح.

- مش جاية عشان حاجة وحشة صدقني، ومش جاية شفقة ولا اشمت فيك
رفع عينيه شرزًا ليقول بنفاذ صبر
-إن لم تتوقفي عن اللف والدوران في حديثك هذا وتخبريني ماذا تريدين وقتها لن .
تفاجئ حينما دفعت قطعة السمبوسة فى فمه، نظر إليها مندهشا من حركتها لتبتسم بشقاوة قائلة
-طعمها حلو السمبوسة مش كدا؟، انا بحبها بالجبنة اكتر من اللحمة.

ابتلع الطعام فى جوفه، والجبنة داخل السمبوسة تجعله يكاد يغرق من حلاوة ما يتذوق، طعم الزيتون اضاف نكهة مميزة كما يفضلها داخل حشوة الجبنة كما يحبها، رفع عيناه ليسألها
- من صنعها؟
ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتيها، يبدو الخير السيد الوقح تهذب، تحاشت إجابة سؤاله قائلة بتساؤل
-ليه هي وحشة؟

لوى شفتيه بنزق ليراها تدفع قطعة أخرى فى فمه وهي تضع قطعة في فمها بتلذذ، راقبها سرمد بصمت ولم يرغب أن يجعل أن تصبح الاجواء حميمية وإن كانت من جانبه، صاح بفظاظة شديدة
-اخشى ان اصاب بجرثومة معدة بجانب عجزي، ثم الطبيب لم يسمح لي بتناول أي طعام به دهون وسعرات حرارية عالية.

لوت شادية شفتيها بنزق تجاه معاملته الحادة، لتلتقط واحدة أخرى تلتهمها بنهم وقد قررت أن تتوقف عن مقاسمته لطعامهما لتقول بحدة وهي تضع الطبق بحدة على الطاولة
-انا اللي عملته بأيدي متقلقش مني وحطيته في اير فاير عشان مياخدش كمية زيت كتير
لماذا؟
لماذا كل هذا الاهتمام المفاجئ به؟ ولما تحرص على إطعامه وتحرص على أن تأتي أطباقه المفضلة، نظر إليها بنزق وهو يراها تخرج محشي ورق العنب.

لو كانت تعلم حقا مقدار عشقه لهذا الطبق فقد اثارت ضعفه ويستسلم فورا، راها تضع أصابع المحشي في فمها وهي تثرثر باريحية
- بحب محشى البتنجان والفلفل جدا، بس عرفت من طنط غيداء انك بتحب ورق العنب عشان كدا عملته
ولكي تثير جوعه وضعت اصبع محشي في فمه وتابعت تناول الطعام بنهم شديد لتسأله بحدة تحذره من أي تعليق سخيف منه
- طعمه حلو؟
ابتسم بفظاظة ليجيبها بجفاء
-حامض قليلا، لكنه جيد.

عضت طرف شفتها السفلى بحيرة، وهي تري الشماتة في عينيه لتترك الطعام جانبا وقد سد شهيتها لتقول بصراحة تامة
- سرمد انت عايز تكسر معنوياتي ليه، انا تعبت كتير وانا في المطبخ بعمل الاكل ده عشانك
ضاق به الأرض ذرعا ليصرخ فى وجهها بعنف
- شاديااه
انفرجت عن شفتيها ابتسامة ناعمة
قاتلة لحد التمني لو توقف الوقت للحظات
مؤلمة لعلمه كل ما يتمناه لن يتحقق
بعيدة كحال نجمة في السماء لن يلمسها بقبضة يده.

اجابته بهمس خافت وهي تنظر إليه بضعف
أن يترفق في قسوته الوليدة معها
-نعم
مال برأسه وهو ينظر الي عينيها، محاولا سبر اغوارها ليسألها بصراحة
- ماذا تريدين؟
ضمت كلتا يديها لتنظر اليه بخجل فضحته عينيها، لترفع رأسها وهي تقول بنبرة جادة خالية من المزح
-اتجوزنى...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة