قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السادس

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السادس

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السادس

واقفة أمام غرفة العروس وبجوارها عاصي، رفعت حاجبها حينما استمعت إلى نبرة العروس وهي تهدر في وجه صديقاتها ووالدتها
- مش هتجوزه، مش هتجوزه
حمحم عاصي بحرج ليميل برأسه نحو شادية قائلا
- تحبى ادخل؟
رفعت عينيها لتنظر اليه لثواني قبل ان تنظر الى حجم جسده لتقول بسخرية
- هتعمل ايه يعني، مش شايف انك هترعبها اكتر
ابتسامة لعوب زينت وجهه ليميل مقتربا منها قائلا بنبرة جريئة
- يعنى انتى بتخافى منى.

لم تتحرك بها شعرة لتعقد ساعديها على صدرها هامسة بتحدي
- مبخافش
اللمعة المتسلية في عينيه لم تندثر، عبس وجهها وهي على وشك الشجار معه الا ان حمحمة خشنة جعلتها تستعيد وعيها أنها ليست بمفردها كي تصب جام غضبها عليه، التفت نحو صبري الواقف خلفهما بحرج لتقول
- صبري قول للعريس ساعة وهتنزل القاعة
استمع الى صراخ العروس ليجفل وهو يتمتم قائلا
- لكن...
صاحت بإصرار شديد وهي تنظر إلى صبري بحدة
- ساعة و هتنزل.

هز صبري رأسه قائلا
- حاضر
عادت بانظارها نحو عاصي بنظرات متحدية لترفع ذقنها بكبرياء وهي تنظر اليه بثقة قائلة
- اضبط ساعتك، ربع ساعة وهتلاقيها في القاعة.

هز عاصي رأسه وهو يجهز ساعته ليبدأ العد التنازلي، خمسة عشر دقيقة انتظرها وتعجب من اختفاء أصوات الصراخ، ليعد اخر خمس ثواني وفي الثانية الاخيرة وجدها تخرج بصحبة العروس التي تعانقها بمحبة وأخبرت جميع معارفها أنها ستهبط الى قاعة الاحتفال حينما يضع خبير التجميل آخر لمساته...

راقبها عاصي عن كثب تتحرك بكل رشاقة وخفة في جميع انحاء القاعة، ترسل ابتسامات مجاملة واخري صادقة وهي تتعامل بود شديد، الا انها تهتف بحزم إلى طاقم عملها عبر سماعة البلوتوث، اقترب منها وهو يراها تتخذ ركن منزوي عن الجميع، تراقب الجميع بابتسامة ظفر تزين ثغرها، غمغم بهدوء متسائل
- عملتى ايه؟
التفتت اليه وهي تنظر اليه بعبوس قبل ان تمتم
- اسرار بنات متتدخلش ابدا فيها
ازداد قرب وهو يرى عيناها المتحدية له ليهمس.

- اممم واسرار البنات دي بتحكي خصوصا بعد الجواز مش كدا؟
هزت رأسها بلا مبالاة قائلة
- اه عن الجواز يا استاذ عاصي
صمت خيمهم لتدق شادية بكعب حذائها قبل ان تحين التفاته منها قائلة له
- انت متجوزتش لحد السن ده ليه؟
توقعته لن يرد، أو يرد بفظاظة الا انه حدق بشرود نحو الارض قائلا
- لسه ملقتهاش
غمغمت بتساؤل عابث
- هي مين؟

رفع عيناه لتقع عيناها عليه، يأسرها كلها بنظرة واحدة، زحف الارتباك نحو خلاياها أمام نظرته المسلطة عليها ليغمغم بصوت أجش
- اللى تستاهلنى
اشاحت عيناها بعيدة عنه بارتباك شديد وهي تسب نفسها على توريط نفسها في ذلك الأمر، ألم تخبر نفسها انها لن تقترب منه مرة اخري، لماذا اذا تتعدى الخطوط وهو يتعدى الخطوط معها، سألها بجرأة كما سألته
- وانتى؟
تمتمت ساخرة وهي تهز رأسها نافيا
-انا، و حب تانى؟!

عبس عاصي وهو يدقق النظر الى عينيها قبل أن يتمتم قائلا
- يعنى عايزة تقوليلى انك مش بتفكرى امتى تلاقي نصك التانى؟
سارعت بالنفي على الفور قائلا بنبرة مهتزة
- مفيش لا نص تانى ولا اول، انا اتخلقت كاملة، مش مستنية حد يجى يضعفنى يا عاصي
ضم عاصي يديه في جيب بنطاله ليهمس
- يعني خايفة من الحب؟
سارعت الرد وقد تغضن ملامح وجهها بالالم
- الناس اللي بتستغل اسم الحب لمصلحتها.

نظر عاصي إلى شادية نظرة ذات مغزى، قبل أن يقول بلا مبالاة
- بس مش معقدة يعني في الاخر
هل يمزح ذلك الرجل؟!
ضيقت عيناها تنظر اليه بعداء واضح لتمتم بحدة
- لو فكرت اتجوز، هتجوز يا عاصي، لكن بعقلي بس
ناظرها بتحدي قائلا
- هنشوف
الرجل بات مصيبة على رأسها، ستتخلص منه، حتما ستتخلص منه، لن تدعي الأمر يسير على ما يرام بعد الآن، الرجل يبدو خطير!

لم تقترب من نضال مرة أخرى بعد تلك الليلة الشنيعة، التي أوضحت لها أنها مهما حاولت فلن تقدر على أن تنفذ اسفل جلده ببساطة، هي أخذت عهدا على نفسها انها ستصنع ذاتها وترمم حطامها، فلن يأتي احد من خلف الأبواب ليخرجها من السجن الذي قررت أن تسجن به!
الدموع لا تجف أبدا من مآقيها، قلبها يعتصر بألم شديد ويمزقها إربا، ستحاول أن تعيد الأمور إلى نصابها.

ستفكر فرح فقط في نفسها، ليس لعائلتها أو له، لتكن أنانية، بل لتجرب الشعور أن تحقق شيئا لذاتها هي دون أن تفكر في احد، فما الذي استفادته حينما اهتمت بمن حولها؟!
مسدت عنقها المتشنج وهي تحاول أن تطرد الخمول في جسدها لتمتم إلى محدثتها في الهاتف
- فريال انا مش هتكلم كتير عن اللي فات لو سمحتي قفلي
تمتمت فريال بذهول شديد وهي لا تصدق طلبها أمس
- فرح انتي متأكدة من كلامك، انا سبتك يوم عشان تفكري، خايفة تخسري.

لوت شفتيها بسخرية شديدة وهي تنظر إلى شمس النائمة بعمق في فراشها لتعود النظر نحو الشرفة قائلة
- هخسر ايه تاني يا فريال، لكن لو حاسة اني بتقل عليكي ف...
قاطعتها فريال بحدة صائحة
- انتي مجنونة يا بنتي، لا طبعا جيجي هتاخدك معاها هي عندها معارف كتير تقدر تساعدك، لكن الجو ده متعب يا فرح، اضواء ومصورين وعلاقات مضطرة تعمليها عشان تكسبي في شغلك وتترقى ومجاملات كتير
أجابت فرح بإصرار شديد.

- متقلقيش الصدمات مش بتكسرني، من ناحية دراستي اكملها في البيت ومن ناحية اشوف الناس في الشغل
حينما يأست فريال العدول عن قرارها العجيب الذي اتخذته، غمغمت فريال باستسلام
- خلاص اللي شايفاه صح اعمليه
شكرتها على الفور وهي تغلق المكالمة، لتعود الاقتراب من شمس تطبع قبلة على جبينها، تخبرها انها ستظل تؤازرها، زفرت بحرارة وهي تتطلع إلى تقاسيم وجهها الملائكية قبل ان تسحب حقيبتها وتتجه نحو الخارج...

الصمت هو ما وجدته حينما سلكت بطريقها نحو باب المنزل الا انها شهقت فزعة حينما استمعت الى صوت أجش
- رايحة فين؟
وضعت يدها على نبضات قلبها المتسارعة، تعد من واحد الى ثلاثة قبل ان تلفت اليه، تحاول ان تستجمع اكبر كمية شجاعة في وجهه، استدارت تقابل وجهه الذي ما زال يبدو شاحبا، هبطت عيناها ارضا حينما تفاجئت بكونه امامها شبة عاري إلا من سروال قصير، تمتمت بصوت بارد
- اشوف مستقبلي يا نضال.

ضيق نضال عينيه وهو يتفحص ملابسها الانيقة ليتمتم مرددا
- مستقبلك؟
وضعت عيناها البندقية في عينيه الخاويتين، بدون لمعة التي كانت تظهر حينما تراه يظفر بشيء، صاحت أمام وجهه بصلابة
- مستقبلي يا نضال، دراستى واهتماماتى ولا انت فاكر اني اللي هربي بنتك وادفن نفسي وشبابي عليك انت وبنتك
اندلعت نيران في عينيه ليقترب منها هادرا بعنف
- فراااااح.

وقفت أمامه بثقة، لا شيء سيعوقها على أن تحدد مستقبلها وذاتها، تمتمت بقوة وصلابة لا تعلم من أين أتت بهما
- لا خلاص، الزعيق ده مش بخاف منه، واضح انك كويس اووي، يلا اقدر اقول وقت اني اخرج من القفص جيه
ودعته وهي تخرج من باب الشقة وعلى شفتيها ابتسامة واثقة، متحدية، ف زمن الجارية قد ولى، أما اليوم فهو يوم المرأة التي لا تخشي شيئا، ترعب الرجال من مجرد ذكر اسمها ويخشون العبث معها بل، الإقتراب من محيطها.

جدها وعمتها كانا يحتفلان بعودة الغائب من السفر، أكثر ما تعلمه عن جدها أنه يحب أن يكون جميع عائلته تحت جناحه ولا يخرجون ابدا، منزوية بعيدا تري الاستقبال الحار الموجه له فقط، عادت تتأمله وجد بجنون عاشقة، حلم صباها امامها الان لا يفصل بينهما سوى بضعة أمتار، لكن المسافات الروحية بينها وبينه فهي كبعد المشرق والمغرب.

تغضنت ملامح وجد بأسي شديد، لم تري هي رجلا يماثل ضخامة لؤي ولا عضلاته الضخمة التي تظلمها دائما بذلاته في العمل، ملامح وجهه الخشنة القاسية اغرمت بها حينما تفتحت براعم انوثتها، وأصبحت فقط تهوي منه أي نظرة منه، لكنه يراها طفلة، بل طفلة رضيعة في الواقع وهو ابيها، كم غريبة هي الدنيا!

ابتسمت بسخرية مريرة وهي تنفض سريعا اي وهن على ملامحها واقتربت بسيرها الانيق الهاديء وصوتها الناعم جذب انتباه الجميع وهي تحيهم تحية المساء، لم تقدر عيناها على ان ترفعها في عينيه كي لا تفضحها عينيها بل اقتربت منه باستحياء وظل جسده الضخم ابتلع كليا، تشنج جسدها وهي تشعر بتلك الحرارة الخارجة من جسده لتتورد وجنتيها وهي تعض باطن خدها على تخيلاتها المنحرفة، مدت يدها الرقيقة وهي تهمس بصوت خفيض مرتبك.

- حمدلله على سلامتك
- الله يسلمك يا وجد
ابتلع كفه الضخم كفها الرقيق ليقشعر جسدها وازداد احمرار وجنتيها لتنزع يدها منه وابتعدت عنه عدة امتار كما لو أنها لم تكن تزين عيناها منذ قليل به!، لم تغب عينا الجد على طفلته الصغيرة ليرفع عينيه نحو حفيده وهو يري الشرود يزين لجة السواد في مقلتيه، استمع الى صوت جميلة التي قالت بصلابة
- اعتقد يا لؤى انت اخدت وقت كفاية عشان تقول ردك.

انتبهت وجد ان عمتها ستتحدث في أمر الزواج مرة أخرى لكن يبدو أنها ستكون في مواجهته، هل قرر جدها أن يكون من نصيبها؟!، تمتمت بخجل
- طب بالاذن
همت بالخروج وترك الساحة لهما، لأنها حينما اختلست النظر نحوه يبدو انها شارد بعيد عنهما، صاحت جميلة بجدية
- تعالى يا وجد الموضوع يخصك
نظر لؤي إلى جده بنظرة ذات مغزى ليتمتم متسائلا
- موضوع ايه اللي يجمعني بيني وبين وجد؟
ابتسمت جميلة بنعومة وهي ترد بكل بساطة.

- موضوع جوازك يا لؤى
خفق قلب وجد بجنون وهي تكاد تتحكم في جسدها كي لا ترقص امامها، كسي وجهها الاحمرار من الخجل لتختلس نظرة نحوه لتستنبط ردة فعله، وياليتها لم تفعل!
القلب الذي كان يهلل بمرح و يدق الاجراس، سكن والخواء يتآكلها حية.

قيل أن الحب للشجعان وليس للجبناء
وقيل أن
إذا أحببت شيئا بقوة فأطلق سراحه فإن عاد فهو لك وإن لم يعد فإنه لم يكن لك منذ البداية
عذرا فمن قال هذا جبان، فكيف لا تخوض حربا وتظفر بما هو لك من الأساس بدلا من الاختباء والانزواء بعيدا؟!
المرأة تحب رجلا ينشب حروبا، يحضر سيفه إذا ما رأى رجلا يحوم حولها، وفي وقت المغيب تمتطي حصانه ويطرب أذنها غزلا عن ما يكنه من عشق أضرم جوفه.

لكن هي، ما أرادته ليس الكثير، جل ما أرادته هو ابن عمها لؤي، ذلك الرجل الذي يجب أن يشعر بما تكنه بداخلها فقط هي منتظرة الإشارة الخضراء حتى تفجر بما تحفظه منذ سنوات مراهقتها، الذنب ليس ذنبها بالنهاية إذا رفضها، فالذنب يقع على عمتها وجدها، العمة هي ما كانت تحمسها على ارتباطها بالابن البكر للعائلة، الجد رغم أنه لم يصرح بشيء، لكن صمته بمثابة تشجيع لتتشكل مشاعرها نحوه...

لا تريده أن يمن عليها، بل ترغب في عشق جارف يزحفها إلى طور الجنون، عشقا كما سمعته في الأساطير الخالدة، فبالنهاية ما المانع، ما الذي اختلف بين الحدثين؟ هل هو فقط الزمن؟!، أم ما عادت النفوس كما في السابق؟!، أم أنهم اتخذوا الحب متاجرة؟!، يستميلون عقول النساء ليتغلفوا بفقاعة وردية تجعلهم يطفون في وادي الحيوانات المفترسة، ينظرن بكل انبهار للهيئة الضخمة التي تشكلت في الحيوانات المفترسة، آسرهن النظر إلى الأنياب ولكنهن غفلن عن العيون التي التمعت بشراسة وظفر للعشاء المقدم لهم على طبق من فضة!

سم الزعاف ينتشر في أوردتها، سم يقتل أي أمل أو أي فرصة ثانية، بل الأولي للتقرب منه، لا تعلم لما يضع بينهما ألف سد وسد، يقف أمام حصنه المنيع وهو يترصدها منتظرا خطوتها القادمة البائسة لتهد حصنه المنيع.

الخواء الذي تآكلها كان من نظرة عينيه وهو ينظر بجهل نحو عمته و نظرة ذات مغزى ألقاها لجده ودارت من هنا حديث أعين مشفرة جعل حاجبي وجد ترتفعان بتعجب، تعلم أن لؤي رغم انه الحفيد الذي يحافظ على أساس عائلتهم إلا من الصعب جدا اجتماعهما معا، فدائما ينتهي الأمر بالشجار، إذا كان هناك شخص رأسه يابسة فالثاني رأسه قد من الحجر، لا يتنازل احدهما بل كلا منهما يقفان بأنفه واستعلاء لكن نظرة الحذر من العدو دائما تلمع في عينيهما.

وقف لؤي ينظر محاولا الفهم إلى أي مقصلة يقودونه إليها، وكأن المشاكل والأعباء عنده لا تنتهي بل تتكاثر وتنتشر بطريقة تكاد تصبح مجنونة!، بل أصبحت هي في الحقيقة مجنونة.
زفر متنهدا بحرارة وهو يتمتم بنبرة جاهد في إخراجها لينة
- عمتى، مفيش موضوع جواز، مبفكرش فيه اطلاقا، لكن تقدروا تشوفوا وجد ولو لقيتوا شاب مناسب أعتقد غالب بيه هو اللي هيهتم بالموضوع ده أكتر مني.

شهقة صادمة من وجد وأدتها من مهدها، رفعت عيناها الدامعتان إليه، تنظر إلى جسده الضخم وهو بكل بساطة يجردها من كل شيء، انها ليست بتلك الأهمية التي تكنها له، لا يعنيها ولا يكن لها بأى عاطفة تقدير حتى، وكأنها عالة عليه!

تجمعت الدموع في مآقيها وهي تتجلد بالصبر، فهي في أقل من ثواني ستصعد غرفتها وتنعي حظها العثر مع ذلك الرجل بارد المشاعر، اشفقت جميلة لرؤية تتعرض لذلك الموقف من من؟!، من الشخص الذي جعلته لصغيرتها هو عالمها، تمتمت بحدة طفيفة
- اومال هتفكر امتى يا لؤي، انت داخل على الأربعين
حك لؤي طرف ذقنه وهو يتمتم بنبرة غير قابلة للنقاش
- يا عمتى ارجوكى انا مش بفكر دلوقتي في الجواز.

سخر من نفسه قائلا وماذا الذي فعله مع شادية السويسري؟!، لكن كلا أيتوقعون أنه سيقع في الفخ الذي نصبه جده، على جثته إن سلم له نفسه، لن يكون نسخة مثل غالب رغم التشابه بينهما في شخصياتهما الذي يكاد يدفعه للجنون!
اقتحم وسيم اجتماع عائلته وهو يتمتم بنبرة رخيمة وابتسامة هوليوود تزين شفتيه
- مساء الخير.

امتعضت ملامح جميلة وهي تراقب أبناء شقيقيها الذكور، يا فرحتها بهما، الأول معقد لا يرغب بالزواج رغم أنها تجزم ان هناك امرا عكر صفو مزاجه من رحلته، والثاني العابث الذي يتنقل من إمرأة لأخرى، بالله فتيات عائلة من سترضي بهما!
أشاحت بعينيها فورا منذ أن رأت وسيم لتمتم بسخرية
- شرف الباشا التانى
اقترب وسيم من عمته وهو يحتضنها من ظهرها يكبلها بقوة جعلها تزجره بحدة إلا أنه مال يقبل وجنتها قائلا بنعومة.

- مالك يا ماجى، مكشرة ومتعصبة ليه
تأففت جميلة حينما وجدت لا مفر من عناق ابن شقيقها الخانق، تبرمت شفتيها قائلة
- مش هسيبكم كدا، عايزة اشوف كل واحد مع مراته
شاكسها وسيم بمرح وهو يقبل وجنتيها يخبرها عن جمالها وسحرها الفاتن وأنه يرغب بإمرأة مثلها إلا أنه للأسف لم يجدها، لم تنطلي الحيلة على جميلة بسبب كلام وسيم الناعم القادر على تأثير عقول النساء، استمعت الى صوت وجد المختنق
- طب عن اذنكم تعبانة.

شيعتها جميلة حتى غابت عن انظارها لتنظر بلوم نحو والدها الذي لم يعلق على حرف مما حدث حتى انه كان في حوار عمل مع لؤي، نظرت جميلة إلى وسيم ابنها الثاني الذي ربته، تحاول الوصول إلى أقصي أعماقه التي يخفيها عن الجميع، تلك ليست بابتسامة وسيم التي تعلمها وحتى مشاكسته يصطنعها للجميع، همست بنعومة وهي تحتضن وجهه بكفيها تنظر إلى زرقة عينيه المنطفئة
- ايه مش ناوى تتجوز.

انفجر وسيم ضاحكا وهو يحاول التحاشي والهروب من عمته كي لا يفتضح نفسه وتجبره جبرا على إخراج بما يكنه بداخله، ابتسم بعبثية قائلا
- لا انا حلو كدا وحياتى جميلة جدا، لا عندى واحدة تقولي انت فين وكنت مع مين ولا واحدة تجرجرني كل يوم ننزل ونسهر مع بعض، واه العيال برضو مش بحب زن العيال ولا دوشتهم
صاحت جميلة بصلابة وهي تقف أمامه ك أم تنتظر أن يقر ابنها بالمصيبة التي احدثها
- كنت فين امبارح بكلمك مش بترد.

تنهد وسيم زافرا بحرارة ليتمتم بنبرة خفيضة
- سباق
اتسعت اعين عمته زعرا عليه وهي تتأمل ملامحه ترى إذا أصابه خدش، الا انه طمأنها بعينيه يحثها على عدم افتعال مشاجرة أمام جده، الا ان عمته همست بصوت خفيض به بعض الغضب
- تانى، تانى مش بطلتها.

تنهد لثواني قبل أن يتمتم بنبرة يائسة وهو يحاول تذكر ليلة أمس بعد السباق كيف انتهى به الأمر في منزل صاحبة الخصلات الوردية، تطلب من شادية ان تهدأ الأوضاع حتى لا يتفاقم الأمر، ربما تصرف بطريقة صحيحة لكن في وقت حساس غير مناسب، يدعو ربه أن يكون شيء على ما يرام
- هي مبطلتش
قبل جبين عمته جميلة وهو يتمتم بنبرة خافتة وهو يرمق لؤي وجده يتحدثان عن اعمال العائلة.

- مش عارفة ايه اللي دخلك السكة دي لأ وتهورك دخلتها، يبقى متندمش وانت بتدفع تمن أعمالك يا وسيم.

هز وسيم رأسه بيأس وهو يتخذ مقعد ينزوي عن الجميع ووسيلته للهرب هو التحديق في الفراغ، هزت جميلة رأسها بيأس لتتجه عيناها نحو لؤي، وهي تمتم داخلها، تبيع ما تملكه وتعلم فقط ما بداخل قلب ابني اشقائها، لما يجب عليهما أن يكونا غامضين، ناقمون من الحب، يدفعون الفتاتان البائستان من حبهما إلى الانتحار، ذلك الغبي وسيم ايضا، هل لتلك الدرجة أعمى الحب؟!، تنهدت يائسة وهي تخبر حظها العثر انتي ايضا جميلة جربتي ذلك الاحتراق البطئ، الطريق المسدود للوصول لقلبه، وما استفادت إلى حينما انطفأت لتصفق بحرارة للمرأة التي اختطفته منها الألم الحارق لا تقدر على إخفاؤه وهي تحاول أخذ قسطا وفيرا من التنفس، لا تفعل سوى أخذ شهيق وزفير تكررها عدة مرات حتى هدأت واستجمعت شتاتها وهي تدير بعقبيها لهما، سألت لؤي بصراحة شديدة.

- مش ناوي تتجوز وجد
أجفل لؤي للحظة وهو لا يصدق عمته، ألم يخبرها أنه لا يرغب الزواج الان، ما جلب سيرة تلك الصغيرة لتقترن به دونا عن باقي رجال العالم، تمتم بنبرة ناهية لا تقبل النقاش وعيناه تقع على الشارد عنهم
- وسيم اقربلها منى، تصبحوا على خير
استقام من مقعده وهو يغلق زر سترته وتحرك مبتعدا لتنظر جميلة بغضب نحو والدها وحينما لم تستقبل أي رد منه، تمتمت وهي على وشك فقد تهورها من عائلتها.

- شايف عمايل حفيدك
وجهت غضبها تحديدا نحو وسيم الذي كادت أن تحرقه من نظراتها المشتعلة ليرفع وسيم يديه مستسلما
- متبصيش كده يا ماجى، عرفانى مليش علاقة بالجواز ولا اعرف حكايته
وقرر الهرب منها كما فعل الآخر، زفرت متنهدة بوعيد
- ماشي يا ابن المالكي وماله.

لكن الجميع كان جاهلا عن التي كانت تضع كفها على فمها، تمنع من ايصال صوت شهقاتها والعبرات تدفق من عينيها، أصوات حطام تسمعه، الحبال تزهق روحها وهي تستسلم بيأس، حاولت أن تلملم قلبها المفطور حتى لا يدعس على بقاياه، الرؤية أصبحت ضبابية وهي تتجه بانكسار نحو غرفتها فالحداد قد أقامته ليخيم الحزن روحها التي لم تتطلب من الحياة سوى شيء واحد!

أغمضت جيهان جفنيها وهي تكور قبضتها وتلعن وسيم ويوم وفتحت عيناها لتقع عيناها على ذلك الصبي الوسيم الذي حظي باهتمام الفتيات في أقرانه، كانا ثنائيا رائعا منسجما في الماضي قبل أن يقرر أن لا يكتفي بإمرأة واحدة بل الحقيقة لم يهواه الجمال الشرقي وقرر البحث عن من هن مثيلاته في الصفات الأوروبية، ذلك اللعين ذهب لوالدها ليصدر فرمان بحرمانها لرحلاتها الاستكشافية نهائيا، الشئ الوحيد الذي يرفه عنها وهي تنتقل من بلد لاخري، من ثقافة وعادات بلادن لأخرى وتشارك معجبيها على مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك بفضله ستصبح عاطلة عن شغفها بعد حرمانها من السباقات، لن تتركه تقسم انها لن تتركه حتى يعلن هزيمته ذلك صاحب العيون الباردة أمامها...

حاولت جيهان أن تكظم غيظها وتركت الدموع جانبا، فالدموع لن يكون حليفها، طبعها الناري يجب أن يجعل من أمامها يخشى من غضبها، صاحت هادرة وهي تقطع حديث والدها بقلة تهذيب منها
- يا بابا انا بعرف انا بعمل ايه
اتسعت عينا شادية وهي تمتم سرا غبية أما معتصم نظر نحو ابنته بجحوظ ليعلو بهدر قاطع ارعد بدني ابنتيه
- بنت صوتك ده ميعلاش انتي شكلك عايزة تتربى من جديد.

انتبهت جيهان لفداحة ما قالته، اللعنة هي سريعة الغضب تعلم، احتقن وجنتيها حرجا لتنكس برأسها هامسة بأسف حقيقي
- اسفه، لكن يا بابا انا فعلا بحب كدا
صاح والدها منهيا النقاش الذي طال بلا فائدة
- وايه مستنية منى احط ايدي على قلبي واقول رجعلى بنتى بالسلامة، مفيش سفر يعني مفيش سفر
زمت شفتيها وداخلها يغلي من الغضب، تكاد أن تلقي بحممها اللاهبة لكن ليس بالشخص المناسب الذي ستحرقه، دبت بقدمها على الأرض متمتة.

- يا بابا.

نظر معتصم بتقيم نحو ابنتيه، هل يعتقدن أنه سيدعهما مثل السابق يتخذن قرارات غبية لحياتهن، وماذا يفعل هو ينظر صامتا دون التدخل، إن رأين وجه الحنية والطلبات المجابة وذلك فقط قام به بسبب موت والدتهن وأراد وقتها أن يعوض فقدها لكن العمل أعاقه، لم يقم سوى بما يمليه ضميره وقتها أن ينفذ طلباتهن حتى المستعصية منها، وماذا استفاد من شادية لتخرج من علاقتها الأولى مكللة بالفشل الذريع والاخري تتخذ خطواتها، صاح صارخا بانفعال.

- جيهااااان، مفيش نقاش، مفيش سفر بعد كدا
نظرت شادية إلى جيهان لتصمت وتنسحب من الجدال الذي بلا فائدة إلا أنها بعناد البغال صمتت على رأيها وهي تحاول أن تعدله عن قراره
- وشغلي يا بابا والناس اللي بتابعني وشغلي اللي هخسره
هز معتصم كفه بلا مبالاة وقال
- شوفيلك اهتمامات تانية
زفرت جيهان وهي تقترب من والدها متخذة النبرة الناعمة كي تجعله يعدل عن قراره
- يا بابا ده شغفي، اكيد ميرضيش ان بنتك تنهار.

نظر معتصم باستخفاف نحو ابنته الماكرة، ربما سابقا كان سيتعاطف أو يوافق لكن الان لا، قوانين جديدة سيشرعها لتلك العاصيتان
- اسف، اسمعوا انتوا الاتنين مش مستعد اضحى بواحدة عشان جنانها، يلا اطلعوا على اوضكم
كان الوالد يتحدث كما لو انه يتحدث لبناته الصغار وليست لفتايات أصبحن في سن الزواج، تمتمت جيهان بعبوس طفولي
- بابا
نظر معتصم بقرف نحو لون شعرها الوردي، لقد انتهي من تلك الألوان الغريبة ليصيح بتهديد.

- جيهان مفيش نقاش، الكلام اتقفل وشعرك يا جيهان ترجعيه لطبيعته اقسم بالله لو بكرا شوفت اللون المقرف على شعرك ده هقصهولك فاهمه
نظرت جيهان بخوف نحو خصلات شعرها وهي تلمسهم لتزم شفتيها وهي تدب بقدمها قبل أن تنطلق مغادرة متجهه نحو غرفتها، اقتربت شادية نحو أبيها بحذر لتهمس
- صعب يا بابا اللى عملته ده
رفع معتصم عينيه نحوها ليحدجها بنظرة قاتلة جعلت شادية ترتبك فورا وهي تلعن غبائها تلك اللحظة حينما صاح موبخا.

- بنت انتى هتناقشيني في تربيتي ليكم، اطلعى على اوضتك
مالت تقبل خده بسرعة وهي تعلم انه لن يقدر على إيذائها، ابتسمت في وجهه ببشاشة لتسحب ذراعه وهي توجه نحو غرفته وقالت بنبرة ناعمة بها بعض الحزم
- الاول هنقيس الضغط يا بابا وبعدين هروح انام زي ما طلبت.

ابتسم معتصم بحنين وهو يرى كل صفات محبوبته وزوجته زرعت زرعا في شادية، يعلم ان زوجته كانت تخشى عليه حتى بعد شجارهما تجري نحوه تعطي له دوائه وتخبره بعدها أن شجارهما لم ينتهي بعد ولكنها ستؤجله ليوم الغد، وفي يوم الغد لا يتشاجران ربما بعد أسبوع تعيد إحياء الشجار، أغمض جفنيه وهو يسمح تلك الدمعة الفارة منه وهو يذكر الرحمة لزوجته ودع ابنته تقوم بالاهتمام بصحته ودعي الله القوة حتى يقدر ترويض تلك صاحبة خصلات قوس قزح!

تذرع الغرفة جيئة وذهابا، وهي تعيد الاتصال بذلك الأحمق مرارا، تشد خصلات شعرها جنونا وهي مجهزة اسلحتها بالشتائم، تقصد القذائف، لكن الضربة القاضية ليست حاليا، وحينما رد عليها وقد بان أثر الصوت على صوته، هل كان نائما قرير العين، صاحت بعلو صوتها حتى تمنت أن تثقب طبلة أذنه في الوقت الحالي
- انت اللى عملته مش كدا، قولت لبابا.

بعثر وسيم خصلات شعره وتثائب والنوم ما زال يزور جفنيه، مسح بكفه على وجهه ليتمتم بصوت أجش خشن
- قولتله يا جيهان.

أغمضت جفنيها وقشعريرة باردة سرت في جسدها ودقاتها الصارخة تحاول أن تهدأ من روعها، لا تعلم ما حدث لجسدها لترتبك ووجنتيها تشتعل بالحمرة توجهت سريعا تنظر في المراة الى تلك الحمرة المزينة وجهها، لما تخيلته اللعنة، لما تخيلت تلك النبرة ستسمعها حينما تفتح جفنيها على فراشهما يطل عليها بزرقة عينيه بوهج يلمع عشقا لها هي وحدها، تهدجت انفاسها وهي تحاول أن تنفض صورة وهي تكون مستلقية على صدره العاري متخذه صدره وسادة وهو يداعب خصلات شعرها برقة...

شهقت بعنف وهي لا تعلم ماذا حدث لها من مجرد سماعها لصوته وهو نائم، تردد وسيم وهو لا يعلم لما حتى الآن لم يصدر صوت جيهان الرقراق لتطربه بصوتها العذب، لم يكد ينهي الجملة حتى ابعد هاتفه من اذنه حينما صاحت صارخة
- انت بتتحشر في كل حاجه ليه ها، بتتحشر في اى حاجه ومعرفش مين مديلك الحق انك تتدخل وتدي رأيك
بعد فترة أعاد الهاتف لاذنه ليعود لفراشه ليتركها تحترق كما احرقته ,, تستحق ما فعله.

اولا حتى ينتهي من ضميره الذي يؤنبه فهي تحتاج حقا شخص لا تقدر على أن تعصي كلمته فلم يكن سوى والدها، ثم تجريدها من اعمالها الغبية على صفحتها يجب أن تعلم أن لا تلعب بحيوات الناس، تمتم بتسلية
- واحدة بواحدة يا جيجي السويسري، لكن قوليلي الشويتين بتوع البرنامج ده كان ايه موضوعه بالضبط
استفزها، استفزها يعلم، شتمته وهي تصيح بجفاء
- معرفش حاجه عن الموضوع ده
انفجر ضاحكا بعبثية ليتمتم.

- الإنكار عمره ما هيفيدك، انتى مش قدى
ردت بتحدي شديد وعيناها تلمعان بالثأر
- ولا انت قدى يا وسيم
صمتت لثواني لتستمع إلى زفرات وسيم عبر الاثير، حاولت عدم التأثير، فكما تقف أمامه تعلن وتجهر بكرها له تستطيع أن تغلف ذلك الحب المسموم وتنزعه سيتطلب وقتا لكن بما يفعله سيجعل خروجه من قلبها، تمتمت بنبرة خبيثة
- بس كلها فتره وهرجع تانى، يلا تشاو.

هز وسيم رأسه بيأس، الغبية الصغيرة تظن أنه يكترث لالعابها الطفولية للثأر، لكن من وجهت بحديثها الكلام، الحرقة بصوتها لن تخدعه بزيفها اطلاقا، قبض على الوسادة وهو يفرغ طاقته السلبية يتخيل الوسادة عنقها وهو يزهق روحها، عله يرتاح منها، لكن لما تغيرت؟! ما حدث لها لتتغير تلك الطفلة التي كانت متعلقة به جيئة وذهابا لتنفر منه بل وتكره لقائه وحمايته التي تعتبرها الآن انتهاك وسلب لحقوقها، ماذا حدث لها؟!

سؤال ألقاه عبثا لكن داخله يقين انه لن يعلم الاجابة الان ربما، لكن لاحقا سيعلمه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة