قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وأربعة وثلاثون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وأربعة وثلاثون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وأربعة وثلاثون

ابتسامة مليئة بالأمل يزين ثغرها، وضعت محتوياتها الخاصة من كتب بدأت تستعيرها من عم صلاح، وبدأت تضع اقلامها الملونة وقلم حبرها الأسود المفضل ودفترها الملئ بالأسرار على طاولتها التى بدأت تشارك اسرار صاحبتها..

تنبعث موسيقى عمر خيرت من سماعات الأذن خاصتها لتنفصل تلقائيا من العالم حولها، لتبقي هي و دفترها و اقلام التلوين، بدأت تخط رسومات دون أن تبرز أي معالم وجهه للفتاة، وقلب محمول بين راحتى الفتاة، وبنظرة تقييمية للرسمة ارتضتها قليلا ثم بدأت تخط فى منتصف الصفحة بعنوان بارز بخط كوفى بدأت تتعلمه على اليوتيوب رحيلك
ابتسامتها لم تهتز مقدار انش، وعينيها لم تفتقد ألقها لتخط بسطور ناعمة بسيطة.

رحلت وقلت فى الرحيل سبيل الراحة
وكيف الراحة والجفون مشتاقة؟!
يا سيدى كفاك عن العشق تورعًا
فالقلب مشتاق والحنين يزأر للقياك
ضحكة خافتة خرجت من شفتيها لتعتدل فرح بموضع جلوسها وبدأت ترسم شخص بارد الملامح يحمل يغادر الفتاة حاملة القلب بين راحتيها، ورغم قسوة الرسمة إلا أنها استطاعت أن تحمل عتاب عاشق لمعشوقه..

زفرت بيأس وهي تلوي شفتيها ببؤس وهى تنظر الى صورة الفتاة ثم للرجل، كيف يكون هكذا غير عابئ بمشاعر الفتاة، لتبدأ بصفحة جديدة لترسم الفتاة مفطورة الفؤاد وهي واقفة بثقة والرجل الذي تركها راحلا بكل دنائة منه، متذلل راكعا على قدميه يرجو مسامحتها مقدما قلبه لها لتكتب بخط عريض آسفة
ترجيتك مئة مرة فما قابلنى سوى اغلاقك لباب الحب آلفان مرة
كلما تقدمت تراجعت غير مكترثا ساخرًا.

أتاتى الآن والقلب شفى من عضال لتتذلل على باب مسامحتى
آسفة، وأعيدها لك مرة واحدة
فقد شفيت وما عاد لك مكان شاغر بقلبى.
لمعت عينيها بتأثر مع رسوم شخصياتها وحالتهما، فلكل شخص منهما أسبابه وحياته ولم يستطيعا أن يتوافقا أو فهم أسلوب الآخر وانتهت القصة بنهاية مأساوية لأحدهم، وباب جديد للآخر.

تركت دفترها جانبا لتسحب روايتها المفضلة لتستأنف من حيث توقفت يوم أمس، لم تشعر بمرور الوقت ولا توافد الزبائن فى المكتبة سوا ربتة خفيفة على كتفها لتنتفض وهي ترفع عينيها لتسقط على امرأة سمراء الملامح محببة النفس والوجه، وابتسامة شقية تداعب ثغرها لتسارع فرح بانتزاع سماعات الأذن لتقول غالية بشقاوة تشبه عم صلاح كثيرا
-مكنتش اعرف انك عندك نهم للقراية.

هزت فرح رأسها وعينيها تدققان للنظر لتلك المرأة، تستشعر بها شئ خفى برغم ملامحها البشوشة، هناك حاجب تخفى به كينونتها عنها، من كثرة مكوثها فى المكتبة وبدأت تتوطد علاقتها بصلاح ترى هناك علاقة مذبذبة بين زوج غالية و اطفالهما، حتى هى علقت صراحة انه غادر من حياتها وما يربطها بعائلته هو فقد أطفالها، شعرت انها انشغلت بأفكارها الخاصة لتعيد انتباهها للواقع لترد عليها بابتسامة هادئة.

- لقيت الكتاب زى ما بيقولوا خير صديق
ابتسامتها ما زالت محافظة عليها لتقول بمكر
-كنت متأكدة أن صلاح مش هيسيبك غير لما تعشقى الكتب
اومأت فرح رأسها قائلة
-الصراحة هو شجعنى على حاجات كتير ومن ضمنهم الكتابة، قالى طلعى كل اللى جواكى فى ورقة حتى لو كان مجرد شخابيط، وفعلا عملت كدا فى مرة وبقيت احس براحة، مرة عن مرة بقيت اكتب كلام مش مترابط زى الدوشة اللى فى دماغى لحد لما وصلت بحكى عن نفسى عن لحظات معينة ليا.

تجهمت ملامح غالية لتجز على أسنانها بقوة، وبدت المرأة البشوشة تتحول لامرأة تنفث نيرانها لتمهس بسخرية مبطن بالغضب
- متقوليش قصة حب بائسة انتهت بيكى زى المجنونة فى الشارع لا عارفة تنسيه ولا عارفة تعيشى حياتك لأنه ملاحق ضلك
اتسعت عينا فرح وهى ترى غالية تقبض على اناملها بغيظ شديد، لتشعر انها ضربت وترًا حساسًا لتلك المرأة لتحاول تلطيف الجو قائلة بمزاح
-لا دى كانت مرحلة قديمة، دلوقتى مركزة على نفسى وبس.

رفعت غالية عينيها وبدت شاردة، سابحة في فلكها الخاص، بدى تأثر طفيف يظهر على سحنة وجهها لتهمس بجفاء
-بس من جوا عارفة انك لسه متخطتيش أي حاجة
الأجواء من حولهما أصبحت سوداوية كئيبة، كدوامات لعينة تجرفك لتسقطك فى عالمها الخاص، زفرت فرح بيأس وهي تكبح نفسها من الانجراف، تتشبث بأى انبثاقة امل زرعتها كى لا تكون شبح هائم فى مسارات حياتها.

هى أصبحت أفضل، اهدئ، بل بداخلها يقين داخلى أن هناك شئ أفضل لها فى المستقبل
كل هذا اكتسبته من العجوز، الذى جاء حياتها ليداوى كل جروحها بكلامه الرزين، كأب ناصح يخشى على طفلته، يعطيها مفاتيح حياة خبراته وهى تلتقطها بكل تلهف وشغف، امسكت بكف غالية التى انتفضت وهي ترفع عينيها لتقول فرح بثبات وابتسامة مشرقة بدت صديقتها منذ افاقتها الحقيقية.

-القلب بياخد فترة لما بيداوى، عارفة شوفت فيديو كنت فى لحظة يأس يتملك منى لقيت كان الاستيقاظ الحقيقى ليا، انا هفضل لحد امتى ابكى؟ لحد امتى هبقى فى مكانى؟ الناس مش هتساعدنى على التغيير انا اللى اساعد نفسى واحمسها وفعلا اخدت وعد على نفسى بدا لحد لما حسيت انى بطلت شوية ارثى نفسى واركز فى المستقبل بدل الماضى
ابتسمت غالية بضعف لتقبض على يدها قائلة ببؤس
-سعيدة انك حققتى ده غيرك بياخد سنين فى الموضوع ده.

هزت فرح راسها يائسة، يبدو حالة المرأة اسوأ من حالتها بكثير، اجابتها فرح بحشرجة خافتة
-مين قالك انى مخدتش سنين، غالية انا حرفيا اتأذيت من اقرب الاشخاص بيا، مفيش حد حرفيا جنبى لا عيلتى ولا عندى حد ألجئله ارميله همى او يجبلى حقى
تمردت الدموع تخرج من مآقي غالية التي فقدت سيطرتها على نفسها لتبكى في صمت، توترت معالم فرح لتستقيم من مكانها محاولة أن تهدئتها لكن الآخرى كانت فى عالم آخر.

ترثى نفسها، وما آلت اليه الامور بغبائها وثقتها المفرطة فى الناس، حاولت غالية تجمعة شتات نفسها وهى تبتسم باطمئنان لفرح التى تمد لها بكوب ماء ومحرمة ورقية، ارتشفت الماء فى صمت لتقول بهدوء مسيطر
- حاسة بيكى، الاهم دلوقتى انتى كويسة
لوهلة فقدت فرح وسيلة لتهدئة الوضع، نظرت بتيه الي محتوياتها قبل ان تسحب دفترها وتعطيه لغالية قائلة بابتسامة ودودة.

- ايه رأيك تاخدى بصة على الشخابيط بتاعتى، واعرفى ان يدوب بطلع الدوشة اللى فى دماغى.

جذبت غالية الدفتر فى فضول شديد، لن تنكر انها كانت منذ أيام ترغب بمعرفة ماذا تفعل تلك الفتاة لكى تكون معزولة عن الجميع لساعات طويلة، جذب انتباهها النقوش والرسومات ذات المعالم المبهمة لتبتسم وهي تتذكر صغيرها يوسف العاشق للرسم، ارتفعت عيناها لتقرأ نصوص الخاطرة، يداها لا اراديا اندمجت مع أسطر خواطرها، وفرح تعض على شفتيها بتوتر لتنظر اليها، سألتها غالية بدهشة
- انتى كتبتى ده
عضت فرح باطن خدها وقالت ببؤس.

-وحش مش كدا؟! انا حاسة برضو انى محتاجة اضبط افكارى شوية
اتسعت عينا غالية دهشة، وهى تنظر الى اسطر خواطرها، هل هكذا وهى مشتتة الفكر؟! استقامت من مجلسها قائلة بصوت مرتفع حينما سمعت أجراس باب المكتبة معلنة عن دخول صلاح
-بتهزرى! كدا وافكارك ملخبطة! يا صلاح تعالى شوف الأستاذة فرح بتكتب ازاى
امتعضت ملامح صلاح بيأس وهو يرمى جريدته على الطاولة ليقول.

- يا بنتى قولتلك مية مرة متزعقيش طول ما انا فى المكتبة مش بحب الدوشة
-اركن كل حاجة على جنب، واضح ان تأثيرك الفتاك جيه عليها
جذبته غالية من ذراعه وهى ممسكة بدفتر فرح ووجهها يكاد ينفجر من كثرة الخجل والتوتر، قالت غالية بحماس وهى تعطيه الدفتر، ليعدل صلاح من نظارته الطبية قارئا أسطر من خاطرتها، واختفت اي معالم معبرة تستطيع فرح معرفة اذا هى على خطوات صحيحة فى الكتابة أم لا!

قضى صلاح يقلب بين صفحات دفترها وغالية تبتسم لها باطمئنان، لكن فرح تكاد اعصابها تفلت من فرط الترقب والانتظار، اغلق صلاح الدفتر ورفع عينيه تجاه فرح التى تنظر اليه بتساؤل ليبتسم قائلا
- مقولتيش انك بتعرفى تكتبى يعنى
هزت فرح رأسها نافية لتجيبه بتوتر وخجل يعتريها لأول موقف تتعرض له بتلك الطريقة
- لأ مش حكاية انى بعرف، يعنى كنت بطلع الدوشة فى راسى على هيئة مواقف.

ابتسم صلاح بفخر ابوى وهو يمد له بدفترها ليقول بنبرة أب حانية
- برافو انا عندى احساس انك لما تنمى موهبتك دى هتبقى فى مكانة تانية، وأى حاجة عيزاها انا هساعدك
صفقت غالية كلتا يديها بمرح لتغمز لها بمكر وهي تندس بين ذراعى صلاح الذى يهز راسه بيأس، رغم أنها تمتلك شياطين صغيرين إلا أنها تمثالهم جنونًا
- يا سيدى يا سيدى هتاخدى مساعدة الأستاذ السيناريست الكبير صلاح رشوان.

عضت فرح على باطن خدها، ونغزة قوية تتملك فى صدرها، لم تتوقع دعم كهذا من اشخاص غريبين عنها، لا تربط بينهما أى صلة سوى آواصر ود ورحمة، الرجل وللحق يقال يعاملها كطفلة بل كأبنتيه!
ومع تعمقها أكثر له، لم يزول عنها صدمة ان الذى امامها من اساطير الكتابة السينمائى، ابتسمت بخجل هامسة
-انا مش عارفة اشكركم على تشجيعكم ازاى
ابتسم صلاح وهو يربت على كتف غالية التى تندس بقوة بين ذراعيه، ليقول بصرامة زائفة.

-هتتغدى معانا، المرة دى مفيهاش عذر يا فرح
ابتسامة ناعمة زينت ثغرها وهي تومئ برأسها موافقة لتتنهد براحة وهى تنظر الى الرجل وابنته ثم الى المكان العتيق حولها، لقد بدأتِ تنتمين لمكان يا فرح
هنيئا لكِ..!

تقدم صبي قهوة يضع قهوة الصباح لصلاح على مكتبه، ليخرج الصبى من مكانه وقبل أن يتجه للمقهى، انحرفت يسارا عن الطريق ليتوجه تجاه سيارة سوداء لينظر الشاب بتوتر الى الرجل الضخم الذى خرج من السيارة ازدرد لعاب الشاب وهو ينظر لكتلة العضلات التى أمامه، ليصدر صوت خشن ساخر
-متخفش مبيعضش على فكرا.

رفع الشاب بصره للرجل الذي اصدر الصوت ليراه ينفث الدخان من لفافة التبغ، الرجل تفوح منه رائحة الثراء من كل جانب، يكفى بذلته السوداء اللامعة ولكى يزيد من غموضه وضع نظارة قاتمة على عينيه ليقول الشاب
-مفيش أى جديد يا باشا، المدام بتقضى وقت عادى مع عم صلاح وبنته مدام غالية
رفع نضال رأسه للشاب، ليبتسم بوحشية جعل فريسته ترتفص رعبًا ليغمغم نضال.

-تؤتؤ مش كدا يا ابو على، مفيش حاجة اسمها مفيش اى جديد، المدام اللى بتعمل هناك يا ابو على كل الوقت ده
عض الشاب على باطن خده، وهو يلعن نفسه عن ضيق عيشته وحاجته للمال ليجعل نفسه ضحية لذلك المرعب، هو لا يعلم ما صلة تلك المرأة الرقيقة برجل مثله، يستشعر أن المرأة هربت من بطشه وهو حقيقة لا يلومها مطلقًا.

- ما يا باشا هى يا اما بتقضى وقت فى الكتب وده كتير بشوفه، يا اما بشوفها بتذاكر وده سمعته من عم صلاح لما طلب منى ابعتلها فى يوم اكل مفيش غير كده
دعس نضال عقب لفافة التبغ وسحقها بقوة لتتسع عينا الشاب ونضال يبتسم بشر يكاد ينفجر ضاحكًا وابتسامة عابثة تزين ثغره، لقد اشتاق لتلك الايام وبشدة، لولا فقط وجود الصغيرة لكان استطاع أن يستأنف كامل نشاطاته القذرة، استند بجذعه على سيارته وقال بأسف.

- يا ابو على كدا هزعل منك، وصدقنى مش عايزك تشوف زعل نضال الغانم
تقدم احدى رجاله من الشاب ليمسكه من تلابيب قميصه مما جعل الشاب يفزع قائلا
-والله يا باشا مفيش أى جديد، كل يوم بتعمل اللى بقوله ليك مفيش أى حاجة تانية
التمس نبرة الصدق فى صوت الشاب، لكنه يكاد ينفجر من عدم معرفته ماذا تفعل تلك المرأة فى الداخل كل تلك الأسابيع هناك!

اللعنة عليها، الف لعنة يكاد يفجر بها رأسه كل صباح ومساء، أطلق شتيمة نابية ليرفع رأسه تجاه حارسه ليقول بحدة
- سيب الواد فى حاله
فتح باب مقعده وجلس عليه بغيظ شديد، وكونه يجهل عنها شئ تثير اعصابه، لم يحدث ابدا في حياته أن يفقد سيطرته على حياة أحدهم، هو من يجعل الأشخاص تقترب وما إن يسأم منهم فينبذهم.

لكن تلك اللعينة، تجرأت و تعدت الخطوط الحمراء، ويراها الآن بكل اشراق وبهاء تستعيد حياتها منذ أن تركته وبقى هو على اطلال الماضى..
همس بخشونة لسائقه
-ارجع على الفندق
اومأ السائق بايجاب ليحل نضال اول زرين من قميصه وما زال البركان فى داخله يغلى
لن يسمح لتلك المرأة ان تنهى حكايتها معه دون أن يخط هو سطور النهاية
لم تخلق امرأة قط على وجه الأرض تتخطاه بتلك السهولة!

فى شركة شادية،
استعادت شادية بقوة طاقتها مستأنفة عملها، مع تغير لوائح العمل والنظام، أصبحت صارمة قاسية بعض الشئ، ليس كثيرًا لكنها بدأت تهلك ذاتها فى العمل، حتى لا تستطيع السير وتقضى نهاية اليوم تتألم على فراشها تكاد تجذب شعور العرائس يوم الفرح من كثرة الضغوطات اللاتي يتعرضن لها، وماذا عنها هى؟!

هل يعلمون مقدار ما تعيشه فى بيت والدها بدأ يتخذ منها موقفًا تكاد تشعر ان منزلتها عنده تحطمت، لا لا إنها متأكدة من هذا الأمر
أو شقيقتها التى بدأت تتخذ موقف مضاد نتيجة رفضها لبوح ما حدث، الوحيدان اللذان يعلمان شقيقها وفريال..
شقيقها رفع دروع الحماية حولها، طاردًا أى ذكر من حولها وفريال تدفعها دفعًا للتعرف على رجل آخر..
هزت رأسها بتعب، رجل آخر ولعنة آخرى، وسلسلة لعنات من الرجال لن تنتهى!

تعمل كآلة طوال الصباح حتى جنح الليل، وحين وقت النوم تتجافى عيونها وتفكر به
ماذا اصبح وكيف حاله
أما زال عابس، بائس، غاضب، حزين
أم متمرد ثائر؟

أم استطاع تان يتخطاها بسهولة كما قرر بكل بجاحة منه ان يهاتفها وقت رحيله، لن تسامحه ابدا على ما فعله، وحينما غالبها شوقها لمعرفة ولو خبر عنه، تطمئن عليه، حاولت البحث على صفحاته الخاصة عبر الانترنت لكنها لم تجد آى شئ، سوى اعتذار رسمى له بتوقفه عن العمل لأجل غير مسمى!
ولا شئ آخر، حتى تشعر بالحرج إذا هاتفت والدته، صدح صوت داخلى يزجرها على ضعفها
الم يقذفها خارج حياته، ماذا ترغب اكثر؟!

لكن قلبها يأن بوجع، أنين موحش لعينين سوداوين تلمعان بعبث رجولى محبب لها حتى وان استنكرته فى بادئ الأمر
شهقت من افكارها المنحلة، أي شوق هذا يا حمقاء! هل انتى مختلة عقلية لتعودى بقدميك لمن حطمك؟
انتفض العقل برفض تام وصريح غير متلاعب، ليتلاعب القلب مصدرا خيوطًا وهمية بمدى ضعف الآخر، وحاجته لمن يعينه!
لكن العقل صرخ يهدر فى قلبها بعنف
ألم يرحم توسلاتها يومًا، ألم يرحم ضعفها؟ ألم يرحم حتى حرمتها؟!

تنهدت بتعب وهي تخلع نظارتها الطبية التى بدأت تكون رفيقًا لها خلال الأسابيع السابقة المنصرمة، استمعت صوت مساعدتها تطرق باب المكتب منادية اسمها بخشية بدأ رفيقها منذ تغيرها
-شادية
رفعت عيناها الكئيبتان لتحدق فى تملل نجوى وهي تقدم آخر وتؤخر اخرى، لتسأل بصوت جاف
-اتمنى متكونش فيه مصيبة حصلت
هزت نجوى رأسها عدة مرات نافية لتقول بصوت منخفض، وهي تعلم أن ما ستقوم به يخالف تعاليم وقوانين شقيقها الصارمة.

شقيقها الذى بدأ يضع يده على شركتها متحكما فى جميع الاشخاص متضمنا ربة عملها، وهذا الأمر يضايقها
بل يثير سخطها، ترغب فى عودة ربة عملها كما هى، ليست كالشبح الذى يهدر بصوت مرتفع هذااا!
-احم لا مفيش مصيبة
استقامت شادية من مقعدها وهى تحدق تجاه نجوى التي تعلم أنها تخفي سرا ما، وحتما هذا السر لا يعجبها، سألتها بجفاء
-شحنة الورود اتأخرت مش كدا؟!
عادت تهز رأسها نافية مرة أخرى لتقول.

-يعنى مش بالضبط، المفروض ميعادهم لحد اخر الليل
اسودت معالم وجه شادية قتامة وهى تكاد تتحكم فى اعصابها كى لا تهدر فى وجه نجوى، لكنها صاحت بحدة
-طب ايه المشكلة، لطاما مفيش حاجة جاية تعطليني وتعطلى نفسك على الشغل ليه
رفعت نجوى عيناها وحسنا نوبة الجنون هذه اعتادت عليها منذ سفر الأجنبي، لم تكن لتصدق أن تلك القصة انتهت بتلك الطريقة بأن كلا منهما سار في طريق آخر.

فليسامحها الله على معرفتها لهذا الأمر بالصدفة البحتة حينما سمعت حديثا خاصا بينها وبين شقيقها، لكنها كردت احساس بالذنب وبدأت تضع سعادة ربة عملها على
أوامر شقيقها لتقول
-فيه اتصال دولى ومصمم انه يكلمك
نغزة، نغزة قوية تحكمت فى صدرها واستفحل الألم حتى ما عادت قادرة على تحمله، أيكون هو؟

سؤال يتلاعب فى عقلها، إنبثاقة امل طفيفة تفتح ذراعيها، لكن صرخ عقلها يائسًا، كفى عن التفكير به، فقد تركك حطامًا سألتها بشك حينما لاحظت عينا نجوى الفضولية
-دولي؟!
هزت تلك المرة نجوى رأسها بإيجاب لتغمغم شادية قائلة محاولة قطع أي بوابة أمل
-عميل يعني ولا؟
هزت نجوى كتفيها لتقول
-معرفش يا شادية بس مصر انك تكلميه بنفسك وتعرفى كل حاجة، لكن لو مش عايزة ممكن نبلغه برفضك.

نظرت شادية لثوانى تجاه نجوى، قبل ان تقول بصرامة
- حوليه
ابتسمت نجوى بسعادة وهى تنطلق راكضة الى مكتبها، تنهدت شادية بجفاء وارتعاشة يداها تحاول ان تتحكم بها
أهو طلب أم يقين أن يكون هو؟
أتعاتبه ام تصرخ فى وجهه
فالعتاب وسيلة للعاشقين للمسامحة، والغضب وسيلة أخرى للمعاتبة!
قبضت على سماعة الهاتف لتضعه في أذنها قائلة بصوت جاد
-نعم.

لم يصل لها من الجانب الآخر سوى ضحكة خافتة، اقشعر بدن شادية ويقين داخلى يخبرها انه ليس هو
نغزة تلك المرة أقوى بعد أن خذلها، لتسمع صوت رجولى أجش
-لم أكن أعلم أن الوصول الى منسقة زفاف يتطلب كل هذا الوقت
لكنته الانجليزية تخبرها انها ليست لغة الأم الخاصة به، لكن اريحية الرجل فى التعامل معها، وكأنه يعلمها جعلها تسأل ببرود
-من معى؟

تلك المرة ضحكة أشدة قوة، وعبث آثار في داخلها الرعب، ليصدر صوته الخشن نفرته شادية فورًا
- لا لا يا صغيرة لا اتوقع نكرانك لى
لم تكلف شادية نفسها للرد على امثاله، فما قامت به هى انها اغلقت الهاتف فى وجهه بعنف، وعلامات الغضب تتصاعد تدريجيا في سحنة وجهها
تقسم ان كانت من العاب ذلك الرجل ستقتله، انتبهت على صوت نجوى المتسائل
- قفلتى السكة!

رفعت عيناها تجاه نجوى، وحال مساعدتها لا يعجبها مطلقًا، فالفتاة تتحمل منها للأسف ما لم تستطع عائلتها تحمله، تراخت ملامحها المتشنجة لتجيبها فى فتور
- واحد فاضي وانا للأسف مش فاضية لكلامه الفاضى
ترددت نجوى للحظات محاولة كسر تبلد مديرتها لتنادى اسمها
-شادية
رفعت شادية عينيها واكتفت فقط بالتحديق تجاهها، لتغمغم مساعدتها بمرح
- ملاحظة انك روحتى على الغربى شوية.

انقبضت معالم وجه شادية ليتحول إلى وجه كالرخام لتدوى بصوت كالرصاص فى اذنى نجوى
- شكلك حابه تترفدى من الشغل يا نجوى
جزعت نجوى لتهز رأسها نافية، ومزاحها لم يزيد سوى الوضع سوءً، رغم فى السابق كانت تتقبلها بصدر رحب وان اصدرت بعض التعابير الممتعضة
- لا وعلى ايه يا شادية الطيب احسن، خلاص مش هتكلم
شمخت شادية رأسها لتقول بصوت آمر
- روحى على شغلك يا نجوى، ولا تحبى تشوفى وشى التانى، اكيد مش حابة.

عضت نجوى باطن خدها، وتكاد تولول داخلها وهى على شفا حفرة من خسارتها لوظيفة العمر، فمن أين ستجد ربة عمل مثلها، أو عمل بمرتب كهذا!
-لا انتى كده زى الفل، استهدى بالله كدا كنت بهزر يا boss
ابتسامة باردة تسللت شفتى شادية، لتقول بنبرة ذات مغزى تجاه مساعدتها
-المرة الجاية هتلاقى كلمة مرفودة يا نجوى، انا عارفة انك عاقلة
وضعت نجوى يدها على شفتيها، مصدرة الاذعان التام بالصمت، لتزيح يدها قائلة بثرثرة محببة لها.

- جدا، انتى متعرفيش بيقولوا عليا فى البيت انى ميزان العقل
همت بالرد عليها، الا ان رنين هاتفها رحم نجوى لتركض نجوى نحو مكتبها تأمن من وحش شادية الذى يعمل فى أوج طاقته هذا الصباح..
لم تستطيع شادية سوى الابتسام وهي ترد على هاتفها لتقول بنزق
- ايوا يا فريال
جاءها صوت فريال الصارخ المشابه لصراخ ابنتها اسيل عبر الاثير
- شكلك نسيتي، حفلة العيد ميلاد يا شادية.

وكيف لها أن تنسى وهذا رابع مرة تخبرها عن حفلة عيد ميلاد المدللة شمس، زفرت بيأس وهي اصبحت تمقت هذا العمل، فمن جهة لا تود اقامة حفلات اعياد ميلاد ومن جهة اخرى لا تستطيع رفض طلب من يتقدم لطلب لمساعدته، غمغمت بحدة طفيفة
-فريال متصدعيش راسى دى رابع مرة فى اليوم تقوليلى على الموضوع ده
ضحكة رائقة من فريال وصلتها لتجيبها بكل هدوء
- انا رشحتك لوقاص، مش عايزك تخيبى ظنى.

انتفخت أوداجها وهى تصر على اسنانها، هل الآن ستخضع لتقييم لرؤية عملها!
ما تجرأ أحد على فعلها، وحتما ليست عائلة الغانم المجانين، لتصرخ فى وجهها
-فريال كلمة كمان وهتلاقى انى مش هعمل لا عيد ميلاد ولا حاجة.

ضحكت فريال بنعومة، ولا تستنكر ان شراستها الوليدة فى العمل بدأت تعجبها، بعد مغادرة شبح الايطالي من حياتها، لن تنسى يوم ان اخبرتها بوجه شاحب وعينين تفيضان آلمًا، وقتها عرضت عليها ان تبقى اليوم فى المنزل كى لا يراها والدها، بكاءها وهي تتشبث في أحضانها جعلها تنفض الذكريات الحزينة لتقول بمشاكسة محببة
-بتعجبنى شراستك فى الشغل يا شادية، بس بجد ابوها مجنون وممكن يعمل مصيبة عشان عيون البرنسيس بنته.

لم تستطيع شادية تلك المرة سوى ان تصرخ فى وجه ابنة عمتها قائلة
-على نفسه يا فريال، انا ورايا شغل دلوقتى هكلمك بليل ونحكى فى التفاصيل
أرسلت فريال قبلة عابثة مبطنة بالدعم، بل الكثير من الدعم الداخلى لتهمس بصوت هادئ
- خدى بالك من نفسك يا بيب، you are doing well
أنهت شادية مكالمتها لتجلس على أقرب مقعد مغمضة جفنيها بتعب تحكم فى كامل جسدها
ترغب في الانزواء، لاقصى أقاصي الأرض.

لقد سئمت من المحاربة، تود راحة، راحة كبيرة لا افعل بها شئ سوى وضع رأسها بين ذراعى والدتها فقط
هي الوحيدة من تستطيع تفهم تخبطاتها، تتفهم محاربتها لنفسها ألف مرة قبل الناس
حتى أبيها الذي كسرته، كانت تستطيع والدتها تلين من معاملته القاسية لها!
انتفضت من سباتها الذي لم تشعر به على صوت نجوى الحاد
-استنى هنا يا حضرت، انت فاكرها وكالة من بواب.

فتح باب مكتبها لتقع عيناها على نسخة منه، نسخة اشد مكرًا وشراسة ليبتسم داود بسخرية قائلا بصوته الاجش محملاً بكم من الوعيد الداخلى
- مرحبا يا شادياااه، حقا لقد استهنت بك لفترة من الوقت لكن اليوم لقد غيرتى توقعاتى عنك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة