قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة واثنين

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة واثنين

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة واثنين

الحياة كأمواج البحر
في أحيان ترسل نسيم عليل يبدد من ضيقك، وتداعب أنامل قدميك بحب
وأحيان أخرى تجرك إلى القاع في حركة غادرة منها
تخبرك لا تأمني، كما تتخذ حيطتك من البشر!
فالحب والحياة وجهان لعملة واحدة، فمن دون الحب تفقد الحياة
وما ان تترك نفسك لأمواج الحب مستقبلا اياه بكلتا ذراعيك
تأخذك بغتة الى قاعها المهيب.
جرها لؤي حرفيا من المكان الذي كانت واقفة به، تستعرض لحمها وجسدها وهل تطلب منه تفهما مثلا؟!

أو أن يكون رجلا متحضرا كاشباه الرجال الذين يملؤون حفلة عقد القران ابنة عمه!
الوقحة تخبره بكل صفاقة انها ترتدي ما ترغب، دون أن يعترض
ايام تجنبه كانت نابعة من داخله لكي تراجع تلك الشيطانة حساباتها، وأن تقتل أي بعد بينهما، لكنها تفهمت بعده، جفاءً ويشهد الله كم هو يعاني من محاولات تحرشاتها به علنيا وفي غرفتهم، حتى أنه يضطر أن يأتي في الغرفة لمدة لا تزيد عن الساعة يوما ثم ينطلق هاربا من شبح استسلامه.

الشيطان الذي يؤازره لينهل من نبع انوثتها المشتاقة له، ورجولته التي تأن بحاجة ضارة
وضراوة رجل بدائي يقرر أن تلك الليلة، سيمارس بعض من بدائيات رجل بوهيم للمرأة التي تخطت حدودها وكسرت جميع خطوطها الحمراء
استمع إلى هدرها الصارخ ما أن وطئا داخل القصر لتحاول فلت يدها من أسر يده الكماشة على ذراعها
-مش من حقك تعترض انت فاهم
التفت اليها والجنون يتراقص في حدقتيه بشرر
والشيطان يلعب على أوتار رجولته، يرجوه ثأرا.

والقلب يعترض
ليقف في متاهة، متاهة تجعله بين شقي رحي نار رجولته، ونداءات قلبه
ابتسم ولمعت عيناه بالغضب ليقترب منها وهو يقبض على عنقها المرمرى وعينيه تنخفض ينظر إلى صدرها البارز بفجاجة، لتشدد قبضته بلا وعي على عنقها وتورد وجهها الغاضب يستحل الى شحوب ليزأر بغضب
-متخليش جناني يطلع عليكي دلوقتي يا اسياااا
تزلزلت الجدران من صوته الجهوري، ليرتعد جسد آسيا بلا وعي منها.

وهي تعلم أن ما تقوم به تخسر بها رصيدها عنده، يكفي ما قام به ليسمح لها بزيارة شبه يومية ولساعات أطول للصغيرة التي أصبحت في كنف العائلة
تضاؤل معدل الاكسجين داخل أنسجتها لتهمس بتحشرج
- نفسك تضرب يا لؤي، أضرب لأن ورب الكعبة ما هبيت في الليلة دي
رفع لؤي عينيه وعينيه تتسع بجحوظ إلى موضع المرأة الضعيف، ومازالت تكابر
وتثأر
تسعى لنيران، ستطالها هي اولا، وستخسره في النهاية!

انها تدرك ما تقوم به، وما زالت تسعى، وهو نفذت جميع حيله وكل وسائله للكف عن اذية نفسها وهو
تركها بل لفظها حرفيا، وهو يغمغم بجمود
- ايه البجاحة اللي انتي فيها دي
انفجرت آسيا بالضحك لتسعل بحدة وهي تنحني بجذعها محاولة أن تهدئ من وصلة السعال، لتهمس بتحشرج
-كل ده بسببك انت
تتهمه كأنه أوقعها في فخ
لن ينكر أنه اتخذ وضع المفاجأة بعدما رأي الموافقة لتأخذ صفحة جديدة، لكنها تكذب
ترغب وصاله فقط وليحترق أي شخص آخر.

عينيه كنصل سهام خارق يخترق ضلوعها ليهدر بضراوة ليث حبيس ويده محتفظة في مكانها يمارس كافة الأساليب كي لا يصفعها
- عايزاني اشوف مراتي بلبس نوم وابقى راجل عادي ومتحضر زي ال اللي برا دول
اتسعت عينا آسيا للفظ البذيء الذي نطقه ببرود شديد، وكأن واجهة الرجل الاستقراطي تخبئ خلفها رجل لا تعرف عنه أي شئ!
رأت آسيا من طرف عينيها الخادمة التي فرت سريعا كي لا يلاحظها سيدها ويصب جام غضبه عليها، والأمر احرقها.

كونه يقلل من كرامتها المتبقية منها، لتسخر منه بخفاء
-ها تحب تسمع مين تاني، عشان يقولوا عليك راجل
وكلمة رجل وضعت أسفلها مئة خط وهي ترمقه باستهزاء، لتندلع براكين أخرى وهو يمسك كف يده بقوة ليصيح بنبرة خطرة
-اسياااااااا، اطلعي فوق
دقت نواقيس الخطر
والأجواء من حولها مشحونة بالغضب والسفك
لتهز رأسها نافية، وهي تنظر إلى كلتا يديه محاولا السيطرة عليهما
-مش طالعة.

وضع لؤي يديه في جيبي بنطاله ليراها واقفة بكل وقاحة وبجاحة منها، لا يعلم متى بدأت ترتدي تلك الثياب القذرة، التي لا تعطي لرجل سوي معني واحد
انها غانية!
قرأت آسيا الكلمة من بين عيني وهي تراه يتفحص القماشة الخرقاء التي لا تستر الكثير من جسدها سوى عدة مواضع، ليزفر لؤي بسخط
-متخليش من نفسك الجانية، اتقي شري
انفجرت ضاحكة بشراسة، وعينيها تتسعان ببريق جليدي غاضب لتهمس
-وانا بقولك اعلي ما في خيلك اركبه.

اتسعت عينا لؤي وهو يقرأ اهانتها من بين كلماته، ليندفع مقتربا منها وبلا أدنى تردد ألقي صفعة على وجهها جعلتها تسقط ارضا أسفل قدميه
تنفس لؤي بحرقة وهو ينظر إلى أسفل قدميه باشمئزاز واضح، ورضا تام
لطالما حذرها من التمادي، لكنها غبية، أم أنها عالمة تماما أنه سيفقد سيطرته ورغبت به تماما!
-لؤي.

صاح غالب بخشونة والذي ما أن رأى المشهد أمامه حتى اهتزت الارض من قدميه، أجلي غالب حلقه وهو يرى النظرة النارية التي ترشقها آسيا بكل حقد لحفيده
التفت الرأسان نحوه ليوجه نظراته الصارمة تجاه آسيا قائلا
-اطلعي يا آسيا وغيري لبسك، محتاج اتكلم معاكي
وحينما رأى اتساع حدقتي عيناها، والرفض الجلي غمغم بلين
- من غير مقاوحة من فضلك
استقامت آسيا بحدة، وهي ترمق كلاهما بغضب يحرق المدائن.

ليشيح لؤي وجهه للجهة الاخرى صعدت آسيا تلتهم الدرج التهاما وداخلها حريق، تقسم انه سيحرق الكل
وأولهما هي
صاح غالب بنبرة جامدة، وعينيه تنظر بأسف إلى ما وصل إليهما من حال
-وانت، هتحصلني
دقائق مرت
والنفوس محتقنة
وتضمر شرًا
نظرات الأعين ساخرة، حانقة، متوعدة وبركان خامد يقف يستقبل كل المشاعر التي تعتمل داخل الصدور
وقف غالب بين الجبلين اللذين لا يتحزحزان عن موقفهما.

التزما كلا منهما الصمت، وبقي غالب يحاول اعادة السيطرة للخيوط التي انفرطت من يده
ليقول بصوت حاد وبه تقريع خاص لحفيده
- اعتقد خناقة زي دي مينفعش تحصل قدام الناس يا لؤي
ضحكة ساخرة انسلت من بين شفتي اسيا، ليزداد وتيرة انفاس لؤي حدة وهو ينظر نحوها متوعدا، ليقول لؤي بنبرة خاوية من أي مشاعر
- مش هتتكرر تاني
لقد قصد كل حرف حرفيًا، لن يقربها مرة اخرى
سيتركها هكذا معلقة، لن تطيل منه أي شئ.

سيتفنن في تحطيم انوثتها التي تطلقها لعيون غيره، وهو وحده معه المفاتيح الخاصة لدهاليز عقلها الداهية ليطلق فيروس خبيث
وينتظر هو حطامها!
حذرها
حذرها من المساس برجولته، لكن الغبية، تريد قطع الخيط الضعيف بينهما!
- واضح ان مراتك حست انها تقيلة في البيت ده
قالها غالب بنبرة فاترة، وهو يراقب بحدقتي عينيه المتفحصة الملل في جلسة آسيا، لتسارع بالإجابة
- انا مش حاسة، انا متأكدة.

أومأ غالب رأسه وهو يجيبها بهدوء وتحفظ شديدين
- محدش هيجبرك يا آسيا تقعدى في مكان انتي مجبرة فيه
اصدر لؤي أول تعبير بشرى، وهي الدهشة ثم الرفض الذي التمع بعينيه ليقول
- بس
رفع غالب يده مقاطعا اعتراض لؤي، وعينيه تتفرسان ملامح آسيا التي رغم ادعائها عدم الاهتمام بما يقوله
لكن بداخله يقين أن كل ذلك البرود واللامبالاة، أذنيها ترهف السمع اليه، ليعطيها ما ترغبه وهو يصدر فرمانه.

- من غير بس، مراتك طالما مش عاجبها تقعد في بيت عيلة، تقدر تاخد أي بيت تستريح هي فيه، انا سبتكم طول الفترة دي قولت يمكن تعرف تتصرف يا لؤي
ارتفع حاجبا اسيا للحظة قبل أن تنفجر ضاحكة بسخرية
وطنين أذنيها أثر الصفعة التي صفعها لؤي
الوغد
تمتمت بشراسة وعينيها تقتله حرفيا وهو في موضع مجلسه
-محسسني ان انا بلوة ومش عارفين تتصرفوا فيها
زفر غالب بسخط وهو يدير عينيه تجاه حفيده الذي ينظر إليها بوجوم
- اتفضل انت يا لؤي.

استقام لؤي من مجلسه دون أن ينبس بحرف واحد، لكن داخل آسيا تعلم أن ما حدث
لم يجعلها تتقدم خطوة واحدة ايجابية اتجاه علاقتهما
ان كان يفهمها، سيفهم ما تعانيه هي
ان كان يحبها سيعذرها في لحظة تهور منها
لكن يبدو أنها أنهت جميع رصائد صبره انتبهت على صوت العجوز الخرف
- انتي لو كنتي مصممة تخسري حفيدي مش هتعملي كدا
هل نبرته بها عتب؟! ارتفع حاجبي آسيا بدهشة امتزجت بسخرية
- اعمل ايه!

لولا انه يعلم ان تلك الساخرة، الجاحدة تحب حفيدها، لما ابتلع كل الاهانات والسهام المتراشقة من عينيها ليقول بحدة
- انتي عارفة كويسة بتعملي ايه، مكنتش متوقع انك بالغباء ده عشان تخسري ضهرك في الحياة
معنى كلماته ضرب وترا حساسا داخل قلبها، اهتزت أطراف يديها وهي تتذكر الراحل والقريب في آن واحد
ذكرياتها الضئيلة تدفعها لأن تدافع عما سلف لتقول بحدة وهي تختصه بالحديث.

- انا كبرت وانا مليش ضهر اتسند عليه، وانت السبب في حرماني ده يا غالب
صاح بصوت جهور
- باشا
رفعت عيناها بتسلية وهي تري عقدته في حفظ الألقاب، ليقول غالب بحدة
- لو مش هتناديني زي ما وجد بتناديني، يبقى نتعامل برسمية ونحفظ الألقاب
قلبت عيناها بملل شديد وعدم اكتراث من اتجاهها، ليقول غالب بيأس
- تهورك وغضبك ده صدقيني هيخسرك كتير، افتكرتك أعقل منه، بس سبحان الله انتوا الاتنين أغبية، بتخسروا بعض بسبب الماضي.

صمتت آسيا وهي تتشرب ملامحه اليائسة، لتسأله
- يعني مش ندمان على اللي حصل
كسي معالم وجه غالب القهر والندم ليعض على نواجذه وهو يجيبها بصراحة أجفلتها
- مين قالك اني مش ندمان، كنت ندمان من وقت ما مات ووقتها انا كنت مجنون بس كنت متحفظ منكم، معرفش مراته كانت بتغذي ايه في عقولكم لما مشي
ما زال مصرا أن يضع أصابع الاتهام على والدتها التي حاولت الدفاع عن عائلتها، لتصيح بحدة
- قصدك اجبرته انه يسيبنا.

نظر غالب اتجاهها ليحدق نحوها بيأس ليغمغم بغموض تشرب ملامح وجهه الهرمة
- مصممة تحطي كامل غلطي عليا انا بس، عموما براحتك يا آسيا
انطلقت ضحكة ساخرة، مميتة تبث الرعب في البدن، لتميل برأسها وهي تتشدق بكره
- ايه دي وصية جديدة قبل الموت!
ضغط غالب بقوة على عكازه كي لا يقوم بدق رأسها الصلد هذا، يعذر لؤي حقا
المرأة معمية البصر والبصرية معًا، تلقي كلماتها كطلقات نارية طائشة.

لا تكترث لأحد، سوي الدفاع عن غاية لن تصبو اليها!
رمقها غالب بأسف بالغ وهو يغمغم
- صدقيني لو خسرتي لؤي، هتحصلي ابوكي، مستحملش يعيش لوحده رغم اننا كنا وسطيه بس كان غريب، مش عايزك تمشي في نفس اتجاهه
استطاع غالب أن يوقف هذيان اسيا، التي اتسعت عيناها بدهشة وهي تتشرب كل كلمة قالها
الاضطراب الخفيف، ورعشة جفناها واسم والدها قادرة على لجم ثائرتها، ليسمعها تجيبه بصوت أجش
- انا مش زيه
ابتسم غالب بيأس وهو يجيبها.

- يبقى بتكدبي نفسك، متفتكريش الشيب ده من بلاش
أشار تجاه شعر رأسه الأشيب، زفرت آسيا بحدة وهي تشعر انها في متاهة جديدة من حياتها
لا يعقل أن يكون هذا الرجل برئ، ووالدها هو الشيطان الوحيد، وانها قضت حياتها في عبث وثأر لا فائدة منه، صاحت بحدة في وجهه
- قولي عايز ايه من غير لف ودوران
أجابها غالب وعينيه تدقق النظر الى عينيها، محاولا أن يرى أي تراجع عن تحفزها الدائم.

- عايزك تبقي مرات تليق بحفيدي، زوجة يعتمد عليها، تكون سنده، لؤي شايل شغل العيلة كلها لوحده ومش بيشتكي، وعمره ما كان اناني الا فيكي انتي وبس
رأي اللمعة الداكنة التي ظللت محيط عينيها قبل أن تلف نفسها سريعا في جليد صقيعي، استرسل في حديثه وهو يعطي نصيحته الأخيرة علّها تلقى صدى في نفسها!

- مش هعمل نفسي عبيط واقولك اني مش شايف لمعة الحب اللى في عينيه ليكي، بس انتي بتخسريه، بتقلي منه ومن رجولته وعايزاه يسكت
زفرت اسيا بحنق، وهي تعترف انها ربما اخطأت قليلا
لكن لما هي بمفردها من تحاسب وتتلقى التقريع، والرجل في هذا المجتمع لا يمس شعرة له
يعززون من نرجسيته وغروره، وتبًا لأي شخص آخر
- وانت بأي حق تنصحني
قالتها بحنق ليرد غالب بصلابة وهو يذكرها بالوصل الذي بينهما.

-اني ابقي جدك زي ما انا جده، ويهمني مصلحتكم، لأن والله لو لقيتك مش مناسبه ليه هختارله ست تليق بيه
تلك المرة اسيا لم تتحمل أن تسمع حماقة أكثر من هذا، هبت من مجلسها تصيح في وجهه
- وهو عيل بقى عشان يسمع كلام عجوز زيك
رمقها بحدة وهو يجيبها بنبرة ذات مغزى
- وقت ما يحس ان الست مش مكفياه ساعتها بقي ليه حق يبص برا
اقتربت آسيا تفصل الخطوات التي بينهما، والحاجز الأصلي ما زال مشيدًا، حصينا.

لم يتجرأ أحد على زعزعته، فما ان تشعر بأنه يتم اختراقه، تعزز من حمايته
مالت نحوه وهي تتحدث بوقاحة متعمدة
- وانت فاكر اني مش مكفية من تلبيات زوجي على السرير يا غالب
احمر وجه غالب بغضب لينهرها بقسوة
- بنت
انفجرت تضحك بشقاوة متعمدة وهي تغمز بعينها اتجاهه لتقول
- هو انت متعرفش، اني متربتش ولا ايه
هز رأسه بيأس شديد لتسدير آسيا عازمة على الرحيل وهي تخبره بنبرة يشوبها الأمر
- ياريت تستعجله اننا نمشي.

استغفر غالب محوقلا، وهو يحاول الاحتفاظ ببعض الصبر الذي لم يعد يملكه ليقول
- انا حذرتك
رمقته بعدم اكتراث وهي تستدير لترحل من غرفة مكتبه، نداها مرة اخرى
- استني
زفرت آسيا بحنق، ولا تعلم ما الدافع الذي أبقاها امامه كل هذا الوقت دون أن تمد يدها لتخنقه أو قتله، أو أن تصيبه برفع ضغط الدم كالمرة الأولي!

دارت على عقبيها وهي تراه يقترب منها وفي يده حاملا رسالة قد اصفر ورقها من عوامل الزمن، يخبرها عن عقود مرت وما زال الورق محتفظا بأصالته!
مد لها الورقة ليقول
-ده هيهمك
خطفت آسيا الورق سريعا لتقرأ اول ما حطت عينها عليه، اتسعت عينا آسيا بدهشة لتهمس
- ازاي
ابتسم غالب بتفهم وهو يخبرها
- كان مخصوص ليكي، واعتقد انك لازم تاخدي حقك
ثم استدار غالب مغادرا، تاركا لها الوقت مع الورقة التي ستعيد فتح أبواب الماضي..!

انهارت آسيا على المقعد وعينيها سريعا تنهشان كل حرف من رسالة والدها، الشئ الوحيد الذي أجبرها أن تظل في هذا المكان القمئ
انهارت الدموع واطلقت العنان لشهقاتها الجريحة لتلامس دمعتها الأولي الحية، دمعة جافة لصاحبها الراحل على الورق الذي كانت رسالة خاصة لها. دفنت وجهها وهي تناجي والدها الذي لم يكن محارب كافيا لعائلتها
والدها لم يكن رجل يستحق كل تلك الحروب الخاصة منها!

في مبني الإذاعة،
ينقر وسيم باعصاب مشدودة بقلمه على السطح المكتبي، يستمع بكل صبر عنده إلى محدثته وعيناه تتطلعان اتجاه الإضاءة الحمراء
متى ستنطفئ؟!

تسائل بكل حنق، ليرفع ساعة يده وهو يري تبقي أقل من خمس دقائق، والمحدثة تسهب في حديثها عن رجل محتال سرق قلبها لتقع في حب رجل آخر، وكان ندل عن الذي يسبقه، وحينما قررت أن ترتبط رسميا، اختارت رجلا يعمل في احدى دول الخليج وتفاجئت بعد خطبتهم أن الرجل متزوج ومعه خمس اطفال.

ابتسم وسيم بسخرية، وهو يهمس ببعض الكلمات المواسية ناعيا حظها التعس، ومبشرا لها ان الحب سيطرق بابها، وسينتهي حظها العثر كما قالت، بنهاية سعيدة!
هل كذب؟
نعم وبجدارة، لا يعلم لما يصدقنه الفتيات، أم أن اليأس يدفعهن لأن يتشبثن بأي أمل يلوح في الأفق
ختم برنامجه الإذاعي ببعض الكلمات اللطيفة، ونبرة صوته التي تطير عقول النساء علم أن كلماته لها أثر داخل قلوبهن.

رفع عينيه تجاه المخرج الذي يرمقه بعبوس طفيف، استقام من مجلسه وهو يخرج من الغرفة ليقابل وجه المخرج العابس
- مش في الموود يا وسيم
ابتسم وسيم بسخرية، ويده لا اراديا تتحسس فكه اثر الكدمة التي تلقاها من ماهر، ك علامة لن تمحي بعد أسابيع حتى!
الضربة كانت علامة له لافاقته من هذيانه الخاص بها، وافاقته من حلم لن يتحقق في الوقت الحالي، ليجيبه بسخرية مبطنة بالغضب.

- ولا هعرف اكون في المود، قولتلك مليش انا في موسم الحب وعذابه، وبعدين حرام عليك أربع حلقات عن مشاكل الحب والهجر، ناقص نحكي عن قضايا الانتحار
نظر نحوه المخرج بوجوم، لطالما يعلم أن الأيام التي تمر على مذيعه اللامع مشاكل خارجية تتأثر بمحيط عمله، ولطالما حذره
لكن الأحمق يخبره كون ان الفتيات لم تشتكي منهن ولا يقصر في عمله، فليتحمله! اجابه بغلظة
- ما انت عارف لازم نجيب سلبيات وايجابيات الموضوع.

زفر وسيم بحدة وهو يهتف بحدة وقد بلغ الصبر منه منتهاه
-بقولك ايه، انا تعبت من المواضيع دي شوفلك منير ياخد مكاني، ده حتى البنات بتعشقه
هز المخرج رأسه موافقا، لتشرق معالم وجه وسيم ليقول المخرج ببرود
-خلص السيزون ده وارجع لبرنامجك
اتسعت عينا وسيم بجزع وسخط شديدين، هم بالاعتراض وإن وصل الأمر للاحتجاج سيحتج.

لقد استكفي حقا من تلك البرامج السخيفة، هو بالنهاية ليس طبيب نفسي، وليس خبير في العلاقات العاطفية، كيف يأتون به وهو أكثر رجل تعاسة على وجه الأرض ولم يحقق حلم رجولته المبكرة حينما وقع في غرام فأرته الصغيرة الملونة!
نحنحة ناعمة وصوت انثوي ماكر متشرب الدلال وعطر اخبره صاحبته
- مساء الخير
رفع المخرج رأسه اتجاهها، ليرمقهما قليلا وبعض الجدية تتجلى ملامحه ليقول
- اهلا يا جيجي، تعالي عقليه.

انفجرت جيهان ضاحكة بشقاوة لتغمز تجاهه وهي تقترب بتؤدة تجاه الوسيم الغاضب
- عنيا، هجننهولك
فركت جيهان كلتا يديها بتوتر وهي ترفع رأسها تحدق تجاه حدقتي عينيه الباردتين، يتخذ دروع البرود واللامبالاة بعد تلك الليلة الصاخبة، تعذره وتعذر تهوره وهي التي دفعته بيأس منها للتهور.

صاح وسيم بحدة وعينيه بلا وعي ترمقان ثيابها المكونة من بنطال جينز ضيق يعلوه قميص أسود وسترة جلدية سوداء، وخصلات شعرها مجموعة في كعكة مهملة
- خيير
تحفزت ملامح جيهان لتصفق كلتا يديها ثم سحبت ذراعه قائلة نحوه بحماس
-تعالي
سار خلفها وهي لا تكترث مطلقا لأي نميمة حولهم ليتوجهها تجاه المصعد، وما ان ضغطت على طابق الجراج سألها بدهشة لا تخلو من تعجبه
- هنروح فين يا مجنونة.

اقتربت جيهان منه لتضع كفها على شفتيه وهي تهمس بتوسل
- بلييز متقاطعنيش
اسدلت أهدابها ووجنتيها تحترقان بحمرة قانية أثر أمواج عينيه الثائرة، وتفاحة ادم المثيرة التي ترغب في اشباعها تقبيلا!

لعنت أفكارها المنحرفة، تتنحنح بحرج وهي تبعد كف يدها وانتظرت بصبر وصول المصعد للطابق المنشود وشكرت صمته ولم يتفوه بأي حرف حتى فتح المصعد الطابق المنشود، عادت لسحبه مرة أخرى وهي توجهه تجاه الدراجة النارية مما جعل وسيم يهدر صارخا في وجهها
- جيهاااااااااااااان
استمعت جيهان الى صدي صوته الذي غلف المكان الصامت، لتسارع بنفي ما قد يطرأ على عقل هذا المجنون قائلة
- والله ما ركبته، بس وحشني اووي يا وسيم.

اسبلت اهدابها المغوية تعلم اثرها جيدا على قلب هذا الأشقر، زفر وسيم بحدة وانامله تكاد تنزع خصلات شعره الكستنائية ليسألها بسخرية
- وانتي هتركبى فين؟
صفقت جيهان كلتا يديها بحماس شديد، لتهمس ببراءة شديدة وهي تحدق في عينيه
-وراك طبعا
تراجع وسيم خطوة واحدة، وعينيه لا تستسيغ تلك البراءة المخادعة في وجهها لينظر إلى ثيابها ثم نحوه ليقول بتهكم
-عشان تتحرشي بيا
تجهمت ملامح جيهان لتتشدق بسخرية لاذعة.

- وانتي يا حلوة سايبة البنات تتحرش بيكي كدا
انطفئت تعابير وجهه الساخرة، لتحتد عينيه وهو يقترب منها قائلا بتحذير
- اتلمي
غمزت بمكر شديد وهي تجيبه بيأس
- قولتلك مفيش غيرك اللي هيلمني
زفر وسيم بسخط وكلماتها المتلاعبة، لا تعلم كيف هي أثرها على نفسه
تطالبه بالكثير من الوصال وتلبية رغبة متوحشة تقتات من روحه
وبالنهاية هو مرغم للمحافظة عليها ولو عني هذا موته!

تأمل الدراجة النارية ليلاحظ أنها مختلفة عن خاصتها وخاصته، تساءل بحيرة
-جبتيه من فين
اجابته ببساطة شديدة وهي تلاحظ لين ملامحه، سيحقق حلمها للركوب خلفه كما حلمت منذ سنين، هي وهو والطريق السريع سينهبونه نهبا ليعدوان الريح!
-زميل ليا بدلت عربيتي بموتسيكله النهاردة
تحفزت ملامح وجهه وهو يقترب منها ليمسك ذراعها بحدة آلمتها، لتتأوه بميوعة شديدة جعلت الشياطين تتجمع امامه وهو يسألها بغضب
- ومين ده يا هانم.

اجابته بتسرع وهي تحاول مهادنة شياطينه المتحفزة لأقل همسة منها ليهب في وجهها
- متقلقش من عيلة الحسيني، انت عارف سراج اللي عنده ورشة تصليح العربيات، قصدته في خدمة كدا وهو الصراحة مخيبش ظني
انطفئ حماس جيهان وقد توقعت أن ما قالته سيجعله يهدأ شياطينه النارية، لكن ظنها خاب حينما رأته يبحث عن سيارته الرياضية لتهمس بحذر
- اه نسيت ما اقولك، قولتله ياخد عربيتك عشان الصيانة.

اتسعت عينا وسيم بجحوظ، وهو يقترب منها ليصرخ في وجهها
- انتي بتدبسيني
اخذ وسيم يبحث عن المعضلة التي أمامه، يلاعب خصلات أنامله تارة، ثم يشدها بقوة تارة أخرى، ليسمع إلى صوتها المتوسل
-يلا يا وسيم نركب، بجد مش هتندم
كي تكون تلك الضربة القاضية من شقيقيها، ولو بكت لن يستسلم ويجاري جنونها، يكفي أن شقيقها لم يذهب إلى والدها ويخبره بما كان على وشك ارتكابه في لحظة ضعف منه!
غمغم بهسهسة حادة.

-انتي عايزاني اترقد على السرير يا جيهان مش كدا
هزت جيهان رأسها نافية لتهمس بتلهف
- بعد الشر عنك
صوت المصعد أنبأه أنهما لم يعودا بمفردهما، تطلع وسيم نحو الرجل الذي خرج من المصعد ليراه مهندس صوت برنامجه، تقدم نحو جيهان يمد يده لها قائلا بنفاذ صبر
-هاتي المفاتيح
اشرقت معالم وجه جيهان وهي تعطيه مفتاح الدراجة وسارعت بالركوب في المقعد الخلفي وشفتيها مبتسمة باشراق.

الا ان سرعان ما انطفأت ابتسامتها وهي تراه يتوجه نحو الرجل الذي خرج من المصعد، متبادلين مع بعضهما بأحاديث خافتة
ثم جحظت عيناها
وتكسر حلمها
ليتبادلا الرجلين المفاتيح
مفتاح دراجتها أصبحت في قبضة ذلك الرجل، ترجلت سريعا من الدراجة لتقترب منه صائحة بحدة
- بتعمل ايه يا مجنون.

حدجها وسيم بنظرة قاتلة وهو يتوجه تجاه سيارة الرجل الذي بدل معه دراجتها لتسير خلفه وعيناها معلقتان تجاه الرجل الذي ركب دراجتها وانطلق بها يبدد صمت المكان بصوت المحرك، لتتهدل كتفاها بيأس وحزن
لقد حطم هذا الأحمق احلامها الخصبة، لتقول بشراسة وهي تندفع لتركل تلك الخردة التي ستركبها
-انت مجنون، دي عهدة
حدق وسيم تجاه سيارة زميله ثم صعد مقعد السائق بكل برود يجيبها
-ودي عهدة.

زمجرت جيهان بحدة وهي تعود تركل السيارة بكل قوة، انتهت بأن تصرخ متألمة
هل السيارة حديد أم ماذا؟!
نظرت جيهان إلى قطعة الخردة التي ستركبها، ثم بيأس شديد أخذت مكانها بجواره وعلى وجهها ارتسم ملامح الألم
هز وسيم رأسه بيأس، ثم بهدوء شديد شق بطريقه تجاه منزلهما ليقول بعد صمت طويل
- اوعدك، لما نكتب كتاب هنركب اللي نفسك فيه
لمعت عينا جيهان بحب شديد لهذا الرجل، ماذا ترغب أكثر من رجل يخشى من نفسه عليها.

فيفضل التعذيب ببطئ واحراق نفسه على ألا تحترق هي، كانت تعلم انه لن يرضى بشيء كهذا
لكن كان هناك أمل ضئيل بعد أن تخفي سيارته سيضطر للموافقة، همست بصوت خفيض
- عشان كدا اختارتك
اختلجت عضلة في فك وسيم، ويديه تضغط بعنف على المقود، يحارب كافة الحريق الذي يندلع ويلتهم كل ما يقابله.

نظر اليها من طرف عينيه ليراها تنظر اليه بجرأة اعتداتها وان لم يخلو من بعض الحمرة الطفيفة التي زينت وجهها وشكر اضاءة الطريق من حوله، ل تسترسل جيهان في الحديث قائلة
-وسيم انت الوحيد اللي عارفني وفاهمني
ازدرد وسيم ريقه، ليرفع عيناه عن الطريق ناظرا نحوها
يخبرها عن سر رجل أخفي عشقه لأمراة رأي تحول اليرقة الصغيرة إلى انثي طاغية خلبت لبه واسرت قلوب الرجال.

انتبه على الطريق حينما مرت سيارة تنطلق بسرعة البرق وقد أطلق السائق نفير بوق سيارته، ليسبه ببذائة وعينيه لا تحديان الطريق بعدما استعاد سيطرته، ليغمغم بخشونة
-ده انا شايلك على أيدي وانتي لسة بترضعي
صمتت جيهان وهي أحبطت من رده الأحمق، كيف تحملنه النساء الأجنبيات وهو أحمق بدلا من أن يهمس بكلمات الهوى والعشق، يخبرها عن ماضيها الأسود.

انتبهت على دخول السيارة لبوابة المجمع السكني الخاص بهما، لتزفر بيأس وجميع خططها طارت كرياح الخريف مبعثرة أوراقها وأمالها، لن تسامحه على ما فعله
ولن تغفر حتى ينفذ ما وعده إياها، انتبهت على تساؤل وسيم الحرج
- حمايا لسه غاضب عليا ولا ايه
لوت جيهان شفتيها بحنق وهي تترجل من سيارة صديقه لتجيبه ببرود
-راضي عنك، عقبال الصهر التاني
اتسعت ابتسامة وسيم وهو يستشعر غضبها وعبوسها، وكل هذا يعلم سببه.

لكنه لا لن يبادر بأي فعل أحمق، يجعله يخسر كل ما بناه السنين السابقة ليقول بعبث
-ابقي فكريه بميعاد الخطوبة، مجهزلك مفاجئة تجنن
همت بسؤاله عن المفاجأة لكنه غادر كالشبح، وهي تراه ينطلق بالسيارة خارج حدود المجمع السكني، لتهز رأسها بيأس وهي تنعي حظها البائس
الليلة ستقضيها نائمة بجوار لولو، وباقي الشهر لن يلمح حتى طرف شعرها
فليحترق هو، كما أحرق خيالها الجامح.!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة