قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل العاشر

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل العاشر

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل العاشر

في أشد حالتنا ضعفا، العقل لا يفكر بصورة صحيحة، بلى يفكر بمنطقية ويكون العقل حين ذلك يقظًا لكننا، نخشى!
الخوف غريزة مرتبطة بالانسان، مهما كبر أو ازداد سلطته وقوته بين الجميع إلا إنه يخاف، تدفعه غريزة البقاء للحياة ويحارب بكل ضراوة ليغادر شبح الخوف.
الخوف بطبيعته يستحوذ علينا في حالات دمارنا، حطامنا، توترنا، والعقل يعطيك خيارين، إما أن تفعلها بصورة صحيحة، أو بصورة خاطئة ومدمرة.

هي قررت أن تفعلها بصورة صحيحة كما خيل لها عقلها، لتتجاوز عقبة اعتقدتها معضلة، لكن هي لم تفتح سوى باب من أبواب الخذلان!

عيناها تقعان على لؤي، رغما عنها هيئته العضلية مخيفة، عيناه الحادتان و وجهه المتجهم وشفتيه الحازمتين المطبقتين تخبرها أن رجلا مثله لم يبتسم ولو لمرة خلال شهور، بل أعوام، لا تريد معرفته، لا تريد الغوص لمعرفة شخص، ولا تريد أحدا بالمقابل ينقب عن حياتها، رغما عنها أعادت بذاكرتها لفترة سابقة حينما أحضر لها باقة من الورود يخبرها عن موعد يجب أن تحضره، لم تقدر على التأجيل، فكون شخص من عائلة المالكي يرغبها يبدو أن هناك أمر جلل!

في البداية أعتقدت ربما بسبب ابنة عمه وجد التي قررت أن تكسر بقواعد العائلة وتجعل أخيها يتزوج من امرأة قلبه، الرابطة العائلية التي نشأت كانت بسبب علاقة عمل يجب أن يكلل بالزواج، حالات كثيرة رأتها سابقا بل أشرفت عليها بنفسها كونها منظمة زواج، لكن أن يتكرر الأمر لها ثانية بعد خطبتها الفاشلة من معاذ؟!، جعلها تأخذ وقتا طويلا، بل وقت طويل للغاية.

التفاصيل الماضية تتذكرها، جاءت إلى مطعم يرتاده طبقة الأغنياء واختار زاوية بعيدة عن العيون الفضولية، بالطبع من ذهب لخطبة أخيها ماهر العجيبة ورأي صباحا شقيقته مع ابن عائلة الماكي ستتكاثر الاشاعات والأقاويل...
غمغم بنبرة هادئة لكن خشونة صوته جعل جسدها رغم عنها يرتجف وهي تري جسده بالكاد يحتضن الكرسي الجالس عليه
- اسف لو عطلتك.

ابتسمت بدبلوماسية شديدة وهي ترفع نظارتها القاتمة من عينيها لتضعها على الطاولة، تنهدت تقول بجمود
- لا مفيش مشكلة يا استاذ لؤي، كل الامر ان الموضوع غريب شوية، امبارح كنت في خطوبة اخويا مع بنت عمك اللي قررت تسيب خطيبها قدام الناس كلها وتاني يوم انا وانت قاعدين هنا.

هز لؤي رأسه وعيناه تمر على جسدها المرتجف، انفعالات جسدها متوترة بل متشنجة والدليل تفرك كلا يديها وعيناها تتهربان دائما للنظر الى عينيه، غمغم يقول بنبرة هادئة علها تهدأ
- تحبي تشربي ايه.

هزت رأسها بلا مبالاة وهي تحمد ربها وقتها لم يكن عاصي يحوم فوق رأسها، عاصي دائما تتشاجر معه، كما لو ان أحدهما يريد أن يعلن سلطته على الأخر! طرفت بعينيها نحو الحارس البديل الذي يتخذ عمله بمهنية شديدة وهي تراه على مسافة بعيدة عنها لتمتم ببرود
- لمون بالنعناع.

استشعر لؤي نظرها نحو حارسها ثم برودة صوتها، ليدقق النظر نحوها، تبدو مناسبة تماما لتصبح زوجته، فأن يتورط في الحب مرة أخري هذا صعب جدا، تفحص تسريحة شعرها العملية ليهبط بعينيه نحو بلوزتها الصفراء القطنية، بطريقة ما لائمها اللون وخصوصا مع بشرتها السمراء الجذابة التي إكتسبتها ب شمس بلاده، اشار بيده نحو نادل ليقول بنبرة رخيمة حينما اقترب ليدون طلباتهم
- واحد لمون بالنعناع وواحد قهوة مضبوطة.

توقعته أن يكون من محبي القهوة السادة، إلا انها اشاحت تفكيرها عنه نهائيا وهي تنتظر حديثه، سبب حضورها إلى هذا المكان.
نقر لؤي بأصابعه على الطاولة لتطرف شادية عينيها نحو اصابعه الغليظة، عروق يديه النافرتين جعلتها تعض باطن خدها وودت أن تغادر هذا المكان نهائيا، تمتم لؤي بهدوء
- انا وانتى عارفين كويس ان الفضيحة اللى حصلت لعيلتنا
زمت شفتيها وهي تهمس ساخرة.

- فضيحة؟! قصدك ان بنت عمك سلمت خطيبها لواحدة تانية او المفروض خطيبها لحبيبته، ببساطة شديدة بنت عمك بذات نفسها اللي اتفقت معايا اننا نرجعه ل حبيبته، ده غير طبعا عدم وجودك انت ومدام جميلة والاستاذ غالب في حفل الخطوبة لانكم عارفين ان الخطوبة دي مش هتم، يبقي مين المسؤول عن الفضيحة؟!، الناس مش هيلفت انتباهها غير بس عدم وجود اهل العروسة في يوم مهم زي دا، تبقي فضيحتكم انتوا متجمعش الفضيحة علينا احنا الاتنين.

احتدت عينا لؤي ليخبط بقسوة على الطاولة اتبعها شهقة فزعة من شادية التي سارعت باغلاق فمها بكف يدها، قبض لؤي قبضة يده ليصيح بحدة
- شادية
عيناها سارعت النظر إلى عينيه بعد أن حمدت الله على جوده الزجاج في ذلك المطعم وإلا لتهشم، اخافها نظرة الغضب في عينيه لتتمسك بمسند المقعد وهو يتمتم بعدها بنبرة خفيضة خاصة
- انا وانتى عارفين ان كلام الناس ده اخر حاجه ممكن نتهم بيها.

ازدرد ريق شادية والتوتر الذي يعصف بكيانها يقلقها، بللت طرف شفتها السفلي لتمتم بنبرة حادة
- عايز ايه من الاخر
هم لؤي بالرد على سؤالها إلا انه وجد النادل يضع طلباتهما، اسرعت شادية بتناول كأس عصير لتتجرعه بسرعة، مرر يده على خصلات شعره القصيرة ليقول بهدوء
- بطلب ايدك.

كادت شادية أن تختنق وهي تشرب عصيرها، وضعت كوبها على المنضدة وهي تسعل بشدة، عصفت نظرات القلق على وجه لؤي وهم لمساعدتها الا ان كف يدها منعته وهي تشيح بوجهها جانبا تحاول أن تتنفس بهدوء، اخر شيء توقعته أن يطلب يدها، هي البجعة السوداء في عائلة الاثرياء، اغمضت جفنيها والسعال يهدأ رويدا لتنظر اليه ووجهها مضجر بالحمرة اثر حالتها لتمتم بنبرة هازئة
- ولا كأنك رايح تعمل عقود مش طالب ايد واحدة.

هز لؤي راسه والارتياح يغمر وجهه واشار النادل بالانصراف لقد استعداه خشية إذا ازدادت حالتها سوءا، غمغم بنبرة غامضة
- احساسي بيقولي ان احنا مش هنختلف كتير، وعلى العموم فكري كويس انا منتظر ردك
استقامت من وقفتها وهي تزيح مقعدها للخلف لتعيد وضع نظارتها القاتمة على عينيها قائلة ببرود
- هتستني كتير
شبح ابتسامة لا تعلم أتخيلتها، أم مجرد ثقة منه حينما قال بهدوء
- هستناكي.

ظنته مختل، نبرة الثقة المشعة في صوته، بل استرخاء جلسته وكأنه ليس برجل تعرض للرفض من الزواج جعلها تشك هل هو بكامل قدراته العقلية؟!

استفاقت شادية من شبح ذكرياتها التي ظنتها بعيدة نسبيا، لقد مرة عدة أشهر على مقابلتهما، ف إن كان احدا مجنونا في تلك الغرفة فهي المجنونة الان، ارتسمت ابتسامة هادئة على شفتيها وهيئته الضخمة تحاول أن تعتاد عليها، فهو سيصبح زوجها المستقبلي، العديد من الاعمال المتوقفة والشراكة التي الغيت بين شركة والدها وعائلة المالكي ستعود من جديد، قالت بنبرة ناعمة
- استنيت.

اسند لؤي مرفقيه على فخذيه، ليشبك يديه وهو يميل بجذعه للامام وكأنه ليث حاصر فريسته، انكمشت قليلا وهي تعيد بجسدها للخلف ومن داخلها تلعن ضعفها، هذه هي نتيجتها لتمنعها عن الرجال، هل س تخشي من كل رجل يقترب منها، مع لؤي تشعر بالتحفز دائما وهي تنتظر غدر منه، قال بنبرة هادئة بعض الشيء
- على العموم مش هنختلف زي ما قولت، من حق كل واحد فينا يتنفس براحة شوية.

اطرق لؤي رأسه للحظات، هذه هي الطريقة المثلي لأبعاد وجد عن حياته، بل إقصائها بعيدا، وجد امرأة مفعمة بمشاعر الانثوية، بحاجة لرجل يزهر أنوثتها، رجل تعتمد عليه بحياتها وهو على الاطلاق لا يبحث عن إمرأة تعتمد عليه كليا رغم أن هذا يجعل الرجال يزدهم غرورا لكن ليس هو الشاذ عنهم، يريد امرأة عملية كما يراه الآن في شادية، عيناها مفعمة بالثقة وجسدها يتفاعل بهدوء معه ليس بعصبية مثل المرة السابقة، سمعها تقول ببرود.

- مظنش
رفع راسه وهو يثبت عيناه على عينيها قائلا
- الخطوبة والجواز مش هيكون بشكل مؤقت ولا مجرد صورة قدام المجتمع
ازدردت ريق شادية وكأنها تشعر أنها اخذت على حين غرة، ليتابع بعدها لؤي وكأنه استشعر قلقها
- لكن وقت ما التاني يحس انه مش مرتاح يقدر ينفصل
ابتسمت شادية والراحة غمرتها لتمتم
- ريحتني اكتر
ابتسم لؤي، حقا لا تعتبرها ابتسامة، فتلك الابتسامة مخيفة، مقلقة، اجلت حلقها حينما سمعته يقول بهدوء.

- قولتلك يا شادية مش هنختلف
هدوءه عبارة عن خوف اخر، ليس من المفترض أن يتحدث هكذا، هذا يقلقها اكثر، تمتمت بنبرة عملية باردة وكأنها تناقش مع عميلها وليس عروس تجلس في وجه زوجها المستقبلي
- من حقي اعرف انت اخترتني ليه
استقام من مجلسه وهو يدير حول مكتبه ليعود الجلوس على كرسيه قائلا
- حقك يا شادية، قولتلك كل واحد من حقه ان يتنفس بحرية اكبر وقت ما يحس انه مخنوق.

انفجرت شادية وقتها ضاحكة، عقلها يخبرها اهربي، لأول مرة العقل استيقظ من غيمته، لكن شيء لعين في داخلها اخبرها ان تبقي، فالاثام المكبلة تجبرك أن توافقي، فليس شخص آخر سيتفهمك أكثر منه، لا يوجد رجل سيوافق على وضعك المزري هذا، استنكر لؤي ضحكتها البلهاء ليصيح بخشونة
- بتضحكي على ايه
ارتعد جسدها رغما عنها من نبرة صوته الهادرة، لكن كل ذلك لا تظهره سكنت بهدوء لتقول بصراحة.

- كلامك ده بيخلني اشك فيك، الرجالة بتتهرب من الجواز وتحس انه محدود لقيودها وانت لسه عازب وتقول حاسس انك مخنوق وعايز تتجوز
اجاب بنبرة غامضة
- كل قاعدة ليها شواذ
هزت رأسها بلا مبالاة، فهي غير متفرغة لتفك شفراته، صاحت بنبرة ذات مغزي
- مش متهمة بأى ماضى خاص بيك يا استاذ لؤي
قاطعها بنبرة جادة
- لؤي بلاش رسميات اعتبر خطيبك دلوقتي
هزت رأسها متفهمة لتشرس ملامحها الناعمة لتقول بنبرة شرسة.

- مش من حقك يا لؤي ابدا تسألني عن الماضي، ابدا مش من حقك
صوتها كان به تحذير، تخبره اياك والتعدي الخطوط الحمراء، هز لؤي رأسه متفهما، وداخله يزداد يقينا، تلك هي المرأة المنشودة لحياته، صاح بهدوء
- اللى فات مات، ان شاء الله اقابل الوالد في اقرب وقت
استقامت من مقعدها وهي تصافح يده برسمية شديدة لتفلتها بسرعة لاحظها لؤي لكنه صمت وأخذ يتمعن في تفاصيل صغيرة يقدر بها التعرف عليها، سمع تمتمتها الخافتة.

- تقدر تشرفنا في اي وقت، عن اذنك.

زفر عاصي بسخط شديد و يديه على المقود ينظر من خلال مرآة السيارة ان قدمت، سؤال يلح عليه لما هي في مؤسسة المالكي، ما الذي يربطهم بعد فسخ خطبة ابن السويسري لحفيدة المالكي، احس بأحد يفتح باب السيارة الخليفة ليرفع عينيه نحوها ليجد العبوس يرتسم محياها، انطلق صامتا بسيارتها الحمراء الثمينة وهو بين كل فينة والأخرى يحاول أن يسبر أغوار تلك المرأة التي تحبس نفسها في شرنقة، زفر بحدة وهو لا يجد أي رد فعل منها، صاح فجأة بحدة فاجأتها.

- استاذة
وضعت شادية يدها على نبضات قلبها المتقازفة، لتسبه في داخلها، الا يكفي الغول الذي قابلته، صاحت بحدة وعيناها تقدحان شررا مخيفا له ولكنه يراه لذيذا للغاية
- نعم
ابتسم عاصي ابتسامة جانبية ليقول بجمود
- هنروح فين؟
لوت شادية شفتيها بنزق لتشيح كفها بلا مبالاة
- اي حتة يا عاصي، اي حته.

القي عاصي سبة لسائق وعيناه مثبتة على عيناها من خلال المراة الداخلية، اشاحت وجهها للنافذة لينظر عاصي نحو الطريق وشعور داخلي يراوده ان تلك الحمقاء فعلت شيء سيء للغاية سيعلمه عاجلا أم اجلا!

النساء، و يا ويلك من النساء
كلما تتعمق للبحث عن جوهرهم تكتشف انهن انانيات بطباعهن، تحب أن تكون داخل البؤرة، تحب أن تكون داخل موضوع الأهتمام
وكلما أكثرت من اهتمامها، زاد سخطها وتمردها
وتظن أنها المرأة الوحيدة على سطح الأرض.
إليكم أمر اخر، المرأة أكبر مخلوق كاذب ستراه في حياتك، نعم كثيرات الوعود، كثيرات الاندفاع نحو الحب، يصفون الرجل انه الوحش
الرجل الخائن، كونه مثلا تركها في منتصف طريقه؟!

وماذا عنه هو؟!، الا يحق للرجل أن يشكو؟ّ أم لأنه رجل يجب عليه أن يتحمل ولا يعبر عن سخطه!
الم تتغني فرح بحبه بكل كلمة وحركة من أفعالها، لقد راه في عينيها ان لم تتحدث، اذناه سمعت اعترافها المتيم بحبه وهو أصر على العدم التورط
لماذا؟

لان المرأة لن تكتفي بكلمة واحدة التي ستموت لتستمعها، اطلاقا، لو كان الامر بكلمة وانتهي الامر لما هرب الرجال من العلاقات الطويلة المدي، كل ما في الامر انه اكتشف شيء خفي، المرأة كائن يمتص دمائك وطاقتك، تستحوذ على طاقتك حتى تجعلك شخص خاملا، هو محق بذلك ومع ذلك العلاقة الطويلة المدي تعجبه بطريقة ما ربما لأن شمسه في حياته، أو انه يحب رؤية علاقة الام بالابنة، رغم انه يعلم أن فرح ليست بوالدة شمس، ولا شمس بأبنة فرح، لكن عاطفة الامومة الغريزية داخل فرح تعجبه، تجعله تائق لرؤيه تجمعهما ما ويراقب هو من على كثب كيف يمضيان أوقاتهم.

نظر الى ساعة يده وعقارب الساعة تتجاوز السابعة مساء، والمدام حتى الآن لم تتشرف بمجئيها رغم خروجها في الصباح الباكر، تلك المرأة تحتاج لبعض الضوابط، ليس ببعض الايام يأخذ وقته ليتغلب على ضعفه ستذهب هي وتمرح خارجا، انتبه على اغلاق باب الشقة وصوت خطوات كعب حذائها الرتيبة تصله بكل وضوح وهي تسير في الردهة المؤدية لغرفة صغيرته، صاح بنبرة هادئة وهو يضع يديه في جيب بنطاله
- اهلا بالهانم فرح.

شهقت فرح فزعة وهي تدير بجسدها نحو مصدر الصوت، وضعت يدها على صدرها وهي تحاول اخذ انفاس عميقة لتستعد لمنازلته، اجلت حلقها وهي تنظر اليه، الاجهاد يغزو محياه لكن بريق عينيه الذهبيتين اخافها، تملكها الرعب وهي تخشى أن يكون علم بذهابها اليوم إلى عملها، لا تريده أن يكون عالم بذلك الوقت تحديدا، ليس الان، تمتمت بارتباك شديد وهي تحاول باستماتة ان تنظر بصلابة داخل عينيه
- واضح انك فوقت.

ابتسامة ساخرة زينت شفتيه ليقترب منها، والصياد يزداد قربا من فريسته لمحاصرتها، زاغت عينا فرح وهي تتنفس بجنون لتطلق اهه عالية حينما قبض على ذراعها ليصطدم ظهرها بصلابة الحائط وأطبق بجسده عليها..
المسافات تلاشت كليا
عيناها تغوص داخل عينيه.

رمشت بأهدابها عدة مرات وهي تحاول الفكاك منه عبثا، وانفاسه الحارة تلهب بشرتها لتعض باطن خدها وهي تحاول مقاومة الضعف الذي أحتاجها، مال نضال بشفتيه نحو اذنها ليغمغم بنبرة خافتة، مرعبة
- وواضح انك اتجننتي، افهم كل الوقت ده كنتى فين
اطلقت شهقة حياة، لم تقدر على حبس انفاسها أكثر من ذلك، تمتمت بصلابة زائفة
- مش قررت تعمل خصام وكل واحد حر يعمل اللى هو عاوزه.

يداه تعلم طريقها جيدا نحو جسدها، اغمضت جفنيها وهي ترخي راسها على الحائط، والحياة تدب في أطراف جسدها، استمعت إلى نبرته المزمجرة
- تعملى اللى انتى عايزاه جوا البيت، انا ممنعتش عنك دراستك
تخشبت حينما استمعت الى صوت سحاب تنورتها، ما الذي يفعله ذلك المجنون؟! ابدا، ازاحته بعيدا عنها لم يتحرك سوى مقدار انشات، لكنها كافية لهروبها من براثنه، صاحت بجنون صارخة
- ومش هتمنعني من شغلى.

تريد اللعب معه، لعبة الامتناع رغم انها تائقة لذلك، حك طرف ذقنه بسبابته ليقول بسخرية لاذعة
- شغل، الهانم لقت شغلانة في المطعم زي ما جبتك منه
اغلقت سحاب تنورتها لتواجهه بصلابة شديدة، عهد فرح القديم ولي، فرح القديمة التي تبكي ولا تقدر على الأخذ بحقها لم تعد هناك، رغم تجمع العبرات في مقلتيها الا انها حبستهما لتصيح بصوت متحشرج.

- اتجرأ يا نضال وتعيب فيا وفي شغلى اللي كنت باخده من عرق جبيني تاني، مش هسكتلك ابدا انت فاهم
حديث ليس بحديثها، كان يفاجئه حقا، كيف لكائن رقيق مثلها يتفوه بتلك الكلمات القوية، لكن منذ تورط زوجة أخيه، علم أنها تلقن جيدا، قال بنبرة مستفزة
- ويا تري حفظتي الكلمتين دول من فريال هانم
اتسعت عيناها بجنون، لتصرخ هادرة بجنون
- محدش بيحفظني، انت جبروتك ياخى بيخلى الحجر ينطق.

اومأ برأسه وهو يقترب منها حتى بقي على بعد انش منها، يعجبه انها لم تلوذ الفرار منه، قال بنبرة هادئة
- طيب والهانم قررت تشتغل ايه
عقدت ساعديها على صدرها لتمتم ببرود
- موديل
ارتفع حاجبا نضال لوهلة، ظن أنها مزحة سخيفة منها لكن نظرتها أكدت غير ذلك، الأمر بعيد عن المزحة، تمتم بدهشة
- سمعيني كدا عشان سمعت حاجه غلط
شمخت رأسها لتقول بنبرة ساخرة
- ايه زي ما اخدت متعتك ليا حق انى امتع اللى حواليا.

لقد وقعت عقد اليوم، لقد اصبحت رسميا عارضة ازياء، ويوجد منتج ستعمل عليه، اندلع النيران في مقلتيه وحمم لاهبة تسير في أوردته، صفعة على خدها اسقطتها ارضا ليصيح بجنون
- اخرسي.

الضربة المتها بشدة، هطلت دموعها رغما عنها، رصيده ينفذ، عقلها يخبرها ما الذي وجدت به في ذلك الرجل لتقعي في حب بائس من طرف واحد؟!، هل انتهي جميع رجال العالم لتقع في حب واحد معقد، بائس، متطرف، مريض، كاره للحب، تشعر بخدر في خدها لتمسده بلطف وهي تهمس بأهتياج
- اضرب، اضرب كمان، خلى الحب اللي جوايا ينقص كل يوم عشان لما امشي ساعتها مندمش.

مال نضال بجذعه نحوها، عيناه تقدحان شررا، توجست خيفة لكن رغما ذلك لم ترغب أن تخبئ وجهها عنه، ليضرب حتى يقطع رابط الحب الخانق
صاح نضال بهدر وهو يجذب خصلات شعرها بعنف
- انا مستحمل منك كل حاجه لكن تلعبى من ورايا لا، مش نضال الغانم اللى يتلعب من وراه
ابتسمت من دموعها لتهمس بجمود
- خيالك المريض هو اللى مخيلك ان احنا بنوقعك، عشان مش بتفكر غير في نفسك وبس انانى حقود.

زفر نضال باهتياج، وما بداخله يعربد بجنون، يحاول أن يحافظ على يده كي لا تسقط على خدها الاخر، يحاول ان يكون هادئ، ساخر كعادته
ليس متهور، مجنون، فاقد السيطرة كما الان!
همست فرح بمرارة وهي تمسح دموعها، دموع تعتبرها دموع قوة.

- نظرة الناس عن الست عمرها ما هتتغير الست، اشتغلت في مطعم عشان اجيب فلوس ولما يتحرشوا بيا يقولوا انا الغلطانة ويرفدونى، جبتنى عندك لحد الفندق بتاعك واشتغلت وكل مرة يتقرب منى وخلتني احس انك منجذب ليا، ولا كأنها قصة سندريلا اللي لما الامير شافها قرر يرتبط بيها ويخلصها من العذاب، لكن كنت بحلم ودى غلطتى
زم نضال شفتيه، نعم هي محقة، صاح قائلا بخشونة
- انا
قاطعته بحدة طفيفة وهي تهمس.

- انت عمرك ما غصبتني فعلا، عمرك ما غصبتني نتجوز، لكن مدتنيش خيار تانى، يا ارفض يا اما ابعد عنك وياعالم لو لقيت شغل تانى ولا لأ، اتجوزتني في السر واستحملت قولت هيحس بيكي يا فرح، لما تعامليه كويس هيحس لكن اخدت ايه انا في الاخر
المهانة، أجاب عقلها بكل صراحة دون مواربة حينما يحاول القلب التخفيف عنها، نكست رأسها وصمت نضال المهيب لم تعبأ به تابعت بمرارة.

- ولا حاجه، كنت صاحبة مزاج بالنسبالك، ظهرت بنت ليك من واحدة كانت في يوم من الايام مكانى قولت وماله بنته زي بنتك، بحاول اساعدك عشان تقرب من عيلتك وفي الاخر تضربنى
مسحت دموعها بجمود لتنهض من على الارض وهي ترفع راسها اليه، سحبت نفسا عميقا وزفرته على مهل وهي تقول بلا مبالاة
- خلاص، خلينا زي ما احنا. مش هطلب الطلاق الا لو حاسس انك مش عايزني، كل واحد يعيش حياته لا اقرب منك ولا تقرب منى.

اتسعت عينا نضال لوهلة، هذه فرح نسخة جديدة، ليست القديمة الخاضعة، ولا الثانية التي تلبست شخصية جديدة لا تلائمها، تلك تبدو حقيقة بطريقة موجعة
الألم الذي تختبره، اختبره مع من كانوا من المفترض أقرب اليه، شعورها بالوجع واليأس يعلمه جيدا، كل ذلك اختبره، لم يتوقع انها ترفع له رايتها البيضاء!
صاح بنبرة تملكية عنيفة
- اقرب وقت ما انا عايز
هزت فرح راسها ساخرة لتهمس.

- لو قصدك الخدمات الليلية مش هرفض لكن هيبقي بجدول، وتقدر تنزل تشوف اي واحدة تديك اللى عايزة منها وقت ما اكون غايبة
شيعها نضال بنظراته، وداخله يتمتم كاذبة
أكبر كاذبة ومخادعة قابلها بحياته، بغبائها تريده الوقوع في حبها دون أن تذق مرارة ما ذاقه، لكن غفل انه كان يضغط بقوة، حتى حطمها!

- نزار كفاية كدا، انتي مش شايف اني بسببك وزني زاد
صاحت بها رهف بعبوس ورغما عنها تلتهم شطيرة الشاورما التي صنعها بيده، ذلك الرجل الدافئ الحلو يجعلها تقع في حبه بثمل شديد، تأوهت بتلذذ شديد لشطيرتها
هي محظوظة بوجوده للغاية، لم تعلم كيف استمالها لتلك الدرجة لتجعله من يصلها إلى بيته لمقابلة حماتها، عبس نزار وهو يري أي زيادة وزن ذلك الذي تتحدث عنه ليقول بنبرة شقية.

- لا زاد ولا شي، بالعكس جسمك صاير بجنن
اتسعت عيناها بجحوظ وتدفقت الحمرة في خديها لتصيح موبخة
- انت بقيت قليل الادب ووقح، متكلمنيش تاني.

تنفس نزار الصعداء حينما وصل لوجهته، يشكر شقيقها لانه وثق به لايصالها الى بيته لمقابلة والدته، تلك الحلوة الجالسة بجانبه بفستانها الأخضر الطويل الذي يصل إلى كعب قدميها، لكن ذراعيها المكشوفتين بسخاء جننه، جعله طول الطريق يستغفر ربه وهو يحاول التركيز عبثا للطريق، لن تجلس في سيارته مرة اخري وهي ليست زوجته، لن يفعلها ابدا، يكفي وحوشه الصغيرة التي تزأر بجنون ويحاول بسيطرة رهيبة إخماد ثورتهم، اطفئ محرك سيارته وهو يلتفت بجسده نحوها ليقول بنفاذ صبر.

- انت بتجنني ولبسك عم يجنني بزيادة لهيك فوتي عجوا احسن مااعمل شي تاني
قلبها يخفق بجنون لكلاماته الحلوة الوقحة، لا تعلم لما يعجبها سماعها لكلامته رغم انها تستطيع أن تغادر الان، صاحت بعبوس شديد
- نزار من فضلك ملهوش داعي الكلام ده حاليا، بعدين انت معطلني.

ترجلت من سيارته لتسحب هديتها الرمزية الى حماتها المستقبلية لتضع العلبة سطح سيارته، وبحثت في حقيبتها عن المناديل المعطرة، مسحت فمها ويديها بمنديل معطر لتخرج بعدها بعلكة تضعه في فمها ليضيع رائحة الطعام، تلك العادة الجديدة أصبحت عادتها منذ بداية عامها الدراسي وبسببه جعلها تكتسب في ذلك الشهر اثنين كيلو، يجب أن تحرقهم حتما، زفرت رهف بحرارة وهي تنظر في عيني نزار الذي لم يشيح بعينيه عنها للحظة.

- تفتكر اني هعجبها، لبسي فيه حاجه وحشة
خصلات شعر تتراقص بنعومة مع صاحبة الوجة الحسن، الفستان يفقد سيطرته في حضرتها، عيناها تزيدها توهجا، مسد نزار على قلبه بانامله ليتمتم
- لك غصبن عني عم يطلع الكلام لحاله انت بتخلي الحجر ينطق بجمالك، خليني ساكت رهف خليني ساكت منشان ماتزعلي مني وع قولتك انا قليل ادب.

نكست رهف رأسها ارضا وكل ما تختبره معه جديد، بل جنون صاخب لذيذ يعجبها للغاية، توجهت نحو بوابة المنزل المكون من طابقين وحديقة غناءة، عطور الزهور تضرب انفها لتحاول الاسترخاء، قرعت باب المنزل وهي تنتظر صاحبة المنزل لتطل عليها
لم تنتظر كثيرا وهي تشعر بوجود نزار خلفها، حينما فتح الباب وهي تري حماتها امامها وابتسامتها الناعمة جعلها تهتف بارتباك
- احم، صباح الخير اسفه لو اتأخرت عليكي.

رحبت عايشة بحفاوة شديدة وطيبة وهي تتمعن النظر في وجهها للمرة الثانية
- مية اهلا وسهلا يابنتي تفضلي تفضلي
مدت يدها بعلبة الهدية لتقول بنبرة لطيفة
- حبيت اقدملك حاجه بسيطة، وان انا سعيدة اني قابلت حضرتك اخيرا
ابتسمت عايشة بهدوء وبعينيها تطرد ابنها من المنزل، الا انه بكل عناد يقف مشاهد لما يحدث، تناولت هديتها لتقول وهي تفسح مجالا للدخول
- كلك زوء يابنتي ماكان في داعي تعذبي حالك.

استرسلت ببشاشة شديدة حينما اغلقت الباب في وجه ابنها الذي كان على وشك الدخول لكنها صدته بقلة ذوق يستحقها
- طبعا بلا ما احكي نزار ما اله سيرة غيرك عن جمالك وادبك واخلاقك، صحيح انا شفتك بالمطعم من قبل ما؟
هزت رهف راسها وهي تتذكر المرة الوحيدة التي رأتها بها وهي جالبة ورق عنب خرافي لجميع الطباخين في المطعم، تمتمت بهدوء وهي تسير وفق ارشاد حماتها
- ايوا كنت بشتغل فترة هناك قبل ما اسيبه واكمل دراستي.

تمتمت عايشة بهدوء وهي تجلسها في الصالون
- استريحي يابنتي، انا رايحة شوف اذا البنات حطو الاكل عالسفرة
وضعت يدها على معدتها الممتلئة لتمتم بنفي
- لا ابدا يا طنط عايشة ملهوش داعي تتعبي نفسك
صاحت عايشة باصرار شديد
- عذابك راحة يابنتي وبعدين انت اول مرة تفوتي بيتي، مو حلوة بحقي كنتي المستقبلية تزورني وماغديها وبعدين هي عادتنا يابنتي، مو حلوة تيجي لعندي وتطلعي بدون غدا، رح تتغدي معنا مو هيك؟

استسلمت تحت الحاحها الكبير لتقول وهي تربت على بطنها قائلة
- اكيد طبعا
ثم عرضت بعدها المساعدة فورا وهي تقوم من مجلسها
- تحبي اساعدك طيب
ابتسمت عايشة ببشاشة شديدة لتقول
- اقعدي ارتاحي يا بنتي، البنات جهزوا كل شي
غابت للحظات لتجول رهف بعينيها في انحاء الغرفة، الاثاث راقي والالوان هادئة للغاية، رائحة البخور بعث لها سلام داخلي، حماتها تبدو متقبلة الأمر وهذا أمر رائع، شعرت بصوت حماتها يقول.

- طيب قليلي يا بنتي شو بتدرسي
اجابت بهدوء ونبرة ناعمة
- بدرس ادارة اعمال، يعني بكمل مسيرة العيلة
استمعت إلى صوت الخادمة التي دعتهما لطاولة الطعام لتقول بابتسامة دافئة
- مفهوم بنتي، يلا تعالي
سارت رهف بجوارها والوضع بدل أن يثير هلعها يطمئنها أكثر، المرأة تبتسم ببشاشة دائما، تقول كلمة بنتي بعفوية منها لما القلق الآن؟، حالما ابصرت الطاولة العامرة بما لذ وطاب قالت بحرج
- ليه تعتبي نفسك بكل ده يا طنط.

تعترف عايشة أن الفتاة ناعمة ولطيفة للغاية، تبدو خجولة ومرتبكة لكن في كلا الأحوال تبدو لطيفة للغاية، صاحت معترضة
- شو هي طنط، انا بدي ياك تناديلي متل مابنادولي البنات خالتو
تورد وجنتي رهف لتقول موافقة
- حاضر يا خالتو.

اشارت لها بالجلوس لتجلس رهف محرجة وهي تري ابتسامة مشجعة من حماتها، أخذت قطعة من محشي ورق العنب لتضعه في فمها وأغلقت جفنيها باستمتاع، لا تعلم ما السر في روعة طعامها؟! هل هو الحب ما يدفعها لخروج طعامها بتلك الروعة، مدت يدها لطبق الكبة لتتذوق واحدة لتهتف بصراحة
- الاكل يجنن، عرفت نزار ليه بيحب يطبخ، تسلم ايدك
ابتسمت عايشة لتقول بهدوء.

- مية هنا ياعمري مطرح مايسري يمري سمن وحسن وعوافي، المهم يابنتي انت بتحبي ابني
ابتلعت الطعام في جوفها والسؤال جاء مباغتا
صمتت للحظات وهي ترمش باهدابها عدة مرات لتسترسل عايشة
- هالسؤال صعب؟ولا تفاجاتي من صراحتي ولا، اوعك تكوني مابتحبيه
سارعت نافية اي فكرة طرأت في عقل حماتها لتقول بتلهف
- بحبه طبعا، نزار ده اجمل حاجه في حياتي، انا مش مصدقة اني قابلت شخص زيه.

عيناها غائمتان وهي تستحضر وجهه وبسمته، نبرة صوته، لهجته تلك التي تفعل بقلبها الافاعيل، ازداد اطمئنان عايشة كون الفتاة غارقة في حب ابنها لتمتم
- تؤبشي قلبي، ريحتي قلبي بجوابك، انت فعلا متل ماقال نزار بتفوتي عالقلب فورا بنت متل السكرة
توردت وجنتي رهف لاطراء حماتها، تنهدت وهي تقول باهتمام
- خالتو، انا عايزاكي تكوني راضية عن علاقتنا، حقيقة انا مش عارفة.

رغم كلمة خالتو لم تعتاد عليها، بل وخجلة كون ان الكلمة تستحضرها في عقلها وتحاول تدريب لسانها كي لا تخطئ، ابتسمت عايشة وهي تربت على يدي رهف المرتجفتين لتقول بنعومة وحنين.

- اهدي ياروحي، نزار مو بس ابني هو كل حياتي، سندي ومصدر قوتي بهالدنيا، بعد ما نزحنا من بلدنا كنت خايفة اكثر مما تتصوري، ابني التاني سافر عبرا ماقدر يستحمل بس، بس يابنتي يلي صبرني وجود نزار معي، هو يلي دعمني وسندني بوقت كنت انا يلي لازم كون مكانه، انا وياه لما اجينا على مصر ارتحنا فيها وخصوصا انو اختي من زمان عايشة فيها، ويلي زاد فرحتي انت بنوتة قمر حلو متلك نور حياتنا.

دمعت عينا رهف وهي تري العاطفة المعطاءة دائما من حماتها، يا ليت والدتها مثلها، حقا يا ليت بدلا من سفرها خارج البلاد لا تعلم عنها شيئا، قلقت عايشة من بكائها الصامت لتهتف بهلع
- ليش عم تبكي يا بنتي، احكيلي ياحبيبتي
مسحت دموعها وهي تهز رأسها بلا معني لتهمس بعيون لامعة بالامتنان
- انا كنت خايفة، حقيقي مكنتش فاكرة انك هتستقبليني بالروعة دي.

عينا الفتاة صادقتين، غير مخادعتين، صافيتين، بريئتين، لا تصدق مدي بشاعة الاشاعات الملتصقة بها كما سمعت من ابنة شقيقتها، الفتاة رقيقة للغاية، سهلة العطب، همست عايشة بنبرة صادقة
- متل نزار ابني انت بنتي، يلا لشوف امسحي دموعك لانه انا متلك دمعتي عند عيني ببكي فورا يلا ياروحي امسحيها.

ابتسمت رهف وهي تتابع تناول طعامها كي لا تحرج حماتها، ومن بعدها انطلقت معها تتحدثان بحرية وعدم تكلف تتضاحكان على مواقف طريفة والجلسة سارت بسلاسة شديدة عجيبة.

عقد ناجي ساعديه على صدره وهو ينظر بجمود شديد إلى سير فرح، عيناها يسكن داخلها الذعر، جسدها رغم عنها يرتجف، وكأنها ورقة خريفية معرضة للسقوط تلطمها الرياح، ابتسامتها متكلفة وليست حيوية صادقة كما يريدها، مسح على وجهه وهو ينظر إلى مدى ثباتها الواهي أمام عدسات الكاميرا والإضاءة الساطعة، اشار لزهرة سكرتيرته بالصمت حينما همت بالحديث ليركز بعينيه عبر الشاشة، عدم الرضي تحتل قسمات وجهه الرجولية، صاح صارخا بحدة.

- فرح
اجفلت فرح وهي تفيق من غياهب ماضيها، وهي تركز بعينيها الواسعتين للشعلة الثائرة في حدقتيي ناجي، غمغمت بأسف وهي تحاول التنبه والتيقظ لعملها
- مستر ناجي انا اسفه
رفع كفه ليبتر سيل عباراتها المعتذرة، اقترب منها وهو يحدق في ثيابها المكونة من تنورة قصيرة اسفلها جوربين سوداويين وكنزة سوداء
مستوحي الاعلان البساطة، البراءة، الجمال الرباني، صاح متأففا بغضب.

- مشاكلنا تترمي برا يا فرح، قدام الكاميرا انتى ملكي، ابتسامتك وعنيكي وتعابير وشك ليا انا
اطرقت رأسها لتغمغم بأسف حقيقي
- اسفه
رفعت عيناها اليه لترشقه بسهام قاتلة، ازدرد ريقه وهو ينظر إلى عينيها الواسعتين ليتمتم بحدة طفيفة
- اشتغلتي موديل ليه يا فرح؟، جيتي هنا ليه؟

ارتبكت من سؤاله وهي تحاول أن تلمم شتات نفسها ورغما عنها يدها تمسد على خدها الذي تلقى صفعة من نضال، وضعت الكثير من المستحضرات التجميل لاخفاؤه لكن نظرات عيني ناجي كشفتها، هل هذا سؤال مستتر لما للكدمة في وجهها؟! هل يعلم بوجود شيء خاطئ ليسألها هذا السؤال في المكان والوقت الخاطئين
شدت من قامتها وهي تجيب بهدوء
- عشان احقق حلم.

هز رأسه وعيناه تنظر نحو خدها المكدوم، لم يصدق كما أدعو أنها اصطدمت في اثاث بيتها، تلك اثار يد، لكنه تماشي مع كذبتها الفاضحه ليقول بجمود
- انتى عارفة كام واحدة بتيجي الشركة عندي هنا ومين فيهم اللي بيتقبل، عدد كبير بيجوا هنا يا فرح ومبيتقبلش منهم غير عشرة بس
ثم أعلن تهديده الصريح وهو يقول بقسوة
- خليكي عارفة حاجه واحدة، اللي بيطلع من هنا مش بيرجع تاني
وصلتها رسالته لتقول بنبرة هادئة
- حاضر.

ابتسم برضي وهو يزفر بحرارة ليقول
- لازم تشتغلى على نفسك عشان تتفوقي على كل واحدة هنا، احنا هنا في ساحة حرب، الاذكي هو اللي بيفضل
اومأت فرح رأسها بتفهم لينهي نقاشه قائلا
- اظن كلامي وضح
لمعت عيناها ببريق جعل ناجي يحدق بها لثواني وهو يضيق عينيه ليسمعها تمتم بثقة مفرطة
- مفهوم يا مستر ناجي
- براحة عليها يا نوجا.

صدر صوت جيهان المشاكس وهي تخفض صوتها حينما نادت اسمه المختصر، لتتجهم ملامح ناجي بصرامة شديدة، صاح بحدة مخيفة
- جيهاااان
رفعت جيهان يديها مستسلمة وهي تكتم ضحكاتها لتهمس
- مش هتكلم تاني
صاح بعلو صوته وعيناه نحو المصور
- يلا من اول وجديد هنعيد.

زفرت فرح عدة مرات وهي تحاول أن تجمع ثقتها وتتعامل مع العدسات المصوبة من كل حدب وصوب بطبيعية شديدة كما يطلب منها، ارتفع رأسها بثقة وابتسامة واسعة وعينيها تنظر نحو الكاميرا الموجههة بثقة، تسير على تعاليم ناجي المدروسة
تكون حرة، لكن بأحكام وكأن قيود تسمح لها بحرية محدودة.

تبتسم بحلاوة كما يريد، طوال الفترة ترمش بعينيها رغما عنها، لم تعتاد أن تكون تحت الاضواء، لكن مثابرتها جعل ناجي لم يعلق على حرف واحد..
انهي ناجي التصوير ليلمم المعدين ادواتهم، القي نظرة نحو فرح وهي تنظر اليه بعينيها الواسعتين، تنتظر منه تعليق، غمغم بجفاء
- مش بطال، محتاجة تشتغلي على نفسك اكتر
اومأت برأسها لتنكس رأسها وهي تفرك يديها بتوتر
- حاضر.

صمت ناجي للحظات وهو يلاحظ حتى الان لم ترفع عيناها عن الارض، صاح بصرامة شديدة
- فرح
ارتعد جسدها لترفع عيناها اليه هامسة
- نعم
همس بصرامة شديدة وهو يرفع اصبعه محذرا
- عينيك متنزلش الارض، ارفعي عينيكي وواجهي اي حد وعينيك قصاد عينيه
اختنقت الدموع في عينيها لتومأ برأسها متفهمة، كيف يريدها أن ترفع راسها وهي منذ صغرها اعتادت ان تنحي رأسها خشية أن يصابها أذي، شعرت بذراعي جيهان التي قبلت خدها لتمتم بنبرة مرحة.

- كنتي هايلة يا فرح، محتاجة شوية تدريب هساعدك عليه وهتبقي المرة جاية perfect
ابتسمت نحو جيهان بامتنان وهي تري خصلات شعرها التي تراه يعود للونه الطبيعي، وهي تشعر بعدم الاطمئنان ناحية نضال، دائما صمته يكون مسبق لإعلان عاصفة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة