قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وأربعة وأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وأربعة وأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وأربعة وأربعون

الحياة مثل الدوامات
لا تترك لنا مطلق فرصة للتنفس
جل ما تفعله، هو أن تدفعك إلى أقصى قدرات احتمالاتك حتى تستسلم
ترفع لها بالراية البيضاء، لكن الأمر المثير للسخرية إخبارك أن الأمر ليس بتلك البساطة عزيزي!
الأيام تجرى كالزيبق، والقلوب ما زالت تصدر أنين للبعد عن أحبائها، والعقل
ويا لسخرية العقل لا يتركك بسلام.

الذكريات تتناهر عليك كزخات المطر فى أشد حالات صفاء عقلك وسعادتك، جارفة إياك للماضى، إما بحنين أو حتى بتعاسة..
استندت شادية على سور شرفة قصر الغانم وعينيها تتمتع بالخضرة المميزة، منذ أن ابصرت عيناها على هذا القصر وهى وقعت فى غرامه، متمنية أن يصبح لها قصر خاص مع زوجها المستقبلي الغامض..
نجاحات عملها لا يجعلها تنسي ذلك المحتل الصورة فى فؤادها
سرمد.

رجفة باردة تسللت أوردتها ميقظة اياها من مغبة سقوط أعمق وأخطر
لكنها تستحضر ذكراه بابتسامة ناعمة، لا تنكر زيارتها له منذ شهور عدة فى المشفى الذى يتعالج به
رأته مختلفًا
ليس ذلك الذى تعرفه، او أرادها أن تراه به
سرمد، وويل لأى امرأة تقع فى طريقه
قبضت اناملها الناعمة على السور وهي تغمض جفنيها مستنشقة عبير الصباح وعقلها بلا وعى عاد له
حيث مصدر علّتها ورجفة قلبها..

تطرق بكعب حذائها على الأرضية المصقولة، عيناها تمر على ارقام الغرف تهتدى بهما الى رقم غرفته
لا تعلم ما الذي تفعله
لكن الشوق دفعها، ورغم صراع العقل، انتهى بها الحال هنا
ترتجف شوقًا ورهبة لرؤيته، اتصاله منذ عدة صمتت مفكرة! عدة ماذا؟!، تشعر انها كالسنين مرت منذ اخر مرة استمعت الى نبرة صوته الخشنة، صوته الحازم، صوته الخشن حينما يكون فى أشد حالات غضبه وغيرته، وأشد حالاته الموشكة على فقدان سيطرته ..

شعرت بقبضة فى معدتها وهى تتذكر وعد والدها، اغمضت جفنيها وجذوة شعلة داخلية تتشعب فى أوردتها، تلك المرة قرارها للعودة والخروج
همت بالالتفات والهروب، الا ان صوت انثوي هادئ اوقف محاولة هروبها!
-شادية؟!
عيناها لا اراديا ارتفعت لتستقر على وجه والدته، الحنان المتشعب فى عيناها، وذلك الدفء الذي يصلها منها جعلتها تهمس بارتجاف
- طنط غيداء.

عينا غيداء كانتا متسعتا بتفاجؤ فى بادئ الأمر، لقد شكت فى بداية الأمر انها هى، عيناها مستقرة على رأسها الذى يزينه حجاب اسمر لتهبط الى ثيابها المحتشمة، فغرت شفتيها بابتسامة واسعة، فخورة لتقترب منها هامسة بحنو وهى تضع كفيها على عضدىّ شادية
- تبدين فى غاية الصفاء والهدوء
توردت وجنتيها جراء اطراءها لتهمس بصدق
-لقد احتجت الى نصائحك كثيرا.

دفء لذيذ تسرب فى كلتا المرأتين، وغيداء تزداد يقينًا انها لو انجبت فتاة لكانت بمثل شادية، ربتت على ظهرها قائلة بهمس ناعم
-اهم شئ انك بخير
لم تستطع شادية ان تهز رأسها ايجابًا، تكبح جماح انفعالاتها كي لا تبكى، الا ان غيداء تساءلت بتكرار كي تشتوعب الشئ الجديد الذى أصبحت عليه
-حقًا؟

تلك المرة اجابتها دموع شادية، لم يكن البكاء هنا مصدره الذعر أو الخوف، بل كان بكاء لنشودها الراحة، وصلت بطريقها الى بر الأمان الذى كتنت تبحث جاهدة عنه، غمغمت غيداء بعتاب امومى
- لقد انتظرت اتصالك
عضت شادية باطن خدها بحرج لتهمس بصدق
- لقد، لقد شعرت بالحرج الشديد
رفعت عيناها الكهرمانية ورسالة اعتذارها الصامت جعل غيداء تهز رأسها بتفهم قائلة
-اتفهم صغيرتى، اتفهم، اخبرينى كيف ترين المدينة هنا؟

بغض النظر عن اعصابها التى كادت أن تدمر بسبب قريب سرمد المدعو بداوود، الا انها غمغمت قائلة بصوت عادى
- ليست سيئة، لكننى اشتقت العودة للوطن
ضاقت عينا غيداء قائلة بشك
-حقًا؟!
تنهدت شادية مختنقة تلك المرة، ولم تشعر سوى أنها تتحدث بلغتها الأم
- وحشنى البيت وبابا وجيجى، حتى الناس واللغة كل ده وحشنى، والغريب انى مقعدتش هنا كتير.

لمعت عينا غيداء بالاشتياق والحنين إلى وطنها جراء نبرة شادية المليئة بالشجن إلا انها اجلت حلقها هامسة بصوت أجش
- حينما كنت مثلك، كنت محبة للسفر والترحال، حتى تلك الصفة اخذها منى سرمد، وحينما اراه يجوب بين مكان وآخر لا أملك سوى أن أقلق عليه، بل يتملكنى ذعر رهيب ووقتها اتذكر والدىّ وقلقهما الشديد علىّ حينما كنت صغيرة
شعرت بنغزة فى صدرها جراء تذكر اسمه، غمغمت ببساطة
- لم تستطيعي منعه من السفر.

هزت غيداء رأسها نافية لتهمس بنبرة ذات مغزى
-لم اقدر، تركته يجوب الاماكن عسى يجد موطن استقراره
وصلها المعنى المبطن ولم تشعر شادية سوى بتورد وجنتيها خجلاً، المرأة تلك المرة قالتها صراحة وجرأة لجم لسانها، تفهمت غيداء صمت شادية لتغير مجرى الحديث قائلة
- اخذنا الحديث، لم اسألك ماذا تشربين؟
رفعت عيناها المشبعة بالحنين لتهمس بدون وعى
-لبن بالقرفة.

لمعت عينا غيداء وتفهمت رسالتها الملتوية، لتتسع ابتسامتها بحبور قائلة
- سيكون جاهز خلال دقائق.

اشارت لها نحو غرفته مستأذنة منها لعدة دقائق، لتتحرك شادية بقلب وجل، وجميع جسدها يرتجف شوقًا وترقبًا لرؤيته، اعترض طريقها ظل ضخم أجثم عليها كالوحش الذى ينتظر الفريسة تسقط فى حجره لترفع شادية راسها متطلعة الى العينين المشتعلتين غضبًا، ك تنين يوشك على اطلاق نيرانه فى وجهها، همت بالتحية إلا أن صوته المزمجر جعلها تعود خطوة للخلف
- لما اتيتى؟

همت بالحديث، لا تعلم مبررة أم محاولة تهدئة شقيقه، تبًا لقد ظنته مسالم، لكن مع حمله جينات النجم تأكدت ان الوجه المسالم ما هو الا وجه مخادع تقدم سامر منها مزمجرًا بوحشية
- انتى لا يحق لك المجئ الى هنا، بعد كل ما حدث
تابع حديثه وهو يتقدم منها كخطوات ليث موشك على الانقضاض لفريسته المرتعبة ليخبط على الجدار بجواره هادرًا.

-أتريدين ان تريه راكعًا على قدميه لكى تسامحينه؟ أم ما زلت تسعين للثأر؟ ام ماذا يدور فى عقلك
كانت على وشك تهدئة التنين المفترس، لكن بما انه تمادى بعيدًا ولم يكن له الحق فى استجوابها بهذا الشكل المهين!
هل يهددها ويروعها ويظن مثلا بعد كل تلك الاوقات العصيبة لن يدعها تراه
يحلم اذًا!
شدت بقامتها وواجهت عينيه العاصفة بمروج غاضب لتقول بلغتها الأم وهي موقنة انه يفهمها
-خلصت كلامك.

تلك المرة هى التي تقدمت بخطوات دؤوبة، وهو من يعود بقدميه للخلف، لترفع اصبع السبابة محذرة اياه قائلة
-انت ميحقلكش انك تتكلم بالنيابة عنى، او حتى تفكر التفكير ده
لم ينحسر عبوس وجهه، الا ان عيناه لثانيتين التمعتا بإعجاب سرعان ما اطلق لعنة بالايطالية ليغمغم مزمجرًا بحنق
- لماذا اتيتى؟!، لن اسمح لك برؤيته
لا تعلم أى رهان وضعت نفسها به، لتقول بثقة لا تعلم من أين أستمدتها.

- وان علم اننى اتيت، وعلم انك من منعت رؤيتى له
تصلب وجه سامر وهو يسبها من بين انفاسه، يعلم انها محقة، وشقيقه اللعين سيسعد بوجودها، لكنه كره ذلك الشد والجذب دون حل نهائي.
اذا كانت تريده ف تعلنها صراحة، اما ان توهمه وتعلق حبال ذابلة ستسقطه على جذوره ف كلا!
لن يسمح له بتدمير شقيقه ولن يهمه اذا كان يستحق شقيقه ام لا، لكن لن يسمح لها بجرح آخر وهو يسير فى طريق علاج مبهم ليس له خطوط عريضه
تساءل بسخرية.

- هل تتوقعين حينما يسمع بخبر مجيئك سيطير فرحًا بحضورك، بل ويفرش الأرض ورد مثلاً؟! افيقى يا امرأة
رأى علامات التمرد والغضب الذى يلوح فى وجهها، ليبادر بالهجوم قائلاً
- لماذا اتيتى، كونى صريحة معى لأكون صريح معك انا الآخر
زمت شادية شفتيها بحنق وهمت بتجاهله والابتعاد عن طريقه، الا انه احكم حصارها بجسده الضخم وعينيه التي لن تتركها مطلقًا لتستسلم له قائلة بحشرجة
-وحشنى
غصة أحكمت حلقها لتتابع بصوت أجش.

- رغم كل حقدى ليه وكرهى وساعات فى اوقات غضبى بلعنه، بس وحشنى
سكون غلفهما الا من هسيس صوته الخشن وهو يهدر فى وجهها بغضب
- الرجل عاجز يا امرأة، لن يكون انانيًا ليتزوجك وهو قعيد الفراش
رفعت رأسها محدقة فى وجهه لتغمغم باهتمام جلىّ
- عامل ايه فى علاجه
عض على نواجذه، يهم على تلفظ بشتيمة نابية ستخدش حيائها، الا أنه وللأسف يعلم مقدار اهميتها وماذا تعنى لشقيقه..
اضطر يرخي دفاعاته قليلا وهو يجيبها على مضض.

- الاطباء يقولون يحتاج لمعجزة ليستطيع السير مرة اخرى، وان كان سيلازم العكاز لكن حسنًا اللعنة لكل شئ
عجز عقلها عن فهم كلمة يتفوها، هي تحتاج اجابة صريحة اذا كان سيستطيع السير مرة آخرى أم لا!
عضت على شفتها السفلى قائلة
- مفهمتش، هيمشي تانى ولا لأ
زمجرة خشنة هى الاجابة التى تلقتها، تبعها نبرة جافة غليظة
- لست فى مكان يخولك لمعرفة خبر رجل غريب عنك.

توقف لبرهة وهو يحدق لوجهها مليًا، حاول تفسير تألقها وحسنًا لن ينكر انها حسناء من نوع خاص، نوع أعجب به شقيقه، لكن يوجد شئ مختلف، شئ زلدها ثقة وقوة! فغر شفتيه وهو يحدق نحو حجابها الأسمر ليغمغم بإعجاب
-الحجاب يبدو جيد عليك بالمناسبة، وتوقفى عن اثارة غضبه باقترابك من ذلك اللعين الآخر
لاحظت نبرة الانزعاج فى صوته، الا انها لم تستطيع منع زحف التورد لوجنتيها، تبًا لعائلة النجم جميعهم!

عيناها توجهت تلقائيا تحاه غرفته، وقد اضاعت الكثير من الوقت مع شقيقه، وشقيقها العزيز الذي فاجئها صباح اليوم بوجوده فى البلدة، اضطر وهو يطحن ضروسه ان يوصلها للمشفى وقد اعطاها فقط دقائق لمقابلته، اهتزاز الهاتف فى يدها نبهها انها اضاعت الكثير من الوقت لتشد قامتها قائلة بنبرة جادة
-عايزة اشوفه
حاولت التملص منه لكن اللعنة، جسده الضخم اعاق طريقها وهو يضم ساعديه على صدره قائلاً
- والمقابل؟

تشنجت عضلة فكه وهو يغمغم بجفاء
-ماذا ستدفعين بمقابل رؤيته، اتريدين ان تصبى لعناتك عليه؟ ام تشبعى حقدك لرؤيته
تلك المرة امسكت حقيبتها ودفعتها نحو جسده بقوة، جعلته يرتد مبتعدًا عدة خطوات ليس بسبب قوة دفعتها، لكن بسبب جرأتها على ما فعلته، جز على ضروسه وهو يهدر ملاحقًا اياها
- اللعنة، اين تذهبين؟
حينما وصلت الي الغرفة المنشودة، وضعت يدها على الباب ليغمغم من خلفها بغضب
- لن تدخلى
رفعت رأسها بتحدى قائلة.

- ابقى ورينى
ثم دفعت باب الغرفة متقدمة خطوات نحو الرجل الذى اعترفت بشوقها له امام شقيقه!
تبًا
أصبحت تتطبع بطباع ذلك الايطالى رغمًا عنها، لهفة عيناها وارتجاف قلبها جعلتها تضع عيناها عليه وهو يخضع علاج فيزيائي بين يدي الممرضة وارشادات الطبيب، تلون وجهها حرجًا وهمت بالمغادرة الا ان صوته الأجش اوقفها
- شاديااه!

تسمرت قدميها ورفعت عيناها لتحدق تجاهه، مستندا على حاملين والعرق يتصبب من جبينه، عيناها هبطت لا اراديا تجاه قدميه لتجده بالكاد يتحمل ان يقف مستندا بكامل وزنه على الحاملين، شهقت بجزع حينما هبط بجذعه على الارض لتقترب منه بلهفة وخوف ويديها لا اراديا تمدها ليستند عليها وهو!
لا حول ولا قوة له.

عيناه تتأملنها، تتفرسها، يخضعها لفحصه، يرى ما الذى تطرأ عليها وما الذى فقدته بعد اخر مرة جاءت به الى المشفى وعرضها الجنوني للزواج.

يكاد يضرب رأسه الآن لانه لم يوافق على عرضها الجنونى، لو اصبحت امرأته لأصبح تعبه هينًا جراء نظرات عينيها الملهوفتين عليه، شعر بيدي شقيقه والطبيب اللذين سارعا برفعه ووضعاه، على كرسي متحرك، وهو لم يشعر بهما، كل جل اهتمامه انصب على محور التى تحتل افكاره، عيناه تعانقها بحميمة واشتياق لهوف جعلها تكاد تضع رأسها داخل الرمال كالنعام وهى تشعر بنظرات شقيقه النارية ونظرات الطبيب المتسلية ليستأذن خارجًا هو والممرضة والوقح حتى الآن لم ينزل عيناه من عليها! وكأنه يخشي ان اشاحهما لبرهة ستختفى من امامه!

تنحنحت بحرج وهو تشعر بنظرات سامر النارية تكاد تحرقها من موضعها لتهمس بصوت أجش
-هل مسموح لى بالجلوس أم أرحل؟
انتظرته ان يجيب، لكن نظرته الجامدة عليها جعلها ترفع عيناها لتنظر الي وجه سامر الشامت استقامت بجذعها مغادرة لتسمع صوته الأجش الآمر
-اللعنة، لن تبرحى من مكانك شاديااه.

عيناها عادت للنظر اليه مرة اخرى لتقترب منه ونظرة عينيه لشقيقه كانت كافية لمغادرته على مضض، تنفست الصعداء حينما غادر شقيقه لكن رغما عنها تعذره، بالنهاية هو شقيقه ويحميه!
تلك المرة هو من قطع الصمت الذي خيم بينهما ليقول بصوت أجش مثقل بالعاطفة وعينيه لم تبارح حجابها
- شادياااه، رباااه تبدين مبهرة
همست بالشكر ووجنتيها توردتا ليغمغم بصوت خافت
- تبدين مختلفة.

اكتفت بهزة رأس، ولسانها منعها من التحدث، سمعت نبرة صوته الدافئة
- كيف حالكِ الآن؟
من المفترض انها من تسأله وليس هو، تمللت قليلاً وهى تهمس
-بخير
تلك المرة غلفهما الصمت لفترة أكبر، هو يشبع عيناه بحسنها، تبدو فى أشد حالات صفائها وهدوءها، وهي تتلصص النظر الي قدميه ثم اليه، كل ما جاءت لتخبره به تبخر لتبقى أمامه بلا حول ولا قوة!
زم سرمد شفتيه لبرهة من الوقت قائلاً بعد أن لاحظ انها رفضت اتصال على هاتفها.

- هل يعلم أحد أنك هنا معى؟
اجفلت من نبرة سؤاله، وصمتها الذى طال جعله يهسهس بغضب
- شادياااه
رفعت عيناها لتحدق في عينيه وهى ترى أتون مشتعل فى عينيه، لم تستطيع سوى ان يأمرها بخشونة
- ارحلى إذًا
اتسعت عيناها محدقة فى وجهه بعدم تصديق لما تفوه به لتهمس
-ماذا؟!
أصبح وجهه كالصخر الجلمود وهو يهمس بغضب.

- لن أعود لنقطة الصفر مرة آخرى، لقد أخبرتك أننى لست سرمد السابق، أحاول أن أصبح شخص أفضل وانتى لا تساعدينى على الأطلاق
لو كانت شادية السابقة لغادرت بعد ما طلب منها الرحيل، إلا ان عينيه تفضح شوقه بالرغم من الغضب المشتعل بهما، تنهدت يائسة لتهمس
- لقد جئت إليك بعد كل ما حدث، ألا يعني هذا شيئا لك؟!
لمعت عيناه لبرهة ثم صمت وهو يمرر أنامله على خصلات شعره ثم ذقنه المهذبة ليقول بخشونة.

- يعنينى كثيرًا يا برتقالية، يعنيني كثيرًا
صمت للحظة وهو يود لو زرعها بين جنبات صدره، بل ويمنعها المغادرة من حجرته، أفكاره معها غير بريئة والشيطان يلعب بنذالة معه، وهو يحاول أن يكون أفضل من أجل نفسه ولها!
تبًا كل آثار التغيرات عليه، طارت فى ادراج الرياح، وكله بسببها هى! انتبه للدموع التى تسقط بصمت على خديها ليقترب بكرسيه منها هامسًا بخشونة
-لما البكاء؟
انتبهت على قربه لتهز رأسها نافية قائلة
-لا شئ.

زمجر بيأس تلك المرة وهو يشعر بذبذبات لعينة تحدث فقط بالقرب منها، روحه تهفو لها، وجسده موحش لعناقها، وويل لعقله الذي يأمره بالتريث والتعقل
-شاديااه
زمت شادية شفتيها لتجيبه بسخرية حانقة منه
- احدى نوبات النساء الشهرية يا سرمد كما كنت تتبجح امامى سابقًا.

لوهلة جحظت عيناه من ردها، سرعان ما انطلقت ضحكة مجلجلة جعلت شادية تشعر بالحرج وانبثاقة أمل يرفرف فؤاده وهى تنظر الى وجهه، أفضل بكثير عما كان عليه سابقًا، لم تكن تعلم أن ضحكة ذلك الوقح جميلة للحد تكاد تتغزل به، ظلت كالبلهاء محدقة به وهو لاحظها ولم يحاول القاء اى دعابة سخيفة كي لا يفسد لحظة صفاء بينهما ليهمس وهو يمرر يديه على ذقنه
-انتي لا تنسين
همست شادية بصوت خافت
-لم انسى حديث عابر حتى بيننا.

طرقات على باب الغرفة، تبعها دخول غيداء وهى تحمل مشروبها لتقدمه تجاهها قائلة بنبرة حنونة
- المشروب الدافئ يا صغيرتي
ابتسمت شادية وهى تأخذ الكوب منها قائلة
- شكرا يا طنط
ارتشفت شادية المشروب، وحنين جرفها لايام سابقة معه، حاولت منع تدفق اي ذكريات فى الوقت الحالى، الا انها لم تنسي اول مرة ارتشفت مشروبه..

تتذكر وقتها حينما فسخت خطبتها الفاشلة بلؤى حينما عادت زوجته على قيد الحياه كما كان يسخر، انتبهت على ملامح وجه غيداء الملهوفة لتتدارك نفسها وهى تهمس بخجل وارتباك
- هل اضايقكم فى شئ، يمكننى الخروج
نظر سرمد تجاه والدته ثم استجاب لإلحاحها ليغمغم
- أمى تريد صورة معك
اومأت شادية بترحاب شديد وهو تستقيم من مجلسها مقتربة من غيداء قائلة ببساطة
- حسنًا لنأخذ صورة سيلفى معًا
التقطت غيداء صورتين معها ثم تمتمت.

- حفظك الله يا صغيرتى، وارشدك إلى الطريق الصحيح
غمغم تلك المرة سرمد بالايطالية
- كثفى الدعاء لنا يا أمى، سأموت كمدًا وهى قريبة منى هكذا، ولا أستطيع الأقتراب منها
حدجته والدته بغضب لتنهر فى وجهه قائلة
-تهذب يا ولد
لم تستطيع تلك المرة شادية تجاهل اتصالات شقيقها، لتهمس باعتذار
- حسنًا سأضطر للمغادرة، كى ألحق الطائرة.

ورغم امنيته ان تظل لفترة أكبر، خاصة لم يستطيع ان يشبع عيناه بها، لكن يكفى انها جاءت اليه تلك المرة بارادتها..
جاءت وقد تخلت عن الحذر والغضب
جاءته تلك المرة راغبة، وهذا جعله يشعر بالأمل، انها ربما ستسامحه، ستغفر له بالنهاية، غمغم بنبرة هادئة
-سأدع سامر يصطحبك الى المطار
تقسم لو انتهي بها الحلول لن تمكث مع اخيه الغاضب، لتقول بهدوء
-أخى بالأسفل شكرًا لأهتمامك
ودعت غيداء لتهم بالخروج الا ان نداءه اوقفها.

- شاديااااه
سألها تلك المرة وهو يتمني سماع جوابها
- هل أدع بعض الأمل يتسرب داخلى؟
ظلت تتطلع اليه بصمت يائس، لم يستطيع عقله فك شفرات تلك النظرة، ثم هزت رأسها بيأس حينما رن هاتفها لتبتسم باعتذار وهى تغادر وعينيها معلقة نحوه لثانيتين، لتتركه بلا رد صريح
او جواب شافى لقلبه العليل ويأسه من الحصول على اجابة صريحة
تطلع نحو والدته بيأس ليغمغم
- لم أفهم، هل هذا نعم أم لا؟

اخفت غيداء ابتسامة ماكرة، تعلم ان قدومها اليوم بشرة خير للقادم، لتربت على كتفه قائلة
- تجهز للجلسة القادمة فى الغد، لا تسهر يا صغيرى
زمجر سرمد بحنق وهو يراها تتعمد عدم اجابته
-أمي
تنهدت غيداء وهى تضم راحتي يديها على وجنتيه لتغمغم
- لا أملك سوى الدعاء لكما بكل خير
تنهد سرمد بحنق وهو ينظر تجاه الباب المغلق بنظرات متوعدة، يقسم حينما يرتد عافيته، سيريها تلك المرأة
سيعلمها كيف لا تبرح مكانها وهو مريض!

استفاقت شادية من شرودها على لكزة من فريال، لتقول ونظرة عينيها تلمع بالمكر
- مقولتيش عقلك سافر لفين
عضت شادية على طرف شفتها السفلي لتجيب فريال قائلة بصراحة
-لما روحتله المستشفي، الموضوع عدي عليها كذا شهر وحاسة ان الوقت اتجمد من بعدها
عبست فريال لبرهة، تعلم ان امر ذهابها خلسة لا يعلمها سواها هي واشقائها، ولا تعلم اذا كان يعلم خالها بهذا الأمر، ام قرر ان يتجاهل الأمر حتي يعلم مدى وصول الأمر للنهاية!

شادية لا تعترف سوى بالاشتياق والوحشة له، اما المسامحة ! ضمت فريال حاجبيها لتقول بنبرة جادة
- شادية متهزريش، احمدي ربك انه معاكي اخوكي وقتها، والموضوع خلص على خير
الا ان شادية لم تكن معها، كانت مأخوذة بتغيير سرمد، وان كان فظًا قليلاً او حتى لم يلجم تصرفاته، الا ان شتان الوقح الذى كان يتعمد ملامستها بسبب او بدونه وشتان بين الذى عرضت عليه المساعدة ورفض اخذ يدها.

رفعت عيناها الصافيتين، بلمعة كهرمانية اثارت حفيظة فريال لتسمعها فريال تهمس بدون وعى
- فى وقت كدا بيجي فى بالي، لو، مجرد كلمة لو، هبقى بالنسباله ايه حاليا
جحظت عينا فريال لبرهة، هل ما تتفوه به ابنة خالها صحيح أم اصاب عقلها بما يعرف العته لتلوى شفتيها قائلة بتهكم
- مراته مثلا!
اتسعت عينا شادية وهى تنظر الى ملامح فريال المتهكمة لتهمس اسمها بعتاب
- فريال
رفعت فريال احدى حاجبيها لتسترسل بتهكم تاام.

- ما انتي اللي بتقولي، انا فتحت حتي بقي بكلمة
اشاحت شادية بوجهها وعينيها تعود للطبيعة مرة آخرى لتسمع صوت فريال الحانق
- وبعدين، اي اخرة الشد والجذب دي، انا تعبتلك بجد
لثواني ترددت شادية فى الاجابة، تعلم ان اجابتها لن سيزيد من تهكم فريال الا انها بالنهاية غمغمت ببساطة
- انا مش هفكر تاني، هسيبها بظروفها.

اقتربت فريال لتمسك عضدها محاولة جذب اهتمام عينيها نحوها، الا ان الاخرى فضلت منظر الطبيعة لتسمع استنتاج فريال
- نقدر نقول انك خلاص تخليتي عن حقدك ليه
التفت شادية تجاه فريال لتهمس لها بهدوء مثير لأعصاب الاخرى
- مش فكرة اني اتخلص من الحقد اكتر ما انا لامست روحه الجديدة، مختلف يا فريال اوي عن اللي اعرفه، لو قابلته بشخصيته دي فى وقت تاني مكنتش فرطت فيه ابدا.

توجست فريال خيفة من تلك النظرة الملتمعة بعينيها، تقسم انها نظرة اعجاب، بل تكاد تقسم على هذا الأمر، الحذر والبغض غادرها نهائيًا ليحل محله صفاء مريب بعض الشئ ولمعة اعجاب تكابح لاخفاءها لتقول فريال
- وليه تستني ما هو قدامك
هزت شادية رأسها نافية لتقول باقتناع تام
- صدقيني، الوقت ده محتاج يقعد مع نفسه وذاته وعيلته اكتر مني
كشرت ملامح وجه فريال لتقول بإلحاح
- وليه متبقيش عيلته.

الأمر لن تتفهمه فريال، هى على يقين تام ان سرمد أصبح حسنًا، لقد انبهرت به حتمًا، وكون ما فعله لن تستطيع نسيانه نهائيًا، الإ انها وللغرابة لم تعد غاضبة ناقمة عليه كما سابق الأمر
هل أصبحت معتلة مجنونة الآن؟!
هى أكيدة من هذا الأمر، رباااه ماذا يحدث لها حينما تتخيله قريبًا منها، بل والأسوء جزء منه كما كان يتبجح سابقًا..

لم يخفى على فريال ذلك التورد مزين خدّى شادية لترفع حاجبها بتهكم وهى تسمع شادية تهمس بتعجل
- لاني مش هعرف يا فريال، عموما الوقت اتأخر وانا ورايا شغل كتير ومحتاجة ارتاح
لاحظت تعجل شادية بجذب اشياءها لتختار طريق الهروب مرة اخرى كى لا تخضع لاستجواب مرة آخرى لتقول فريال
- طول ما قلبك مش مرتاح، صدقيني مفيش حاجة هتريحه
التفت شادية بابتسامة هادئة وهى تربت على صدرها قائلة
- بس روحي مرتاحة، وده الاهم.

ودعتها على عجالة لتغادر القصر بأسرع وقت ممكن، حابسة نفسها فى فقاعة العمل كى لا تعود للشرود مرة آخرى، ستهلك نفسها نهائيًا حتى تسقط على فراشها فى غيبوبة قصيرة لصباح اليوم التالى..
انتشلت فريال هاتفها من على المنضدة لتعبث به قليلا قبل ان تضعه على اذنها مستمعة الى صوت رنين قبل ان تسمع صوت خالها يحييها بحبور لتعاجله قائلة بسخط
- انت محتاج تشوف بنتك بجد، قربت تتجنن.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة