قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثاني والستون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثاني والستون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثاني والستون

الدقائق تمر بملل شديد
وعقارب الساعة تتحداها على اصدار صوت تذمر حتى
الجميع من حولها في تلك المشفى اما تكسو تعابير وجهه القلق والفزع والخوف، وهي لا تشعر سوى بالتبلد، عيناها الزرقاوان تحدقان نحو تلك المنهارة في البكاء.

لوت شفتيها بنزق شديد وهي لا تصدق ان تلك الفتاة التي من المفترض أنها تخطت حاجز العشرون ما زالت مفتقرة للأنوثة، عيناها مشطتها من منابت رأسها حتى أسفل قدميها، هل تلك الفتاة سيزوجها بالهركليز خاصتا
قطعا لا، ان تجرأ احد الان وآفاق ذلك العجوز الخرف من الاغماء وطلبه لزواجها ستقتله وستقتل تلك الحرباء المفتقرة للانوثة، لمعت عيناها بخبث شديد ونشوة تتفجر في خلاياها الخاملة.

التفكير بجنون يحفز خلايا عقلها للتفكير، ثم التنفيذ، من يصدق ان العجوز من أول مقابلة يخر ساقطا
ماذا سيحدث له لما ستفعله مستقبلا؟!، زادت ابتسامتها اتساعا ليتجهم وجهها ويحله العبوس وهي تتذكر وعدها الغبي لذلك الرجل العضلي أمامها يرمقها بنظرات نارية قاتلة
لو كانت النظرات تقتل لأسقطتها مضرجة بدمائها، رفعت حاجبها بتحدي ساخر ليشيح بوجهه بعيدا عنها، يحوقل ويستعيذ قبل أن تمد يده لبطشها.

لم يستطيع أن ينفرد بها لعقاب تلك السليطة اللسان، ترى كيف ستحافظ على وعدا قطعته بلسانها وهي لم تستمر لساعات أذت جده، وأساس عائلة المالكي
اغمض جفنيه وهو لثواني وهو لا يصدق ما مر قبل ساعة، ثم صراخ وجد الذي اهتزت له ارجاء المنزل المصقول ما زال يطن في اذنه
ثم تلك الشيطانة جالسة بكل برودة أعصاب تملكها، وابتسامتها المستفزة تلك إن لم تزيلها سيزيله هو بنفسه حتى لا تستطيع على الابتسام مرة اخري...

اخفضت وجد رأسها وهي تبكي
الضياع
التشتت
اليتم، اختبار ذلك الشعور مرة اخري جعل قلبها ينقبض بقوة ألمت، تحاول السيطرة على ارتجافة يديها وجسدها دون فائدة، وهي لا تعلم كيف أصبحت الآن في تلك المشفى منهارة على أقرب مقعد، لجأت للصراخ وتلك هي حيلتها الوحيدة
لا تعلم كيف أتتها القوة حينما كانت على ارض مكتب جدها لتستقيم من جلستها متوجهه نحو عربة الاسعاف، تتشبث بكف جدها وهو الشخص الوحيد المتبقي لها من حياتها.

عضدها، وصخرتها، أمانها، هو ببساطة كان لها خير والد حينما حرمت من طعم الام والاب
أغمضت جفنيها وهي تعض على شفتها السفلى، الدموع لا تتوقف
والألم ينبض بقوة
والجسد ما عاد يتحمل
ما أن وضعت قدميها على أرضية المشفى اتصلت به
لا تعلم كيف فعلتها، من بين الجميع بعد جدها لجئت اليه، حاولت عبثا التذكر ماذا قالت له.

لكن لا شئ تتذكره، لا شئ سوى أنها بين جملة والأخرى كانت تلتقط أنفاسها بصعوبة ثم أغلقت المكالمة بعد ان استمعت الى صوت ابن عمها أنه في غرفة العمليات..
ارتفع رأسها على نداء لاسمها
- وجد طمنيني
تمنت أن يكون هو، صاحب العينين الخضراوين الا أن لسوء حظها لم يكن، سالت الدموع من عينيها وهي تفتح فاها ليخرج صوتها متحشرجا من البكاء
- مش عارفة يا وسيم، كنت بفوقه مش عايز يصحى وانا خايفة يسبني.

لم تنتبه إلى إصابة وجهه ولا بالتي لحقته من خلفه، كانت في صومعة بمفردها، تعاني الألم بمفردها
انكمش جسدها حينما شعرت بذراع وسيم تلف جذعها العلوي ليميل هامسا بصوت دافئ
- اهدي يا حبيبتي، اهدي
حاولت كبح دموعها، حاولت الا انها اخرجت شهقة مؤلمة تحاول باقصي قدر تسحب هواء ثم تنفجر بانهيار
- مكنتش عارفة اعمل ايه يا وسيم، معرفتش اتصرف.

نظرت جيهان بأسف شديد وهي تشعر بالعجز عن تقديم المساعدة، الا ان ذلك التقارب بينهما جعل نار الغيرة تشتعل في وقت غير مناسب، لكن اللعنة، منذ متي هي لم تشتعل بنيران الغيرة بمفردها، اشاحت وجهها للجهة الاخري وهي تسمع نبراته المطمئنة
- اهدي ارجوكي اهدي، متقلقيش هيبقي كويس
انتفض جسدها حينما نادي اسمها، لترفع رأسها بحدة ممتعضة الوجه إلا أن غيرتها الغبية انطفأت حينما رأت نظرة الألم في عينيه الباردتين.

عينيه الزرقاوين التي توقعت انهما عبارة عن قطعتين من ثلج، فغرت شفتيها قبل ان تبلل طرف شفتها السفلي حينما همس بصوت متوسل
- خليكي معاها.

هزت رأسها موافقة لتتخذ المقعد المجاور لها، مربتة على ظهرها دون النطق بحرف، زفر وسيم بألم وكدمات وجهها بسبب ذلك ال جعله يشعر بالخدر في وجهه، رأي ابن عمه مع الطبيب حاول ان يستشف من ملامح ابن عمه اخبار جده، الا ان تصلب ملامح وجهه استرعى القلق، اقترب منهما وحينما اقترب استأذن الطبيب مغاردا، تساءل وسيم بلهفة
- الدكتور قال ايه
ضم لؤي يديه في جيب بنطاله وهو يزفر براحة ليتمتم.

- كان هيدخل في ازمة قلبية حادة، بس ربنا ستر
اتسعت عينا وسيم هلعا، وهو يستمع إلى صوت لؤي المسيطر الجامد
- هيلتزم بالأدوية، ويحاول يبعد عن الضغط وهيبقى كويس
لم يكد وسيم يستوعب الصدمة التي هبطت على رأسه، منذ متى جده الصلب القوي يتعرض لشئ يسبب له ارتفاع الضغط الا ان كان جلل؟!
انتبه إلى صوت انثوي ساخر يصدر من خلفهما
- المرة الجاية فكرني ابقي اوديه العناية.

ادار وسيم رأسه لتقع عينيه على فتنة في الارض بقدمين، امرأة ملامحها وجهها الاغواء
ونظرات عينيه تدعو للخطيئة، ادار وجهه الى ابن عمه الخشن الذي صاح هادرا بحدة لأول مرة يشهدها من ابن عمه
- اخرسي خالص، حسابك لما نبقى لوحدنا
رمش وسيم اهدابه عدة مرات، هل تلك الاصابة اصابته بهلاوس سمعية وبصرية أم هو يتخيل بعد، الا ان الفتنة مازالت في جلستها المسترخية وابن عمه الجامد، الصلب بدي فاقدا للسيطرة بالقرب من المرأة.

لكن من تلك المرأة التي استطاعت أن تفعل ما عجز الجميع عن فعله؟، تنحنح بحرج
- مين الانسة دي
ابتسمت اسيا بجفاء شديد وهي تضع ساقا فوق الأخرى لتجيبه ببساطة
- تقصد المدام بتاعته
فغر وسيم شفته بصدمة وهو ينظر اليهما، غير مصدقا ان ابنه عمه يتزوج من امرأة كتلك ليغمغم
- مدام!
زفر لؤي بحدة وهو يجيبه بوجوم
- بنت عم ادهم.

رفعت آسيا اناملها الطويلة تحيه ببرود شديد وابتسامة ماكرة، وزرقة عينيها تلمعان بوهج شرس جعله ينظر إلى ابن عمه قائلا
- انت مش قولت انها ماتت
اخذت آسيا الرد بالنيابة عن هركليز الذي بدا فاقدا للسيطرة ليقول
- كنت ميتة، بس حسيت ان الموت مش مريحني قولت لما اصحي
خرجت من شفتيه ابتسامة ميتة ليتمتم إلى ابن عمه
- لا وبتهزر كمان
لم يكترث لؤي للرد عليه، غمغم ببرود.

- انا كلمت جميلة هانم، علشان مفيش داعي تيجي، هو هيقضي ليلته هنا وبكرا الصبح يرجع البيت
هز وسيم رأسه متفهما ليربت على عضد ابن عمه قائلا بابتسامة ساخرة
- ربنا يسترها معاك واضح كده ان فيه حرب قادمة
هزت اسيا رأسها مؤكدة على حديثه ليهز وسيم رأسه غير مستوعبا للحظة أن تلك ابنة عمه، ملامح العداء والكره لا يمكن اخفاءه من تقاسيم وجهها المليح
ليسمع إلى صوت لؤي المقتضب
- خاف على نفسك بقي.

رفع وسيم رأسه نحو ابن عمه متسائلا
- انت ايه اللي خلاك تجيبها
زفر لؤي بحدة، ماذا يجيبه أنه وثق بشيطانته إلا أنها اخلت بوعدها
ومنذ متى الشياطين تفي بوعدها؟!، لولا انها يخشي على عمته لحبسها في جدران القصر الذي سيكون سجنها الوحيد لباقي من عمرها القادم
- مقدرش احط البنزين جنب النار
عبس وجهه للحظات وتجهم حينما رأي الكدمات المتفرقة على وجه وسيم والدماء الذي جف على انفه ليسأله بعبوس
- ايه اللي حصل في وشك.

انفرج عن شفتي وسيم ابتسامة ساخرة ليجيبه
- انت لسه فاكر، كنت بتمرن في الجيم بس بخشونة شوية
هز لؤي رأسه وهو لا يصدق مزاح ذلك الغبي في ذلك الوقت، تنهد وسيم بارتياح ليعود ببصره نحو وجد المنهارة بالبكاء ليتقدم نحوها وهو يهبط بجذعه أمامها هامسا بصوت اجش
- وجد، وجد.

رفعت وجد وجهها وهو يرى ملامح وجهها التي اشرقت ثم ما عادت تنظر اليه بخيبة، عقد حاجبيه وهو يحدق في تقاسيم وجهها ثم إلى دموعها ليزلها برقة شديدة وهو يرى تلك الصغيرة رغم تخطيها حاجز العشرين إلا أنها صغيرة جدا
وسهلة للعطب
همس بهدوء شديد وعينيه ترتفع إلى جيهان التي تنظر اليهما بملامح غير مقروءة وجامدة الا ان تلك الشعلة النارية في عينيها يراها مهما حاولت ان تخفيها لم تفت عليه
- هو كويس دلوقتي.

اطلقت شهقتها الأولي للحياة وهي تحدق اليه بعدم تصديق هامسة
- انت بتتكلم جد يا وسيم، مش بتضحك عليا
ابتسم بحنان شديد وهو يضم كلتا وجنتيها براحة يديه قائلا
- والله كويس، اهدي بس انتي
ضربت جيهان بكلتا يديها على فخذيها لتمتم بحنق
- يا صبر ايوب يا رب
كشر وسيم عن أنيابه قائلا بحدة
- عندك كلمة عدلة قوليها، مفيش مسمعش صوتك
رفعت جيهان حاجبها بشرر لتهمس
- والله لولا الظروف دي يا وسيم كنت عرفتك مقامك.

استقامت من مجلسها وقد ضاق بها ذرعا، اليوم تري جانبين لم تراهما قبلا من وسيم، الجانب المتهور وفاقد السيطرة، وجانب آخر مائع تود أ تلقيه في أقرب مكب نفايات، استمعت إلى همسته الدافئة ويداه التي تتمسك بوجنتيها، لتنظر اليه بحنق
- شوية وهتشوفيه يا وجد، بلاش عياط ارجوكي
لقد اكتفت من تلك النحنحة المائعة لتصيح بحدة
- رايحة اجيب حاجه اشربها.

همس وسيم بصوت أمر وعيناه تحدقان في صغيرة العائلة التي تتوسل الحماية من نظرة عينيها
- جيبلها ماية معاكي
كادت السبة تخرج من شفتيها إلا أن ابتلعت الشتيمة حينما نظر إليها تلك النظرة القاتلة
ذلك التوسل المشبوب بعاطفة اضعفتها
سبته وهي تسمعه يهمس بصوت دافئ
- من فضلك يا جيهان.

استدارت بحدة مغادرة، ترغي وتزبد، تلعن استسلامها الذي دائما يلاقي صدد لنجاحاته، توقفت عن السير وهي تدقق النظر إلى شخص ما بعينه لم تراه منذ مدة طويلة
نظرت إلى العكاز الذي يستند عليه ثم إلى ذراعه المغطاة بجبيرة لتمتم بصدمة
- عاصي.

اقتربت منه بغية الاستفسار عن حالته والاطمئنان عليه، إلا أن تخطاها متوجها نحو الردهة التي قطعتها منذ قليل، عبس وجهها ونظرت اليه بفضول، قادها فضول للحاق به وهي تراه يقف فجأة مما جعلها ترفع بصرها نحو ما جعل وقفته تتخشب لتلك الدرجة، وجدت ان لا يوجد احد سوى وسيم الذي يضم صغيرة العائلة لعناقه، عادت عيناها تستفسر ان فهمت ما طرأ على عقلها لتجده يضغط أصابعه بعنف على عكازه قبل أن يستدير على عقبيه مغادرا، وكالعادة لم يلمحها، معقود الحاجبين، مكفهر الوجه لترفع ببصرها نحو وسيم وتلك تضمه بقوة لتعود ببصرها نحو الآخر المغادر بعجل لتهمس بشقاوة.

- ده واضح ان احنا هنتقابل كتير الفترة الجاية.

ترجل نزار من سيارته ويلحقه غسان شقيقه الذي ما أن سمع خبر سقوطها مغشيا عليها في منزلها من فريال حتى ترك جميع أعماله وتوجه نحو المشفى الاستثمارية، اقترب من موظفة الاستقبال ليسألها بعنف وحدة جعلت موظفة الاستقبال ترفع رأسها بتعجب، الا ان غسان تدارك الامر وهو يتخذ الأسلوب الناعم لجر الانثى، رغم وجه الموظفة الجدي الا انها زفرت بحدة وهي تنظر عبر حاسوبها ثم ترفع رأسها تخبرهما ببرود عن الطابق القابعة به..

هرول متوجها نحو المصعد الا انه بعد مرات عديدة ضاغطا على زر الاستدعاء لم يفتح، تأفف بحنق وهو يسمع إلى نبرات اخيه المطمئنة، إلا أنه ليس مطمئنا
ليس بعد، ليس هي ولم اعتزلت الجميع وقررت أن تختبئ وتضع نفسها في صومعة خاصة، إلا انها هذا لم يمنعه لقرع باب منزلها، مرة تقابله فريال زوجة شقيقها، ومن ثم وقاص شقيقها الذي كره مجيئه اليومي وأخبره حينما تستعد لمقابلته ورؤيته سيتصل به.

وهو ولغبائه وافق، لم يستطيع أن يفرض نفسه في منزل الرجل بدي غير مرحب به لزيارته البائسة التي تنتهي بالفشل، لكنه لن ينكر مساعدات فريال التي تطمئنه وتعطيه املا هي تقتله في مهده...

استقل درجات السلم وكل خطوة يحاول مسابقة الزمن، تعالى نبضات قلبه وهدف واحد هو الذي يضعه بين ناظريه، التقط انفاسه المتأججة حينما وصل للطابق المنشود ليتقدم نحو الردهة متسائلا ممرضة بجزع عنها، اشارت الممرضة نحو غرفتها ليسارع وقلبه من يقوده نحوها وما أن رأى بعض الوجوه القريبة لعائلتها تسائل بقلب مرتجف
- امانة طمنوني رهف منيحة فيها شي.

رفع نضال رأسه بملل وهو يرمي كيس الثلج الذي جلبته له اسرار منذ دقائق لتسود عينيه قتامة وهو يستقيم من مجلسه قائلا بحدة
- وانت جالك عين يا حيوان تسأل عنها
لم ينتبه للعداء في صوته بل عينيه معلقة على الباب الذي تقبع محبوبته، اتسعت عيناه ذهولا حينما اطبق عليه نضال ممسكا اياه من ياقة قميصه ليصدر صوت انثوي حانق
- نضال ارفع ايدك عنه.

جز نضال على اسنانه صارخا بحدة وهو يحاول المحافظة على امساك قبضتي يديه في ياقة عنقه كي لا يلكمه، اللعنة على الحب، هل هذا ما يصل إليه الحب بعد كل تلك التضحيات؟!
انفجر نضال صارخا بحدة منفجرا في وجهه
- اسيبه!، هي دي الامانة اللي تحافظ عليها، ده انت مش عارف تحافظ عليها وهي لسه في بيت اخوها، اومال لما تبقى مراتك هتعمل ايه.

زفر نزار متنهدا وهو يحاول تهدئة اخيها الا ان الصوت الأنثوي يقترب منهما لتصيح بحنق في وجه نضال
- سيبه يا نضال
ارتسمت ابتسامة قاسية على شفتي نضال ليصيح بحنق
- مش سايبه، وانا اصلا بتلكك عشان افسخ، امشي من هنا ومفيش عندنا بنات للجواز
التمع الشرر في عيني نزار ليزيح بحدة يدا نضال عن ياقة قميصه ليقترب منه صائحا بتهديد شرس
- ليك ياعيني رهف مرتي ومافي حدا بالدنيا كلها بيقدر يبعدني عنها فهمااان.

رفع نضال حاجبيه بسخرية ليشد قامته قائلا ببرود
- وانا بمنعك هنا، هتعمل ايه يا حيلتها
جز نزار على اسنانه محاولا المحافظة على سيطرة اعصابه، ليهسهس بحدة
- لك لو مانك اخوها ومقدر حالتك كنت فرجيتك
وهل جاء ذلك الشامي ليعلمه في أرضه؟!، رمقه نضال بسخرية وهو يتعمد الاهانة والتحقير من شأنه
- كنت ايه بقي يا حيلتها.

ربت نضال بكلتا يديه باشمئزاز على منكبي نزار الذي يضم قبضة يديه بعنف كي لا يقوم بشئ لا يحمد عقابه حاليا، صدر صوت خشن من خلف نزار
- لك شيل ايدك عنه
شامي اخر الان، قلب نضال عينيه بملل ليرفع نظراته نحو الذي يشبه ذلك الشامي ليقول بسخرية موجها حديثه لذلك الذي يصطك ضروسه بعنف
- ايه ده، جبتلك حارس، فاكر اني مثلا هكش منه ومش هقدر عليك
هزت اسرار رأسها بيأس، وضعت جسدها حائلا بينهما لتهمس بنفاذ صبر.

- نضال كفاية كده ارجوك، بلاش شغل الدراع ده
تفاجأ بصوت ممرضة التي صاحت بصوت حازم
- الصوت يا اساتذة، احنا هنا مش في مول، احنا هنا في مستشفي محترمة وانتو بتزعجوا المرضي
رمقها نضال بسخرية باطنة، وهو يتعمد التحقير بعينيه نحو هيئة المرأة التي بنظرة عينيه الخبرتين تجاوزت منتصف الثلاثين ليجيبها بفظاظة
- روحي يا شاطرة شوفي شغلك مش نقصاكي هي.

اتسعت عينا الممرضة بحدة لتزم شفتيها بحدة الا ان اسرار سارعت بتهدئة الأوضاع هامسة
- انا اسفه، هو قلقان على اخته
رشقته الممرضة بنظرات محتقرة هي الأخرى مما جعل عينا نضال تتسع بتفاجئ مسلي وهو يغمز بعبث بأحدي عينيه جعل الممرضة تشيح بوجهها سريعا لتنظر نحو المرأة لتقول بصوت حازم
- صدقيني لو تطاول عليا، كنت جبتله الامن يطلعوه برا
انفجر نضال صائحا في وجهها بعصبية.

- انتي بتكلميني انا يا انسه، مين ده اللي تطلعيه برا.

برزت العروق في عنقه لتنظر الممرضة اليه بتحدي، قابلت المجانين وحتما هو ليس بواحد بعيد عنهم إلا أنه في هندام مهندم، الا ان الكدمات في وجهه وتصرفاته يجعلها تعلم أن الرجل مجنون، مجنون من الدرجة الأولى، همت بالرد عليه ثم اتخاذ الإجراءات إلا أنها تراجعت ما ان ظهر وقاص الغانم، الرجل الذي يملك المستشفى بالقرية وكل ما بها، خفضت نظراتها وهي تتوجه نحو عملها ليصيح وقاص نداءه الأجش
- نضاااال.

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي نضال واقترب من أخيه قائلا بتحذير نحو نزار
- حامي العيلة طلع، وانت عالله اشوفك قريب منها
هزت اسرار رأسها بيأس ثم عادت بعينيها تعتذر نحو الرجلين، اقترب نضال من وقاص الذي خرج من غرفة رهف وتبعه الطبيب ليسأل باهتمام وعينيه تفيض قلقا
- مالها
هز وقاص رأسه ليغمغم بصوت مسيطر
- جالها اغماء من عدم الأكل، علقوا المحلول وطمني انه مفيش داعي للقلق.

اتسعت عينا نضال ثم ما عاد ليعبس قائلا بحدة
- وانت سايبها كل الفترة دي مبتأكلهاش
عاد يذكره بالماضي، يعيد فتح الجروح التي لم تبرأ بعد
- وانت لما كنت مكاني معملتش حاجه ليه
اطبق نضال شفتيه ناكسا رأسه ارضا، تظاهر الجميع بالنسيان لن يجعلهم ينسوا
أجاب اخيه بفظاظة
- لان انا مليش مكان وسطكم وقتها، كنت الشخص المنبوذ بينكم، عايزيني اقرب منها عشان تكش مني اكتر.

ما زال يجنح بنفسه عنهم، هز وقاص رأسه قبل أن يصيح بنبرة حازمة
- رهف اختك زي ما هي اختي، اتصرف انت يا اخوها
رفع نضال عينيه مندهشا وهو يتطلع نحو اخيه بعدم تصديق، يعطيه البطاقة الخضراء للاقتراب من الصغيرة كما رغب أن يحميها منذ ذلك اليوم، اليوم الذي لأول مرة عانق رهف قبل أن تمر في سلاسل بدت لا نهائية للعلاج.

بقدر عظم جرمته وشعوره بالقرف من نفسه ذلك اليوم، إلا أن جزء عنيد اخبره، يجب أن يتعلم المرء بأصعب الطرق الدروس كي لا يتجرأ للتفكير مرة أخرى
توجه نحو غرفة رهف لترتسم ابتسامة هادئة على شفتي وقاص، مد يده نحو هاتفه عازما الاتصال بفريال التي طلب منها الجلوس في المنزل رغم رفضها ليستمع إلى صوت اسرار اليائس
- انت بتعمل ايه يا وقاص
اجابها بهدوء شديد
- نضال محتاج يحس بأهميته في العيلة، وأنه منا.

القت نظرة نحو الرجلين اللذان يتبادلان الحديث، لتعيد النظر الى وقاص قائلة بيأس
- ده بيتخانق مع دبان وشه
هز رأسه بلا مبالاة قائلا
- انا هطمن فريال، زمانها قلقانة وانتي اقعدي استريحي وهخلي حد يكشف عليكي
هزت رأسها وقد اسعدتها مبادرته بالاهتمام لتهمس
- انا كويسة بس تعب المشوار من العاصمة لحد القرية
عنيدة كما الاخرى، امسك ذراعها ليوجهها نحو الكرسي لتجلس عليه على مضض وهو يقول بصوت امر.

- خليكي هنا، وانا هشوف حد يهتم بيكي
القي غسان نظرة نحو الرجل الذي منذ قليل يهدد شقيقه ليقول بنبرة ساخطة
-مبين انو مو طايئك يازلمة
نظر نزار نحو الباب الذي اغلقه نضال خلفه لتتسع عيناه وهو يقول بنبرة حادة
- طيب بعد هيك، انا رح افوت
لحقه غسان وهو يحاول ان يعيد التعقل بشقيقه متمتما
- يا مجنون.

إلا أن الشقيق فتح باب الغرفة وأغلقه خلفه مما جعل غسان يتطلع نحو الباب بيأس شديد ليتخذ ركنا ليستند بجسده عليه، منتظرا الإشارة للتدخل ان اقتضى الامر!
استقام نضال من مقعده بحدة وهو ينفجر في وجهه هادرا بجنون
- انا مش قولتلك متقربش منها
رفعت رهف رأسها بضعف لتمد يدها تلمس كفه لشقيقها هامسه
-نضال متقلقش
هدأت ملامح وجهه العدائية ليقترب منها هامسا بقلق
- بس
ارتسمت ابتسامة واهنة وهي تمتم
- متقلقش، هبقى كويسة.

زفر نضال بحدة ليميل مقبلا جبهتها لتمد رهف متمسكة كفه بقوة متطلبه حمايته جعل نزار يزفر بحدة، رفع نضال عينيه لينظر بعداء شديد قائلا
- شايف، مترين، مترين مسافة بينك وبينها، ارجع الاقيك محافظ على الحدود دي
استدار نضال راحلا غير ناسيا أن يرشقه بنظرات حارقة ليهز نزار رأسه يائسا قبل ان يقترب منها متأملا تقاطيع وجهها المليح
والشوق اضناه
وعينيه تتعلق دون ثانية للافلات من النظر لعيني محبوبته التي هجربته ببساطة.

يعاتبها ببساطة
ثم يسألها بعينيه ألم تشتاقين كما اشتقت
فغرت رهف شفتيها الا انها أطبقت شفتيها بعجز ورفض لترتسم ابتسامة مؤلمة على شفتي نزار وهو يتمتم
- طيب قولي كيف حسنتي تعملي فيني هيك وتوجعيني بهالطريقة
أغمضت جفنيها ورصيد عذابه يضاف فوق عذابها، لتحاول السيطرة على حالتها الهائمة لتغمغم وهي مشيحة وجهها عنه
- نزار، اعتقد انه مفيش داعي انك تيجي هنا، احنا انفصلنا
جلس على المقعد المجاور لها ليهمس بصوت دافئ.

- طيب احكيلي واجهيني رهفف
لما يعذبها بتلك الطريقة
بطريقته الناعمة، الدافئة وهي توقعت هجرا وغضبا منه هو الاخر، الا انه يعلم ان تلك الطريقة لربما زادت من عنادها واصرت على رفع شجار وانفصال لمدة اطول، شهقت بعنف حينما امسك ذقنها لتنظر إلى عينيه المتألمتين كحال قلبها
- مافكرتك خويفة هالقد يارهف، لي عم تعذبينا نحن الاثنين يارهف ليييييش قليلي كرمال الله فهميني لي عم تعملي فينا هيك.

شهقت بألم لتجهش في البكاء وهي تهمس بقسوة
- لان انا وحشة، انت ليه هنا، هااا، ليه هنا بعد كل اللي قولته
ارتسم شبح ابتسامة على شفتيه ليهمس
- لانو كلااامك كله عبعضه مافات على مخي رهف
اجلت حلقها وهي تحاول عبثا التحاشي عن مقابلة عينيه لتهمس ببرود
- صدقني دي الحقيقة يا نزار، وارجوك سبني
زفر نزار بحدة، ليرفع عيناه نحو السقف محوقلا ليعيد نظره اليها قائلا بحدة.

- ليكي رهف انا سكتت هالفترة يلي فاتت منشان ترجعي تحكيلي كل شي بس انت طبعا خفتي وقطعتي كل شي بيناتنا من حالك لك مكالماتي ما رضيتي تردي عليها، ولما اجيت لعندك وقاص حكالي اعطيكي شوية وقت، بس والله معد فيني اتحمل قدري مشاعري يااارهف حسي فيني كرمالو لله
أزاحت يده عن ذقنها لتغيم عيناها سوادا كحال عقلها و كوابيسها لتمتم.

- عندك طاقة غضب وقلة الحيلة وخيال بس، اما انا اللي عشت التجربة يا نزار، خسرت فيها حاجات كتير واولهم انا، عارف بحاول بصعوبة ازاي اواجه الناس ونظراتهم اللي ملحقاني
مال نزار ليجلس على المقعد وهو يسألها اخر سؤال تتوقعه أن يسأله في ذلك الموقف
- بتحبيني رهف؟
اتسعت عيناها جحوظا وهي ترمقه بنظرات مبهمة لتمتم رهف بحدة
- نزار
أصر على رفضها قائلا
- ردي عليي بتحبيييني
اخفضت رهف عينيها نحو يديها لتزفر وهي تجيبه بحدة.

- انت عارف اني بحبك يا نزار
تهدجت انفاسها وتوردت وجنتيها جراء ما قالته الا ان نبرته الحادة الغاضبة صعقتها
- لا انت كزااابة انت مابتحبيني
رأي الصدمة في عينيها
ثم الذهول، لتدارك وهي تحاول ان تزيل تلك التهمة المجحفة في حقها، ليقترب منها قائلا بخشونة.

- اي ليش عم تطلعي فيني هيك انت ماحبيتيني رهف، اسمعيني رهف الحب ثقة متبادلة واحترام وتفاهم بس، بس انت مو شايفتيني قد ثقتك هي، طيب طالما انا مو أد هالثقةهي، ليش وااافقتي عليي رهف لييييييش
نظرت اليه وهي تتطلع إلى تعابير الغضب والالم المحفور في وجهه، رق قلبها وهي ترى ذلك السواد أسفل عينيه، هل عاني كما عانت هي؟

همت بالرد عليه واخباره انها تثق به، بل انه الوحيد الذي دفعها للاستمرار في حياتها البائسة واعطاها لونا، الا انه صاح مقاطعا لأي حديث من جهتها
- ليكي رهف الزواج مو كله ايام وردية، الزواج اخد وعطا يعني متل مو حقك تلاقي حضن ودفا واحتواء انا من حقي لاقي هالشي، حقي اتشارك انا وياك كل لحظات حياتنا المرة قبل الحلوة هيك لازم تكون حياتنا رهف مو نعيش بس المشاعر واللحظات الحلوة ونزت الباقي.

تلون احمرار الحرج في وجهها لتهمس معارضة
- نزار انت عارف اني مقصدش
قاطعها نزار بنبرة يكاد بها يفقد سيطرته معها
- مابأصدك مو؟مابقصدك رهف، لك انت اجيتي دبحتيني بكلامك بكل قسوة، بتعرفي بشو حسيت وقتها؟حسيتي شو صار فيني وقت شفت حالك، لك كان جاي عبالي اقتلك وبنفس الوقت احضنك، حسيييتي بشعوري وقتها حسييتي؟
قسوة كلماته، جعلها تفيق من بؤسها الوحيد وتري جانب ما عاناه ذلك الرجل الذي اذته وكل ما فعله انه احبها.

احبها بصدق، سالت الدموع من عينيها لتشهق بذعر حينما أمسك عضدها بفقدان سيطرة
- اصحي لحالك رهف، في غيرك مروا بيلي مريتي فيه بس ما لقوا حدا جنبن وكانت نهايتن ماساوية، بس انت عيلتك وقفو جنبك يارهف واحمدي الله انو ماقتلوكي منشان مايخلصو من عارك متل مابحكو بعض الناس
رفعت راسها بحدة حينما ضغط على جرحها النازف، لتتجهم ملامحها وهي تجيبه بألم.

- عيلة، انت تقصد بابا وماما اللي معرفش حاجه عنهم، واحدة ما صدقت جيه الاخ الكبير رمتني ليه وكأني عبئ عليها، والاب اللي كان بينقلني من كل مصحة والتانية خوفا على اسمه بعد عملة بنته، مش كلنا بنلاقي دفا العيلة يا نزار، مفيش حد كامل
ترك يده من عضدها ليتطلع إليها وهو يحدق في كلتا عينيها الدامعتين، هم بازالة الدموع من عينيها الا انه تفاجئ بفتح الباب وصوت اخيها الخشن يصيح ببرود
- الزيارة انتهت.

ألقي نظرة نحو رهف التي انكمشت حول نفسها لينظر الى اخيها قائلا ببرود
-رااجعلك لانو ماخلصت حكيي لسا
اجابه نضال بنبرة مستفزة
- ده في أحلامك
ولجعل نضال يكاد يحترق غضبا، تجاهله، تلك الفئة من الناس لتنتصر عليهم يجب أن تتخذ التجاهل سلاح، ليس ضعفا بل قوة
فالرد على السفيه الصمت، اقترب من شقيقه غسان الذي يغلي غضبا ليسمعه يتمتم حانقا
- جاي عبالي اخنق وريح هالدني منو
اقترب مربتا على ظهر شقيقه قائلا بهدوء.

- غسان اهدى كرمالو لله مو ناقصني مشاكل
انفجر غسان بهدر وهو يحدق في شقيقه بعدم تصديق
- لك مو شايفو لهالجحش كيف يحكي شروي غروي، انت بس اتركني عليه لهالواطي الحقير
صاح نزار بنفاذ صبر
-غسااااان
كل وعيده يصبه في تلك اللعينة التي افسدت حياة شقيقه وقلبتها رأسا على عقب
سترى تلك بيسان، ستري ما هو بقادر على فعله، لن تفلت من عقابه ابدا
والأيام بينهما خير دليل!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة