قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن والخمسون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن والخمسون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن والخمسون

في حي عاصي،
توقف غالب ينظر إلى الحائط الذي ضم العديد من الشهادات التي حصل عليها الرجل، لن ينكر اعجابه به وبما حققه، بل خلال البحث عنه لم يجد بالرجل شائبة، رغم تخرجه من كلية الطب، إلا أن عمل لسنوات كحارس شخصي، ومعتاد على الذهاب الى المؤسسة الخيرية التي تذهب إليها حفيدته مؤخرا...

لا يعلم كيف تعرفت عليه حفيدته، بل من كثرة الشهادات والجوائز التي أخذت حرفيا عرض الحائط بأكمله جعله يتعجب، هل هذا الرجل حقيقي؟!
ولما لا، يكفي ان جدته تحية الشوربجي، يتذكر أنها تحدت المجتمع والجميع ورفضت ابن خاله وقررت الزواج من جزار في حي شعبي، تركت الفتاة رجلا تحلم الفتيات الاقتران به وقررت الزواج من رجل معدم في خانتهم المخملية، لوظيفته التي تعتبر ليست دائمة...

يتذكر انه كان يشاهدها في النادي الخاص، امرأة مفعمة بالكثير من الطاقة، والجرأة، جرأة لم يراها قبلا في امرأة، كان هذا سر اعجاب ابن خاله لها وقراره للتقدم إليها، لكن يبدو ان الرياح تجري بما لا تشتهي السفن!
اخفض رأسه ولا يصدق أن تحية الشوربجي، ابنة أكبر صاحب متاجر المصوغات الذهبية والمجوهرات انتهى بها الحال لتعيش في منزل، لا يليق حقا بمقامها، لكن تبدو راضية تماما.

هل ستتحمل صغيرته ذلك التحول؟!، ما علمه من خلال بحثه أن الرجل يعمل في العديد من المجالات بداية من السباكة والنجارة وتلوين الحوائط، ماذا تبقى من أعمال لم يجربه ذلك الفتي الذي قرر ترك شهادة تجعله يستطيع في أكبر المستشفيات في الشرق الأوسط، انتبه من شروده على صوت تحية التي قالت بهدوء
- القهوة
ابتسم بهدوء وهو يلاحظ باب منزلها المفتوح دون نية في غلقه، اتجه ممسكا منها الصينية قائلا بتهذيب
- متشكر جدا.

ابتسمت توحة بهدوء شديد وجلست على مقعدها وهي تنظر إلى غالب المالكي، الرجل الذي جاء إلى عتبة منزلها وبدي متفاجئا من وجودها، رغم منذ زمن بعيد لم تحب مصادقة الأغنياء وابنائهم وفضلت عليهم اصدقائها في حيها قبل أن يزدهر عمل والدها وتترك حيها إلى حي راقي لا يرتاده سوى الاغنياء، واجهت العديد من نظرة التقزز، ينظرون إليها بترفع شديد، متجاهلين اياها، وحينما أصبح والدها اسم لامع في عمله، قابلت كل فرد منهم في متجر والدها، والدها الذي لم ينجب غيرها مقررا ان يجعلها خليفته في العمل، عرفها على كل فرد من العائلات الثرية، ومن ضمنهم المالكي، وغالب المالكي الذي أرسل دعوة لوالدها لحضور حفل خطبته من امرأة لا تتذكر ملامحها، بل تلك الليلة كرهتها حقا، يوم قابلت قريبه الذي لم ينفك عن التقرب منها، زفرت بحدة وهي تحاول ازاحة الذكريات السيئة من عقلها وهي تنظر إلى غالب بتساؤل عن سبب وجوده.

ليست مغفلة لتلك الدرجة لعدم معرفتها ان زوجة حفيدها المستقبلي هي حفيدة واحد من اهم الاعمدة وأكثرهم ثراء في العائلات المصرية، لكن منذ مجيئه ومفاجأته بمقابلتها علمت ذلك الرجل ما كان واشك على القيام به، لو كان حفيدها هنا وقابله تكاد تقسم ان حفيدها الغبي سيصرف نظره عن زواجه، ثم ينعزل عن الجميع وتراقبه يذبل حفيدها يوما بعد يوم.

نظرت اليه بتحفز شديد وهو يرتشف قهوته بكل رقي ورجل ثري ولد من معلقة من ذهب ليتنحنح غالب قائلا
- الزمن عدى بسرعة
هزت توحة رأسها قائلة واضعة يديها على مسند المقعد
- بسرعة يا جدا يا غالب
ابتسم غالب واخفض نظراته أرضا، كما هي لم تتغير، لسانها اللاذع وهجومها في الحديث كما لو كانت ابنة العشرون من العمر، رفع عينيه ناظرا اليها
لم يتغير بها شيء.

كما هي، سوى من بضعة تجاعيد تخبره عن عمرها، لكن ما زالت بروحها الشبابية
- لسه زي ما انتي يا تحية الشوربجي، مين يصدق اني اقابلك تاني
قالها وهو ينظر اليها بهدوء شديد، يرى التحفز في عينيها ليسترسل قائلا
- كنت الاولي اللي غيرت القوانين وجريئة كفاية انك تطالبي بحقك
تنهدت توحة بهدوء ثم تمتمت بجمود
- قولتها بنفسك يا غالب، حقي، ودي الحاجة الوحيدة اللي بحارب علشانها.

تفهم ما تحاول ارساله اليه، الام تدافع بشراسة عن طفلها، ارتسمت ابتسامة على شفتيه، هو ايضا اب يخشي على صغيرته من الحياة، ويريدها أن تكون مع رجل يعلم أنه لن يقدر على المساس بها بأذى، استحوذ انتباهه إلى صورة موضوعة على طاولة صغيره لصورة حفيدها بثياب تخرجه وهي بجواره يميل مقبلا رأسها، نظر بحنين إلى الصورة ثم غمغم
- حفيدك
عقدت ذراعيها على صدرها قائلة.

- عاصي مش مجرد حفيد ليا، ده سندي في الدنيا، انا مليش غيره وهو ملهوش حد في الدنيا بعد ربنا غيري
هز رأسه بتفهم شديد قائلا
- وانا واثق في ده يا تحية هانم
اشاحت بيدها متمتة بحنق
- بلاش هانم دي، انا سبت الالقاب دي من وانا عندي عشرين سنة وقررت اتجوز حب حياتي
الشجن في صوتها جعله يعلم أنها لم تندم ولو للحظة جراء ما فعلته، ارتسمت ابتسامة على شفتيه وهو يغمغم.

- وحد ينسى، تحية الشوربجي اللي سابت ابن خالي وقررت تتجوز واحد من منطقة شعبية
صاحت بحدة شديدة وتحفز جسدها للانقضاض عليه ان تجرأ ومس زوجها بكلمة.

- بس انت عارف اني مكاني مكنش معاكم، كرهت النفاق والسم اللي بتحطوه في العسل وزواج اللي تبقي ست هي الضحية بين اب كل اللي همه مصالح شغله وجوزها اللي شايفها مجرد قطعة ديكور اتحطت في بيته، بس هنا اختلاف كبير يا غالب، تعرف طول عشرين سنة اللي قعدت فيها في الفيلا ما حسيت بالدفا والراحة هنا في المنطقة دي بالذات، تخيل دلوقتي العيل اللي مكملش سبع سنين تلاقيه بيتكلم بجرأة في حاجات كنا بنقول عليها عيب وغلط واحنا كبار حتى بنتكسف نقولها.

يتفق معها لما قالته، الجيل الجديد قنبلة موقوتة ليهز رأسه متمتما
- كل جيل وليه كوارثه وايجابياته
صاحت باعتراض شديد واحتدت عينيها بشراسة
- مفيش ايجابيات يا غالب، المنطقة الهادية بقت مليانة بحاجة مقرفة اسمها تكتوك ومشغل اغاني قذرة انا للحظات بتصدم من كلامها والاقي عيال بتردد الكلمات ببساطة
اجابها بهدوء شديد
- الانفتاح العالمي بسبب النت، خلي الطفل غصب عنه مشدود انه يعرف كل حاجة أهله بيمنعوه عنها.

اتسعت عيناها لوهلة لتغمغم بغيظ
- عايز تقول ان التربية اللي اتربينا عليها غلط
لطالما يكره الاندفاع بالحديث، لذا قال بهدوء
- كل جيل وليه طرق تربية تواكب العصر اللي عايشينه
زاد عبوس وجهها الا انه ببساطة ازال عبوسها بكلمات مست قلبها
- بس انا واثق في تربية حفيدك ومتأكد انك علمتيه كويس
انشرحت أساريرها، ولن تكذب انها شعرت بالفخر لأبنها الذي ربته، لتقول.

- عاصي وامثاله بقوا قليلين يا غالب، انا عملت كل ما في وسعي اني اربيه منكرش انه متعبنيش، عاصي بطبعه حنين هو بنفسه محاولش يتعبني، لحد لما ربنا يكرمه ببنت الحلال
هز غالب رأسه وهو يقول بنبرة ذات مغزى
- وانا متأكد ان حفيدك مفيش بنت هترفضه
ارتسمت ابتسامة على شفتيها وهي تسند ظهرها على رأس المقعد، لم تتوقع أن تكون المقابلة سلسلة لتلك الدرجة، لكنه نصيب عاصي أن يحظى بسعادة مع المرأة التي أسرت قلبه.

في قصر الغانم،
ظلام يغمر المكان، ساكنة في جلستها، حائرة في حياتها، خائفة من خسارتها لذلك الحب الذي بدد من وحشة حياتها
البكاء لم يعد يجدي مثل المرة السابقة، إن كانت في الماضي تخشى من الناس، فالان اصبحت لا تخشي شئ سواه، لا تريد تذوق مرارة الفقد
ووجع القلب.

و تجلد ذاتها، ما قالته وما حدث لن تقدر على تغييره، تعلمت الشجاعة وأن تكون قادرة على مواجهة عاقبة اخطائها، لكن ما سببته من وجع لذلك الرجل الذي لم يفعل شيئا خاطئا بحياتها يجعلها تندم أشد الندم على ما سببته له، لم تكن تريد أن تصل الأمور إلى ذلك الحد، كانت غاضبة، ثائرة من ماضيها، لانها لم تقدر على تخطيه بعد!

جروحها التي ظنت انها شفيت لم تبرأ بعد، ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيها وهي تتمني أن يكون قادرا على مسامحتها، بل يكون متفهما، إلا أنها تشكره في الوقت ذاته لانها استطاعت ان تشعر بالراحة بدلا من تلك الليالي المؤرقة واستجماعها لشجاعة زائفة لأخباره ثم تجر أذيال خيبتها كل ليلة وتصمت.

ارهفت أذناها السمع إلى فتح الباب ثم اضاءة الغرفة لتغلق رهف جفنيها وهي تحاول ابعاد فريال اللحوحة بمعرفة ما حدث تلك الليلة العاصفة
صمتت فريال للحظات وهي تحاول ان لا تنفجر صارخة في وجه تلك الفتاة، معتزلة وصامتة، في حالة إضراب عن الطعام بالكاد تتناول ما يسد رمقها وكأنها في حالة تقشف!

ثم محاولات نزار الحثيثة للوصول اليها بعد اغلاق هاتفها، بل حتى عزيمة السيدة عايشة لتناول الطعام لم تعرف ماذا تخبرها، شعرت بالإحراج الشديد وهي تخبرها عن توعك رهف وحينما طمأنتها انه ليس بأمر جلل وأغلقت معها الهاتف، جاء اتصال ذلك الشامي القلق متسائلا عن حالتها، رغم فضولها ورغبتها لمعرفة ما حدث إلا أنها صمتت وكررت ما قالته لوالدته، بل وخبأت الأمر عن وقاص الذي استشعر وجود شيئا خاطئا لكنه صمت واكتفي بالمراقبة لوقت قصير تعلم انه لن يستمر طويلا.

صاحت بسخط شديد ضاربة بكل هدوء حاولت الحفاظ عليه قبل اقتحامها لغرفتها
- ما انا مش فاهمة يا رهف، سبتك تاخدي وقت بس العناد ده انا مبحبهوش
زفرت رهف بيأس شديد لتجيبها بهدوء
- امشي من فضلك يا فريال لو سمحتي، عايزة اقعد لوحدي
اقتربت فريال منها بلهفة شديدة قائلة بتهديد
- فهميني بس، والا هتلاقيني روحت لوقاص وقولتله كل حاجه
رفعت رهف راسها لتحذرها من اخباره الا ان صوت خشن اقتحم جلستهما
- تقولوا ايه لوقاص.

ابتسمت فريال بهدوء شديد وهي تقترب منه قائلة
- انها مش عايزة تاكل، وعاملة اضراب عن الاكل
اكتفي وقاص بنظرة أعلمت فريال إن كذبتها كشفت، ذلك القرصان بات يعلم جميع حيلها، ستفكر في طرق أخرى للاحتيال على ذلك الرجل حتى يكف عن قراءتها ككتاب مفتوح، غمغم وقاص بهدوء
- سبينا يا فريال لوحدنا.

هزت رأسها وهي تترك الشقيقان بمفردهما غالقة الباب خلفها لينظر وقاص نحو صغيرته التي تنظر اليه بحرج، يتذكر سابقا حينما كانت صغيرة تخشي العقاب تنظر إليه نظرة واحدة فقط يجعله يجذبها إلى ذراعيه بدلا من ضربها
تقدمت رهف نحوه وهي ترتمي بين ذراعيه باكية بانهيار شديد، ويقين داخلي يخبرها ان حاميها قادرا على أن يشدد من عضدها.

شعوره بالعجز ناحيتها وتقصيره في حقها سيظل حبل خانق حول عنقه، انتظرها تخرج ما تكبته صغيرته داخل روحها التي شوهت ورأت ما لا يتحمله بشرا قط في عمرها الصغير، مرر يده على خصلات شعرها ليهمس
- مش ناوية تقوليلي ايه اللي مزعلك
رفعت رأسها وهي تنظر الى زرقة عينيه الداكنة لتهمس بألم
- على حياتي يا وقاص
ارتجفت بين ذراعيه وومضات من الماضي تحاول محاربتها لتهمس والشعور بالفشل يقهرها.

- اني وحشة، وان الماضي طلع زي الكابوس عمره ما هيفارقني، مش كابوس لأ، ده عار يا وقاص
ارتجفت شفتيها وهي تبكي بصمت، ليمسك وقاص ذقنها رافعا رأسها قائلا
- أهدي، انسي كل حاجه صدقيني اخذ جزاءه، عايزة اقولك ان نضال مسبش فيه حته سليمة وده كان مضايقني اني مش لاقي حاجه ادمره بيها، بس سابلي حاجة اقدر افش بيها غلي.

لأول مرة يتحدث عنه، رغم شعورها الان بلا شئ اتجاهه، لا التشفي او الانتصار جعل عينيها الزرقاء تتسع بجحوظ شديد محاولة كشف سر رعبها إن كانت لم تبكي او تذعر من سماعها لما آل إليه بسبب أفعاله
دمر حياتها وقبلها دمر حياة من اعتبرتها صديقتها وبئر اسرارها، صاحت بقهر
- ونادية يا وقاص، كنت معتبراها اختي، سنين كنا صحاب من المدرسة لحد الجامعة ليه عملت كدا، ليه خلتني بشعة.

وضع كلتا يديه على وجنتيها مجبرا اياها للنظر إليه ثم قال
- الدنيا كلها اختبارات يا رهف، نادية للاسف كانت لوحدها مفيش لا اب ولا ام حواليها صاحبتك عشان شافتك زيها بالضبط، بس لما شافت انه عندك حد بيهتم بيكي غارت، مشاعر طبيعة بتيجي للانسان وميقدرش يتحكم بيها، بس الغيرة اتحولت لحقد وانتقام وده هي اللي راحتله بمزاجها، عشان كدا متقارنيش نفسك بيها اوعك يا رهف تحطي نفسك مكانها.

لم تستطع الرد، البكاء هو ما وصله منها ليهمس وقاص
- مش قولنا هنبطل نرجع نتفكر الماضي ونركز في حياتنا والناس اللي بتحبنا
هزت رأسها ايجابا قائلة
- ايوا، بس يا وقاص
قاطعها وهو يغمغم بامتعاض
- مع اني للاسف بكره وجهه نظر نضال في الحياة، بس عشان الكابوس ده ينتهي واجهيه بقوة واوعي تخليه يرعبك من تاني
ألقت نفسها بين ذراعيه هامسه
- حاضر.

مال مقبلا رأسها ثم شجعها وهو يربت على ظهرها لتبتعد منفصلة عن عناقه وهي تنظر اليه بامتنان شديد، تشكر ربها انه مازال في حياتها، ذلك السند الذي لن يخذلها دائما
الشقيق الذي تستطيع الاعتماد عليه في لحظات حطامها، طفق وجه نضال ليشحب وجهها تدريجيا
من كان يخفف عنه حزنه؟ من كان يعتني به؟ من كان يسانده؟، حياة اخيها خاوية ومع هروب زوجته جعل يجن جنونه، سألت شقيقتها الذي أوشك على الخروج من غرفتها
- وقاص.

سارعت بسؤاله قائلة بلهفة
- نضال عرف يوصل لفرح
صمت وقاص وهو يجيبها ببرود اعصاب جعلت عيناها تتسعان بصدمة
- افضل انه ميوصلهاش حاليا
متى أصبح شقيقها يأخذ الأمور ببرودة؟!
ومتى أصبح نضال ثائرا مشتعلا
متى تبدلت شخصياتهم؟!

الوضع عنده فوضوي
الحالة ناري بل أشبه مشتعل
رجل غاضب، عصبي المزاج، كتلة مدمرة متحركة على قدمين
اليوم يمر ببطء قاتل، وعقارب الساعة تختبر معه قوة الصبر الذي يشك أنه يمتلكها الآن
العجيب في هذا الأمر بل ما يثير السخرية
انه نضال الغانم الذي لا تهرب منه أي تفصيلة وما يريده يحصل عليه في أقرب وقت، لكن حينما يصل الأمر لزوجته أشبه بشئ مستحيل
قطته متي أصبحت ماكرة لتلك الدرجة لتلعب معه ألعاب هي ليست أهلا لها؟!

وبل منذ متى تجيد الاختباء، والي من لجأت بعد علمه بأن عائلتها المؤلفة من رجل قعيد وأم طامعة للفتات الذي يلقيه كل شهر، من المفترض أن يكونا لها سندا. وحماية، لكن القطة تعلم انهم لن يقدموا لها الحماية الكفاية لذا لجئت إليه، وهذا الشئ الوحيد الذي لم يقدر على رفضه منها
ما هي حالتها الآن؟ هل يتعرض لها احدا؟ هل يضايقها احدا؟، هل تناديه الان وتستنجده وهو الآن عاجز، عاجز!

رغم مرارة الكلمة التي وقفت في حلقه، الا انه عاجز حرفيا، من هي تخصه وتحمل اسمه تقاتل بمفردها في الحياة البرية!
لم يشعر سوى بيده تمتد ليلقي تلك المزهرية المستفزة السليمة وهو يستمع إلى صوت ذلك الرجل
- يا نضال باشا متقلقش، السفر ده مستحيل لانها متقدرش تسافر بدون موافقة منك، احنا حاليا بندور في كل الأماكن وهنلاقيها
توقفت يداه عن تحطيم المكتب ليقترب من الرجل ممسكا اياه من تلابيب قميصه هادرا في وجهه.

- انت عارف يعني عشر ايام تغيب من عيني، عارف ولا مش عارف، نضال الغانم اللي عمره ما كان فيه حاجه غابت عن عينيه تيجي هي تختفي، واضح أني كنت مدلعكم يا سادة
الرجل أمامه مقدرا لحاله رب عمله جيدا، رغم امتعاضه إلا أنه حاول بكل هدوء ان يتخلص من يديه حول ياقة قميصه قائلا
- يا نضال باشا، متقلقش
الكلمات التي من المفترض أن تطمئنه زادته سخطا، العروق البارزة في عنقه تكاد تنفجر وهو يصيح.

- اخرس خالص، انت عارف انت شغال كل يوم بتردد زي البغبغان وبطمني، انا مش هطمن غير لما اشوفها قدام عيني، والا قسما بربي انت ورجالتك دي اللي فرحانلي بيهم هتتشردوا وشوف بقي مين اللي هيرضي يتعامل معاكم
أفلته متقززا منه وإلى ما آلت اليه الامور، لم يعد لوحده من يحارب بل يوجد شخصين يتربصون له، منتظرين فقط لحظة أن يعثر عليها ليمنعوه عنها.

ومضة سابقة جعله يتذكر لسان سليط يصرخ في وجهه، بل تجرأت وشتمته لولا فقط كونها امرأة لقتلها بدم بارد، التصاقها التام بزوجته جعله يأمر الرجل الذي كان يفتح باب مكتبه مغادرا
- استني هنا
انتبه الرجل لرب عمله الذي قال بجمود
- جبلي معلومات عن جيهان السويسري، وراقب تحركاتها كويس اوعى تغيب عن عينك
حدق نضال في نقطة وهمية ليرتسم ابتسامة ساخرة على شفتيه قائلا بوعيد.

- احساسي عمره ما كدبني، اتمنى المرة دي يكدبني والا لا انتي ولا هي ساعتها هتشوفوا نهار.

جالسة بملل على المقعد تراقب ناجي الذي يجئ ويذهب دون هوادة وهو يصرخ لعميل ما، لكن لم تهتم اطلاقا، عبثت بهاتفها تري التعليقات المتابعين تتفاعل ببعض التعليقات وأخرى تكتفي ببعض الملصقات، ثم التعليقات التي تجاوزت الأدب ببساطة تحظرها، لا وقت لديها للهجوم أو حتى تظهر على لايف خاص تبدأ وصلة ردح معتبرة كما تفعل الأخريات، تتخلص من المشاكل ببساطة بحذف وحظر، رغم علمها أنهم باستطاعتهم انشاء حساب آخر لكنها تتمتع بنفس طويل، انتبهت من صوته الحانق.

- انا ايه اللي خلاني اوافق عليها، كله بسببك
علمت انه يشير إلى فرح لذلك ببساطة اغلقت هاتفها وقالت ببرود
- الله ما تسترجل كدا اومال، ايه اللي بسببي، خليك راجل كدا وشيل المسؤولية ولا عايزني اصدق الاشاعات اللي بتتقال
ضيق بين حاجبيه ليصيح قائلا بحدة
- اشاعات ايه يا جيهان
تنهدت بكل برود وهي ترتخي في جلستها قائلة
- اشاعات انك يعني كدا عيل طري فرفور
تجهمت ملامحه للحنق، وتحفز جسده للانقضاض ليصيح بلهجة حادة.

- مين اللي بيقول
هزت رأسها وهي تقول ببراءة
- الشركة يا عمري طبعا، يعني انا مثلا
رأته وهو يجز على اسنانه مزمجرا، محاولا الفكاك بها إلا أنها نظرت اليه ببرود قائلة
- مش عايزاك تقلق يا ناجي، فرح كدا كدا هتكمل شغلها بس انسي أي اعلانات وفيديو كليبات رخيصة
رفع حاجبه ليردد كلمتها قائلا
- رخيصة!، شركتي عمرها ما طلعت حاجة رخيصة
اشاحت يدها ثم قالت بجدية.

- المهم مش عايزين نرغي كتير، اكيد ليها عروض تانية غير الفيديو كليب
يعود للعمل معها ثم ليتفاجئ ليلا بزيارة زوجها المجنون، هل تريده تلك المجنونة أن يقتل نفسه!، صاح قائلا
- مش عايز مشاكل حاليا يا جيهان امشي دلوقتي
اتسعت عيناها وهي تراه أصبح قليل التهذيب ليطردها، زمت شفتيها حانقة وهي تستقيم من مقعدها قائلة
- الحق عليا اني عايزة اساعدك
ثم استرسلت ببرود شديد وهي تغادر مكتبه
- بس للأسف متستاهلش.

اغلقت الباب خلفها بحدة وتمنت لو وجدت شئ تضربه بها على رأسه، تلقي ناجي بطشه من نضال
ثم الاعصار جاء إلى قرية الغانم
لن تكذب وتقول انها في مأمن منه، الرجل خطر جدا، لكنها تستطيع أن تدعي جهلها عن مكانها وهي حريصة كل الحرص أن تكون تحركاتها طبيعية، إن لم تشعر انها مراقبة اليوم ستكون مراقبة للأيام القادمة.

خطت خارج المصعد بعد شرود عقلها لتتوجه نحو سيارتها التي ركنتها في الجراج الخاص بالشركة لتجد اخر شخص توقعت أن يكون موجود في تلك اللحظة
لطالما تكره ظهوره الدائم في أشد الأوقات الخاطئة، مررت أناملها على خصلات شعرها الناعمة بعدما تخلصت من تجاعيده التي راقتها لأشهر، وقفت أمامه بهدوء شديد قائلة
- هتفضل كدا كتير يعني ولا ايه؟!، عايزة اركب
وضع وسيم يديه في جيب بنطاله وهو يرفع رأسه قائلا بحدة.

- امتي في مرة هلاقيكي تردي عليا
هزت كتفيها ببرود قائلة
- زي ما انت شايف مشغولة كدا، حتى مش لاقية وقت ارد على مكالمات حد
ارتسمت ابتسامة قاسية على شفتيه ثم اندلاع الحريق في زرقة عينيه جعلها ترفع حاجبا واحدا ليفاجئها حينما قبض على زندها بقوة غاشمة جعلها تتأوه مرغمة وهو يصرخ في وجهها
- بس فاضية تطلعي لايف للمعجبين
لم تحاول ان تسحب ذراعها بل تمتمت بهدوء
- بعمل شغلي يا وسيم، روح انت كمان شوف شغلك.

هزها بعنف، لا يعقل تلك أصابت بالبرود لتلك الدرجة، لا يعقل أن يكون هو المجنون وهي التي تنظر اليه بتشفي
- ممكن نبطل شغل العيال ده، لاني مش عايز افقد اعصابي
اقتربت خطوة منه وهي ترفع رأسها بتحدي قائلة
- مفكرتش مثلا عايزة اشوف هتتهور وهتعمل ايه يا وسيم
لم يتخذ خطوة جريئة واحدة، تعلم انه لن يتخذها، فهو يريد أن يكون الرجل المثالي صاحب الأخلاق والمثل العليا، نظرت اليه بتشفي وهي تهمس بنعومة.

- شوفت ده اللي فالح فيه، شغل تهديد وكلام فاضي بس
بدا أمامها مذهولا بل مصدوما ليقول
- عايزاني اعملك ايه
ببساطة ردت
- ولا حاجه
هي تريد الكثير، بل الكثير منه، بعض الجرأة والاصرار، شئ يجعلها أنه لن ييأس من محاولاته تلك، شئ يطمئنها أنه لن ييأس على الأقل، هي فقط تحاول ان تخرج طاقتها المكبوتة في وجهه، ليتحمل هو جراء ما صنعه بها.

شهقت مذهولة حينما لفحت انفاسه الخشنة بعطره الذي تعلمه جيدا، هي اشترته سابقا في عيد مولده منذ خمس اعوام ولم تعلم انه يستخدمه سوى الان، خفق قلبها هلعا واثارة وهي تشعر بوجهه يميل مقتربا منها هامسا بخشونة
- عايزاني اقرب منك مش كدا، ابقي راجل خسيس واستغلك واخلي الراجل اللي مستأمني عليكي يندم لأنه وثق فيا.

أغمضت جفنيها مستشعرة ذلك الدفء اللذيذ منه، ترى كيف عناقه الملتهب لها، اقشعر جسديا تزامنا من أفكارها المنحرفة لتتورد وجنتيها وهي تفتح جفنيها تهمس بصوت ابح انثوي
- محدش قالك يبقى تفكيرك قليل الادب
رأت اضطرابه و تفاحة ادم التي جعلت خيالها الخصب يتجه إلى انحرافات لم تعتادها، زفر بحرارة ليعود جسدها للارتجاف مرة أخرى وهو يقول بحدة
- لما اتقدمتلك رفضتي
صححت قائلة بعنف.

- قصدك لما بابا اجبرك انك تتقدملي، ده انت عمرك ما هتفكر فيا اصلا، لاني معتبرني اختك الصغيرة مش كدا
زمجر بوحشية هادرا
- ليه مش عايزة تفهميني
ابتسمت ببرود وهي تنزع يدها منه قائلة
- فهمتك وخلاص البنت الصغيرة مبقتش صغيرة، عايز ايه تاني
رأي ذلك في عينيها، ذلك الجوع المتعطش في عينيها كحاله.

هو يعاني منذ سنوات، ولا يعلم كيف حتى الآن يقف أمامها ببرودة أعصاب حاول أن يفيقها من هيامها التام به، بكل طاقته الغاضبة لامتناعها عن قربه
وهي التي تكاد تندفع بتهور لفعل شئ لا يحمد عقابه، صرخ
- لا مفهمتيش مش مستوعبة الجحيم اللي كنت عايشه
تخلت الفأرة الصغيرة عن برودها التام وهي تهمس بحشرجة
- اذتني يا وسيم، استحمل بقي شوية، دول حتى بيقولوا ضرب الحبيب زي اكل الزبيب.

القت نظرة نحو ساعة معصمها ثم إليه لتقول ببساطة
- مضطرة استأذن، يلا باي
زفرت جيهان مغمضة جفنيها بيأس وهي تصعد سيارتها، لو كان الأمر بيدها لتزوجته الان وفورا، لكن الأمر يتعلق بكرامة لعينة تود استرجاعها منه، ثم مثابرة للنيل بها، هي ليست سهلة لتلك الدرجة حين يخبرها نتزوج تخر ساقطة أسفل قدميه تشكره على تعطفه، بل تريد أن يخوض حربا ليظفر تلك المرأة بعقلها!

تعيش في حالة من تخمة المشاعر
حالتها تشبه لشخص منتشي من أثر جرعات السعادة
العقل يتوقف عن التفكير
والجسد متراخي
مفرقعات نارية يتخيلها عقلك تجلب ابتسامة بلهاء على الشفتين، وببساطة شديدة كل الذكريات السيئة تتوارى في أظلم بقعة في العقل.
جسدها يبحث حثيثا عن جسده الدافئ، تدفن انفها في جسده تشم عطر رجلها الوحيد والأوحد في حياتها.

لطالما ظنت هي بجيناتها الغربية التي لوثت دماء ابيها الشرقية أنها ستعاني من تبلد المشاعر، ويكسو جليد فوق قلبها، لكن رجلها، رجلها أستخرج أسوأ ما بها من صفاتها الشرقية
غيورة لدرجة تثير الاختناق
متملكة لرجلها لدرجة تودي بحياته للجحيم
وإذا تجرأت امرأة على أن تتخطى حدودها وتقترب من رجلها، فأصبحت في عداد الموتى...

هي لا تكرهه، بل تعشقه لدرجة مثيرة للشفقة لأمرأة مثلها، امرأة تمتلك جميع مقومات الفتنة والإغواء لتقع في حب رجل قليل الكلام، لا يخرج عواطفه بمجرد كلمات لا طعم لها...
يستطيع أن يراضيها بل ويرفعها لأعلي عنان السماء، تسبح معه في غمامة صاخبة، فوضوية ثم ببساطة يجرفها معه إلى خشونته المحببة، ببساطة شديدة
قليل الكلام، لكن أفعاله ترضي أنوثتها.

زفرت اسيا متنهدة برضا شديد وعينيها تنظر بشغف شديد، تنظر عبر النافذة بمتعة لم تكتشفها لتعود غالقة جفنيها ورائحة عطره
أسكنت وحوشها
وادفئت قلبها
وبعث الاستقرار لروحها المضطربة
تتذكر حينما عانقها بشغف شديد وعينيه تبعثان دفئا وسكينة لم تختبرها مطلقا سوى وهي بين ذراعيه، عاشت حياتها منذ صغرها أن تكون هي المسؤولة عن عائلتها الصغيرة ضد وحوش العالم
لكن بالنهاية تعبت، واستهلكت طاقتها كاملا.

قلبها ظل يتحرك بجنون، في حاجة ماسة لأن تستند على صخرة عالمة انها لن تؤذيها ولن تجعلها نادمة لأن تظهر مشاعر ضعفها ورقتها أمام رجل حياتها..
بقدر خوفها وبقدر رعبها أن تكشف قناعها الهش، الضعيف وهي التي ظلت لسنين تعمل جاهدة لتوفير حياة أفضل لها وشقيقتها، كان صعب جدا وكل رجلا قابلته كان يبحث عن متعة يشبع بها شهوته، كانت ستصاب بالجنون حتى جاء الى حياتها
نسيم هادئ، جلب لقلبها السكينة وقررت أن تفتحه له فقط.

همساته الخشنة في تلك الليلة جعل جسدها يرتجف بشوق شديد، قبلاته لأكثر المناطق التي تضعفها، رقته الممزوجة مع خشونة محببة وهو يهمس بصوت اثخن من العاطفة
- مستعدة تفتحي صفحة جديدة معايا
رفعت رأسها اليه والتردد في زرقاوة عينيها جعله يداعب خصلات شعرها، يري ذلك الشغف في عينيها، ليطمئنها هامسا
- مش هتندمي يا آسيا اوعدك لكن اوعديني انك مش هتخليني.

زفرت وهي تشيح بوجهها عنه ليمسكها من ذقنها مجبرا إياها على النظر اليه، تعلم أن تلك الهدنة والفقاعة التي لفتهما ستنقشع لتجيبه
- صعب اللي بتطلبه منى يا لؤي انا
وضع إبهامه على شفتيها ليغمغم
- عايزاني ابعد عنك يا اسيا
تجلي الرفض في عينيها قبل أن تهمس بنفي قاطع
- لأ.

قربها لذراعيه معتصرا جسدها اللين بين ذراعيه، لطالما تعلم أن ذلك العناق تحبه منه، يجعلها تشعر ان لا احد قادر على ايذائها وهي بين ذراعيه، عناق ان بكت فيه تعلم ان لؤي سيصمت مقدرا حالتها ولن يسألها أو لن يهينها في شجارهم، اقترب منها وانفاسه الهادئة تلفح وجهها
- عايزة تبعدي عن حضني
هزت رأسها نافية مغمغمة بنبرة متحشرجة
- لأ
انامله مرت بشغف على وجنتيها ليهمس بخشونة.

- عايزاني اضطر انساكي واكمل حياتي مع واحدة غي..

قاطعته بأن ألصقت شفتيها على خاصته، تخرسه، بل تعاقبه بقسوة واسنانها تنغرس بقسوة على شفتيه، رغم الالم الذي شعر به لؤي إلا أنه متفهما حالتها المجنونة التي تنتابها بسبب غيرتها الشديدة عليه، ابتعدت حينما شعرت بالدماء على شفتيها الا انه لم يتركها تفرح بانتصارها، وكان عقابه لها خفيفا ناعما، سارقا انفاسها، جاعلا قلبها يخفق بجنون، انفصل لاهثا ناظرا بشغف الى وجهها الذي تحول إلى ثمرة طماطم ناضجة، همست باضطراب وهي تضربه بقوة على صدره الضخم.

- وقتها هقتلك يا لؤي، انت فاهم، هقتلك وهقتلها
جن جنونها، وارتفع معدل غضبها حينما وجدته يضحك، لتقترب منه صارخة بجنون
- متضحكش، انا مبهددش انت عارف كدا
خصلات شعرها الثائرة وهيئتها الفاتنة، تبدو في حالن مثالية بالنسبة لعينيه، امسك كلتا ذراعيها لتقع على جسده الصلب متأوه بتوجع مغري له، مرر انامله على خصلات شعرها قائلا بابتسامة ماكرة
- شرسة
لمعت عينيها بالعبث وهي تمرر أناملها على صدره هامسة
-متنكرش انك بتحبه.

مالت تقبل قلبه مما جعل جسده يرتجف وكأن صاعقة كهربائية مرت في جسده، احست اسيا بارتجاف جسده لتعيد تقبل قلبه مرارا ثم اقتربت تدفن وجهها في عنقه تقبله عرقه النابض، لطاما علمت أن تلك المواضع هي أكثر المواضع الحساسة الخاصة به، شعرت بذراعيه تبعدانها عنه ليهمس بصوت اجش وعينيه تلمع بالرغبة
-قولتي ايه يا آسيا
هل تفشل كل خططها في أدراج الرياح، زفرت بحنق ثم قالت ببرود
- مش هوعدك بس ههحاول، متحاولش تضغط عليا.

رفعت اصبعها محذرا اياه في وجهه مما جعله يعقد جبينه بوجوم ثم بكف يده الخشنة صفعها على يده، تأوهت بميوعة وهي ترى بقعة احمرار أثر ضربته، نظرت اليه بتحدي ثم قررت رفع شجار خشن، انتهي بعد دقائق بأن سحبها خلفه إلى رحلاته التي اشتاقت لها!
فتحت جفنيها وهي تنظر إلى النافذة ثم يدها التي قرر أسرها وهو يقود سيارته، فتحت شباك السيارة لتستنشق هواء حريتها من سجن قرر تشيديه.

كانت تستطيع الهرب، لكن لو هربت لما استطاعت ان تحظى بسلام نفسي واستقرار عاطفي مثل تلك الليلة، ثم اتبعها بليالي بجلوسه معهم، كالأيام الخوالي، هي وهو ولا شئ آخر يبعدهما عن بعضهما البعض
صاحت بمشاكسة تبدد من الصمت الذي غلفهما
- السجان قرر يفك حبسه
ألقي نظرة سريعة نحوها ثم أجاب
-انتي اللي عنيدة كنتي في بيتنا
زمت شفتيها وهي ترفع حاجبا شريرا قائلة بحنق
- افتكرها يا لؤي.

ألجم لسانها الصمت حينما توقفت السيارة أمام بوابة حديدية ضخمة، قرأت اسم المنزل لتتجهم ملامحها وهي تندفع بغضب صارخة
- ايه اللي جابنا هنا
حاولت أن تنزع يدها منه وخرج من سيارته، هل أول يوم خروجهما من المنزل يقرر ان يذهبا الى منزل عائلته، تأوهت بألم حينما شعرت بطقطقة عظامها وصوته الجاد
- اول خطوة صح، خليكي عارفة انك بتلعبي بعداد عمرك لو فكرتي انك تلعبي عليا يا آسيا.

استشعرت التهديد في صوته وهي ترى الابواب تفتح إلكترونيا، لتشق السيارة طريقها للداخل، همست بتهكم
- مش واثق فيا
ارتسمت ابتسامة باردة على شفتيه، هو يعلم قلبها ملكه، لكن ذلك العقل اليائس المتحجر لا يرضي، غمغم بجفاء
- عقلك لأ، مش واثق فيه.

اوقف سيارته امام قصر فخم، تكاد تقرأ الثراء من كل انش في ذلك القصر المهيب، انقبض قلبها وشعرت بالاختناق، احست به يفتح باب سيارتها لترفع رأسها تطلب منه توقفه عن الحاحه هذا، الا ان التصميم ثم يده التي جذبتها بعنف جعلها تعلم ان لا فائدة ترجي من الهرب..

لطالما تخيلت الكثير من السيناريوهات، ذلك الرجل الذي دمر عائلتها يطلب منها عفوها و سماحها، بالكاد عينيها تمر على سكان هذا القصر، تلمح بصور سريعة الخادمات اللاتي توقفن عن العمل ناظرين بتعجب الى خليفة غالب المالكي يجر امرأة غريبة خلفه، رفعت اسيا رأسها لتراه جامد الملامح، وجهه قد من حجر، يطرق الباب الذي أمامهما ثم تبعه بفتحه، سحبت اسيا نفسا عميقا وفكرت بالهرب، الاان ذراعه طوق خصرها باحكام شديد.

لا مفر آسيا، لقد قدمت الى عرين الاسد
رفعت رأسها حينما استمعت الى صوت لؤي القوي
- غالب باشا
رأت عجوزا كهيلا لم تتبين ملامحه وهو يضع مصحفه جانبا، استقام واقفا حينما رأي المرأة التي بجواره، اتسعت عيناه وهو يخلع نظارته مقتربا من المرأة التي تقبع بين احضان حفيده، عينيها الزرقاوين مناقض لشعر الشديد الحلكة وبشرتها البيضاء، قرأ النفور في عينيها، والبغض، اهتز جسده حينما استمع إلى ما كان يخشاه.

- آسيا المالكي، حفيدتك
ألم يخبره انها ماتت، رغم أنه يري بعض التغير في ملامح وجهها، لكن تلك الزرقة في عينيها لن يكون قادرا على نسيانها، سقطت النظارة من يده حينما صاحت بصوت ساخر
- ومراته.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة