قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع

محاولات شادية الحثيثة لتهدئة الأوضاع بين والدها وجيهان باءت بالفشل، رغم أنها تعلم أن والدها لم يرفض طلباتهم أبدا منذ أن أصبح هو المسؤول عنهما وشقيقها المتزوج الان ويعيش بالعسل مع زوجته لكن لا تنكر ان انفلات جيهان بحاجة لشخص لكي يشد لجامها، خرجت من باب القصر ومزاجها متعكر بعض الشيء.

الأعمال متراكمة عليها بشكل يكاد تصرخ في وجوه الجميع، هذا من ناحية و مشاعرها الأنثوية التي استيقظت من سباتها تؤرق مضجعها
هل هي الآن بحاجة لرجل؟، لن تنكر أن منذ انفصالها من معاذ قررت أن تنصب تركيزها على عمل، الرجال يخشون من المرأة العاملة، المثقفة، الذكية ثم الضربة القاضية حينما تكون حاملة تلك الصفات جميعا وانوثتها تنشر عبقا محرما على الرجال قائلة لهم
انظروا ولكن لا تلمسوا.

احلموا، فنهاية الحلم لن تكون بين ذراعي رجل
اقتربوا، فالاقتراب هي جحيمهم
سيحترقون بالنهاية!
تمتمت بشفتيها أغنية لزمن قديم، زمن أبيض وأسود حينما كانت الحياة هادئة بل رائقة، أمنيتها كانت أن تعيش في عصر قديم، لزمن يكون أقل سوادا الآن، زمن كان الجميع يضعون الأصول والتربية أولا قبل الإقدام على شيء، هلعت وارتدت لعدة خطوات حينما استمعت إلى صوت رجولي أجش
- صاحية ليه؟

احتقنت وجنتيها حرجا وخجلا إن كان سمعها تغني، جلسته المسترخية على سيارتها الحمراء الباهظة الثمن أخبرتها بذلك، ألم يغادر حتى الآن؟!
انفجرت في وجهه صائحة بجنون
- استاذ عاصي مش ملاحظ انك شوية وهتتطرد
ابتسم عاصي ابتسامة ملتوية وهو يتذكر منذ قليل اقتحام جنية الليل شروده.

تبدو ناعمة، لكن هناك صلابة بداخلها، صلابة يلتمسها جيدا وهي تضع حواجز غير قابلة للاختراق من أي رجل يحاول أن يقترب من أنوثتها التي تخفيها، راقب خصلات شعرها الطويلة، الطويلة للغاية وهي تصل الى نهاية ظهرها، اذا لما يري تسريحة السيدة الناظرة في العمل؟!، حتى ملابسها المكونة من بناطيل واسعة عملية وقميص نسائي تدخل اطرافه داخل بنطالها، لكن بطريقة ما تعجبه ملابسها رغم ان قميصها النسائي يلتصق بحناياها الأنثوية يخبره انها مهما ارتدت فتترك شيئا أنثويا لا يعلم هل له وللجميع أم لها، لكي لا تنسي أنها ما زالت زهرة شباب لا يجب ان تحني رأسها داخل الرمال كما تفعل النعام.

غمغم بابتسامة ماكرة وهو يحب جيدا رؤية الغضب في وجهها
- انا اطرد؟ لا أعتقد انك عارفة كويس اني مش متحرك من هنا حتى لو انتي رافضة.

عقدت ساعديها على صدرها وهي تزفر بحدة، تعد ثواني قبل أن تقول شيئا لا يحمد عقابه، عاصي أصبح كالعلكة لن تقدر على التخلص منه ابدا، والدها أخبرها بذلك، لا يعلم ما السر لجلب حارس لها فقط وهي الفتاة التي تذهب عملها صباحا وفي آخر الليل تكون في فراشها بعكس شقيقتها التي تجوب أطراف العالم!
رفعت عيناها وهي تنظر اليه بسخرية لتمتم
- الثقة حلوة لكن مش معايا مش عيلة السويسري.

إن سأله شخصا لما تحب اللعب مع أنثى الأسد، لأنها ببساطة ممتعة
ف أسدها الخاص بها غائب، ألا يحق له الاستمتاع ولو قليلا
فالمتعة لن تضيره ولن تضيرها بشيء، تمتم بنبرة عابثة
- دوقتى جبنة سويسرية يا شادية، لو مجربتهاش دوقيها
هل تسمع مزاحا؟!، هل يعبث معها؟!، أي جبنة سويسرية ذلك المخبول يتحدث عنها؟!، لا تعلم ما الذي جعله يتطرق إلى الطعام في حديثهما إلا إنها نظرت اليه بتدارك وعيناها متسعتان بجحوظ لتمتم بحدة.

- انت انسان قليل الادب
هز عاصي رأسه بلا مبالاة وعيناه تنظر بمتعة إلى وجنتيها المشبعة بالحمرة اللذيذة، لمعة عيناها البندقيتين تجعله يبتسم، غمغم بلا مبالاة لنبرتها الحادة
- سويسرا حلوة بردو جربى الشكولاتة، تجنن شيكولاته العالم في كافة وهي في كافة
هزت شادية رأسها بتقزز لتهتف
- مبحبهاش
نظر عاصي بدهشة مصطنعة ليتمتم بعدها ببرود
-غريبة، الستات بتحب الشوكولاتة.

عضت شادية على نواجذها، هل يتطرق ذلك الغبي الأحمق صاحب الجسد العضلي إلى ما تشتهيه وتكرهه، تمتمت برفض قاطع
- انا مبحبهاش
حك عاصي طرف ذقنه بسبباته ليشملها بنظرة ذات مغزي ليغمغم بنبرة رخيمة
- اومال بتحبي ايه؟
هزت شادية رأسها يائسة وهي تتهرب من نظراته لتعود إلى مخبئها وملاذها
- اللهم طولك يا روح، يا استاذ انت فايق ورايق دي مشكلتك انا ورايا شغل وعك بكرا، تصبح على خير
شيعها عاصي بنظراته ليغمغم بهدوء.

- بنت ذوات في النهاية
هي ابنة حسب ونسب بالنهاية، والدها يعتبره بمثابة ابن له، حك مؤخرة رأسه وهو يغادر حي الأغنياء ويستعد للرجوع إلى منطقته الشعبية التي ما زال بها الضجة والصخب تعم في ارجاء الحي بعكس ذلك المكان المقفر لا تستمع سوى لحشرات الليل المزعجة.

عائلته فقط مقتصرة على جدته التي تعتنيها جارته أم فتحي التي تدخر وقتا لها وتسأل عنها وعن متطلباتها، حالته ميسورة بل ويقدر على الانتقال من الحي الشعبي لكن جدته ارتبطت بذلك المكان الذي قضت بها سنوات عمرها وتشربت من ذلك المكان الذي يسير في روحها، قضي سيارة الاجرة وهو يترجل من السيارة لينظر بعينيه ويرهف بأذنيه إلى ذلك الضجيج الذي أصبح معتاد عليه، بل يؤنسه، خلع سترته وحملها على يده وقدميه تتجه نحو بيته، يحاول أن يعلم ما الشيء المثير بتلك الناظرة كما يسميها؟!

يعلم ما يفكر به يجب أن يبعده تماما، فبالنهاية هي ثرية بل وربما ان نظرت إلى الحي الشعبي الذي يسكن به ستتفوه بحماقات كيف يتحمل الضوضاء؟! وإلى ذلك الشيء الغريب المسمى توك توك كيف يسير بين الأزقة والحواري الداخلية والي اغاني المهرجانات التي تخرج من المحركات العجيبة، ابتسم بيأس شديد، هو بالنهاية عازف عن الزواج حتى يجد تلك التي ستتحمله، بل وتتحمل جدته المتزمرة طوال الوقت التي لم يعجبها أي فتاة بالحي قائلة أن حفيدها الوسيم يجب أن يجد أميرة في بيته، بالله يجب أن يعلم أين الوسامة التي تراها فيه لكي تأتي الاميرة الغائبة إلى بيته؟!

انتبه على صوت محمود جاره المقارب له بالعمر والعرق يتصبب من راسه وصوت لهاثه أخبره انه ما زال يلعب كرة قدم في الشارع
- ايه يا نجم فينك
ابتسم عاصي وهو يصافح جاره بحرارة ليتمتم
- موجود
غمز محمود قائلا وهو يمسح العرق رافعا ذراعه يجفف العرق بثوبه الرياضي
- طب ايه ما تيجي، ورانا ماتش مهم جدا
ابتسم عاصي بحنين وهو يتمتم بمشاكسة
- لسه التماسيح موجودين.

تهللت أسارير محمود وهو يسحبه من عنقه وما ساعده على ذلك طوله الفارع رغم بنية جسده المتوسطة ليقول بحماس
- موجودين يا وحش، مش هيصدقوا انك هتلعب
صاح محمود مهللا وهو يرفع ذراعه الى زملائه الذين يأخذون قسطا من الراحة قبل بدء شوط جديد من مبارياتهم الأسبوعية التي يقيمونها في الحي وعلى اثرها يتباع رجال المقهى لعبهم ونساء الحي يشاهدونهن من شرفاتهن
- يا شباب، التمساح بتاع حتتنا رجع.

هز عاصي رأسه بيأس ليشمر قميصه عن ساعديه وهو يتجهز للمباراة الهامة حيهم ضد الحي المجاور لهم، شكر محمود في سره وهو يحمد ربه انه وجد شيء يخرج به سلبيته وتفكيره الدائم ويستعد الى طلبات جدته وتذمراتها الدائمة كونه عازب حتى الآن ومن يصغرنه في العمر تزوجوا وانجبوا اطفالا، هو لا يريد زواجا عاديا بالنهاية.

زوجة تراعي بيته وجدته وتراعيه هو، يريدها أن تكون شريكة حلمه، تؤازره في محنته، بل وتتطلع دائما للمستقبل والافضل لهما بدلا أن ترضى بحياتها دون شكوى!
مجنون هو، نعم ويعترف
بل مختل، اصدقائه يخبرونه بذلك
كيف لا يترضى زوجة مطيعة ويرغب في إمرأة متمردة
نعم يريد إمرأة متمردة، مجنونة بصفة أدق
لكن تتذمر حينما يغيب عن بيته
وتجن حينما تشعر أنها مهددة بوجود أنثى ترغبه
هكذا هو يريد أنثاه.

وقفت رهف أمام شقيقها مرتبكة، خجولة، بل كادت أن تموت من فرط خجلها لتخفض عيناها تتحاشى نظرات شقيقها المتفحصة، غمغم وقاص بنبرة متسائلة
- يعني عايزة تبلغيني انك موافقة على الجواز؟

ارتجف جسدها وهي تتخيل نزار، كتلة الرجولة والجاذبية يصبح زوجها هي دونا عن نساء غيرها، لا تصدق هي رهف التي تخشى الرجال، بل كانت تنبذهم جميعا يأتي ذلك الشامي يحطم كل ما بنته من حصون رادعة، كان يحطم كل حاجز بنته بكلامه الذي يروي أنوثتها التائقة له، يشبع غرورها و ثقتها المحطمة التي حطمها أقرب الناس إليها، بل كانت تعتبرها شقيقة وصديقة عمرها، هزت رأسها وكأنها تطارد اشباحها التي تلقي سلاما عليها، يخبرونها أنهم ما زالوا حولها ولم يغادروا كما تمنت!

همست باعتراض قائلة بارتباك
- خطوبة الاول يا وقاص
استقام وقاص من مقعده، لا يصدق ذلك الشامي قدر على جعل صغيرته توافق، رغم أنه طلب منه مساعدته لكنه رفض متعللا وطالبا منه، إن كان حقا ويرغبها بحق فليريه ماذا هو بفاعل...

والنتيجة مبهرة حقا، اخفى ابتسامته وهو يرى حمرة وجنتي شقيقته الصغيرة من الخجل التي تجرأت لتقتحم مكتبه وهي تخبره عن موافقتها على الزواج، غمغم بسخرية وهو يستمع إلى تعليقها بخطبة، بالله ما الفرق بين الخطبة والزواج إذا هي وافقت على المسألة نفسها
- تفرق
رفعت رأسها لتقع عيناه على عينيها الرائقتين والابتسامة الخجولة التي تزين ثغرها، صغيرته عاشقة، عاشقة لذلك الشامي، قالت بمجادلة وهي تغمغم بخجل يكن بكينونتها.

- طبعا تفرق يا وقاص، الجواز بعد ما اخلص
وضع وقاص يديه في جيبي بنطاله ليقول بنبرة ساخرة
- واضمن منين انك مش هتتشغلي، واضمن منين انك تغيري رأيك وتقولي عايزة اتجوز
هزت رهف رأسها نافية عدة مرات، حتى الان لا تقدر على تخطي ليلة أمس، الوقح أعلنها أنه كان سيقبلها ويضرب بكل شيء بعرض الحائط، قليل التهذيب والتربية ما الذي حدث له كي يفقد رشده؟!

هل يتناول عقاقير أم كان في حالة سكر؟!، لا لا نزار شاب متزن عاقل، يخشى الوقوع في المحرمات، تعلم قوانينه الصارمة واقتراب النساء حوله في المطعم، رغم نبرته المهذبة اللبقة لكن تلك اللمعة في عينيه تكون غائبة عنه، حتى تقع عيناه عليها أو يحس بوجودها ليرفع عيناه وهو يبحث عيناها، وما إن تقع عيناه عليها يخصها بحديث خاص لها، يجعل وجنتيها تحمران خجلا، تمتمت بنبرة مرتبكة
- مش هغير احنا متفقين.

يخشي وقاص أن يكون نزار دفعها دفعا لتلك العلاقة، يخشي أن يكون ملح شديد وهي اضطرت موافقة بالنهاية، غمغم بشك وهو يحاول الولوج إليها
- رهف، انت فكرتي كويس
هزت راسها باقتناع شديد لا تعلم كيف الثقة ملئتها ليلة أمس حينما اخبرته بموافقتها، ربما منذ ليلتان أو اسبوع فائت كانت ستكون مترددة وليست واثقة وهي تضع قدميها في ذلك الطريق الذي تعلم نهايته، ألا هو نزار!

- ايوا، متقلقش يا وقاص انا كويسة متنساش انى بنت الغانم
غمغم وقاص بنبرة مهتمة وهو يحتضن وجهها بكفيه لينظر إلى عينيها الغائمة بحب والوله
- مش عايزك تبقى مجبرة، متعمليش حاجه انتى مش مقتنعة بيها
اسبلت رهف أهدابها لتتلعثم قائلة وهي تشعر انها تحت اختبار دقيق من وقاص
- انا مقتنعة يا وقاص، مين قالك انى مش مقتنعة
هز وقاص رأسه وهو يغمغم بنبرة قلقة
- قلبي مثلا؟! ولانى عارفك.

هل ما زال شقيقها يشعر بالذنب لانه لم يكن بجوارها؟، هل يلوم نفسه ويجلد حتى الآن؟!، هي تكاد تتناسي، بل تتناسي ماضي مؤلم وليلة أشد ألما يجب أن تقولها لنزار يوما، حتما يجب أن تتشجع وأن تقولها له، لكنها تخشى، تخشى أن تهتز صورتها عنده، غمغمت لوقاص باطمئنان
- الماضى ادفن، مش عايزة افتكره
ربت على خصلات شعرها قبل ان يطبع قبلة على جبينها ليغمغم قائلا.

- تمام يلا روحي بلغي حبيب القلب وفرحيه، لكن اتصرفى معاه بحدود ورسمية ملكيش دعوة بكلام فريال
تدخلت فريال إلى حديثهما بعد أن كانت تستمع بفضول رغما عنها، تخشى رفض وقاص قائلا، انها ما زالت صغيرة، تجهل عالم الكبار، لن تقدر على حمل مسؤولية المنزل كما يرددها كل ليلة معها، لا تعلم لما لا يري وقاص ان رهف أصبحت مسؤولة من نفسها، بل ثقتها ازدادت حينما عادت لجامعتها التي تغيبت عنها لعامان، صاحت فريال بحنق شديد.

- الله و فريال تدخلها في الحوار ليه
أنبها وقاص بعينيه كونها تدخلت في حوارهما، اعترى الندم والخجل في وجهها ليتمتم وقاص بنبرة مؤنبة
- على اساس اني مش عارفك مثلا
تنحنحت رهف حرجة وهي تنسل من بين ذراعي شقيقها لتتركهما معا، اغلقت الباب خلفها بهدوء وهي تتسابق الدرج للذهاب الى غرفتها و مهاتفته.

اقتربت فريال بنعومة منه وهي تلف ذراعيها حول قرصانها الأوحد، لفظ القرصان ما هو لفظ محبب وفريد من نوعه، ولأنها امرأة مميزة يجب أن يكون رجلها مميز هو الآخر، تمتمت فريال بهدوء وهي تري الرفض يعتري وجهه
- متخافش اميرتك قوية، قلبها شجاع والشجاعة اخدتها منك يا قرصان.

ابتسم بعشق وهو ينظر إلى حبيبته، لف خصلة من شعرها وهو يرى خصلاتها الطويلة التي جعلتها ازدادت فتنة، بل وطفلها الصغير، لا يتخيل انه سيصبح أبا بعد شهور، وضع يده على بطنها المسطحة ليغمغم
- متتخيليش متشوق اشوف ابنى ازاى
شاكسته فريال بمرح قائلة
- بنتك
عاند على عنادها ليتمتم
- ابنى
هزت رأسها رافضة وهي تمتم بصلابة
- بنت
جذب رأسها وهو يغمغم بخشونة
- اسكتى يا فريال، اسكتى.

صمتت الساحرة في حضرة القرصان وهي تلف ذراعيها حول عنقه لتزداد تشبثا وقربا منه، وداخلها نغزة في صدرها تتمني من داخلها فرح أن تجد سعادتها في طريق آخر غير طريق نضال.

تشبثت فرح بحقيبتها وهي تنظر إلى المبني ثم تعود تنظر الى حالها، ماالذي تفعله هنا؟
هذا ليس مكانها ابدا، هذا مكان محرم عليها، نعم، بالله ألم تختار عملا اخر غير عارضة أو تكون صاحبة وجه اعلاني؟!
عضت على طرف شفتها السفلى والتردد طغي على ملامح وجهها، تنهدت جيهان وهي تخرجها من شرودها
- انتى واثقة؟
ثواني اخذتها، قبل الجواب
تعلم أنه ليس هناك باب للعودة أو الرجوع.

تشجعت وهي ترفع عيناها لتنظر نحو جيهان بصلابة قائلة
- واثقة
ترجلت جيهان من سيارتها وتبعتها فرح التي تنظر نحو المبني بقلق، تعلم جيهان ما يدور في خلد فرح، فهي وضعت في ذلك المكان سابقا قبل أن تترك ذلك العمل وتعمل على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها كسبت صداقة قوية في تلك الشركة والوحيد القادر على مساعدتها هو ناجي، ربتت على فرح التي انتفضت بهلع لتبتسم جيهان بتفهم.

- فرح عايزة اقولك العالم جوا حاجه تانية عكس ما متخيلين
ازدردت ريق فرح بتوتر، هي لا تعلم لما اختارت تلك الوظيفة لكنها في خطبة شقيق جيهان رجلا تعرفت عليه صدفة، كانت تشعر معه بالراحة، غير خاشية أو غير متوترة كما تشعر مع نضال، بل كان لطيف ومراعي، لا تعلم لما تذكرته بعد سقوط نضال مغشي عليه وقتها وهي تعيد ترتيب حسابتها؟!

ربما لانها رأته مرتين والمرة الثانية في مركز تجاري أخبرها بعرضه ان وجهها يبحث عنه في مجال عمله للاعلانات، من دهشتها وتعجبها لم تعلم كيف ترد عليه، بل حتى لا تتذكر هل البطاقة التعريفية الخاصة به معها أم ضاعت بسبب الشجار الذي أحدثه نضال، اختنقت انفاسها وتجمعت الدموع الحبيسة طالبة التحرر لما نضال يظهر في كل حديث نفسي لنفسها، مسحت دمعتها المنزلقة لتمتم بهدوء
- هجرب.

شجعتها جيهان وهي تسحبها سحبا نحو مقر الشركة لتقول
- بالتوفيق.

صمتت فرح وهي تنظر بدهشة وعجب شديد، وكأن المقر الداخلي عالم وحياة اخري غير التي تعيشها، لفتت انتباهها التنورات القصيرة والملابس الشبه العارية، التصاق الرجال بالنساء، اشمئزت ملامحها رغما عنها وهي تعلم لولا ذراع جيهان التي تسحبها معها لوقفت متيبسة تنظر نحو الجميع ببهوت، دلفت إلى المصعد وبجوارها جيهان التي ضغطت على الدور المنشود، رمقت جيهان فرح بعبوس شديد، الفتاة انكمشت فقط من رؤية رجل يتلصق بأمرأة ماذا ستفعل اذا سمعت ان نساء تبيع عرضها وشرفها في سبيل الشهرة والأضواء؟!

انفتح ابواب المصعد حينما وصلتا للطابق المشنود تمتمت جيهان ببرود
- الباشا عارف؟
فرقعت جيهان باصابعها وهي تنظر إلى ملامح فرح الشاردة لتجفل فرح وهي تسبل أهدابها لتسمع جيهان تقول بسخرية
- جوزك عارف
عبست ملامح فرح وتمتمت بعدم اهتمام
- مش فارقة معايا، كل واحد يعمل اللى عايزة.

لكن في داخل اعماقها تعلم، صمت نضال المنذر بعاصفة، لكنها ستتصدي لها، تستطيع فعلها، عضت على طرف شفتها السفلى وهي تحاول ان تنتبه لعملها القادم بجانب دراستها التي قررت أن تبدأها وستحفز نفسها أكثر حتى تنهي سنوات الجامعة وتقدر على حمل شهادتها ومن بعدها ستعمل بشهادتها أو تتركها وتستمر بهذا العمل ان اعجبها الوضع!
انفجرت جيهان ضاحكة بسخرية لتمتم.

- لطاما كل واحد بيعمل اللى في دماغه، ايه اللى جابرك انك تكملى معاه
التفت فرح وهي تنظر إلى جيهان لتقول ببساطة
- لان حياتى احسن معاه، احسن ما اكون وسط عيلتى.

حياتها أفضل بكثير وهي مع نضال، عائلتها التي باعتها مرتين لن تعود لهما مرة اخرى، الله اعلم ماذا سيحدث ان عادت، من الممكن أن يخبروها تزوجي برجل كهل يمتلك أموالا بالطبع لا يريدون مصلحتها، فالأموال هم من سيستفدون بها وليست هي، تسلحت باسلحة البرود واللامبالاة وهي تسمع همس جيهان الاسف
- اسفه، بجد مش عايزة اكون ضايقتك
غمغمت ببساطة شديدة، وكأن الأمر لا يعنيها!
- لا عادى
تساءلت جيهان بفضول شديد.

- يعني عايزة تقوليلى انك بتكرهيه
زفرت فرح بيأس لتزيح خصلة شاردة من عينيها قبل أن تجيب لجيهان ببرود شديد غير مصطنع
- نضال مش عايز يطلع من محيطه، حابب انه يحبس نفسه جوا دايرته وعايز اللي حواليه يتحبسوا جوا، لكن قررت اطلع.

عبست ملامح جيهان وما زال الفضول يعتريها وهي ترى تلك الفتاة أمامها، ملامحها البريئة انمحت تماما، لعنت ذلك الغبي زير النساء، ما الذي فعله ذلك البغيض لتصبح هكذا؟!، لقد قتلها حية ذلك الغبي، تساءلت بفضول
- وايه سبب التغيير؟
ارتسمت ابتسامة ساخرة لفرح وهي تمتم بوجع
- مش كل حاجة نصدقها، وجع الحب صعب اووي
ارتجفت جفناها لتسارع جيهان برسم اللامبالاة ثم الابتسام الواسع الخاوي وهي تحيي زهرة سكرتيرة ناجي.

- صباح الخير يا زهرة
اتسعت عينا زهرة وهي ترى جيهان عادت إلى الشركة مرة أخرى بعد أن فسخت عقدها منذ سنوات، استقامت واقفة وهي ترحبها بحفاوة
- صباح الخير يا جيجي
تمتمت جيهان بابتسامة مهذبة
- قوليلي ناجى جوا ولا برا
انقلبت تعابير وجه زهرة لتغمغم بامتعاض
- جوا ومش طايق حد
هزت رأسها وقالت وعيناها تنظر نحو فرح
- طيب هدخله، خليكي هنا لحد لما اناديكي.

توجهت سريعا نحو مكتبه وهي تطرق بابه ثم فتحت الباب لتبتسم بنعومة قائلة
- صباح الخير يا ناجي.

تفاجيء ناجي من وجود جيهان في مكتبه، وهو منذ الصباح لا يطيق سماع أي شخص بعد أن سمع رد العميل على العارضة التي عرضها عليه، اللعنة على الأجانب جميعا، لما رغب بملامح عارضة مصرية تلمع بالبراءة وكأن الحياة لم تلقي عليها أي لعنة، بالله من أين سيأتي بها وجميع العارضات هنا تلاشت معالم البراءة من وجوههن، صافحها بمحبة وهو يغمغم بحدة.

- هيجي من فين صباح الخير يا جيجي، انتي شايفة رد العميل ايه، الموديل مش عجباه قال ايه غير مطابقة للمعايير الخاصة للمنتج
رمي صور العارضة حينما أنهى كلامه لتنظر إلى ملامح العارضة بملامح ممتعضة وهي تنظر إلى المنتج لتمتم بصراحة
- عنده حق الصراحة، انت عارف صعب جدا نرضي العملاء ولكن جبتلك وش جديد هيقدر يجذبك
ضيق ناجي عينيه وهو يهتف بشك
- جيجي
غمزت بمشاكسة وهي تقول بثقة
- خليك واثق فيا يا ناجى.

سارعت بالخروج من الغرفة لتنادي فرح قائلة وهي واقفة أمام الباب
- فرح تعالى، تعالى وقولى رأيك عليها.

هز ناجي رأسه بلا مبالاة وهو يخفض عينيه أرضا، ارهفت أذناه السمع إلى دقات الكعب العالي ليتبعه بلفحة من عطر أنثوي ناعم، رغما عنه عيناه تعلقت على كعب حذائها الأسود العالي وهي تتهادى إليه، خطواتها انثوية بل عادية، بحاجة لبعض التدريبات لتقدر على السير على خط ممر الازياء، ارتفعت عيناه وهو يرى ساقيها المرمرية ثم تنورتها السوداء التي تصل تغطي ركبتيها، جابت عيناه بلوزتها الوردية الرقيقة، منذ متى لم يرى ذلك اللون؟!، خصر منحوت وساقين ممتازة بل جسدها شبه مثالي، وحينما ارتفعت عيناه لوجهها اتسعت عيناه ليهمس في اللحظة.

- هو انتى؟!
ارتفعت عينا فرح لتنظر الى صاحب الصوت الأجش، ضربها الإدراك لتكاد تشعر ب اختلال توازنها، همست بنبرة خافتة مصدومة
- هو انت؟!
وقفت جيهان بترقب بينهما وهي تنظر إلى كلاهما، لا تعلم لما تشعر ان هذا لم يكن لقائهما الأول كما اعتقدت!

دعس نضال عقب سيجارته وهو يحدق في النيل بشرود، ها قد مرة أخرى إلى ملاذه الوحيد، البيت أصبح خانقا، بل مكبلا له بحبال متينه تخنقه..
اراح بجسده على جسد سيارته وهو يمرر يده على خصلات شعره المبعثرة، بعد سقوطه المخزي امام فرح الذي تدارك وجودها قبل أن تنقشع غمامته ويسقط مرحبا الظلام
ظلام ظنه خلاصا لحياته
تشبث به
ظانا أنها النجاة
لكن شمسه الوهاجة منعته، انتشلته من دركه.

وأجبرته على العيش والعودة لحياته، ومن وقتها ماذا يقول
حياته رتيبة؟ مملة؟، هل يجب عليه العودة لبعض الجنون الذي كان يفعله متعمدا؟!، ومن سيحاسبه الان؟!، بل من كان يحاسبه؟ّ!
أسرار التي أصبح لها منزل الان وزوج؟!
أم فرح التي راها تنسلخ بنفسها وتلوذ بالفرار هاربة منه
كأنه وحش اقتات من روحها الهائمة بحبه
بالله مالذي أحبته فيه لتلك الدرجة البائسة؟

اختنق اكثر والدوار يكاد يفتك برأسه، انتبه على صوت زئير سيارة هائجة يعلم صاحبتها تماما، رفع عيناه نحو السماء وهو يحاول عبثا الوصول إلى أبعد نقطة حيث تصل اليه عينيه المجردة، غمغم بصوت ساخر والالم بداخله كسره
- ممكن افهم جيباني على ملا وشي ليه
تطاير الشرر من عيني أسرار لتقترب من نضال وهي تشم رائحة التبغ، أمجنون هو، يقتل نفسه؟!

صفعته بكل غضب يعتمل داخلها، صدرها يعلو ويهبط من فرط غضبها الاهوج لتصيح بنبرة هادرة
- اخرس
الصفعة التي تلقاها قوية، لأول مرة منذ أن نضج تصفعه إمرأة، تلون الشرر في حدقتيه وتحفزت عضلاته للانقضاض عليها ليتمتم بنبرة خفيضة مزمجرة
- أسرار
دمعت عيناها وهي تجذب ياقة قميصه لتقترب منه وهي تنظر إلى عينيه الخاويتين برعب
- الشويتين دول مش عليا يا نضال فاهم، فوق يا بني ادم بقي.

هزته بعنف عله يفق، لكن المجنون أحب دور الضحية التي يمارسها عليها
يا إلهي هي تخاف عليه بشدة، قلبها سقط بين قدميها وهي تتأمل ملامحه لتسمع حسيس الغضب من صوت نضال وهو يشيح بعينيه عنها كي لا يؤذيها هي الاخري
- انتي عارفة اني مش عايز اذيكي
صاحت صارخة بعنف وصلابة قوية وهي تتحداه أن يؤذيها كما يدعي
- مش هتقدر عارف ليه، لانك بتعرض قوتك على الأضعف منك وانا متخلقتش ضعيفة
ابعد يديها عنه وهو يلوي شفتيه قائلا بقرف.

- لكن مع حبيب القلب عادي ولا ايه يا بنت العم
هزت أسرار رأسها وهي تحاول أن تضربه بشيء أثقل، هل يسخر منها الآن؟!
- غبي وحيوان
يشعر بالخدر في موضع صفعته، مرر بابهامه يمسدها وهو ينظر بجنون نحو أسرار الواقفة أمامه ببهائها، تزداد كل يوم اشراقا عن اليوم الذي بسابقه، وهو مكبل بالنبذ
شعور اليتم بداخله يحاول والله يشهد أنه يحاول ان يتخطاه، لكن ليس الأمر بيده
ليته بيده لينزع طعم الحنظل هذا في جوفه.
صاح بحدة طفيفة.

- وحبيب القلب ايه، مش غبي بردو
بكت أسرار وهي تري شقيقها وابن عمها يقتل نفسه دون قادرة على مساعدته، الله يعلم كم حاولت أن تكون قوية وباردة المشاعر كما اسمت نفسها، لكن منذ ان اتى سراج ونزع قناعها حتى أصبحت معراة أمام الجميع، اختلج نضال قلبه وألمه بكاء أسرار التي تخفي وجهها بكفيها قبل أن تصيح صارخة ببكاء
- انا خايفة عليك ليه مش عايز تفهم.

اقترب نضال منها بتردد وهو يربت على ظهرها ليميل مقبلا جبهتها هامسا معتذرا بصمت دون أن تنبس شفتيه ببنت شفه، شعر بخفوت بكاءها ليهمس بهدوء قائلا
- اهتمي بنفسك يا أسرار، قوليلي فيه اخبار حلوة عنك
لمعت عينا أسرار الزرقاوين لتضع يدها على بطنها وهي تنتظر بروز بطنها دلالة على حملها لتغمغم
- الدكتورة قالت مفيش حاجه تمنعني او تمنعه للخلفة، لكن محتاج صبر.

ابتسم نضال بحنين شديد وهو يتخيل بروز بطنها وهي تمسد بطنها براحة يدها، غمغم بهدوء
- هتبقي احلي ام يا أسرار
رفعت عيناها لتنظر اليه متسائلة ببراءة شديدة ذكرته بشمس صغيرته
- تفتكر
هم أن يجيب الا انه استمع الى صوت نعق الغراب الذي جعل الطيور تهرب فزعة من عششها
- هو انا كل شوية يا مدام اجيبك من النيل مع الاستاذ
نظرت أسرار نحو سراج المتجهم، لتنظر نحو نضال متوسلة إليه الاهتمام
- فرح يا نضال، فرح.

صاح سراج بحدة قائلا
- يلا يا مدام
كانت تنتظر وعدا خالصا من نضال وحينما أطال رده توجس في قلبها خيفة، احست بذراع سراج وهو يسحبها معه إلى السيارة لتعبس وهي تنظر اليه قائلة بحدة
- سراج بطل همجيتك دي
ورجل كهفها امال بوجهه ليهمس في اذنها
- بتحبيها يا مدام ولا تحبي افكرك
لكزته على الفور ووبخته وعنفته بشدة حتى وضعها داخل سيارته ومن بعدها انطلق الهمجي خاطفا زوجته بعيدا عنه.

ابتسم نضال بتفكه وهو يعلم أن أسرار يعجبها ما يفعله ذلك الهمجي بها، هز رأسه وهو يلعن غبائها الذي جعلها تسقط في حب ذلك الهمجي، وتوسل أسرار يطن في أذنيه
هل هو قادر على حمايتها منه؟!
هو ليس قادرا على حمايتها من جنونه للأسف
لكن أليست هذا ما كانت ترغبه به
فضلت جنونه عن أهلها
فلتتحمل هي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة