قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وثلاثة وعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وثلاثة وعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وثلاثة وعشرون

واعلم أنك اقتربت مني وقد كنت بالكاد اجمع اشتاتي!
فغادرتني، وقد تركتني اشتاتًا فوق اشتاتي
صراعاتنا عبثية
ومشاجراتنا عبثية
فلما نضيع الوقت فى المشاجرات بدلا من الاعتراف
أنك لن تستطيعين الحياة بدوني
وأنا سأموت بعيدًا عنك!
البعد لم يكن قرارا منك، بل هو القدر
القدر جعلنا نتفرق، رغم سعيك لهذا الأمر وإن لم تتدخلي فيه.

يراقبها وهي تغادر من الغرفة، وروحه تغادر من جسده، عينيه تطبع تفاصيل جسدها لتكون دهاليز عقله، وأغمض جفنيه بعدها بقهر، وياليته
وليت موضع تمني لا يفيد التغيير للواقع بمقدار ذرة، ابتسامة مهزوزة زينت ثغره و استعداده كرجل يساق الى المقصلة يودع الدنيا ويرحب للحياة الأخرى بذراعين مفتوحتين.

والحال لم يكن عاديًا لشادية التي تلعن غباؤها وما تفوهت به، هل جاءت لتطبطب جراحه أم تزيده الالاما وايلاما، على ماذا تلومه؟
انه تفنن في جعلها ضعيفة امامه، قلبها ما زال يتأثر ويضعف لما أصابه، بل لفراقهم..
هي أرادته بكل جوارحها، وثقت به ثقة عمياء ليقتلها، ثم ببساطة ليكفر عن خطيئته قدم على الانتحار! قدم روحه كقربان لها لفك اللعنة! لكن اللعنة طالتها هي الأخرى!

همسة متفاجئة خرجت من حلقها وهي تحدق نحو الرجل الذي يقف أمامها ما ان فتحت باب الغرفة، ونظرة الأب لم تكن متعاطفة، أم مطمئنة بل كانت معاتبة
لقد كسرت ثقته مرة اخرى! لا تعلم كيف تدفقت الدموع الي مقلتيها
-بابا.

وضع الأب يديه في جيب بنطاله، وهو لا يصدق أي غباء يجعل الصغيرة تندفع مرة أخرى الي من قررت أن تمحوه من حياتها، أليس هذا الشخص الذي قالت إنها لا ترغب فى رؤية مرة أخرى، وقررت فسخ خطبته، وألا يفتح صفحات الماضي، فأسرت سبب فسخ الخطبة فى نفسها، ماذا تفعل الان هنا!
أي جرأة تملكها لتعرض حياتها للخطر هنا!، رفع عيناه وهو يتفرس نحو عينيها المنطفئتين والي جسدها الهزيل، يبدو أن آثار الحب لا يمحى بسهولة!

ابتسامة ساخرة زينت شفتيه، ابنته تحبه، ما زالت الحمقاء تحبه رغم ادعائها بالعكس، غمغم بنبرة متهكمة
-مالك مستغربة من وجودي، ولا عشان تقابلي حبيب القلب ورا ابوكي!
فغرت شفتيها وهي تري شرارة عينيه الملتمعة بخطر، هزت رأسها عدة مرات نافية، تنفي أي خواطر تداعب عقله، لتهمس بنبرة مرتجفة
-بابا انت عارف ان انا مش كدا.

جز معتصم على اسنانه بقوة، الي متي ستظل تنكر حقيقة الأمر، وهو واضح كالشمس المتوسطة فى كبد السماء!، صاح بحدة وقد أكتفي من لعب الأطفال الذي يمارسونه عليه
-بتروحيله ليه يا شادية.

القت نظرة سريعة خلفها وهي متأكدة من سماع الراقد على الفراش لصوتهما، اغلقت الباب خلفهما، واقتربت من أبيها بغية لمس كتفه، لكنه اشاح بذراعه بعيدا عنها مما جلب الغصة فى حلقها لتحاول ان تجلي حلقها بغية أن تتعامل الأمر بعملية شديدة، وأن تنحي عواطفها جانبا لتهمس بألم
-كل اللي حصله بسببي
اتسعت عينا الأب جحوظا، وهو لا يصدق، أي منطق! أي منطق تلك الغبية تفكر به؟!

لا ينكر انه ربما تورط الرجل بعائلة المرحوم معاذ!، لكن لما تضع كامل المسؤولية على عاتقها، أهي أجبرته على أن يحبسه ويمارس بعض جنون الغيرة والغضب!
أهي دفعته لكي تجعله ينتقم من رجل؟!
كل ما قام به الايطالي الأحمق، نتيجة أفعاله! ألا ترى تلك الغبية؟!
اقترب منها وهو يمسكها من كلتا عضديها ليسألها بصراحة
-ووجودك جنبه يا شادية عشان ايه؟! شفقة ولا حب؟

بهتت وعيناها متسعتان بجحوظ، فى غمرة اندفاعها واطمئنانها لم يكن هناك نسبة واحدة من الشفقة تدفعها لزيارته، ليجعلها تخبئ عن والدها زيارتها التي يبدو أنها قد انكشفت،
أهو الحب؟
هل ما زال يوجد حب تكنه لذلك القاتل؟!
حاولت ان تسمع صدى لصوت عقلها، لكن يبدو أن العقل لم يسعفها لايجاد اجابة مناسبة، ضغطة يدي والدها على عضديها جعلها تنتبه الى صوت والدها الخفيض وهو يقول بحزم.

-الراجل لما يفقد رجولته عشان واحدة، والواحدة دي تيجيله المستشفى عشان شفقة صدقيني مش هيقبلها
شحب وجهها تدريجيا حتي اصبح وجهها يحاكي الموتي! حاولت ان تخرج لسانها لتخبره انها ابدا ماتحبه ولم تأتي بدافع الشفقة
لا هذا ولا ذاك
لكن لسانها لا يسعفها، ونبضات قلبها تدق كما لو انها فى حلبة مصارعة، فغرت شفتيها مخرجة لهاث حار، وهي تسأل حالها الآن، لماذا جاءت؟
لقد تشاركا قديما اشياء خاصة؟ ألا يكون هذا شفيع لها؟

همست اسم والدها ترجوه أن يكف أن تكون في تلك المتاهة بمفردها
ترجو مساعدته، ان ينتشلها من ذلك الضياع!
- بابا
زمجر الأب وهو لا يصدق انها حتى الان تطلب مساعدته؟!
الان تطلبها، ومنذ أشهر طلب منها أن تفصح عن مكنونات قلبها، وهو خير مستمع، لكنها رفضت بعنف وصلابة رأس لا يعلم من أين أتت بها، ترك عضدها وهتف بحرقة.

-بطلي تقولي بابا، خلاص انا معرفتش اربي، لطالما بتعاملوني بالطريقة دي وكل واحدة ماشية حياتها بتخبط فيها بالطول والعرض مش هاممها حد
تدفقت الدموع لا اراديا وهي تراه يولي ظهره لها، اندفعت تحضنه بقهر ورأسها مستند على كتفه، تعانق صدره بقوة، وضياع وتشتت أصبح خير ونيس لها
دموع الاب تحجرت فى مقلتيه، لا هو بقادر على أن يعانقها، ولا هو بقادر أن يقسو عليها.

هي صغيرته، المرأة التي تشبه تفاصيل زوجته الحبيبة، تنهد بحرقة وهو يسمعها تهمس بألم
-انا اسفه
يداه ارتفعت تلقائيا ليربت على يدها وهو يسألها بنبرة مقهورة
-اسفه على ايه يا شادية، قوليلي اسفه علي ايه
رفعت رأسها وهي تحدق فى عينيه بألم وعينيها لا تتجرأ لاطالة النظر فى عينيه لتهمس بأسف
-اسفه علي كل مرة خذلتك فيها، وخذلت نفسي بنفسي.

امسك بكلتا كفيها واقترب منها يمسك ذراعيها، عيناه تحدق فى عينيها، يسألها لثاني مرة عن سبب مجيئها له
-جيتي هنا ليه؟
لم تجد بدا سوى المصارحة، وان كانت المصارحة ليس ما ترغبه الأذان بسماعه
لكن من أجل أن يتوقف قلبها عن اللوم، همست بنبرة جاهدت أن تخرج عملية، جافة
- مش قادرة اتخطاه.

الدموع عادت تغمرها مرة أخرى، والضعف يكاد يسحقها، لا ترغب هذا الضعف، لما لا تستطيع أن تكون قوية، تستطيع كسره بقسوة، تتخطاه كما قالت
يدا ابيها تضغطان عليها بحزم وقوة، ينتشلها من درك عقلها اللاواعي، لتنتبه اليه وهو يسألها بنبرة جامدة
-وعملك ايه عشان تتعلقي بيه بالشكل ده
هل حقا ابوها يسألها؟ بعد ما عاشته؟ بعد ما حدث لهما؟ بعد ما فعله من أجلها، غمغمت بحرقة.

-ضحي بحياته عشاني مرتين، دي مش كبيرة يا بابا! انا محتارة مش عارفة افكر
عقد حاجبيه وشئ خبيث لا يود أن يطرق أبواب عقله، ليسألها ببعض التهكم
- للدرجة دي عملته لا تغتفر
عضت على شفتها السفلى، وودت أن تهز رأسها بالنفي، لكن ما قام به هو سبب ترددها، وعجزها عن الفعل الصائب، هل يستحق الحرق حقا؟
ام يحتاج لفرصة، فرصة اخيرة؟!
صوتان يصدران في آن واحد، صوت العقل والقلب، ويا عذاب حربهما اللذان لا ينتهيان ابدا!

غامت عينيها وهي تتذكر همساتها المتوسلة له، رجاءها له بالتوقف، وهو يواصل تجريدها ذاتيا وهو، مدفوع بغيرة زوج اكتشف خيانة زوجته كما زعم!
همست بنبرة شاحبة وعينيها الزائغتين ضربت أوتار قلب الأب
-دبحني بسكينة يا بابا
ترك كفيها بحزم واستدار ليواجه ذلك الرجل الذي ذبح ابنته، ليكون فى كامل الصورة
يجب ان يفهم ماذا حدث بينهما، هو متأكد الأمر يخص حقيقة زواج شادية السابق وخداع معاذ لهما، وفعلته الدنيئة.

الأمر الحساس الذي لا تتحدث عنه شادية كثيرا، و تحتفظ به لنفسها، لكن ماذا فعل الآخر
هل جرحها بحديثه؟!
لكن أليس أجنبي هو رغم خصاله الشرقية، يعتز بالحديث بلغة والده ومسقط رأس والده!
يوجد حلقة مفقودة، يجب أن يعلمها من الايطالي هذا، وجد شادية تقف كحاجز له لتسأله بلهفة
-رايح فين؟
ابتسم بجفاء وهو يقول ببساطة ويشيح بجسدها عن الباب
-داخله
عضت على طرف شفتها السفلى ولا تعلم كيف خرج صوتها لتهمس له.

-ارجوك متأذيهوش بكلامك
وتخاف عليه منه؟ وتخبره انها لا تحبه! تكرهه! كم هي كاذبة فاشلة، التفت اليها بنظرة ذات مغزى
نظرة أب يعلم مدى ادعاء كذبها، وطرقه الخاصة لمعرفة ما تخفيه فى جوفها ليقول
-اوعك تفتكري ابوكي مش هيعرف اللي مخبينه عن الكل
اجلت شادية حلقها ونكست رأسها أرضا، والدموع تتجمع في مقلتيها، أن علم أبيها.

ستكون تلك الضربة القاضية له، رفعت رأسها بكبرياء منكسر لتزيل دموعها وهي تجلس علي اقرب مقعد حتى ينتهي والدها من التحقيق مع ذلك القاتل المقتول!
نقرة واحدة على باب الغرفة جعل سرمد يفرق جفنيه السوداويين لينظر تجاه الطارق الذي تأخر في زيارته، ابتسم بألم وهو يرى الأب يتقدم تجاهه ليبادر هو بهمس خافت ساخر
- هل جئت لتؤنبني مثل ابنتك؟
رفع الأب حاجبيه ليميل برأسه وهو يضع يديه فى جيب بنطاله ليهدر بصوت مرتفع.

-اعدل لسانك المعوج ده وكلمني
لم يملك سرمد سوى الابتسام، وهو يري الرجل، برغم سنوات عمره التي تخطت الستين إلا أنه ما زال يحتفظ بهالة من القوة والجبروت كان قد استخف بهما سابقا، وقد ظنه مجرد عجوز، يا لسخرية الدنيا!
تابع حديثه باللغة التي يفهمها أبناء مصر، أبناء الطبقة المخملية ليغمغم
-اعذرني اذا يا سيد معتصم، لست معتادا على التحدث بلغة أمي كثيرا.

اقترب معتصم وهو ينظر بغضب يكاد يعمي عينيه، لا يتعامل مع الرجل الذي امامه كرجل مريض، بل رجل معافي، هو أدري جيدا ان نظرات الشفقة ما يتقبلها رجل مثله
رجل يذكره بعنفوان شبابه السابق وجموحه الذي يتفوق عليه كليا، لكن لمعة الحياة عنده منطفئة رغم سخريته، رجل لا يكترث لشئ، وقد خسر مصدر قوته، سأله بحدة وسخرية وهو يذكره حينما طلب يدها بلغة أمه
- ولما جيت طلبتها مني يومها، مكنتش متعود تتكلم بلغة امك.

تحشرج صوته وهو يعتذر منه، يعتذر على عدم كونه رجلا أمام والد امرأة لم تكن له منذ البداية، يعتذر على خيانته لثقة أهل
-اسف
صمت معتصم وهو يتفرس ملامح وجهه الصادقة، واعتذاره الذي ظن أنه لن ينطق بها، سأله بتحفز
-علي؟
تنهد سرمد للحظات، وهو لا يصدق مقدار النيران التي تتآكله، اجابه فى حشرجة صوت خشنة
-علي كل شئ، حقا لم أكن أريد اغضابك، كل ما أردته فقط أن نتعجل في الزواج.

فغر معتصم شفتيه وهو ينظر الي اسلوب المراوغة الذي يتحدث به، غمغم بحدة
-تستعجل!، انت نسيت وقت ما طلبتني عشان تكون صاحبها بدون أي صفة رسمية، وكنت بجح لدرجة تعرض الموضوع ده قدامي
اسبل سرمد حاجبيه وهو لا يصدق ان الاب ما زال حتى الآن يضمر شرا رغم مصابه، لقد اتت تلك الجاحدة بقسوة قلب مثل أبيها، رفع عيناه وهو يهتف بصدق
-اسف مرة أخرى، لم أشأ اغضابك، ابنتك سببت حالة من الربكة لي.

رأي تجهم ملامح وجه الأب، ليتدارك كلماته سريعا وهو يتابع بتشتت
-لا اريد اثارة حفيظتك، لكن ابنتك تمتلك كل المقومات لاثارة ربكة مشاعر لرجل مثلي، رجل لم يتوقع ان يدق باب نعشه وحبه فى آن واحد
جذب معتصم المقعد ليجلس عليه وهو يضع كلتا يديه على فخذيه ليقول بحنق
- مصمم تتكلم بطريقتك
ابتسم سرمد وهو ينظر إلى الأب، ويرى لمحة تعاطف لا يود رؤيتها فى عين هذا الرجل تحديدا، اشاح بوجهه عنه وهو يهمس بابتسامة شاحبة.

-لقد اعتادت ابنتك على هذا الحوار معي، أجده ممتعا، رغم البعض يرونه تشتتا لكن استطعنا ان نخلق حوارا بلغتها الأم ولغة أرض مشتركة فى العالم
حدق معتصم به بعدم تصديق، يتحدث عن ابنته كما لو انها ما زالت تخصه بطريقة ما، ذلك الفسخ، والكراهية التي كانت تلقيها فى وجهه كانت مجرد زوبعة فى فنجان، غمغم معتصم بحدة
- انت من اي طينة مصنوعة؟

شعر انه تفوه باشياء ما صح أن يتفوه بها معه، صمت ولا يعلم أي طريقة يفعلها لإرضاء الرجل، ومسامحته ليهمس ببساطة
- اتمنى انك جئت حامدا لسلامتي اليوم
ابتسم معتصم وهو يحدق إلى ما آل إليه احواله، لم يتعمد النظر اليه كي لا يثير حفيظته ليهمس ببرود
-حقك هجبهولك، دي الحاجة اللي هقدر اقدمهالك دلوقتي
رد عليه بهدوء وبرود شديد وكأن الأمر لا يعنيه
- لا ارغب، شكرا لمساعدتك
رفع معتصم حاجبه وهو ينظر إليه ليخبره بسخرية.

-ايه عيلتك ناوية تطربقها عليه، فاكر راضي الجندي هيسيبك تعيش
رفع سرمد عينيه تجاه الأب، يخبره الي أي حياة هو يعيشها، ليشيح بعينيه عنه وهو يهمس ببساطة
-صدقني لقد تشفي مني جيدا، انظر الى حالتي وانت تعلم انه ارادني ان اعيش ميتا، وهذا ما رغبه
زفر معتصم بحدة، ليهمس بحدة وهو لا يصدق انه ينطق بتلك الكلمات أمامه
-انا مش جاي اعرض عليك مساعدة، اللي عملته دين علي رقبتي ولازم..

قاطعه سرمد وهو يشعر انه سيفقد أعصابه التي يحافظ عليها بالكاد، ليهمس
- سيد معتصم، لا أرغب بشيء، ثم هذا نتيجة خطئي بابنتك
وها نحن وصلنا لمربط الفرس، اقترب معتصم منه وهو يحدق نحو عينيه التي تستقبل التهمة والادانة بصدر مفتوح ليسأله بغضب
-عملت فيها ايه؟
رفع سرمد عيناه نحوه وهو يسأله باستفزاز ما زال يملكه رغم كل شئ.

-ماذا ستفعل لترغمني على الحديث؟ لا املك شئ تستطيع ان تلوي به ذراعي، حتى هي، غلف صوته بالحرقة والغضب المكبوت أصبحت محرمة علي
تنفس بهدر للحظات وهو لا يصدق ما يقوله إمام والد امرأته المحرمة
لكن أليس بميت؟!
رفع عيناه وهو ينظر الى جحوظ عيني معتصم ليتابع ببرود
- ما اريدك ان تعلمه ان لا تشفق علي ابدا، انا استحق ما حدث لي، ثم هذه كانت دعوة ابنتك، دعوة مظلوم وقد استجاب لها الرب وانظر الى الان.

اقترب الأب منه وهو يصرخ فى وجهه
-عملت فيها ايه
ابتسم بألم للذكرى، ابتسم لحماقة أفعاله، وجنون جموحه، وفقدان سيطرته
ابتسم بألم الذكري، وفداحة ارتكاب جريمته ليجيبه بصدر مفتوح
كمحارب يستقبل السهام المندفعة من جهة العدو!

-قتلتها بدم بارد، لم اكن بوعيي أقسم لك، لم اشأ ان تتطور الاحداث الي تلك الدرجة، ولكن ما ان استفقت من ثورة غضبي حتى اكتشفت أي جناية ارتكبتها، رغبت بأن أصلح الأمر واعرض الزواج عليها فى الملأ، شئ فعال اكثر يجعلها تعلم انني لم انظر اليها بتلك الطريقة الوضيعة التي ظنتني بها، اردتها ان تعلم جميع مساوئي، اردتها ان تتقبل كل بادرة سيئة مني قبل الجيد.

اندفعت مراجل الغضب فى نفس معتصم وود لو يصفعه، وود لو كان أمامه بنفس جبروته لقتله فى نفس موضعه
الأمر كان أكبر من مشاجرة، ولو ترك مخيلته لعنان كلماته، لرما وصل الأمر بينهما، انتبه إلى نبرات صوته المتحشرجة واليائسة.

- لكن لحظة سقوطها مغشي عنها، علمت اني قطعت حبل الوصل الصغير الذي بيننا، لكنني عاندت وقلت ربما بندمي ستسامحني، لكن ابنتك قاسية، قاسية لدرجة انني اخشى ان لا تسامحني قبل أن تصعد روحي الي بارئها
قهره والغضب المستفحل بنبرات صوته، جعله يعلم مقدار عجزه، انتبه على صوته المتوسل الذي يصدر لأول مرة منه
- هل تسامحني يا سيد معتصم على ما بدر مني؟ بالنهاية ارغب ان يكون احد منكم سامحني قبل مغادرتي من هنا؟

لا يريد أن يظهر شفقته للرجل، يحاول ان لا يظهر أي شفقة فى صوته او نظرته، هو أدري بمشاعر رجل، امتنع عن الاجابة الصريحة ليهتف نحوه قائلا
- هتمشي بالمنظر ده
القي سرمد نظره نحو ضمادات جسده، ويعلم أن الرجل ما نطق بالجملة ليظهر سخريته لحاله، بل امتناع عن مسامحة لن يحصل على والدها ليجيبه قائلا.

-لا، سأنتظر لما بعد شهر رمضان، اكون تخلصت من الجبيرة من يدي وساقي، الجلوس على كرسي متحرك أهون بكثير من أن يحملوني على محفة
زفر معتصم بحدة وهو لا يصدق اي ساحر هذا الرجل، بكلماته ليجعلك رغما عنك تتأثر به، يتحدث عن مصابه باريحية شديدة، ويخفي داخله طاقة عنيفة للانفجار بعيدا عن الجميع، اقر معتصم باعتراف.

- برغم كرهي لتصرفاتك الا انك مقيدني للأسف، مش عارف اكرهك لذاتك، انت مش وحش يا سرمد، اندفاعك وتهورك وجموحك وعدم صبرك دي كانت أسباب مقلقاني جدا وانا شايفك بتقرب من بنتي وعندك نية واحدة بس عشانها ودي...
غمغم سرمد وهو يقاطع حديثه، ليقر باعتراف
- لن أنكر أن هذا كان في مرحلة سابقة.

ود معتصم لو يجد أي شئ صلب ليهشم رأس ذلك الوقح، العديم التربية، فاسد الأخلاق، بالغ الصراحة الي حد يدفعه لقتله، زمجر معتصم وهو يضم قبضتي يديه يحاول ان يفتك به
-وبتعترف يا بجح
ابتسم سرمد بسخرية، وهو يتمتم
- أنا خاسر فى جميع الأحوال، ألا تعلم أن شخص صريح للغاية؟، حتى هي تعلم.

تلونت المرارة فى فمه وهو يحاول دفعا ان يتدارك باقي حياته بدونها، كأنها ضيف قصير المدة اضاف بعض المرح والالم لحياته، رفع عيناه تجاه معتصم قائلا
- هل تسامحني اذا على كل ما اقترفته بحقك وبحق ابنتك؟
ضيق معتصم عيناه، وهو ينظر تجاه سرمد بقلة حيلة ليغمغم
-انا مش عارف انت عملت فيها ايه
الإجابة ببساطة شديدة
- اجعل دينك فى سبيل مسامحتك لى.

لا يرغب أن ينجر معه فى مسامحة والرجل الذي أمامه يلتوي معه فى اجاباته، تنهد وهو يقول بحدة
- مسامح تصرفك معايا وقت ما جيت تعرض صداقتك لبنتي، لكن اللي عملته مع بنتي واللي هعرفه هحاسبك عليها وقت ما تعرف تواجهني و عينك فى عنيا
لم يملك معتصم أن يظل لفترة وإلا سيقتله، يوجد لديه حافز لقتل ذلك الوقح رغم مصابه إلا أنه ما زال متبجح، تنهد خارجًا وحين يملك ذلك الوقح قوة وصراحة كما يدعي سينتظره لمقابلة أخرى!

لكن سيضمن أنه سيضع كل النقاط على الحروف.

هل ظننتي يومًا أنكِ حرة؟
تدورين فى فلكه، هائمه فى مضمار هواجسه
ضعيفة الشأن أمام سطوته
هل ظننتي يومًا أنك استطعتِ الفرار منه
فوالله وتالله لم تبرحي من مكانك قط!
نكست فرح رأسها بين ساقيها وهي تلعن تلك القيود، يثير سخطها أنها ما زالت لعبة الملك المفضلة.

التحرر الذي حصلت عليه، لا يساوي شيئا مما يحدث الآن، رفعت رأسها وهي تحدق إلى الحديقة الهادئة فى هذا الوقت بعد الظهيرة لتبتسم بارتجاف وهي تتخيل نطفة منها تركض فى أرجاء الحديقة، انهمرت دموعها لا تلقائيا وهي ترفع عيناها نحو السماء
تسأل ما الذي اقترفته فى حياتها لتحمل كل هذا الألم؟
ما الذي فعلته جعلها تبقى وحيدة، حيث لا عائلة، لا زوج ولا حتى طفل؟!

والأصدقاء غير دائمين في حياتها، كل من تعلمهم ستأخذهم الحياة لاهين عنها!
عادت تنكس رأسها وهي تبكي بمرارة على روحها المقهورة، علاجات النفسية لا تعالجها بالمرة، ستحاول جاهدة أن تبحث عن طبيب نفسي آخر، شخص أكثر مرونة وأكثر تسامحًا معها.

طنين هاتفها جعلها تفيق من ثراء حالها، لتمسك هاتفها وهي تفتح لتتفاجئ من كمية الاشعارات على تطبيقها الاجتماعي وتنصدم من كمية الاعجابات والتعليقات التي انهالت على الفيديو الذي نشرته أول أمس.

مرت بعينيها عبر التعليقات وقد هدأ نشيج بكائها وتبتسم بمرارة وهي تتابع تعليقات النساء، تقرأ معاناتهم عن الشريك الخاطئ وإلى كارثة انتهت بهم، ابتسمت بمرارة وهي تعيد هاتفها داخل حقيبتها لتضم ركبتيها صامتة تأرجح بجسدها محاولة جلب السكينة قبل أن تعود إلى منزلها الموحش!

أصدرت السيارة صرير عالي ليترجل نضال علي الفور من سيارته وشياطين الغضب تعمي بصيرته، عينيه ارتفعت نحو بوابة الحديقة لينظر تجاه رجل كلفه بمراقبتها ليسأله بحدة
-بقالها قد ايه جوا
نظر الرجل تجاه ساعة معصمه ثم رفع رأسه ليجيبه بعملية
-ساعتين يا باشا
رفع عينيه تجاه الرجل الآخر الذي يبعد عنهما مسافة عشرة أمتار ليقول بغلظة تجاه الرجل الأول
-ارجع انت بالرجالة وسيب العربية هنا
-أوامرك.

هز الرجل رأسه موافقًا وهو يبعث بالأوامر التي تلقاها من رئيسه إلى كافة الرجال عبر اللاسلكي
انتظر نضال بصبر قاتل حتى تحرك جميع الرجال حتى المختبئين داخل بهدف حمايتها حتى من نفسها، يعقد يديه في جيب بنطاله وهو يتقدم بشموخ داخل الحديقة، عينيه كعيني صياد متربص تجاه فريسته الساكنة بالقرب من إحدى الأشجار ليبتسم بسخرية
من كان يصدق أن أسفل القناع البرى يختبئ وحش ماكر.

من كان يصدق أن المرأة التي آواها فى منزله ترد له إحسانه بذلك الشكل الطاعن، مسيئة صورته، لم تكتفي بفضحه فى المحاكم لتفضحه على السوشيال ميديا.
عيناه تضيقان تجاه قصة شعرها القصير، ليعض على نواجذه بغضب وهو كره ذلك التمرد الأول منها، اقترب مسافة مترين والفريسة لم تشعر بالصياد
هل هي نائمة؟

راود سؤال خبيث فى عقله وهو يحدق تجاه الرجل الحديقة كاملة، هل الحمقاء فعلا نائمة؟ هل تنام على قارعة الطريق ليتغزل بها الرائح والغادي؟
واللعنة ماذا إن كان هناك أعمق من مجرد غزل، لمسات سطحية، أو لمسات فجة؟!
سيل بركان ثائر يسير فى أوردته ليتقدم منها وهو يخفض بجذعه ليميل برأسه هامسًا بصوت أجش
-واحشك مش كدا.

رفعت فرح رأسها مجفلة وقد داعبها النعاس، تسارعت نبضات قلبها قبل أن تبدأ تشعر بأختناق انفاسها من سماعها لصوته، ضيق شديد يعتري صدرها وهي تتعوذ فى سرها وقد ظنته كابوس مفزع، لكن هل الكابوس رائحة؟
أو حتى حضور؟
رفعت رأسها مجفلة لتتطلع الى جانب وجهه المبتسم بمكر، لتصرخ بفزع وهي تنتفض قائمة مما جعل نضال يهمس ببرود
-كأنك شوفتي عفريت.

وضعت يديها علي صدرها تهدأ من نبضات قلبها الملتاعة، وتخفف من الضيق الذي يعتري صدرها كلما تطلعت نحوه
تحاول جاهدة البحث عن أي سبب جعلها تثمل فى عشق جبار مثله؟! أي بادرة ولو حسنة قام بها من أجلها لكن النفور هو الرد الوحيد على جميع تساؤلاته
نفضت روح الهوان والضعف لتقول بنبرة مستنكرة وقد اقتحم بقعتها المفضلة
-خضتني.

ثم بدون ثانية إضافية لتبقى معه، حملت حقيبتها لتنطلق راحلة بدون رد إلا أنه أدركها بجسده المهيب لتتراجع خطوة واحدة، محاولة ألا تصطدم به لا جسديا ولا كلاميا
-رايحة على فين يا انسه
رفعت عيناها بتحذير كي لا يعترض طريقها، لتأخذ منعطف يمين قليلا وهي تجيبه بجفاء
-ماشية
رفع نضال حاجبيه وهو يلاحظ من جسدها النفور، ليبتسم بشراسة، تنفر منه الآن وهي منذ عدة أشهر تأن بين ذراعيه رغبة.

استفحل كل نواقيس الغضب ونيران الكبرياء ليمسكها من عضدها بقوة صائحا بهدر
-هو دخول الحمام يا حلوة زي خروجه
شهقة مفزعة تبعها انفلات يدها من براثن يده، كأن حية لدغتها لتصرخ فى وجهه نادرة بعنف
-نضال ابعد عني، ميصحش ابدا ابدا انك تلمسني
رفع عيناه بتهكم ليلتفت لها بكامل جسده، ووجيب انفاسها يتبارى مع انفاسه الساخنة، خطوة للخلف حينما أقدم خطوة منها ليميل برأسه نحوها هامسًا بقسوة.

-انتي هتكدبي الكدبة وتصدقيها، طالما مش قد اللعب بتلعبي ليه معايا يا انسة
زمجرت بقوة وهي تتوقف عن هذا الخذلان فى ساقيها، والرعب الذي يتأصل بها حينما تراه في هيئته البدائية متخليا عن حضارته وتمدنه، عينيها تتعارك مع عينيه فى معركة لا نهائية
الرفض يقابله التصميم من جهته
النفور يقابله الرغبة البدائية منه
الكره ليقابلها...!
لا شئ!
توقفت عن مقارعته، فهي أدري الناس به، همست اسمه مرغمة وهي تكاد تطحن ضروسها.

- نضال
عبس بحاجبيه وهو يحدق نحوها ليراها تغمغم بتعب
-انا تعبانة
عينيه خفضت لرؤية حالها بعد فراقها عنه، هل نحفت؟
ضاقت عيناه لينظر الي وجهها الشاحب وعينيها المجهدة؟ هل هذا بسبب الدراسة أم لحال فراقهم؟! أم تشكو لحال حياتها
لما لم يخبرونه أنها كشكل شبح مرعب، أم أدوات الزينة التي تضعها تخفي أكثر مما تظهر
رآها تبتعد مرة أخرى وتظن أن حديثهم انتهي، اللعنة هو جاء لأمر واحد ولم يتسني له فرصة للشجار.

تقدم خطوات نحوها ليمسك ذراعها بقوة غاشمة جعلها تصرخ فى وجهه محاولة الفكاك من لمس يده لها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة