قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الحادي والستون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الحادي والستون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الحادي والستون

ما تخشاه يأتيك
ليبعثرك، ليثبطك، ثم يقتلك ببطئ ساحبا روحك التائقة للحياة.
السكينة والهدوء لم تحظى بهما لفترة من الوقت، تطاحن طواحين الهواء، محاولة أن تعزز مكانها في الأرض، الحياة لم تكن عادلة، ولم تستطيع أن تحظي لا بحب ولا رجل تستطيع أن تطمئن جواره!
وماذا عنه، استعادت صورته وحضوره المهيب، بكل عبثه الواضح وعينيه المغازلتين إلا أنه كقنبلة موقوته ستنفجر أمام وجهها في أي لحظة!

تكرهينه وتصبحين قريبة منه
تخبريه بنفورك منه وتستأنسي قربه
تخشينه وتبكين أمامه
ما ذلك التناقض الذي فعلته وتقوم بفعله، هي لا تصدق انهما اصبحا صديقين
مسمى غير حقيقي لعلاقتهما البعيدة كل البعد عن الصداقة، هي تعلم انه يكذب وان ما يرغبه شئ أكبر من هذا، لكنها مندفعة، غبية، متهورة.

زفرت بحنق وهي تنظر الى الطريق الطويل الذي لم ينتهي، هل يجب عليه أن يجلبها الى اماكن بعيدة عن تواجدها؟!، بالله كيف يعرف كل تلك المطاعم واماكنهم، هي بعمرها الذي وصل للعقد الثالث لم تعلم قط بأسماء تلك الأماكن، رن هاتفها لتزفر بحنق، هل سيتذمر الان ويخبرها انها متأخرة، نظرت الى اسم المتصل عبر شاشة سيارتها لتتجهم ملامحها للغضب.

ها هو الآخر الذي يلاحقها، بالله متى ستنتهي منه ذلك الغبي، ردت على الاتصال لتسمع نبرته المهددة بلفه ناعمة
- متفتكريش يا شادية انك تمنعيني اني اقرب منك في شغلك دي هيمنعني عنك
تهدجت أنفاسها وهي تضغط بأصابعها على المقود، كم تود قتله ذلك الأحمق، صاحت بعدائية شديدة
- اعلي ما في خيلك اركبه يا معاذ، انت مجرد ماضي وانتهى في حياتي.

جلل صوت ضحكته المقيتة سيارتها، ليقشعر جسدها نفورا وغضبا منه، هل يراها ما زالت غبية كما السابق؟!، كادت ان تغلق الاتصال إلا أنه اناملها توقفت حينما همس بلهجة خشنة
- بس انا لسه عايزك.

انحرفت سيارتها عن الطريق وكادت أن تفقد سيطرتها على السيارة وهي تتذكر تلك الجملة، هي، تلك الجملة في ليلة الشؤم الذي أزال بها قناعه اللطيف الناعم، يوم ان اكتشفت انه يسكنه وحش في داخله، شهقت بذعر وهي تضغط على الفرامل فجأة غير مكترثة لأصوات الزمور ولا السباب للسائقين خلفها، ارتجف جسدها والماضي يحاول يبتلعها في دوامة بالكاد خرجت منه.

اراحت رأسها على مسند المقعد ملتقطة انفاسها بصعوبة، تحاول تهدأ روحها المذعورة وجسدها المرتجف دون أدنى فائدة، نظرها مشوش والأصوات في الخارج كطنين في رأسها
حاولت ترطيب حلقها وهي تهمس بصوت متحشرج
- تقدر تروح وتشوفلك حد غيري تقدر تخدعها بكلامك الناعم ووشك اللطيف، لان انا خط أحمر.

علا صوتها تدريجيا وهي تتخيله امامها، بملامحه الاستقراطية ووجه الوسيم وملابسه المهندمة، انفجر ضاحكا وصدي ضحكته كأصوات بعث الاشباح من قبورها
- شادية انتي متعرفيش انا ممكن اعمل ايه
قالها بنبرة عبثية، وتهديده استفزها بدرجة ترفع جسدها الخامل على مقعدها لتنفجر صارخة
- اعتبره تهديد ده يا معاذ
بهدوءه المستفز قال بنبرة ناعمة.

- اعتبريه يا حبي زي ما انتي عايزة، بس صدقيني انتي كل اللي فيكي مبهر بطريقة خلتني مشتاق ليكي بجنون
جزت على اسنانها، الحقير وتلميحاته القذرة، كادت تنفجر صارخة في وجهه الا انها رأت انه اغلق الاتصال، ضربت على المقود بعنف شديد صارخة
- حقيييير.

دموعها تستفزها بالخروج، لكنها أبت أن تبكي، لم يرى بعد شادية السويسري ذلك القذر يريد اللعب بقذارة معها، ستريه ذلك الحقير هو وعائلته، شغلت محرك سيارتها منطلقة بسيارتها نحو موعدها مع الأيطالي، هو الوحيد الذي بطريقة ما يستطيع أن ينسيها تلك المكالمة القذرة.

اصطفت بسيارتها الحمراء أمام المقهي، ترجلت من سيارتها وهي تغلق باب سيارتها لترفع رأسها وهي تنظر الى الواجهة المقهى الزجاجية المطلة على النيل، ابتسمت بهدوء و كعب حذائها السميك يدق على الأرضية المصقولة، دفعت الباب الزجاجي وهي تبحث بعينيها عنه، ارتسمت ابتسامة هادئة دون إرادة منها وهي تراه يراقبها بتلك الطريقة المتأنية في تفحصها وتفحص ثيابها!
ما الفرق بينهما يا شادية؟ كلاهما متشابهان.

شئ داخلي يخبرها انه مختلف، يكفي صراحة هذا الرجل بعكس الأول، عينيه صريحتين لدرجة تعلم ما يدور في خلده، تورد طفيف ظهر اكتسى وجنتيها نتيجة تفحصه لها وهي تقف امامه بثبات شديد، نظف حلقه وهو يضع جهازه اللوحي جانبا ليقول بنبرة عابسة
- لقد تأخرتي
جلست على المقعد المقابل وهي تقول بنبرة باردة
- انا اسفه، رغبت الانفراد بنفسي لعدة دقائق.

هل كل يوم يجب أن تزداد فتنة عن اليوم الآخر؟!، متى قررت الاستغناء عن سراويلها الفضفاضة التي تنورة طويلة تصل إلى ما قبل كعبيها، يلف جسدها بطريقة بارعة لم يخفي روعة ساقيها الممشوقتين وفوقه بلوزة وردية شاحبة مع سترة سوداء تضعها على ذراعها، بقدر ما كان عمله السابق في الازياء وتصوير العارضات ومنتجات تجميلية، لكن شعوره السابق هو افتتان لملامح العارضات الفاتنة لكن تلك السمراء الجذابة.

لديها مقومات تمكنها من إطاحة الجميع، بداية من نظرته التي تركزت على ساقيها ثم خصرها الدقيق الذي ابرزه بلوزتها الوردية، ناهيك عن بعض مكامنها الأنثوية التي اظهرتها، جال ببصره نحو الجميع، متسائلا ببعض الغيرة المندفعة، هل يرى أحد تلك الفتنة المتحركة على قدمين غيره؟، وجد رجلا عيناه لم ترفع عليها لتحتد نظراته وهو يرمقه بنظرات مشتعلة جعل الاخر يجفل.

نظراته العدائية والمتملكة حول الأنثى التي تجلس في مقابلته بمثابة رسالة تحذير لأي ذكر يقترب منها وهي داخل جدران مملكته، لم تنتبه تلك الغافلة عن حرب الأعين التي تدور حولها وهي تخرج متعلقاتها ثم تملي طلبها للنادل عن وجبتها الصباحية المتأخرة، رفعت رأسها وهي تنظر إلى عينيه الداكنتين، عقدت حاجبيها بريبة وهي ترى ملامحه متحفزة على الانقضاض، سألته ببعض الريبة
- هل حدث شئ؟

عاد أنظاره نحو فتنته ليرسم ابتسامة ناعمة على شفتيه قائلا بلطف
- لا شئ
صمت غلفهمها، هو يدرسها وهي تتحاشى بنظرها مراقبة الأجواء من حولها، ارتشف سرمد من كوبه الحراري وهو يدرس تلك الأنثى الخجولة امامه؟!
تخشى من نظراته ولو علمت بما يجيش في صدره لفرت هاربة، في تلك اللحظة يود تقبيلها معلنا ملكيته الخاصة.

لكن تلك الأشياء هنا يقطع بها الرقاب، يود حاليا الحفاظ على رقبته، رفع نظراته النارية نحو النادل الذي يبتسم بسماجة مقدما طبقها وعصير طازج، لتتجمد ملامح النادل وهو يرى ذلك الأسد المتحفز على الانقضاض ليضع الأطباق ثم فر هاربا مما دفع الى رسم ابتسامة ماكرة على شفتيه.

تنهد وهو يمرر يده على خصلات شعره ليغمغم وهو يراها تتناول قطعة الكرواسون، متذكرا المجنونة شقيقتها وما تتناوله في الصباح من سندوتشات فلافل وفول ليخرج ضحكة خافتة منه.

- أتعلمين، أشكر الرب ان جيجي ليست معي لتناول الافطار، حينما اخبرتها اني جائع دعتني لرجل يقف على عربة كبدة وكثيرون يلتفون حوله بطريقة مرعبة، ظننت اننا سنظل لساعات حتى نصل أمام العربة لكن ما أن رأى الفتى شقيقتك حتى سارع فورا للعربة ثم عاد ومعه اطباق بها سندوتشات كثيرة، للحق كنت مذعور جدا من كهنه الشئ الذي اتناوله لكنه لم يكن سئ للغاية.

ودت شكره حقا انه بدأ يتجاذب معها حديثا، لوهلة ظنت أنه سيظل يتفحصها رغم اتفاقهم المبدئي بعدم التلميح لشئ وقح والا لغت صداقتهم المزعومة
على من تكذب؟ هي لا تعلم، ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتيها قائلة
- جيجي مفعمة بالقوة والطاقة، وانا عكسها تماما
لم يعجبه نبرتها البائسة، قاطعها قائلا بثقة
- لا اعتقد، انتي تحتاجين لحافز فقط لتنطلقي
هزت رأسها بيأس وهي ترفع شوكتها لتمضع قطعة الكرواسون لتهمس.

- لا اريد سوى أن أكون في منزلي فقط
هز رأسه بيأس ليرفع جهازه اللوحي وقد قرر أن يريها بعض الصور التي التقطها خلال فترة مكوثه هنا، رغم أن ذلك الفعل يحدث لأول مرة أمام امرأة، رغم أن شقيقتها تعتبر زميلة عمله، لكن عمله شئ خاص به فقط
لكن بعض الاستثناءات التي يقدمها لن يشكل فارقا، مد جهازه اللوحي نحوها قائلا
- ألقي نظرة على تلك الصور.

تركت شوكتها والسكينة جانبا وهي تنظر إليه بذهول، ترددت للحظات وهي لا تصدق ما يقدمه لها، هذا شئ خاص صحيح؟!
كمشروب اللبن بالقرفة، توردت وجنتيها وهي تلتقط الجهاز اللوحي تنظر الى الصور وتقلبها، بعض الصور تعلمها ولكن التقاطه للصور بزاويا مختلفة جعلها تنبهر، سمعته يغمغم بنبرة خشنة
- مبهرة، أليس كذلك
رفعت رأسها تعقد حاجبيها قائلة باستفسار
- قصر من هذا؟

وجهت له الجهاز اللوحي نحو أحدي القصور التي التقط لها صورا، القصر فخم، بل مهيب من الخارج، به لمسة اوربية صارخة تحديدا التماثيل المنتشرة بكثرة مما اثار انتباها، ليقول بهدوء وهو يمرر أنامله في لحيته الكثيفة
- هذه واحدة من أفخم القصور في العصر الخديوي قصر السكاكيني تم بناؤه في أواخر القرن التاسع عشر كما اتذكر.

رمشت أهدابها عدة مرات، لتعود النظر للصور وهي تري المبني الاثري لم تراه سابقا، او رأته لكنه لم يلفت انتباهها لكن عدسته خطف انتباهها لتقول بصراحة
- انه مبهر سرمد، بصمتك للصور مبهرة، يعجبني التعديلات والتأثيرات التي تضعها تجعلها، فخمة
ابتسم وهو يرى انبهار الفاتنة بأعماله، رغم ثقته واعتزازه بعمله إلا أن نبرة الاعجاب لعمله زاده فخرا فوق فخره، شعر بصدمتها لتشير إلى الصورة قائلة
- هل تلك الصورة حقيقة؟

هز رأسه موافقا
- نعم في الإسكندرية، انه مقهي أثري في الاسكندرية اسمه اسفل الصورة
عقدت شادية حاجبيها، كيف السطح من زجاج؟! هل هذا مبني قديم منهار وقرروا إقامة قهوة جاعلين السقف من زجاج؟! غمغمت اسم المقهي بتعجب
- على الهندي!
هز رأسه وهو يقول بنبرة مشاكسة
- أشكر خبيرة السياحة جيجي على كشفها لى لبعض المناطق الأثرية الغير معروفة للبعض.

قلبت الصور بافتتان وفضول شديد لتقف على صورة لأكواخ أمام شاطئ، هل يوجد منتجع ايضا؟!، هل هي مغيبة لتلك الدرجة؟! لما لم تري تلك الأشياء قبلا؟!، والديها كانوا متزمتين بشدة ولم يسمحوا لها بالكثير قائلين انهما يخشون عليها، وحينما توفيت والدتها انعزلت عن الجميع، ولا ترتاد سوى الأماكن المعتادة عليها، المدرسة ثم البيت والنادي، وحينما نضجت ما زالت على روتينها الجامعة الى المنزل ثم النادي في عطلة الأسابيع، غمغمت بفضول.

- أين هذا؟
نظر الى الصورة ثم أجابها قائلا
- في سيوة، اسم الجزيرة اسفل الصور لانني لا اجد الصعوبة في تهجئته
عادت تنظر إلى اسم المكان المدون اسفل الصورة لتقول
- جزيرة فطناس، لا اعلم انهم اقاموا مخيم هناك
رفعت يدها عن جهازه ثم مدته له قائلة
- إذا أين رحلتك التالية؟
ارتسمت ابتسامة عابثة على شفتيه، وهو يقول بنبرة ماكرة
- الرحلة التالية لكن أخبرك أين، إن احببتي القدوم معي ستعلمين، لأننى قررت أن أجعلها مفاجئة.

نظرت اليه بامتعاض شديد لتقول
- حقا! أشعر بالفضول
هز رأسه بنفي قائلا
- لن اخبرك، اسف يا شادياااه، لكن يستحسن أن تأتي، سيفوتك الكثير
بل ما فاتها الكثير، تهدجت انفاسها وهي تمرر أناملها على خصلات شعرها تطمئن من عقدة شعرها، لتبتعد عن اجابته وهي تسأله
- ماذا ستفعل بعد ان تلتقط تلك الصور؟
استجاب لسؤالها وهو يعلم انها تتجاهل الرد على دعوته ليقول.

- هناك من دفع لي الكثير من النقود لأروج للمنطقة العربية سياحيا، محاولا انعاش الدخل الاقتصادي لبعض الدول، وجعل السياح الأجانب ينجذبون للذهاب الى المناطق العربية بدلا من الذهاب لأوروبا ومنهم من يغامر ويأتي لدول في جنوب شرق آسيا وبعض الجزر المشهورة لقضاء شهر عسل أو عطلة
هزت رأسها ثم عقدت حاجبيها، هل هو مصور عالمى للزفاف أم رحالة؟!، سألته من باب الفضول
- ما هي محطتك التالية؟
ابتسم وهو يميل راسه ليقول.

- من الصعب جدا تصوير مناطق سياحية ل دولة عاشت لآلاف السنوات بها حضارة عريقة في فترة قصيرة، بعد تصويري لمصر، سآخذ قسطا من الراحة حتى استطيع العودة لإيطاليا وزيارة عائلتي
رفعت كأس عصيرها و ارتشفته، هل يغيب عن عائلته كثيرا؟، عرفت انه رحالة ومحب للسفر وعدم بقائه في دولة للكثير من الوقت
هل هي التي استعصيت عليه؟!، مما جعلها مرغوبة لديه اكثر، شحب وجهها تزامنا إلى ما توصلت إليه، لتسأله
- كم طال غيابك؟

اطبق شفتيه وهو يشعر بالحرج ليمرر انامله على خصلات شعره قائلا بصوت خفيض
- عامان
اتسعت عيناها جحوظا لتهمس بعدم تصديق
- تمزح
هل أفسد الأمر، لكنه لم يعتاد على المجاملة أو تغليف الحقيقة ليقول
-للأسف
وضعت يدها على ثغرها ثم قالت باستنكار شديد
- لكن هذا كثير سرمد، كثير جدا، لا استطيع ان ابتعد عن عائلتي مهما كان أهمية عملي، لكن عامان؟!، ألا تشتاق لهم؟
نبرتها الناعمة لاسمه
متى أصبح اسمه ناعما، ومغريا هكذا؟

بل منذ متي يكبح رغبته في عناقها حتى تزهق أنفاسهم، تهدجت انفاسه واسودت عيناه قتامة ليجيبها بنبرة مثخنة بالعاطفة
- أموت شوقا يا شاديااه
تغاضت عن نبرته التي ارجفت بدنها وهي تدع عقلها يتخذ الدفة تلك المرة للتفكير، رفقته لها مؤقتة كما أكد لها حدسها، لكن لما تشعر بالضيق، ضيق يعتريها أن تلك اللقاءات ستكون مؤقتة، هو سيعود لموطنه ثم سيقابل اوربيات وينشغل في عمله، وهي، رباااه، هي لن تنساه.

ذلك الرجل ستتذكره دائما وهو سينساها، انقبض قلبها وضيق بدأ يعتريها حالما توصلت انها ستكون مجرد اسم في لوحة انجازاته وافتخاره الذكورى، لما تتشبث به إذا؟!
انغلقت معالم وجهها المليح لتقول بجدية
- ما الموعد لتسلم لهم اعمالهم؟
عقد حاجبيه وهو يستشعر تغيرا بها، ليجيبها بصراحة
- غير محدد، البلدان كثر يا شاديااه وانا ارسل بعض الصور وهذا ما يجعلهم مطمئنين انني لست كسولا بجانب اعمالي في روما ومجلات الأزياء.

الهدوء انقشع وحله التوتر، ثم الضيق
هذا ما استشعره من تغير الذبذبات من حولهما، لا يعلم ماذا اخطأ وهو لا يتعمد الغموض في حديثه، استشعر صوتها الغامض
- عمل كثير اذا
سألها بعينيه، لكنها أشاحت بعينيها وبدى جسدها المسترخي متحفز للقيام، غمغم بنبرة هادئة.

-لكنه ممتع، لقد سأمت من مجلات الأزياء والعارضات وتصوير المنتج لساعات طويلة، قررت أن اذهب لأشياء تبهجني ووجدت تصوير الزفاف لمعارفي هو ما يجعلني سعيدا هي والطبيعة، اشياء بسيطة لكنني وجدت راحتي فيهما
زفرت بحدة وهي تمسد صدغها، يجب أن ألا تتعلق به، تعلق؟!
ماذا دهاك يا شادية؟ هل انتى مجنونة لتكرار التجربة مرة اخرى، رفعت رأسها تغمغم بفضول
- وعملك الأساسي؟
هز رأسه قائلا بهدوء ولا مبالاة شديدة.

- هناك رجال تستطيع القيام بتلك الأشياء الفارغة، لكن ما أن يستدعيني احدا بالاسم ألبي النداء، وهذا يعني من اتعاقد معهم ثم ما ان ينتهي العقد لا افكر مرتين وانا ارفض الارتباط بهم ثانية
توقفت عن تمسيد صدغها لتقول بصدمة
- لكن هذا، سيجعلك تخسر الكثير
ابتسم بمكر شديد قائلا
- بل يجعلني مرغوب أكثر.

رن هاتفها وقد اتخذته وسيلة كفاية للقيام رغم عدم معرفتها بهوية المتصل، ابتعدت عدة خطوات عنه كفيلة وهي ترد ليفاجئها صوت المتصل
- مش تقولي يا حبي انك مع حد تاني، بدل ما ترفضيني، تحبي اجيلك واخدك من قدام اللي قاعدة معاه دلوقتي ويبقي شكلك مش لطيف قدام الناس، ثم انا مش مصدق ان ذوقك انحدر بالطريقة دى
تخشب جسدها وشحب وجهها تدريجيا لتهمس بذعر
- معاذ!

يصاب الشخص بحالة فقدان السيطرة في حالتين
حالة الغدر
وحالة الموت
حالة الغدر تكون العينان جاحظتان والقلب يأن بألم، والعقل يطالب بالثأر
حالة الموت فيتلاشي الشعور تدريجيا، حتى تبقي كجثة هامدة تدفعك الرياح دون جهة معينة.
عينيه شرستين، متقدتين بشرر وهو يراها، تلك السمراء التي ظنها في قبضة يده تسربت منه رويدا رويدا حتى خيوطها تقطعت.

لا يوجد لديها وقت له، لكن لديها وقت لغيره، تتأنق لغيره، وتغويه برقتها وحلاوتها وعذوبة روحها
فريسة مغرية جدا لصيادون ماهرون، وتفاخر هو أمام عشيرته حينما سقطت في مصيدته، الآن، تذهب لغيره، اشمأزت ملامحه وهو يرى ذلك الذي بجوارها بداية من ملابسه البعيدة كل البعد عنه حتى طريقة حديثه وجسده، كلها متناقضة له.

هل حرصت على أن تجد رجلا مختلف عنه مائة وثمانون درجة؟!، ما زال في الزاوية ينظر إليها بوجوم شديد وهو يراها تقف من مجلسها وتتخذ ركنا لمسافة امنة وترد عليه
استلذ من رؤية شحوب وجهها جراء ما قاله، إلا أن الانتصار لم يدم طويلا حينما رآها تلتفت إلى محدثها ثم عادت تتحدث بحدة
- معاذ، شغل التهديد ده كان زمان، صدقني مفيش حاجه تقدر تهزني مهما عملت.

قهقه باستمتاع وعينيه تلمعان بنيران الرغبة المتأججة في صدره، مازالت كما هي، رغم نحافة جسدها وهذا يراه بوضوح شديد من خلال خصرها الدقيق ومنحنيات جسدها التي لم تعد مبهرة كالسابق رغم ثيابها الفضفاضة، لكن لا مشكلة، سيعيد تغذيتها بطريقته لتعود تلك المرأة التي علمها سابقا
تنهد زافرا بارتياح غامر، عيناه تتابعان باستمتاع شديد إلى وقفتها المتوترة وزفراتها الحانقة التي تصله عبر الأثير.

- عارفة يا حبي، لولا اني عارف ان عقلك وقلبك اول ما امتلكته، مكنتش سبتك معاه، لاني عارف، جزء لا يتجزأ منك
شرست عيناها لتجيبه بحرقة
- بتحلم يا معاذ، صدقني قلبي وعقلي ملكي، ولو افتكرتك في يوم فصدقني بلعنك فيه
قلب عيناه بملل شديد، وهو يستقيم من مقعده متجها خارج المقهى قائلا
- خلصتي، عشان انا بغير عليكى، ياريت تبعدي عن الكائن ده.

نطق آخر جملته بتقزز شديد، مما جعل شادية ترفع حاجبيها بدهشة لتنظر يمينا ويسارا تبحث عنه، ذلك القذر الذي ستنبش وجهه، هي لم تثأر بعد، ومقابلته اخذتها على حين غرة، دبت ب كعب قدميها على الأرض المصقولة وهي تندفع قائلة بصوت حانق
- واجهني لو تقدر
فتح باب سيارته والقي نظرة اخيرة على المقهي، لترتسم على شفتيه ابتسامة ماكرة ليقول.

- بلاش تتحديني، اعتقد اونكل معتصم مش هيفرح اووي لو زرته النهاردة في مكتبه ومعتقدش لو حاولت ارجع الماية لمجاريها إنه يرفضني
اختنقت انفاسها، همت بالرد عليه الا انه الحقير دائما ما ينهى هو حديثه بالنهاية، هكذا هو دائما يبدأ الحديث وينهيه، جزت على أسنانها تكاد تحطم ضروس اسنانها، تكبح دموعها وانهيارها الوشيك!

غبية، ضعيفة، لقمة سائغة بين الجميع، شحب وجهها تدريجيا وهي تعيد اخر جملته، هل سيذهب إلى والدها، هزت رأسها نافية، إلا والدها لن يسامحها ابدا ان علم أنها خبأت عليه عودته
مررت أناملها على خصلات شعرها المرتبة لترفع عينيها تنظر عبر الزجاج المطل على النيل، شردت للحظات قبل أن يقشعر جسدها من نبرة خشنة
- شادياااه
لما يناديها بتلك الطريقة؟ عضت على طرف شفتها قبل ان تلتفت اليه هامسة بتعب
- نعم.

اشاحت عينيها عن مرمى بصره وهو يسألها بنبرة بدت قلقة أم هي تتخيل
- هل توجد مشكلة؟
سبقته عدة خطوات نحو طاولتهما، ومزاجها الرائق تعكر، سحبت حقيبتها وهي ترفع عينيها قائلة
- هل نستطيع الخروج من هنا؟
اطبق سرمد شفتيه صامتا للحظات، ولثانية اقترب منها كاسرا حدود اتفاقهم ليقول بنبرة مهتمة وعينيه تلتهم ملامح وجهها الذي أصبح شاحبا كالموتى
- ماذا حدث؟

اخافه وهي تستطيع تجاهل آلمها، ليجز على أسنانه وتصطك ضروسه وهو يسمعها تسبقه خطوات مغادرة بوقاحة
- هل يمكننا ان لا نتحدث عن هذا
أخرج وريقات من المال ووضعها على الطاولة ثم سحب حقيبته وهو يتقدمها صائحا بحدة
- ما بك؟، يخيفني ذلك الشحوب في وجهك
واجهته وهي تقف أمامه على بعد خطوات بعد مغادرتها للمطعم، عينيها تبحث يمينا ويسارا عن شبح صورة ذلك المنغص لحياتها لتهمس بألم.

- لما يحدث معي هكذا دائما، انظر لي، انا لا استطيع أن أحيا بهدوء وحرية كما السابق، الجميع يضغطون عليّ وانت أولهم
دمعة سقطت دون شعور منها ووجهها يحكي ألف قصة عذاب تعانيه بمفردها، ليتقدم منها رافعا يديه لملامسة وجنتها، غمره احساس الحماية والمؤازرة ثم عناقها، عناقها لحد تنسي جميع آلامها
- شاديااه
شهقت بعذاب لتجهش في البكاء هامسة
- ثم لما تنادي اسمي هكذا، لما تتعمد ان تنادي اسمي هكذا.

احست بيده التي على وشك لمسها لترتد خطوتين للخلف وعيناها تنظران اليه بذعر شديد جعل حاجبيه يرتفعان بدهشة، تبدلها مخيف لدرجة تصيبه بالصدمة وهو يراها تتحول من الضعف والهوان إلى الشراسة والقوة لتصرخ في وجهه
- الامر انني تعبت وسئمت، ولا اريد رابط الصداقة المزعومة تلك، اعلم ما تحاول الوصول اليه.

اقترب منها راغبا في افاقتها من هذيانها الخاص، وخلايا عقله تقتات منه وتنهشه، راغبا في معرفة ذلك المتصل الذي بدل حالة الأنثى الناعمة التي كانت بجواره تتبادل معه الأحاديث، ما ان هم بوضع يده على ذراعها ابعدت يدها نفورها قائلة بغضب
- لا تلمسني
زفر بحنق وهو يمرر يده على خصلات شعره الثائرة، ليقول بنبرة متفكهة
- هل تلك إحدى نوبات غضبك؟ أم هذا يعود لإحدى نوبات النساء الشهرية.

جحظت عيناها وشل جسدها لثواني، ذلك الوقح الحقير، صرخت في وجهه بعدائية واضحة
- يا وقح، انت، انت عديم التربية
هز راسه بدون معنى وهو يعترف قائلا ببرود
- هذا صحيح، امي تقول هذا دائما، ولا أجد الحرج في هذا
ثم ما عاد يقترب منها وهي تعود للخلف، هل سيلعبان تلك اللعبة في قارعة الطريق؟!، التمعت التسلية في عينيه وهو يرى زحف الاحمرار الى وجنتيها ليقول بعبث.

- هل هذه إحدى نوبات الغضب الشهرية يقتضي على معرفتها كي اتجنب الاحتكاك بك مستقبلا والحرص على تهدئتك، لانني صدقا يا برتقالية، لا أتهاون في أي شئ، أي شئ يمر بعقلك الجامح
توقف قدميها عن الهروب وأجبرت على شد قامتها تتحدى ذلك الكائن العضلي، الملئ بالشحنات السلبية لها ولضعفها المقيت، رفعت سبابتها محذرة بعينيها، تذكره ب اتفاقهما الذي يحاول اختراقه
- لا تبدأ حتى في محاولة لتخطي الحدود.

وهل يعبأ هو بالحدود التي صنعتها داخل جدران غرفتها في القلعة الحصينة، التي لم تكن حصينة بما يكفي له، ليقترب منها بتحدي ضاربا بكل شئ في عرض الحائط
- الحدود أنت من صنعتيها، وانا لست سوى محارب يقف على أعتاب باب غرفتك يراك تنعزلين عني أنا
حتى هو، مثله كمثل جميع جنسه، ما اتفاقهم المزعوم سوى دافع لعين للاقتراب من الانثى المستعصية، نظرت باضطراب إلى عينيه الذئبيتين وتشوش عقلها بين الماضي والحاضر.

عينين عسليتين تلونت بالأسود القاتم، مشبعة بالرغبة الخالصة وهي ترى هذا في عينيه الان، نفس تلك الرغبة
ذلك الجوع المقيت
الجوع الذي تعلم انه لن ينتهي بالشبع، بل سيطالب دائما كما الاخر، همست بألم وهي تدرك الحقيقة
- لقد اتفقنا سرمد، لا تجاوز في الحدود
هل تعيد فتح ذلك الاتفاق اللعين بينهما مرة اخري، اندفع نحوها ممسكا بكلتا مرفقيها يهزها بعنف جعل جسدها يرتجف بعنف اثر يديه ليهدر في وجهها بعنف.

- اتفاقنا اللعين هذا، كان بسبب لمسي لك الذي يسبب لك التلوث كما ذكرتي سابقا، تنكمشين مني من مجرد عناق برئ
تعلم ان حاولت حتى باصدار نفور من لمسته ستزداد اصابعه قسوة على بشرة جلدها التي لاقت علامات على معصميها وذراعها كما المرات السابقة، لكن النفور الداخلي وعينيها تصلان اليه بوضوح شديد
رفعت كلتا حاجبيها لبرهة من الوقت قبل أن تشرس ملامحها مهسهسة بجنون.

- عناق برئ؟، أتسمع نفسك وانت تقول عناق برئ، انت حرفيا كنت على وشك فعل أفظع من هذا، انا لا اريد تكرار تجربة ان يشتهيني رجلا بإسم الحب مرة اخرى
تهدجت انفاسها وبدأت تحاول إعادة سيطرتها عبثًا
لكن كيف، كيف وهو يصر بإلحاح مستفز أن يتجرأ على ما هي ليست بقادرة على تقديمه له
وماذا تقدم؟، حب مزعوم، تلبية رغباته الذكورية؟!
- من هذا.

رفعت رأسها اليه لا تصدق انها اباحت بالكثير امامه، رجل مثله لن يمر أي كلمة تخرج منها مرور الكرام، تملصت منه بحدة الا انه مال مقتربا منها وعينيه السوداوين تكاد تبلعها
- من هذا الذي تجرأت عينيه على رفع بصره اليك؟
سلب انفاسها، ودقات قلبها وهي تحدق في عينيه، في أعماقها شراسة، جذوة مشتعلة من الغضب، فغرت فاها بصدمة شلت أطرافها وهي ترى المشاعر المتجلية في عينيه.

ذلك التملك والغضب حتى طريقة قربها الخطير منه، غير عابئا بالجميع، أسدلت أهدابها لتهمس بسخرية
- تتحدث وكأننا مرتبطين
قاطعها بخشونة وهو يجذب ذقنها لتعود النظر إليه
- ولما لا؟
وضعت كلتا يديها على صدره الصلب، تهاونت ولم تستطع على إزاحته مقدار انشا، لعنت ضعفها وقلة حيلتها لتحاول السيطرة على تلك الرجفة في يديها لترفع رأسها اليه هامسة.

- ارتباط لفترة قصيرة حتى مغادرتك لبلادك، أتعلم هذا عرض مغري لكنني اكتفيت منكم جميعا، انا المغفلة لأنني صدقت انك تريد انشاء تحاور عقلاني بيننا لكنك لا تنفك إلا وتندفع بغريزتك المقززة تلك
اتسعت عيناه دهشة من تحول تلك القطة الوديعة امامه الى لبوة شرسة تناطحه، ابتعد مرغما عنها وهو يراها توشك على فقدان سيطرتها، إلا أن ذلك لم يمنعه من النطق بسخرية
- إلى أي حد تشتهين عقابي شاديااه؟!

احتقنت أوداجها لتطالعه بتقزز، جعلت عيناه ترشقانها بسهام الحرق
- اخرس
علا صوتها وهي تصيح بانفجار
- لا أريد رؤية وجهك مرة أخرى فهمت، ولا تحاول حتى التجرؤ والاقتراب مني، لقد انتهي كل شئ
اقترب بعبث شديد غير مكترثا بنظرات الفضوليين كالعادة دون الإقدام على التدخل قائلا بثقة مفرطة
- لم ينتهي شئ شاديااه، بل كله بدأ حينما قررتي المحاربة، محاربتي انا.

طالعته باشمئزاز جعل رصيد عقابها يتضاعف إلا أنها لم تكترث له، شمخت برأسها وهي تتحرك نحو سيارتها الحمراء الثمينة الا أنها شهقت بذعر حينما وجدت جسده الضخم يعرقل وصولها إلى سيارتها.

رفعت رأسها بغضب تصب لعناتها عليه الا ان خطوته المتهورة ألجم لسانها عن التحدث حينما امسك بذراعها بقوة لتصطدم بجسده، وضعت حقيبتها حاجز بينهما إلا أن الارتطام الجسدي جعلها تزداد نفورا منه وهي سريعا تسلخ بجسدها عنه لتنفجر فيه هادرة.

- ابتعد سرمد، لقد، لقد تحدثنا مسبقا عن اقترابك لما لا تفهم أنني أنفر منك بل واتقزز من ملامستك لي، كيف تلمس امرأة غريبة عنك بكل اريحية هكذا دون ان يصيبك شعور بالقرف لما فعلته، تتمنى لو أن يدك قطعت وان جسدك يحترق علك تنسي ما اقترفته، لكن كيف تشعر، وانت تفتخر بسلسالك هذا اسما دون أي فعل يدل حقا على عروبيتك بعيدا عن ديانتك التي لا دخل لي بها، لانني ايضا لست انا السابقة.

وجدته يهم بالتحدث الا انها اشارت بنفي قاطع من عينيها الخاويتين، ترشقه بنظرات الخيبة التي جعلته يلعن تهوره المعروف دائما
- انتهينا سرمد، انتهينا
وقع تلك الكلمة لا يعجبه ابدا
منذ متى بدأت حكايتهما لتنتهي
لم يحظي بفرصة واحدة حتى للتقرب كما تمنى، للتعرف عليها ومعرفتها كما يرغب، لتتشبع من تفاصيل وجهها المليح كما يموت شوقا، انتبه على صوت محرك السيارة ليشعها بنظراته.

نظرات عينيه تحمل تحدي جديد وثقة مفرطة أن تلك المشاجرة اللطيفة، ما هي سوى زوبعة فنجان!
زمت شادية شفتيها وهي ترى نظرات ذلك المتحذلق الايطالي، لتنصب تركيزها على الطريق وهي تغادر سيارتها بصمت وصخب عقلي يناقض تماما ذلك الصمت المقدس الذي تمارسه!
يدها سريعا ارتفعت لتمسح الدموع التي اعتادت عليها، لتزفر بسام، لافائدة ترجى منها
دائما خانعة، ضعيفة القلب والشخصية أمام الرجال، وليست أي فئة.

الفئة المنحطة من الرجال تنجذبين اليهم دائما، أحرقتها النار سابقا، لكن يبدو لا فائدة ترجى منها للغوص في ذلك المنحدر مرة اخرى؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة