قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الستون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الستون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الستون

تحرك قدميها العاريتين في الرمال، تستشعر نعومته المدغدغة لجسدها، برغم ملامح وجهها الخالية من أي تعبير وسكونها الظاهري
الا أن كل هذا يخفي داخله صخب داخلي
الخوف يلازمها
ماذا إن عاد؟
وكيف ستواجهه؟!، تحتفظ بأسوأ التوقعات ان وجدها قبل أن ترتب أفكارها المشتتة، اقتربت من المياة الدافئة لترتسم ابتسامة ناعمة على شفتيها لتغمض جفنيها رافعة كلتا ذراعيها مستنشقة هواء الحرية التي تناشده.

هل تلك الرائحة الحرية؟!، ارتخت ملامح وجهها المتشنجة لتخفض ذراعيها أرضا وهي تقترب من حقيبتها الصغيرة لتعود الى شالية الخاص بعائلة السويسري...

لا تصدق كم خجلها وهي تحادث والد جيهان الذي تفهم بهدوء، مخبرا اياها انها ضيفته، ثم بعدها شدد من حماية الشالية الذي تمكث فيه رغم رفض جيهان قائلة انها هذا يدل على لفت الانظار، لكن الأب كان له وجهة نظر اخرى، دلفت إلى الشاليه وهي تجلس على الاريكة كعادتها كل يوم، احست باهتزاز هاتفها لتلتقطه وهي تجيب على جيهان التي تسألها كل يوم عن حالها
زفرت فرح باختناق شديد هامسة
- تعبت يا جيهان من الحبسة والخوف.

نظرت جيهان من على بعد الى رواد النادي بملامح باردة، نظرت إلى شاب مفتول العضلات باعجاب شديد وهو يسير مع صديقه، هل هذا هادى؟ نعم هذا هادي لكن من هذا مفتول العضلات، احس الرجل بنظراتها الجريئة عليه ليتحول الرجل إلى طاووس متفاخر بعضلات جسده، يا لغباء الرجال!
اجابت جيهان بهدوء شديد وهي تري هادي يميل إلى أذن صديقه وعينيه عليها.

- فرح انا قررت اساعدك عشان تقدري تدي لنفسك فرصة تفكري بمنطقية شديدة لحياتك، صدقيني مش كل اللي بنحتاجه بيتحقق في حياتنا.

لا تتذكر أي فضيحة قامت بها لهذا الهادي لكن يبدو انه كان صعبا ليتحاشي النظر اليها، هل كان وقتها يتحرش بها أم ضبطته في وضع مخل مع ابنة رجل أعمال؟!، لا تتذكر الذكور كثر في هذا النادي والرجال أصبحوا قليلين في ذلك النادي، صرف ذلك الطاووس المغرور نظره عنها وانطلق مبتعدا ل تلوي شفتيها بحنق، لقد ضاعت تسليتها لليوم، استمعت إلى سؤال فرح المتشكك
- انتي شايفة كده!

جلست بحنق على طاولتها المميزة وهي تترصد الصادر والراحل من النادي، لتسألها فرح بحنق
- يعني عايزة تقوليلي انك تقدري تنسي حب حياتك بالسهولة دي
مررت أناملها على خصلات شعرها المسترسلة، تتذكر تعاليم مصفف شعرها الصارمة بعدم اللعب بشعرها للسنوات القادمة بأي صبغة، ستخضع لعلاج مكثف ليعود شعرها صحيا، ذلك الكاذب الحقير، تعلم انه يريد ان يضع الالافات في جيبه باهتمامه الزائف لشعرها، أجابت ببرود.

- لطالما واحد مش مقدرنى ادوس عليه بالجزمة ولا يهمني
انفجرت فرح ضاحكة لتقول
- بتتكلمي من ورا قلبك يا جيهان
اجابتها جيهان بفظاظة
- اومال اقولك ايه، كملي واتهاني واضربي وخليه يمتص كل طاقتك وتندمي في الاخر
غلف الصمت من جهة فرح التي قالت بهدوء
- نضال بيعاني من الثقة ومن تعلقه بالناس
قلبت عينيها بملل قائلة
- دي مشكلة يقدر يصححها مع نفسه، يعني عايزة تقوليلي انه لو شافك هياخدك بالاحضان.

اجابتها فرح بصراحة وهي ترخي أجفانها بأرهاق
- مش بعيد يقتلني
أصدرت جيهان ضحكة ساخرة لتقول فرح بجدية
- بتكلم بجد يا جيهان مبهزرش، انا بترعب من نضال، ساعات بحسه مش انسان، كائن مدمر بيدمر كل اللي بيقابلهم في حياته
صمتت فرح للحظات لتهمس
- فكرت كتير، وانا ادتله فرص كتير، بس مش هقدر، انا من حقي احس اني مرغوبة واسمع كلام حلو.

هي لا تريد الاستماع لكلام حلو، بل تريد رجل أفعال، شخص غير قادرا على التحكم بأعصابه مثلها، لوت شفتيها ساخرة من جموح عقلها لتقول
- لو عايزة تسمعي كلام حلو فده فيه منه كتير يا فرح، خدي اللي يقدر يحميكى من نفسه وقت غضبه
انفجرت فرح تضحك دون مرح، همست بألم
- مفيش النوع ده من الرجالة يا جيهان، خلينا واقعيين، كل واحد فينا عنده كبت وما بيصدق يتخانق عشان يطلعه.

استقامت فرح من اريكتها وهي تتوجه نحو غرفتها لتقول بهدوء
- قررت اهتم بنفسي شوية، احاول اصلح من نفسي واشجع نفسي اكون ناجحة في مجال دراستي وشغلي
ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتي جيهان قائلة
- برافو يا فرح، دي حاجة تبسطني انك هتحققيها
عقدت جيهان حاجبيها وعينيها رصدت كتلة صاخبة تتقدم نحوها، مالت برأسها وهي تري نظراته المثبتة عليها لتهمس لفرح
- واضح انه طلع اسرع مما تخيلت.

استفسرت فرح عن ماذا تقصد الا انها تفاجئت باغلاق الاتصال الآمن بينهما ككل يوم، خشية أن يتعقب مخترق فضولي لمعرفة موقع فرح، وضعت جيهان ساق فوق الأخرى لترفع رأسها قائلة بابتسامة ناعمة
- صباح الخير يا نضال
توقف نضال امامها ليصدر ضحكة ساخرة وهو يفك زر سترته قبل أن يجلس على المقعد المقابل لها قائلا
- نضال!، ايه شيفاني كنت بلعب معاكي في النادي مثلا.

لمعت الشقاوة في عينيها وهي تميل بجسدها باغواء شديد منه تدرس تفاصيل وجهه الشرسة، لتهمس بنبرة مغوية
- لا وانت الادرى، في الشارع زي الناس الطبيعين بتقولها، النادي دي بتاعت العيال النايتي
تصلبت ملامح وجهه وهو ينظر دون تعابير اليها ثم تعمدها لأبراز انوثتها في ثيابها الأنثوية ليقول ببرود
- فينها
عقدت حاجبيها متصنعة الجهل قائلة
- فين ايه
جز نضال على اسنانه وهو يغمغم بنبرة ماكرة
- طلعتي مش هينة اطلاقا يا جيهان.

لم تتغير ملامح وجهها الهادئة وهي تنظر اليه ببرود شديد لتسمعه وهو يتابع بحدة
- بس اللعب معايا وحش، وحش جدا و هتخسري كتير، صدقيني مبيهمنيش بستخدم اي سلاح قدام عدوي، اهم حاجه عندي اني الاقيه ميت، وانا مش عايز استخدم العنف
ببساطة شديدة رفعت هاتفها امام وجهه قائلة بهدوء شديد.

- انت عارف التسجيل ده اقدر اوديه في اقرب قسم والسوشيال ميديا كلها تعرف ورا الواجهة النضيفة دي، ده بعيد طبعا عن اسهم الفندق بتاعك اللي ماسكة وأسهم مؤسسة العيلة، اكيد مش عايز تخسر قدام واحدة زيي
هاجت البراكين داخله، هل تهدده تلك الغبية؟!، نظر بلا مبالاة إلى هاتفها ولا إلى تسجيلها المفتوح حتى الآن
- فينها
أغلقت جهيان هاتفها ووضعته في جيب بنطالها لتقول
- انا معرفش انت بتحكي عن ايه وصدقني انت بتضيع وقتي.

استقامت من مجلسها وهي تأخذ تعلقاتها ما إن هم بأمساك رسغها تفاجئ بيد غليظة تمسكه بقوة على رسغه صائحا بنبرة مهددة
- اوعي تفكر تمد ايدك عليها
رفع نضال حاجبه وهو يرمق ذلك الأشقر الغيور، ألقي نظرة نحو تلك اللامبالية التي تنظر بقلق لكلاهما وهي تهمس بحذر
- وسيم
اسمه وسيم!، اسم ناعم مثل الأحمق ناجي، ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة وهو يقول بسخرية
- والوجه الناعم ده بقي وخداه صديق ولد ولا بنت.

احتدت عينا وسيم الزرقاوان ليجيبه بعنف وهو يلكمه بكل غل في وجهه
- انا بقي هقولك يا روح ايه تحت الوش الناعم ده
شهقت جيهان برعب شديد وهي تصيح بذعر شديد
- وسيم
مسد نضال على خده ليقول بنبرة ماكرة
- مطلعتيش ناعمة زي ما توقعت
هاجت شياطين وسيم وهو يكاد يفتك فتكا بذلك الحقير، الا ان جيهان تمسكت بذراعه قائلة بخوف
- وسيم سيبه ده بيستفزك.

هل تظنه ليس رجلا؟! حان وقت لتلك الصغيرة ان تري خلفية وجه وسيم الأخرى السيئة، صاح بصرامة شديدة وهو ينزع ذراعه عن يدها
- متتدخليش، واضح ان فيه واحد هنا مستغني عن عمره
اختنقت جيهان أنفاسها وهي تهمس بنفي
- وسيم ارجوك
صاح وسيم بنبرة ساخرة وهو يرى الدموع المتجمعة في مآقيها
- متقوليش انك خايفة، اااااه
تأوه بعنف حينما توجهت لكمة غادرة من طرف نضال الذي استغل انشغال ذلك الغيور لفتاته ليقول بنبرة متهكمة.

- زمان كانوا بيستخدموا الوجه الحسن في الحرب لتشتيت تركيز الرجالة، اقنعتني بجزء انك مش ست، بس مين عارف مش ممكن تطلع خنثي
هاجت شياطين وسيم وهو يندفع للفتك بذلك الرجل ليسبه بشتيمة نابية جعل جيهان تتورد وجنتاها خجلا وهي تري وسيم آخر غير ذلك الرجل الذي تعلمه طوال سنوات عمرها
- يا قسما بالله مش سايبك.

المعركة بين الرجلين حامية الوطيس، كلاهما يندفعان ببدائية رجال الكهوف لإثبات ماذا؟ هي حتى لا تعلم، الدماء انبثقت من أنف وسيم لتصيح بهلع وهي تنظر إلى التجمهر من حولها بل وبعض المستفزين الذين يرفعون هواتفهم لتصوير ذلك الحدث الذي لا يحدث سوى لماما
- وسيم، وسيم كفاية
استقام نضال وهو يتعمد التقليل من شأن ذلك الأشقر قائلا
- بلاش تفردي عضلاتك يا انسه، مش حلو لتاخدي برد.

بكل غل ضربه على ساقه ليسقط ارضا، هجم عليه وسيم صائحا بنبرة هادرة وهو يلكمه في وجهه عدة مرات محاولا ترميم رجولته الجريحة
- تصدق مش هيكفيني غير موتك يا
كان يسدد لكمة والاخري يتفاداها، دفعه نضال ليسقطه أرضا ثم رفع بقامته ليلكمه محاولا التخلص من الكبت الذي بداخله!

تصرخ هي في وجه الجميع، طالبة بأحد التدخل لإبعادهم الا ان احدا لم يتجرأ للاقتراب خطوة، نظرت بأمل نحو أفراد الأمن الذين اقتحموا الدائرة فاصلين جسد الرجلين عن بعضها الا ان وسيم كان يحاول التخلص من الرجلين وهو ينفجر شاتما
-ابعدوا عن وشي خلوني اربي ال ده
أظلمت عينا نضال الا انه تمتم باسف
- تؤتؤتؤ مكنتش متوقع ان ابن الاكابر بيقول الفاظ مش محترمة قدام الناس، الناس كلها تشهد مش هسكت الا لما نروح نعمل محضر.

اندفع جسد وسيم للانقضاض عليه الا ان جسد الرجلين منعا التحام الغاضبين ليهدر وسيم بصراخ
- فاكرني هخاف منك، تعالي وواجهني راجل لراجل زي ما انت بتقول، ولا خفت، ولا شكلك طلعت مدام.

استفزه، نجح في استفزازه رغم في سابقة الأمر لم يقاوم الرجل، ببساطة دفع الرجل الذي يقيده ليتقدم نحو وسيم وهو يرفع قبضة يده يلكمه في وجهه مما دفع جسد وسيم للارتداد للخلف متأوها بصوت خفيض لاعنا اياه، صاح نضال بصوت جهوري وهو يستسلم لدفع الرجل نحو غرفة رئيس النادي
- نضال الغانم ملوش غبار عليه
اقتربت جيهان بقلق والدموع تتساقط من مقلتيها هامسة بذعر وهي تتشبث بقميصه
- وسيم وريني كده.

صاح بفظاظة شديدة مبعدا إياها بخشونة عنه
- ابعدي
نظرت إلى رجل الامن بحدة حينما سمعته انه يجب عليه الذهاب لغرفة رئيس النادي، زفرت بيأس قبل ان تبعد كفه عن وجهه قائلة بإصرار
- بطل عند بقي وخليني اشوف.

تألمت حالما رأت اصابات وجهه و الكدمات المتفرقة على وجهه، سحب رجل الأمن جسد وسيم الذي استسلم تلك المرة له لتسير جيهان بجواره بقلق وهي تخرج من حقيبتها منديل معطر لترفعها إلى وجهه ليلتقط وسيم منها المنديل بحدة رافضا مساعدتها قائلا
- ويا تري خوفك ده عشان اخوكي اضرب ولا عشان حبيبك اللي قررتي تنبذيه وتعاقبيه بسبب تافه.

هل يجب أن يتفوه بتلك الاشياء الان؟! لما لا يصبر؟!، همست بقلق شديد وهي تحاول أن تتفحصه بعينيها ان كان هناك شيء يستدعي القلق، يجب ان يذهبا الى المشفى وعمل أشعة، ستفعل حالما يخرجان من غرفة رئيس النادي
- وسيم انسي اي خلافات ارجوك
فتح رجال الأمن باب الغرفة ليجدا نضال الجالس على المقعد بكل ثقة وهو يقول بهدوء شديد
- هو اللي بدأ يتهجم عليا واقدر اخلي الناس تشهد على ده.

القي وسيم شتيمة نابية سمعتها جيهان التي رفعت عينيها تنظر اليه بعدم تصديق، من أين تعلم تلك الألفاظ؟ هل تعلم ذلك الرجل حقا؟ أم أنها كانت غبية لادعائها بمعرفته؟!
تقدمت نحو رئيس النادي الذي ينظر بعجز شديد إلى ثلاث أسماء ثقيلة في مجتمعهم، كل عائلة منهم قدمت اسهامات عديدة في النادي الخاص، رفع بصره نحو مساعده الذي هز رأسه بيأس ليعود النظر نحو جيهان التي قالت بصراحة.

- غلط، هو اللي بدأ يستفزه وحاول يتعرضلي بإساءة فخطيبي جيه وحاول ينهي الموقف لكن الاستاذ ده أساء ليه واستفزه فاتخانقوا
ألقى رئيس النادي نظرة خاصة نحو مساعده الذي قال بابتسامة مقتضبة
- نقدر نحل المشكلة دي وديا يا اساتذة
شعرت بهمس خشن بجوار اذنها يهمس ساخرا
- خطيبك!
رفعت رأسها بحدة تجيبه بهمس
- اكيد مش هقوله اخويا واسامينا مختلفة
اسودت معالم وجهه قتامة ليهسهس بغضب.

- مش من حقك يا جيهان تقربيني منك وقت ما انتي عايزة وتبعديني وقت ما انتي عايزة
صاح صوت الرجل وهو يقول
- يا اساتذة اعتقد ان احنا في مشكلة اكبر من كدا، تقدري يا انسة جيهان تتفضلي لحد ما اخلص كلامي معاهم.

هزت رأسها يائسة وهي تخرج من الغرفة بحنق، سبت الجميع بجميع الشتائم التي تعلمها لتنظر بترقب إلى الباب المغلق، تعلم ان الرئيس سيكتفي فقط بتحذير لكليهما، لكن ان يطردها، رفعت رأسها حينما فتح الباب، تعلقت عيناها بأمل ان كان وسيم من فتح الباب لكن سرعان ما تجهم وجهها حينما رات نضال يرفع ابتسامة نصر على شفتيه وهو يقترب منها قائلا.

- المشكلة اتحلت بس يا تري السوشيال ميديا هتسكت لما تشوف خناقة النجم اللامع في الاذاعة
تجمد وجهها وهي تري ذلك التهديد الذي صاحت في وجهه منذ عدة دقائق، هو من نفذه وبل يهددها بنفس سلاحها الذي أشهرته في وجهه، تدلي فكها ببلاهة شديدة، تنظر إلى ذلك الداهية بحنق شديد
عبس وجهها لتقول
- عايز ايه
ابتسم نضال بجفاء شديد ليهمس
- اللي عايزه منك هاخده، مش انتي لوحدك ملكة الأرض يا جيجي.

التفت مغادرا تاركا اياها تلعنه وتسبه بجميع الشتائم التي تعلمها والتي لا تعلمها، رفعت رأسها حينما استمعت إلى نبرة خشنة من وسيم
- بيكلمك ليه
ارتبكت وارتجف جسدها وهي ترى عينيه المظلمتين وهيئته الشبيه بهيئة قطاع الطرق، هبطت نظراتها نحو قميصه الغير مهندم لترفع رأسها نحو وجهه وملامح وجهه الصارمة لتهمس
- بيهددني.

تنفس وسيم بحدة وهو يضم قبضة يده محاولا الحفاظ على رشده قبل أن يفقده، تفاجئ بانامل ناعمة تمر على كدمة وجهه الكبيرة وصوتها الهامس
- حافظ على أعصابك ارجوك
اخفض نظراته إلى عينيها المليئة بالخوف والقلق، حافظ على ملامح وجهه المتصلبة لتسأله جيهان
- فيه حاجه بتوجعك يا وسيم
مال شفتيه مغمغما بسخرية
- مش اصعب من تعذيبك ليا يا جيهان
ازدردت ريقها وهي تمرر أناملها على وجهه قائلة
- انا اسفه.

آلمها أن عينيه عبارة عن قطعتين من الصخر لم يكترث ولم يخرج أي تأثر مثلها لتمسكه من ساعده قائلة
- تعالا، عربيتي فيها علبة إسعاف عشان اعالجك قبل ما نروح المستشفي
استسلم ليدها وهو يغمغم بسخرية
- لو ناسية النادي في اوضة للاسعافات ودكاترة
توقفت عن التحرك وهي تقابله بجسدها قائلة بغيرة لم تحاول أن تخبئها
- الوقت ده فيه الحيوانة الشقرا، وانا مش فايضة اشوف عرضها الرخيص وهي بتبين لحمها قدامك.

اكتفي بابتسامة ساخرة مما جعلها تتميز حنقها منه، ذلك القاسي البارد لم يكن باردا هكذا منذ دقائق قصيرة، سارت تلك المرة متقدمة عنه بخطوات لتسمع صوته الاجش وهو يميل نحو اذنها
- طالما انتي غيرانة كدا، بتعذبي نفسك وتعذبيني معاكي ليه
عضت طرف شفتها السفلى وهي تنظر اليه بعاطفة شديدة تطالبه بتلبيتها، جز وسيم على اسنانه وهو يسمعها تهمس برجاء
- متدخلش في اي خناقة ارجوك وبالذات مع الحيوان ده.

على رنين هاتفه ليستل هاتفه من جيب بنطاله وهو يرد على الاتصال قائلا بنبرة غير مبالية
- ايوا
اتسعت عيناه بذعر ليتمتم في عجالة
- هاجي فورا
نظرت جيهان بقلق لتهمس باستفسار
- فيه ايه
مد يده قائلا بحدة
- هاتي المفاتيح
مدت يدها بمفاتيحها ليتوجه نحو سيارتها التي تبعد عدة خطوات، جاورته في المقعد المجاور وهي تتمني أن الأمور تسير على ما يرام، الا انه تستطيع ان تستشف من ملامح وسيم المتوترة أن شيئا صعبا حدث.

مدفوع بالغضب
مشحون بنيران الغدر، والهجران
ذلك الهجران الذي يختبره لأول مرة
هجران نكهته مختلفة عن هجر أمه له تاركة إياه في بيت لم يرى من يعتني به سوى طفلة هي الأخرى لا تستطيع الاعتناء بذاتها...
هل ذلك كل انتقامها؟ تريد اختباره في هجرانها له
هل تريد معرفة نتيجتها.

نجحت قطته التي اعتني بها في منزله، نجحت تلك صاحبة الملامح الملائكية بطريقة بعثت لقلبه السخرية، منذ أول مرة لقائهم، وجدها مختلفة هيئة وتفصيلا عن العاملات في المطعم، يراقبها بنظراته الثاقبة لأنثى من نوع درجة مختلفة عن السابقات
في حين هو يختار الشقراوات شعرها الداكن هو ما لفت انتباه، وعيونها البنية الذي يسكن داخلهما نداء الحماية لبي ندائهما، جرته لنقطه ضعفه الوحيدة التي لن يقدر على رفض طلبها ابدا.

لكن هي من أرادت اللعب بالنيران، ماذا ظنت؟ حياة وردية؟، الوحش يتحول لأمير مهذب، في الحقيقة هو أبعد عن هذا ولن يتغير ولو أرادت، لن يغير شيئا من تلقاء نفسه ارضاءا لشخص مهما كان درجة أهميته له، مسد موضع فكه بألم
ذلك الجحش لم يكن انثي كما استفزه، لكنه كان في حاجة لشئ يقدر على تنفيس غضبه المكبوت، استل مفاتيحه من جيب بنطاله ليخرج من المصعد ثم رفع رأسه ليتفاجئ بمن أمامه.

سرعان ما ارتسمت ابتسامة ساخرة رغم شعوره بالالم الا انه حارب أي ألم ولو جسدي بوجه ساخر
- مش تقولي انك جاية، كنت عملت حسابي.

اغتاظت ملامح مارية الناعمة لترفع رأسها نحو ماهر الذي تولى القيادة تلك المرة وهو يقول بنفاذ صبر بعد انتظاره لساعة ونصف كاملة أمام منزله المغلق، لم يصدق أن المربية رفضت فتح الباب اصدار على أوامر رئيسها وقالت انه موعد عودته اقترب، كان سيرحل بعد مرور عشر دقائق على عودته المرتقبة، لكن الحاح مارية جعله يصمت
- اسمع يا استاذ، الام جاية تشوف بنتها، ملكش حق انك تمنعها
دس نضال المفتاح والتفت قائلا نحوه.

- طبعا مليش حق اني امنعها
امتلئ قلب مارية فرحة لتميل برأسها نحو صدر ماهر تستند عليه في مبادرة شكر صامتة، صاحت تسأله بتوتر
- هي فرح فين، بتصل بيها مبتردش
انغلقت تعابير وجهه ليسودها السواد وهو يغمغم بنبرة خطيرة
- وده سؤال، ولا جاية تشمتي فيا.

عقدت مارية حاجبيها بعدم فهم، همت بسؤاله الا ان نضال صاح بفظاظة شديدة وهو يفسح مجال لهما داخل الشقة لتندفع مارية تبحث عن مصدر صوت صغيرتها مع المربية التي تهدهدها، لانت ملامح مارية واقتربت منها وشوقها يدفعها لاحتضانها لتسمع صوت نضال الصارم
- البنت تقعد مع مامتها، بس لو فكرتي تاخديها وتطلعي بيها برا الشقة، صدقيني هتندمي
رفعت رأسها بحدة تكاد تشتمه، صاح صوت انثوي معاتب
- نضال.

رفع نضال رأسه نحو مصدر الصوت، حنين غمر وجهه الا انه عبس ما تذكر تلك الخائنة ما قامت به آخر مرة، شهقت اسرار بقلق وهي تقطع المسافة بينهما غير ابهة بحملها لتقترب منه والقلق يعصف عينيها لتهمس
- نضال، ايه اللي حصلك
ادار وجهه للجهة الأخرى، معلنا تجاهله لها التام
- مفيش حاجه حصلت
رغم فظاظته إلا أنها لم تعبأ به مطلقا، صاحت بتقريع
- انت هتفضل طول عمرك متهور كدا، معندكش تفكير.

سحبت يده امام انظار زوجين من العيون تطالعهم الاول بصدمة والأخرى بعدم تصديق، زفر نضال بتملل شديد كطفل في العاشرة لا يرغب في مذاكرة دروسه، أجلسته على كرسي في الحمام ثم التفتت اليه قائلة بعتاب شديد
- بتعمل في نفسك كده ليه بس يا نضال
رفع رأسه قائلا بسخرية
- بعمل ايه يا اسرار.

بحثت في الأعراض في الحمام بحثا عن أي مطهر وقطن، ولم تجد سوى قطن فقط! زفرت بحنق يجب أن تملأ تلك الخزانة الفارغة لأغراض طبية، بللت القطنة بالماء ثم وضعتها على جرح شفته ليجفل جسد نضال ثانية قبل أن يأخذ منها القطنة ببعض الفظاظة الشديدة وهو يمررها على جرح شفتيه، عقدت اسرار ساعديها على صدرها لتقول
- بتقتل نفسك وبتقتل اللي حواليك، انت عايز تعمل ايه تاني، مش كفاية اللي وصلناله.

نكس نضال راسه ارضا، شاعرا بتلك الدوامة التي تبلعه، لكنه عالق، عالق في المنتصف، غير قادرا على أن يصدر صوت طالبا بالنجاة حتى، يشعر أن هناك ما يكمم فمه، تفاجئ بشئ حارق على وجنته ليرفع وجهه وهو يراها تضع كيس مملوء بمكعبات الثلج على وجهه، نظر إليها ب امتنان وشكر دون ان يتفوه بكلمة كعادته منذ صغره ثم مسد كدماته بهدوء وهو يغمغم بخشونة
- مش عارف اخرج يا أسرار، مش عارف
تنهدت زافرة بحرارة وهي تقول.

- لانك مش عايز، مصمم تقعد في الدايرة دي، اخرج منها يا نضال قبل فوات الاوان
اطبق شفتيه غير مصدرا صوتا على كلامها ليقول بعدها بوجوم
- مش بأيدى يا اسرار، مش بايدي
حفزته ببعض التشجيع قائلة
- بص على النص الحلو اللي في حياتك، عندك عيلة ليه عايز تخسرهم واحد ورا التاني
الا بعض جينات الغباء ما زالت مستحوذة عليه وهو يقول بثقة مفرطة
- شمس وجنبي وفرح، هتيجي
رفعت حاجبها باستنكار شديد لتقول.

- فرح مش هتقدر تجبرها تعيشها جنبك، وشمس من حقها تقعد مع مامتها لفت برة من الوقت
أخرج ضحكة متهكمة وهو يرمي كيس الثلج أرضا ليرفع عينيه الذهبيتين قائلا
- مكنتش رمتهالي من سنة
اشاحت يدها بنفاذ صبر قائلة
- أي إن كان، زي ما انت ليك الحق فيها، هي كمان ليها الحق
صاح نضال بخشونة لتتحول ملامح وجهه الهادئة للغضب
- حقها فقدته لما سبتها لي ولفرح
السواد في عينيه لم يخيفها مما جعل اسرار تنظر اليه ببرود قائلة.

- بطل شغل العناد ده، لما تقعد يومين عند مامتها و...
قاطعها قائلا بنفي قاطع
- ابدا، شمس مش هتتحرك من هنا الا على جثتي
تأففت حانقة وهي تدير وجهها للجهة الأخرى، ذلك الغبي، هل يفسد حياته بنفسه ثم يقول انه غير قادر وعاجز
هل هذا رجل عاجز؟ هل هذا تعريف العاجز عنده؟!، استمعت إلى سؤاله الفظ
- جيتي ليه
أجابته باقتضاب شديد وحنق من قلة لباقته
- عشان اطمن على واحد، واضح انه مش عايزني
انفجر يضحك ساخرا.

- مستنية جوزك يطب علينا
لم تجاريه في مزاحه السخيف مثله لتقول ببرود
- سراج بس بغير منك، وانت عارف كدا، لانك اقرب شخص ليا في الدنيا دي
الا ان البرود في صوتها حاليا دافئا لدرجة اقشعر بها جسده، هل تقيده تلك الأخرى بالواجب، ما بال نساء تلك العائلة يقيدونه بحبال غير قادرا على الفكاك منها، بل ومرحبا بذلك السقوط
لكن صورة دفاعها وقربها من وقاص ونبذها له جعلت ملامحه تنظر إليها بتجهم وغضب.

- واضح بعد ما حطيتي ايدك في ايد حامي العيلة
زفرت اسرار بيأس وهي تمتم
- مصلحة العيلة أهم، والغلط مقدرش اسكت عنه يا نضا وانت عارف كدا
اندفع رنين هاتف اسرار في حقيبة يدها لتستل الهاتف وهي تنظر الى اسم المتصل، ارتسمت ابتسامة هادئة على شفتيها قائلة
- اهو جيبنا في سيرته
ردت على اتصاله قائلة بابتسامة لطيفة زادت من تجهم نضال وغضبه
- ايوا يا وقاص
عقدت اسرار حاجبيها وهي تغمغم بتعجب.

- فريال، ثواني انا مش فاهمة فيه ايه
اتسعت عيناها لتقع عيناها على نضال الذي استشعر بخطر ما محدق، وما ان نطقت اسم الصغيرة
- رهف!
هوى قلبه ما إن ذكر إسم صغيرته
حدسه يخبره أن الأيام القادمة لن تكون سهلة إطلاقا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة