قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث والستون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث والستون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث والستون

حدق معتصم ابنائه بقليل من الضجر، الصمت يأكلهم وكأن على رؤوسهم الطير، ألقي نظرة ساخرة نحو ابنه وزوجته اللذان يأكلان بصمت لينظر نحو ابنتيه الجالستان في مقابلتهما.

الأولي تعبث الطعام بشوكتها والاخري تأكل بصمت، بدد الصمت صوت القطة التي اقتربت من شادية لتميل شادية بجسدها تترك طبقها معتذرة لثواني، عاد يحدق في ابنته الأخرى التي تتناول الطعام بصمت عكس عادتها ليهز رأسه بيأس من تقلباتها ليتمتم بصوت خشن نحو ابنه وزوجته
- ويا تري ناوين تقعدوا لحد امتي
تلون وجه مارية الحرج لتنظر نحو ماهر الذي تمتم بهدوء
- واضح ان احنا مطولين شويتين.

عاد معتصم بنظراته ليري شادية أتت بطعام القطة ووضعت الطبق بجوار كرسيها ليغمغم ببرود
- ما تقعدوا هنا، ايه لازمتها تسافروا هناك
تنحنحت جيهان قائلة
- متنساش برضو يا بابا ان ماهر شغله مش هنا
زفر معتصم بحدة ليقول
- وايه الفرق بين شغل هنا وهناك، على الأقل هنا هكون مطمن عنه
ثم عاد ينظر بشرر نحو مارية ليصيح قائلا
- وبعدين انا مش حذرتك ابني ميبعدش عني
ارتعبت مارية من تبدل ملامح وجه حماها ليقول ماهر بجدية.

- بابا، صدقني مارية لحت عليا كتير ننزل بس الشغل هو اللي مانعني اني انزل
رفع معتصم حاجبا خطيرا ليتمتم
- بتدافع عن مراتك
وضعت مارية شوكتها جانبا ثم التفت إلى حماها قائلة بصدق
-لا والله يا اونكل، حقيقي شغله كان مانع ننزل في اقرب وقت
نكست رأسها وهي تمتم بهمس خافت
- حتى اسيا مش عارفة اوصلها
شعرت بيد زوجها توضع على مرفقها، لترفع رأسها والقلق ينهشها.

- اختي يا اونكل، قالتلي في آخر مرة انها هتكون هنا، بس بتصل بيها كتير مبتردش، حتى بحاول ادور عليها في اي اوتيل كنت قاعدة فيه مش لاقيه
هزت جيهان رأسها بيأس، لتمتم ببرود وعينيها تنظر نحو شادية
- يمكن مش عايزة حد يوصلها، ولا انتي ايه رأيك
توقفت شادية عن العبث بشوكتها لترفع رأسها مجفلة حينما حطت الانظار عليها لتهمس قائلة
- معرفش
ثم استقامت من مجلسها معتذرة بهمس خافت
- بعد اذنكم شبعت.

تبعتها القطة سريعا وهي تسير خلفها لتنظر بعبوس إلى والدها قائلة بتساؤل
- مالها
وهو الذي ظن انها تعلم ما تخفيه ابنته، اشاح بيده قائلا بجفاء
- معرفش، من اول ما جت وهي مصدرة الوش الخشب ده
علا رنين هاتف جيهان، دون حاجة لمعرفة اسم المتصل استأذنتهم قائلة بحرج
- عن اذنكم
نظر معتصم إلى ابنته الأخرى التي توجهت خارج المنزل ليعود بصره نحو المتبقي منهم، صاح بفظاظة
- ها، حد منكم عايز يقوم هو كمان.

هزت مارية راسها بحرج نافية
-لا يا اونكل
وضعت جيهان في فمها علكة لتضمغها وهي تمسح يديها بمنديل معطر دائما تحتفظ به في بنطالها، توجهت بأقصي سرعة لتفتح بوابة منزلهم وقلبها يخفق بجنون لرؤية ملامح وجهه
بعد عودتهم من المشفى انزوي هو في منزله دون كلمة، اقتربت منه وهي تري ملامح وجهه المكدوم قائلة
- وسيم، طمني حاسس بايه دلوقتي
رفع يديه مانعا اقتراب جسدها منه قائلا بحدة
- بلاش الشغل ده يا جيهان.

تراجعت خطوة وهي تنظر إلى عابسة الوجه، ثم ما لبثت أن انفجرت في وجهه قائلة
- يعني انت شايف اني خوفي عليك كدب مثلا، تصدق وتؤمن بالله انا اصلا غلطانة اني عبرتك
زمت شفتيها بحنق واستدارت مغادرة تاركة ذلك البارد، الجلف يعاني بمفرده، شهقت بذعر حينما احست بأصابع قاسية تلف حول عضدها وتديرها لتقع بصرها عليه
سكن جسدها وسكنت ملامحها وبقي هو يحترق من أجل تلك اللمسة منها.

عينيه تتأمل ملامح وجهها وعشقه الخفي لها لم يستطع أن يداره أكثر من هذا الحد، زحفت الحمرة في وجنتيها وهو يتمتم بصوت أجش
- لطاما انتي بتغيري اوي كدا، ليه بتعذبينا
اقتربت بتهور منه وهي تتطلع إلى قسمات وجهه المجهدة، رفعت اناملها بتهور تتحس الكدمة برقة خشية أن تؤذيه ليزمجر وسيم بوحشية وهو يقبض على اناملها بقسوة آلمتها
تأوهت بألم وهي تهمس
- مين قالك اني بعذبك
ازاح يدها وهو يتطلع إلى وجهها قائلا بسخرية.

- جيهان انا مربيكي على ايدي
عادت تدرس اللمسات المعذبة
تكتشف قرب ذلك الرجل البارد ظاهريا
والمشتعل كالجمر داخليا، رفعت رأسها وبالكاد أنشأت بسيطة تفصلهم من التلامس لتهمس بصوت ابح مغوي
- وهل يصح برضو علاقة بين اب وبنته
خرجت منه ضحكة ساخرة ليميل برأسه ناظرا نحو شفتيها المكتنزتين كدعوة للخطيئة غير قادرا على رفضها ليتمتم
- عايزة تقوليلي خلفتك وانا عندي 8 سنين مثلا
زفر بحدة ولفحت انفاسه الحارة في وجهها.

عذاب قربه أهون بكثير من عذاب بعده، تمتمت بها وهي تسمعه يصيح بنفاذ صبر
- انا تعبت من اللف والدوران ده
بسمة ظفر اعتلت شفتيها وهي ترفع عينيها الناعستين تهمس بإغواء خطير تعلمته
- صعبت عليا يا حرام
امرأة يكاد يموت شوقا للأقتراب من جنتها المحرمة، دعوتها مغرية، مغرية جدا له
إلا أن صورة الأب، ووعده له بأن يحافظ عليها حتى من نفسه جعلته يتراجع خطوة، والأغواء والقرب يضعفان عزيمته.

- جيهان متخلنيش افقد اعصابي، متلوميش غير نفسك في الاخر
صاح بها بحدة والنبض في عرقه النابض يكاد ينفجر، وضعت يديها في جيب بنطالها وهي تقول بتحدي
- هتعمل فعل فاضح قدام بيتي ووسط أهلي
اعتلي الرفض والنفي في عينيه ليجيبها بنبرة قاطعة
- انت عارفة اني استحالة اعمل كدا
الشجاع المغوار الحامي بالنسبة لوالدها، اقتربت منه وهي ترفع قامتها لتصل لطوله ثم لفت كلتا ذراعيها حول عنقه وهي تميل بشفتيها قرب شفتيه هامسة.

- بس الحقيقة صعبة لانك مش قادر تلمسني صح
الظلمة في عينيه ارضتها
أنامله التي قست على ذراعيها جلبت لها نشوة
نشوة الظفر، وإرضاء لأنوثتها الجريحة لتسمعه يتمتم بصوت اجش
- جيهان
ربتت على صدره الصلب قائلة بنبرة مرتجفة محاولة السيطرة على أعصابها بعد حركاتها الجريئة بقربه
- اتهورت قبل كده كذا مرة، بس بتقدر تسيطر على اعصابك، بس المرة دي هتقدر تتحكم في اعصابك لحد امتي.

اختلجت عضلة في فكه والظلمة في عينيه لم تنقشع، إن كان هو يحترق بقربها
فهي ترتجف
ترتجف بخوف، واثارة، وعاطفة
صاح بخشونة شديدة وهو يتمتم بغلظة
- مستمتعة و انتي شيفاني بالطريقة دي
انسلخت بجسدها بعيدة عن قربه واحتفظت بعدة خطوات كمسافة آمنة لهما
- والله دي مشكلتك لوحدك تقدر تتصرف فيها
سب وهو يمرر أنامله بتوتر في خصلات شعره الكستنائية، يلعن، يلعن كل شئ
يلعن ضعفه بقربها منه، يلعن حاجته واحساسه بأنوثتها قربه.

يلعن القيود التي تمنعه عنها ليصيح بسخط
- مش قادر، وانتي مش بتساعديني
عاد يتطلع اليها، يري ارتجافات جسدها وعينيها الضارعتين، على الأقل ليست باردة كما تتظاهر
- انسي اي خلافات بينا، مش معقول هنقضي كل العمر نتخانق
رفعت حاجبا وهي تحدق به، هل مل من لعبتها؟
تمتمت بسخرية
- انا مش قولتلك ان انا مش بحب الراجل الأبيض بعيون ملونة باردة، لازم يكون اسمر وخشن.

حال انهت جملتها المهينة له صرخت بألم حالما امسكها من مرفقيها بخشونة
- ااه
هزها وسيم بعنف ليندفع قائلا بوحشية
- تحبي تجربي الخشونة بتاعتي، ولا عايزيني بين كل ليلة والتانية اتخانق مع
ارتبكت لتسدل اهدابها واحتقان وجنتيها خجلا من الشتيمة التي أخرجها من شفتيه لتهمس بخجل
- وسيم
رمقها وسيم بسخرية واضحة ليتمتم
- ايه خدشت حيائك
عضت باطن خدها لتجيبه بتوتر
- ميصحش، ميصحش تقول الكلمة دي، عيب.

فغر شفتيه ليردد كلمتها بتهكم
- عيب!
انفجر ضاحكا وهو يرمقها بعدم تصديق، هل خدشتها تلك الكلمة صغيرته العنيدة، هز رأسه يائسا ليسمعها تمتم بحنق
- انت بتضحك
اجابها وعينيه تطالع الشرر في عينيها بتلذذ
- اصلي مش مصدق، جيجي السويسري تقولي على شتيمة عيب
دبت على الأرض بحدة ثم بررت قائلة
- مكنتش متخيل انك بتقول الالفاظ دي
قلب عينيه بملل واضح وهو يجيبها بسخرية
- اصل خايف اخدش حيائك يا بنت السويسري.

ران الصمت بينهما وبقت هي متمللة في وقفتها أثر تحديقه العميق بها، وضعت يديها في جيب بنطالها تخفي أثر ارتعاش جسدها المفضوح لعينيه الثاقبتين لتسمعه يتمتم بصوت متعب
- هتحرريني امتي
مالت برأسها وهي ترد بصوت بارد
- وقت ما تحررني انا وقتها هحررك
عقد حاجبيه بحدة واقترب تلك المرة بغية صفعها لتتسع عينا جيهان من الشرر المظلل عينيه، كادت تصرخ مستنجدة إلا إن صوت جهوري خشن قاطعهما.

- الله، الله، ايه شغل العندليب ده اللي بيحصل في بيتي
تخشب كلا جسديهما ليحتقن وجه جيهان بخجل ووجه وسيم الذي دار على عقبيه مطالعا وجه حماه المستقبلي قائلا بابتسامة مرتبكة
- عمي انا كنت بس
قاطعه معتصم بفظاظة شديدة
- عمى الدبب، ده انت بكل بجاحة واقف في بيتي ولا همك حد ولا احترمت ان فيه اخ واب في البيت
احتقنت أذنيه خجلا لينكس رأسه قائلا باعتذار
- انا اسف والله بس انت عارف بنتك.

تنهد في جملته ليرفع عيناه مطالعا معتصم بخجل وارتباك، يقرأ نظرات الخيبة المرتسمة في عينيه، سرعان ما صاح معتصم بعصبية
- وانت ايه، مش راجل والمفروض عارف ان الراجل ميدخلش من الشباك.

اتسعت عينا جيهان دهشة وهي تري الرابط القوي بين والدها وابن الجيران، كانت تتوقع العلاقة لا تتعدى علاقة الجيرة التي تحكمها منذ زمن، لكن ما رأته من علاقة متينة، كعلاقة الأب مع ابنه، جعلها تجلي حلقها وهي تتطالعهما بتوتر لتسمع همس وسيم الصادق
- انا اسف بجد
أشار معتصم بحدة نحو بوابة منزله
- اطلع برا بيتي.

دون كلمة جدال استدار وسيم مغادرا دون أن ينسي أن يرمق جيهان نظرات حارقة جعلها لتشيعه بنظراتها لتسمع صوت والدها الأجش
- انتي يا بت تعالي هنا
استدارت تنظر إلى والدها الذي طالعها بحدة قبل أن يتمتم بجفاء
- سبتك لفترة يا جيهان تعلمي اللي انتي عايزاه، بس بكرا، بكرا تديني رأيك النهائي، فكري كويس لانه بقرارك هتحددي مستقبلك.

استدار راحلا وهو يهز رأسه برضي، يشعر بالرضا جراء ما فعله اليوم، سيترك الأشقر يتلظى بنيران الذنب والأخرى تعاني من السهاد.

رافعة ساقيها على الحائط، غالقة جفنيها، تلك الوضعية التي باتت من عادتها حينما تمر في أزمات لا تود أحد معرفتها، إلا أن مواء لولو بدد من السكون الذي تناشده، ارتسمت ابتسامة حزينة على شفتيها وهي تشعر بالقطة تقفز على بطنها ثم تدس بعنقها في صدرها، رفعت أناملها تمسد فرائها الابيض الناعم ثم تنهدت.

تشعر بالكآبة الشديدة منذ ما حدث في ذلك الصباح، اندفعت بثورة وأنهت ذلك السلام المبدئي بينهما، ولكن لا تشعر بالهدوء أو الراحة حينما ابعدته عنها.

حنق يعتريها، ومزاجها اسود كئيب، عضت على طرف شفتها السفلى وهي تفتح جفنيها تمر اناملها على الطوق الخاص بالقطة، لم تفهم مسبقا كنهه الكلام المكتوب في طوق تلك القطة، زفرت بحدة وهي تنزع الطوق وترميه جانبا لتمرر أناملها على عنقها مما جعل لولو تدس برأسها في عنقها، ابتسمت وهي تسألها هل انتهى كل شئ؟

ألن يتصل ويحاول مثلا؟ رفعت رأسها مجفلة صوت اشعار هاتفها الذي وضعته جانبا، لتهز رأسها بيأس وهي تغلق جفنيها مرة اخرى الا ان صوت اشعار اخر جعلها تزفر بحدة قبل أن تمد يدها لترى صاحب الرسالة، القت نظرة نحو لولو التي تدغدغها بفراءها الناعم ثم إلى الرسالة منه ومحتواها سأتصل بك تجهم وجهها وهي تسخر، هل بدأ يستأذن قبل الاتصال، مرت عيناها نحو الرسالة الثانية أجيبي من فضلك
القت نظرة نحو لولو لتهمس.

- بقي محترم ويستأذن و يطلب كمان
انتفضت واهتز يدها حينما اهتز هاتفها من اتصاله لتزدرد ريقها بتوتر وهي تنظر إلى القطة تسألها
أتجيبه أم ترفض حتى يعلم ان طرقه مغلقة؟!، عضت باطن خدها لتعود تستلقي على الارض مرة اخري وهي تجيب على مكالمته، وفضول اعتراها لمعرفة سبب اتصاله
جحظت عيناها وفغرت شفتيها بصدمة حينما استمعت إلى صوت اجش يهمس
- انا اسف.

لم تتوقعها منه نهائيا، لم تتوقع ان يعتذر، حاولت نفض الهوان الذي اعتراها حينما استمعت إلى اسفه لتجلي حلقها وهي تمتم بوجوم
- على ماذا بالتحديد انت اسف
استقام سرمد بحدة من مجلسه ليرفع كوبه الحراري وهو يتوجه بها نحو الشرفة، الله يشهد كيف بقي لساعة، ساعة واحدة يحاول ترتيب حديثه معها، ذلك التردد لأتصاله بامرأته التي آذاها بطريقة لم يقصدها، ثم كلماتها التي بدت كطلاسم.

أتعرفت على رجل قبل خطيبها وآذاها وجرح انوثتها لتلك الدرجة لتخشي من تكرار التجربة؟ واذا اذاها لما وافقت على خطبة رجل اخر وهو راها كم كانت تتوق للزواج من ذلك الرجل، زفر بحدة والاسئلة تطن في عقله ليغمغم بصوت خشن
- اسف على ما سببته لك، لكن انا متهور ووقح وعنيد وتلك الصفات لا استطيع أن أغيرها شاديااه بتلك السهولة
انتظر ردها بنفاذ صبر ليسمعها تجيبه بعد تنهيدة كتمتها في مهدها
- لا داعي للحديث، لقد انتهي.

خبط بعنف على الحاجز المعدني ليجيبها بنبرة خشنة
- لم ينتهي شئ شاديااه، انا لست بذلك السوء الذي تظنيه، رغما عني أتاثر بك كرجل وانتي جميلة جدا وانا رجل بالنهاية
استمع إلى شهقة خافتة منها، ومتأكد هو من تلون وجنتيها من حمرة الخجل، لياتيه تعثر لسانها اللذيذ وهي تهمس بأسمه
- سرمد لا داعي لقول تلك الاشياء
ضغطت انامله بعنف على كوبه الحراري، محاولا تهدئة وحوشه الجامحة كي لا يخيفها منه ليتمتم بحدة.

- متهور واندفع بغباء ووقح، هذا انا وانا معك فقط
قاطعته بصوتها الضعيف ليندلع سؤالا في عقله بجنون، ماذا تفعل أهي في فراشها بثياب قصيرة ناعمة مغرية، تاركة ساقيها عاريتين بدلال انثوي منها داخل حدود مملكتها، لعن تفكيره المجنون في ذلك الوقت حينما استمع إلى صوتها الهامس
- لست وقح فقط
زينت ابتسامة ساخرة على شفيته ليضع الكوب على الطاولة وهو يتمتم بصراحة
- وماجن ايضا.

صمتت وصمت معها والنسيم البارد يداعب وجهه، زفر وبدى صمتها هي الاخري علامة لرفض تبادل الحديث معه، ارهفت اذناه السمع إلى صوت مواء قطتها لترتسم ابتسامة ناعمة حينما تذكر لمعة عينيها وهي تحدق به بنظرة لم يراها مرة اخري
أشعرته أنه الرجل الاوحد في عالمها الذي أتضح ملئ بالرجال الاوغاد كحاله
شكرها ولطفها وضعفها ذلك اليوم، جعل قلبه يرق، غمغم بنبرة دافئة
- ما اخبار لولو؟

استمع إلى ضحكة خافتة منها وهو يسمعها تتحدث بلغتها الام، مرددة اسم لولو كثيرا، ليسمع شهقتها وهي تمتم بنبرة هادئة
- انها مشاكسة ومتطلبة كثيرا للدلال، وتتعبني بعض الاحيان لكنها تتعلم سريعا
استرخي جسده فوريا وهو يلاحظ تلك النبرة الناعمة كما حال الصباح، حينما كادت أن توديه قتيلا بثيابها الانثوية، استرخي على كرسيه وهو يسمعها تمتم بشكر
- هديتك تلك قيمة للغاية سرمد، لا أعرف كيف اشكرك حقا.

استغل حالتها الهادئة ليقول ببساطة
- ان تأتي معي في رحلة استكشافية
ران الصمت بينهما ليتخلله صوت مواء القطة من جهتها والنسيم البارد من جهتهه لتجيبه بتردد
- لا اظن سرمد، لا املك وقت
سألها بأندفاع شديد وهو يكاد يحترق لاجابتها
- هل تخشين مني لتلك الدرجة؟
لم تتردد وهي تجيبه بصراحة تامة
- نعم
على رغم شجاعتها وهي بعيدة عنه وفي الهاتف الا انه قدر صراحتها بالنهاية، مرر يده على خصلات شعره الكثيفة ليغمغم.

- اسف، ما وجب على اخافتك، ماذا فعل بك ذلك الحقير شادياااه؟
اجفلت شادية من سؤال لتستقيم في جلستها وهي تهمس بتردد
- عن من تقصد؟
لم تكد تنهي سؤالها حتى سألها بخشونة عنيفة تعلمها، تلك النبرة المتملكة به، كأنها باتت تخصه وحده، جعل الحرارة تندفع في اوردتها وانفاسها تتهدج حينما صاح بعنف
- ذلك القذر الذي تركتيه
علمت انه يشير على خطيبها السابق لؤي لتعدل صورته قائلة
- لا تشتمه سرمد، لم يكن لؤي سيئا معي مطلقا.

استقام سرمد من مجلسه قائما وهو يصيح بحدة
- من هو اذا؟ من هذا الذي يكون حاجزا بيني وبينك
علمت ذلك التيار الناعم بدأ يسير إلى اتجاه تخشاه، أن تفتح مكنونات قلبها العليل أمام شخص، حتى وإن كانت تشعر بجواره بالطمأنينة انه لن ينقض عليها مفترسا اياها ثم القوة؟!
نعم القوة التي تمتلكها امام ذلك الرجل، لتجبره اجبارا على تقهقهر جيوشه التي تستعد لغزوها، غمغمت بضعف
- سرمد انت لا تعي ما تقوله.

عضت باطن خدها وتصلها نبرة صوته الهائجة لتهز رأسها بيأس، لا فائدة ترجي من هذا الرجل
وللعجب يعجبها، بل تكاد لا تصدق رجل هذا بكل ما يمتلكه من مواصفات تجعل المرأة تخر راكعة متوسلة قربه، يتوسل هو منها!
انوثتها تنتعش وتزدهر بفضله
الدهاء والمكر لم يكن من شيمها ولكن ربما ستستخدمه لترويض ذلك الجامح
ارتجف بدنها واقشعر جسدها حينما صاح بتملك صريح.

- اللعنة نعم، اعي جيدا، من هو يا شاديااه؟ من هذا حتى استطيع ان ادفنه في باطن الارض
بسمة خفية ظللت شفتيها شاعرة بشئ المسمي بالظفر، التحكم به، لتلوي شفتيها قائلة بعبوس
- تلك حياتي الخاصة، لا دخل لك بها، أنا لا اتدخل في أي شئ خاص بك
تنهد بحنق ليغمغم بنبرة مقتضبة
- اسأليني وأجيبك
زفرت بيأس شديد، يريدها ان تزداد تعلقا به، همست بتوسل
- لا تفعل هذا، لا أود هذا حقا
غمغم هامسا اسمها بطريقته الخاصة
- شادياااه.

ردت باستسلام
- نعم
مرر سرمد انامله في خصلات شعره مرارا، عالما بالخطورة المقدم عليها بسؤاله ليسألها قائلا
- هل تكرهيني لتلك الدرجة؟ تنبذيني وتشعرين بالقرف بوجودي قربك؟
اطبق شفتيه صامتها لثانية قبل أن يهمس بخشونة
- كوني صريحة معي من فضلك
صمتت شادية لثواني محاولة استيعاب انه سألها سؤال كهذا، لم تتوقع من شخص مثله أن يسألها ذلك السؤال، ردت باندهاش
- انتم الايطاليون، تعرفون كيف تستدرجون امرأة.

عضت باطن خدها حينما استمعت إلى زفرته الحارة ليجيبها قائلا بحدة
- لا استدرجك، اود أري نفسي من خلالك
مسدت جبهتها لثواني وهي تعلم إلى أي طريق يدفعها، لتمتم بصراحة
- لست سئ ولست جيد ايضا، تدفعني كثيرا يا سرمد وانا لا طاقة لي لشئ بالكاد تكفيني للعيش بسلام
سألها بنبرة متشككة
- هل تتقززين من قربي؟

احتقن وجهها من الحمرة وهي تتذكر ملامساته الغير بريئة بالمرة، ليندفع الشعور بالندم والتقزز جراء صمتها ورضوخها، تحشرج صوتها وهي تهمس
- سرمد انت تدفعني لأكون، لاكون
اجابها ببساطة شديدة
- بين ذراعي
شهقت بدهشة واكتسي وجنتيها بالحمرة لتمتم بتلعثم
- هذا لا يصح سرمد، لا يصح ابدا، نشأتك الغربية تلك لا احبها، حتى مكالمتك، انت تجلدني، تجعلني اتقزز من نفسي، مضطرة لاغلاق المكالمة وامسح رقمي من هاتفك ارجوك.

خبط بعنف على الحاجز المعدني ليجيبها قائلا بحدة
- سأفعل حينما تذهبين معي ومع شقيقتك لرحلتنا القادمة، لاتقلقي مني يوجد مرشد وشقيقتك لن آكلك، سأبعث رسالة بكافة المستلزمات وموعد الانطلاق، كوني بخير من اجل نفسك
اغلق المكالمة ليتنهد متسائلا بحدة
لما هي عنيدة بهذا الشكل؟ لما تصر على دفعه للجنون وخروجه عن السيطرة دائما؟

لما تتعمد اختيار الطريق الاصعب لكلاهما، عاد ينقر في هاتفه باعثا ما قاله لها منذ دقائق قصيرة، ليرفع عيناه نحو السماء متمنيا
أن لا تخذله تلك المرة لتأتي!

تأخذها الأفكار، كأمواج تتلاطم دون رحمة
القلق يستحوذ على أفكارها، عانت من سهادها ليلا والخوف من المصير المحتوم يقتات من المتبقي من عقلها..
الجميع يطمئنها أن جدها بخير
لكن هي لم تطمئن بعد، لم تراه بعينيها ولم تسمع صوته الحبيب ليهدأ من روعها.

ويطمئنها أنه ما زال بجوارها، لا تريد أن تصاب بخيبة مرة آخري بعد أن وجدت نفسها وحيدة في رواق المشفى، وسيم ابن عمها برغم ما فعله أمس إلا أنه تركها عائدا لمنزله وهي لم تكن لتتزحزح من مكانها سوى من أمر لؤي أن تعود للمنزل إذ لا وجود سبب لبقاءها بعد إطمئنانهم على الجد..

أين هذا الذي هاتفته؟ لما لم يأتي، عضت طرف شفتها السفلي بألم، هل يراها هو الآخر طفلة، ليست أنثي من حقها الحصول على الحب، وإن كان يراها طفلة لما لم يهدأ من خوفها ويبدد من ظلام أفكارها..
تنهدت بألم وبعض الانانية تستحوذ تفكيرها، ربما لم يقدر على المجئ بسبب إصابته، ربما
وربما شعر بالحرج من وجوده بين عائلتها.

سرعان ما اندفع صوت داخلي يثور بإعتراض انها اندفعت إلى منزله دون تردد لثانية ما إن علمت بالحادثة، آن قلبها بوجع سبب قبضة مؤلمة في صدرها، حاولت عبثا أن تصب كامل اهتمامها لجدها لكن صاحب العينين الخضراويين زاد من جرحها
ذلك هو نتيجة تهورك الأبله يا وجد، لثاني مرة ظنتتِ أنه مختلف لكن يبدو لا فائدة، ستغلق صفحته نهائيا وستري ماذا ستجلب عمتها تلك المرة من عرسان يليقون بها كما تتمتم عمتها..

اجفلت من صوت لؤي الذي أعترض طريقها وهو يغمغم بنبرة هادئة
- ايه اللي خلاكي تيجي بدري، مش قولتلك ان احنا هنيجي الصبح
التمعت عيناها بالدموع وهي تحدق بأبن عمها، كانت عمتها تدفعها دفعًا للزواج به ولولا المتبقي من عقلها لربما أصحبت أمامه بصورة مشمئزة، نظرت إلى باضطراب لتلاحظ عينين زرقاوين تلمعان بشراسة اجفلها لثانية قبل أن تعود وتصب كامل تركيزها عليه مغمغة.

- معرفتش انام امبارح يا لؤي من غير ما اشوفه واكلمه
مرر لؤي انامله في خصلات شعره متنهدًا
- هو كويس متقلقيش
جادلته وجد بتصميم أشد
- مش هطمن غير لما اشوفه ارجوك
ارتفع صوت انثوي ساخر لتقول اسيا بسخرية
- متشوفيش وحش
اقشعر جسدها من نبرة لؤي الجهورية امام التي تدعو بزوجته
- مسمعش صوتك نهائي يا اسيا
لم يهتز ب آسيا شعرة واحدة لترفع حاجبها بمكر قائلة
- وده تهديد يا لؤي.

جز لؤي على أسنانه مصدرة اصطكاك عنيف في ضروسه، ليشيح بوجهه محاولا أن يتنعم بقبس من الهدوء ليتمتم
- حسابي لسه مخلصش معاكي
ضيقت اسيا عينيها الزرقاوين لتجيبه ببرود
- اعلي ما في خيلك اركبه.

ببطء شديد ابتعدت وجد عنهما لتتوجه نحو غرفة جدها، زفرت عدة مرات محاولة أن تتشجع وتتسلح بسلاح الهدوء والصلابة كما يتخذه وسيم، نقرت على بابه نقرة واحدة ثم فتحت الباب بسرعة لتتفاجئ به مستندا بجسده على الفراش يقرأ من القرآن، كحال كل صباح حينما تذهب إلى غرفته، ترقرقت عيناها من الدموع وارتجف جسدها حينما رفع غالب عينيه قائلا بصوت أبوي
- تعالي
اندفعت وجد بجسدها دافنة جسدها لتمتم بولع
- جدو.

ابتسم غالب وانامله تمرر على خصلات شعرها ليهمس بصوت حاني
- قلب جدو، بتعيطي ليه بس
رفعت رأسها وهي تحدق به بعنين معذبتين لقلبه، تنهد بتعب حينما استمع إلى صوتها المتحشرج
- افتكرتك هتسبني وتمشي
ارتسم ابتسامة شاحبة على شفتي غالب، رغم ألم جسده نتيجة لعناقها القوي وتشبثها به إلا أنه لم تظهر مسحة ألم على وجهه ليتمتم بصوت ضاحك
- وانتي فاكرة اني هسيبك كدا من غير ما اطمن عليكي.

تأملته وجد مليا، برغم صورته المريضة أمامها إلا أنه جدها برائحته المسكية، ودفء عناقه، مالت برأسها تستند على ذراعه لتهمس بتوسل
- انا كويسة يا جدو طول ما انت بخير، متقلقنيش عليك بالطريقة دي ارجوك
طبع قبلة على جبهتها لتغمض وجد جفنيها وراحة ملئت روحها،
تتنعم مرة اخري بذلك الصفاء والهدوء الذي تزعزع الليلة الماضية
اختفي الارق وحل محله الصمت ثم الخمول وهي تسمع صوت جدها يتمتم
- مش بأيدي يا حبيبتي.

انتبهت انها تستند عليه لتشهق بجزع وهي تحدق به بقلق قائلة بتوتر
- حاسس انك كويس، مش عايز حاجه
رفع كف يده مطمئنا تلك المذعورة قائلا
- انا كويس يا وجد، وعايز اطمن عليكي
نكست رأسها بأسي لتهمس بصوت كئيب
- انا كويسة
احست بيده تمر على ذراعها لتسمعه يتمتم
- مستني اشوف نسل احفادي التاني.

احتقن وجنتيها بحمرة الخجل، وصورة رجل واحد رغبت أن يكون والد أبناءها سرعان ما تهشمت الصورة قطع صغيرة، هذه نتيجة تسرعها وتهورها الدائم
لكن، أعترض القلب وهو يسأل العقل، ماذا عن رسائل عينيه التي حملت ألف رسالة ورسالة
قاطع العقل حالمية القلب ليجيب ببرود، أن كل هذا نتيجة أوهامها الخاصة
أيعقل؟!
شعرت بتلك القبضة مرة اخري لتزفر بألم وهي ترفع رأسها لتهمس
- لؤي متجوز، كام شهر و هتلاقيه جابلك حفيد.

ابتسم غالب واكتفي يحدق ألم، وعذاب الحب الذي يسكن عينيها ليجيبها قائلا
- بقيتي بتلعبي بالكلام يا وجد
نكست رأسها ارضا وهي تشعر بالحرج لتلك الجلسة التي تجريها مع والدها، بحياتها لم تتوقع أن تجري حوار تفتح به مكنونات قلبه أمامه، لطاما كانت هي الشفافة، الوحيدة التي لا تستطيع إخفاء مشاعرها، انتبهت على صوت جدها
- مش حاسة انك عايزة تقوليلي حاجه
ماذا تخبره؟ عن فشلها، عن اندفاعها المهتور!
تمتمت بصوت شاحب.

- تبقي كويس بس وهنتكلم كتير مع بعض
نظر غالب إلى حفيدته العنيدة ليقول بصوت آمر
- بس انا حابب نتكلم دلوقتي
انقذها تلك المرة النقرات على باب غرفته، ألم يكن مفتوح؟!، غمغمت دون أن تنظر للطارق
- ده تقريبا لؤي
اعتدلت في جلستها لترفع رأسها نحو الطارق
انحسبت انفاسها وانفلت عقال دقات قلبها لتنظر إلى الطارق بعينين حاجظتين، همس خافت خرج رغما عنها منادية إسمه
- عاصي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة