قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وتسعة عشر

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وتسعة عشر

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وتسعة عشر

ابتسم بخبث وهو يصعد الحائط وقد ساعده ذلك وجود أنبوبة تصل إلى شرفتها، تنفس الصعداء ما ان وضع قدمه على شرفتها وبقي يحدق إلي أسفل الحديقة بريبة، يخشى أن يراه حماه
يقسم انه لو اكتشف انه وصل لشرفتها سيقتله دون أن يهتز طرف عينيه!
تصاعد الطنين في أذنيه وهو ينظر إلى الغرفة المحرمة، رائحة مسكرة تداعب أنفه دون أن يتجرأ بخطوة واحدة للدخول إليها
ما يقوم به كارثة
بل مصيبة ستنتهي بقتله وقتلها.

اللعنة عليه، وعلى غباءه، وعلى ما يقوم به لإثبات لها أن يستطيع أن يكون مجنونا ولو ليوم واحد
لكنه يخشى عليها، والغبية لا تفهم الأمر
كم مرة كاد أن تنفلت اعصابه ليسحبها بين ذراعيه ويبث لها عذاب سنوات عمره منذ أن وقع بحبالها كمدله.
شعر بحركة مضطربة فى الحديقة لترتعد فرائصه وهو يدخل نحو الغرفة ويغلق الشرفة متنهدا براحة، ران الصمت لدقيقة كاملة يستوعب انه داخل عرفتها.

المملكة المحرمة لفأرته الصغيرة، رفع عيناه فجأة لينظر تجاه الباب إذا كان مفتوح، لكن هدأ تحفزه ما إن وجده مغلق، عينيه بدأت تمر على كافة ارجاء غرفتها
فوضوية، كحياتها وشخصيتها
عبق غرفتها بالمعطرات النسائية، وصوت خفيض من هاتفها يصدح لأغاني مطربها المفضل
مازالت مجنونة به تلك الغبية يمرر أنامله على خصلات شعره بجذع، اين هي
لا يوجد أثر واحد على وجودها في الغرفة! أمعقول انها خرجت خلال مكالمته؟!

أم جلست مع شقيقتها؟! صاح بيأس وهو يشعر بسخف الموقف لوجوده فى غرفتها دون فائدة
-راحت فين دي
وما أن هم بالخروج من غرفتها بالطريقة التي دخل بها، وليعينه الله على طريق العودة، فإن كان تطلب منه شجاعة الاقدام، فالعودة تحتاج عشر أضعاف ما قام به.

صوت فتح باب الغرفة الداخلية وخروجها بتبختر وغنج طبيعي جعل جسده يتخشب وهو يراها بروب الحمام الأبيض تجفف خصلات شعرها بشرود شديد وبدت كأنها فى عالم خاص بها، لم تنتبه له مقدار ذرة وهي تتوجه نحو طاولة الزينة لتجلس عليها وبدات تدهن كلا ذراعيها بمستحضرات عديدة وابتسامة ناعمة تزين ثغرها.

اسودت عيناه وهو يرى الروب الأبيض ينحسر ليكشف عن مقدمة صدرها وهي شاردة، لاهية عنه، شهق بصوت أجش حينما رآها ترفع ساقها لتضع كريم مرطب..
وسحر لحظتها وانسجامها انقطع حينما استمعت الى صوت أجش، رفعت رأسها بصدمة حينما رأته واقفا خلفها تماما
والسطح العاكس يموج بعواطف خشنة، عنيفة، تري كلتا يداه تنقبضان وتنبسطان وعينيه مسلطة بجرأة لم تعتادها علي جسدها وخصوصا بعض المواضع التي برزتها بسخاء.

استقامت من مجلسها بانتفاضة ودارت بجسدها اليه لتنفرج شفتاها وما ان اوشكت علي الصراخ وجدته انقبض كليث وجد غزالته الشريدة ودفع بجسدها لترتطم على سطح طاولة الزينة خاصتها، سمعته يهمس بحذر
-اوعى تفتحى بقك
قلبها ينبض كما لو انها تسمع طبول العيد، عينيها الجاحظتان ترمقه بصدمة، تحاول استيعاب وجوده هنا.

داخل غرفتها، أرضها الخاصة، سرها الخاص الذي يعبر عن شخصيتها، طرفة بعينيها ثيابها الداخلية الموضوعة على المقعد الخشبي، هل رآه؟
اللعنة عليه إذا رآه، وماذا اذا مسكه بيده؟!
ارتفع معدل نبضها للهلع، والحمرة تكسو وجنتيها وكفه يده الخشن موضوع علي ثغرها يمنعها من التحدث، ذراعه الأخرى أحاطت بخصرها، وكلنا ذراعيها علي جانبي جسدها
عادت ترفع عينيها لتحدق الي عواصفه السوداء هذا مؤشر سئ، بل سئ للغاية!

رفعت يدها بضعف تحاول التحرر من شفتيه، الا أنه طالعها بحذر، يحذرها ان قامت بالصراخ، توسلته بعينيها ان يحررها إلا أنه فى النهاية وافق علي مضض ليترك ثغرها لتهمس بصوت خفيض
-انت دخلت ازاي يا مجنون، بابا سمحلك تطلع ازاي
لوهلة شعر بالحرج من ما سيتفوه به، لكنه قال ببساطة
-من البلكونة
ألم تريده مجنونا؟

فلتهنأ بجنونه الذي صنعته بيديها، شهقت جيهان بصدمة متجلية في عينيها، دفعته ببعض الوهن والضعف لتجده كصخر لا يتزحزح من أمامها لتصيح بصدمة
-انت بتقول ايه؟! أنت بتتشعلق في الحيطان زي حرامية الغسيل
انفجر هامسًا بقسوة، وهو يمسكها بكلتا ذراعيها لتتاوه بألم حقيقي وهي تستشعر قوته
اللعنة متى أصبح صلبًا وقويًا؟!
-اخرسي، انا غلطت يوم ما جيتلك.

جزت على أسنانها بحدة لتدفعه بقوة أكبر، وهي لا تصدق وقاحته، اللعين اقتحم غرفتها ويبدو نادما أنه قدم إلى هنا
وهل دفعته للصعود؟
اشارت بيدها تجاه الشرفة لتقول بصلابة
-اتفضل اخرج زي ما جيت، انت قاطعتني من لحظة استجمامي
لم تشيح عيناه علي ما يظهر جليا من فرط حركاتها السريعة، ينحسر الروب شيئا فشئ، ويظهر ما تحثه يداه على لمسهم.

تحشرج صوته وعينيه ترتفع الى عنقها البض ليري وجنتيها التي تحولت لجمرتين من أثر انتهاكه المحلل لها
لا يشعر بمقدار ذرة ذنب، لا يشعر سوي بعاطفته التي تندلع ونيران شوقه تأمره على اخمادها
سألها بخشونة وتلك المرة يديه القاسيتين أصبحتا مستكشفتان، لجوجان لمعرفة ما أسفل الروب
-كنتي بتعملي ايه
ارتعد جسدها حينما شعرت بانامله علي طول ذراعها، تهدجت أنفاسها وهي تجيبه ببعض الخجل وان غلفته بالحدة.

-بعمل ايه يعني، بهتم بجسمي، حاجات تخص البنات
اغمض جفنيه للحظة وهو يستشعر بشرتها الدافئة ونعومته بين أنامله، سألها بإصرار
-وعلى كدا بتقعدى كام ساعة فى البتاع ده
رفعت عيناها بدهشة وهي لا تعلم ما سر إصراره على معرفة تلك الأشياء الخاصة بها، لدهشة لسانها وجدت نفسها تجيبه
-يوم بحاله، وباقي الايام باخد اول ساعتين صبح واخر ساعتين بليل
حاولت ابتعاد مقدار خطوة وهي تمسك بكلتا يديه توقفانه عما يفعله بجسدها.

أين شجاعتها
أين حزمها وسيطرتها
بل أين استسلامها، ألم تنتظر لحظات جنونه بفارغ الصبر وكادت تصب لعنات عليه
لما هي الآن خجلة؟ متوترة؟ تذوب ذوبًا بين ذراعيه، همست بخجل
- اطلع يا وسيم، ميصحش
لكنه لم يبتعد، يبدو انه لن يبتعد مطلقًا، الخطوة التي ابعدتها عنه جعله يقترب منها خطوتين لترتطم بصدره العضلي وهال لها الصدمة الكهربائية التي تعرضت لكلا جسديهما.

فغرت شفتيها بصدمة ولان جسدها ليحيط خصرها حول ذراعه وتزداد التصاقا به
مال برأسه متشممًا عطر جسدها المسكر، ليهمس لها بصوت رجولي أصاب وترا في انوثتها
-فين الجريئة بتاعت يوم الحفلة
عضت على شفتها السفلى بنفي وهي تخبره، أنها كانت طفلة مجنونة، لا تعرف ان لعب الكبار ليس من اختصاصها مطلقًا
اندفعت تتفوه بحمق
-وسيم انا مش لابسة حاجة، وانت غريب.

شهقت ما ان انتهت لتضع يدها على ثغرها بصدمة ما قالته، دفعته بعنف عنها حينما رأت الصدمة تتجلى في حدقتيه، تراجعت لخطوات بعيدة عن حصاره تكاد تهرب نحو الحمام كما جاءت منه لتسمعه يقول بصوت أجش
-انت عارفة كلامك ده مخليني عايز اعمل ايه
توترت وازداد الموقف رهبة بينهما وهي تراه يتحرك بتؤدة لتقول بتوسل
-استهدي بالله كده واخزي الشيطان، واطلع.

اقترب منها بهدوء شديد محاولا ابعادها عن أي فواصل تبعده عنها، كادت تصل الى باب الحمام لينقض عليها بشراسة جعلتها تصرخ بجزع، كمم فمها وهو يلعن غبائه ليهمس
-خايفة مني؟!
هزت رأسها نافية وهي تتمسك بقميصه تتوسله البعد
تلك الحمقاء مرة تجذبه لوصالها
والان تبتعد، تخشى وهو لم يتهور بفعل واحد
رفعت يدها تزيح يده عن شفتيها، لتهمس بضعف انثوي
-خايفة من نفسي، وسيم انت لو قربت مني انا مش همنعك.

اجفلت حينما وجدته يدفعها للحائط، تأوهت بألم وهي تلعنه، ألم يقولوا إن الحوائط هي افضل اماكن رومانسية بين العاشقين؟
لما شعرت بتحطم ظهرها بسببه الآن؟!
همت بإلقاء سباب مناسب الا ان جميع انتفاضتها وصورتها تم قمعه بين شفتيه..
هل هذا هو عناق العاشقين؟
تشعر بوهن وتخدر في جميع أطرافها، وحاجة ملحة لتبث عواطفها هي الأخرى
أن لا تكون هي الجانب المستقبل فقط، بل الجانب المعطي.

اسندت ذراعيها على منكبيه، والقبلة البريئة تتحول لشيء أشد شراسة وجموحًا
بالكاد تتلفظ أنفاسها ومهما بلغت جراءتها إلا أنها لم تستطيع مجاراته، ظلت تستقبل وما ان شعرت انها ستسقط اسفل قدميها، امسكها بحزم وقوة وهو يعيد من نهل ماءه العذب
الماء الذي ظل يبحث عنه طوال سنوات عمره، ظن أنه سيكتفي، ان الامور لن تأخذ أكبر من قبلة وعناق
لكن هل جربتم معاناة المحروم؟
الشئ الذي حرم منه لسنوات أصبح بين يديه؟

ضميره ما زال يقظ رغم عواطفه ومشاعره يرتكبان جريمة بحق والدها وثقته به
يحاول الاكتفاء لكن الشعلة والشرارة التي بينهما تتشعب، استقبالها لأشواقه مذهل
تخبطها وترددها ومحاولاتها الحثيثة لتكون جانب كفؤ أمامه يشعل جنونه، وبدأت يداه تلمسان مفاتنها لتنتفض كالملسوعة وهي تبعد جسده بضعف عنها.

تراجع لخطوات وبقي محدقا الى آثاره بجوع شديد، روبها الذي تعيد ترتيبه واخفاء جسدها وحماية نفسها منه وكل ذلك امر غريزي منها جعله يهمس بصوت أجش
- اسف
ارتمت علي الارض بوهن وهي تتنفس بصعوبة، تلتقط أنفاسها التي سلبها الوقح منها لتمسد صدرها مغمضة جفنيها
لقد قبلها الوقح في غرفتها، لم تحلم حتى بربع ما حدث هنا!
هي أمامه شبه عارية والوقح كان يقوم بافعال مخلة لها، ماذا فعلت هي؟!

نكست رأسها أرضا محاولة الإفاقة من عاصفته لتسمع صوت شادية المرتفع
-جيهان خدي لولو معاكى فى الاوضة النهاردة
قلقت وارتعدت فرائصها من كون شادية تدخل غرفتها الآن؟!
اللعنة إذا دخل وصرخت شقيقتها، سيقتلها والدها
بل سيقتل كلاهما
وما توقعته حدث حينما حاولت شادية فتح الباب إلا أنها حمدت الله حينما وجدته موصد، لتطرق باب حجرتها ونبرة متعجبة ظهر فى صوت شادية
-جيهان، انتي قافلة الباب ليه.

حاولت الرد عليها، الا انها لم تستطع، شعرت بظله الضخم يبتلع جسدها، لتزدرد ريقها بتوتر وهي ترفع عينيها لتراه يجثو أمامها ولا يوجد أي علامة ذنب لما قام به
سماء عينيه متوهجان بطريقة خلب لبها، غمغم بصوت متحشرج ما زال يشي بتأثره مما حدث
-ردي عليها
هزت رأسها نافية وهي تهمس بضعف
- مش قادرة
هم بامساك يديها لتنكمش بجسدها هامسة بتوسل
-امشي يا وسيم.

لم يحاول أن تصل أمورهم إلى ذلك الحد، المرأة التي تخشاه كانت منذ قليل، أقل وصف هو أنها كانت مذهلة، بل مدمرة
قال بفظاظة شديدة وهو ينظر إلى آثار حمراء طبعت اسفل عنقها، لفحة من الغرور اصابته، الوقحة ستسبه، جيد شئ ستتذكره به
-مش همشى غير لما نحدد ميعاد جوازنا
رفعت رأسها بحدة وبدأت جيهان التي يعلمها تعود مرة أخرى لتدفعه بحدة هامسة بصوت خفيض
-يا مجنون.

امسك ذراعيها بقوة المتها بعض الشئ ودفعها لتتأوه ليزمجر بهمس مماثل
-انا ابقي ملعون لو سيبتك تفلتي من ايدي
عاد الطرق مرة اخري علي باب غرفتهما لتشعر جيهان بالتوتر، وإن قل رعبها بعد أن وجدت أنها أحكمت غلق باب غرفتها لتسمع صوت شادية الحانق
-جيهان افتحي الباب عشان لولو، انا خارجه دلوقتى
رفعت جيهان عيناها بتوسل وبدت ضعيفة جدا امامه، لتهمس
-وسيم، كفاية كدا
لكن عديم الذوق والاحساس همس بسخرية.

-مش كنتي عاملة فيها البت الجامدة اللي مش فارق معاها حد، قلبتي قطة دلوقتي
تلك المرة لم تجد بدًا سوى دفعه بحدة لتنفض عن ضعفها لتصدح بصوت مرتفع ترد على شقيقتها
-سيبيها يا شادية انا هاخدها
زفرت شادية براحة حينما اجابتها، لتقول
-قافلة الباب ليه دلوقتي، افتحي عايزة اتكلم معاكي
زمجرت باتجاهه ليغادر إلا أنها وجدته يعقد ذراعيه ببرود شديد وكأنه في مملكته
- مش هينفع، عشر دقايق اخلص اللي في ايدي و افتح.

قالتها بحدة وهي ترمقه بقسوة وتكاد تدفعه للخروج، ابتسم وسيم بتسلية وهو يراها عادت لطبيعتها، هذا ما يرغبه فى جيهان، تلك التي اختبرها منذ قليل يريدها في أشد لحظاتهما الخاصة، لكن باقي اليوم يردها هكذا
مشتعلة، ثائرة، غاضبة، عاد صوت شادية يهمس بحذر
-انا رايحة المستشفى، هو فاق
اجابتها جيهان علي الفور وهي ترمق وسيم بيأس لتسرع بسحب ثيابها الداخلية قبل ان يتفرد بها
-جاية معاكى، استنينى.

امسكها من ذراعها من ان وجدها تلتقط ثياب موضوعة بعشوائية على فراشها ومقعدها
-رايحة فين يا هانم
انفلتت من قبضته بحدة وهي ترمقه باشمئزاز حقيقي لتقول بصلابة
- عشر دقايق، اجهز الاقيك برا
ثم توجهت بكل بساطة داخل الحمام مغلقة اياه بحدة، ليصفر وسيم بتسلية وهو يربت على صدره المحترق هامسًا
-ماشي يا جيهان، انا وانتي والزمن طويل.

وعاد يخرج من غرفتها كما دخل وما ان سمع صراخها الهادي من الحمام علم أنها رأت آثاره المطبوعة على جسدها، ابتسم بانتشاء ذكوري وهو يهبط من الشرفة ليخرج من المنزل كما دخله بهدوء.
زمجرت جيهان بوحشية وهي ترى حالتها المدمرة عبر المرآة، متى وصل المتوحش الذي عنقها؟ كيف لم تشعر به
هل هو مصاص دماء ام ماذا ليقوم بعضها؟ صرخت بحدة
-مش هسيب اللي هببته ده علي خير، فاكرني هسكتلك يا متوحش.

انزلقت بعض الدموع من عينيها وهي تنظر الي عنقها بحسرة، يجب أن ترتدي شيئا بأكمام اليوم، عادت تنظر إلي كلتا ذراعيها المصبوغتين بحمرة شديدة لتسبه في داخلها
-متوحش، همجي
في المشفى،.

تسير شادية في الرواق الطويل الذي يصلها الي غرفة معذب فؤادها وضميرها بقلق، الممرضة هاتفتها منذ الصباح عن خبر إفاقته أخيرا وقد تم نقله إلى غرفة أخرى، لم تشعر سوى أنها ترتدي ثيابها ورغبة للقائه وسؤاله، ترغب في إنهاء حيرتها وسبب وجعها
عضت على طرف شفتها السفلى بقلق وبدأت الشجاعة تتسرب منها رويدًا، لتشعر بتخبط فى ساقيها لتلتفت تجاه شقيقتها التي تمسكها من ذراعها وتسير بهدوء لتهمس بخشية
-بابا ميعرفش.

ابتسمت جيهان بوهن، تخشي شادية من والدها التي تعتبر مقارنة بجنون وسيم لا شئ، اللعين هذا ستدمره، يتعلمه ان جيجي السويسري ليست مجرد لعبة بين يديه
لا تعلم ما تتفوه به، لكنه أخذها على حين غفلة
كانت راغبة، ومشتاقة، ومتلهفة، لكن في غرفة نومها؟!
تجرأ مرة واتى اليها، وربما سيتبعها عدة زيارات ليلية اخرى، ربما لا تدري
غمغمت جيهان ببعض السخرية
-محسساني جاية نص الليل، روحي اطمني انا هستناكي هنا.

دفعتها جيهان ببعض القوة لتقف أمام غرفته، زفرت شادية بيأس وهي ترى أن جيهان تختفي من ذلك الرواق، تبًا
تبًا لك يا شادية، خانتها شجاعتها لتهرب من غرفته التي استعلمت عنها منذ دخولها للمشفى، أبصرت الممرضة الخاصة به تخرج من إحدى الغرف لتقترب منها تمسك ذراعها جعل الاخري تجفل للحظات قبل أن تطمئن لمرآها، لاحظت الممرضة القلق والخوف المصاحبان لحشرجة صوتها
-حالته ايه؟

ابتسمت الممرضة بأسي وهي لا تجد شئ سوي اخبارها بالحقيقة لتغمغم بأسف
-مش هكدب عليكي يا انسه، لما فاق الصبح وشاف نفسه جسمه متجبس وانه هيضطر يقعد في المستشفى لشهور كان فى حالة جنون اديناله
دوار
دوار عنيف يكاد يفتك بها ويسقطها ارضًا، لكنها أبت أن تظهر ضعفها امام غريب لتقول بخشية
-يعني ايه، حالته وحشة للدرجة دي.

هزت الممرضة رأسها وبدات حرجة مما ستقوله، بالكاد عائلته الخاصة استقبلت ذلك الأمر بصلابة عدا والدته التي انهارت في البكاء هذا الصباح، وتحت نظرات شادية المصممة زفرت قائلة بصراحة تامة
-أصر يعرف من الدكتور وضعه، رغم ان الدكتور رفض ورغم اصراره اضطر يقوله حالته.

ان كانت تتوقع منها انها ستصبر كثيرا لأخبار حالته، او انها ستكون باردة الاعصاب حينما تخبره حالته فهي بالتأكيد مخطئة، جزعت الممرضة حينما امسكتها شادية من عضديها قائلة بحدة
-قاله ايه، ارجوكي قوليلي
الحدة يختلط بها اليأس والرجاء، عينيها التي تدمعان جعلها تتفهم حالتها وتخبطها، اضطرت الممرضة تهمس اسفه.

-للأسف حالته حرجة جدًا تخليه يفضل علي كرسي متحرك باقي عمره، وده خلاه يبقى في حالة غضب و هيستيريا اضطرينا نديله حقنة مهدئة انتبهت الممرضة لشحوب وجه شادية لتقطع كلامها ممسكة بيديها قائلة انتى كويسة يا انسه
شعرت شادية بأن الأرض تميد بها، ستستقبلها في أي وقت، جسدها يخبرها بذلك، لكن ذلك الدوار وذلك الضعف المقيت لا ترغبه
ألم ترغب أن تصبح شخصية قوية.

هذا ما قالته لطبيبتها النفسية التي تشعر أنها لا بأس بها، فترة العلاج طويلة ومكثفة، هذا ما تردده الطبيبة وهي تخبرها انها ترغب أن تشعر بتحسن، أن تنسى جروحها، لكن صراحة الطبيبة كونها لن تنسى جروحها جعلها تجفل منها، لتجبرها الطبيبة على استخدام لفظ المداواة وليس النسيان فهناك فرق شاسع بين الكلمتين، وعليهما يختار الشخص كيف تستمر حياته
فقررت أن تداوي جروحها، وأولها هو.

ذلك المعذب الأكبر لحياتها، الذي زاد فساد فوق فسادًا لحياتها، همست بنبرة حاولت تخرج صلابتها وجديتها
اقدر اشوفه؟
هزت الممرضة رأسها نافية بخشية
-منصحش بده يا انسه، ارجوكي المريض ممكن يأذيكي
صممت شادية على طلبها قائلة
-هدخله، يعني هدخله
لم تملك الممرضة سوي ان تهمس بأسف مغمغمة بعض الكلمات لم تتبينها وهي تجدها تتوجه نحو غرفته وتقف مترددة علي باب غرفته، قبل ان تستجمع شجاعتها وتدلف للداخل.

زفرت شادية براحة وهي تجد ان الأمر كان يستحق الشجاعة والاقدام، هل حدث شئ ان لم تدلف للداخل
هل وقعت السماء؟ أم تزلزل الأرض أم تساقطت النجوم
الانسان يتنازل عن الكثير من الاشياء بمجرد الخوف
شعور الخوف فقط دون محاولة
الخوف من الفشل دون حتي محاولة للتجربة
فماذا استفاد من عدم شجاعته؟ لا شئ
وماذا حدث بعدما تراجع عن ما يرغبه خشية فقط من الخوف؟، فهو خسر الكثير فى الحقيقة.

نظرت شادية نحو الراقد علي الفراش ولم يكذبوا ان جسده تم تضميده بالكامل، الدموع لا اراديا تتجمع عند مقلتيها لتطلق سراحها وهي تكتم شهقتها المتألمة لما حدث لها بسببه
لم تتمني أذيته بهذا الشكل البشع
لم تتمني أن يخسر حياته بسببها
لم تتمني أن تستمر حياته علي كرسي متحرك بسببها
بمقدار عذابه لها وألمه، الا انها ابدًا، ابدًا ما تتمني له هذا الأمر.

اتمني تعيش في عذاب قد اللي عيشتهولي، تكون عاجز ومتكتف وقليل الحيلة زي ما خلتني أعيش التجربة دي معاك
صرخة مفزعة اطلقتها وهي تهز رأسها بنفي، لا لا، هي ليست ملاك، هي بشر بالنهاية، لم يكن لها الحق لتتفنن بعذابه، هي بشر، بشر
لكن صوت داخلي زئر بقوة وومضات سريعة عن ذلك اليوم جعلها تتجلد بقوة، جففت دموعها سريعا وهي تقترب منه بهدوء ونقرات كعب حذائها يزعج السكون الذي غلف غرفته لتهمس بتعب.

-خلتني احمل همك فوق همي، بتخليني فى كل الحالات ابقي مقيدة ليك
سحبت المقعد وجلست عليه لتنظر اليه، لا حول له ولا قوة، المظهر ضرب وترا قويا بداخلها
ولا حتي ألد أعدائها تتمني له أن يصاب بهذا الأمر
لكن هو..
هي لا تعلم بأي صفة ينتمي، فى جانب الأعداء أم الأشخاص الذين تتمني حرقهم نهائيا، ابتسمت بارتعاش وهي تحاول ان تتجنب النظر اليه.

-انا مش هتأسفلك علي اللي حصلك بسببي، نهائي، بس محتاجة افهم ليه عملت كدا، رميت نفسك فى الطريق ده ليه
استقامت من مقعدها وهي تقترب منه مزمجرة بقوة
-سرمد رد عليا وريحني، ليه اصريت تموت نفسك، ليه حطتني فى الموقف ده، ببقى خايفة عليك، لحد دلوقتي خايفة عليك
لا تعلم أقالتها حقيقة أم الكلمات محشورة داخل لسانها؟ انها تخشي عليه
تخشين علي ماذا وهو بكل برودة أعصاب لم يراعي مشاعرك وقلة حيلتك.

انتفضت بقوة وهي تقول بحدة
- مش عارفة ده غباء مني اني لحد دلوقتي شايلة ذنبك، سرمد أرجوك ريحني وشيل مني الحمل ده عايزة اتخطاك نهائيا
لهثت بانفعال شديد وهي تراقب جفنيه الساكنين دون اضطراب، تأوهت بتعب وهي تعود الجلوس علي مقعدها بانهاك
لا تصدق ما تقوم به، لو كان الأمر بيدها لأجبرته علي المصارحة، أن تعلم ماذا حدث منذ شهر، ماذا فعلوا بها
وكيف وصل به الحال داخل شوال!

أتعرفون شخص معتز بشخصيته وغروره وذكوريته كسرمد كيف سيكون حاله بعد الخبر؟!
انتبهت علي صوت أجش عميق يجيبها ببرود
-غادري
ارتفعت عيناها فجأة لتراه، هل كان مستيقظًا؟! تسارعت نبضات قلبها هلعًا وفرحا لرؤية ذلك السواد البهيم في عينيه
لم تكن تلك نظراته، لم يكن سرمد هذا الذي تعلمه
تمتمت. بلهاث وهي تستقيم من مجلسها تنظر اليه بفرحة لوجوده، يتحدث معها، يبادلها نظراتها الشغوفة للاطمئنان عليه وكل ما تقابله خواء.

برد اقشعر له جسدها
-سرمد
زم شفتيه وعينيه تلتهم تفاصيل وجهها الهزيل، شحوب وجهها وشفتيها المنفرجتين بلهاث وقد فقدت توردهما، يبدو ان الاخري كانت تعاني هي الاخري
اغلق جفنيه وانقطع سحر تواصل جري رغم عن كلاهما ليهمس ببرود
-غادري
اجفلت شادية من طلبه، لكن حاجتها لاخباره عن كافة تفاصيل اختطافه اجبرها للتمنع
-لكن
زمجر بقسوة اخافها ليفتح جفنيه الباردتين واشتعل جذوة الخطر فيهما، صاح بلهجة قاسية.

-اللعنة قلت اخرجي من الغرفة
عضت باطن خدها وشعورها لرد صفعته الوقحة بصفعة أشد تجتاحها
هي التي من المفترض ان تصرخ
ان تطالب بثأرها رغم عن مايحدث
هو ما يجب عليه ان يخشي منها وليست هي، صاحت بصلابة قوية وعينيها تحدقان به
-لا
زفر سرمد بتعب وهو لا يصدقها، تلومه وتلعنه ثم لا ترغب بالبعد عنه، يخشي عليها من قسوته التي تولدت داخله
يخشي ان يقضي عليها تماما دون شعور منه في نوبة جنونه.

الحمقاء، اشاح بوجهه والتزم الصمت حينما طرق باب الغرفة وقد ترتاح نسبيا لوجود الممرضة، لكن صوت ثعلب ماكر جعل النوم يطير من عينيه حالما وقعت عيناه عليه
-يبدو ذئب العائلة مازال حيًا حتى بعد قربه للموت
تحفزت ملامح سرمد وهو ينظر الي خروف عائلتهم الأسود، داوود، أو لعنته السوداء، رمقه بإشمئزاز تسبب فى اتساعة ابتسامة الاخر
-ما الذي أتي بك إلى هنا يا حقير.

نظرة ثعلب تجاه المرأة التي تقف امامهم بخشية، جعل الاخر يقسم لو كان بصحته لقتله علي الفور، اجابه داوود بنبرة متلكئة وهو ينظر الي السمراء الناعمة
هل هذه ما تشغل اهتمام ذئب العائلة الآن
تفتقر لمنحنيات جسدية، جسدها اقرب لعظم علي جلد لا اكثر
ما الذي يثير انتباهه، ووجهها يبدو انها امرأة مريضة
-جئت للاطمئنان عليك
وقفت شادية ببلاهة تحدث نحو الاثنان الذي يتراشقان بالحديث بلغة الأم خاصتهم دون ان تفهم حرفًا.

تشعر ان حديثهما متمحور حولها، لكن لو تفهم ما يقولانه، ونظرات ذلك الغريب لا تطمئنا علي الاطلاق، ان كانت نظرات سرمد في السابق تثير اشمئزازها لكن هذا يجعلها تخشاه، نظراته عميقة متفحصة متمهلة سارعت بالخروج من الغرفة دون ان يمنعها داوود بل تابع ببصره حتي اختفاءها، انفجر سرمد يصرخ في وجهه
-إن سولت لك نفسك لرفع عيناك لها مجرد نظرة عابرة، سأكون قاتلك.

ابتسم داوود باستفزاز وهو يرمق جسده المضمد باسف بائس ليقول بنبرة عابثة
-الى حين تستطيع الوقوف على قدميك، وقتها سأمتع عيناي وافعل إلى ما هو أكثر من مجرد نظرة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة