قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وتسعة وعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وتسعة وعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وتسعة وعشرون

أخبروها
أن سهام عينيها طعنت قلبي
وارتميت على بوابة العشق متذلل
فسألوني، هل عشقتها؟
قلت: وهل عرفت معنى العشق سواها
سألوني: كيف حالها؟
قلت: تركتني وحيد بائس، اتقفي اثارها بثمالة مدمن باحث عن جرعة سعادته، وهي سعادتي
وسألوني: وما سبب تركها لك؟
أجبت على استحياء وتخاذلت متراجعًا: فعل طائش مجنون، أندم عليه ألف مرة في اليوم
قالوا لي: إن لم تقم بفعل مجنون، ما صدقناك.

جحظت عيناه وهو يسمعها تهزأ به وتسخر منه بكل برود، عينيه لم تتزحزح من مقلتيها، ينتظر ضحكة شامتة، نظرة دونية، لكن لا شئ
مجرد نظرة لم يستطيع تفسيرها
ولكونه في موضع ضعف وهي في موضع قوة، ظنها تسخر
تتلاعب به كدمية، تثير مشاعر بالكاد يكبحها كي لا يطالب بها، وهو ليس لديه أي أحقية بمطالبتها!
ازدرد ريقه وشبح رجل غريب عنه، شبح رجل فقط يراها تتوسد صدره وتتنعم بدفء أحضانه جعله يصك اسنانه بعنف.

وأي مشاعر سلبية، أو جنونية مرضية كان يتفاعل معها نفورا بدت أقل قيمة وهو ينظر لذاته الحالي
ماذا جني؟
ماذا جنت أفعاله؟، همس بصوت أجش ثقيل
-لم أكن أعلم أن الحقد ممتلئ بقلبك تجاهي يا شاديااه، ماذا تريدين مني أكثر؟
ولتشعل قلبه مرارة وجراحا أجابته بحدة وكأنها تنظر اليه متعجبة لطلبها المستنكر لأذنيه ولحالته
-سرمد أنا مبهزرش.

ارتجفت شفتاه وهو يحاول ضم يديه المرتعشتين دون إرادته ليضعها على جانبيه وهو يهمس بحدة يعيد فتح جراح لم تندمل بعد لكلاهما
-سخافتك زادت عن حدها، هل قررتي فجأة نسيان ما سببته لك، ولو أني أشك كوني كابوس أحلامك كل ليلة
اتسعت عينا شادية وبهت وجهها وهي تحدق به بمرارة، ومضات سريعة لا تبرح عن ذاكرتها من ذلك اليوم
سقطت يدها لتحاول ان تمسك بمسند المقعد وعينيها زائغتين لم تكن معه.

بل كانت هناك، في غرفة مليئة بالاسطح العاكسة، حتى السقف
اللعنة كيف يضع مرآة فى السقف؟ انتهاك جسد لم يحل له جعل جسدها يرتعش نفورا لتسمع صوته اليائس
- شاديااه لم أعهدك هكذا، اتركيني في حال سبيلي
وليت كل شئ كان سهل
الحب سهل
والفراق أسهل
ما كنا لنتعذب، وما كنا لنجرح قلوبنا
لكن القلب يتألم
ولا يوجد حل لالتئام جرحها سواه
هذا ما توصلت إليه
حالة من الهدوء تنعمه بجوار ذلك الرجل، غمغمت بأسف
-لا استطيع سرمد.

أغمض جفنيه يطرد همسها الضعيف، الخارج دون ارادتها، ليسمع همسها المرتجف
-كل ليلة احلم بك مضرج بالدماء، وأنا مقيدة اليدين لا أستطيع أن أضمد جروحك
اشاحت شادية وجهها فور أن رفع بصره تجاهها يحملق بها بعدم تصديق، ارتجفت كلتا يديها لتضغط على مسند المقعد بقوة وهي تسمعه يغمغم بهمسة آمرة
- انظري لي.

استجابت له فورا لترى وجع يماثلها تماما، ليطلق شتيمة نابية بلغته الأم جعلها تنظر اليه بعدم فهم وتيه شديدين، ليستعيد ثقته وحدته وهو يقول مكرها
-هل نسيتي ما فعلته بك؟ هل استطعت أن تتخطيه بسهولة
طال صمتها
طال صمتها عن الوقت الذي من المفترض أن تجيبه على سؤاله، وعلم اجابتها
لا يحتاج لشخص يخبره باجابتها...

يقرأ العذاب المرتسم في عينيها، وحدة أنفاسها التي ازدادت ليعلم أنها تستعيد كل لقطة مخزنة في عقلها، بل لا تنساها
قال بسخرية مريرة كمرارة الحنظل
-اذا الاجابة واضحة، لن تشفى جروحك إلا بموتي
-بعد الشر عليك
قاطعته بتلهف ثم شهقت بذعر وهي تسمعه يتحدث عن الموت بكل اريحية، تراقب تفاصيله الخشنة وشئ داخلي أعلمها أنه رافض لاقتراحها، بل طلبها.

طلب تقسم انه ما كان ليخطر على عقله، ولا يتجرأ حتى على التفكير به، وهو العابث الفوضوي خاصتها نظر إليها بتشكك
-أحقًا تخشين عليّ؟
زفرت شادية بتعب لتمسد صدغيها محاولة تهدئة ذلك الطنين في رأسها، ولا تدري أنها تحدثه باللغة الأم
- انت عرضت حياتك مرتين للخطر بسببي! ده مش كفاية إني أعرض عليك تتجوزني
تعيد تكرارها مرة الأخري
ماذا تقول تلك المخبولة؟!

عقد حاجبيه بريبة وهو يحاول معرفة ماذا ستجني من زواجها به؟! ماذا ستجني
ستتحول حياتها لجحيم حرفي! هي في غني عنه الآن، بالكاد تتماسك ذاتيا كي لا تنهار على الارض امامه
زمجر بغضب وبدأت الشياطين تلعب فى عقله، ليوقف أي تفكير خبيث ودنئ من ذلك العرض ليقول
-وماذا ترغبين من رجل مقعد لن يلبي طلباتك الحياتية حتى ما بالك بالزوجية.

عضت شادية علي شفتها السفلي بحرج وبدأ التورد يزحف لوجنتيها الشاحبتين يستعيدان نضرتهما، ليسمعها تزجره باسمه
-سرمد
ويل لسرمد يا برتقالية
ويل له من عذاب بعده عنك لسنوات حياته القادمة
أصاب بالكآبة للواقع المستقبلي، ليهتف بحدة
-تخجلين الآن! لا داعي، تريدين أن تكوني ممرضة لحالتي أليس كذلك؟
هزت شادية رأسها بهدوء وهي تجيبه ببرود
-ده واجب عليا بعيد عن أي مشاكل ما بينا
تلك المرة ترك انفجاره الأعظم ينفجر في وجهها.

ان كانت تهذي تلك المجنونة، فهو ليس أحمق ليعلم أي فخ ناعم تجره اليه
تريده أن يعترف بحاجتها، سيخبرها، سيتذلل
سيخضع، سيسلم مقاليده لها
لكن بالنهاية ماذا ستفعل؟
توهمه وتخدعه، ويقسم أن المتبقي من كبريائه ستحطمه هي بكل هدوء أعصاب
لكنهما يحتاجان الى الابتعاد؟ اذا لماذا القرب؟

-شادياااه، غادري أنتِ تتفوهين بالهراء الآن، ان احتجت ممرضة وهذا لن يحدث فلن أطلبه منك، لست دنيئا لتلك الدرجة أم ظننتني ماذا سأكون دنئ معك إلى تلك الدرجة واستدرجك؟
رفرفت باهدابها عدة مرات وهي تشبك كلتا يديها مجيبة إياه ببرود
-إن لم توافق فسيزوجني والدي لرجل من معارفه
جحظت عينا سرمد حتى كادت أن تخرج مقلتيه، زواج؟!
بتلك السرعة؟
وهو ظن، ماذا ظن؟

اخفض رأسه وتمنى لو كان بصحته السابقة التي لم يقدر نعمتها سوي الان!
جز على أطراف أسنانه وهو يغمغم مكرها، لا يصدق ما يتفوه به لسانه لكن على من يكذب، حالتهما شبه مستحيلة كعجزه الحالي
-أتمنى أن يكون الشخص الصحيح تلك المرة يطبطب على جروحك التي صنعتها
ضيقت شادية عينيها وهي ترى احمر وجهه غضبا، ألم يخبرها انه شاحب البشرة؟
تظهر انفعالات وجهه في حالة الغضب، لتبتسم بسخرية قائلة بحدة
-بتلك السهولة! تتخلي عني؟

هدر تلك المرة صارخا، مفيقا تلك المجنونة من مغبة ما تفعله
-لا اتخلي واللعنة، انظري الي جسدي يا امرأة، هاااا أجيبيني ماذا ترين؟ رجل خسر كل شئ، حتي أبسط الاشياء يحتاج الي شخص ليساعده بها، ماذا تريدين من رجل ميت؟
استقامت من مجلسها وهي تجيبه بحزم وعينيها في عينيه
كمقارعة بدائية، وسجال جديد لكن تلك المرة، الكفة الفائزة هي.

لقد استطاعت ملكة الأرض المحتلة ان تسقطه صريعا في هواها، وأن يرفع راياته البيضاء مستسلما، متخاذلا، مقرًا، متراجعًا، معترفا بعشقه وخسارته!
-أن أجعلك تحيا من جديد، لقد فكرت لأيام كثيرة ووجدت أن أتوقف عن سخطي لك، وبقدر ما قمت به بشجاعة لتدافع عني، من حقك أن تجد يد حانية تربت على ظهرك
لم تدخل أي كلمة في عقله، بل بالكاد منع أي استسلام ظاهري، وقلبه يأن حاجة لها
يكاد يصرخ متوسلا أن تخبره انه لم يخسر كل شيء.

سيصبح رجلا مختلفا، فقط لو تسامحه!
أجابها بنبرة مشبعة بالمرارة والأسى الذاتي
-أملك والدتي، عودي من حيث أتيتي
اقتربت شادية تجلس على طرف فراشه، امسكت كف يده بجرأة تضمها في يديها، حركة كتلك أرسلت شرارة عنيفة لكلا جسديهما، أولهما هي التي سرعان ما نفضتها سريعا متذكرة ملمس تلك اليدين على جسدها
حاولت اشاحة تلك الذكريات اللعينة من عقلها، غمغمت بنبرة مريرة.

-سرمد انا مبهزرش، بابا قرر ان بعد كدا هينوب عني في قرارات كتير في حياتي عشان شايفني غير مؤهلة، او بمعني اصح انا بأذي نفسي
تريد إنقاذ نفسها، وتغرق هي في وحله!
ما أشد ذكائها! وما أغباها؟ ألا تعلم لو سنحت له بقرب ولو مقدار عشر امتار، سيقتطع كل تلك المسافة ويلغي أي حواجز بينهما.

سألها بسخرية ونفورها و ذكرى ذلك اليوم يعلم أنه لن يمحي من عقلها بسهولة كحاله ليقول مجاريا كلماتها ليعلم ماذا تحاول الوصول بالنهاية!
-وهل تردين ان اذهب له بجسدي المدمر هذا وأعرض عليه الزواج؟، وقد أخبرني انه يرغب بمعرفة ما نخفيه عنه
وكي لا يخرج الحديث عن سيطرته، سألها بهدوء وهو ينظر نحوها متفحصا خلجاتها المرتبكة
-لما لم تخبريه بما حدث؟، اتوقع لكان منعك من حضورك المفاجئ الي هنا كل مرة.

ضمت كلتا يديها محاولة التوقف عن الارتعاش، وهي لا تصدق هذا الرجل
برغم كل شيء به، وما يمر به، يذكرها كل لحظة بما حدث بينهما
يناقشه بهدوء، وكأنه سكب كوب قهوة على ملابسها، يختبر مدي تحملها لتخرج من الغرفة!

الدموع جفت، فما عاد هناك سبب للبكاء، والسب واللعن توقفت عن القائه، فما حدث له كان نصيب ما تلقاه بحقها، وهي لم تكن ولن تكون شامتة لمريض، وما زال هناك دين في عنقها له، اجابته بهمس خافت ولا تدري زلة لسانها للتحدث بلغتها الأقرب لقلبها
-مقدرتش، لقيتها حاجة مينفعش تتقال
ابتسم سرمد بمرارة، بل امتنعت كي لا يسحب والدها منها البساط ويجعلها مجرد كائن مهمش في المنزل، هز رأسه هامسا بسيطرة.

-لم أكن زوجك واللعنة، كي تخجلي من شيء كهذا، أتدرين ماذا فعلت بك؟
صرخت تلك المرة في وجهه هادرة بعصبية
-عارفة، متجرأتش أقوله، حاولت كتير أكتر من مرة أقوله بس مقدرتش
ابتسم حينما توصل لنهاية حديثهما، وطلبها، اجابها على سؤالها الذي عرضته عليه لمرتين قائلا
-لهذا لن ينفع ما تريدينه، لن تنسين يا شاديااه ما قمت به بلحظة جنون مني، كلماتك القاسية ما زال لها صدى في أذني، لن تخدعيني بطلبك الغريب هذا.

استقامت من مجلسها، تحفظ لسانها عن شتم ذلك الاحمق، الغبي، المغرور لتهدر قائلة بجنون
-يعني انت شايف كدا احسن مش كده، اتخطب لغيرك واتجوزه وانت تعيش حياتك زي ما هيي، لوهلة صدقت انك بتكن ليا مشاعر بس اتأكدت انك مش راجل بيغير على الست بتاعته
لاحظت تحول وجهه كقطعة جمر وعينيه تكاد تحرقانها من مكانها، وانفيه تكاد تقسم انهما ينفثان نارا، همس بصوت جاف كان كالصاعقة على وقع أذنيها
-انا اغاااار.

ارتمت على المقعد وهي تشعر بهلامية ساقيها وهي تنظر اليه كالمخدرة فى عينيها وشفتيها منفرجتين، لأول مرة تصدق كل كلمة يقولها
لا تعلم كيف، لكن تشعر انها تصدق هذا الرجل الذي غيره الحادث، شئ به نضج
افكاره المتهورة وقرارته السريعة، كل هذا تغير، اندفاعه دون التفكير فى العواقب كان له عواقب وخيمة، لكنه كان يشملها بنظرات رجل تملكية.

رجل يعلم أنه لن يتخطى تلك المرأة بسهولة، امرأة ستتخطاه في مرحلة ما فى حياتها وتتابع طريقها وعنه هو سيتوقف عندها وتمحي ما قبله من نساء عرفهن سوى والدته
لا يوجد فى قاموس النساء سواها هي
صدق حينما شعر أن تلك المرأة ستؤذيه بطريقة صعبة، صعبة للغاية
همس بصوت جاف، حاول ان لا يدخل مشاعره فى حديثه
-كل فعل بدر مني يدل علي غيرتي الجحيمية بك، لكنني شخص واقعي شاديااه، ألم تعلمي حتى الآن أننا لسنا مقدرين لبعضنا.

همست بتلهف وقلبها يتوجع لحالة غيداء لمعرفتها ان ستعاني معه كثيرا
-اذا تعالج من أجلي، تستحق حافز لتسير على قدميك
نظر الي نصفه السفلي وهو يتذكر الضرر الذي الحق به ليعود بالنظر إليها هامسا باستسلام تام
-حالتي مستحيلة شاديااه، لن أستطيع السير مرة أخرى
كتمت شهقتها وبدأت الدموع تتجمع لتسقي خديها، زفر بحدة وهو يشعر بالعجز حتى عن ضمها فى احضانه طالبا إياها بالتوقف عن البكاء، أو حتى مسح دموعها بأنامله.

صاح بصوت آمر فى ظاهره، متوسلا فى طيات كلماته
-تقدمي هنا
وهي كالمسيرة استقامت من مقعدها واقتربت نحوه، عاد يتوسل مرة اخرى
-اقتربي أكثر
لم تجد اقتراب اكثر سوي ان تجلس على طرف الفراش، تمسح دموعها بكف يدها والآخر تضعه على ثغرها، رفع يده بصعوبة ليمسك كفها مما جعلها تذعر وتنتفض كالملسوعة، لكن اصراره علي حديثها جعله يتنحى أمر انتفاضتها للمرة الثانية للتوالي بسبب لمسة عارضة
كيف تخشاه وهو امامها ميت حي؟

همس بصوت متحشرج
-أقسمي أنك تستطيعين نسيان الماضي، بكل أخطائي معا وانا مستعد أن أهلك ذاتي لأكون أفضل شخص ترغبينه
اتسعت عينا شادية بذهول وهي ترى بوادر قبول على طلبها المجنون، لكن يصاحبه طلب اكثر جنونا
نسيان ما لا تستطيع نسيانه وهي امامه الان
عاد يكرر همسه الجاد
-أقسمي يا شادياااه، انك نسيتي اني كنت على وشك دنس جسدك فى لحظة جنون مني.

شهقت علي حين غفلة لتتسع عيناها والومضات اللعينة تجرفها عن واقعها، لتسقطها فى بئر اشباح ماضية
-اقسمي أنك مستعدة للصفح والغفران، هيا انطقيييي
صاح بهدر فى اخر كلماته ليتهز بدنها مع اثره كلماته، وتلك المرة خرست حرفيا
دمعة خائنة انحدرت من مقلة سرمد ليشيح بوجهه بكبرياء نازف قائلا
-لن تستطيعين، كنت أعلم، هيا غادري الآن.

وقفت حائرة وهي تري اختلاجة عضلة فكه وامتناعه عن تواصل بصري، لتهمس بتردد ولا تعلم ما الذي يدفعها البقاء؟
أتتأكد من حالته النفسية قبل مغادرتها أم ماذا؟ حقا لا تعلم!
لكن كل ما تشعر به هو الألم لرؤيته بذلك الوضع
-سرمد
بفظاظة رجل أحمق، صاح بحدة
-لن أتعالج هيا غادري
جزت على أسنانها يائسة لتهدر فى وجهه بحدة
-لا تفعل هذا بي، ارجوك
هز رأسه قائلا بهدوء، بل معترفا باخطائه بصراحة تامة اعتادت عليها دائما منه.

-لست غاضبا ولست ناقما ولست نادما لما حدث لي، انتي أفضل شخص تعرفت عليه لكن للأسف لم أحسن التقدير إليكي كما يجب وهذه النتيجة
تراه يرفض ذلك الحوار
تشعر به أنه مضطر لكل هذا
رجل يحفظ المتبقي منه أمامها
همست اسمه بعذاب شديدة
-سرمد
وليزيد حالتها سوءً، غازلها بطريقة مؤلمة لقلبها
-لم ولن أجد امرأة مثلك تملك عينين كهرمانية تنصهر في لجج عيني.

التمعت عيناها بالدموع وهي تشهق بألم، تري تلك الدموع الحبيسة في عينيه هو الآخر لتكرر همس اسمه
-سرمد
ابتسم سرمد واهداها أوجع ابتساماته، انقبض قلبها حينما تابع قائلا
-أعتذر عما بدر مني من احتضان جسدك الغض بين ذراعي، كنت مناسبة جدا لي، كنتي ضلعي الأعوج
بنفس الابتسامة الموجعة، قتلها بآخر كلماته، قتلها حرفيا.

-عيشي حياتك يا شاديااه، سأمضي حياتي أكفر عن سيئاتي، وان لم يكن لنا لقاء هنا، ففي الجنة سأطلب من الله ان يجعلك زوجة لي، سأحاول قضاء المتبقي من حياتي لتكفير أخطائي لأظفر بك فى الجنة، قولي ان شاء الله
فغرت شفتيها وهي تستمع الي نبرة جديدة كليا عن سرمد، ان كانت أحبت عابثا ماجنا من النسخة السابقة فى سرمد، تقسم انها ستقع صريعة فى هوي هذا الرجل لولا
ولولا حرف امتناع، لولا ما فعله لربما فعلت
غمغمت اسمه بيأس.

-سرمد، ارجوك
اشاح بوجهه يزيل الدمعة الخائنة مرة اخري، ثم التفت اليها قائلا
-هيا حتى لا تتأخري عن بيتك
همست محاولة أن تلين عقله
-سرمد فكر مرة أخرى
هز رأسه قائلا
-لا تقوليها من سبيل الشفقة، هيا غادري، ولا تأتي هنا مرة اخرى
راها تهم بالتحدث، ليمنعه مقاطعا
-سررت بزيارتك، واشكرك على الطعام سلمت يداك
دون كلمة أخرى سحبت حقيبتها تاركة اياه يلملم اشلائه المبعثرة، أغلقت باب الغرفة وهي تشهق بصعوبة.

لو أصر هذا الغبي على ربطها جواره ما ربطها بتلك الكلمات، يظنها ستعيش حياتها ببساطة ناسية اياه
كيف؟
هل لو كانت في موضعه، هل سيتخطاها؟
ماذا تفعلين يا شاديااه؟ انتي لن تكونين في موضعه، لم تكوني لتجرؤي على إيذائه كما فعل معك
ان كان يحبك، ما قدر على أحزانك
لكنك لعنتيه، استطاع ببراعة أن يحول كل مشاعر الحب الى كره ونفور شديد، والان هي ممزقة فى المنتصف.

لم تشعر بسيرها الشارد ارتطامها بالذي امامها، همت بالاعتذار والابتعاد الا ان عينيها سقطت في عيني اخيها اللائمتين، نطقت اسمه بتفاجئ
-ماهر، انت بتعمل ايه هنا
امسكها ماهر من عضديها ببعض الحزم ليسألها متهكما
-برضو روحتيله
مست موضع قلبها ودموعها تسابق كلماتها لتخبره بحرقة
-قلبي بيوجعني يا ماهر، بيوجعني
دفنت وجهها في صدره وذراعيها تلتفان حول جسده، مستندة على عكاز يحميها من سقوطها الوشيك
غمغمت بمرارة.

-ليه انا بيحصلي كدا بس يا ماهر، ليه دايما اتوجع من كل شخص قريب مني
زم ماهر شفتيه، وحالها لا يعجبه كل مرة حين زيارتها له، لا يعلم ماذا يحدث اثناء مقابلتهم لترجع منكسرة مهزومة، قال بهدوء
-اهدي يا حبيبتي، ملوش لزوم كلام زي ده
جففت دموعها وهي تشعر أن ما قامت به فوق طاقتها، همست بتوسل وهي تشد سترته
-عايزة امشي من هنا ارجوك.

اومأ برأسه موافقًا، وحتما سيضع حد لذلك الأمر الذي أرهق اعصاب والده وهي شخصيا، بدأ الغضب يندفع رويدا في أوردته لينتبه من شروده علي صوتها متحدثة نحو امرأة ما
-انا اسفه يا طنط غيداء، صدقيني مش هزعجك مرة تانى، واسفه علي اللي حصله بسببي، ارجوكي متزعليش ولا تتضايقي مني، حاولت أصلح بس هو رفض
ابتسمت غيداء وهي تقترب منها تحتضن كلتا وجنتيها قائلة بهمس ناعم
-اهتمي بحياتك يا صغيرتي، وقتما تحتاجيني ستجديني.

هزت شادية رأسها موافقة، لترفع غيداء عينيها لتسقط على نسخة ذكورية منها، لا تكذب أنها تقرأ الغضب والضيق في عينيه لتهمس
-حافظ على شقيقتك جيدا
لم يرد بكلمة واحدة، اكتفي بهزة رأس خفيفة ثم امسك شادية من زندها يسحبها معه مغادرا المشفى كي لا يقوم بأمر لا يحمد عقابه
لم تشعر شادية بمرور الوقت سوي وهي في سيارة ماهر، انتبهت على صوته الذي أصطبغ فيه نبرة جادة
-محتاجين نتكلم
لاح الرفض فى عينى شادية لتتبع قائلة.

-مش هتكلم عن أي حاجة قديمة، هو قرر يسبني
ارتفع حاجبا ماهر باستنكار تام مما جعله يتمتم بسخرية
-انتي اللي قولتي مش عايزاه فى الأول ولا أفكرك!
اشاحت وجهها تجاه النافذة تنظر الى بوابة منزلها بتفاجئ، هل لتلك الدرجة كانت مغيبة عن الواقع كي لا تشعر انها وصلت الى منزلها؟!

زفرت بثقل وهي تحاول استجماع شجاعتها كي لا تنهار أمامه، تتذكر رفض الآخر لأي محاولة علاج وان كانت نسبة نجاحها ضئيلة، اجابت تساؤلات عقله هامسة بنبرة جافة، كجفاء لقائه بها
-قالي انه مش هيتعالج بسببي، قالي سامحيني وانا مقدرتش في حاجات صعب اتخطاها يا ماهر
التفت اليها ماهر كامل جسده ليقتحم دهاليز عقلها
-اذاكي جسديا يا شادية مش كدا!

شهقة شادية المذعورة تبعها شحوب ملامحها جعله يتأكد من وساوسه هو ووالده، رغم ان الأب لا يتحدث كثيرا معه متخطيا الامر، أو واثقا أن الحمقاء لن تكون غبية لتلدغ من الجحر مرتين
حينما علم اجابة سؤاله، بس شكوكه المؤكدة انفجر صارخا بعنف وهو يلكم المقود
- وبتروحيله تاني، اما وريته ابن.

هزت شادية راسها نافية وهي تحاول ان توقف جنونه، رأته يدير محرك سيارته ليعود أدراجه مرة اخري الي المشفي لكن تحمد الله انها سحبت مفتاح السيارة لتنظر الي عينيه المحتقنتين بالدماء
ارتعدت فرائصها وهي تتعثر بلسانها قائلة
- ماهر ارجوك، اللي فيه مكفيه.

كان على وشك أن يفقد هدوء أعصابه إلا أنه فى الثانية الاخيرة حاول ان يكون أخ مهذب، مراعيا ان شادية لن تأتي بشدة، ربما من صفعة واحدة ستلقى في المشفى طريحة الفراش كالآخر، غمغم بوعيد
- بس هعرفه غلطه ورحمة أمي ما سايبه، وبتروحيله يا هانم يا بنت الناس اللي اذاكي ليه، ايه ساحرلك هو؟!
لكن الحمقاء كانت في وادي آخر عن حديثه ليسمعها تهمس بخشية
-ارجوك متقولش لبابا.

ارتفع كلتا حاجبيه لينظر اليها غير مصدقا ما تفوهت به، هل قام بعمل سحر لعين لها؟ يقيدها بجواره؟! ابتسم بتهكم ليقول
-ده لو عرف ممكن يطب ساكت، ولو انه شاكك في الموضوع ده
امسكت بعتلة الباب وقالت منهية النقاش الذي طال
-ماهر ارجوك، انسى من فضلك هو قرر يقفل كل حاجة، وانا هعمل كدا، هخسر ايه تاني بعد اللي خسرته.

حدق إلي سيرها وهي تتقدم امامه لتفتح باب المنزل ثم تركته مفتوحا له، ليزداد وعيدا لذلك الأجنبي، لكن لم يمنع لسانه من إلقاء شتيمة للحمقاء
-غبية يا شادية...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة