قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع والثلاثون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع والثلاثون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السابع والثلاثون

ما تخشاه ببساطة يأتي إليك
ليدمرك
ليحطمك
ليكسر آخر قشة تتشبث بها بحياتك تمنعك من الانزلاق
وخوفها كان منه هو
المثير للأعصاب واللاعب الأول على أوتار أنوثتها
أقتحم بكل براعة منه إليها
حتى اتي إلى احلامها
استيقظت فزعة وعينيها تدور بكل خوف وترقب أن يأتيها من أي ركن من اركان غرفتها الفسيحة، ارتجفت شفتيها وهي تنظر إلى الباب المغلق لتدفن وجهها في كفيها باكية باضطراب وهلع.

شهقت بذعر حينما اقتحمت جيهان غرفتها وعلى وجهها مرتسمة امارت الذعر والخوف، هل صوتها كان عالي لتلك الدرجة؟!
تساءلت بذهن مشتت وعقل غائب وهي تري اقتراب جيهان منها بخوف على فراشها قائلة بذعر
- شادية، انتي كويسة.

تسيل الدموع من عينيها وبكفها تغطي ارتجاف شفتيها، عقلها الباطن سبح في بقعة سوداء حرمت من تذكرها منذ سنوات، المشهد تكرر بوقع مخيف لنفسها، فرائصها مرتعدة بخوف شديد وهي تخرج حشرجة من حلقها لتهمس باضطراب
- كابوس يا جيهان
كان كابوس بالمعني الحقيقي
لم تكن تلك العينين خاصته
ليس ذلك مصدر الأمن الذي بثه منذ ساعات يصبح مصدر تهديد لها ولآمنها، مجرد اضغاث احلام ليس أكثر.

شعرت بجيهان تدفنها إلى ذراعيها لتمسح جيهان على رأسها بقلق
- اهدي يا حبيبتي، اهدي، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
- فيه ايه
شهقت الفتاتان على صوت معتصم الذي يتحرك بتعثر مقتحما الغرفة، يكره شعوره بالكبر وما زال عليه حماية زهرتيه، نظر بقلق الى عيني شادية ليراها تنظر بذعر
ذكره بأيام كالجحيم مرت منذ أن فسخت خطبتها بذلك النجس الذي توقع انه رجلا أهلا لها، نظرت جيهان بعبوس لتهمس
- بابا ايه اللي طلعك.

اقترب من فراش صغيرته ليقول مزمجرا بحدة
- ابعدي يا زئردة من هنا
ابتعدت جيهان مصدرة تأفف طفولي حانق، لتري والدها يحتضن شادية التي سارعت بدفن وجهها في صدر والدها وتبكي بصمت، اختنقت انفاس جيهان وهي تقترب منهما تنظر بصمت ويأس، ألم تتخلص شادية من تلك الكوابيس لما عادت الآن؟!

ظل يتلو معتصم بعض الآيات ليبث السكينة لروحها المذعور و جسدها المرتجف لترتجف شفتي شادية وهي تزداد تشبثا بوالدها، هو جبلها الشامخ، عضدها، مركز قوتها، استمعت إلى صوته الحاني يترسب إلى أذنيها
- مالك يا حبيبتي
اغمضت شادية جفنيها ولا تعلم ماذا تخبره، أتخبره من كان حاميها ظهر كوحش على وشك الانقضاض عليها، ارتجف جسدها كما لو مرت رعدة كهربائية على جسدها لتهمس بضعف
- حلمت حلم وحش.

مرر معتصم أنامله بدفء على خصلات شعرها ليهمس بهدوء
- حلمتى بايه
بللت طرف شفتيها وهي تسمعه يتمتم بصوت كما لو أنه صمد ليقولها بشجاعة
- ماضي
هزت رأسها نافية لتهمس
- لا يا بابا
أطلق معتصم زفرة حارة ولثواني شعر بالحمل الثقيل انزاح عن ثقله ليهمس بارتياح
- الحمدلله، النهارده هنام معاكى
تنحنحت جيهان بصوت طفولي معترض
- ايه ده يا عصوم وانا
سحب معتصم ابنته ليضطجع على الفراش وصغيرته مستندة برأسها على صدره ليقول بغلظة.

- عندك الكنبة اهي نامي فيها
قفزت جيهان على الفراش وهي تقول بمشاكسة
- ده السرير بيشيل الحبايب الف، هنام وسطكم
نظر معتصم بعبوس إلى قفزات صغيرته التي اصبحت أنسه على وشك الزواج تتصابى بأفعال صبي لا يتجاوز الرابعة ليقول بجمود
- روحي هزي طولك واعملي لبن دافي
عقدت جيهان ساعديها على صدرها وهي تقول بمشاكسة
- ايه يا بابا، انت شايفها عندها تسع سنين، ما هي شاحطة قدامك.

نظر اليها معتصم بحدة جعلت جيهان تتبرم بشفتيها وهي تقيم بامتعاض ليزجرها معتصم قائلا
- بت روحي اعملي اللي طلبته منك
دبت جيهان بقدمها على الأرض، هذا آخر ما تقدمه للبيت من روح مرحة تقابلها أعمال منزلية، دمدمت بسخط وهي تنفذ تعليمات والدها، لينظر معتصم بنظرة علمتها شادية
تلك اللحظة التي ينتظر منها تصريحا صادقا منها
اجلت شادية حلقها وتوترت لثواني وهي تسمع سؤاله الهادئ
- فيه حاجه بنتي مخبياها عني.

رمشت بأهدابها لتهمس بارتجاف
- مفيش حاجه يا بابا
ضيق معتصم حاجبيه ليهمس بحدة طفيفة
- بنت، عارف الحركات دى، مستنيكي تقوليلي
رفعت شادية عينيها وهي تنظر إلى عينيه، تخشي أن تصيبه وعكة مما ستقوله، حاولت ان توقفه عن تلك الجلسات التي تشعرها معراه روحيا
- بابا
قلب معتصم عينيه بملل ليقول بنفاذ صبر
- معنديش حيل للمناهدة انجزي
أغمضت جفنيها وهي تسحب نفسا عميقا لتدفع كلماتها مرة واحدة.

- انا ولؤي فسخنا الخطوبة، انا المرة دي اللي فسختها
فتحت نصف عين لترى تعابير وجهه المبتسمة، لتفتح عينيها وهي تلاحظ الابتسامة تحولت لضحكة خافتة وهو يقول بارتياح
- خير ما عملتي
رفعت حاجبها بشك من ردة فعله لتهمس
- بس كدا
مرر انامله على خصلات شعرها ليقول بعبوس
- مكنتش بطيقه وانتي عارفة ده
ثم عاد ينظر تلك النظرة، ليتصاعد التوتر ويكاد يفتك بها فتكا وهو يقول بنبرة متسائلة ماكرة
- وايه تاني مخبياه عليا.

اشاحت شادية بعينيها وهي تعقد حاجبيها بتفكير، تخبره ماذا تحديدا؟! أن هناك رجل يتفنن في تعذيب أعصابها ويتلاعب بها كما لو أنه يعلمها جيدا حتى آتي لحلمها؟!
ليقوم بتقيديها مرة اخرى؟! وضعها تحت حراسة؟!، ابدا لن تفعلها حتى وان شعرت بأن تلك الفكرة سديدة، لكن يجب أن تثبت له أنها قادرة على التصرف جيدا حتى في أصعب المواقف، زفرت عميقا وسحبت نفسا عميقا لتهمس
- مفيش حاجه يا بابا.

رغم عدم اقتناع الاب لما قالته، لكنه اكتفي بذلك الخبر السعيد، ينتظرها لعدة أيام حتى يعيد تلك الجلسة ويري ما غير صغيرته، يعطيها وقتا حتى تكون شجاعة وتخبره، غمغم بنبرة ذات مغزى
- هعمل نفسي مصدقك بس هعرف
شعرت بخطوط نيران على وجنتيها، لتتوجع وهي تمسح دموعها، هل لتلك الدرجة سيئة؟! كي تكون مغناطيسا تجذب جميع الرجال السيئين؟!

أليس من حقها أن تشعر برجل يجعل عقلها يوافق عليه وقلبها راضي على اختيار عقلها. ، كان معاذ اختيار والدها الاول
هي وافقت حينما شعرت انه منجذب لها بل عرب عن مشاعره التي شعرها اتجاهها، توقعته حبا، لكن ذلك الحقير كان مخادع، اضطربت انفاسها لتزيح معاذ بعيدا وهي تضع صورة لؤي.

هذا كان اختيار عقلها، كانت راضية، كان يبدو أن يحاول لإنجاح تلك العلاقة، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ليخبرها أنه مرتبط بامرأة أخرى
ثم سرمد
عضت باطن خدها، صورته وتصرفاته جميعها ليست من طموحاتها، ليس بالرجل الذي يدفعها للزواج به، مجرد علاقة دون مسميات لقضاء وقت لطيف ثم وداع، كأنه محطة انتظار لإيجاد رجل الاحلام!
رفعت رأسها تنظر إلى والدها تنظر إلى بضياع وتشتت، قرأ الأب ما يجول في عيني صغيرته.

ذلك التشتت والضياع يعلمه جيدا
تلك بداية، اتسعت عيناه بإدراك وهو يسمع إلى نبرتها المتحشرجة
- بابا انا وحشة
هل اقتحم رجل حياتها؟، عصف ذلك السؤال في ذهنه ولجم لسانه عن التحدث ليسمعها تقول بحنق
- ليه مش من حقي الاقي راجل يناسبني واعيش حب زي حبك انت وماما.

ابتسم جانب شفتيه، وهو يغمغم، كانت تحتاجها ثريا في تلك الجلسة الخاصة، يشعر أنه لا يقدر على افادتها فهو بالنهاية رجل، وهي بحاجة إلى امرأة عاقلة تفهمها وجيهان تلك شعلة متمردة لن تقدر على نصيحتها، زفر معتصم وعيناه غامت لماضي بعيد.

- ومين قالك ان حياتنا انا وثريا كانت ورد في ورد، اتعذبت عشان اوصلها كتير، حتى بعد جوازنا برضو فيه مشاكل كتير قابلتنا، بس لما شرفتونا قررنا نبقى مسؤولين لحد ما الزردة شرفت، مفيش حاجه سهل نوصلها، وعشان تجربة فاشلة متحطميك يا شادية، ببساطة مقابلتيش الراجل اللي هيخطفك مني.

قال اخر جملته بنبرة ذات مغزى وعينيه تنظر إلى أثر تلك الكلمات عليها ليري تغضن جبينها ثم تلوح النظرة الحائرة في عينيها، لتضم جسدها إليه قائلة
- انا مش عايزة ابعد عنك.

انفجر ضاحكا، لقد تأكد، وإن كانت تشعر صغيرته بتذبذب مشاعرها، لكن يبدو رجلها قوي ومثابر للنهاية، حتى يجعل فتاته حائرة ومشتتة، وإن كان لا يستبعد أن الحلم على علاقة به، شعور يؤكد له ذلك، هو من جرب ويل العذاب حتى يظفر بمحبوبته ويثبت لعائلة معشوقته انه أهلا للحب، كيف لا يرى عيون العاشقين
وعذابهم وهو على دراية بهم
طبع قبلة على جبينها ليهمس قائلا.

- ومين قالك اني هسيبه ليكي، هقرف في عيشيتهم وهخليهم تيجوا تباتو عندي كل يومين هعمل جدول
نفت شادية قائلة وهي تزداد التصاقا بأبيها، تبعد تلك المخيلة انها وهو معا في صورة واحدة، تزجر عقلها على تفكيرها المنحرف عن مسارها لكنه لا يبدو أنه منصتا لها
- مش هتجوز
ضربها بخفة على رأسها قائلا بحدة
- بطلي هبل، عايز اشوف احفاد يا عبيطة انتي.

شهقت شادية بخجل لتتورد وجنتيها ومجرد لمحة لتفكير بعيد ومسارات منحرفة جعلها تهمس لأبيها بخجل
- بابا
انفجر معتصم ضاحكا، لأول مرة يسمع تعليق من شادية الخجول وهي تمنعه بحياء رغم انها كانت في المرات السابقة تجيبه حينما يريد الله، لمعت عيناه بخبث
يبدو تأثيرا فتاكا وقويا، ماذا الذي فكرت به صغيرته حتى تهمس له بخجل هكذا معاتب ليقول بمزاج رائق.

- عايز اشوف احفادي بسرعة بس الاول اشوف اللي يحطك جوا عنيه وميقبلش يهينك
ازدردت شادية ريقها بتوتر لتغمض جفنيها وانامل والدها تلعب على خصلات شعرها، انتبه كلاهما على صوت جيهان الحانق وهي تحمل في يدها كوب حليب دافئ ولن تخبر احدا انها وقفت متعذبة حوالي سبع دقائق حتى برد اللبن تنتظر إلا تقاطع أمرا هاما بينهما
- جبت اللبن
نظر معتصم بعبوس شديد وهو يعقد حاجبيه ليقول بتسلية
- كويس اشربيه وتعالي نامي.

ضربت جيهان بقدمها على الارض قبل ان ترفع الكوب و ترتشفه في جرعة واحدة، وضعت الكوب بحدة على الكومود ثم تقدمت نحو الفراش تتخذ لها مكانا في حضن والدها من الجهة الأخري وهي تميل برأسها على صدره الأخري تغمض جفنيها براحة ودفء تتشبث به بأناملها
مال معتصم يطبع قبلة على جبين صغيرته المتمردة ثم إلى صغيرته ذات الرأس اليابسة ليغمض جفنيه ولسانه يردد دعاء لحفظهما له وجلب الفرحة لصغيرتيه التي يستحقونها.

في قصر المالكي،.

مررت وجد أناملها بارتباك على القماش ثم الحاسوب، تتابع بشغف إلى دورة التي تقدمت لها عبر الإنترنت، ابتسمت بنعومة نحو قماش فستانها الحرير الاحمر، تتذكر منذ سنوات ليست ببعيدة حينما كانت تنفذ تعاليم ما أخذته في الدورات على قماش فستانها، تشعر بتلك الشعلة الموقودة في داخلها الآن تشبه التي كانت منذ سنوات، نقرت اناملها على سطح المكتب، تلعب بأصابعها كما لو أنها تلعب على لوح مفاتيح البيانو.

تعترف أن أزياء الرجال رغم بساطة شكلها إلا أنها معقدة، بل جميعها معقدة، زفرت بيأس وهي تلعن لثواني غبائها
بل تسرعها للموافقة، لما لم تخبره انها لا تعلم أي شيء عن تصاميم الرجالية، زفرت بحنق متمتمه
- انا غبية ازاي وافقت اصمم بدلة وانا مبعرفش اصمم بدل
رفعت عينيها تنظر نحو ماكينة خياطتها التي اشترتها بمالها لتنظر اليها بحنين غالبها لتعود تنظر إلى الفيديو ثم صاحت بحنق
- لازم تندفعي بتهورك يا غبية.

انتبهت على صوت اشعار من هاتفها لتوقف تشغيل الفيديو وقلبها يدق بعنفوان غريب وشعور يخبرها انه هو، من يراسها الآن
اتسعت ابتسامتها وهي تري اقتحامه لها بسؤال حانق
- صممتي البدلة
أرسل وجه حازم لتنفجر ضاحكة وهي ترد عليه بهدوء
- مش هتخلص من يوم وليلة يا عاصي
لم يتأخر وهو يرى رسالتها ثم اندفع يكتب، وقلبها يخفق بعنفوان غريب لم تعتاده وتشعر بالفضول وهي تنتظر الى ما يكتبه لتراه كتب.

- قولتلك عندي خطوبة صاحبي، وعايز ابقي أوسم من العريس
القي وجه شخص يرتدي نظارات سوداء، لتختفي الابتسامة من شفتيها واندفعت تكتب بتهور
-عايز تخطف عيون الناس ليك يا استاذ عاصي
شهقت مما كتبته لتهم بحذفه قبل رؤيته إلا انها انتبهت على نداء عمتها جميلة التي تقدمت إلى غرفتها
- وجد
- نعم
رفعت رأسها تقول بذهن مشتت وهي تهم بحذف الرسالة إلا أنها تفاجأت انه رآها.

بل يرد على جملتها الحمقاء، وددت ان تنشق الارض وتبتلعها في تلك اللحظة، لكن جزء شقي كان مهتم، مهتم أن يعلم حقا هل تلك التغيرات لها تحدث لها فقط؟!
هل يراها امرأة أمامه وليست حالة؟!
حاولت ان تختبر ذلك الشعور وتقارنه ان شعرت به تجاه لؤي.

اتسعت عيناها والنتيجة كانت مرعبة للغاية، هل كانت في وهم؟ أم مشاعر مندفعة من شخص؟ لما بدي باهت بوجود عاصي؟ هل أحبت لؤي حقا أم كانت تسعى للاهتمام الانثوي الذي يغدقه اليها عاصي بكل حبور
انتبهت على صوت عمتها جميلة وهي تنظر إلى غرفتها المليئة بالأقمشة ثم ما فاجئها الماكينة التي خرجت من الخزانة لتقول بتعجب
- بقالك فترة مطلعتيش ماكنة الخياطة.

لم تتوقع أن تعود وجد للخياطة مرة أخرى، ظنته اندفاع صبياني وتجربة فقط لم تصدق ان تراها تعود الان مع تأكيد وجد الهادئ
- قررت ارجعلها
انتبهت إلى رسالة عاصي التي فتحتها وقلبها كان يسقط بين قدميها ان شعرت ان يلمح بكونه طبيب نفسي
- وليه لأ، مش يمكن تتفك عقدتي والاقي بنت الحلال اللي تخطفني
والجملة وقعها ميت، ابتأست ملامحها ولم تنتبه إلى الملصقات المضحكة التي بعثها خلف جملته لتندفع تكتب بتهور.

- قولتلي عايز تتجوز، انت فاكرها حجاب تسحر بيه الستات
قرأها ليرسل ملصقات مضحكة ومقطع gif لرجل من كثرة الضحك وقع من على كرسيه لتخرج منها ضحكة مرغمة وهي تخليته ذلك الكائن العضلي يسقط على الكرسي من كثرة الضحك، ليكتب لثواني قائلا
- اومال انا خليتك تعمليلي ليه، لان الست عارفة ايه اللي يعجبها في شكل الراجل مش دي من اهتماماتكم ولا ايه؟

لم تنتبه إلى حديث عمتها وهي تتابع باهتمام الى الهاتف نحوه لتنتبه إلى صوت عمتها الحاد
- وجد ممكن تنتبهي ليا شوية
نظرت وجد نحو الهاتف ثم إلى عمتها لتهمس باعتذار
- معلش يا مماه، خمس دقايق بس وهجيلك.

اتسعت جميلة عيناها بصدمة، هل من تراسله /ها الآن أم منها؟، ألا يكفي أنها أصبحت لا تراها بشكل دائم على أوقات الغذاء متحججة بعملها التطوعي ذلك، جزت على اسنانها ساخطة وهي تراها تتركها وتعود بانسجام نحو هاتفها، لتشتعل غيظا وهي تغادر من غرفتها، كتبت وجد بجدية
- انا مش بهتم بشكل الراجل وبلبسه يا عاصي، الاهم قلبه بس يكون مخلص ليا بس، يكون بيحب وجد مش وجد المالكي.

ارتجف جسدها وهي تسحب نفسا عميقا لتزفره على مهل وهي تراه قرأ رسالتها دون رد منها، لتكتب بعدها بتعثر
- انا اسفه، حاسة اني بعدت عن الإجابة
ضج صخب رهيب في قلبها حينما جاءها رسالته الخالية من أي تعابير سخرية
- بالعكس دي الاجابة اللي عايزها
تيبست اناملها عن الكتابة لتنظر بعينين وقلب مرتجف إلى رسالته، هل يقصد حقا ما فهمته؟!
أجلت حلقها حينما وصلتها رسالته الثانية.

- هسيبك تاخدي وقتك وهرجعلك بكرا تكوني خلصتي التصميم
تشعر بالتثاقل في الاكسجين حاليا، رفعت كفيها تحرك كفيها عل هواء يدخل إلى رئتيها، هل يعقل ما فهمته؟ أم أنها عاطفية حتى تكرر مأساتها مرة اخرى؟!
غام الحزن في عينيها لتهمس إلى نفسها بتأنيب
- غبية، غبية
زفرت جميلة بتأفف شديد وهي تنظر نحو درج السلالم ثم الى عمها غالب الذي يقرأ جريدته ليقول غالب بجمود وهو يطوي صفحة من جريدته
- خير يا جميلة.

التفتت جميلة قائلة بقلق
- وجد
رفع غالب عينيه من على الجريدة لينظر باهتمام نحو جميلة التي تابعت بهمس
- اتغيرت
رفع غالب حاجبيه ثم قال بنبرة ذات مغزى
- ودي حاجه تضايقك.

هل لأنها قدرت على لملمة شتات انفاسها وبدأت تلتفت إلى اعمال تشغل عقلها، يعني انها تغيرت، اشتراكها التطوعي لمؤسسة يعلم أنه لا يوجد عليها غبار يعني انها تغيرت؟! ألا تلاحظ أن جميلة ليست وجد، ووجد ليست جميلة، رغم تكرار مآسيهم منذ الصغر و وقوعهما في حب رجل لم يبادل حبهما يعني أن توقف حياتها، بل أعجبه أن حفيدته انها التفتت الى اعمال تشغل بها نفسها وتتعرف على أشخاص جدد وتمارس نشاطا جديدا لحياتها حتى تقدر على جمع شتات انفاسها...

قالت جميلة بذهن مشوش
- حساها واحدة غير اللي اعرفها، ده غير اللي معتكف في بيت عيلته ومش عايز يجي هنا بعد يوم الشؤم ده، وكله كوم ويوم ما أدى لؤي خبر انه فسخ خطوبته ببنت السويسري
قالتها جميلة بصوت مرتفع حينما شعرت بحركة على درج السلالم لتشعر بتصلب جسد وجد، لاحظ غالب إلى ما تحاول تلك الوصول اليه ليرفع نظره محذرا
- ابعدي عن وجد.

اقتربت وجد منهما بابتسامة هادئة وهي تداري ذلك خبر فسخ خطبة لؤي عن زوج من العيون التي تتفحصها بترقب
- خير يا مماة طلبتيني ليه
هزت جميلة رأسها قائلة
- عايزاكي تحضري معايا حفلة بكرا بليل، استعدي
عقدت حاجبيها وقالت باستفسار
- حفلة ايه
ارتسمت ابتسامة ماكرة لم تعجب غالب مطلقا وهي تقول بمرح
- هتعرفي، متستعجليش
ألقي غالب نظرة حادة نحو جميلة التي ابتسمت له باطمئنان لم تطمئن قلب الجد اطلاقا
بل ارعبته.

يخشى أن تكون حفيدته فأر تجارب جميلة التي لن ترحمها لثانية.

رفع عينيه نحو وجد التي يرى في عينيها لمعة غريبة عنها، عقد حاجبيه وهو يري وجهها متورد عكس الطبيعي وهي ترتبك حينما صدر من هاتفها شعار رسالتها لتستأذن صاعدة للأعلى في بادرة تحدث لأول مرة، رفع غالب عينيه نحو جميلة التي تهاتف صديقه لها تخبرها عن مجيء وجد للحفل وعن خطة كيف يجعلا الرجل يقابلها دون شعور انه مدبر ليهز غالب رأسه يائسا، بدلا من تهور واندفاعها لأبن صديقتها كانت انتبهت لوجد التي تتصرف بغرابة عن المعتاد!

داخل الاستديو،
مزاجه سيء، بل خطر
يشعر أنه بالونه متأججة بالغضب ينتظر فقط دبوس ليخرج غضبه ويكتسح ما أمامه
زفر وسيم بعصبية وذهنه مشتت بعد لقاءه بتلك المثيرة للأعصاب، قبض على أنامله بقوة جازا على أسنانه بسيطرة واهية، يمرر أنامله على خصلات شعره وهو يخلع سماعات أذنيه منهيا البرنامج بعبارات مقتضبة
- وقت برنامجنا خلص، بحب اشكر المستمعين، واشوفكم على خير الاسبوع الجاي.

استقام من مقعده وهو يحترق للخروج، رغم قدسيته للعمل الذي وجده شغفا له غير مكترث بالمبلغ المالي، لكنه يراه أفضل بكثير عن الجلوس في مكتب ويتقيد بثياب عملية ويخرج ويدخل في اجتماعات مملة لا نهاية له، الإذاعة شغفه، الانصات إلى شكاوي النساء الصغيرات متعة وهو يتخذ الدور الحامي، الملاك ذي الجناحين وهو في الواقع أبعد من تلك الصورة بكثير، هو ليس نزيها، لا يلعب بعدل، بل انتهازي.

هو انتهازي، بغيض، كل شهر يغير من نسائه إلى امراة اخرى بدافع الملل، وكل ذلك لما؟!
لينساها، شوهه من سمعته حرفيا ليجعل تلك الفأرة الصغيرة تبتعد بل تنفر منه
لكن يبدو أن هذا أثارها وامتع هرمونات أنوثتها المراهقة لتلتصق كالعلكة به، اتخذت سباق السيارات شغفا لها مثله، بل عرضت نفسها لتصبح عارضة ازياء كما يصادق في الخارج.

كل تلك الرسائل الخفية منها رآها وقرر تجاهلها، تجذبه بقوة إلى أرض الوطن في كل مرة حينما يعود من سفره بالخارج ليسرع بأن يفر من الخارج، كل ذلك حتى لا يؤذيها، يفعل هذا بدافع أخ كبير يحمي أخته من حيوان مفترس يكاد يمزقها اربا..

و للسخرية هو ذلك الحيوان، ذلك الذئب الصبور التي وجد فريسة أمامه محرم عليه تناولها، لأنه لو تناولها سيلقي حتفه، كاد يسخر من حاله من تلك التشبيهات التي يضعها عليه، لينتبه الى صوت حانق
- مش في المود يا وسيم
غمغم وسيم بتعجل وهو يأخذ متعلقاته من مكتبه عازم على الخروج من ذلك المبنى الخانق
- مستعجل
أعاق المخرج طريقه، وزاد غضبه من لا مبالاة مذيع اللامع في قناته ليقول بحدة.

- تعال هنا، لو اتكرر الاسبوع الجاي بطريقتك الجافة دي صدقني هتخسر متابعات كتير
ما بال شغفه بتلك الاشياء التي تبهجه أصبح لا طعم لها
حتى عمله المقدس ونسائه اللاتي يخصص لهن وقته الثمين أصبح يمل من اتصالاتهم، وصبره وبرودة وتحكمه بأعصابه كل ذلك غادره بعد أن شطرته الفأرة نصفين بجوابها المهين له ولكبريائه...
القي وسيم إلى المخرج نظرة ساخرة، ليقول بنبرة تشوبها الغضب.

- وده كل اللي بتهتم بيه، شهرة وفلوس بس، وانا اتحرق
عقد المخرج حاجبيه وهو يرى وجهها لوسيم غير الذي يعمله منذ سنوات، ليزفر بيأس قائلا
- وسيم، انت عارف انا مقصدش اللي جيه في دماغك، انا خايف عليك، شافك متغير بعيد عن الشغل، بس مش انت وسيم اللي اعرفه
قلب وسيم عينيه بملل قائلا
- لا ما تخافش عليا، ركز انت في الإذاعة.

خرج من المبنى وما زال الضيق يعتريه، فتح هاتفه عل تلك الفأرة أصيبت بالجنون وبعثت رسالة لتفقده جنونه لكن لا شيء منها، كأنها قررت المضي قدما في حياتها وتركته عالقا في طريقه
لا هو بقادر على متابعة السير
ولا هو بقادر على الرجوع لبداية الطريق
هو في منتصف كل شيء
وقلبه حائر، وعقل على وشك أن يصل للجنون.

استقل سيارته وبعجالة تحرك بسرعة مجنونة يشق زحام الطريق ليبتعد عن المباني السكنية والضجيج ليتوجه الى منطقة هادئة يريح بها عقله المثقل، فتح نافذة شباكه لتسلل لأنفه الهواء وحينما وصل لمنطقته بل بقعته المميزة وجد هناك سيارة يعلم صاحبتها سبقته لاحتلالها بقعته، بل بقعتهما المميزة!

هدأ من زمجرة محركات سيارته ليطفأ محرك سيارته حينما اصطف بسيارته خلف سيارتها ليترجل من السيارة وهو يجدها جالسة على مقدمة سيارتها تنظر نحو الفراغ ما حولها لا شيء سوى الظلام ومصابيح سيارتها انقشعت من ذلك الظلام الدامس لتظل تلك الفتاة الوحيدة وسط الصحراء و ذئاب تعوي في الفضاء.

ثانية واحدة ثم بعدها سيحرقها ويحرق نفسه حيا، هذب من أفكاره المتمردة وهدأ من بركانه الثائر، هو الوحيد الملام لما يحدث، هو من شكلها بيديه، لم يمنع نفسه من مباردة الحديث حينما وجدها مازالت في مكانها لم تتحرك انشا ولا نية لها بالحديث
- اخر حاجه اتوقع انك هنا.

زفرت جيهان لتغمض جفنيها تستمع بالهواء العليل في تلك البقعة تحديدا، عينيها تنظر نحو زاوية وهمية، عقلها ككرة مطاطية تصطدم في الارجاء، لما كلما حاولت الابتعاد عنه، تعود اليه
افترقت شفتيها لتهمس ببرود
- متنساش انه مكاني الاول.

لكنه من أرشدها إلى بقعته تحديدا، لعن وسب نفسه على غبائه وتهوره، هل جاءت إلى هنا بمفردها دون أن يعلم؟!، اسند بجسده على جسد سيارتها مقتربا منها بجسده وكل عقل منهما يسبح في فلك بعيد عن الاخر ليقول
- انت عارفة ان مقدرش انسي حاجه ليكي
أفلتت منها ضحكة مستهزئة ساخرة، لتدير برأسها وعينيها تتحداه في الكذب لتهمس بنبرة مسيطرة هادئة
- الصور حقيقة يا وسيم.

نكس وسيم رأسه، كأنها لم تري تلك الصور قبلا حينما كان يعربد خارج تلك البلاد، هل ظنته لن يقدر مثلا على لمس غيرها، أو حينما يقترب من أخريات سيري عينيها المعذبتين تلك لينتفض مذعورا مبتعدا عنهن...
يمرر أنامله على خصلات شعره، إلى متي سيكذب، كان يستمتع بالخارج، يتعرف على نساء غيرها، يرى ما ينقص تلك الفأرة عنهن، وما تتفوق به تلك الفأرة.

والنتيجة صادمة بعد ان ينهي كل علاقة مع امرأة ذات شكل وعينين مختلفة عن الأخري
ولا واحدة منهن كانت تعلمه، تعلم حقيقته، تكشف وسيم البعيد عن رداء عائلته وقناع وسامته، الا تلك الفأرة الصغيرة صاحبة الخصلات الملونة.

كل مرة يلتقي بها صابغة شعرها بلون مختلف عن المرة السابقة، عينيها تتحدث فقط ماذا وجدت بهن زيادة عني؟ لم يجد بهن زيادة عنها بشيء رغم انه قابل الاجمل والاكثر فتنة لكن ولا واحدة قدرت على انتزاع تلك الفأرة من رأسه كليا
حينما وجد نفسه طال اجابته ارتسم على شفتيه ابتسامة مقتضبة ليقول
- مش حكمتي عليا ونفذتي حكمك عليا بالإعدام.

اختنقت جيهان انفاسها، لتضم قبضة يدها بعنف، ماذا ظننتني يا غبية أنه سيكون ذلك الحامي، وسيمها الحامي الذي كان يخشى عليها من الشوكة الصغيرة؟!، لن يقدر على لمس نساء غيرك كأنك قادرة على التحكم به، تحشرج صوتها لتهمس بتعثر
- تقدر تعتبرها امنية المحكوم عليه بالإعدام قبل تنفيذ الحكم
لوي وسيم شفتيه ساخرا، هل صغيرته ما زالت تراه ملاكا، حتى بعد إصدار حكمها له بأنه وحش جشع شهواني، نطق بحقيقة دون مواربة
- حقيقية.

ثم يزيد عذابها، يصب عذابا فوق عذابه ليقول
- بس ملمستهاش
ولم يلمس امرأة قط، اغمض جفنيه وهو يحتفظ بذلك الجزء خاصا به، إن كانت تعلمه حقا لتلك الدرجة لن تسأله، بل ستعلم..

قضى أعوامه ينظر فقط يكاد يلتهم النساء التهاما والي عروضهم المغرية، ويعود اليها ليجدها تزيد فتنة فوق فتنتها الطاغية، وسحرها الذي لفه منذ أن كان صبيا يافعا وتلك الصغيرة كانت قطعة حمراء حملها بين يديه وقتها قرر أن يكون حامي لها، لذلك الكائن الصغير الضعيف المتطلب للحماية.

ألزمه والدها بعلاقة أخوية، وهو وافق دون اعتراض ليكبر وتتفتح زهرته الخجولة تجذب الانظار بألوانها الزاهية و عبيرها الأخاذ تثملهم، نضجت مشاعره مع نضوجها وتحولت جارته الصغيرة المكلف بحمايتها إلى مراهقة يافعة على اعتاب الانوثة، وزاد الملتفون حولها ليتصرف كأخ غيور عنيد يزيح من يقترب منها، كان يفسرها بدافع الاخوة حينما يشعر بالضيق والحريق في جوفه، لكن حينما أدرك بأنه يقع، لفخ ناعم، ذعر وهرب، لقد أصبح زير نساء بفضلها مع وقف التنفيذ.

لاحت على شفتيه ابتسامة تسخر من حاله، ليرفع عينيه الداكنتين نحوها وهو يسمعها تهمس بجرأة
- بقينا بنلعب على المكشوف خلاص
بقي على نفس نظراته عليها، خصلاتها المجعدة لم تتخلص منها تلك المرة، ليلف عيناه نحو وجهها الفاتن الصغير وعينيها التي تطعنه، ليهمس باختناق
- قولتلك قبل كدا حرريني منك
اقترب منها بتهور يجذب سترتها لتصطدم بجسده، شهقت جيهان مذعورة متسعة العينين لتستمع إلى صراخه اليائس.

- خليني انسى ملامح وشك على كل ست شوفتها في حياتي، لون عنيكي دايما بتهاجمني وتخليني دايما محبط ومضايق
افترقت جيهان وهي تحدق في تلك العينين الداكنتين بعدم تصديق، رغم نبرة صوته المختنقة وعينيه الغاضبتين إلا أنها تراه كاذبا، بل مخادع، كيف بالله تصدقه وهو بدأ يتفوه ببعض الحماقات التي تجعل قلبها يطرب بانتعاش كأوراق الشجر التي تنتظر المطر لتتراقص قطرات الندى على أوراقها..

لفتهما حرارة صاعدة من كلا الطرفين، العينين تحدق بصمت والشفاه كما لو أن هناك جسرا يصعب اللقاء، الجسدين مشحونين بعاطفة وغضب مشحون للطرف الآخر لتنفلت من جيهان ضحكة مرحة تكسر الحرارة العاطفية في الأجواء
- تحب اركب عدسات في عيني عشان تستريح
ثم ضاقت عينيها وهي تنزع يديه عن سترتها لتقول بنبرة بلغت صبرها منتهاه
- وسيم عايز ايه، اعتقد مفيش حاجه بينا افتكر انا اللي رفضتك.

اغمض وسيم جفنيه ليجز على اسنانه صائحا بحدة
- ممكن تسكتي خالص
ود أن يجد شيء يضربه على رأس تلك الغبية، شيء ثقيل بل حاد ليتخلص منها من أول ضربة، ظل يدور في مكانه خائب الرجا من وصالها وقتلها، يجئ ويذهب حتى يخلص جسده من عاطفة اندلعت دون سابق إنذار ليسمع إلى تعليقها البارد
- بلعت لساني، اتفضل
مرر أنامله على خصلات شعره ليقول ساخطا
- انتي بتعملي فيا ايه.

رفعت جيهان حاجبها بمكر انثوي ليتألق لمعة مجنونة، دافعة بانتقام لسنين احرقها بعذاب الغيرة الوحشية والغضب لنفسها لأنها ما زالت باقية على ذلك الحب المذل لصاحبه لتتصنع الدهشة قائلة
- لا لا متقولش، حسيت انك بتحبني فجأة، او بتطلع من الموضوع بشياكة، لسه حرقاك اني رفضتك مش كدا
زمجر وسيم بخشونة وهو يعود مقتربا منها يفصل حدودا لم تكن لهما بالسابق بل اخترقها من زمن.

عينيه تنظر إليها بعاطفة خشنة لم يتحكم بها أكثر، عينيه تلف تفاصيلها بدقة وعاطفة اربكت التي أمامه وهي تتململ بجلستها بعدم راحة ليفجر وسيم في وجهها قنبلة لم تتوقع ان يقولها
- مش عايزة اقولك بحبك، اه بحبك
صمت مهيب وقدسية المكان تلزم عليهما احترامها الا انهما كانا محطمين لجميع القواعد وهذا المكان ليس استثنائنا لا اليوم ولا الايام السابقة ولا الايام القادمة لتعقد جيهان ذراعيها على صدرها قائلة ببرود.

- وبعدين، عايز اعملك ايه دلوقتي
هناك مقولة تقول أن تأتي متأخرة أفضل من ألا تأتي
وهي ليست متفقة مع تلك المتأخرة، ف إن أتت متأخرة
فهي فقدت رونقها وروعتها
فقدت طعمها وأثرها على النفس
هزها وسيم بعنف من ذراعيها وجسده مشحون بالغضب التام لها، ألم تكن تنتظرها كغبية ملتصقة به ليصرخ في وجهها بعنف
- بطلي البرود المستفز ده
رفعت جيهان حاجبها لتقترب منه هامسة ببرود مدروس ومتقن.

- وانت فاكر اني هجري وراك او اخدك بالحضن بعد الاعتراف العظيم ده
اتسعت عيناه وهو علم إلى أي هوة سقط فيها بنفسه، غضبه عماه عما حوله ليهسهس بغضب
- وانت كنتي فكراني ممكن استغلك ومعتصم باشا حاطط على رقبتي قيد مسؤولية الاخ، كنت عايزاني استغل مشاعرك دي واطلع انا الندل في الاخر
ثم تابع بما يؤرق مضجعه وسبب الأول لهروبه
- كنت فاكر انها مشاعر انجذاب لفترة وقولت لما تكبر هتقول مجرد مشاعر مراهقة مع اخوها الكبير.

كان يخشي أن تراه بطل أحلامها، ذلك الوحيد ما إن يصبح في قبضة يديها حتى يصيبها الملل والفتور، خشي منها بقوة، حاول حفظ كرامته الغالية اللعينة وقلبه الذي يشعر أنه سينكسر على يديها حتما...
لم تتحمل جيهان مزيد من ترهاته التي حتى وإن ثبتت صحتها، لكن وقت حسابها معه حان لتصرخ في وجهه بحدة
- انت مش اخويا
ليتابع صارخا لاعنا تلك القيود التي كبلته عنها
- وانتي مش اختي.

زمجر كلاهما وانفاسهم يتباريان وعيون كلاهما تتحدى بصمت مشتعل متلف الاعصاب، ليغمض وسيم بضيق يعتري روحه
- العيلة كلها شيفاني انا الاخ التاني للعيلة، عايزاني ازاي اتعدي خطوط حمرا ويقولولي في الاخر كنت بضحك عليكي بكلمتين
خبطت جيهان بيدها على سطح سيارتها لتصرخ في وجهه هادرة
- وجاي تعترف ليه دلوقتي، فاكر اني هقولك صعبتي عليا ياعيني
تنهدت بتعب وهي تشيح بعينيه بعيدة عنه، هل جاء يعترف الآن؟!

يخبرها بما يخشاه، بما يؤرقه مضجعه، لكن برغم عاطفتها التائقة للانغماس به
عقلها العصي منعها، يجب أن تؤرق لياليه، هو كان يعاني من أشباحه الخاصة
لكنها كانت تعاني من مرض الغيرة، هل جربها؟، هل نهشته وجعلته عليل؟!
عادت بعينيها اليه تقول بثبات شديد تكاد تحسد عليه
- وسيم انا مش عايزة شوية مشاعر تديهاني شفقة
ما تقوله سيء
وما سيحدث اسوأ.

هذا ما تنبأ به، وهو يجذب عينيها لتعود النظر اليه بعد لحظات من اللقاء قبل أن تشيح بعينيها بعيدة عنه
- بصي في عيني وقوليلي شايفة اي مشاعر شفقة بدهالك
هزها بعنف شديد جعل جسدها يهتز بعنف لتصرخ جيهان في وجهه ببرودها ومزاحها القاسي
- خلصت، عموما زي ما قولت، عايزة شاب اسمر وعيونه دافية مش ملونة لأنها بتخوف
ارتسمت على شفتيه ابتسامة قاسية ليقول بحدة يؤلمها به بعنف.

- اول سبب اني متكلمش، الإنكار، بتنكري مشاعرك ليه من ناحيتي، كنت فاكر اني هكلم عاقلة بس للأسف اثبتيلي بجدارة انك لسة طفلة
تراقص الجنون في عينيها واندفعت تقف على قدميها لتواجهه والمسافات التي بينهما التي انعدمت وهي ترفع بقامتها لتواجه قامته الطويلة.

- مبنكرش، بس واضح انك شارب حاجه، والراجل اللي هتجوزه مش عاوزاه يخبي مشاعره قدام الناس، ولا يتلكك بحجج فارغة يا وسيم، والحب اللي بدور عليه للاسف انت مش اللي تقدر تدهوني
انهت كلمتها بنظرة متحدية وجراءة قبل ان تدير على عقبيها تنزلق بجسدها على مقعد السائق، تحركت بسيارتها دون إلقاء سلام ولا نظرة، رحلت بصمت كما قدمت بصمت.

وتركته هو واقفا و الظلام يلفه بالكامل، ليرخي رأسه متمتما لن يتخلص من تلك الصغيرة ابدا، لن يقدر على إبعاد عينيه عنها، لن يقدر على إلجام مشاعره أكثر من ذلك، اخرج زمجرة خشنة وهو يركل بحجر وقفت عثرة في طريقه، هل تريده فاقدا للسيطرة، عاشقا مجنونا مدله يحبها؟!
لتستعد فأرته الصغيرة إذا، فالمجنون لا حرج عليه فيما يفعله.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة