قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وتسعة وخمسون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وتسعة وخمسون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وتسعة وخمسون

جذبتها تلك الأضواء المبهرة
كفراشة أسرت ناظريها النار
وحينما اقتربت مقتبسة الدفء
احرقت جناحيها
كما احترقت هى كليًا..
داخل جمعية النادى
تحركت جميلة بخطوات راقية وابتسامة ناعمة تحتل ثغرها تتوقف مع كل تجمع نسائى متلقية مباركات الجميع على حمل ربيبتها وجد، لقد فجرت القنبلة قبل الغداء شاكرة وجود وجد معها فى هذا الوقت بالتحديد، لكن ما لم تتوقعه فى الحسبان.

ذلك الضيق، لقد غادر البريق من عينيها وهى تشعر بالوحدة تقتات من روحها
النساء هنا لا تركزن سوى على النميمة والغيبة، وحينما يحين موسم الزواج، تقاتل كل امرأة لنيل شاب وسيم، صاحب أعلى مركز ومنصب اجتماعى ومالى
لقد رأت هذا وهن ينصبن أعينهن على عدد محدود من الرجال.
لا تعلم لما لم تشعر بالحماس ككل سنة؟، أبسبب زواج صغيرتها؟ أم أن الصغيرة تثبت لها أن السعادة تستطيع الحصول عليها بعيدة عن هذا المكان تحديدًا.

تشعر بالغيرة من تحية، فصغيرتها تعتبر يوميًا شبه ملاصقة لها فى حيها الشعبى الضيق، مفضلة صحبتها عن النساء هنا وعنها، وحينما تشكو لها تخبرها أنها تأتيها في إجازات اخر الاسبوع وكونها تعلم انها ليست متفرغة تماما بجمعيتها وجلسات النادى والصالون التى تشغل نفسها طوال الأسبوع تاركة فقط عطلة الأسبوع للعائلة.

اضطربت ابتسامتها وهى تراقب الصغيرة عن كثب، عينيها محدقة نحو البروز الظاهر لبطنها وقد تبقى أشهر معدودة ليشرف الحفيد الى الدنيا، بقدر حماسها للأمر بقدر خوفها أن تستخلصه تحية لنفسها، انتبهت على صوت إحدى النساء مقتربة منها وابتسامة صفراء مجاملة تحتل شفتيها قائلة
-جميلة هانم، مبروك على حمل وج. رغم انى بجد زعلت أنك منوهتيش بخبر سعيد زى ده فى جلساتنا قبل كدا
ابتسامة متكلفة زينت ثغرها، مغمغمة بهدوء.

- مكنش فيه فرصة، أكيد فاهمة مشاغل الجميعة ونشاطها فى الوقت ده
تدخلت امرأة أخرى قائلة بصوت لائم
- رغم انى من ضمن نهج الحمل بعد السنة الأولى من الزواج، اعتقد ده بردو كان نهجك وبتنصحي بيه الانسات هنا فى الجمعية
تجمدت الابتسامة على شفتيها، وهى ترى ما تحاول تلك الحية الرقطاء الوصول إليه
ما دخلها هى إن رغبت الصغيرة بطفل، أو حملت بإرادة الله؟ الاب والام موافقان ما دخلها هي ودخلهن.

لا تنكر سابقًا صدمتها الجلية حينما فجر زوجها تلك القنبلة فى وجهها
وقد لامت صغيرتها، وان لم تنطقها صراحة خوفًا من اثارة غضب غالب، لكن عينيها لامتها كثيرًا، لكن وجد
سعيدة، متألقة كما لم تكن يومًا فى سنواتها المنصرمة التي قضتها بين كنفهن، وليست حمقاء غرة ساذجة، الفتاة مسؤولة واعية ما هى مقبلة عليه بدليل حضورها جلسات النادى عن الرضاعة والحمل والوضع والسنة الأولى للطفل والأم.

تمتمت جميلة بنبرة أظهر امتعاضها وان دارته بابتسامتها الجافة
-زى ما قولتى يا شاهى، بنصح ولكل واحدة تتحمل تبعات قرارها، الولاد اللى بنربيهم بنكون شايلين حمل مسؤوليتهم بس لما بيكبروا بنخليهم يتحملوا مسؤوليات قراراتهم
سارعت الأولى تحدق بمكر نحوها ونحو وجد المنشغلة بالحديث مع امرأة
- افهم من كدا انك معترضة لحد الآن على جوزها حفيد تحية الشوربجى
جن جنون جميلة وهى ترفع رأسها بحدة قائلة بلوم.

- من امتى بندخل فى حياة راجل ومراته، احنا هنا بس منصحين وقت ما حد فيهم بيحتاج مساعدة لا اكتر ولا أقل، ثم انا مش معترضة على حفيد الشوربجى، طول ما بنتى سعيدة أنا سعيدة
لوت الأخرى شفتيها بسخرية، لتجذب إحداهما يد الأخرى قائلة
- شاهى، نازلى هانم وصلت
الحماة الذهبية التى تتسابق عليها جميع سيدات المجتمع، بالطبع هى الموضوعة فى البؤرة بعد علمهن عن وجود مساحة خالية لدخول امرأة لحياة ابنها الوسيم.

اقتربت منها وجد ملتمسة كفها مغمغمة بقلق
- مماة، انتى كويسة؟
عيناها حدقت نحو التجمع المريب حول المرأة التى تنافس جمالها جميع فتيات العقد الثانى والثالث العازبات، تعلم رغم جميع تهافت النساء نحو ابنها لكنهن لن يستطعن مدارة الغيرة تجاه جمالها الذى يظهرها فى سن صغير دائما، مثيرة غضب الأخيرات اللاتى تبرز عليهن عمليات التجميل رغم اعتنائهن الفائق وإجراء الجراحة خارج مصر لكن لا شئ يفوق مدى جمال نازلى بينهن.

تمتمت ببرود
- بشوف الدنيا تافهة قد ايه من الرؤية اللى قدامى
حطت وجد عيناها نحو كبش الفداء الذهبي، لتتسع عيناها مكرًا وهى تغمغم بمشاكسة
- نازلى خاطفة الاضواء عشان ابنها الاعزب الشهير على الاطلاق وحلم فتيات مصر، وكل سيدات المجتمع بيحاولوا يجوزوه لبناتهم افتكر كنتى بتعملى كدا زمان.

لن تدعى جميلة انها لم تفعل ذلك، لكنها لم تدفعها لزواج رجل مطلق، بل حرصت أن يكون الرجل من لم يسبق له الزواج، مناسب لسنها الصغير وسبق لها رؤيته والتعامل معه وإن كان حديثًا مختصرًا أو سلام عابر، لكن بالنهاية غالب وهى اختارا الزوج
وهي لن تنكر انه يعاملها باحترام مبالغ، ورقى ينضح من خلجاته بعكس جدته، ليس شيئا مكتسبًا، بل وراثى، شئ وحيد جيد يبدو أن جدته زرعته داخله فى مسكنهم الشعبى.

زفرت جميلة وزخم افكارها لا يريد مغادرتها، خاصة الآن، مع اقتراب حفيد وتشابك اواصرهم معًا لتغمغم
- عارفة ايه اللى مضايقنى
عقدت وجد حاجبيها لتبتسم جميلة امام وجهها الصبوح مقرة بإعتراف
- انى غلطت اقراه صح اول مرة فى حياتى، مش هشيح بعينى واغض بصري وانا بشوف وجد اكتر ثقة وهدوء ورزانة، وأم في المستقبل، وجودك معاه خلانى اشوف بنتى اللى اتمنيت اشوفها.

التمعت عينا وجد بسعادة، ويبدو أن سياسة التى انتهجها عاصى معها قد أتت بثمارها، همست بسعادة تنطق بها كل خجلة منها
- خلاص عفوتى عن عاصي باشا
هزت رأسها دون أن تعطيها رد، وكان هذا كافيًا لوجد إلا أن ابتسامتها انحسرت حينما قالت جميلة بعداء
- جدته نهائى اطلاقا، احيانا بشك انها فعلا بنت الذوات
اقتربت وجد ممسكة بذراعها مدافعة عن المرأة قائلة بود حقيقي.

- توحة صدقيني لو قربتي منها هتغنيكى عن ألف سيدة متملقة من المجتمع ده، توحة عرفت انها مهما قعدت وكونت صداقات هنا كلها هتكون مؤقتة وزائفة، الطبقة هنا بتحكمها الفلوس والسلطة وإذا ميزان منهم اختل اصبح الشخص منبوذ منها
لم يدهشها جميلة مدى نباهة صغيرتها، كانت تعلم أن صغيرتها بحاجة لبيئة مناسبة تستطيع أن تنمو بها وتزدهر
وصغيرتها وجدت بيئتها.

لقد ضربت صغيرتها وترًا حساسا عن شعورها بالوحدة، فلم يتوافر لها منذ الصغر بوجود أم أو شقيقة تستطيع أن تعتمد عليها بأدق أسرارها، فمهما بلفت علاقتها وعمقها مع غالب إلا أنها كانت بحاجة لأنثى، ولم تستطيع أن تكتسب سوى معارف سطحية لم تصل حد العمق وليست فاترة لحد التجاهل..
استمعت الى نبرة التوسل فى صوت صغيرتها بتدلل
- بليز مماة عايزة علاقتكم تكون كويسة
زمت جميلة شفتيها بحنق مغمغمة بإكراه
- هحاول مش هوعدك.

صاحت وجد بسعادة مصفقة كلتا يديها، مما أثار حرج جميلة وهى تنظر يمينا ويسارًا تبتهل ألا يلاحظ أحد تصرفها المخترق لقواعد الإتيكيت، لكن يبدو النساء مشغولات بالحماة الجديدة لتمتم من بين انفاسها
- الست عندها إمكانية تطلعنى من شعورى
استطاعت وجد ان تسمعها لتشاكسها بمرح
- بس قلبها ابيض زى السكر
تصاعد رنين هاتف وجد لتهمس لها باعتذار
- عاصي بيتصل، ثوانى يا مماة.

هزت جميلة رأسها وهى تراقب ابتعادها عن التجمع حنى تستطيع الرد على زوجها، عيناها عادت مرة آخرى لمراقبة نازلى، المرأة الأجنبية التى فوجئ بها وسط مجتمعهم بدخولها، ورغم عراقة اصلها وارتباطها بسليل عائلة النحاس إلا أن بعض النساء لم يتخذنها موضع جدىّ للمصادقة، وهى لم تكن تملك من الوقت المتفرج فكانت تعمل عارضة أزياء حتى بعد زواجها ثم انعزلت عن الاضواء تمامًا ما إن أنجبت ابنها البكرى مفضلة رعاية منزلها وأسرتها..

خرجت من شرودها على صوت وجد المعتذر
- اسفه يا مماة، مش هقدر اكمل باقى اليوم معاكى، تحبى نوصلك ولا هتكملى اليوم فى الجمعية
هزت جميلة رأسها بهدوء قائلة
- متتقيديش بيا، سلميلى عليه
لاحظت اقتراب عاصى بطوله الفارع جاذبًا معه نظرات بعض السيدات، ابتسامته مهذبة دافئة ومد يده بلباقة قائلاً
- ازيك يا هانم
وضعت يدها فى كفه قائلة
- مش مستاهلة يا دكتور عاصى، تقدر تقولى جميلة احنا بقينا أهل.

لمعت عينا عاصى وهو يعطى نظرة خاصة لزوجته متسعة الابتسامة من الاذن للأذن، فما أن أنهى سلامه حتى رمت بجسدها على ذراعيه التى تلقاها برعاية واهتمام شديدين وهو يغمغم بجدية لعمتها
- المقامات محفوظة يا هانم وكل شخص وليه مقامه
لم تملك جميلة فرصة لمجادلته مغمغمة
- زى ما تحب.

عينا وجد ترصدت الفتيات الوقحات اللاتي تنظرن إلى زوجها بوله، تبًا الا تنظرن بجانب انه متزوج الا انه سيصبح أب عز قريب، شدت اناملها على قميصه الفخم المصمم من قبلها، لقد كانت تتغزل به صباحه كيف ناسب جذعه القوى المعضل، وكيف أحبت لونه على جسده، لكن الآن وهى ترى اعجاب الفتيات عليه كرهت القميص، بجانب استماعهن لحديث عاصي مع عمتها، جعلها تجذبه من ذراعه مغمغمة بغضب مدفوع بغيرة.

- عاصى من فضلك، انت مش حابب يا روحى تخلى الستات دى عنيها تركز عليك
عقد عاصى جبينه قائلاً بعدم فهم
- نعم!
جزت وجد أسنانها على ضروسها مهسهسة بحدة
- صدقنى بطريقتك مع كل واحدة فيهم، هتبدأ تعرض عليك بنتها ومش هتفرق معاها ابدا انك متجوز واحدة، والله اقتلك لو فكرت فى واحدة غيرى
انفجر عاصى ضاحكًا وهو يضم زوجته الغيورة لصدره مقبلا رأسها هامسًا فى أذنها بمشاكسة يعلم انها ستنفجر غضبًا.

- هو انا مجنون عشان اكرها برضو يا اميرة
جنون هو كل ما رآه في عينيها الذباحتين اللتين أردته واقعًا فى بحور عشقها ما ان حطت عيناه أول مرة عليها، غمغم مداعبها طرف أنفها بسبابة أصبعه
- بهزر يا باشا، انت ما مبتهزرش
إلا أنها ما زالت على حالة الغضب والحنق الشديدين منه، لتدفعه بقليل من الوهن قائلة بعبوس
- لا يا خويا بهزر، اوعى كدا.

احكم وثاقها بحزم شديد جعلها تدرك أنها ما زالت امام مرأى العامة، الوقح يعلم انهما امام العامة ومع ذلك لم يمنع نفسه من اثارة غيظها
فليحمد ربه انها لم تضرب خاصرته او تلكزه او حتى تلقى بكوب العصير على القميص لتفسده، صاحت بحدة وهي تسمع لضحكاته الخافتة
- بتضحك على ايه.

مالا مقبلاً جبينها وقد تلكئ لثوانٍ زيادة معدودة، دفع تضرج وجنتيها حمرة وهى ترى ما يفعله أمام النسوة وأمام عمتها جميلة التى تهز رأسها بيأس رغم ابتسامتها البسيطة، دفن وجهه فى خصلات شعرها هامسا فى أذنها
- توحة دمرتك، انا عايز النسخة الاميرة القديمة بتاعتى، اللى وشها بيقلب الوان بمجرد همسة واحدة ولمسة منى.

عضت باطن خدها وهى تضع يدها على بطنها البارزة ساعدها فستانها العملى البسيط المخصص للحوامل من اظهار بطنها المتكورة بفخر امام نساء الجمعية
- وبالنسبة اللى فى بطنى ايه مش واخد بالك منه
عيناه مرت برقة وانامله ربتت على بطنها قائلا بصوت مرح
- اعصابك يا روحى، عشان متخلنيش اكسر دماغك.

استأذن بأدب من جميلة قبل أن يسحب ذراعها بهدوء وحزم لتسير معه مضطرة، وما ان ابتعد عن الجميع، وان كانت ما زالت العيون تتابعهم بفضول وترقب، فتلك المرة الأولى التى تقدم وجد مع زوجها بعد زواجها وفضيحة خطبتها السابق بالكابتن الطيار ماهر السويسرى..
غمغمت وجد بحدة وهى تحاول ازالة يده عن جسدها
- تصدق انا غلطانة انى بتكلم
ابتسم عاصى بمكر وهو يميل طابعًا قبلة على خدها بالتلكؤ هامسًا بخشونة
- انت الكبير، يا كبير.

رغم غضبها لكنها أحبت العبث معه وهى تمد يدها تمرر أناملها على قميصه الأزرق الذى صممته له بفخر، بل جسده هو ما جعل القميص أكثر إغراءً
بحياتها لم تصدق أن ملابس الرجال تجعلهم مغريين، أم أن فقط زوجها حبيبها استثناء عن القاعدة، تمتمت بحدة
- متتعاملش معايا على قد عقلى، خلى بالك انا عقلى اكبر ومدرك اكتر منك
زم عاصى شفتيه برهة قائلاً بصوت غامض.

- ويا ترى يا ام عقل اكبر وادرك منى، متعرفيش جوزك بيفكر فى ايه دلوقتى
لم تدرى كيف انطلق لسانها دون تفكير مغمغمة
- فى كرشه
ارتفع حاجبا عاصى حد لامسا منابت رأسه وهو ينفجر تلك المرة مقهقهًا بصدى صاخب التفت على أثره رؤوس النساء فى التجمع، تلونت وجنتيها حرجًا وهى تجده يميل مقبلاً خدها برحابة صدر جعلت بعض الفتيات ينظرن للأمر برومانسية حالمة رجل يصالح حبيبته الغاضبة.

لكن الحمقاوات يتجاهلن أنه زوجها، تمتمت بخجل وهى تراه يلف ذراعه حول خصرها ويده الاخرى تداعب بطنها البارزة بوجل ولهفة
- عاصي، الناس عيب
تمتم عاصى بتسلية
- انا ههحرم عليكى قعادك مع توحة، من هنا ورايح هتكونى جمب عمتك، عايز ابنى او بنتى تطلع زي اميرتى اللى اعرفها مش المتوحشة زى اللى قدامى
دائما كلامه يثير حنقها، مما جعلها تجذب ياقة قميصه مقتربة منه بوعيد
- والمتوحشة اللى قدامك مش عجباك.

عينيه تأملت جسدها بحسية أشعلت نيران جسدها رغبة تكاد تبارى رغبته، وهى تسمعه يميل نحو أذنها يخبرها بهمس خاص أجش
- المشكلة انها عجبانى، عجبانى بزيادة
تمتمت بخجل وهى تربت على صدره بدلال
-عاصي
أجابها بنبرة حميمية خاصة
- عيونه يا اميرة العاصى
تنهدت وهى تضع رأسها على صدره هامسة بنزق
- صدقنى اسمك مش لايق عليك، كان المفروض يسموك أمير
اتسعت ابتسامته وهو يتذكر أن سبب تسمية الأسم يعود لأبيه رحمه الله، ليغمغم.

-حكم القوى نقول ايه
عينا جميلة غامت بسعادة تفوق سعادة ابنتها وجد، وهى ترى مشاكسة حبيبن لا تتعدى الخطوط، انتبهت على صوت امرأة ناعم مخملى
- احييكى يا جميلة، زمن الحب والمعجزات منتهاش وده بقوله لجوزى، بس اللى شوهها هى النفوس
رنت جميلة نظرها تجاه المرأة التي تجزم لولا معرفتها عمرها الحقيقي، لظنتها فى بداية الثلاثينيات لتغمغم بتعجب
- نازلى هانم
ابتسمت نازلى برقة وهى تغمغم برقة لا تدعيها، بل متأصلة له.

- تقدرى تقوليلى نانى، زى ما بحب اسمعها من المقربين منى، نازلى تقيلة شوية
تمتمت جميلة بتعجب وهى تلاحظ قربها منه مفضلة الحديث معها تاركة السيدات من خلفها
- بقالك فترة طويلة وسنين مش بتحضرى الاجتماعات، اعذرى فضولى لو سألت
هزت نازلى رأسها بيأس قائلة بأسى.

- لأن الجمعية زى ما هى، للاسف مفيهاش روح ولا ناس، جيت هنا بعد ما سمعت خبر الموسم سليلة عيلة المالكى اتجوزت عن حب بجد وانا بحب اشوف واقرا قصص الحب فى الحقيقة
هزت جميلة رأسها يائسة دون حديث، فالمرأة تبدو هائمة تماما عن الحب وهى فى ذلك العمر، غمغمت بنبرة فضولية
- يعنى مش جاية تدوري على عروسة لابنك
تجمدت تعابير وجهها الحسناء، لتهمس بغموض
-اتمنى، لانه لو فقد الأمل، هيفقد العطاء.

قالوا أن الشياطين لا تتعب
فما بالها الآن تشعر أن جميع قواها خارت؟!
حتى وإن تظاهرت باتت جميع أقنعتها مفضوحة
هل خبتت نيرانها؟!
دموع غبية لا تفارق مآقيها سندًا لها فى ليال سهاد تعانيه بمفردها، ولا نوم يجنح حتى فى أولى ساعات الصباح!
مررت آسيا اناملها على خصلات شعر تسبيح بشرود، والصغيرة تقرأ لها قصة من كتاب الذي أهداه لها الهركليز.

عيناها جامدتان، وشفتيها مبتسمتان نحو كل كلمة واشارة تفعله الصغيرة، طبعت قبلة على جبين الصغيرة حينما أنهت القراءة لتسمع همس الصغيرة
-ميس آسيا
تمتمت آسيا بابتسامة لطيفة وعينين مجهدتين من السهر
- نعم يا روحى
عقدت تسبيح حاجبيها تفكر فى حل لمعضلتها، تمتمت ب إستفسار بسيط
- هو لو طلبت لون زى عنيكى هل هيتحقق
رفرفت بأهدابها عدة مرات، مأخوذة من سؤالها الذي أعادت افكارها لمنطقة الصفر، تمتمت بنبرة فضولية.

-وليه لون عينيا؟
اتسعت ابتسامة الصغيرة محدقة في ذلك الفضاء الشاسع فى حدقتيها، يذكرها باتساع المحيط و احتضان السماء لها لتمتم بانبهار طفولي
-بحب الازرق
تألقت حدقتى آسيا والصغيرة منبهرة بما يموج فى عينيها، تأثرًا مع مشاعرها، لتهمس آسيا بمشاكسة وهى تقرص وجنتيها
- واللون البنى
تبرمت تسبيح مجيبة اياها بعبوس
- البنى مش مميز، لون باهت ملهوش أى معنى، بعكس الأزرق بتبقى مميزة وسط الناس.

ابتسمت آسيا بتحفظ، لتضم الصغيرة بين ذراعيها، فرغم كون الصغيرة ما زالت تعانى من مرض البهاق وجعلها فى دائرة شائكة بين المجتمع العميق، تحاول هى أن تثبت جذور ثبات الصغيرة، فمع أى ريح تنكسر جذورها، وهى ترغبها أن تلين مع أى ريح حتى لا تقلع ثبات مبادئها
مررت اناملها برقة على وجهه الصغيرة قائلة بنبرة حازمة.

- تسبيح اللون مش بيحدد قيمة الشخص، الشخص هو اللى بيحدد قيمة اللون، تعرفى انا نفسى تكون عينى بنى مش ازرق
حدقت تسبيح فى وجهها بعدم تصديق، لتمتم بنبرة بائسة
- ياريت كان ينفع نبدل
عقدت آسيا حاجبيها بريبة، ويبدو أن لون عينيها سيكون محور أحاديثهما القادمة لتمتم بسخط
- ده انتى مصيبة
انفجرت تسبيح بضحك مجلجل مع مداعبات آسيا لتجيبها بإقرار
- انا مصيبة صغيرة يا ميس آسيا زى ما بتقولى.

طبعت قبلة على جبينها وهى تمتم لها بتبرم
- تقدرى تقوليلى يا سيا، يا تسبيح انا مش مدرسة
عضت الصغيرة شفتيها وهى تجيبها بنبرة بدت أكبر من سنوات عمرها
- دكتور عاصى قالى لازم احفظ مقام كل شخص هنا، عشان لما احب حد يحترمنى لازم احترمه الأول
لمعت عينا آسيا بتقدير لزوج وجد، فالجميع هنا يقدرونه بل ويحترمونه حتى مديرة المؤسسة تتخذ قرارته فوق أى اعتبار، غمغمت بنبرة منفعلة غيورة
- بدأت أغير من دكتور عاصى علفكرا.

اقتربت تسبيح وهى تحتضن خصرها قائلة بصوت ناعم
- بس انا بحبك
والكلمة زلزلت آسيا
وأسفل معدتها تئن فى حاجة
تحتاج لطفل من رحمها، ستموت كمدًا إن لم تحقق هذا المطلب
انسلت الدموع من مآقيها، وعينين داكنتين مراقبتين، تحفظان كل همس وحركة بسيطة منها
قلبه يتألم لرؤية دموعها، وروحه تكاد تندفع يخر على ركبتيه طالبًا سماح شيطانته والعودة إلى أراضيها بعد نبذها له
لكن روحه تقهقرت
وثبطت عزيمته.

وجسده هاج وماج صارخًا حينما رأى تلك الحلقة اللامعة في بنصرها الأيمن
شئ داخلى، بدائى منه يرغب الان بخطفها واجبارها على عودتها له، وسيلبي نداءات رحمها ويزرع العديد من الأطفال كما ترغبهم
يعترف أنه كان أحمق أناني، وأنه غض بصره عن رؤية أن آسيا أضعف من أن تقتل نملة.

هى أرق وأكثر هشاشة مما تتظاهر به عيناه تأملتها مليًا وهو يراقب تصرفاتها الامومة تخرجها بانطلاق امام تلك الصغيرة سمع حديثها العابث مع الصغيرة التى تعشق لون عينيها
- بتحبينى عشان عيونى، مش كدا؟
اومأت الصغيرة رأسها بخجل وهى تدفن رأسها فى صدرها، مما جعل اسيا تنفجر ضاحكة وهي تمرر أناملها في خصلات شعرها قائلة
- مبسوطة هنا
هزت الطفلة رأسها عدة مرات مجيبة
-جدًا.

ابتسمت آسيا وهى ترى الصغيرى نسخة أفضل عنها، هى امتلكت والديها لكنها عاشت وحيدة
والصغيرة مات والديها لكنها أحيطت بمن أحبها، دعموها نفسيًا وأخرجوها من شرنقة الحطام الذي عاشت به
تمتمت بفضول متسائلة
- نفسك تبقى ايه لما تكبرى
زمت تسبيح شفتيها مفكرة عدة ثوانٍ، قبل أن تجيبها بإبتسامة واسعة
- عايزة ابقى ممثلة
رفعت آسيا حاجبيها مأخوذة من ردها، لتمتم.

- افتكرتك هتقولى دكتورة، بس مش مشكلة ممثلة حلو برضو انا هكون من اول المعجبات
خيم ظل أسود عليهما، مقاطعًا حديث الفتاتين، كانت تسبيح أول من رفعت رأسها لتتجهم ملامحها نفورًا رغمًا عنها
لطالما أعجبت بالعم لؤى أكثر من هذا الرجل
وقدمت له كامل دعمها، ومحبتها له، تمتم زاهر بابتسامة مهذبة لطيفة
- صباح الخير
نظرت اليه بفتور مجيبة إياه بنبرة جافة
- صباح الخير يا زاهر
مال بجذعه مصافحًا الصغيرة قائلاً بصوت دافئ.

- صباح الخير يا انسة تسبيح
اختفى عبوس تسبيح مع الشوكولاتة التي قدمها لها كرشوة جلية أمام عيني آسيا التى اتسعت عيناها بجحوظ مصطحب بابتسامة، لتبتسم تسبيح متقبلة هديته قائلة بصوت خجل
-صباح الخير يا عمو
ربتت آسيا على ظهر الصغيرة قائلة بصوت دافئ
- هتكلم شوية مع عمو زاهر وبعد كده هجيلك
اومأت الصغيرة رأسها عدة مرات مجيبة قبل أن تنطلق مع صخب الأطفال تلهو معهم.

ابتسم زاهر دون تكلف متخذًا الجلوس بقربها لتلتف له آسيا بكل جسدها قائلاً بصوت هادئ
- خير يا آسيا
تفرسته آسيا مليًا
محاولة أن تنظر خلف تلك الواجهة اللامعة النظيفة، ترى أى وحش يسكن بين جوانبه
خاضعًا تحت إرادته، رابضًا منتظرًا رهن إشارته
لقائها الأخير مع لؤي جعلها تعيد ترتيب حساباتها، ترى ما الشيء الذي يعلمه هو ويخفيه هذا عنها؟

أهذه ضريبة كونها تحاول أن تصبح شخصًا أفضل؟، مفضلة عدم النبش بين الدفاتر القديمة معتمدة على الصراحة التامة بين علاقتهما، وهو وافق
لقد أخبرها بذلك وكان مؤيدًا لها
ترى ما السر الخفى الذى يخفيه؟
أترى شخص متعلق به، برجولته يشعر بالكبرياء والحرج من النطق به؟
ألم يكن سابقًا هو من اندفع جاعلا وحش الأمومة تستيقظ من سباتها، محاولة البحث على أى ذكر يوافقها كى تجلب نماذج مصغرة من ملامحها وملامح من ستربط به..

ضمت يديها معًا مغمغمة بصوت جاد
- زاهر انا كان ممكن اجيب ادور فى دفاترك القديمة واجيب اقذر اسرارك بس انا مقررتش اعمل كدا عارف ليه
تعثرت حروفها لبرهة، شاخصة ببصرها فى عينيه المهتمتين، ترى بداخلها بئر سحيق معبأ بالأسرار
أسرار ليست قادرة على مجابهتها، أو حتى المحاربة..
لما لا يفهم أنها سئمت من الحروب والصراعات النفسية والجسدية، وترغب فى هدنة، هدنة طويلة ممتدة ليس لها أجل
لما حتى يستكثرون هذا الأمر منها؟

صمت محترمًا رغبتها بالحديث، لتتابع قائلة بنبرة متهكمة
- عشان اسيا زمان انتهى زمانها، دلوقتى مش عايزة آسيا تعيش وهى مخونة اللى قدامها او مش حاطة ثقة كافية ليه
هم تلك المرة بالحديث مقاطعًا اياها
إلا أنها رفعت اصبع السبابة قائلة بنبرة جادة
- زاهر من فضلك لسه مخلصتش كلامى، انا كل اللى طلبته منك انك تكون صريح معايا، فيه حاجة مخبيها هتكون السبب تأثر على علاقتنا حتى لو من بعيد او مش شايفها مهمة.

الدموع تجمعت فى مآقيها
والنظرات بينهما أشبه بسجال كلامى بدون صوت
تنهد زاهر بحرارة قائلاً بصوت أجش جامد
- ايام الكلية اتجوزت من واحدة عيلتى مكانوش موافقين عليها
تجمدت تعابير وجهها مع ما تفوه به، عيناها فقط اتسعت بجحوظ
وعقلها يعود تدريجيا نحو الماضى
ابتسمت بحدة مغمغة بصوت جاف
- وطبعا اجبروك تسيبها
تغضن جبينه بتعبير حاد وهو يجيبها بنبرة حادة
- مقدرتش، كانت حامل بابني
فغرت شفتيها بصدمة، وهى تحدق اليه.

منتظرة منه أى علامة للمزاح
أو بإخبارها أن الأمر مجرد مقلب سخيف من قبله..
لما لا يتحدث الآن؟!
ارتج جميع جسدها متخيلة ذلك الطفل الصغير الذى نشأ بين رحم المعاناة والنبذ كحالها
الدموع فاضت، وانسكبت على خديها بصمت تام يعلن حدادًا على سذاجتها
تمتمت بنبرة خاوية
- وراحت فين
والأخر لم يكن جاحدًا، ناكرًا كى يتحدث بكل هذا الهدوء
الله وحده أعلم كم استغرق من مدة كى يجيبها بكل تلك البساطة التى تستنكره منها.

وكأنه يتحدث عن غريبين وليس اثنان من المفترض أقرب من روحه!
تمتم بجفاء والعضلة المهتزة فى فكه فضحت الكثير من رباطة جأشه
- اختفت، فص ملح ودابت
بهت وجهها وداخلها يستنكر سبب خروج امرأة من حياة رجل سوى سبب واحد
انها لم تتحمل معيشته، أو لم تتحمل عائلته؟!
سألت بهمس خافت
-وابنك؟
زادت انقباضة عضلة فكه، ليضغط بعنف على يديه حتى ابيضتا من شدة ضغطه قائلا بصوت أجش حانق
- صدقينى معرفش يا آسيا، الموضوع ده بقاله سنين.

استهجنت ما لاح على عقلها، لا تتصور أن يكون زاهر سوى نسخة باهتة من أبيها
انتفضت من مجلسها صائحة بحنق
-تقوم تقرر ترميه وراك
تعلم انها لا تزيد سوى من الرجل ايلامًا
لكن اللعنة عليه ان شاركت فى هذا الأمر
ما ذنب ذلك الصغير حينما يكبر باحثًاعن أبيه، ليجده انشئ عائلة آخرى؟!
كيف حتى الآن لا يبحث عنه؟!
أ لتلك الدرجة؟! كون المرأة لا توافق معاييرهم يلقيها كبضاعة مستهلكة تعف الناس على الأقتراب منها.

تمتمت بشراسة وزرقة عينيها تموج بعاصفة لا تبقى شيئًا ولا تذر
- وانا كنت مستغربة كل المثالية دى بدون غلطة، بس للأسف عرفت هى سابتك ليه
استقام هو الأخر من مجلسه قائلاً بصوت جاد
- آسيا
قاطعته بعنف وهى تخلع خاتم خطبته، لا تطيق صبرًا كما لو انه ثعبان ملتف حول فريسته قبل التهامها
اتسعت عينا زاهر دهشة وهو يراها تضع الخاتم فى قبضة يده ليلحقها قائلاً ممسكًا عضدها
-آسيا ارجوكى افهمى.

اقشعر جسدها نفورًا مع لمسته، وإن كانت المرات السابقة ترجمتها كونها لم تجعل يد شخص غريب تلمسها سوى زوجها، لكن الآن كل ما تكنه هو النفور والتقزز لتتفجر فى وجهه هادرة بغضب نارى
-اياك تلمسنى انت فاهم، بدل ما تروح ترتبط بواحدة شوف مراتك وابنك، احسن ما تندم ويبقى سندك الوحيد فى الحياة بيكرهك من قلبه
تهدجت انفاسها والغصة في حلقها اشعرتها انها على حافة الموت
الهواء لا يمر فى ممرات التنفس.

ليقترب زاهر بزعر وهو يرى شحوب وجهها الأقرب لوجه ميت، امسكها من عضديها آمرا إياها أن تتنفس بهدوء وبطء جسدها ساكنًا خاملاً أمامه
فقط عينيها جاحظتين مغرورقتان بالدموع، ليهمس اسمها بدفء ما ان اختفى الشحوب من وجهها وبدأ وجهها يسترد لونه الطبيعي
- آسيا
عينيها ارتفعت لترى يديه موضوعتان على عضديها، أزاح يديه مبتعدًا مسافة آمنة وهو يسمعها تهمس بقهر.

- انا ضحية اب قرر يسيب عياله سمع كلام عيلته عشان شوية فلوس، تفتكر هرتبط براجل زيه تانى واعيد المأساة
رغم كونها تعلم ان اشاعات والدها واطفاله من زوجة اجنبية كان مجالسهم للنميمة، ابتعدت عن مسار طريقه مبتعدة عن المكان بأسرع وقت، الدموع المتجمعة فى مقلتيها كرؤية ضبابية بالكاد وصلت الى سيارتها وأغلقت بابه بحدة لتنفجر باكية دافنة وجهها فى المقود
ضربت بعنف وقهر على المقود
وقت ما ترى ذلك الأحمق ستقتله.

كيف يجعلها تختبر أمر موجع كهذا؟
أ لتلك الدرجة ألمها ووجعها غير مهمين لها؟
هى حتى لم تؤذيه بعد طلاقهما، ذلك الحقير المخادع، أتلك طريقته للانتقام منها!
هنيئا له الهيركليز، ستقتله ما ان يصبح أمام مرأى بصرها
ويبدو ان امنيتها استجابت لتراه يفتح الباب المجاور ويجلس على المقعد المجاور بهدوء
ثانية
اثنان
ثلاثة مرت بصمت سوى من انفاسها المتهدجة
لتأتي الرابعة وهى تهجم عليه بوحشية أنثى تعرضت للطعن من خلف ظهرها بخسة.

تلكمه وتخدش وجهه وتعض كل ما تطاله يديها
وهو كان وسادة ناعمة، ومغرية للتنفيس عن غضبها
يديه موضوعتان بجواره متحكمًا فى مقدار ألمه من هجماتها الأنثوية، ابيضت سلمياته ما إن وجدها تعض أكثر مناطق الإثارة خاصته ليتأوه بصوت خفيض ليقع عيناه نحو عيناها الشامتة وابتسامة نصر تسللت ثغرها ما إن أبصرت استجابته
عادت تكيل الضرب على موضع نبضات قلبه الخائن، ليغمض لؤى جفنيه مستقبلا شحناتها السلبية دون أدنى تذمر.

خارت قواها لتميل بجذعها مائلة نحوه، لتهمس له بنبرة ساخرة
- حابب تهنيني على فشلى
أزال الدموع من وجنتيها ليحتضن كامل وجهها بين راحتى كفيه القويتين، جعلتها تعبس بعدم فهم تجاه عينيه الغامضتين ليهمس بصوت أجش
- انا غبى واسف يا آسيا
ليسجل التاريخ
لؤي المالكي عاد معتذرًا
وإن عاد الغادر معتذرًا؟ ماذا تفعل المرأة؟
لتدعس الزهور التى يحملها بين يديه
وتجلب سكينًا وتطعن قلبه براحة ضمير الذى يقدمه بين راحة يديها.

انفجرت فى وجهه صائحة بغضب
- نعم!
جذب كامل جسدها ليقع تحت قبضته، اتسعت عينا آسيا وهي متفاجئة من جرأته
نادرًا ما كان لؤى يظهر هذا الجانب الفاحش فى زواجهما؟
ماذا يفعل هذا المجنون بعدما أصبحت الآن مطلقة وقد فسحت خطبتها منذ عدة دقائق؟ لتعود عزباء ونقطة الصفر تسجل كعلامة بارزة فى دفترها.
تنفس لؤى بحدة وندم عميق يستفحل بين جوانبه، لقد اكتفى من معاقبتها له، كما هو اكتفى من ردها إليه.

يعلمها تمام العلم، أن أمر الخطبة ما كان سوى ورقة ضغط له
فشيطانته جعلته رجلها الوحيد
كما هى امرأته الوحيدة
مرر انامله برقة ناقضت خشونة اصابعه على رحب وجهها الناعم
غمغم لها بنبرة مشتاقة لهوفة يغذى به أنوثتها التائقة له
- مش عايز ننهى حكايتنا بالشكل ده
رغم عن ضعفها النفسى وانهاك جسدها فى شجار معه استهلكت به جميع طاقتها، رأسها مالت نحو يده هامسة بنبرة ساخرة متهكمة
- هو انت مثلا دست على رجلى بالغلط يا لؤى.

امسك كف يدها وقبل باطنها قائلا بإسف
- انا اسف
لقد قالها لمرتين
وقلبها مازال موجوع
محطم منه
ماذا ستفعل بأسفه؟
هل ستمحو كل تلك السنوات والشهور بعدم تحقيقه أمنيتها؟
هل ستمحى قسوته نحوها
تمحى دلائل خيانته، وجحيم انتقامه
حتى انه لم يتراجع
ولم يعد خلال فترة طلاقه، لم يعتذر سوى الآن
لكن عضلة سخيفة اخبرتها انه اعتذر بالنهاية
تشبث عقلها بضراوة على عدم نقض عهده، ناظرة إلى الندم الملتمع في مقلتيه.

الاستنزاف العاطفي لم يكن من جانبها فقط!
جيد لعله يشعر بقليل ما شعرت به، ضربت على صدره بعنف محاولة التخلص من كبال قيوده صارخة بحدة
- اسفك مش كافى
امسك وجهها بحزم أخرج عنه أنين صامت من عينيها، نظر بضعف الى ملامحها المجهدة ليميل مشاركًا انفاسها هامسًا بصوت أجش
- انا سبتك تطلعى وجعك بأكتر طريقة وجعتنى يا آسيا، توجع راجل زيي يشوف مراته تخطب غيره
جادلته بنفس الهمس وإن كان خرج ناعمًا، مغويًا ككل ما فيها.

-طليقتك
جز لؤى ضروسه وحل وحيد يناسب شيطانته
ان يعيدها لزمته رغمًا عنها، وإن أبدت إعتراضًا واهنًا، جادلها بحدة
- ادتيني وعد ان مفيش اي عقد يقدر يفرق ما بين قدرنا
هسهست من بين انفاسها الحادة وهى تضربه بكل غلظة على قلبه
- قبل ما اكتشف خيانتك
قلل من إحكام وثاق، لتتهدل خيوط أحكامه تاركًا لها الفرصة لإخراج ما في جعبتها، لتتحرك بإفراط وهى تنفعل بغضب محكم.

- لؤى المرة الأولى وجعتنى بخيانتك، بس المرة دى دبحتنى، حابب المرة الجاية تبقى ايه انتحر
تسلل آخر جملتها رنة السخرية، لتنظر نحوه وهى ترى الألم محفور فى معالم وجهه ليهمس لها بجمود
- لو موتى سبب حل لمشاكلك أنا مستعد لده
أى موت هذا الأحمق يتحدث عنه؟
حتى موته لن يكون شفيعًا لأفعاله
همت بالصراخ بها فى وجهه، إلا أن العذاب الذي يستحقه منها أكبر
تنهد قائلاً بنبرة جادة.

- مستعد استنى العمر كله يا اسيا، بس احسبي الوقت الكافي عشان تقدرى تشيلى عيالى قبل ما يعدى الوقت
اتسعت عيناها جحوظًا وهى تراه يضع كف يده بجرأة منطقة رحمها قائلاً بنبرة متملك
- ده مفيش غيرى اللى له الحق فيه يا آسيا
عيناها سقطت نحو يده الموضوعة على جسدها، وطنين صاخب يسد أذنيها عن الجميع
أتتركه هكذا؟
ألا يستحق صفعة قوية لجرأته تلك؟
تبًا له، لما لا تحرك جسدها أو أطراف يديها.

ضغطة يده حازمة نحو موضوع رحمها، ليرتجف جسدها كما لو شحنات كهربائية مرت عبر أوردتها
كما لو كان رسول أوصل رسالته ليترجل من سيارتها تاركًا إياها تتخبط ككرة مطاطية بين أربعة حوائط دون هدى
أطلقت صيحة تذمر وهى تدفن وجهها بين كفيها
جسدها يخبرها أنها ليست فى سن صغير كى تتذمر وتختار الرجل الذى سيصبح والد أطفالها
خياراتها محدودة
بل منعدمة
أخبرها الحقير بوقاحة، إما هو أو لا أحد.

اخرجت هاتفها تتصل بأقرب صديقاتها، لتغمغم بيأس ما إن أجابتها
- وجد
استمعت الى صوت وجد الملهوف ليخرج صوتها صائحًا بيأس
- لؤى بقى قليل الادب يا وجد.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة