قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الرابع والثمانون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الرابع والثمانون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الرابع والثمانون

في مشفى آخر،
قلبت اسيا عينيها بملل شديد وهي تدقق النظر الى ساعة رسغها، غير مصدقة تماما انها تلقت مكالمة من خادمة تخبرها ان وجد فقدت وعيها ولا يوجد احد في القصر وحينما هاتفت وحينما اتصلت بمن يرأس اعمال العائلة اخبرها عن ضرورة وجود زوجة لؤي بالقرب منها حتى يأتي للمشفى، والخادمة اخبرتها ببساطة أنها لم تخبره عن عدم وجودها في المنزل في ذلك الوقت تحديدا.

كم هي حنونة تلك الشيطانة الخبيثة، ستريها تلك الحقيرة التي تجرأت بكل صفاقة قائلة إنها لا تريد إفساد علاقتهما الشائكة، والله لا تصدق انها حتى الان تتلقى نصيحة من خادمة!
بل لا تعلم من اين حصلت على رقمها، كلا ليست الخادمة.

بل وجد، اللعنة، لقد اعطتها رقمها، تبا بدأت تشعر أنها تصيب بالخرف في هذا العمر، ضيقت عينيها الزرقاوين وهي تنظر الى الطبيب الذي انهى عمله بمهنية ولم يستطيع الصمود امامها وهو يرفع عينيه بين كل ثانية والاخرى إليها معجبا بما يراه.

هزت رأسها بضجر، لتجلس على أقرب مقعد تنظر بجفاء شديد نحو الطبيب لتشتعل عيناها حينما تجرأ ان تتحول نظراته المستحسنة الى جريئة سافرة مما جعل الطبيب يجلي حلقه بتوتر، مغمغما ببعض الأشياء التي لم تفهمها، لتصرخ في وجهه أن يخبرها ان كانت بخير ام لا
والطبيب لم يستطيع سوى ان يفك ربطة عنقه مجيبا اياها انها بخير، لتصرفه بفظاظة شديدة، ولم تنسي أن تلعنه بنظرات عينيها.

الوقح ماذا يظنها، انها ستدعه يتغزل بمفاتنها وهي لها هركليز خاصتها يستحق ان يتغزل بها وهي كلها له، خيم الحزن في مقلتيها الزرقاوين وهي تتذكر رفضه المستمر لأي علاقة زوجية دافئة، لافظا اياها في كل مرة وهي تهم بالاقتراب منه، بل تغويه وتغريه
بالله لا تعلم كيف يحافظ على رباطة جأشه ليجعلها تتزوج برجل ذو مشاعر متحجرة، اين ذهب ذلك الرجل الذي تزوجته سابقا.

ملئ بالمشاعر الدافئة العميقة، مثيرا عواطفها الانثوية، قادرا على اصابة مشاعرها بالتخمة لتنفض أي ذكرى لذلك الرجل الصخرة خاصتها لتنظر نحو وجد بملامح وجهها الشاحبة
لتقترب منها متسائلة اياها
-انتي كويسة
اومأت وجد برأسها مغمغمة بصوت أجش
-مش الدكتور قال هبوط، يبقي كويسة.

ثم سقطت عيناها نحو ثيابها السوداء المكونة من تنورة سوداء جلدية وفوقه بلوزة سوداء من خامة الحرير، لا تعلم كيف استطاعت ارتداء نوع ذلك الثياب في هذا الوقت ولتكتمل هيئتها الصارخة بأحمر شفاه نبيذى لتميل برأسها تتفحصها بدقة لتسألها
-كنتي برا مش كدا
هزت آسيا رأسها مجيبة اياها
- ايوا بس محستش بالوقت
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي وجد لتنظر الى يدها المعلقة بمحلول لتنظر اليها بنظرة جعلت اسيا تخشي منها.

تعلم تلك النظرة منها
نظرة تعري وتجرد كل اسلحتها واقنعتها التي تحتمي بها عن أعين الجميع، أجلت آسيا حلقها حينما غمغمت وجد بهدوء
- تسبيح بنوته ظريفة وذكية جدا، ربنا يحميها.

ألم تخبركم قبلا ان تلك الفتاة لا يجب الاستهانة بها مطلقا، لا تعلم من أين تعلمت ان تخلط البراءة والمكر الشديد الذي تراه ولا يراه شخص آخر غيرها، ليتعالا رنين هاتفها مما جعل وجد تنظر بضعف نحو صاحب الاتصال، وكيف لا تعلمه وهي قد خصصت له رنة مميزة لتنفجر آسيا تضحك بسخرية
- مش مستاهلة انك مترديش عليه.

هزت وجد وهي تتنهد بألم، لا ترغب أبدا باثارة قلقه ولا جنونه وهي أكثر من تعلم مراحل جنون عاصي ليحاول تهذيبها كي لا ترعبها مطلقا، لتهمس بصوت خفيض
-لما ابقي كويسة هبقى ارد
صمتت اسيا ولم تحاول حتى مبادلة الحديث معها، ووجد لاذت بالصمت هي الاخرى لتغلق جفنيها محاولة السيطرة على عدم البكاء.

منذ مغادرة عمتها وهي تشعر ان البيت ينقصه وجودها، تعلم انها لا تكف عن التذمر وتصحيح اخطائها والتعليق على اشياء تافهة جدا، بل وحرصها الدائم على ظهورها في أي حدث يخص الجمعية الخاصة بها التي تترأسها، إلا أنها تفتقد وجودها
هي من ربتها، ولن تستطيع اغضابها ولا الزواج حتى من دون موافقتها.

رغم كل شئ، ورغم ما قالته مهينة عاصي وجدته ورغم انها حقا كرهت تفكير عمتها الضيق، لكن، كيف، كيف تقابل المعاملة الحسنة بجفاء شديد
كيف سيبارك الله بعلاقتها مع زوجها ومن ربتها وتعتبر والدتها ناقمة بشدة وليست راضية، بل غادرت غاضبة، لكنها لن تحاول الاتصال بها
لا لا، لن تبادر بأي شئ حتى تعلم أنها لم تعد صغيرة، وتفكيرها ليس هوائي.

تستطيع التفكير كأي شخص ناضج صاحب بصيرة، لكن لو تتوقف عن النظر إليها كصغيرة ودمية تخشي عليها، لربما تفهمت عاصي وقبلت به!
أفاقت وجد من شرودها على صوت جدها المذعور بأسمها
- وجد
نظرت الى جدها بضعف لترفع ذراعها طالبة حضنه الدافئ قائلة
-جدو.

سارع الجد نحو فراش حفيدته ساحبا اياها في عناق ابوي طلبته الصغيرة ولم يستطيع رفض طلبها، انفجرت في البكاء وهو يتنهد بقلة حيلة، انتبه على وجود آسيا ليعقد جبينه إلى ثيابها التي لا تتماشى مع طقس اليوم بل ولا حتى ثياب صباحي، ليهز رأسه بيأس شديد مربتا على ظهر وجد قائلا بقلق
-كدا تخضيني عليكي يا وجد، صحة جدو مش زي زمان
غمغمت وجد بصوت خفيض وهي تميل مقبلة خد جدها قائلة
- ربنا يخليك ليا يا جدو.

راقبتهما آسيا من على بعد دون المشاركة في حديث، كشبح صامت ينظر إليهما، اغرورقت عيناها بالدموع وهي ترى لهفة العجوز نحو الحفيدة التي تبدو بصحة جيدة دون أن يصيبها شك دبوس
واين كان هو حينما كانت تهيم في شوارع وازقة بلدتها! تحاول محاربة الظروف القاسية لحماية عائلتها التي للأسف انهارت مقاومته، لتغمض جفنيها وهي تزيل تلك الدمعة التي انزلقت رغما عنها لتنتبه على صوت العجوز مناديا اسمها
- آسيا.

رفعت رأسها وهي تنظر اليه بجرأة وغضب جاهدت في اظهاره الا انها فشلت
اللعنة، لما تضعف
لما تضعف، وهي يجب ان توجه كرهها وحنقها وثأرها ناحية ذلك العجوز لتراه يتحدث بدفء إليها
-جوزك هتلاقيه برا يا بنتي.

ابتسمت بجفاء شديد لتقترب منهما تهز رأسها لتنظر الى هاتف وجد الموضوع باهمال على المقعد لتميل ملتقطة اياه بخفة شديدة مغادرة الغرفة، حاولت الابتعاد أقصى درجة عن الغرفة لتتفاجئ باتصال ملح من الرجل الذي يبدو أنه لم ينفذ صبره بعد لتلتقط الهاتف مجيبة اياه ببرود تكاد تحسد عليه
- الو، لا وجد تعبانة للأسف ومش هتقدر تكلمك.

ألقتها ببساطة في وجه الرجل الذي استشعرت أنه يحاول المحافظة على هدوئه وهو يسألها عن بعض التفاصيل ان كان يستطيع زيارتها، لترد عليه ببرود أشد
- لا للأسف احنا في مستشفى، انا مين!، انا ابقي آسيا
لم تحاول اضافة اي تفصيل او تعريف اكثر توضيحا عن علاقتها بها لتغلق المكالمة بهدوء واضعة هاتفها في حقيبتها، ستشكرها لاحقا الفتاة وستكون مدينة لها.

التفتت يمينا ويسارا قبل ان تنظر الى ساعة يدها، وقد اطمأنت انه لا اثر للهركليز خاصتها لتنطلق نحو ميعادها المتأخر بعض الشئ الا انها ذعرت حينما وجدت من يوقفها قائلا بصوت اجش صادرا من خلفها
- بتكلمي مين.

اغمضت آسيا جفنيها تحاول السيطرة على هدوئها ومتابعة طريقها متجاهلة اياه، وتحركت خطوة واحدة والخطوة الثانية أمسك رسغها بقوة المتها ليسحبها بقوة ليرتطم ظهرها اللين بجسده الصلب مما جعلها تكتم تأوه خافت وصوت لؤي يخرج عن طور هدوءه
- آسيا
التفتت اليه برأسها تنظر إلى عينيه العميقتين المشتعلتين لتهمس ببرودة اعصاب
- اعتقد انت اكتر واحد ملكش أي احقية تسأل عليا عن اذنك ورايا مشوار.

رفع لؤي حاجبيه ونبرة صوتها لم تعجبه مطلقا ليهسهس بنبرة محذرة
- اسياااا اتقي شري
انفجرت ضاحكة بسخرية وهي تنظر اليه بجفاء وعينيها تقسو لتهمس بحدة
- محتاجة اروح مشوار يا لؤي، سبني شوية، فيه ايه دلوقتي عايز تطلع عقدك عليا
كما توقع، الهانم توقعت انها تقيم في فندق من خمس نجوم لتخرج وتعود على راحتها دون علمه ولا استئذانه حتى، العيب على وجد التي شجعتها على التمرد في البداية، لكن ليست مشكلة
سيصلح كل هذا.

ضغط أنامله بقوة على رسغها لترفع هي حاجبها الانيق بمكر لتهبط عيناه ناظرا الى ثيابها السخيفة في هذا الوقت من النهار ليقول بصوت حانق
- رايحة فين
اجابته ببساطة شديدة وهي تنظر الى ساعة يدها
-اشوف شمس، بقالي فترة مشوفتهاش
ضيق عينيه محاولا تذكر الاسم الذي يظن أنه يعرفه سابقا، لكنه لا يتذكرها لتغمغم بحدة
- بنت مارية يا لؤي
اتسعت عيناه بإدراك وهو يحاول التفكير.

أليست شقيقتها تزوجت بابن السويسري، ووالد شمس يكون صاحب فنادق الغانم
جحظت عيناه وهو يتذكر سمعة ذلك زير النساء، ليهبط ببصره سريعا الى ثيابها، هل هو غبي ليتركها تذهب ببساطة إليه عرين الاسد بمفردها
إلا أن اسيا كانت بعيدة كل البعد عن حالة لؤي الغاضبة، تبدو في حالة من الحنين الشديد والاشتياق لتلك الصغيرة التي ربتها واعتنت بها جيدا كي تصبح بصحة جيدة.

لن تنكر أن الأمر لم يكن بتلك السهولة، من بكاء الصغيرة الليلي ومارية التي في ليلة تتقبلها وليالي آخرها ترفضها لتلجأ الى حليب صناعي الا ان الطبيب حينما نصحها عن ضرورة حليب الام، عنفت مارية بشدة بل واجبرتها على رضع الصغيرة من حليبها لتوافق مارية على مضض، ورغم حنق مارية وهي تشعر انها تبدو كنسخة صغيرة من والدتها التي اندفعت في حالة حب هوجاء لتخلف بعدها بذرة علاقة محرمة تشبه حالة والدتهما التي رفضت عائلته ضمها إليهم، دموعها سالت رغما عنها مما جعل لؤي ينتبه الى دموعها الحقيقة وقشرتها الصلبة تتفكك بسهولة شديدة وهي تهمس بتحشرج.

- ربيتها وشيلتها على ايديا لما مامتها ولدتها، انا ربتها وسميتها باسمي بس واضح ان الحاجات الحلوة مبتكملش للاخر
لا تعلم ان كان لؤي يعلم عن ما عاشته سابقا وقت اختفائها تحديدا، مدت يدها الى خديها لتزيل دموعها وهي تهمس بقهر شديد
- للاسف ابوها اخدها
لكن المنطق والعقل لم يكن حاضرا في لؤي الذي هزها من ذراعيها قائلا بخشونة
- عايزة تروحي لشقة راجل غريب عنك، انتي اتجننتي
تملصت منه آسيا بصعوبة صارخة في وجهه قائلة.

- بقولك ايه متزعقش في وشي
تفاجئ لؤي من عنف اسيا الغير المبرر، لينظر يمينا ويسارا محاولا البحث عن مكان هادئ بدلا شجارهم امام العلن، دفعها الى غرفة مفتوحة واسيا تحاول الفكاك منه الا انه امسكها من عضديها في نهاية الأمر دافعا بجسدها نحو الغرفة واغلق الباب خلفه ليصرخ في وجهها
- ازعق في وشك، انتي تحمدي ربنا انك سليمة قدامي وبتتكلمي معايا، لا وبتجادليني.

صمتت آسيا لبرهة من الوقت ولكن عينيها تحكي عن جحيم اخر، تحاول السيطرة عن لسانها كي لا تندفع قائلة بشئ لا يحمد به لتجز على أسنانها قائلة
- حتى دى هتمنعني عنها يا لؤي، ما تقتلني يا لؤي وتريح العالم مني
كاد ينفجر في وجهها هادرا الا ان بدأ يتدارك شيئا لم يكن يلاحظه قبلا، عقد حاجبيه بضيق محاولا قراءتها، ليغمغم بغموض
- عشان كدا بتقربي مني.

اتسعت عينا اسيا بصدمة وقد تفاجأت بعض الشئ من كلمة التقارب لتزمجر بحدة قائلة بتحذير
- لؤي
تحذره من التمادي وهو ينظر اليها بمكر شديد لم تعتاد عليه مطلقا متابعا بسخرية
- عايزة تحملي بطفل مني
احتقن وجهها غضبا وزمت شفتيها بضيق تام لتحاول الخروج من حصاره الذي بدأ يسقطها بداخله لتنطق بتهور شديد
- لو انت رافض اقدر اخده من...

صرخت بفزع حينما وجدت يد لؤي ارتفعت ليهم بصفعها لتتراجع عدة خطوات وهي تنظر اليه بقلق بدأ يتملك منها.

ملامحه الصارمة وجسده الضخم تقسم أنها رأته ازداد ثلاثة اضعافا مما جعل مساحة الغرفة تزداد ضيقا، والاوكسجين يتناقص تدريجيا من الغرفة لتحاول السيطرة على نبضات قلبها الخافقة وهي تري يده حتى الآن عالقة في الهواء ليسقط يده وهو يقترب منها وعينيه تنوي شرا لم تستطيع ان تستأمنه أكثر على نفسها وهو في حالة فقدان سيطرته.

صرخت بفزع حينما قبض بيده على مقدمة ثيابها ساحبا اياها لتلتصق بصدره العضلي، عينيها الزرقاء تموج بأمواج جارفة، تبتلع كل ما تقابلها إلا أن ما لم تقدر على ابتلاعه هو العاصفة المنذرة بعينيه ليزداد من حالة الجو سوءا ولؤي يغمض جفنيه محاولا السيطرة على مشاعره ليهدر بصوت اجش لينقر بإصبعه على رأسها بخشونة
- اتكتمي خالص، ده ايه مبيفكرش.

عاد ينقر على رأسها بقوة جعلها تتأوه بألم وهو يكظم غيظه، يعلم أن ما تقوله مجرد كلام أحمق
لكن عقله اللعين يتخيل، يتخيل أن ما يحل له سيصبح لغيره، وهذا في حد ذاته يكاد يفقده عن طور هدوئه
ان كانت تفعل هذا لتستفزه، فهى نجحت بالفعل، صاح محذرا وعيناه تخرس تمرد طفيف منها وهو يمسك شفتيها المكنتزتين بقسوة
- خلي ده يفلتر الكلام لان قسما عظما هتلاقيني في يوم كسرت صف اسنانك اللي فوق عشان تخافي تفتحى بقك بعد كدا.

تأوهت اسيا بألم شديد تجاه شفتيها الحساستين وهو يضغط عليهما بعنف، لتزيح يده عن شفتيها متأوهة بتوجع وهي تقول بحدة
- اقدر اركب طقم سنان مش مشكلة
تأمل وجهها الذي اجرت به بعض الجراحات التجميلية ليزفر بسخط وهو يغمغم بابتسامة ساخرة
- هعملك عاهة مستديمة تحرم اي جراح يلعب في وشك.

حدجته بنظرات مميتة لترفع رأسها لامسة شفتيها متوجعة من قوة سحقه لشفتيها الحساستين بأنامله لتجده يجذبها بقوة استنكرتها وملامح وجهه المتجهمة جعلتها تنظر إليه بصدمة
- ردي علياااا، بتقربي مني عشان عايزة تحملي منى ولا لأ
الوقح هل سيتهمها الان بالأنانية لانها فكرت للمرة الأولى بحياتها، وما يسعدها، فضلت عدم الاجابة لتراه يشدد بقسوة على ذراعيها صارخا في وجهها لتصرخ هي الاخرى في وجهه هادرة.

- ايوا، عايزة بيبي يا لؤي استريحت، مش من حقي دايما اخد شمس وخصوصا ان ابوها كائن غبي ومعقد، فيها ايه لما يكون عندي بيبي اهتم بيه
اختنقت انفاسها وتحشرج صوتها وبدأت تشعر بالتنميل يسرى مجرى أوردتها، زاغت عيناها متذكرة اخر مشاجرة مع شقيقتها، لقد سحب منها البساط ببساطة ولم تعد مسؤولة عن شمس، ترقرقت الدموع من عينيها وهي تحاول السيطرة على مشاعرها
وخصوصا أمام عينيه المتفحصة لتسمعه يسألها
- عايزة بيبي يا آسيا.

اندفع الغضب يزأر بقوة داخلها ووحوشها الداخلية التي تحاول ان تسيطر عليها على وشك فقدان سيطرتها أمامه لتشيح برأسها قائلة بتهكم
- برضو بيسأل
زفر لؤي بسخط وهو لا يصدق انها غبية لتلك الدرجة، ليست حمقاء لكن يبدو ان مشاعرها جعل عقلها يتوقف عن عمله، ليهزها بحدة وهو يقول بحدة
- انتي فاهمة اقصد ايه
رفعت عيناها تنظر إليه محاولة أن تفهم الى ما وصل إليه عقله، اتسعت عيناها بجحوظ لتهز رأسها بنفي قاطع.

لا لا، لا يعني أنها ترغب بطفل منه أنها ستظل في ذلك القصر الأشبه بالسجن تقابل يوميا قاتل أبيها لتهمس بنفي قاطع
- لو قصدك اني هفضل في القصر مش هقدر يا لؤي
هم بالصراخ في وجهها والدخول لثاني شجار معه مما جعلها تهمس بألم
- صعب اعيش في نفس مكان بابا مات فيه بحسرته وكان بعيد عننا
انقبضت معالم وجه لؤي وهو يشعر أنه عاجزا عن مساندتها، بل واسعادها.

رغم أنه يرغب في أحيان لقتلها بيده العاريتين، إلا أنه يتفهم تخبطها، خلع سترته ووضعها على كتفيها ورغم ان تنورتها قصيرة بطريقة تشتعل بها غضبه، إلا أن جواربها السوداء السميكة حددت فتنة ساقيها ليتغاضي ذلك اليوم على تلك التنورة، وغدا، غدا سيحرق جميع ثيابها، فتح باب الغرفة واندفع مغادرا معها ليقول بصوت هادئ أثار حفيظة آسيا
- مش هقدر اوديكِ عندها دلوقتي، بس وعد هتصرف في الموضوع حاليا عندي شغل.

حدق نحو سترته التي تحاول خلعها ليزجرها بعنف وهي تقف بتأفف شديد، ارتفع رنين هاتفه لينظر الى صاحب الاتصال قائلا في وجهها
- اوعك تتحركي من مكانك، فيه حاجات محتاجين نوضحها لبعض
عقدت آسيا جبينها بريبة، هل تلك امرأة تهاتفه، لذلك ابتعد عنها!

ماجت زرقة عينيها بجنون شديد والغيرة القاتلة تكاد تفتك بها حية، همت بالتحرك ومراقبته لتتراجع في آخر لحظة حينما قدمت نسخة عضلية مصغرة عن هركليز خاصتها متوجها ناحية غرفة وجد والقلق يحفر معالم وجهه، لترسم بسمة شقية وهي تربت على حقيبتها
ستشكرها تلك الماكرة يومًا حتى وإن أنكرت!

يهيم في الطرقات بحثا عنها بعدما تلقى خبرا بالفاجعة
الاميرة مريضة، الاميرة تعاني بعيدا عنه وهو يواجه وسواسه اليومي بشق الأنفس حتى كاد أن يستسلم لوساوسه يوما!
ظل عاصي يبحث في أروقة المشفى الذي يزداد توسعا كلما دخل رواق لينبثق منها عدة أروقة مختلفة، كأنه في متاهة لا نهاية له منها!

زفر براحة واجبر قدميه على التوقف قليلا لينظر الى الغرفة التي تقبع فيها اميرته، ليزداد ضربات قلبه خفقانا وتلك المرة لم يتحكم بعقله سوى ان يركض نحو غرفتها ولسانه ينطق بأسمها
-وجد
شهقة خفيضة خرجت من شفتي وجد التي تمسح دموعها العالقة على وجنتيها لتتسع عيناها ذهولا هامسة
- عاصي.

تغلبت عليه عواطفه واندفع مقتربا منها ليجلس بالقرب منها الا ان استمع الى صوت نحنحة خشنة جعلت عاصي يلتفت برأسه ليرى جدها جالسا على المقعد المجاور للنافذة مما جعل أذنيه تحقتنان خجلا ليجلي حلقه قائلا
- اهلا بحضرتك يا غالب باشا.

توردت وجنتي وجد وهي ترى نظرات جدها التي تحولت للمكر، مما جعلها تنكس رأسها محاولة تفادى نظراته الثاقبة، استشعر غالب بالاثنين الذين يتصرفان بخجل لا يبدو أنه من شيمهم، مما جعل شفتيه ترتسم ابتسامة دافئة وهو يرى حفيدته التي يبدو ان شحوب وجهها اختفي كليا بوجود الرجل، اقترب من عاصي قائلا
- غالب باشا ايه يا ولد، انا في مقام جدك وانتي هتبقي جوز حفيدتي قريب، ولا غيرت رأيك.

حاول عاصي التحكم في لهفته، ليقع عيناه مطولا عن وجد التي تنكس برأسها كالنعام الذي يدفن رأسه في الرمل، راحة تغلغلت صدره وهو يجيبه
-غيرت ايه بس، ده انا مش مصدق اليوم اللي هتتنازل الاميرة وتتجوزني
عضت وجد على باطن خدها وهي ترفع كفها مهدئة جنون قلبها اثر كلماته، الدموع بدأت تشق طريقها دون رادع او توقف لتسمع جدها الذي يهتف بمزاح
-حيلك حيلك يا حفيد تحية، العروسة مش قد كلامك.

التفت عاصي نحو وجد الذي لم يرى منها شيئا سوى كومة من الشعر، لينفرج عن شفتيه ابتسامة هادئة مما جعل غالب يقول بجدية
- هنستناك انت وتحية هانم يوم الخميس عشان تتفق على التفاصيل
اتسعت عينا عاصي بدهشة وتوقف متخشبا في مكانه مما جعل غالب يتفهم الصدمة التي أثرت عليه قائلا بهدوء
- هشوف الدكتور اذا نقدر ناخدها البيت ولا لأ.

تفهم عاصي الرجل وهو يطلب منه مغادرة الغرفة، القى نظرة اخيرة وهو يغمغم نحو غالب ولم يخفي الاحباط في صوته
- اتفضل اجي مع حضرتك
كاد غالب أن ينفجر ضاحكا، لمعت عيناه بفخر شديد للرجل الذي سيسلم له حفيدته الغالية، والتي سيطمئن عليها أخيرا مع رجل يستحق مراعاتها كما تستحق، القى نظرة نحو ساعة يده، حسنا لن يضر الآمر لو اعطاهم خمس دقائق بمفردهم وترك الباب مفتوحا وبقي هو بالقرب!

لن يضر الأمر، والرجل من البداية لم يرغب ان يختلي بها، هز رأسه بتفهم قائلا نحو عاصي
- لا اقعد هنا يا ابني، انا واثق فيك
تنهد عاصي ولا يعلم كيف يشكر الرجل امامه، ربما لن يستطيع تهدئة الشياطين في داخله وهي حتى الان تبتعد عنه بل وتنأى بنفسها واضعة الكثير من العراقيل امامه، وهل تظنه احمق ليبتعد عنها.

بل سيظل يحاربها، ويحارب الشئ الذي ظهر فجأة أمام حياتهم، نظر بامتنان نحو غالب الذي اضطر يغادر الغرفة لفترة قليلة، زفر عاصي وهو يسحب مقعدا بجوار فراشها ليقول بصوت معاتب
- ينفع تتجاهليني الايام اللى فاتت دي، لا وتخليني اقلق عليكي
نظر عاصي بقلق الى تشبثها الرافض بعدم رؤيته لينادى اسمها بقلب وجل، لتتسع عيناه برهبة وهو يراها تنفجر في البكاء وجسدها يختض بعنف هامسة بتحشرج
- انا اسفه.

جلس بالقرب منها محاولا لمس ذراعيها وتهدئة ذعرها ليقول بنبرة حاول أن يبث بها برودا
- مالك
لما دائما يكون حنونا معها، بل ومراعي جدا لها، هذا الامر زاد من حالتها سوءا لتحاول ان تبتعد عنه كي لا تنفجر باكية بين ذراعيه، ابتلعت غصة كالحنظل وهي تهمس
- عاصي انا اسفه
نظر اليها بقلق ولا يعلم لما يشعر أن القادم سئ، سئ للغاية ليهمس
- فيه ايه
قوليها مرة واحدة امامه يا وجد
لا تجبني.

هيا، واحد، اثنان، ثلاثة، وأطلقت الرصاصة لتستقر في قلبه
- مش هقدر اتجوزك يا عاصي.

في قصر السويسري،
انفجرت جيهان في وجه لولو بحدة قائلة وهي تربطها في البانيو الذي اشترته منذ عدة ايام من موقع خاص لمستلزمات القطط، مع بعض الأودية للعناية بصحتها بالطبع لم تنسي الطبيب البيطرى ليعاين صحتها كل فترة، هذا كله ما كانت جيهان لتفعله لولا فقط كسر الملل في هذا المنزل الذي ظلت ترابطه لأكثر من عدة أشهر توقفت عن سفرياتها التي أعلن وقتها معتصم باشا قلقه منها.

ثم دراجتها النارية القابعة في المرآب، واعلان الأب عن رفضه لأي مشاركة مجنونة في السباق
ولا ينتهي الأمر لهذا الحد، بل عملها الذي قضت فيه سنوات عديدة تعطي حياتها لحفنة مشاهدين أثبتوا لها أن معظمهم حفنة من القذارة فقط، خسارة أنها وهبت حياتها لهم
ولن تنسي زملائها، لا بل منافسيها في العمل!

اللعنة، تطبيقات التواصل الاجتماعي حولت الجميع لوحوِِِش، شهقت بذهول حينما تحركت لولو بعنف في حمام البانيو الصغير الخاص بها مسببا بها الانزلاق لتجز جيهان على اسنانها صارخة بيأس
-يا لولو اهدي.

استقامت من جلوسها المسبب للاحراج وتقدمت لتركض خلف الشقية التي جعلتها تبدأ بالاهتمام بالجميع، بداية من فريال الواشكة على الولادة، لولا جنون والدها لقضت الأيام الأخيرة في قرية الغانم، بالطبع سيوجد نشاطات مختلفة عكس هذا المنزل الذي بدأت تعلم اعداد اضاءات الإنارة في جميع الغرف!
هبطت اسفل فراشها لتنظر الى لولو التي تبتعد لاقصي درجة كي لا تمسكها جيهان مما جعل جيهان تصيح بتحذير.

-مش كل مرة نفضل نعمل الموال، يالا تعالي هنا نكمل استحمام ونحط الدوا.

امام اصرار امتناع القطة من التحرك ولو انش واحد جعل جيهان تنظر اليها بشرز قبل ان تجلب علبة تونة صغيرة الموضوع على طاولة زينتها، نعلم لا حاجة الآن للتعجب، نص طاولة زينتها تحولت لأدوية وكتب خاصة للقطة بل ومنتجاتها للعناية بها وطقم عدة خاص للعناية بفرائها، والخ، تعلم مدي عشق الصغيرة لها، ابتعدت عن الفراش وجلست أرضا تخبط بعلبة التونة على الأرضية لعدة مرات، تعلمت تلك الحيلة من عدة جروبات خاصة العناية بالقطط، ولم يستغرق الأمر سوى عدة دقائق إلا والقطة تهجم على التونة تمسك بالعلبة محاولة بفتحها مما جعل جيهان تبتسم بظفر وهي تمسكها بأحكام جارة إياها نحو الحمام قائلة بيأس.

- يادي النيلة، دماغك ناشفة زي صاحبتك
تعالى رنين هاتفها مما جعلها تنظر الى لولو التي تموء بضعف شديد جعلها تنظر اليها بحزم شديد وهي تلتقط هاتفها الموضوع على الفراش لترد على الاتصال بقلة تهذيب اعتاده الطرف الآخر
- خير
انفجر وسيم ضاحكا وهو يلاحظ انه قاطعها لعمل هام، نظر إلى المخرج الذي يستعجله لانهاء مكالمته الا انه اشار اليه بخمس دقائق اضافية حتى يعود من الفاصل الإذاعي الخاص به، سألها بمشاكسة.

-بتعملي ايه
كادت القطة تهرب منها الا انها احكمت بالقبض عليها وهي تتوجه بها ناحية الحمام لتجففها لتقول بحدة
-بحمى قطة شادية
انفجر وسيم ضاحكا وزرقة عيناه تلمع ببريق خاص لا يراه احد سواها، والغبية تخبره ان عينيه باردتين، واللمعة بزرقة عينيه تخبرها انه اشبه بمصاص دماء وجد طريدة سهلة يوشك على التهامها.

رغم انها اخبرته الأمر على سبيل المزاح، لكنه حقا كان على وشك التهامها في أوقات يفقد بها سيطرته معها، رغم أن التشبيه مبالغ بعض الشئ
لكن لا بأس أن يصبح مصاص الدماء خاصتها، لطالما كادت تفقد عقله في وقت مراهقتها بمسلسل احمق يتحدث عن مصاص وقع في حب انسانية واشياء حمقاء من هذا القبيل!
لكنه تنحى عن كل شئ وهو يرى أن الوقت سينقضي وهو يفكر في الماضي ليقول بتسلية
-بتخاف زي صاحبتها من الماية.

استمع الى صيحتها المحتقنة صارخة في وجهه
- مش نقصاك يا وسيم دلوقتي، عايز ايه
زفر وسيم بيأس وهو يغمغم ببعض الضيق
- عمي معتصم مش بيرد عليا، بكلمه كتير مش بيرد
تنهدت جيهان وهي تطلق سراح القطة لولو التي قفزت خارجة من الحمام لتسارع القفز نحو علبة التونة مما جعل جيهان تخرج من غرفتها وقد تملكها القلق تجاه والدها
- يمكن نايم، ثواني هشوفه
توجهت نحو غرفته منادية اياه بصوتها العالي، تعلم أنه يستفز والدها.

لكن اي شئ تشق صمت بيت الاشباح الذي تسكن بداخله
- بابااااا
وجدت غرفته فارغة، لتتوجه نحو غرفة مكتبه لتسمع صوته متحدثا بصوت خفيض ورغم فضولها لمعرفة ما يحدث داخل تلك الغرفة، خصيصا انها استمعت الى صوت شادية إلا أنها تراجعت عدة خطوات قائلة
- بابا مشغول، ثم انت عايز منه ايه
تنهد وسيم وهو لا يصدق فظاظتها وخصالها التي لم تستطيع تهذيبها حتى الآن، لتلمع عيناه بخبث وهو يعلم سر اصمات لسانها الطويل الذي بحاجة لقص.

- عايزك يا جيجي
شهقت جيهان باستنكار شديد لتصرخ في وجهه
- عايزك يا جيجي! وانت فاكر جيجي هتوافق على حيالله مذيع في راديو
حقا هذا كثير عليه، هل عمله الآن لم يعجب جارته! لكنه تغاضى عن أي شجار سيفعله وقال بتسلية
- وماله المذيع يا جيجي، ده حتى قلبه طيب وعيونه زرقا وغرقان فيكي.

كانت ستنفجر جيهان منفجرة في وجهه لكن تهدج انفاس الاخر، وثقل صوته جعلها تزدرد ريقها بتوتر والرعشة تسيطر على كافة أنحاء جسدها لتفتح شفتيها محاولة السيطرة على الاوضاع كي لا يظنها غبية لم تسمع من قبل رجلا يفصح بمشاعره لها
لقد قرأت كثير من تلك التعليقات السخيفة حينما كانت حلم بعيد المنال لبعض الشباب، وكانت هي ترغب بواحد فقط دونا عن الجميع.

لكن ان يسخر منها الواقع وهو يتحدث ببعض الابتذال الغير لائق به، جعلها تبتسم بتوتر قائلة
- انت عارف الكلام ده مش هيأثر فيا
نعم لم تتأثر، وصوتها فضح كيف أن الكلام لن يؤثر عليها! غمغم وسيم بنبرة حادة
- جيهان عايزك تفهمي انك اول واحدة في حياتى اعبرلها عن مشاعري واخر واحدة
ضمت قبضة يدها وهي تضربها على خفقات قلبها المتقافزة برعب، لتخرس أي نبضة مبتهجة لتقول بحدة.

- تقوم تقول كلام مستهلك، بدل ما تتعب وتتعمق في مشاعرك تقول كلام زي دا
واشتعل غضبها حينما استفزها قائلا
-خليني اسمعك انتي
صاحت اسمه بتحذير مميت
- وسيم
صمت مستمعا إلى همسها الحانق
- ورايا حملة نضافة تانية اقفل
حاول ان يلطف الاجواء قائلا بجدية شديدة قلما يستعملها معها
- هجيلكم اخر الاسبوع مع عيلتي، اعرفي اني عايزك في حياتي يا جيهان وأنك الست الوحيدة اللي هتفضل في حياتي لحد لما اموت.

احمق، يعلم تماما كيف يسحب البساط منها، أنهت المكالمة دون وداع لتتنهد وهي تحاول التخلص من مشاعرها الغبية
الحبيب جاء معترفا تلك المرة، متوسلا قبولها
ألم يكن هذا رهانا كي يستطيع تصحيح أخطائه، ماذا تريده بعد وهو يرغبها بل يطلب منها مرارا وتكرارا، اتعبته واتعبت نفسها
لكن هو لم يرى ما فعله خلال السنوات الماضية المنصرمة
ستجعله يظن أنه جلس على عرش مملكته.

ليحظى ببعض الراحة يحتاج اليها، قبل ان يستعد لجولاته القادمة التي حتما ستجعله يرى النجوم في منتصف النهار
ابتسمت بمكر وهي تحاول نفض مشاعر الحب التي تزيدها ضعفا لتنتبه نحو مواء القطة لتلتفت اليها قائلة باستنكار
- لولو.

وضعت القطة علبة التونة على الأرض بعد علمها أن محاولاتها باءت بالفشل لفتحها، لتحملها بهدوء شديد على ذراعيها تاركة علبة التونة وتتوجه الى المطبخ حيث هناك الكثير من الطعام الصحي يجب عليها تناوله بدلا من تلك الاطعمة المعلبة، لكنها لن تكون قاسية ستجعلها تتناول فقط نصف علبة تونة صغيرة بعد ان تتناول طعام غدائها الصحي، ربتت على فرائها الناعم قائلة
- دلوقتي اخدتي بالك من اللي بتراعيكي طول الايام اللي فاتت.

زاد مواء القطة حدة وهي تنظر الى علبة التونة ثم إلى جيهان بنظرة مستعطفة جعلت جيهان تهز رأسها نافية وهي تضع طعامها أمامها، وفي حين رفض القطة جعل جيهان تفتح علبة تونة أخرى محتفظة بها على رخام المطبخ وفتحتها وبدأت تقدمه للقطة التي هجمت عليه تتناوله بنهم، تبا لقلبها الطيب الذي يجعلها تستلم لنظرة القطة المتوسلة!

من المفترض اليوم أن يكون هو يوم فتح باب قفصها الحديدي والخروج للعالم الخارجي
ورغم حماستها للأمر لاستكشاف نطاق جديد لم تراه بعد، لكن يبقى السؤال هنا
هل هي جريئة لتلك الدرجة التي تدفعها أن تكون امرأة وحيدة تصارع العالم بمفردها
ام تعود لسجنها المقيد والمهين لكرامتها والمؤلم لمشاعرها كامرأة رفضها حبيبها مرارا
هو يكذب نعم
ان لم يتأثر لم يكن ليغار
أن غار هذا يعني أنه يهتم.

ولكن ما نفع الاهتمام إن كان يعاملها كقمامة، يهين ويستهزأ من مشاعرها
أين نعيش الآن، زمن صمت المرأة ولى، نحن في القرن الحادي والعشرين
حيث يوجد للمرأة صوت ومكان، حق ورأى
تفرض شروطها وأوامرها تطاع
حق يحفظ كرامة المرأة، ويحميها من بطش أى ذكر متعصب لبني جنسه!
تنفست فرح وحاولت نفض التوتر من كل خلية في جسدها و هي واقفة داخل المحكمة، اخر مكان توقعت الوقوف فيه.

لكن منذ وهي مع نضال الأمور تسير بطبيعة، حاولت أن تسيطر على زمام أمورها وهي تري اسرار بجوارها
رغم انها اخر شخص توقعت أن تكون بجانبها، والحاحها بعودتها للمنزل وان تكون هي بجوار المحامي، الا ان اصرار وتنعت اسرار اقوي منها مما جعلها تزفر بحدة
الأمر سينتهي بسهولة ويسر، هذا ما أوضحه محاميها الخاص الذي قال إنها في نهاية الجلسة سيصدر القاضي حكم بالطلاق دون حاجة الى اى مماطلات وصلح!

حاولت البحث عنه في الارجاء، اى علامة تدل على أنه سيحضر المحكمة اليوم، لكن لا شئ يدل على وجوده او اي اشارة تعلمها انه سيأتي اليوم
سقط قلبها بين قدميها حرفيا وجلوس اسرار ببرودة اعصاب هذه لم تتحملها، بالله لما أتت معها وهي بجودها يزيد الأمور سوءا لتنفجر صائحة بعصبية
-انا خايفة.

تنهدت اسرار بهدوء وهي تغلق هاتفها بعد ان ارسلت عدة رسائل قصيرة تطمئن زوجها عن حالتها وحالة الجنين، وهو يخبرها بعد فترة من فحصه الدقيق أنه سيأتي للمحكمة ولعلمها لعناده لم تحاول ان تثنيه نهائيا، بالنهاية هي تعلم اتى فقط بهدف إبعادها عن مجال نضال الذي سيحتاج إلى دعم نفسي قوي وهي الوحيدة تستطيع تقديمه له.

رفعت عيناها تنظر الى عيني فرح، مهلا! هل تقرأ من عينيها تراجعا ام خيل لها ذلك! قالت بهدوء محاولة تفحص مشاعرها
- متقلقيش، المتر قالى الحكم هتاخديه من اول جلسة
زفرت فرح بيأس استدعى الشك بداخل اسرار وهي تراها تغمغم بعصبية مفرطة
- ممكن نضال يلعب في حاجة وتخليني اخسر دعوة الطلاق
رمقتها بعدم شك، الم يطمئنها المحامي مرارا وتكرارا، لهذه الدرجة تخشى من جنون نضال! حسنا هو مجنون قليلا.

له منظور مختلف وشاذ عن الاخريين وهذا يجعله محبوبا للجنس الناعم بسبب تفكيره المختلف لتقول بهدوء
-متقلقيش، الحاجة الوحيدة اللي القانون بجانب الست في الطلاق والخلع
حاولت ممارسة تمارين التنفس لتهدئة أعصابها المتلفة، إلا أنها لم تستطيع، اختفاء نضال عن الوسط هذا كارثة
هدوء السابق لحدوث اعصار
تعلمه، مررت أناملها في خصلات شعرها قائلة بفقدان سيطرة
- انا مش قادرة انا خايفة يا اسرار.

استقامت اسرار من مقعدها وهي تربت على ظهرها قائلة بصوت هادئ تحاول نحر ذعرها
- اطمني، بصي لسه فيه وقت لحد لما يجي دورنا، ادخلي الحمام حاولي تهدي نفسك شوية وتعالي
نظرت فرح بتيه نحو المكان بالمكتظ بأناس غرباء، لا تعلم لما نصف الشعب أصبح متكدسين في محاكم الأسرة؟!
زفرت بيأس محاولة نفض أي أفكار سلبية تراودها قائلة
- ههحاول.

همت بالتحرك باحثة عن طريق الحمام الا انها انتبهت على أسرار التي أمسكت ذراعها قائلة بنبرة غامضة
- الطريق اللى اخدتيه ملهوش راجعة يا فرح
هزت فرح رأسها وهي تميل برأسها تحاول فهم أسرار وسبب قول تلك الجملة تحديدا في هذه اللحظة! هي اتخذت قرارها منذ فترة طويلة
واليوم ازداد اصرارها على انهاء الامر نهائيا، ابتسمت قائلة بامتنان.

- عارفة، ومش عارفة اقولك ايه يا اسرار، مش هنكر في الاول كنت بحمل مشاعر سلبية تجاهك، بس عرفت ليه نضال متمسك بيكي
ابتسمت اسرار ولمعت عيناها الزرقاوين بحنين لتهمس
- نضال اي نعم يبقى اخويا، بس صدقيني رغم ذكائه الشديد إلا أنه فشل في حاجة واحدة وهو انتي، كنتي مراية ليه يا فرح، بيشوف نفسه بدون أي زيف وده بيخليه في بعض الأحيان تحول انه يبقى عنده هوس التملك رافض مرايته الخاص تكون لغيره.

اتسعت عينا فرح باستنكار شديد مرددة
- مراية!
ابتسمت اسرار بتفهم لتحاول شرح نظريتها قائلة
- صدقيني صعب الايام تلاقى حد يكون مراية ليكي وتكوني انتي مراية ليه
انقبضت معالم وجه فرح للتجهم لتحاول الآن البحث عن الحمام افضل من استماع اب فلسفة حب وهي واشكة على الطلاق ق
- يعني تعريف العلاقات عندك مرايات
هزت اسرار رأسها قائلة بنصيحة اخوية
- طبعا، لو لقيتي صورتك قدام الراجل اللي قدامك اعرفي انك اخترتي المراية الصح.

مرآة أخرى ومعاناة أخرى وهي لم تتخلص من معاناتها الاولي، حقا لقد استكفت من الرجال لتقول بحرج
- عن اذنك محتاجة اروح التواليت
هزت اسرار رأسها بهدوء لتسارع قائلة
- متتأخريش من فضلك
اومأت فرح رأسها بتفهم قائلة وهي تبحث عن استراحة للنساء تستطيع ان تفرغ فيه شحنتها المكبوتة قائلة
- حاضر.

بعد بحث مضني قضت فيها عشر دقائق للبحث عن الحمام والأشخاص يدلوها على الطريق الذي اكتشفت أنه بعيد عن المكان الذي تنتظره بها اسرار والمحامي، لكن ليست مشكلة هي طريق عودتها
المشكلة انها اكتشفت انها نسيت حقيبتها، لعنت تسرعها وغبائها الفوري وهي تنظر الى مرآة المرحاض الذي يبدو ساكنا بعض الشئ مخالفا للزحام الذي بالخارج.

توجهت نحو الباب بغية الخروج والعودة مرة اخرى لجلب حقيبتها إلا أنها تراجعت خطوة حينما فتح الباب، وكادت تنسحب جانبا كي تمر المرأة نحو الداخل إلا أن عينيها اتسعت بجحوظ نحو المتمثل أمامها بهيئته الشامخة التي اعتادت عليها دوما
ازدردت ريقها بتوتر وحاولت نفض أي ذعر قد يتلبسها وهي ترى ابتسامته الذئبية جاعلة فرائصها ترتعد خوفا وهي تسمعه يقول بنبرة ساخرة
- اعتقد جيه وقت الحساب، يا، قطة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة