قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخمسون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخمسون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخمسون

في النادي،
تتحرك وجد بحماس تقطع الملعب وهي تسدد الكرات بقوة وملامحها متوهجة بإصرار ولمعة حياة جعل المدرب يعجب بعودة البطلة الغائبة للحياة، عينيها لا تكترث لبعض الشباب الذين يتابعون تدريبها، شخص واحد فقط تمنته هنا في تلك اللحظة
صاحب العينين الخضراوين المقتحم لحياتها، وجعلها تكتشف حياة جديدة.

هل وجود رجالا مثله في هذه الدنيا، لا تعرف إذا كانت ستقابله في حفلة خطبة اسماء الليلة ام سيكون مشغول ولن تتشبع عيناها من رؤيته..
طالبت وقت مستقطع وهي تمسح العرق المتصفد في جبهتها لتزفر بحرارة وهي تلتقط انفاسها المتأججة من فرط شغلها المجهود، لتسمع إلى تعليق المدرب قائلا بحماس
- برافو يا وجد، عجبني حماسك في اللعب عن المرات اللي فاتت، ارجعي وجد اللي اعرفها.

ابتسمت بهدوء شديد وهي تتوجه نحو حقيبتها تمسح حبات العرق قائلة
- شكرا يا كابتن
هز رأسه قائلا بجدية
- الاهم الاستمرار ياوجد، مش عايز أي حاجة تأثر على الحضور والتمرين، عضلاتك لازم تكون مرنة
- حاضر
قالتها بعدم اهتمام وعينيها تتفقد اي رسالة صباحية او مسائية منه كالتي اعتادت عليها سابقا، لكن لا شئ، اصابت بالاحباط و هاجس مخيف بدأ ينتشر كالهشيم.

هل يراها مريضة ويعالجها كطبيب، انقبض قلبها وترنحت للحظة، تقسم انه موتها على يده هذا الرجل ان كان حقيقي، اهتز الهاتف من يدها للحظة وهي تري المتصل جدته، عقدت حاجبها بتعجب وهي ترفع رأسها للمدرب تطلب منه الاستئذان
- بعد اذنك
ردت ببعض التوتر، خشية أن يكون عاصي قد يصاب بشئ
- الو
تنفست براحة وتسمع صوت جدته المحبب واهتمامها لترد قائلة
- بخير الحمدلله، لا يا توحة مش ناسية ان النهاردة الخطوبة.

عقدت حاجبيها وهي تقول بعد برهة
- يعني ايه هي مش عايزة تروح البيوتي سنتر
اتسعت عيناها للحظة حينما سألتها ان كانت تستطيع أن تقدم يد العون لمساعدتها، ارتجفت لثواني، لكن دافعها للقاء عاصي كان أكبر لتقول بابتسامة ناعمة
- أنا النهارده معنديش أي مواعيد، نص ساعة وهتلاقيني عندك
استمعت إلى رفض توحة معللة أنها ترهقها لكنها قاطعتها بلطف
- مفيش تعب يا توحة، طمنيني بس الفستان طلع مضبوط عليها.

رفعت الهاتف تنظر إلى الوقت الذي تخطي الثانية عشر ظهرا لتقول
- تمام يا توحة، اديني نص ساعة وهتلاقيني عندك
أغلقت المكالمة وعقلها يلعنها، ماذا تفعل هي مع امرأة مثل أسماء، لكن كله يهون لمقابلة ذلك الذي ينزوي بعيدا عنها، تحتاج العودة للمنزل وجلب اشيائها الخاصة لتنطلق إلى حي عاصي.

ترجلت شادية من سيارتها بعد أن تلقيها العديد من رسائل سرمد متسائلا هل عادت الى منزلها أم ماذا، لم تجيبه، اكتفت بقرائتها دون الاكتراث برده، نظرت الى صندوق القطة الصغيرة لترتسم ابتسامة ناعمة على شفتيها وهي تتوجه به داخل منزلها..
كادت تصعد اول درج في السلم لتسمع إلى صوت والدها المتفاجئ من وجودها
- شادية!
ارتعش جسد شادية بارتجاف لتضع صندوق القطة جانبا وهي تندفع بقوة إلى عناق والدها تبكي.

على ما فرطت فيه
بغبائها واندفاعها الحثيث للحب، ولتصديق لذئب مثل معاذ الذي عاد ينغص عليها حياتها
ثم وجود قنبلة موقوتة كسرمد في حياتها، دفنت وجهها في عنق والدها الذي تحمل كل خيبات قلبها وعقلها كأسد جسور لم يخلق بعد من يكسر كبريائه
همست بعذاب شديد ودموعها تخرج من محبسها تلتمس فيه قوة تجدها عنده فقط
- بابا
خفق قلب الاب بهلع شديد، ليرفع رأس ابنته قائلا بنبرة يحاول التغلب بها عن فزعه.

- مالك يا روح بابا، طمنيني بس عليكي
استكانت برأسها على صدره، كيف تخبره ان معاذ عاد؟! ليعود لفرض حصار لها ويمنعها من الحياة، هل سيفرض قوانين وتعود خاضعة
تعلم عاجلا ام اجلا سيعلم، لكنها تريد اثبات انها ليست امرأة ضعيفة مغلوبة على أمرها، لقد أصبحت قوية، قوية لدرجة أن تسمح لأحد باتخاذ حياتها لعبة في يده.
شعرت بأنامل والدها تمسح دموعها لتهمس باختناق
- مخنوقة، مخنوقة يا بابا.

تنهد معتصم بألم، هل عادت لها ذكريات ماضيها؟!، يخشى أن تنتكس حالة صغيرته وتذبل بتلات وردتها دون وجود شخص قادر على رعايتها، همس بقلق
- ايه اللي حصلك بس يا حبيبتي
لفت شادية ذراعها حول جسد والدها لتقول بتصميم شديد
- بابا، عايزة اقعد جنبك وبس، مش عايزة حاجة تبعدنى عنك
هم بالرد الا ان صوت مواء قطة استرعى انتباهه، عبس حاجبيه وهو ينظر الى الصندوق الجالب مصدر الصوت ليقول
- ايه الصوت ده!

ارتسمت ابتسامة سريعة وحنين غمرها وهي تنسحب من عناقه لتتوجه نحو صندوقها الثمين قائلة
- قطة يا بابا
عقد معتصم حاجبيه بريبة، هل هذا سبب بكائها؟ّ! تذكر ماضيها، لا لا ليس هذا السبب، ليقول بعبوس واضح
- انتي جبتي قطة، مش انتي رفضتي يكون في حيوانات في البيت ده
راقب معتصم ابنته وهي تخرج قطة صغيرة ذو فراء ابيض تداعبها باناملها، همست شادية بحنين شديد وهي تضمها خشية فقدانها
- دي لولو يا بابا.

اتسعت عينا معتصم بشدة، هل اصبحت مخبولة مثل بلوته الاخري، وعلى حين ذكر اسم بلوته انتبه على صوتها الحماسي وهي تدلف من باب الفيلا
- يا صباح الجمال عليكم
اتسعت عينا جيهان للحظة وهي تري القطة بين يدي شادية، ذلك الايطالي اللعين ينتهز فرصة، اتسعت ابتسامتها وهي ترى تلك اللمعة في حدقتي شقيقتها، اجلت حلقها وهي تقول بحماسية عالية
- كويس انك جيتي عشان ورانا يا هانم شغل كتير عشان عيد ميلادك.

انتبهت شادية على صوت شقيقتها، لتنظر اليها عابسة وهي تلتفت الى والدها لتقول
- بابا انت موافقها على الجنان ده، عيد ميلادي فاضله شهر ايه لزمته النهاردة
هزت جيهان رأسها رافضة أي شئ يفسد من مخططاتها التي ظلت لأيام تنفذها
- مفيش مفر منها
تراقصت حاجبيها بمشاكسة وهي ترى نظرة والدها الغامضة لتقول بتحذير لشقيقتها
- حطيتلك الفستان اللي هتلبسيه، عالله تغيريه.

ثم اندفعت تصيح بتفاجئ أمام والدها الذي ينتظر منها تفسيرا على وجود قطة في المنزل وحالة شقيقتها الهائمة بالقطة
- ايه ده! حيوان في البيت هنا، على جثتي يقعد
اندفعت شادية تقول بشراسة شديدة متشبثة بالقطة
- دي لولو، هتقعد معايا
ارتسم على وجهها القرف لتقول بتقزز
- وترمي قرفها في كل حتة، لا يعني لا
داعبت شادية فراء القطة التي تموء بسعادة لتهمس
- هخصص ليها مكان تقعد فيه وهتكون نضيفة، صح يا لولو.

سمعت مواء القطة لتقول شادية
- شوفتي قالت ايوا
رفع معتصم يداه الى السماء يبث شكواه، في منزله ليست انستين على وشك الجواز بل مخبولتين على وشك دفعه إلى العباسية
- يارب صبرني
انفجرت جيهان ضاحكة بمرح وهي تغمز لوالدها بشقاوة ثم اندفعت تقبله من وجنته بقوة قائلة
- تستحق جايزة أوسكار يا عصوم، متنساش تلبس البدلة اللي اخترتها عايزاك تبقي قمر كدا و تخلي البنات تحبك.

ضيق معتصم عينيه وهو يسبر أغوار تلك المجنونة التي تعلم شيئا وتخفيه كلتا الفتاتين عنه، غمغم ببعض الحدة
- طول عمري وسيم يا بنت، امشي ومن وشي من ناقصك انت كمان
ودعته جيهان وهي تتوجه الى درجات السلم تصعده بخفة، ليقف معتصم وهو يتمتم ببعض الحنق
- البنات كبرت وفاكرين يقدروا يعتمدوا على نفسهم واحدة هبلة والتانية مروشة.

دعي الله بصلاح أحوالهم والسعادة لابنه الذي لم يزره حتى الآن، قالها سابقا لو استطاعت زوجة ابنه ان تبعده عنها فقد فتحت ابواب من ابواب الجحيم، هز راسه بيأس ثم التفت يمينا ويسارا قبل ان يدلف المطبخ طالبا من الخادم أن يصنع له فنجان من القهوة قبل أن تقبضا عليه متلبس! ثم يفكر في هدوء ما يخبئن عنه فتاتيه.

يدخل هواء ملئ بالنيكوتين ثم ينفثه بكل استمتاع
تلك عادته
السيجار يخلفه دخان
وحياته ستتحول رمادا
والجزء الأخير من لفافة التبغ تسحق بعنف
كما يسحق هو من يعوق طريقه
نظر إلى الدخان ببعض المتعة، كما يحب رؤية الأشياء التي تستحيل رمادا
حتى الاشياء الصلبة مصيرها في النهاية اما الاحتراق او التحلل.

هز نضال راسه يمينا ويسارا يحاول أن يخفف من الوجع الذي ألم عنقه، زفر بحنق وهو يستمع إلى نقرات كعب حذاء أنثى مهووسة بالأحذية النسائية
قلب عينيه بملل وهو يعود لسياسية للتفكير بعمق شديد متحاشيا هذر أسرار وهي تصرخ
- انت كدا يعني عملت اللي يريحك
ضاقت عيناه ببطء وخمول شديدين، مراقبا تلك الابنة العم
متى تحولت لكائن غاضب، عصبي، حاد المزاج
متى استبدلها ذلك الاحمق بذلك الكائن المزعج.

نفث دخان سيجارته ليقول بهدوء شديد
- تقصدي ايه
رفعت اسرار عيناها للسقف، تقتبس منه بعض الصبر لتعيد النظر إلى ذلك صاحب العقل المتيبس، كانت هي أكثر منه صلابة لكن قلبها أمرها أن تأخذ هدنة وتكون بصحبة من تحب
لما ذلك الجاحد يضيع من يديه الفرص؟!، وضعت كلتا يديها على طاولة مكتبه لتقول بهدوء شديد
- نضال، ارجوك افهم، الست مننا عايزة اللي يطمنها مش اللي يهددها طول الوقت
دعس عقب سيجارته في المنفضة يرد بهدوء شديد.

- ومين قالك اني بهددها
نظرت اليه بعدم تصديق لتعقد حاجبيها وهي تنفجر في وجهه بحدة
- نضال اركن غبائك ده على جنب من فضلك
رفع نضال حاجبه بشر لتلتمع نظرة تحدي في عيني ابنة عمه، اشاح نضال رأسه قائلا
- عارف انا مستحملك بس عشان انتي حامل غير كدا كنت طردتك
خبطت بعنف على طاولته قائلة
- مش أسرار الغانم اللي تتطرد يا نضال
انفرج عن شفتيه ابتسامة ساخرة وهو يقول.

- هنبدأ دلوقتي نقول القاب العيلة، ارجعي اللي اعرفها رغم أنها غريبة بس احسن من وشك ده
مررت انامله في خصلات شعرها ببرود شديد لتقول
- لولا اني في مزاج حلو الايام دي مش هرد عليك واتعب اعصابي
هز نضال رأسه، تقنيا لم يغير زوجها اسرار التي يعلمها، همس بصوت ساخر
- لسة باردة من جوا
رفعت حاجبها بشر لتقول
- بتقول حاجه
ابتسم بلطف مبالغ وهو يرتسم اغبي ابتسامة رأتها اسرار قبلا.

- بقول مشرفاني في مكتبي ليه، الباشا تعب وقت ما بيلاحقك كل مرة في الكورنيش
شرست عيناها لتقول بحدة ونبرة بها بعض الوهن
- ملكش دعوة بسراج يا نضال، بعدين حاسة اني مش كويسة الايام دي
عقد حاجبه وهو يراها تعود جالسة على المقعد تحاول ان تتنفس بهدوء كي تتجاوز نوبة الغثيان، استمعت إلى نبرته المتهمة
- تعبانة وفيكي حاجه
زمت شفتيها بعنف لتقول بحدة
- لا كويسة، وفر اهتمامك لمراتك وبنتك.

رفع نضال حاجبه، واصبحت جاحدة ايضا، تمتم ببرود
- ومين قالك اني مش مهتم
ضحكت ساخرة لتمتم
- هتقولي، ده انت لوح تلاجة
انفجر نضال في ضحكة هستيرية ليغمز قائلا بعبث
- من بعض ما عندك
امالت اسرار برأسها لتهمس ببعض نفاذ في صوتها
- تقدري تقولي مستفاد ايه من الوش اللي لابسه ده عليها
أمرته بعدم الرد لتناوب عنه الرد قائلة.

- انت خايف تتعلق بيها مثلا! انت اتعلقت خلاص يا نضال، متكابرش وتنكر، فرح بتحبها وبتغير عليها غيرة غبية، خلاص يا اسد انت وقعت
وضع نضال يديه في جيب بنطاله، ينظر اليها بهدوء شديد والي تحليلها، المكابرة طالما كانت ليست من صفاته
لكن الحب غير من صفته
يؤمن بكل شئ وأي شئ الا الحب، ما هو الحب الذي جعل الناس تكاد تموت باحثين عنه، لا يريد أن يكون ذليلا مرة اخري بعد ما عاشه
هو السيد
و الأمر.

و المتحكم في مقاليد أمره وليس شخص يسلم له عنقه على طبق من فضة..
همس بسخرية متهكمة منه ليقول
- وايه كمان
قامت من مقعدها وهي تهمس وطفقت الدموع تغزوها
- فرح ملهاش حد غيرك يا نضال، تفتكر ليه لحد دلوقتي صابرة عليك ومرجعتش لعيلتها، فضلتك عليهم يا نضال دي مش حاجة كبيرة يا نضال
ضم قبضة يده بعنف وانقبضت ملامح وجهه ليقول بحدة
- انتي مشوفتيش النجس ده عمل ايه معاها.

تعابير متجهمة، النبض في الصدغ يكاد ينفجر، عينان مظلمتين وذبذبات سلبية تفوح من جسده
الرجل عاشق لحد النخاع، همست بها اسرار وهي تري ذلك الاسد المكابر، ابتسمت أسرار وهي تقول بمكر
- فرح بعدها عن غيرتك، عايز تنتقم انتقم من النجس ده ووريه مقامه، عرفه انت قد ايه مهتم بيها
رفع رأسه وكم يحب جانب الشر اللذان يشتركان به، همس نضال بمزاج عكر
- شرسة يا أسرار، متوقعتش منك ده
شمخت برأسها وهي تقول ببعض العبث.

- أسرار تقطع بسنانها اللي يقرب من جوزها
رفع كلتا يديه مصفقا ليقول
- سراج باشا لازم يسمع الكلام ده
التقطت حقيبتها وهي تغمز بعينها قائلة
- عارف من غير ما احتاج اقوله
ودعته وهي تنظر اليه ببعض اليأس، نضال لن يشعر بما في يديه إلا أن فقده، تلك هي الطريقة الوحيدة ربما تعيده للصواب!

في حي عاصي،
وقف عادل بجوار عاصي المستند على عكازه رغم انه تخلص من جبيرة قدمه إلا أن الطبيب نصحه بعدم عمل أي مجهود شاق، وهو الآن يقف كشخص عاجز يتابع مع عادل ترتيبات الحفل الذي سيقام في الشارع حسب أوامر توحة العليا، مرر عادل يده بسخط على شعره القصير ليقول بسخط
- انا مش عارف لزمتها ايه بس نعمله في الشارع، هي اصلا مش بتحب تكون فرجة قدام الناس
هز عاصي رأسه بيأس وقال بنبرة جادة.

- عادل، اعمل اللي عليك وانت ساكت، توحة اللي مقررة يتعمل في الشارع عشان البيت هيكون ضيق
رفع عادل رأسه بنفذ صبر ليقول بسخط
- يعني مالها القاعة، هتقول لأ
لو عليه يكتفي فقط بوضع المحبس في اصبع اسماء ووقتها يستطيعان الاحتفال ولو في سطح منزله، هز عاصي رأسه وهو يقول بنبرة مشاكسة
- روحلها وقولها الكلمتين دول
جحظ عادل عيناه ليهمس ببعض التوتر
- اروح مين بس يا عم، خلينا ساكتين.

انفجر عاصي ضاحكا، وهو يرى عادل بجسده الذي يماثله يخشى من جدته، الحق يقال جدته في بعض الأحيان تصبح كائن مرعب له، تنهد للحظات وهو ينتظر انتهاء علاج ساقه ليعود للعمل وليري صاحبة العينين الداكنتين والتي اوهمته بعمل حلة له، زفر عاصي بحرارة وهو يكاد يكبح شوقه لمكالمتها
بأي حجة، ثم يتوقف عند آخر لحظة ويسأل
بأي حق يسألها، هي لم تصبح بعد امرأته الخاصة، انتبه على صوت عادل قائلا بنبرة غامزة.

- فاتنة الحي الجديد ظهرت
ارتفعت عينا عاصي لتحط عيناه عليها، بأ فتنتها القاتلة وابتسامتها التي تجلب العدوي لشفتيه
عيناه تتابع بافتتان وشغف شديد لابسط حركاتها العفوية وهي ترفع نظارتها القاتمة من عينيها لتتشبع عيناه من احتفاظها داخل ذاكرته، ليعاني ليلا من سهاد بسببها
ما ذنبه ان قلبه لا يتحمل كل ملامحها الفاتنة، وما ذنب قلبه ليتحمل بصعوبة بالغة من نظرات آخرون يخدشونها بعيونهم النهمة...

مرر يده على مصدر قلبه، يهدأ من ضربات خافقه كي يستطيع الصمود أمام حضرتها البهية.

اغلقت وجد باب سيارتها بعد أن حملت في يدها علبة مستحضرات التجميل لتقدم المساعدة لاسماء التي رفضت رفضا باتا ان تضع شيئا على وجهها، توحة كانت تطلب منها ان تساعدها ولم تطلب منها تحديدا أن تأتي لكن هي اندفعت بالمساعدة، رفعت رأسها حينما وجدت رجل متسلق سلم عالي، تقريبا لأول مرة تري سلم خشبي بهذا الطول والرجل يتحرك به بسلاسة شديدو معلقة المصابيح الملونة، عقدت حاجبيها وبعض الانبهار وهي ترى يستخدم السلم كقدمين متحركتين، هل يعمل في السيرك؟!

جحظت عيناها حينما مر هاجس ان عاصي كان في مكان الرجل، شهقت بذعر وهي تتابع الرجل بقلق شديد لتشهق من صوت صبي
- يا هلا ومرحب بيكي يا ست الكل
رمشت بأهدابها عدة مرات وهي تزفر براحة لتعقد حاجبيها وهي تحاول تذكر اسم صبي القهوة، لتقول بنبرة هادئة متسائلة بعض الشئ
- انت، اسمك هيما صح
هز هيما راسه قائلا بابتسامة متسعة
- مضبوط يا ست الكل، هاتي عنك
قالها وهو يمد ليأخذ الحقيبة لتهز رأسها رافضة بابتسامة لطيفة.

- مش عايزة اتعبك يا هيما
هز هيما رأسه وقال بنبرة متحمسة
- ولا تعب ولا حاجه يا ست الكل، ست توحة نبهتني أول ما توصلي اوصلك على الشقة علطول.

تحت إصراره العنيد لكنها كانت اعند وهي ترفض بتهذيب شديد جعل هيما يتفهم رغبتها وانطلق متوجهها نحو العمارة لتتابع عيناها ببعض الشغف للعاملين الذين اتخذوا بقعة من الشارع ليحولوه إلى احتفال، انتبهت على نظرة داكنة من صاحب العينين الخضراوين لتتخضب وجنتيها بالحمرة وهي تراه واقفا على بعد مسافة بسيطة من مدخل العمارة، اقتربت منه والحمرة تتدفق وجنتيها، لأول مرة يسري شعور كهذا.

شعور ما بين الشوق، والسعادة المحفوف ببعض الخوف، همست بصوتها الرقيق كرقة عظامها اللينة
- صباح الخير
هبطت عينا عاصي تدريجيا مقيما ثوبها الكلاسيكي المكون من بنطال أسود وسترة من اللون الكشميري وأسفله قميص أبيض رقيق انثوي مبرزا بعض تكوين معالمها الانثوية الرقيقة، اندلعت النيران في عينيه وهو يراها أطراف القميص أسفل البنطال، لم تترك فقط ان تبرز هشاشة بنيانها بل وتحديد خصرها.

صاح بصوت اجش ونظرات عينيه تلتهمها التهاما
- صباح الخير
توترت وتلعثمت شفتيها، هل وجودها غير مرحب به؟!
هي حرصت أن تكون موجودة لمقابلته وتستغل مقابلة كتلك أصبحت نادرة لمقابلته، اشتاقت
تشتاق لذلك الرجل
لكلامه ودفء عينيه ومرحه، كل ذلك تشتاقه منه ودعمه
ظهر بعض خيبة الأمل على وجهها لتهمس بتلعثم شديد
- جيت، جيت علشان اساعد اسماء.

تلعثمت قليلا وهي ترى نظراته النارية موجهه لبعض الاماكن تحديدا جعلت اناملها سريعا تغلق زر السترة بارتباك شديد، شعرت بجفاف في حلقها ونظراته لا ترحمها وتوترها وتجعلها كغبية امامه، همست بارتباك
- اللبس كويس ومناسب
نظر باستحسان لما فعلته ليقول بنبرة دافئة
- أي حاجه بتليق عليكي يا وجد
رفعت عيناها لتنظر الى عينه وهالها ما رأته
وعد، وصر قديم يتجدد، يعدها بكل ما كانت تبحث عنه.

شهقت بصوت خفيض لتشيح عيناها وتنتزعها انتزاعا من عينيه هربا
- عن اذنك
- جبانة
تمتم بها عاصي بسخرية ثم توجه بجوار صديقه وهو لا يصدق جدته ومخططاتها..

زمجرت توحة بعصبية لتنفجر في وجه أسماء قائلة
- بنت انتي متجننيش
هزت اسماء قدمها وهي تقول باستنكار
- قولت مش هحط احمر واخضر، عايزاني ابقي بلياتشو يا توحة
ألقت توحة نظرة ممتعة الى الوان الربيع الذي ترتديه لتشيح بيدها قائلة بسخرية
- انتي بلياتشو لوحدك اصلا
زمت اسماء شفتيها بعبوس لتقول ببعض الحنق
- بتقولي ايه توحة سمعيني
ألقت توحة نظرة خاصة لأمها التي تندب حظها العثر في فتاتها مولولة لتصيح بنبرة زاجرة.

- يا ام اسماء روحي حضريلنا الغدا وكوباية شاي عشان جابتلي الصداع بنتك
هزت ام اسماء رأسها وهي تتوجه نحو المطبخ الا ان رنين جرس المنزل جعلها تتوجه للطارق، فتحت الباب ليلقي هيما سلاما ل ام اسماء، ارتفع صوت توحة حينما استمعت لصوت هيما
- اتأخرت ليه يا وااد
تقدم هيما نحو المنزل تتبعه وجد التي ألقت سلاما وبعض الحرج يتملكها كونها غريبة بينهم
- يدوب اول ما جت جبتها علطول يا توحة.

وقفت وجد متحرجة بعض الشئ لتهز رأسها وهي تلقي ترحيبها لتوحة والعروس الغاضبة
- صباح الخير
شعرت وجد بالتوتر يتسرب لخلاياها وهي ترى المرأة التي تخمن انها والدة أسماء تنظر إليها بتفحص مريب، صاحت توحة بسخرية
- هو من فين الخير ده
ابتسمت وجد وهي تري شحنة التوتر تزداد في الغرفة، عيناها مرت سريعا على المنزل، ليس تفحصا او تقيما، لكن فضول يدفعها للمعرفة فقط، ابتسمت بتوتر شديد وهي تري تأفف اسماء لتقول
- الف مبروك.

استقامت اسماء بحدة من مقعدها لتتوجه نحو غرفته بوقاحة شديدة دون الرد عليها، تفاجئت وجد من وقاحة تلك المرأة لتنظر نحو توحة التي استعطفتها بنظرات عاجزة، غمغمت توحة
- عندك الحالة جوا
هزت وجد رأسها لتعقد العزم على إقناع تلك العقل الصلد، حينما اغلقت الباب خلفها تقدمت ام اسماء من توحة قائلة بفضول
- جبتي البنت دي من فين يا توحة
قلبت توحة عينيها بملل قبل أن تزجرها قائلة بحدة.

- خشي يا ولية روحي حضري الغدا، هو انا هجيبها منك ولا من بنتك
هزت اسماء رأسها رافضة دون حتى النظر الى الالوان لتقول
- لا مش هحط احمر ولا اخضر.

خلعت وجد سترتها وشمرت ساعديها وهي تسمع منذ عشر دقائق هذر اسماء وخوفها من أن تصبح عفريته ملونة بمساحيق التجميل، ظلت اسماء تنعي حظها حينما وافقت على ذهابها إلى صالون التجميل التي شوهت وجهها، نظرت اسماء بحزن إلى وجهها الاحمر المكدوم، تتذكر كيف امسكت شعر الموظفة لكن الموظفة اخبرتها عن حساسية وجهها الزائدة، نظرت ببؤس شديد وهي تتطلع عبر المرآة لتشعر بيد حازمتين تجلسانها على المقعد وصوت انثوي امر.

- اقعدي هنا
رفعت اسماء رأسها وهي تنظر اليها عاقدة الحاجبين، تمتمت وجد وهي تخرج أدواتها، اخرجت عدة ماسكات مغلفة وانتقت واحدة لتقول بحزم
- لازم اعملك الاول ماسك عشان يهدي الاحمرار من وشك وبعد كدا ابقي نشوف الاحمر والاخضر
همت بالاعتراض
- بس
وضعت وجد القناع على وجهها ثم قالت بأمر
- ولا كلمة، الوقت اتأخر اصلا ويارب الحق اخلص
زمت اسماء شفتيها بعبوس وهي تشعر بان وجهها يعود للاحتراق مرة اخرى
- مش عايزة احط احمر.

زفرت وجد بيأس لتهز رأسها قائلة بمهادنة
- مش هحط، اهدي وارتاحي، كل اللي هعمله بس هبين عينيكي
صمتت اسماء ببعض الحنق وهي تشعر بأن تلك اللسعات الساخنة في وجهها تهدأ تدريجيا، دلفت توحة الغرفة وهي تحمل صنية الضيافة لوجد، رأت سكون اسماء ووجد التي تخرج مستحضرات التجميل لتضعها على الطاولة، انشرحت أساريرها قائلة
- ايوا كدا الله اكبر
عقدت توحة حاجبيها لتشير قائلة اللي ما في وجه أسماء
- ايه ده.

ابتسمت وجد وهي تأخذ الصينية منها لتقول ببعض الحزم
- ماسك مغذي للبشرة يا توحة، اسماء انتي لازم تهتمي ببشرتك لانك بدمريها، هكتبلك على حاجات بسيطة تقدر ترجع نضارة للبشرة بتاعتك لحد يوم الفرح
لم تكترث اسماء ان ترد عليها بل اغمضت عينيها تحاول أن تأخذ غفوة لفترة قبل ما ستفعله بها، نظرت توحة بفخر إلى زوجة ابنها المستقبلية لتهمس
- ايوا كدا ما يجيبها الا ستاتها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة