قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع والخمسون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع والخمسون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع والخمسون

تمر لحظات في حياتنا نقع بين خيارين
ويبدأ صراع العقل والقلب معا
بين الرفض والاستجابة، يقف الشخص ينظر إلى مقارعة العقل والقلب وحينما لا يزداد الامر تعقيدا يضطر في أغلب المواقف الشائكة أن يختار أهونهما ودائما يكون الإذعان هي الاجابة بعد صراع بدي أنه سيكون ابدي!

زفرت شادية عدة مرات تحاول التخلص من تلك الغصة في حلقها، مررت أناملها سريعة تحاول التأكد من مظهرها أمام مرآتها، لا تريد أن يظنه انه عشاء أو موعد، حرصت أن تكون تسريحة شعرها عملية كما اعتادت سابقا ثم ثيابها اختارتها مريحة اكثر، لشهور لم ترتدي سروال جينز مع بلوزة سوداء حرصت أن لا يكون شئ يجذب الأنظار، بل كل شئ طبيعي حتى حذائها العملي استبدلته تلك المرة بحذاء رياضي مريح، عادت تنظر من طرف عينيها إلى المطعم ثم إلى اناملها التي تنقرها على المقود.

أترحل؟
ولما ترحل الآن بعد أن جاءت إلى هنا؟ واجهة المطعم تبدو من تلك المطاعم التي تميل إلى مطاعم رومانسية أكثر من المطاعم الشبابية، نظرت الى ساعة معصمها لترى أنها تأخرت ربع ساعة، بالتأكيد رحل! ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها، بل يجلس ببرود يحتسي من كوبه الحراري يتلاعب بأنامله كاميرته التي تود تهشيمها.

سحبت حقيبتها بعد ان قررت تخرس أي رفض طفق في عقلها، ألم توافق على المجئ اذا ما المانع لتخرج ما في جعبتها ثم ترحل
رجفة خفيفة لكن شعرت بها قوية، انها تميل إليه، تعترف انها تميل إليه بشكل مرعب لكن تصرفاته الجريئة تجعلها ترتعب منه، بل تستطيع أن تقول انها متحفزة إن تجرأ بخطوة جريئة، دفنت وجهها متنهدة بسام.

أي خطوة أكبر يا غبية، كنتي حرفيا بين ذراعيه ولم تعترضي، أصدرتى فقط اعتراض واهن، عضت على شفتها وهي تشعر بتلك الدموع الغبية تنزلق بشكل مخزي مما جعلها تحمد الله إنها ليست مهووسة مثل شقيقتها بتلك المستحضرات الفاسدة التي تفسد البشرة، مسحت دموعها بحدة ثم جذبت حقيبتها وترجلت من سيارتها.

يجب أن تضع حدا لذلك الرجل، ارتقت درجات السلم وفتحت الباب لتلسعها هواء المكيف البارد على وجهها، عينيها مرت سريعا على المطعم بأجوائه الحميمية لتزدرد ريقها بتوتر وهي تتقدم أمام رجل بملابسه المهندمة واقف على بعد خطوات منها جعلها تقترب منه وهي ترى بطاقة عمله ثم إلى طاولته موضوع عليها دفتر كبير الحجم، ترددت للحظات ثم سألته بهدوء
- مساء الخير لو سمحت
قاطعها الرجل بابتسامته الدبلوماسية قائلا.

- حضرتك الانسة شادية السويسري
لا تعلم الرجل إن كان يسألها حقا أم يبدو أنه يعلمها، مما جعلها ترفع حاجبيها دهشة ثم سرعان ما توقعت انه ترك اسمها أمام الرجل الاستقبال لتهز رأسها ايجابا قائلة
- مضبوط بس...
قاطعها للمرة الثانية وهو يبتعد عن طاولته ليمد ذراعه قائلا
- اتفضلي حضرتك من هنا، اوريكي مكان حضرتك.

هزت رأسها وهي تتبعه بخطوات بطيئة، عينيها تمر على رواد المطعم وبمقارنة سريعة بين ثيابهم المتأنقة إلى ثوبها جعلها تهز رأسها لتبحث تلك المرة عنه، وقعت عيناها حرفيا عليه وهو يرتشف من كوبه الحراري، عينيه الجريئتين تفحصتها بطريقة جعلت تشعر بتدفق حرارة غريبة، ثم جلسته المسترخية تلك جعلتها تعلم ان جلوسهم ربما لن يكون سريعا كما خططت له، لم تنتبه إلى حديث الرجل، بل عينيها عليه، تنظر اليه بجرأة لم تعتادها ابدا.

تحاول الوصول عبثا الى ما يفكر هذا العقل الداهية، انتبهت الى الرجل الذي ازاح مقعدها إلا انها لم تجلس، بل نظرت إلى ذلك عديم الذوق
ألا يعلم أبسط القواعد الاتيكيت حتى! ليكون جالسا مسترخيا يرتشف مشروبه، رأت ابتسامة عابثة ترتسم على شفتيه ليقول بصوت بدي مرعب من هدوءه
- مرحبا بالبرتقالية.

ألم يكن يصرخ في الهاتف منذ أكثر من ساعة؟! تشعر أن تلك البرودة مجرد غطاء لنيرانه التي رأتها في عينيه، رأته يمرر أنامله على لحيته وهو يقول بصوت أجش
- ألن تلقي تحية لصديقك يا فاتنة
للمرة الثانية لم تبادر حتى بالرد عليه، حتى الرجل استشعر التوتر بسبب الشحنات السلبية، رأت الابتسامة تتبخر سريعا
ثم نظراته الماكرة والجريئة عليها سرعان ما تحولت إلى الوجوم.

وملامح وجهه المسترخية أصبحت جادة، حتى نبرة صوته خلت من التسلية
- اجلسي يا فاتنة، لا تحاولي حتى استخدام أسلوب قلب الطاولة
رفعت حاجبها الانيق وهي ترمقه بسخرية وهي ما زالت بوقفتها مما جعلها تشعر أن جذبت عدد قليل من الفضولين والرجل حائرا الا انه سرعان ما غادر ليتابع عمله..

مرر سرمد أنامله على خصلات شعره ليزفر بحنق، بغض النظر على انتظاره لفترة طويلة لحضور البرتقالية إلا أن ما ان وقعت عيناه عليها اصدمه، لم يراها قبلا بثياب شبابية بل ذلك السروال الجينز المتسع قليلا و حذائها الرياضي مناقض تماما إلى تسريحة شعرها العملية، كان يفضل ان تترك خصلات شعرها طليقة أو تجمعهم في عقدة متراخية، استقام من مقعده وهو يراها تتخذ وضع الخرس والصم ليقترب منها قائلا بحدة طفيفة.

- هل سأظل أتحدث أنا طول تلك الأمسية
اكتفت بالرد عليه بابتسامة ساخرة مما جعله يمسك مقعدها قائلا بنبرة صارمة
- كوني مهذبة
هل يأمرها؟! من هذا الرجل ليأمرها بالجلوس، رغم انها تعترف انها من بدأت ذلك الشجار إلا أنها لا تعلم ما الذي يعجبها لاثارة حنقه رغم أنها في أمس الحاجة لأن تأمنه، تراجعت خطوة حينما هجم عليها حرفيا ممسكا معصمها لتخرج عن صمتها قائلة بحدة
- اترك يدي.

اقترب منها هامسا بحدة جعلت تنكمش حرفيا وهي ترى ذلك الرجل مهدد سلاما نفسيا وجسديا، ثم اقترابه جعلها تبتعد بنفور الا انها شعرت بنغزات شائكة بسبب لحيته على خدها حينما مال هامسا بصوت محذر
- انتي تحبين أن ألمسها، ان كنتي مهذبة ما عاندت كالبغال
حاولت نزع يدها من قبضة يده لتصرخ حرفيا في وجهه ولم تعبأ بالجميع ولا حتى الأنظار التي وقعت عليهم
- اتركها.

تنظر اليه بعدائية وجسدها ينفر منه بطريقة جعلت شياطينه على وشك افتراسها، هل لتلك الدرجة متساهلة مع حبيبها الجديد، بل تجلس معه بأريحية شديدة وتنشرها على صفحتها الخاصة، لكن لما يشعر بوجود شئ خاطئ
حلقة ناقصة، تبدو انها ليست من النساء اللاتي تحب ان تكون داخل البؤرة، لمرات صدته، بل لمرات حاولت ابعاده، لكن هو عنيد، بل مصر لمعرفة تلك المرأة التي يشعر معها بالاكتمال لم يشعره سابقا.

تحفز بداخله الغضب والغيرة ثم الحماية والامان، جذبها بعنف قائلا بحدة
- اجلسي
زفرت بحنق متأففة لتجلس على المقعد شاكرة ربها انه ترك يدها، مسدت باناملها على موضع لمسات ذلك الخشن الجلف، رمقته بنظرات ممتعضة نارية الا انه تغاضى عن كل شئ ليبتسم بهدوء قائلا
- تبدين غاضبة، لكن جميلة في آن واحد
الكلمة خرجت حميمية بطريقة جعل تشعر باشتعال وجنتيها والغضب بلحظة تطاير، إلا أنها سرعان عادت تجلد ذاتها.

رغم كل ما بذلك الرجل من صفات جيدة الا ان السيئ كثير، بل كثير جدا
بجانب انها لا تعلم من هو تحديدا، وسلساله الذي تري بدايته من فتحة قميصه البيضاء مبرزة صدره العضلي ثم تلك الذراعين المفتولتين جعل عينيها ترمشان للحظات خشية أن يقبض عليها متلبسة وهي تسترق النظر إليه، حاولت تهدأ تلك الطواحين في عقلها.

الا ان رائحة عطره ازكمت انفاسها وجعلها تتشتت، حضوره طاغي بل تأثيره سيئ عليها، أغمضت جفنيها للحظة واحدة ثم فتحتها وهي ترفع رأسها لتراه عينيه لم تنزاح بعيدا عن وجهها متفرسا تفاصيل وجهها، شعرت بالارتباك تبعها انفلات دقات قلبها عن عقاله، همست بصوت جاهدت أن يخرج هادئا مسموعا لأذنيه.

- ما حدث تلك الأمسية خطأ، بل الحق على أنا وحدي لأنني تركتك تتجرأ وتلمسني وأنا، انا لا احب ذلك، لا احب شخص غريب يقترب مني لتلك الدرجة، لكن أعيد وأكرر أنا من تركتك تتجرأ كل مرة عن السابقة، انا لا اريد هذا، أنت تجعلني أسوأ سرمد، أسوأ وبشعة بطريقة اتقزز من رؤية وجهي في المرآة، بغبائي وحماقتي استسلم رغم نفوري لكن استسلم وانا تعبت.

رغم شعورها بالاختناق والقنوات الدمعية ترسل رسالة تحذيرية بالبكاء إلا أنها لم تستطع على الصمود، سارعت بمسح الدموع من عينيها وهي تتحاشى النظر إلى عينيه بعد ما قالته، صمت سرمد حينما استمع إلى صراحتها، إذا ما تكرهه هي تصرفاته فقط كون لها طباع سئ عنه، اشار لنادل الذي كان على مقربة منهما ليسألها بهدوء قائلا
- ماذا تتناولين؟ أم تحبي أن أختار على ذوقي؟

رفعت رأسها بحدة مندهشة من رد فعله على ما قالته، هل لم يكترث لها؟!، هل هو للتو تجاهلها، شعرت بالحماقة بل الندم انها قابلته، ذلك الفظ، الذي لم يتعلم الاتيكت بل لم يهتم بها حرفيا، عضت باطن خدها وهي ترسل له نظرات نارية تكاد تحرقه من مكانه إلا أنه نظر إليها بهدوء وبرود شديد ليخرج صوتها متحشرجا حينما شعرت بالنادل الذي انتظر كثيرا
- أريد ماء فقط.

هز سرمد رأسه مغمغما بالايطالية مما جعل شادية تشعر بالاندهاش وهي تري النادل هيئته اجنبية عن الباقين
- كما اخبرتك يا صديق، املئ الطاولة بالطعام لأن امرأتي جائعة
بقدر كرهها انها لا تعلم ماذا يجري حولها، وأنها تراه يتعمد فعلها سألته بحدة قائلة
- ماذا قلت له؟
أجاب ببساطة شديدة قائلا بابتسامة هادئة
- أطلب الطعام
رمشت بأهدابها عدة مرات، هل استدرجها ببطء إلى موعد، انتفضت من مقعدها وكأن عقرب لدغها لتهمس بتوتر.

- لا أريد الجلوس لفترة طويلة معك، انا اخبرتك ما أردت قوله واتمني أن تفهم ما قلته جيدا تلك المرة
يبدو ما قالته لم يعجبه اطلاقا اذ سرعان ما استقام هو الآخر من مقعده المقابل لها وحينما شعرت انه اقترب منها تراجعت خطوتين تلك المرة تحذره بعينيها من الاقتراب، انتفض جسدها من همسه الخافت الملئ بالوعيد
- اجلسي، لا تستفزيني وألمسك ثم تبكين وتقولين اني ألوثك.

لاحظت السخرية اللاذعة في جملته لتعود الجلوس مرة أخرى وهو الآخر جلس لكن سحب مقعده مقتربا لمقعدها، انكمشت في جلستها رغم أنها شعرت بالراحة لجلوسه في مقابلتها إلا أن اقترابه منها بمقعدها جعلها تتحفز رغم المسافة الآمنة لكنه قريب منها، استمعت إلى صوته الغاضب
- تركتك تقولين ما في جعبتك، والآن حان دوري، من هذا الذي سمحتي له بلمسك ولمسي انا محظور.

رفعت رأسها متفاجئة من ذلك الغضب في صوته، ونظراته الداكنة المشتعلة، ماذا يريد هذا الرجل؟ هل يريدها ان تفقد عقلها؟! تلك الغيرة من رجل غريب عنها لم تعتادها بعد، لم تعتادها وحينما تصدر من رجل غربي هذا حتما جنون، هي ليست حبيبته ولا توجد أي صفة يجعل له الأحقية في سؤالها
زجرته بنظرة تخبره ان لا يتخطى حدوده في حياتها
- سرمد.

لعن سرمد بالايطالية ثم مال برأسه مقتربا منها جعلها تتراجع برأسها وهي تراه على حافة فقدان سيطرته، نبضات قلبها يخفق بجنون وهي تختبر ذلك الشعور بالتملك الخانق.

- اعتقد اننا جئنا لتسوية الأمر، من هذا اللعين، الم اخبرك، الم اخبرك بان تحافظي على مسافة بينكما، لما لا تستمعين، لما تحبين تثيرين غيرتي وغضبي في آن واحد و تتعمدين العناد، من هذا اللعين؟ هل حقا حبيب قديم غير خطيبك واخبريني بعدد الرجال في حياتك لانني ارغب في قتلهم حالا حتى لا يتجرأ ذكر ويظهر مرة أخرى
ازدردت ريقها بتوتر، محاولة ترطيب حلقها لتهمس بهدوء وعينيها المتسعة بصدمة في عينيه الداكنتين.

- اخبرتك انه لا يوجد رجال في حياتي، ولتعلم أنا لم أمر بعلاقة سوى واحدة فقط وفشلت فشل ذريع
لاحت ذكرى معاذ مما جعلها تشرد للحظات عنه، متذكرة انها يجب ان تتخلص من ذلك الكابوس من حياتها نهائيا، اجفلت من ضربة للطاولة وهو يصرخ بصوت خفيض
- إذا من هذا
نظرت اليه بذعر، ترى ملامحه الإجرامية لتجيبه باستسلام
- انه اخي، لو نظرت ودققت جيدا سترى أنني هو لكن بنسخة انثوية.

خمدت كل النيران المتأججة في صدره لينظر اليها للحظات، صمت غلفهما وهو يشعر ان اصبح أهدأ لكن ما زالت هناك جذوة مشتعلة تخبره انه يحق له بذلك القرب الدافئ رغم كل شئ، ارتسمت ابتسامة على شفتيه وكاد ان ينفجر ضاحكا، نيرانه بردت انه الوحيد وسيظل الوحيد الذي سيمتلك حياة تلك السمراء ليقول بنبرة معارضة
- تبا، لا يوجد شبه ولو بنسبة ضئيلة بينكما، انتي جميلة، جميلة بطريقة مؤلمة لي.

تلك النبرة في صوته جعل جسدها يرتجف لتخفض رأسها وهي تسمعه يقول بجدية
- هل تعلمين لو سألتك إن كنتِ تريديني في حياتك سأسمع الرفض من لسانك لكن عينيك يا فاتنة تخبرني أن أظل بجوارك، وهذا يجعلني أنتقل للسؤال الثاني هل تودين معرفتي حقا؟ انتي حتى لم تحاولي معرفتي
بل تريد الآن، أسئلة كثيرة تود أن تسأله عنها، هاجمته بسؤالها قائلة
- من انت؟
ارتسمت ابتسامة على شفتيه قائلا بنبرة ماكرة.

- إن أجبتك على هذا السؤال، فهذا يجعلك بكل بساطة توقعين لي عقدا شفهيا بأن تكوني قربي ولا أعني هذا بمعنى سيء بالطبع
توردت وجنتيها رغما عنها حينما شعرت ب ايحائاته الوقحة، قررت تلك المرة أن تجاريه في تياره وهي تسأله قائلة
- ما هي رؤيتك لنا كما ترغب؟
وضعت له الكرة في ملعبه، تود معرفة ذلك الرجل إن كان سيتخذها مجرد رفيقة لأيام أم حبيبة مؤقتة
! أم شئ آخر وقح منه، لاحظت تلك اللمعة في عينيه.

شئ اخبرها انه يرغبها بطريقة جعل انفاسها تنحبس في صدرها لتفترق شفتيها وهي لا تصدق ذلك، الوقح، الفاسد يرغبها بطريقة مقززة لتلك الدرجة، ما جعلها تبتلع شتائمها التي تود قذفها في وجهه تلك النظرة منه المتطلبة منه أن تهدأ شياطينها
هل لتلك الدرجة شفافة بالنسبة له؟

ابتسم سرمد وهو لا يصدق برتقاليته خيالها جامح بطريقة جعلته يود أن يجذب مقعدها ويقبلها هامسا في اذنها ما يود فعله معها، سرت في عروقه نيران أشعلها بغبائه، ليهمس بصوت اجش وعينيه على تلك ما يؤرق نومه
- اشياء أفضل ألا اتحدث عنها لآن، لا أرغب بسماع شتيمة تخرج من شفتين ناعمتين مثلك
لم يعجبها ما قاله لتزم شفتيها بحنق ونظراتها تخبره لن تتغير ، زفر بحرارة قائلا وهو يرفع كلا يديه قائلا بأستسلام.

- حسنا لا تخطي في الحدود، سنعقد صفقة سألتزم بحدودي ولن أقترب منك لكن تسمحين لي بأن أجعلك تعرفيني عن قرب بدلا من رفضك وصدك المستمر لي
رغم انها تشك في قدرته على المحافظة لمسافة آمنة بينهما، هل حقا سيستلزم به؟ أم لن يقدر؟ هزت رأسها وهي تقول بنبرة محذرة
- حسنا، لكن إن حاولت حتى ولو بالتلميح لشئ وقح كل شئ لاغي
ابتسم سرمد وهو يقول بنبرة غامضة
- وعدك هذا دين.

تعلم ان جميع مقابلتهم كان على وشك كسر عظامها، لذا هو من عليه وليست هي، سألته بنفاذ صبر
- أعلم هذا جيدا، من انت اذا؟
البرتقالية متعجلة لمعرفته، قال ببساطة شديدة معرفا عن نفسه
- سرمد النجم، خلال أشهر سأصبح في الرابعة والثلاثون، أعزب لم أجد بعد امرأة تشاركني حياتي، تعلمين عملي لذا هذا كل شئ
هل هذا كل شئ، نظرت اليه بعبوس وبعض الضيق، الا انها اندفعت تقول سبب ارقها
- السلسال
عبس وهو يسألها بعدم فهم
- ماذا؟

نظرت إلى عنقه لتسأله ببرود
- السلسال الذي ترتديه، هل هو لك؟
ارتسمت ابتسامة على شفتيه أشبه بالحنين لتراه يخرج القلادة من مخبأها لتقع عينيها على آية الكرسي وهو يقول بنبرة اجشة
- ليس لي، انه من أمي، جعلتني أعدها بعدم خلعه منذ بدأت أشق طريقي في التصوير وأتجول بين البلدان.

رأته يميل مقبلا القلادة ثم أعادها مرة أخرى لتختفي بين طيات قميصه، عضت باطن خدها واجابته هدأت دوافعها الغبية لإبعاده، لكنه ما زال غربيا بل ووقح، غمغمت وهي تحاول ان تجره في الحديث
- كثير السفر إذا!
رغم معرفته أن ما تفعله هو اختبار أنثوي دقيق منها، لكنه مرحب بشدة لجميع اختباراتها ليجيبها قائلا
- نعم لكن احاول ان اكون فعلت الكثير من الاشياء قبل ان اصاب بالشيخوخة، ماذا عنك هل سافرتي قبلا في الخارج؟

تفاجئت حينما أدار الطاولة وهو يوجه السؤال اليها، أجلت حلقها وهي تجيبه قائلة
- افضل ان اكون في مكان الجميع يتحدث لغة اعلمها واستطيع ان افهمهم، لا احب ان اكون في منطقة مجهولة ولا افهم ماذا يقول الجميع من حولي او الاسوأ لا اجد شخصا لا يتحدث الانجليزية ويتحدث بلغته المحلية.

الجو المشحون اصبح هادئا، رغم انها متحفزة في إجابتها ومندفعة في اسئلتها الا انه افضل بكثير عن الشد والجذب الذي يحدث كلما تقابلا، غمغم باريحية شديدة معها قلما حدثت بل لم تحدث اطلاقا مع امرأة
- حسنا اوافقك على هذا وحدث لي كثيرا، لكن يا صغيرة فاتك الكثير من انعزالك للجميع
رفعت حاجبا وهي تستنكر كلمة صغيرة التي خرجت منه، الرجل هل يراها صغيرة! أجابت باقتضاب شديد
- افضل العزلة.

انتبهت على النادل الذي جاء واضعا اطباقا كثيرة لتتسع عيناها من احجام البيتزا المارجريتا التي لم تجربها مطلقا وهي ترى لا تبدو شهية وهي تراها مجرد قطعة خبر فوقها صلصة ثم جبنة ثم ما هذه الأوراق الخضراء؟! هل هذا ريحان؟ لم تنتبه إلى باقي الانصاف الموضوعة بل نظرها على حجم البيتزا تلك، رغم ان معدتها أصدرت زئيرا عن عدم تناولها الطعام منذ بداية اليوم بل واعتذارها عن الغذاء مع عائلتها وشقيقها وزوجته إلا أنها تفضل بيتزا الأخرى المليئة باللحم او الدجاج، انتبهت على صوته وهو يقول.

- دعيني اخبرك ان هذا المطعم افضل مطعم ايطالي هنا، لكن يجب تجربة البيتزا في نابولي حيث هناك لذة خاصة
انتظرت النادل ان يضع الكاتشاب، بالرغم ان المطعم ايطالي الا انها في مصر بالنهاية ويجب ان يكون طبق ملئ بالكاتشاب والصوصات الاخري كالمطاعم التي اعتادتها في فترة جامعتها، رأته يسحب شريحة متناولا إياها بتلذذ لتعبس قائلة
- لما لا يوجد كاتشب؟
وضع سرمد قطعته على طبقه الخاص وهو ينظر اليها بجنون قائلا
- معذرة!

تعلم ان الإيطاليون متحفظين بدرجة كبيرة إلى اطباقهم، لذا بوداعة شديدة سألته بحنق
- كاتشب سرمد، اريد كاتشب لانني لا احب تناولها بدون كاتشب
عقد جبينه بسخط قائلا
- تمزحين صحيح، الامريكان أفسدوا طعامنا، اللعنة لو كنتي هناك لطلبوا منك تناولها خارج مطعمهم
ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتيها وهي تري السخط والحنق مما جعلها تقول ببساطة
- ولحسن الحظ أنا هنا، لذا سأطلب الكاتشب والمايونيز.

رفعت يدها تجذب انتباه نادل ولحسن حظها انه مصري لتقول إليه ببساطة
- عايزة كاتشب ومايونيز لو سمحت
عادت تنظر اليه بهدوء شديد وهي ترى ملامحه المتجهمة مما جعل سعادة خفية تنفجر في أوردتها، رأته يغمغم بفظاظة
- تذوقي الفوكاتشيا
تفاجئت من أنها تأخذ قطعة من شريحة تشبه البيتزا من يده لتأخذ قضمة صغيرة قائلة
- تشبه البيتزا المنزلية لكن بدلا من الصلصة والاضافات مجرد اعشاب.

لكن لن تخبره انها اعجبتها، قضمت بهدوء شديد وهي تكاد لا تصدق انها جائعة لتلك الدرجة، شكرت النادل الذي جاء بالكاتشاب والمايونيز، نظرت بطرف عينيها الى سرمد الذي أشاح وجهه بتقزز متناولا شريحته لتبتسم بشماتة وهي تسحب شريحة من البيتزا وتضعها في طبقها تضع الكاتشب والمايونيز ثم بهدوء شديد قربت الطبق قائلة بنبرة ناعمة
- تذوقها سرمد.

حدجها بنظرة مميتة والي الطبق الذي شعرت انه يود ان يلقيه في القمامة ليقول برفض قاطع
- ابدا
ارتسم الحزن في وجهها لتطلب منه قائلة ببعض التوسل
- من فضلك
ذلك التوسل في صوتها ومن عينيها الكهرمانيتين جعله يأخذ الطبق بحدة لاعنا بالايطالية
- اللعنة على الامريكان
أخذ قضمة وهو ينظر اليها بوجوم شديد، محاولا ابتلاع ذلك الشئ سريعا قبل أن يوشك على قذفه، سألته بفضول
- جيدة؟

أجاب بحنق شديد وهو يعيد الطبق لها بالشريحة المتبقية، لا يصدق أنه تناول هذا الشئ الذي أفسد حلاوة البيتزا المارجريتا
- مريعة، بل فاسدة
هزت رأسها وهي تسحب شريحة اخرى تتناولها دون أن تضع اضافات لتستحسن طعمها الا انها اضافت القليل من المايونيز ثم عادت تلتهمها بتلذذ شديد وهي تسأله بهدوء
- إذا والدتك مسلمة؟

لا يعلم لما تصر تحديدا لسؤاله عن ديانته إلا أنه يفهمها، هذا اول شئ محتمل تسأله وهو شخص كتوم ومنغلق عن إفصاح هويته لأحد
- نعم ووالدي
هزت رأسها وهي تسحب شريحة أخرى تتناولها بدون اضافات، تعترف أن طعمها أفضل بكثير من أي اضافات لكنها لن تعترف له، ضيقت عيناها حينما وجدته يحدق بها بطريقة اربكتها لتسأله ما طرأ على عقلها
- هل والدتك ايطالية؟
هز رأسه نافيا ليقول.

- والدتي عربية تحديدا من الشام وعاشت هنا ثم التقت بوالدي و اخذها الى بلده إيطاليا
اتسعت عيناها قليلا من كم المفاجآت التي تلقتها، رغم اختصاره الشديد إلا أنها صمتت مكتفية بهذا الوقت من الحديث ستتناول تلك البيتزا ثم ستعود للمنزل.

لم يكن سرمد لديه شهية، حيث تناول الطعام منذ ساعات قليلة، اكتفي فقط ببعض اللقيمات تاركا الفاتنة الجائعة تشحن طاقتها، كاد ان ينفجر ضاحكا وهو يراها تترك الشيئان المفسدان للبيتزا جانبا، تلك الماكرة المتلاعبة هل خدعته؟
غمغم قائلا بهدوء
- اريدك ان تكوني معي في رحلتي القادمة، لا تذعري هكذا ستكون معي جيجي.

مد يده بكوب الماء حينما غصت بطعامها لتأخذ الكوب وهي ترتشف الماء محاولة استعادة انفاسها، حاولت ان تنظم انفاسها وهي تري الاهتمام من عينيه لتطمئنه بعينيها ثم غمغمت بارتباك
- لا اظن، عملي مزدحم للأسف ولا اظن انني
قاطعها قائلا
- خذي عطلة لن تحدث كارثة إن أخذتي يوم، لن تندمي أعدك
لا تحب ذلك الإصرار منه، ذلك الإصرار الذي يجعلها مستسلمة له لتقول بحنق
- لا تصر، لا احب هذا ايضا.

ارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتيه وهو يغمغم بلغته الاصلية
- كما تشائين، تدللي كما ترغبين لا امانع
رأي نظرتها الحانقة من عدم فهمها للغته لينظر إليها بمكر غير مكترثا بأن يعيد ما قاله بالانجليزية ان كانت مهتمة لتلك الدرجة فلتتعلم لغته وسيكون حريصا على أن يكون معلمها، ليعلمها حرفا حرفا بتأني شديد!

تمسح العرق المتصفد على جبينها، تلهث بانفاس متقطعة وهي تركض على آلة الركض، مستواها في اللعب تدني كثيرا، والاطفال المشاغبون في المؤسسة يستهلكون طاقتها، ارتسمت ابتسامة على شفتيها وهي تتذكر في الصباح انها ارسلت الملابس الرياضية الجديدة للأطفال، تتمني ان يعجبهم وان يليق على مقاسهم، شردت في صاحب العينين الخضراوين، لا تعلم كيف تحدثه وتخبره انها انهت قميصه، هل تتصل به؟! ام ترسلها لشركة شحن رافعة الحرج!

اخذتها الحماسة والجرأة وهي توقف الآلة لتسحب هاتفها من حقيبتها التي تركتها بجوارها، تجرعت الماء على جرعات صغيرة وهي تزفر بتوتر وهي تنظر إلى رقمه بتوتر
زحفت الحمرة تدريجيا وهي تتخيله بقميصها الذي صنعته، ضغطت سريعا على الاتصال قبل أن يخذلها حيائها وخجلها ووضعت الهاتف على اذنها، قلبها يدق بعنف شديد مزامنة على أصوات الرنين، ما ان استمعت الى صوته سارعت تهمس بتوتر
- صباح الخير يا عاصي.

خارت قواها وارتمت على أقرب مقعد وهي تسمع إلى نبرته الحميمية، هل هي حميمية أم هي التي أصيبت بالحمى؟
- صباح الخير يا وجد
تلجلجت شفتيها، ثم تلعثمت، حاولت ان تشحذ طاقتها للرد عليه، زاجرة نفسها، ما بالك يا مخبولة الرجل لم يقل سوى صباح الخير، رفرفرت بأهدابها وهي تهمس بتلعثم
- انا كنت عايزة اقولك ان القميص جهز، تحب ابعتهولك.

حبست انفاسها وهي تستمع إلى رده، تشعر بالتحفز لسماع رده، عضت طرف شفتها السفلى وهي تنشغل بالاجواء من حولها، ترى الرياضيين من حولها وعضلات الرجال متباهين بها، لكن عضلات صاحب العينين الخضراوين نتيجة كداح رجل لم يجد عيبا بالعمل الذي يقوم به، استمعت الى صوت الضجيج ثم إلى صوته المرتفع
- مفيش داعي انا كدا كدا برا، قوليلي انتي فين
ردت بعفوية شديدة.

- انا حاليا في الجيم وبعد ما اخلص هروح على المؤسسة عشان اشوف اذا اللبس على الاطفال مناسب ولا لأ
عقدت جبينها حينما استمعت إلى صوته المتسائل
- قربتي تخلصي
نظرت الى الوقت عبر شاشة هاتفها ثم اجابت عليه
- يعني ربع ساعة بالكتير وهتحرك
شهقت منتفضة من مجلسها حينما رد عليها بأريحية شديدة، كأنه معتاد على توصيلها
- طيب هستناكي قدام الجيم ويبقي نتحرك على المؤسسة.

عضت على طرف شفتها ويكاد قلبها يخفق بجنون، هل ستقابله؟! لكن لم تأتي سوى بثياب الرياضة، ضربت جبهتها وهي تهمس بتوتر
- انا مش عايزة اتعبك يا عاصي، انت رجلك لسه وجعاك
أغمضت جفنيها حينما استمعت إلى صوته الدافئ
- انا كويس متقلقيش، ابعتيلي العنوان وهتلاقيني عندك.

لا تعلم ماذا فعلت سوى انها ارسلت له موقعها وركضت مهرولة إلى استراحة النساء تنعش وجهها بالماء ثم ارتدت سترتها فوق ثيابها تحاول ان تعيد تصفيف شعرها إلا أنها بالنهاية ربطته على هيئة ذيل حصان، سحبت جميع متعلقاتها واتجهت خارجا بانتظاره..

توقفت عن الركض ما إن وجدته واقفا امامها ينتظرها بصبر شديد محتفظا بعكازه، الا ان هذا لم ينقص منه شيئا بل بدي واثقا، مهيبا، تخضبت وجنتيها بالحمرة تأمل انه لم يري ركضها السخيف، اقتربت بهدوء منه حتى صارت على مقربة منه قائلة بابتسامة خجولة
- صباح الخير.

كاد أن يرد التحية لكن احتدت عينيه بالخطر الشديد وهو يرى اسفل سترتها الانثوية ما دفع النيران تغلي في أوردته، رفع رأسه ما ان لاحظ بعض الشباب تخرج من الصالة الرياضية، ليعيد النظر إليها بجنون، تراجعت خطوة مستشعرة الخطر لتهمس بقلق
- ايه يا عاصي فيه حاجه غلط
جز على اسنانه ضاغطا بقوة على عكازه كي لا يفقد تهوره، الا ان صوته خرج غاضبا
- هو الجيم ده مش المفروض فترة نسائية؟

هزت رأسها نافية وهي تجيبه بعفوية شديدة ترفع خصلة شاردة بعيدة عن عينيها
- لا يعني على حسب، الفترة النسائية ملحقتهاش ودي الفترة المفتوحة
تفحص ثيابها الرياضية، بداية من ظهور عنقها البض وسترتها التي تراخت على كتفها الأيمن ليظهر ذراعها المرمري نزولا إلى سروالها المستفز الذي يلف ساقيها بحب شديد، استشاط غضبا وهو يقترب منها هامسا بحدة
- يعني انتي كنتي بلبسك ده والله اعلم كنت مبينة ايه جوا قدام الرجالة.

نظرت إلى ثيابها ثم عادت تنظر اليه لترفع السترة قائلة بعبوس شديد لصراخه الهادئ في وجهها
- عاصي
طحن ضروسه حانقا ليهمس بغضب
- كنتِ قالعة ولا مش قالعة
شهقت بفزع وهي تقول باعتراض
- ايه قالعة دي يا عاصي، هو كان كات بس وبنطلون
ابيضت سلميات اصابعه حول العكاز الذي يكاد يهمشه، ليرفع رأسه قائلا
- الصبر، الصبر يارب.

عاد انظاره نحوها بغضب، وغيرة تقتات من روحه، الحمية الشرقية تكاد تدفعه لقتلها وقتل من رأي ما يصح له فقط رؤيته، صبرا، تصبح زوجته وتلك الاشياء سيحرقها حرقا ويأتي لها بثياب راضي عنها
- فيه ايه يا عاصي
استمع الى صوتها الناعم لأسمه، ليغمغم بغيرة لم يحاول إخفائها
- فيه يا هانم انك فتحاها على البحري، لأ ولما بتشوفيني بتقفلي البلكونة اللي فتحاها للي رايح واللي جاي.

استشفت الغيرة من نبرة صوته الحانقة ثم عينيه التي بدأت تترصد لكل رجل حولهما لتعبس قائلة بعدم فهم
- بحري ايه يا عاصي وبلكونة ايه، انا مش فاهمة
صاح بلهجة صارمة وعينيه ترسل رسائل مميتة جعل جسدها يرتعد خوفا
- يلا بينا نطلع على المؤسسة
سارت عدة خطوات إلا أنها همست
- بس انا معايا عربيتي
حدجها بنظرة مميتة جعلها تهمس بحنق شديد
- خلاص هجيب حاجتي وهاجي
لمعت عينيه بتسلية إلا أنه صاح بفظاظة
- اقفلي السوستة.

احتدت عينيها الداكنتين لتهمس بعدم رضا
-الجو حر يا عاصي
حدجها بنظرة صارمة وهو ينظر إلى سحاب سترتها قائلا
- اقفلي
اغلقت سحاب سترتها مصدرة حنق مصطنع، قلبها يكاد يخرج من ضلوعها وهي تشهد بطريقة ملموسة غيرته نحوها، لن تكذب عينيها تلك الغيرة الحارقة واندلاع النيران في عينيه لتقول بحنق زائف
- تمام كدا.

هز رأسه برضا وهو يسير نحو سيارتها لتأخذ متعلقاتها ثم التفت إليه لتراه يشير اليها نحو سيارة اجرة في انتظارهما، عرض عليها حمل متعلقاتها إلا أنها بكل برود تجاهلته وتقدمته نحو سيارة الاجرة تصعد المقعد الخلفي بهدوء شديد، جز عاصي على اسنانه مزمجرا بحدة، عنيدة بل غبية ايضا، لكنها آسرت قلبه، مرت ابتسامة هادئة على شفتيه وهو يجلس على المقعد الامامي ليطلب من السائق أن يتجه نحو وجهته التالية..

بين الحين والاخر يرفع عينيه عبر المرآة ليراها تعبث بهاتفها، تتجاهله إذا
تريد ان تلعب معه لعبة التجاهل؟، بصمت شديد نظر عبر النافذة منتظرا وصولهم نحو وجهتهم...
ترجل من سيارة الاجرة لتتبعه وجد تتبعه وهي تهمس بحلاوة شديدة لاسمه
- عاصي
اضطر أن ينظر إليها لينظر إلى وجهها الذي امتعق بحمرة الخجل، تلعثمها جلب لقلب بسمة وهي تمد يدها بحقيبة ورقية قائلة
- اتفضل جواه قميصك.

امسك الحقيبة ثم اخرج قميصه المحفوظ في حافظة شفافة ليهمس بتعجب
- أسود!
صار وجهها كثمرة طماطم طازجة وهي تهمس بارتباك
- اللون كلاسيك وكمان بيدي هيبة للراجل، ده غير اني مشوفتكش باللون ده قبل كده فقولت اعمله
أجبرت لسانها عن التوقف باخباره بعفوية ما تقوله، لتبتسم بارتباك وهي ترى نظرة عينيه المليئة بالفخر قلما رأتها في عيون عائلتها، زفرت براحة وهي تسمعه يغمغم بمكر
- شكرا، بس ده ميمنعش ان لسه فيه البدلة.

هزت رأسها ثم اندفعت قائلة
- لما تقيسه قولي لو مضبوط
نظرت بارتباك إلى التسلية التي لمعت في عينيه وهو يقترب منها خطوة قائلا
- ابعتلك صورة يعني وانا لابسة
شهقت بخجل وهي ترفرف باهدابها تحاول ترطيب حلقها الذي جف لتهمس بتوتر
- لا لا يا عاصي، يعني تقولي لو كويس ولا لأ.

نظراته المتفرسة لها جعلتها تخفض نظراتها أرضا متحاشية النظر إليه، لا تحب هذا العاصي، تفضل العاصي الاخر، صاح نداء طفولي مرتفع مما جعلها تشكر وجود تلك الطفلة التي انقذتها من نظراته اللاهبة التي لا ترحم
- دكتور عاصي
اندفع بعدها عدد غفير من الأطفال لتنفجر ضاحكة برقة قائلة
- جماهيرك يا دكتور.

اقتربت تسبيح بملامح مشرقة وهي تحتضنه من ساقيه ليرفعها عاصي على ذراعه السليمة، قلقت وجد وهي تري تشنج وجهه وبعض الألم الذي ظهر على صفحة وجهه لتهم بأن تخبر تسبيح ان لا تتعب عاصي، الا ان عاصي طالبها بالصمت، منذ متى هي تفهم لغة العيون؟!
لم تفهمها سوى معه، نظرت بقلق شديد اليه والي الطفلة التي ليست واعية إلى ما تقوم به وهي منشغلة بثيابها الرياضية قائلة
- شوفت يا دكتور عاصي اللبس الرياضي الجديد.

مال عاصي مقبلا جبهتها ثم اخفض جذعه لتضع تسبيح ساقيها على الارض ووجد كادت يخشي عليها من فرط القلق، ابتسم عاصي بين ألمه، الاميرة تخشي عليه بجنون، طمأنها بنظرة عينيه ليعبث خصلات تسبيح قائلا
- نشكر المصممة المبدعة بتاعتنا يا تسبيح ولا انتي ايه رأيك
هزت تسبيح رأسها ثم اندفعت تحتضن وجد بقوة مما جعل وجد تهبط بجذعها حتى تصبح في مستوى طولها، مالت تسبيح تقبل خدها قائلة بسعادة
- شكرا جدا، انا بحبكم اوووي.

ثم اندفعت تعود للداخل ليحدث هجوم التتار نحو عاصي، عاصي الذي لم يشيح بعينه عن ذلك العناق والقبلة التي فعلتها تسبيح
وجزء داخلي يشعر بالحنق، كم ود أن يكون هو مكان تلك الصغيرة ويقبلها تلك الأميرة، متى يحن الوقت ليرى تقبل الاميرة لحياته المختلفة عن حياتها المرفهة مائة وثمانون درجة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة