قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وثلاثة وأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وثلاثة وأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وثلاثة وأربعون

خارج البلاد،
وتحديدًا فى احدى البلاد التى تهتم بالأزياء الفاخرة ومتاجر ثياب باهظة الثمن..
تنهدت شادية بضجر وهى تتصفح الأخبار الأجنبية بعد نجاح مناسبة ذلك المدعو بداوود
هزت رأسها بيأس وهى تلتقط خبر بعينيه عن شائعة التصاق داوود بالكامل لها فى الحفل
لا تعلم إلى أين يريد أن يصل بهذا الأمر
ان كان يريد استفزاز واثارة حنق سرمد، فما السبب الذى جعل داوود يكرهه الى هذا الحد؟

ماذا فعل سرمد ليكن داوود كل تلك العدائية؟!
مسدت صدغها بتعب شديد، وكل عصب فى جسدها يحفزها أن تقوم بقتله فى التو واللحظة
لم يكتفى منذ مجيئها بإسبوع مع طاقم فريقها بالكامل وخاصة نجوى الذى كان شبه ملتصق بها، والفتاة حاولت بقدر الامكان أن تكون عملية وتتصرف، لكنه لم يلقى بالا بأي شئ
ضاربًا بكل تعليماتها بعرض الحائط كالأحمق الآخر، تأكدت من خصلتهم تلك أنهما اقارب..

انتبهت على وضع النادل لقدح القهوة التى طلبتها وحينما مدت يدها لتلمسه، تذكرته هو
تحذيره لها من القهوة، وعن مدى الأضرار الجسيمة التى تقع للمرأة
فغرت شفتيها بصدمة وهى تتذكر غزله بها، لما الآن تتذكر غزل ذلك الايطالى؟!
أغمضت جفنيها بيأس ولسانها تلقائيًا يرفض القهوة طالبة بأي عصير طازج، والنادل لم يملك وقتًا للسؤال عن رفضها للقهوة بل سارع بأخذها واملاء طلبها الجديد..

تنهدت للمرة التى لا تعلم عددها ونظرت نحو الفراغ..
جاء صوت أجش رجولى يقتحم انعزالها التام عن الجميع
-هل أعجبتك المدينة؟
رفعت بصرها لتحدق نحو عينيه، تحاول معرفة لونهما، تراهما احيانًا بركتى من العسل ك الآن واحيانًا آخرى كليل سرمدىّ، ابتسمت ببرود وهى تجيبه وعينيها محدقة نحو نقطة فراغ
-ليست سيئة، البلاد كلها سيان بالنسبة لى.

هز داود رأسه بلا معنى ليسحب مقعدًا بوقاحة ويجلس عليه تحت نظراتها اللامبالية، عائلة النجم حتمًا يحتاجون دروس مكثفة عن قواعد اللباقة والآداب!
ارخي ساقيه واضعا يده على ذقنه، متفرسًا فى ملامحها السمراء بجمود
ليقطع الصمت المريب بعد وضع النادل لعصيرها وادلاءه بكوب قهوة قائلاً
-غريب امرك يا شاديااه، توقعت أن تكونى مثله.

عضت على باطن خدها بقسوة، وكلامه يجلب ذكريات لا تود تذكرها فى تلك اللحظة! تلعن أى ذكرى أو أى حديث عابر مر بها مع هذا الايطالي
رباااه
أى شق حديث لم يصلوا إليه بعد؟!
ربما لم يصلا الى تسمية أطفالهم
اطفال! نكست شادية رأسها بخزى تام، وافكارها المنحلة تلعنها بقسوة، فى ماذا تفكر هى؟!
أى اطفال منه؟، رفعت عيناها تحدق نحو الحائط غير مكترثة بالقاء نظرة تجاهه لتقول بجمود
-هو يعلم انني لست من هواة السفر.

أطلق داود صيحة متفهمة وهو يغمغم بسخرية
-تفضلين العيش فى موطنك
تلك المرة رفعت عيناها الجامدتان تنظران نحو عينيه الخاويتين، ليستا خاويتين، بل كجمرتى من الجحيم لتهمس ببطء شديد
-من لا وطن له، يكون فاقدًا هويته، اعتزازه وفخره، من لا وطن له، يكون انسان ميت، أجوف
طبق الصمت يغلفهم، ويبدو أن ردها جعله منقلب الوجه، ساخط الملامح، حانق التعابير، سرعان ما سكن تعبير هادئ على وجهه وهو يقول.

-احببت ان اشكرك على حفل امس
اى حفل امس؟!
هل يقصد انعدام الذوق؟ والمسافة الشخصية بينهما؟! لا تود التعامل مع والدها الآن
يكفى انفجار شقيقها الحاد وهو يخبرها انه سيكون هنا عند المساء ليعودا معًا الى القاهرة!
ارتشفت من عصير البرتقال بهدوء وهى تحدق نحوه ببطء
تتخذ نفس تكتيكاته، ليقابلها بابتسامة ماكرة جعلها تهمس ببرود جاف.

-توددك لى أمام الصحافة لا احبه يا سيد داود، لا تفكر اننى غبية كى لا افهم أى لعبة ترغمنى على لعبها معك
هز داوود رأسه باستحسان، ويبدو ان السمراء تجارى اللعب معه، لتتسع ابتسامته وهو يميل بغتة نحوها هامسًا بنبرة أجشة، تكاد تقسم ان نصف النساء هنا يكدن يسقطن صرعى تحت ملامح سطوته الحادة
-وما هى تلك اللعبة؟

مالت هى الآخرى لتقع كهرمانيتها على عسل عينيه، رحلة عينيه بدأت من منابت رأسها المغطاة الى شفتيها المطليتين بملمع شفاه لتجز على اسنانها بحزم
-اكثر ما اكرهه ان يتم استدراجى واستخدامي كبيدق فى لعبة أحدهم، ولعبتك انت مع قريبك من الأفضل أن تنهيها نهائيا بعيدًا عنى
تراخى على كرسيه ناظرًا لها بعبثية واضحة، ليقول بصراحة تتشابه كثيرًا مع الآخر.

-شادياااه، لم ينفع معه أن أجبره على شئ حتى مع اختلاقى لمشاكل في عمله، لما لا تستوعبين انك اهم من حياته
شعرت بغصة فى حلقها جراء صدق حديثه، رفعت عينيها إليه لتراه يتابع ببرود تام
-وبفضلك استوليت على عدة فاتنات في عمله واصبحن تحت ارادتى، بفضلك اصبحت اقوى منه
وضعت الكوب بحدة على الطاولة لتزمجر تلك المرة بوحشية لبوة تدافع عن المملكة فى غياب الزوج الجريح.

- وهل تسمى الطعن في الظهر شرف؟! لم تستطيع محاربته وهو على قدميه، اتحاربه الآن وهو طريح الفراش
لمعت عيناه بوحشية، جعلتها تتراجع قليلاً، بل تدرك إلى أى مسار تقحم نفسها به واستدرجها إليه، ليرد ببساطة
- نعم، ولم اندم على فعلها
الغضب والقسوة التى تلمعان فى عينيه لقريبه لا تصدقهما.

ماذا فعل هذا الأحمق به لكى يكرهه الى هذا الحد؟! حتما يكاد فضولها يدفعها الى معرفة هذا الأمر، هزت راسها باستنكار تام لما تسمعه بأذنها لتقول
-كيف تفعل هذا؟! من أي طينة أنت مصنوع
ارتسمت ابتسامة على شفتيه ونظر لها بهدوء قائلاً بوقاحة
- عزيزتى، نحن هكذا، ربما صادفت ان قابلتِ حبيبك واغراكِ بهمساته التي أيقظت النيران فى جسدك.

رأى شعلة النيران فى حدقتيها، يبدو أنه ضغط على الجرح المناسب، وود لو رآها تصرخ فى وجهه ليسترسل قائلاً
- لكن انا، بعكسه، جميعنا صيادون لكن استراتيجيتي مختلفة، لا اجذب فريستي بطعم، بل انقض عليها حية، عيناها بداخل عيني
انتظر ردها
كان على أحر من الجمر لمعرفة ردها، ولم تتأخر عليه إذ أجابته قائلة بهدوء منقطع النظير
- يبدو انها ليست كالأخريات
ضاقت حدقتيه متفرسًا فى ملامح وجهها الباسمة بتسلية شديدة ليغمغم
-من؟

عيناها لقطت امرأة شعر احمر تحدق تجاهها بعدائية، لتعيد نظرها اليه قائلة بمكر
-فريستك الحالية، ألم أخبرك مسبقًا؟! غزالتك من ستسقطك في فخها
تلك المرة ابتسم، وتحولت الابتسامة الى ضحكة مجلجلة أثار انتباه وحفيظة ذات الشعر الأحمر ليتهدأ ضحكاته وهو يجيبها
- لا تستوعبين حتى الآن، لا اسقط في الفخ، انا استاذ تلك اللعبة.

القت نظرة سريعة نحو ذات الشعر الأحمر، لا تعلم ماذا تعمل لديه، ليست مساعدة أو رأتها في عمله، لكن هذا القرب وان تكون تحت ناظريه يثير رعبها، انتبهت على نبرة صوته الجامدة
- من المتوقع أن يكون رأى صورنا اليوم، انها منتشرة فى جميع الصحف الالكترونية
استمعت اليه بصمت وهو يراها هادئة، وكأن حديثه لا يعنيها بشيء ليتابع قائلاً ببرود.

- اعتقد انه نصحك بعدم الذهاب والسفر، وانتى من رفضتى وضربتى بكلامه عرض الحائط، ربما لو كان يسير على قدمين، لترك ما بيده وقدم هنا مسددًا لكمة ساحقة على وجنتى
قلبت شادية عينيها بملل وهي تنظر اليه بصمت و برود شديد لتقول
-تتحدث كثيرًا
هز رأسه قائلاً بهدوء
-بل أفكر معك بصوت عال
اقتربت بجسدها نحو، تراه يرتشف قدح القهوة الذى برد قليلاً لتقول
-ما الذى جعلك تكرهه الى تلك الدرجة؟

غامت بركتي العسل ليصبحا كجمرتين متقدتين من الغضب، رأت عروق يديه التى برزت وهو يكاد يتحكم بهما كى لا يحدث ما لا يحمد عقابه!
-لقد ذبحنى، حطم أواصر صداقتنا
قالها بنبرة خشنة، وكأنه خارج من اعماق جحيمه، لترى ملامحه الوسيمة الحادة استحالتا إلى شيطان أسود، سألت بتوتر
-أبسبب امرأة؟

رفع عيناه نحوها وتلك المرة ضحك مجلجلاً جاذبًا انتباه رواد المقهى، لتنظر اليه بيأس شديد وحنق جعله يرفع كف يده معتذرًا قبل ان يستعيد ملامحه الطبيعية قائلاً بسخرية
-المرأة اخر اهتماماتى يا جميلة، اذهبي واسأليه
عقدت جبينها بعدم فهم، لتهمس
-اذهب إلى أين؟
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه، كبسمة صياد أوقع فريسته فى مصيدته ليقول ببسمة وهو يسترخي بجلسته
-الى المشفى.

حدقت به بصدمة وعدم استيعاب حقيقى ليهز رأسه موافقًا بهدوء قائلاً
-نعم، يتعالج هنا، اذهبى والقى نظرة على منظره البائس، ربما يثير تعاطفك
رأته يضع بطاقة مدون بها عنوان المشفى، حدقت نحو البطاقة ثم إليه، محاولة أن تستوعب هل يساعده حقا؟ ام انه يكرهه كما يدّعى؟
-داود
همست بها بتعجب، ليقول بجفاء تام وهو يستقيم من مجلسه
- ان لم تذهبي له اليوم، سأعتبر انها علامة خضراء لى لأجعلك ملكى
قلبت عينيها بملل حقيقي لتجيبه.

-ظريف
أسند كفيه على الطاولة ليميل بجذعه نحوها، جاعلا اياها تتراجع خطوة ليلتصق ظهرها في المقعد وهى تسمعه يقول بجدية تامة
-لا مزاح فى هذا، برغم انك لست من نوعى، لكن ربما تثيرين اعجاب مع الوقت
ابتسمت شادية بهدوء وهى محدقة فى عينيه لتقترب منه هامسة بنبرة وعيد.

- نسيت ان اخبرك، انك لست نوعى المفضل من الرجال، لا اطمئن لك ابدًا ولو كنت الرجل الوحيد في الكرة الأرضية سأفضل أن أحرقك حيًا حتى لا تتجرأ وتعبث معى بحديث انت لست أهلا له
استقامت من مجلسها برشاقة ساحبة حقيبتها، بعد أن وضعت النقود على الطاولة لتغادر المقهى برشاقة غزالة برية جعل داود المحتفظ بنفس موضعه ساندا كفيه على الطاولة يرمقها حتى غابت عن انظاره، ابتسم لاعنًا ذلك اللعين المحظوظ لأمرأة مثلها.

-مثيرة للإعجاب.

تتحرك فرح بخفة بين أرجاء دار النشر التى وقعت عقدها منذ لحظات
تعلم ان خطوة نشر أى كتاب ولو مجرد خواطر امراة عابرة، شئ كبير وعبء ثقيل، لكن فى لحظة جنون منها وافقت على احدى عروض دور النشر بعد التأكد من مصداقيتها وها هى الآن تتلمس طريق النور..
داخلها معبأ ب طاقة لا تنضب، القت تحية نحو إحدى السيدات وهى خارجة من الدار لتستقل سيارة الأجرة، إلا أن سيارة سوداء ذات أرقام مميزة جعلتها تميل رأسها بتعجب!

هل ما تراه حقيقي أم هي تتخيل؟! ألم يتوقف حقًا عن فقدان الأمل!
هزت رأسها يائسة وهى تستقل سيارة الأجرة متجهة بها الى مكتبة العم صلاح، لقد اشتاقت للحديث معه، وإعطاءه آخر مستجدات حياتها
ربما لم تجرب شعور أن تخبر لأحد ما عن انجازاتها الصغيرة قبل الكبيرة، او حتى شارك احد معها نجاحها الدراسى!

والديها لم يهتما، وربما نضال لم يكن يهتم بالأمر، فقد كان يتعامل معها معاملة جسدية بحتة، وحينما ثارت وأصرت على عملها كعارضة، فضل التعليم عن العمل!
تنهدت بسأم وهي ترخي راسها على مسند المقعد..
فى جميع حياتها الحافلة لم تشعر باهتمام ابوى سوى من العم صلاح، انتبهت على صوت السائق منبهًا عن وصوله لوجهته، نقدته وهي تترجل من السيارة لتتوجه داخل المكتبة، ألقت تحية لصبى القهوة
-صباح الخير.

اجابها الصبى بابتسامة واسعة
-صباح النور يا استاذة، عم صلاح راح مشوار وزمانه جاى، تحبى تشربى حاجة
هزت رأسها نافية بابتسامة بسيطة لتقول
-لا شكرًا
هز الصبى رأسه بتفهم خارجًا من المقهى، لتلقى فرح حقيبتها على طاولتها المفضلة ثم توجهت الى قسم الروايات الرومانسية ملتقطة كتاب وحينما استدارت تفاجأت او بمعنى ادق تصنعت المفاجأة لتقول بتعجب
-نضال!
ضم نضال يديه فى جيب بنطاله الجينز، بدى نضال مختلفًا عما اعتادت عليه.

منذ متى يرتدى بنطايل جينز، وقميص قطني؟! من المعروف عليه التزامه بالثياب الرسمية وإن أراد أن يصبح أكثر جموحًا وجاذبية يتخلى عن سترة حلته مشمرًا ساعديه ويحل ثلاث ازرار من قميصه..
عيناها بلا وعى كانت تتفحص ثيابه، رغمًا عنها لترفع عينيها الى عينيه الساكنتين من اى انفعال ليبادر بصوت أجش
-مش هسألك عاملة ايه، من شكلك باين انك كويسة!

القى نظرة عامة حول المكتبة العتيقة، حاولت مدارة ابتسامة وهى ترى تقززه من ما يراه ورائحة الكتب العتيقة ليغمغم بسخط وهو ينفض تراب وهمى عن قميصه
-سمعت انك اتشهرتى
مالت رأسها بهدوء، والحدود الآمنة بينهما لم يحاول أحدهما أن يخترقه
يتعاملان كغريبين، والوضع هذا جعلها تبدو سعيدة، بل وأكثر راحة.

بعكسه هو، تبدو بهية، فاتنة الأنظار بفستانها الأرجواني وذلك السلسال المستفز الذى يستقر براحة بين نهديها، التمعت عيناه بشرر لم تدركه وهى تسأله بهمس خافت
-فى ايه بالضبط
عيناه لم تتزحزح عن ذلك السلسال والله أعلم أي عقل ذكورى رآه وبدأت يسبح بخياله إلى أحلام جامحة كحاله هو!
ارتفعت حدة صوته من كثرة جموح أفكاره
-ناوية تعملى عقد مع دار نشر، غريبة مكنتش اعرف انك موهوبة لدرجة انك تتجرأى تنشرى كتاب.

ارتفع حاجبا فرح بريبة، قبل أن تتنهد وهي تضم الكتاب بين اناملها كى لا تضربه بها على رأسه قائلة
-عايز ايه يا نضال
حدق نحو عينيها محاولا أن يستشف مدى تأثرها ببعده، كحال تأثره هو وإن كان لا يبرزه
-عايزك
صمتت لبرهة قبل تقول بنبرة متهكمة
-عايز جسمى؟ مش كدا!
نفى بعد برهة من الوقت وعينيه تتأملان معالم وجهها الصبوح
- لأ.

مسحة سريعة من خصلات شعرها التي تعود لاستطالتها من جديد بعد تهورها في قصه منذ طلاقهما ليقول بصراحة
-عايزك انتى بكل حاجة فيكى
انتظر ان يرى حنين، عتاب ربما، او حتى حنق وغضب
لكن لا شئ
ملامحها الهادئة ارتسمت ابتسامة واسعة وهى تسأله بسخرية
-للدرجة دى وحشتك؟! ما تقدر تتجوز حد غيرى وتلبى رغباتك.

انتفخ معالم وجهه واللعبة الحمقاء التى تمارسها الآن، بل وتدير لعبتها جيدًا جعلته يرضخ ولاول مرة فى حياته مقرًا باعتراف بليغ
-مش عايز غيرك
ربما لو كان فى وقت اخر، لعلمت أن عبارته تلك تغنى عن ألف كلمة احبك، وعشرون ألف كلمات غزلية، إلا أن ماذا؟!
هل يصدق انها ستخر راكعة بعد ما قاله، غمغمت بصراحة واضحة وقد اكتفت من ظهوره فى حياتها كعفريت العلبة
-عايز ايه تانى اديهولك، او لسه مخدتهوش منى عشان ترتاح.

لكنه مصرًا على جلدها، فتح جروح جديدة لم تندمل بعد
- كلك يا فرح، كلك على بعضك
ضحكت بسخرية وهى تهز رأسها يائسة من مخيلته حتى للرجوع إليه، اسودت ملامحها قتامة وهى تجز اسنانها بعصبية
-ارجع للوجع تانى يا نضال، للذل والمهانة والضرب، ارجع برجلى للراجل الوحيد اللى اعتبرنى متنفس وحيد لغضبه وقهره وطلباته المزاجية
تراخت اعصابها ليسقط الكتاب من يدها، وهى تقترب منه، تكسر مسافة الأمان بينهما لتهمس بعصبية.

-ليه مش عايز تفهم انى انسانة ومش هقدر
دارت عيناها فى أنحاء المكان خشية أن يسمعهما أحد، لا تود ان تلتصق بها اشاعات فى هذا المكان، لتسترسل قائلة بحدة
-ليه مش عايز تفهم انى مش هقدر ارجعلك تانى، ليه مش عايز تفهم
تلك المرة هدر هو فى وجهها، وقد بدى يائسًا من إيجاد حل لتلك المعضلة
حل لإيجاد امرأة تناسبه بكل عقده وجنونه
امرأة يستطيع ان يأمنها على ابنته، بل وتجلب له اطفال، حاجته لاطفال من صلبه تكاد تؤرق مضجعه!

-عشان مش قادر، مش قادر اطلعك من دماغي
استحوذت الصدمة على معالم وجهها الشاحب، لتنظر اليه بعدم تصديق، إلا أنها سرعان ما استعادت هدوءها قائلة ببرود
-مش قادر تنسى عشان للاسف انا اللى قررت ابعد عنك، انا اللى حطيت كلمة النهاية، لو انت اللى حطيت كلمة النهاية مكنش بعيد اووى بقيت بين حضن ست تانية
تنهدت بهدوء مستعيدة توازنها الداخلي، لتنظر الى حدقتي عينيه الجامدتين.

-المشكلة مش فيا، صدقنى انا بقيت احسن ومتقبلة كل حاجة حصلتلى، بقيت واعية انى مكنتش هوصل اللى وصلته ده بدونك
بدى متفاجئًا مما تقوله، اتشكره رغم كل ما فعله؟!
ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتيها قائلة بتأكيد
-متستغربش، حبيت اشكرك لانى لأول مرة احس ان انا ليا شخصية، بقالى فترة بدور على نفسى، ولقيتها
انه يخسرها
بل خسرها
نادى اسمها بغضب
-فرح.

كان نداءه لاسمها، محذرًا، كي لا تتمادى في ما تحاول القيام به، الا انها ابتسمت بهدوء قائلة
-كل ما استوعبت اننا مش لبعض، كل ما هتقدر تفهم ان الحاجات اللى مش قادرين ناخدها مش عشان هى صعبة، لا عشان احنا منستحقهاش
انحنت تلتقط الكتاب لتنظر الي عينيه العابستين، والى وجهه المضرج بالحمرة من الغيظ لتقول ببساطة
-وقت ما أنشر الكتاب، مش هكسفك واقولك متجيش، بس تنورنى وقتها.

تخطته الا انه امسك ساعدها بحزم، وهو يدفع جسدها لتقترب منه، نظرت اليه بحذر هامسة اسمه
-نضال!
الا انه كان أكثر يائسًا من أن يتركها، ليميل رأسه وشفتيه تهمسان فى اذنها
-الحاجات اللى مش قادرين ناخدها يا فرح، بعافر انى امتلكها، ده الفرق بيني وبينك
حدقت نحوه لثوانى وهي تنظر نحوه بيأس
لا فائدة ترجى منه ذلك الرجل مطلقًا
أزاحت يدها من قبضته لتقول ببرود
-هتتعب كتير، وصدقنى بدل التعب ده توفره لحد تانى.

رمقها باستهزاء ليسألها بغضب بارد، ويا ويلها إن اعطته اجابة خاطئة
-عايزة تقوليلي مش عايزة راجل فى حياتك
حاولت الحفاظ على سيطرتها لتغمغم بهدوء صقيعي
-جربتك انت، وحقيقى سديت نفسى، بس مش هكدب عليك واقولك لأ مش عايزة، انا عندى يقين ان ربنا كريم وحقيقي هيعوضنى عن حاجات كتير
عيناه المشتعلتين بالغضب، يبدو كأنه آتون جحيمي على وشك القائها فى التهلكة
اقترب
واقترابه لا يبشر بالخير مطلقًا.

الا ان زمجرة رجولية خشنة صدحت من بوابة المكتبة، جعلتها تجفل وهى تراه كثور هائج رأى رقعته الحمراء والذي هو عبارة عن نضال، ليتقدم نحو بنبرة وعيدية وقبضة يده سددت على وجه نضال
-يا ابن
شهقت فرح وهى تتراجع خطوة وهى ترى الثور انبطح مسددًا لكمات ثائرة لنضال الذى يستقبل لكماته ببرود
وكأنه، يعرفه!
سمعت من زمجرات الرجل الخشنة جملة واحدة
-غالية خط احمر انت فاهم.

اتسعت عينا فرح جحوظًا وهي تنظر نحو عيني نضال الذي التقط نظرتها المحذرة
إلا أن ابتسامته الواسعة جعلتها تغمض جفنيها بيأس
لا فائدة ترجو من هذا الرجل..
استقام الثور ببرود اعصاب وهو يلقى تحذير صريح
-المرة دى تحذير، اقسم بالله المرة الجاية مش هتتحرك على رجليك
استدار الرجل نحوها ينظرها من منابت رأسها حتى أسفل قدميها بجمود، ضيقت حدقتيها محاولة التعرف على هذا الرجل
ملامحه تبدو مألوفة، بل مألوفة جدًا.

لكن أين رأته؟!
جذبها نضال من فقاعة التفكير بصوته الساخر
-شايفة حتى طليقها مش قادر يستوعب فكرة انها تبقى ملك لغيره
عضت فرح باطن خدها وهى تهز رأسها بيأس، وخشت أن تسأله عما فعله ليغضب طليق صديقتها
تبًا له
تبًا لهذا الرجل ألف مرة
سألته بتحفز تام
-انت عملت فيها ايه
عدل هندامه قائلا بوضوح تام
-كنت بقولها هتجوزك!
أغمضت جفنيها، وداخلها تسبه بأفظع الشتائم التى تعلمها
هكذا هو نضال الغانم.

ولن يتغير مطلقًا حتى وإن أصابه داء العشق!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة