قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وعشرون

ربما لم يكن مخير لنا أن نكون معًا
عاندت وأصررت ولم يزيد الأصرار سوي نفورًا
لم يكن بيدك، لم تكتبي الفراق، بل أنا من فعلت!
هل تشعرين بتلك النار الكاوية؟ وذلك الجحيم المستعر، والقلق المحفوف بالمخاطر؟
أتعرفون ما أكثر ما يدمر اعتزاز الرجل بنفسه؟
عجزه
أن يفقد هويته بسبب عجزه الجسدي، أن يفقد حياته ونشاطه الطبيعي ويبقى حبيس لفراش ملئ برائحة المطهرات.

أتعلمون معنى أن تفقد جزءً من هويتك؟ جزء من شخصيتك؟ جزء فى ليلة وضحاها لم تعود تملكه؟! أصبحت ببساطة طريح الفراش، وأبسط الحركات سابقًا أصبح كمهام شاق!
الدموع متحجرة في عينيه، يختار الهرب، الهرب لأقصي طريقة من عدم الاستيقاظ والافاقة ليري حالته البائسة، المثيرة للتعاطف و للاشمئزاز!
نكس رأسه وومضات سريعة تعيده لأيام كان يعامل بدونية.

رائحة عفنة تزكم انفاسه، وهدوء صارخ يستفز أذنيه، لا حياة ولا حركة سوي تردد انفاسه العالي و أنين خافت يطرق جنبات جسده وعمي جزئي اعتاد عليه، لدرجة انه أصبح يرى في الظلام لموضع الطعام البائس التي بقرب قدميه تلك كانت بداية أيامه قبل أن يشعر فجأة بحركة صاخبة فى المكان، أزعجت أذنيه اللتين اعتادتا على السكون.

همهمات وصراخ أشبه بزئير الأسد يعلن ثورته حينما وجد ابنه مقتولا فى عرينه، بطشه امتد اليه أولا ولم يكن يتحمل ذلك الرجل العجوز فلم يشعر بنفسه سوي وهو يرد ضرباته وصفعاته بأشد وختمها بدفعة خشنة وبعدها استمع الى ارتطام عنيف وما ان تكالب عليه رجاله وقتها تنفس بغضب وارتكن للهدوء، هدوء قبل العاصفة وضوء شحيح من خارج الغرفة جعله يري الرجل العجوز قد انسالت الدماء من رأسه ليبدأ الهرج والمرج فى المكان ورغم أن الرجال الأشداء يكبحون ثورته وآخرون اقتحموا الغرفة لمساعدة الرجل ومن بعدها لم يشعر بأطرافه مجددًا.

انتبه على صوت شقيقه سامر وهو يبتسم بمرح ساحبا مقعدا ليجلس عليه وصوته خرج باصطناع متثاقل منه
-هل تقلقنا عليك لهذه الدرجة يا وغد، حمدلله على سلامتك.

حرك جفنيه ليبتسم بشحوب وخواء روحه لم تجعله حتى إلقاء أي دعابة أخرى، تألقت عيناه بالدموع ما ان ابصر والدته، امرأته الحنونة التي حطم ثقتها ومكانته العالية عندها بسبب ما اقترفه ليجدها تقترب منه بتؤدة قبل ان تميل مقبلة جبينه بعمق وسيل دموعها انهمرت على جبينه ليغمض جفنيه ورجفة عميقة داخلية أثرت به لتهمس بصوتها الحنون
-حمدلله علي سلامتك يا قرة عيني.

تحشرج صوته وهو ينظر إليها كطفل صغير أقر باعترافه لخطئه الكبير، وشعور بالعار يداهمه وهو يتطلع الي بؤرة النقاء الوحيد الطاهر فى حياته، عادت غيداء تقبل جبينه براحة تكتم شهقاتها وقد قرت عينها برؤيته حيا أمامها
غامت عينا سامر بحزن عميق وهو ينظر الي جسده سرمد، لينزع الحزن عنه وهو يقترب بمشاكسة خالية من المرح، مليئة بالبؤس والحزن
-وانا أين يا غيداء.

شبه ابتسامة ارتسمت على شفتي غيداء وهي تري ابنها الصغير يحتضنها بمواساة اكثر من كونها حاجة لاطمئنانه، ليشعر بضربة مباغتة لم يحسب لها حسابا من والده الذي قال
-تأدب يا ولد، وأنت تتحدث مع والدتك
التفت سامر تجاه ابيه الذي ينظر باطمئنان وثقة تجاه سرمد الذي اكتفي بهزة من رأسه، لولا والده الذي أصر أن يتحلى بالكثير من الصبر كي يطمئن والدته لما بقي ساكنا هكذا كالجماد!، لكن من أجل غيداء يفعل المستحيل لها!

ازداد سامر من احتضان جسد والدته الذي برغم كونها في منتصف العقد الخامس إلا أنها تبدو كأمرأة فى منتصف الثلاثينات، مازح والده قائلا
-لا تتدخل يا أبي، انا أحب والدتي كما أنك لن تنافسني في مقدار عشقي لها
ابتسم والده بسخرية وهو يخبره بجفاء
-لولاي ما جئت انت وهذا البغل الآخر.

شهقة خجولة انفلتت من شفتي غيداء التي نظرت تجاه زوجها بنظرات زاجرة مستنكرة، قابلها ابتسامة باهتة من سامر وعينيه سقطت على سرمد الذي كان بعيدا عن حوارهما الطبيعي، ومشاكستهما التي يعيد خلقها كي يندمج الشارد لهما مرة أخرى
-في ماذا تفكر؟
قالتها غيداء وهي تلمس رأسه تمرر أناملها في خصلات شعره القصيرة، ليرفع عينيه ينظر الى عيني والدته قائلا بصوت فاتر المشاعر
-لماذا جاء ذلك الداوود؟

عقدت غيداء حاجبيها لبرهة، لا تنكر أن داوود اختفي تماما من الظهور أمامها ما ان وصل لهما خبرا عن وجود سرمد فى المشفى لا تعلم أين يختفي هذا الشاب ماذا يفعل؟ لكن تتمنى ان لا يكون أن تسبب أي شئ أخرق كأيام مراهقتهم العصيبة!
-ليساعدنا، لا تنسي انه من العائلة يا سرمد، ومهما بلغ عدائكم إلا أن مصلحة العائلة أهم من مجرد شجار لم يكن له داعي وخصومة تقطع أواصر الرحم في علاقاتنا.

قالتها غيداء بحزم وهي تتطلع الي عيني سرمد الذي دار بعينيه فى الغرفة بملل، قبل أن يهمس لها بصوت مستنكر
-وهل أنا من بدأ الشجار والقطيعة يا أماه؟
دق قلب غيداء بعنف، وكلمة أماه لا ينطقها سوي لأمر جلل عادت الدموع تتجمع في مآقيها وهي تنظر اليه بعجز واضح، تلك المرة عاجزة عن مساعدته اكتفت فقط بالمراقبة دون الاتيان على الحركة وهي تراقب ابنها يغرق فى لجج الدرك المظلم.

لم تملك سوى أنها تميل طابعة العديد من القبلات الدافئة على جبهته وكلتا خديه ليبتسم سرمد براحة وابتسامة ناعمة تتغلغل صدره وهو يتذكر طفولته التي قضاها بتدلل امه و ذكرى قديمة، قدم الزمان لا يعلم كيف طفقت فجأة تخرج من دهاليز عقله، حينما يهجم على امه طابعا العديد من القبلات فى وجهها لتحاربه هي بالعديد من القبلات الدافئة منها ثم تبدأ بدغدغة جسده، استمع الي همسها الهادئ كما لو أنها تهويدة قبل النوم.

- انسي كل شيء، هو سيعود لموطنه في الأيام المقبلة
اكتفي فقط سرمد بإغلاق عينيه وتمني فقط، تمني لو زالت الجبيرة من ذراعه ليحتضن والدته يعلم طريق العلاج طويل ودرب أشبه بالمستحيل، ومسيرته العملية انتهت للأبد، لكنه يرغب فقط بازالة الجبيرة من ذراعيه ويمارس أقل نشاط للقيام النشاط بيديه فقط لا اكثر.

لكن ذلك الطبيب اللعين الذي اخبره عن انه لن ينزع الجبيرة الا بعد شهر على الأقل بعد أن يتأكد من التحام العظام وتراهات أخرى لم يلتفت لها، كل ما ركز عليه هي المدة الطويلة، غمغم بصوت هادئ
-خير ما فعل
زفرة حارة خرجت من انفاسه ليعيد فتح عينيه وهو يتطلع إلى والدته، يخبرها عن عجزه الواضح، لتسارع والدته باحتضان وجنتيه هامسة باطمئنان
-لا تحزن على ما أصابك يا ولدي.

تأوه كاد ان يخرج من شفتيه الا انه أغمض جفنيه وغصة مؤلمة تتحكم فى حلقه ليقول بصوت خاوي
- لم أعد أشعر بأي شيء يا أمي، هل تصدقيني القول؟، أشعر بخواء يملأ صدري، خواء يتآكل جسدي رويدا
صرخت تلك المرة غيداء بجزع ونزعت يداها عن وجهه لتهز راسها نافية وهو يصفعها بصورة قاسية، ليس ابنها هذا طريح الفراش، ترغب بابنها، هذا نسخة، باهتة بل ميتة منه.

انسلت العبرات من عينيها وهي تكتم صراخها بكف يدها لتشعر بدمعة واحدة انفلتت منه هو الآخر، لتقترب منه صارخة بجزع
تنزع ضعفه، تحميه من اقرب اشخاص اليه، تحميه حتى منه، تزيح دمعته وهي تهمس بقلق
-ولدي.

تجلده بصبر وقوة لا يمتلكها ولا يستطيع أن يتظاهر بها أمامها هي بالتحديد، لتهبط دمعة قاهرة منه وهي تزيحها بقوة، تعطيه رسالة مباشرة عن أن يكف عن الضعف هذا وهي انخرطت في بكاء حار لتميل برأسها تسنده على جبهته تهمس له بعبارات قوية، تخبره عن التحلي بالصبر، لكنها هي الأخرى تحتاج لمن يصبرها، يحاول طمئنتها ولو خداعا لكن يبدو ان غيداء لم تتحمل ما قاله، لعن بسخط وهو يرى والده يأخذ والدته بين ذراعيه ويخرجان من الغرفة!

انفجرت غيداء البكاء بحرقة علي فلذة كبدها، تبكي بين ذراعي زوجها الذي حزنت عيناه واغرورقت عيناه هو الآخر لما سمعه من ابنه، لكن الأمر لا يتطلب انهيار منه، ليس وزوجته بحاجته، همس بصلابة
-اهدأي يا غيداء، ارجوك انتي تعلمين تعليمات الطبيب
رفعت عينيها إليه تخبره المها، ووجيعتها، انتفاخ بادي حول جفنيها جعله يزيل دموعها بإبهاميه ليسمعها تتمتم بجزع
-لا اتحمل، لا اتحمل فقدان روحه، ابني لا أكاد أعرفه.

لكم يوجعه دموعه، وكيف يؤثر دموعها على قلبه ليزيده غما، همس بصوت هادئ محمل بالقوة
-غيداء توقفي عن البكاء، لن يفيده
نظرت حولها بتشتت وتيه شديدين، لا تعلم ماذا تفعل؟ من المفترض أن تطمئن ولدها، لكنها افسدت الامر، لم تزيده سوى حزنا وكمدا همست بضياع
-ماذا أفعل؟، أنا أفقد ابني
تنهد مخرجا زفيرا حارا، اختناق عظيم يكتم انفاسه، والأمور تزداد سوءً، لم يرغب حتي الان سرمد بأن يفصح بكلمة واحدة، قال بهدوء.

-لا تيأسي من بداية الطريق، الجميع يعتمد عليك وعلى صلابتك عند الشدائد
اشاحت بوجهها بعيدة عنه، أيظنونها قوية لتلك الدرجة؟ هي أضعف ما تكون حينما يمس أطفالها، رفعت عيناها تهمس بقهر
-لم أعد أتحمل، انظر اليه وانا لا ارى سرمد، لقد فقدت صغيري
لم يملك سوي أن يمسك ذقنها لتنظر الي عينيه، والوجع هنا لم يحتمل
تفجرت ينابيع القهر، والعذاب الخالص وقلة الحيلة.

غمغم بنبرة مقهورة رغما عنه، بعد استشارات أطباء خارج مصر، حالته كانت أشبه بالمستحيل وحاجة بالمعجزة للعودة للسير على قدميه!
-احمدي الله على كونه حيا يرزق بيننا، ألم يكن هذا ما تتمنيه؟!، كنت ترغبين به بكونه حي بيننا وقلتي أن كل شيء سيصبح علي ما يرام
وجهت نظرها تجاه الباب المغلق حيث يرقد صغيرها لتهمس بحدة
-نعم لقد قلت هذا، لكن، انظر إليه، هذا ليس سرمد الذي أعرفه، هل تعرفه أنت، أخبرني؟

نكس رأسه أرضا وتوقف عن أي محاولة لردعها، ليخبرها بهدوء
-الحياة ليست عادلة يا غيداء
هزت رأسها وهي تمسح دموعها لتهمس
-ليست عادلة، لكن هذا ابتلاؤه وما علينا سوى الصبر، لكنني أم بالنهاية
تلك المرة لم يمنع نفسه من معانقتها لتندس بين ذراعيه، والصمت بينهما كان أبلغ حديث
همس بصوت دافئ
-أعلم، بدونك يا غالية سأضيع أنا وصغارنا.

دمعة حارة انزلقت دون أدني مقاومة منها، لتشعر بقبلته على جبهتها ثم صوته الدافئ يبعث السكينة لقلبها
- استعيذي بالله، افرحي لكونه حيا الآن وبعده سيحل من عند الله
اومأت برأسها وهي ترفع عيناها تناجي ربها هامسة بقلب بداخله يقين من عندالله
-يارب.

صمت خيم الغرفة بعد خروج والدته المنهار مع والده، اغمض سرمد جفنيه بأسي وداخله وجع على ما يفعله لعائلته، لا تستحق غيداء ما يفعله بها
استمع الي نقرات الباب وصوت غسان المرح وهو يلقي سلاما حارا على شقيقه الذي تبادل معه عبارات خافتة تبعها بمغادرة سريعة، جلس غسان علي المقعد القريب من الفراش يتأمل حالة صديقه، برغم كل شئ، وما اصبحت حالته، لكن عودته حيا كما لو ان الروح ردت اليه.

ابتسم غسان بألم، لا يعلم ماذا كان سيفعل أن غادر صديقه، لم يكن ان للصداقة له طعما مرًا وحالة كئيبة و مميتة تنتشر في الأرجاء إذا غاب طرف الآخر!
اجلي حلقه ليسترعي انتباه الذي يدعي النوم، ليبتسم ما أن رأى تحرك جفنيه دون محاولة لفتح جفنيه مما جعله يقول ببرود
-هل ترغب أن تأخذ دور البائس؟

فتح عيناه وهو يطالع نظرات غسان المتلهفة بقلق، الأحمق مهما حاول بمزاحه الثقيل لا يستطيع إخفاء مشاعره التي يقرأها ككتاب مفتوح، همس بهدوء أصبح بتعجب منه شخصيًا!
-غسان لا أتحمل حقًا، لدي ما يكفي
زفر غسان بحدة واتبعها بتساؤل متشكك
-هل جاءت؟
تعمد عدم قول اسمها، لا يعلم كيف ستكون تعابير وجهه، التي تجمدت تماما قبل ان يهمس بصوت بارد
-نعم
عقد غسان بريبة ولهفة لمعرفة سبب مجيئها جعله يهمس
-ثم؟

ابتسامة شبه خافتة وهو يتذكر مجيئها، عيناه لم تنسي ان يطبع صورة جسدها ووجهها، جسدها نحف، المجنونة لا يعلم ماذا تفعل بعيدة عنه؟ أتريد أن تبقى في الفراش؟ يبدو انها من تعرضت للاختطاف وليس هو! لكن سرعان ما اسودت ملامح وجهه قتامة ولم يخفي لمحة الألم التي لمعت في عينيه لثواني معدودة ثم اختفت ليقول
-غادرت
انفجر غسان يصفق ببرود قائلا.

-ما هذا الحديث الرائع، والاسهاب الطويل منك للحديث، أيها الأحمق أخبرني ماذا تريد تلك المرأة منك
عبس محاولا التذكر عن سبب مجيئها؟! عقد حاجبيه ويبدو اللعنة، لقد نسي كل شئ وبقي يتأملها، يتشرب تفاصيلها كلها حينما ابتعد؟
هل تأثرت بغيابه كما فعل؟، هل ستسامحه؟ هل ستغفر له؟ والعديد من الاسئلة التي كانت تطن فى عقله منذ اختطافه، لكن ما أن رأي وجهها لم يستطيع تحمل وجودها فى غرفته.

رجولته المنكسرة لم تسمح، هي رغم كل شئ، كنزه الثمين الذي بغباء منه إضاعة بعد بحث مضني
-لا شيء
زفر غسان بضيق وهو يري صديقه يفضل الصمت وعدم البوح، ليهمس باختناق
-يكفينا المكوث في هذه البلدة، لنغادر من هنا
عبس سرمد وهو يرى علامات وجه الضيق التي تعتلي غسان، ترى ما الذي فاته خلال الشهر؟! همس بتعجب
-وماذا عن ساكنة الفؤاد يا غسان؟ هل ستتركها؟

انتفض واقفا وهو يشيح بعينيه عن صديقه ليقول بسخرية متذكرا وعدا قديما لهما
-قلبي فارغ يا رجل، لقد اتفقنا لا نساء لا حب، سنظل رجلين عازبين للأبد
غمغم سرمد ببساطة
- احمق، لا تضيع فرصة حب عمرك وإلا ستعض اناملك من الندم في المستقبل، اغتنم المرأة لأنك تستحق الحياة
اشاح غسان بيده بعدم اكتراث، وبعض التوتر والحركة العنيفة لم تخفي عن عيني سرمد الثاقبتين ليقول غسان ببرود.

-دعك مني، أنا جئت لك، ثم النساء كثيرات يا صديق
مخادع
وكاذب
اغمض سرمد جفنيه وهو يهمس بهدوء
-النساء كثيرات، لكن الرجل يعشق امرأة واحدة تظل ساكنة فيه حتى مغادرة روحه من جسده
عقد غسان حاجبيه بريبة، اقترب من صديقه وهو يضع كف يده على جبهته مما جعله يفتح جفنياه يناظره بدهشة وتعجب، وغسان يتمتم
- هل في الخطف أطعموك شعرًا أم ماذا؟
ثم اكتفى بالصبر ليغمغم بحدة والغضب عاد يسكن جسده.

- ماذا حدث معك خلال شهر؟، تعلم اننا لن نصمت والشرطي سيأتي لتخبره بما حدث، أولئك الملاعين سيعاقبوا بقوة، لا تقلق السفارة بجانبنا
شبه ابتسامة ميتة زينت وجهه ليقول
-ماذا سأستفاد يا غسان، بالنهاية الضرر الكامل وقع علي، مهما حدث لهم لن يصل مقدار شعرة ما فعلوه بي
وكأن غسان فاز باليانصيب، ليتجه إلى سرمد باهتمام بالغ جم قائلا
-أخبرني إذا ماذا حدث، طمئني ارجوك.

ماذا سيستفاد؟ هل بمجرد إخبارهم بما حدث له هل سيعيد له حركته؟ لما لا يصدقون أنه أصبح يخاف ذلك الشعور المزلزل والتهديد المحدق بعائلته، يبدو أن الرجل الذي اختطفه مجنون ولن يتوقف عن ايذائهم، لذلك الشرطة والسجن لن يحل اي شئ وهو يعلم مدى نفوذ الآخر، غمغم بقهر
- لن يفيد شيء يا غسان، لقد أصبحت عاجز
صاح غسان نافيا بقوة وهو يجبر سرمد للنظر إلى عينيه
- ستكون بخير، اسمع يا أحمق، ستكون بخير وستسير على قدميك.

ابتسم لرؤية ملامح الثقة الشديدة من وجه صديقه، ابتسم بامتنان لأنه استطاع بالنهاية ان يظفر بصديق حقيقي، همس بنبرة فاترة
-من تخدع نفسك يا غسان؟، أعلم حالتي
زمجر غسان بحدة وهو يتمتم
- إياك واليأس، اسمع، سنسافر وسأعرضك على أكفأ الأطباء وستسير بأمر الله على قدميك.

صمت سرمد لبرهة متذكرا يوم مجيئه الى غرفتها بعد بشاعة ما اقترفه، هل اصبحت سعيدة الآن بما أصابه؟ حتى ولو مر خاطر واحد، أو لمحة رضا إن الله اقتص منها
- أستحق ما حدث لي
غمغم بها بحشرجة خشنة وتابع فى اسي
-لقد قتلتها بيدي، وعاقبني الله على افراطي بها وعدم تعقلي
هز غسان راسه بياس، يكفي الأسرار التي يخفيها سرمد منذ انهيار خطيبته ليزيد امر اختطافا غموضًا، حتي الأخرى لا تعترف، لا تتحدث بأي شئ.

جسدين بعقل حمار كبير، تمتم بها غسان بحدة وهو ينظر بامتعاض تجاه سرمد قبل أن يتمتم لنفسه بإقرار أنه أصبح هو الآخر حمار، يبدو أن عدوى الحب تصاب الجميع بتلك الصفة!

في حي عاصي،.

الحي بأكمله على قدم وساق استعدادا للشهر المبارك، بعض المحلات بدأت بجلب المستلزمات الخاصة برمضان من ياميش وغيره، وأطفال الحي يساعدون في تعليق الزينة الخاصة للحي بالكامل، وفى مؤخرة الحي تم نصب صوان ضخم منذ سنوات قديمة الذي تقوم به تحية بمساعدة جيرانها للأفطار الجماعي الذي يشاركونه كل عام، ليس هذا فقط بل وصل الأمر للأحياء المجاورة التي بدأت تقوم بهذه المشاركة، لزيادة اواصر بين علاقات الجيران ببعضهم، وربط قلوبهم بالألفة والمحبة الأشياء التي نادرا ما يهتم بها أحد!

ابتسمت وجد بتألق شديد وهي تراقب الحي بانبهار، تكاد تقسم أنها لم شعرت انها اخطئت فى العنوان حينما جائت هذا الصباح، لكن مع رؤية الطفل هيما وهو يسارع بترحيبها ثم اصطحبها إلى منزل تحية حيث اخبرها ان تترك جميع متعلقاتها فى الشقة قبل أن يصطحبها إلى مكان الصوان حيث تجلس تحية على المقعد برغم سنوات عمرها الا انها تملك هيبة لم تراها مطلقا فى امرأة قط، امرأة تستطيع ادارة عملها بين العاملين الذين يسارعون بانتهاء العمل فى أقل وقت ممكن كي لا يتم بتوبيخهم في قصر عملهم وخصم أجرتهم بسبب تقاعسهم عن العمل، انتبهت على صوت تحية وهي تهاتف شخصا ما تقول بحروف واثقة وعينيها تراقب أصغر عامل فى حتي الجيران الذين يقدمون يد المساعدة.

-الصوان زي كل سنة يا حاج، استعجل بقي بالمطلوب زي كل سنة
ضاقت عيناها باستنكار لتصيح فى وجهه بحدة وقد بلغ صبرها منتهاه من جميع التجار
-أسعار ايه دي اللي غليت، لأ بقولك ايه شغل بنزين غلي، الأسعار ولعت، تعويم معرفش حصله ايه، فيه كارثة بتحصل في قارة تانية والجليد بيدوب وكلنا هنغرق مليش فيه.

حدجت احدي الصبيان الذين يلعبون فى الصوان بنظرة نارية ارعبت فرائصه ليفر هاربا مناديا والدته، تنهدت تحية بضجر، سرعان ما اشرقت ملامحها ما أن رأت زوجة حفيدها
يجب عليها أن تعلمها أصول عملها، وأن تعلمها كافة المسؤوليات التي ستقع على عاتقها ما ان ستصبح مكانها، حثتها على التقرب تومئ وجد برأسها وهي تسحب مقعد وتجلس بالقرب منها ومن اسماء التي تتلاعب بهاتفها ببرود شديد، لتصرخ تحية بصوت مرتفع.

-الأسعار زي ما هيي زي ما بقولك، يا راجل مش مكسوف على دمك السنة اللي فاتت فى آخر عشر أيام باعتلي نص الحاجة بايظة وعديتها عشان اول مرة تطلع منك، لكن قسما بالله لو المطلوب طلع مضروب ما هخلي التجار تاخد منك، مش مكسوف على نفسك يا راجل بقولك ثواب وتقولي عايز ضعف الفلوس.

حوقلت مستغفرة وهي تسمع رده لهذا العجوز، وقد اثار حديثها انتباه وجد بالكامل، وهي تراقبها بانبهار طفلة صغيرة، عدا أسماء التي لم تلقي بحديثها بالا كما لو أنها اعتادت على هذا الامر منذ سنوات لتقول تحية بنفاذ صبر
- لا اله الا الله يا حاج، قصر الكلام الحاجات المطلوب تكون سليمة وبنفس السعر، ده احنا داخلين على شهر مبارك
زمجرت تحية بغضب وقد احتقنت عيناها بنيران شعواء، لتصرخ هادرة فى وجه محدثها.

- مفيش جنية زيادة، بقولك اهو، هتسايسني وتيجي بالحاجة وتقولي الفلوس مش دي اللي اتفقنا عليها اقسم بالله لا تفرق معايا عشرتك السنين اللي فاتت، ومتلومش غير نفسك
ابتسمت بخفة وهي تسمع إلى إذعان الرجل بالموافقة بالنهاية لتقول ببرود
- في انتظارك.

انهت اتصالها بعد ان كادت تفتك به حرفيا، لولا انها لا تحب زيارة أحد لكانت ذهبت إليه وهدمت تجارته رأسا على عقب، وضعت اسماء الهاتف فى جيب بنطالها الرياضي وصفقت بحبور قائلة
- يا توحا يا جامد
لولا المتبقي من عقلها لكانت اطلقت صفير اعجاب، لتقول تحية بزهو
- ايه رأيك يا أسماء مش انفع سيدة اعمال؟
شهقت اسماء وقالت بإقرار خبيث
- تنفعي وبس، ده انتي يخلوكي تمسكي وزارة المالية، الوزارة من أولها لآخرها هتترعب منك.

عبست ملامح تحية للضيق قبل أن تهمس بحنق
- هو انا عارفة اشيل مسؤولية الناس في الشهر ده عشان تخليني اشيل مسؤولية بلد بحالها
ابتسمت وجد للمشاكسات التي تفعلها اسماء لكي تهدأ من غضبها، لتقول بهدوء
- والله عقلك يا توحة يوزن بلد
ابتسمت تحية بفخر شديد وهي تقول
- الله يخليكي يا مرات ابني
ترددت وجد وهي تشعر أنها قد تقتحم خصوصيات تحية فى العمل، الا ان نظرات تحية المشجعة جعلها تهمس على استحياء قائلة.

- لو فيه مشكلة مع الراجل ده، ممكن نحاول نشوف غيره وبالسعر اللي انتي عايزاه
ابتسمت تحية بحنين جارف وهي تتذكر حادث ما في ماضيها، لتجيبها برحب صدر
- الراجل ده عشرة سنين مع المعلم الله يرحمه، المرحوم لولا أنه وصاني عليه وقت ما تجارته خسرت وساعده إني مردش أي محتاج كنت رميته، للأسف تعملي خير لحد يكون طامع في اللي ايدك، النفوس بقت صعبة اليومين دول يا وجد.

عقدت وجد حاجبيها بريبة، وما زالت لم تفهم بعد سبب إصرارها على هذا الرجل بالعمل لتسألها بفضول
-طب وليه اجبرتي تتعاملي معاه؟
اجابتها تحية قائلة بصوت منخفض
-مش عايزة اقطع رزق العمال اللي معاه، بيستنوا شهر رمضان بفارغ الصبر خصوصا الرزق بيكون من وسع
اومأت وجد بإدراك لتتسع ابتسامتها وهي تراقب المرأة بفخر، وتمني بداخلها ان تصبح مستقبلا، لتسمع تحية تغمغم بحنق.

- بس نقول ايه ولاد الحرام فتحوا عيونه لما عرف، وبقي بيستخسر رزق العمال وبيطلب الضعف لنفسه وفى الاخر بيشيله لحاله
تدخلت اسماء بمشاكسة محببة لها قائلة
- بس كنتي اسد يا توحة، كنت شوية وهخاف منك
ابتسمت تحية ابتسامة خافتة قبل أن تغمغم بجدية لكلتاهما
- في غياب الراجل الست بتتضطر تتحول لأسد خصوصا انه راجل سوق ومراته كانت لازم تمسك أعماله وتحط راسها براس التجار كلهم ويعملولها حساب
صفقت اسماء بمرح قائلة.

- عفارم عليكي يا ست الكل
لم تنتبه وجد الي عيني عاصي اللذان كانت تتابع كافة خلجاتها وهي تجلس بالقرب من جدته، وقد كان بعيدا عن انظارها كافية ليتأملها، يري شئ جديد بها
هل قصت شعرها؟!

انتبه لهذا الأمر وهو يرى خصلات شعرها المموجة التي بالكاد تصل اسفل ذقنها، وثيابها رغم بساطتها لكنها دائما تصبح محط أنظار الجارات، نظر برضا تام إلى بنطالها جينز متسع وفوقه ارتدت بلوزة قطنية صفراء وحذاء رياضي أبيض، تشبع كقطعة شمس بوجهها تنير عالمه، تقدم بتؤدة وهم بالقاء سلام كي يفيق تلك الهائمة فى ملامح جدته إلا أن جدته عاجلته قائلة بجدية ونظرات حذرة
- عاصي، متنساش لما يجوا العمال.

رفعت وجد رأسها سريعا لتنظر الي عاصي بابتسامة خجلة واللمعة في عينيها لم تستطيع اخفاءها، غمغم بنبرة ثقيلة وعينيه تسلطت علي وجد التي كادت ان تدفن نفسها من فرط الخجل
-حاضر يا ست الكل.

شهقت وجد باضطراب وهي تلاحظ نظرات اسماء الماكرة، ونظرات تحية الزاجرة لعاصي الذي لم يلتفت الي كلاهما، اخفضت عيناها ارضا وهي تفرك كلتا يديها بتوتر، تنقر باصابعها علي فخذها كما لو انها تعزف مقطوعة خاصة كي تتخلص من أثر نظرات عينيه الوقحتين، رباااه، ما الذي يفعله هذا الرجل؟ فى الشارع؟!
ألا يخجل؟!
وخزات ناعمة تداعب كامل جسدها، ولم تستطيع التخلص من تأثير عينيه لتهمس بتوتر وهي ترفع عينيها بخجل تجاه تحية.

-انا بقى هعمل ايه
كانت تحية تراقب كل شاردة وواردة فى الحي، وقد استطاع حفيدها بحماقته ان يلفت عددا لا بأس به للعيون الفضولية والحاسدة، ظلت ترقي كلاهما وتدعي الله ان يتم زواجهم على خير، لترفع عينيها حينما استمعت إلى سؤال وجد، لتبتسم بمكر تجاه أسماء التي شهقت رافضة بحدة ما ان علمت بنظرات عينيها إلى أين تريد وضع وجد فى العمل
- لا يا توحة متحطيهاش في المطبخ
شهقت تحية باستنكار قبل أن تغمغم باستهجان.

- اسكتي يا بت، نسيتي حالك لما دخلتي المطبخ
شهقت وجد بذعر تام لتقول بيأس
- انا فاشلة في المطبخ يا توحة
زجرتها اسماء بحدة وكأنها اخبرتها بأمر لا يصح قوله أمام الملأ
-اشششش، انتي مجنونة اوعي تكوني قولتيله لجوزك
عقدت وجد حاجبيها بعدم فهم قبل أن تهمس ببساطة
-ما هو عارف
زمجرت اسماء باستهجان لبساطة ما تقوله وجد لتهمس بحدة
-هو في ست بتقول للراجل مش بتعرف تطبخ بكل بساطة، دي عيبة في حقك.

ابتسمت تحية صامتة وهي ترى نظرات وجد الزائغة وأسماء تخبرها بهمس خافت
-الراجل مش هيقضي سنين عمره ياكل دليفري واكل برا، الراجل عايز يدوق اكل مراته ويتمزج بيه، ده اقرب طريق للوصول للراجل هي معدته، ولا عايزاه يبص لبرا وتلاقي جارة عقربة ليكي بتأكله من ايديها
كيف يستطيع الرجل أن يخون من مجرد امرأة لا تستطيع الطبخ؟! غمغمت باستنكار
- لا لا يا أسماء، عاصي مش كدا.

ابتسامة مستهزئة هذا كل ما استطاعت اسماء فعله قبل أن تجيبها باقرار
- يختي ما الرجالة بتبقى حاجة واحدة بعد الجواز، اللي مش عارفة تعمليه تتعلميه، وانا جنبك وهساعدك.

ابتسمت وجد بإيجاب لمساعدة أسماء التي ستقدمها لها، وبنظرة متفحصة ابتسمت برضا إلى ثيابها التي أصبحت متناسقة الألوان بداية من سترتها الواسعة البيضاء وبنطالها الرياضي الكحلي وحجاب وردي، لا تنكر أن أسماء أرهقتها حرفيا في يوم شراء الملابس الرياضية الجديدة وارهقتها عشر أضعاف حينما قررت أن تتخلص من ثيابها الرياضية المريعة القديمة، وقد أقامت حرب كي لا تلقيهم خارجا لكن حزم تحية جعلها ترضخ بأن تتبرع بنصفهم إلى جمعية خيرية والباقي حولتهم والدتها إلى استخدامات المطبخ.

صاحت أسماء باصرار وهي توجه بحديثها تجاه تحية
- بس ايدك مش هتلمس المطبخ، دي هتفرفر منينا يا توحة مش هتستحمل السخونية وريحة الاكل على جسمها
زمت وجد شفتيها بحدة قبل أن تقول بحدة
- هتعلم
نظرت اسماء تجاهها باستنكار وقبل أن تهم بنشوب شجار، استقامت من مقعدها وهي تحثها للتحرك قائلة
- طب يلا بينا على المطبخ تتعلمي تسبيكة الصلصة
عبست وجد حاجبيها وهي تقول ببساطة
-واسبك صلصلة ليه ما هي بتتباع في السوبر ماركت.

ألقت اسماء نظرة خاصة تجاه تحية التي انفجرت ضاحكة، لتزفر اسماء بحدة
- متنقطنيش يا وجد، انا عروسة على وش جواز
أزيز هاتفها جعل وجد تفتح هاتفها لترى موعد طبيبها الخاص بعد ساعتين لتهمس بهدوء تجاه تحية
-هضطر استأذن يا توحة، عندي ميعاد مهم بعد ساعة، هاخد حاجتي من البيت
هزت تحية رأسها قائلة
-طيب يا حبيبتي، مفتاح البيت معاكي كدا كدا نسخة منه.

تفحصت وجد مفتاحها في جيب بنطالها، وهي تتذكر اليوم الذي قررت تحية ان تعطيها نسخة من مفتاح منزلها وقد اخبرتها انها اصبحت جزءً من العائلة، ربما رمز المفتاح يراه البعض شيئا عاديا
لكنها لم يكن مجرد رمز، او شئ معدني بل العائلة التي تريدها ان تصبح كبيرة وضخمة
-ايوا.

استأذنت وجد مغادرة وهي تتحرك برشاقة، وتلقي سلام عابر لهيما الذي مد لها بزجاجة مياه وقد اخبرها ان عاصي اوصاه بهذا، عبثت بخصلات شعره الكثيفة برقة قبل أن تتحرك بخطواتها المهرولة تجاه المنزل، صعدت السلالم برشاقة حتى وصلت امام البيت، اخرجت المفتاح من جيب بنطالها ووضعته فى الثقب لتسارع بالدخول تاركة الباب خلفها مواربا، توجهت نحو الطاولة تأخذ حقيبتها وحينما استدارت علي عقبيها تفاجأت بسماعها لأحدهم غلق الباب بحدة، اتسعت عيناها بجحوظ حينما وجدت عاصي امامها ينظر إليها بعاطفة مندلعة جعلها تهمس باضطراب.

-عاصي
تثاقلت انفاسها رويدا وهي تري النيران المندلعة في عينيه، تراجعت خطوة واحدة وهي تلعن غبائها حينما رأت الادراك الذي يلمع في عينيه، لتقف بصلابة لكنها أصبحت رخوة حينما همس بصوت ثقيل متهدج
-عيونه
فغرت شفتيها بانفاس انحبست داخل انفاسها، لترمش باهدابها عدة مرات وتلعثم شفتين لا تحدث سوى أمامه لتهمس باضطراب وهي تراه يتقدم بتؤدة مهلكة لأعصابها
-انت بتعمل ايه هنا، خضتني افتكرت فيه حرامي.

شهقت بذعر حينما سحب ذراعها بحدة لتسقط علي صلابة صدره، تأوهت بوجع خافت وهي تشعر بذراعه تقبض علي خصرها بقوة
رفعت رأسها لتواجهه وهالت ما رأته
الظلمة التي أسقطها فيها مطمئنة
عناق أعين لم يتجرأ أحدهما على الأنفصال
احتضان أنفس وتمازج روحين أشعل فتيل خامل في جسديهما، صاعقة أحلت على جسديهما لتتشبث وجد به كالغريق
لم تستطيع الإشاحة بعيدة عنه، لم تستطيع سوى أن تستسلم وهو يجرفها إلى أمواجه الهادرة..

انفاسهم تتباري والاعين تحدق باشتعال وجذوة العاطفة ما زالت مستعرة، شهقت وجد بإدراك حينما وضعت كف يدها على شفتيها تنظر اليه بجحوظ تام!
الا انه لم يملك لها وقتًا للصراخ أو العتاب بل عاد يلفها بخشونته المحبة قائلا
-ده يبقي كتب تاريخ موته، بس ايه الحلاوة دي
غمزة وقحة اتبعها بملامسة حسية جعل جسدها يقشعر لتهمس بتيه
-حلاوة ايه!
رفع كف يده ليلف خصلة من شعرها القصير قائلا
-مقولتيش انك غيرتي تسريحة شعرك.

رمشت بأهدابها وهي تنظر اليه وقد تفجرت الحمرة في وجنتيها لتهمس بتهدج
-حبيت أعملها مفاجأة، بس المرة الجاية هخليك تختارلي قصة شعر جديدة
جز عاصي علي اسنانه بقوة، يكاد يكبح جماح نفسه كي لا يتهور مرة اخرى
لقد حاول ويشهد الله انه حاول ان لا يمسها سوي وهي في بيته.

لكنه رجل، وكابح فى العديد من المرات، لكن تلك النظرات الناعسة، تذبحه فى شوق، اقترب لامسا وجنتيها ليعيد مس روحها وسرقة بعض لحظاتهم السرية بعيدا عن أعين المتطفلين
روحها تذوب حرفيا لتندمج في روحه، عيناها ترحب بالسقوط وجسدها مسترخي تماما، وهذا يجعله يضرب نفسه فى اقرب حائط
ان امرأته تثق به أكثر من حالها، اضطر أن يبتعد اسفًا ليغمغم بغلاظة
-فين البدلة بتاعتي يا هانم.

افلتها ببعض الحدة الغير مقصودة كي لا يلبي نداءات قلبه، كادت ان تفقد توازنها لولا انها امسكت باقرب مقعد لتتشبث به بيديها وهي تجيبه بخجل ورغبة دفينة لها بالفرار
-يا عاصي انا قولتلك بياخد وقت مني عشان اتعلم
ادخل يديه في جيب بنطاله، يمنعهما من الخروج كي لا يستجيب أي نداء للمس جسدها واعتصارها بين ذراعيه ليقول بصوت أجش
-اعمليلي قمصان طيب.

رفعت عيناها له وقد بان أثر عاطفته عليها ليشيح وجهه بحدة جازًا أسنانه بقوة والعرق فى صدفه ينبض بقوة ليسمعها تهمس
-عايز الألوان ايه؟
اجابها بخشونة وغلظة لم يوجهها لها، بل لغبائه على كونه يستطيع أن يكون هادئا رزينا بجوارها، كم هو احمق!
-علي ذوقك يا وجد، اختاري انتي
مررت يداها على خصلات شعرها تدفع هواء بارد يطفئ نيران جوفها لتهمس باضطراب
- مش هتتضايق لو الالوان جديدة عليك.

لا يدري ما عبثية حوارهم وقد قررت هي أن تجاريه، وكأن ما حدث منذ قليل لم يحدث!
وما تشاركاه كان من نسيج خيالهم ليجيبها بخشونة
-هلبسه عشان الايدين الحلوين اللي يلتفوا في حرير تعبوا عشاني
لمعت عيناها بامتنان لكلماته المشجعة، واختزل كل امتنانها فى كلمة واحدة
-عاصي
حيث البداية هو، والنهاية هو.

كل الكلمات الشكر التي تعلمها لن توفي بأي شئ ما يفعله بحقها، تكاد تهرع لتنصهر في أحضانه لكنها ليست خطوة بجيدة والدليل عينيه
ليستا رائقتين، بل تبدوات كسواد ليل بهيم لم تزره شمس قط، ارتجف جسدها وهمست اسمه باضطراب
-عاصي
اقترب خطوة لتتراجع مبتعدة بذعر هامسة بخجل
- هنتفضح بالطريقة دي
ولم تكد تنهي جملتها حتي صاح صوت تحية الجهوري فى مدخل العمارة
-عااااااصي، انزليييي يا وااااد.

اتسعت عينا وجد بجحوظ لتخفي وجهها بكفي يديها، اللعنة لقد علمت توحة ماذا يفعلان هنا!
غمغم عاصي بسخط وهو ينظر اليها كما لو أنها المتهمة في هذا الأمر
نعم هي المتهمة الأساسية، لقد أغوته بسحرها الناعم ونظرات عينيها القاتلة وهي تحثه علي التقرب منها
-عجبك قلة القيمة دي، افتكري كل ده هيطلع عليكي
شهقت وجد باستنكار لازم شفتيها بغضب
-وانا مالي
رمقها بنظرة عابثة وغمزة ماكرة ليقر باعتراف
-بطلي تحلوي كل يوم في عيني.

فغرت شفتيها بصدمة واضطر هو اسفا للمغادرة كي لا يتم فضحه فى ارجاء الحي بأكمله يكفي العقار السكني الذي يقيم فيه، تمتمت وجد بشرود
-مجنون
رفعت عيناها حينما فتح باب المنزل وحينما التفت قال بصرامة
-صوريلي فستانك
اجفلت من نبرته العالية لتهز رأسها نافية
-بس مينفعش تشوفه
احتدت عينيه بصرامة وقوة تراها منه، ليأمرها بغرور
-صوريه
همت بالرد عليه إلا أن صون تحية الصارخ بنفاذ صبر جعله يضطر أسفا للمغادرة
-عااااااصي.

زفر عاصي بيأس وهو يرمقها بصلابة قبل أن يرد عليها
-نازل يا توحااا
اغلق الباب خلفه بقوة لتجفل وجد وهي تنهار على المقعد بدهشة، لماذا تحديدا يرغب برؤية الفستان؟ دفنت وجهها بكفي يديها لتغمغم بيأس
-شكلي ادبست في واحد مجنون.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة