قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس

ترجلت جيهان من دراجتها البخارية لتنزع خوذتها وتظهر خصلات شعرها الوردية، نظرت عبر مراة الدراجة، تحاول ان تقتبس بعض من الصبر قبل ان تفقد رشدها.

والدها لا يعلم انها انضمت إلى سباق ليلي وبالدراجة التي حذرها مرارا من ركوبها، لكن أين المتعة في السباق وهي تركب سيارة، الدراجة اخف وزنا والهواء يداعب جسدها بكل رقة بعكس السيارة الخانقة، نظرت إلى بنطلونها الجلد الاسود الضيق بتقيم والي سترتها الجلدية القصيرة، كادت ان تنضم للحشد الا انها بحركة تمرد فكت أول زرين من قميصها الابيض الملتصق بجذعها ووضعت أحمر شفاة وداخلها يقين أن وسيم سيأتي اليوم كما يفعلها كل مرة...

بخيلاء وأنفة وغنج فطري اقتربت من حشد الشباب المتسابقين، ابتسامة مغوية زينت شفتيها حينما استمعت إلى ترحيب احد الشباب
- جيجي يا شباب وصلت.

رفرفت بأهدابها وهي الفتاة الوحيدة بين عشرة رجال، اسفة اشباه رجال، فحينما رأت رجل شبه حارس شقيقتها مات بانظارها أولئك الملتصقين كالغراء، تريد سماع مدح رجال أمثال عاصي، فذلك النوع الخطر يجذب النساء، وحتما يجذبها هي، بعينين ناعستين نظرت إلى الشباب المائعين تقول لهم بنبرة انثوية مغناجة بها التحدي
- مفيش سباق بيفوتنى، جاهزين للخسارة.

صفر أحد الشباب لنبرتها الواثقة، ليقترب أحدهما يضع ذراعه حول خصرها النحيل قائلا
- غرور ده يا جيجي
لم تنكمش، ولم تنفعل امامه، بكل هدوء وابتسامة لم تغادر محياها قالت بهدوء
- ثقة يا بيبي، ثقة.

غادرت واستمعت بالصدفة إلى حديث شخصين بفجور عنها وعن جسدها واحلامهم المراهقة اليائسة عنها حينما تصبح في قبضتهم، رمقتهم باستهزاء وهي تنظر اليهما من منابت رأسهما إلى اسفل قدميهما لتمتعض ملامحها بقرف وهي تعود لدراجتها مرة اخرى، تستعد لسباق هي موقنة انها ستفوز به مثل كل مرة بعد مغادرة معلمها الأول ومنافسها وسيم...

زمجرة المحركات هي كل ما تسمعه، نبضات قلبها تدق بجنون وصخب منافس للاجواء الحماسية فتيات تشجعن أحبائهم وأخريات جئن مشجعات فقط لجعل المسابقة للرجال اكثر نعومة!، وقفت فتاة مائعة بملابسها الضيقة وكعب حذائها العالي تنظر إلى السيارات التي تصدر زمجرات حادة لكي تنطلق وتعدو، ابتسمت بحلاوة للجميع وهي تفك وشاح احمر حول عنقها، تلف الوشاح عدة مرات و اصوات ابواق المتسابقين يخبرونها حنقهم، كان المذيع يخبر اسماء المتسابقين لكن جيهان عيناها مسلطة بكل تحفز وترقب للفتاة، تفاجأت بسماع المذيع يصيح بانفعال.

- وفي اللحظة الاخيرة ينضم وسيم المالكى لحلبه السباق
اتسعت عيناها وهربت نبضة حينما شعرت ان المكان الشاغر بجوارها قد اصبح ممتليء، وجهت عيناها رغما عنها نحوه وهي تري الشرر الناري المتألق في عينيه، تمتمت ببرود
- هتخسر يا وسيم
رفع حاجبه قليلا قبل ان يهز رأسه وهو يتمتم بتحدي مماثل
- هنشوف يا جيهان.

ضيقت عيناها والتوجس اصبح حليف لها وقد خانتها ثقتها، منذ متي لم ينادي اسمها الحقيقي، ابتسم وسيم وهو يسدد نقطة لتلك الغبية التي امرها بعدم العودة لتلك السباقات الخطيرة مرة أخري، لكن من تستمع تلك الحمقاء المغفلة، لم تجفل عينيه عن ما يكشفه جسدها من منحنيات انثوية سخيفة معروضة للجميع ليقبض على مقود سيارته بعنف شديد وما زاد ثورانه هو بداية صدرها المكشوف اثناء انحنائها، سيربيها، مهمته الآن تربيتها تلك الطائشة، حينما زحف التوتر في مقلتيها ورآه بكل وضوح بسبب الضوء الابيض اللعين المسلط على وجوههم قرر طرق الحديد وهو ساخن، قال بعبثية واضحة.

- والحركة اللى عملتيها في البرنامج دي بيئة اوووى يا جيجي اصل مفيش غيرك اللى يا بيبي اللى عايزة تضيع جمهورى
اتسعت عينا جيهان بجحوظ ولم تنتبه للاشارة الخضراء من الفتاة لتتحرك جميع المحركات ما عداها هي واخلفوا من خلفهم أغبرة، تمتمت بجنون
- الحيواااان.

انطلقت بدراجتها وعيناها تحدد سيارته البيضاء الرياضية اللامعة، راوغت سيارتين وهي تسير بينهما بكل خفة وتشير لهم بالوداع لتعود تنظر بجنون ونقطة واحدة هي الهدف، السيارة البيضاء المتقدمة عن باقي السيارات، زادت من سرعتها وهي تسير بين سيارتين وحينما حاول أحد حشرها في جانب لتتخلف عن التقدم، نظرت بعينيها إلى طريق تستطيع العبور به بدراجتها وحينما لم تجد ووجدت سيارة من الخلف آتيه بغية قتلها، تمسكت جيدا وهي ترفع الدراجة عاليا لتهبط بها على جسد السيارة الامامية وحينما هبطت بدراجتها واندفعت مبتعدة وجدت ان السيارة التي خلفها دفعت التي كانت أمامها ليخرجا من حلبة السباق كونهم خالفوا تعاليم المسابقة، عادت تتحرك بخفة وسرعة حتى اقتربت من السيارة البيضاء، نظر وسيم من مراة سيارته الجانبية وداخله يبتسم كون تلميذته ما زالت تلقن اولئك الرجال درسا لن ينسوه، يتذكر في بداية مراهقته أنه جلبها إلى هنا لأول مرة سرا دون علم جده ووالدها، اخبرته انه تريد ان تكون بجواره حينما يعلن يسابق الا انه بحزم اخبرها ان تكون مطيعة وتجلس في صفوف المشجعين تشجعه بكل حماسة واذا فاز سيكفاؤها بالذهاب الى الملاهي وتلعب ما تريده، تنهد بحرارة وهو يتذكر ذكرى مر عليها وقت طويل جدا منذ ان كان هو في الثامنة عشر وهي بالكاد تخطت العاشرة، ابتسم بمكر وهو يرى أن تلك الصغيرة ما زالت ماكرة حتى الآن، لا يعلم حقا ما دافعها لتشويه اسمه، يشكر صديقه الذي اخبره ان المتصلة لم تظهر بصوتها الحقيقي، لا يعلم اي برامج كان يعبث بها حتى جاء استمع لصوتها عبر رسالة الواتساب وهو في طريقه للسباق لايقافها، ومنذ الاستماع لصوتها حتى علم سر شماتتها الغريبة به، اندفع يضغط على دواسة البنزين وهو يترك اغبرة خلفه مما جعلها تستشيط غضبا واندفعت كالعمياء تلحقه، خط النهاية اقترب وهي تخطته حينما شعرت ان سيارته تبطئ من سرعتها، شعرت بالنصر وهي تزداد قربا من خط النهاية إلا أنها من حيث لا تدري تخطتها السيارة البيضاء لتصل أولا إلى خط البداية وهي بعده حوالي بثانية، نكست راسها ارضا وهي تخلع خوذتها لتترجل تهنئه بفوزه الساحق، اقتربت الفتيات من سيارة وسيم ليخرج وهو يبتسم ابتسامته المقيتة جعلتها تشيح بعينيها عنه بتأفف، اخرجت هاتفها لترى مكالمات كثيرة من شقيقتها وابيها، لقد أخبرت شقيقتها أن تتستر عليها تلك الليلة، من المؤكد أن والدها استجوب شادية وحينما حشرت في المنتصف أفاضت له ما بجعبتها، اتكأت بجسدها على جسد دراجتها لتسمع تعليقه الساخر.

- اعترفى بالهزيمة يا جيجي، تعالى ناخد سيلفي عشان يعرفوا ان الغرور مفتاح الفشل
تفاجئت به يسحبها من ذراعها بخشونة ليضع ذراعه حول عنقها وهو يرفع هاتفه في وضعية تصوير السيلفي، احمر وجه جيهان وهي تشعر انه يخنقها بذراعه الا انها لم تجعله يشعر ولو لثانية بضعفها اتسعت ابتسامتها حلاوة حتى التقط عدة صور وما ان اخفض ذراعه حتى دفعته بكل عنف عن جسدها لتصيح بحدة
- بعد ايدك عنى، متتدخلش في اى حاجة متخصكش.

جذبها وسيم بعنف من يدها الا انها نفضته بعيدا وما يحدث بينهما الآن جعل أنظار الجميع تتسلط نحوهما، نحو نجمان بارزان في عالم الشهرة، ابتسم وسيم بمجاملة نحو الجميع ليقترب نحو جيهان هامسا بحدة
- اتعدلى وتعالى من غير شوشرة
متى سيفهم ذلك الاحمق، انها ليست بضاعة ليحملها صاحبها كيفما شاء، اقتربت منه لتكز على أسنانها بغيظ لتهمس بعنف.

- مين انت عشان تتحكم فيا، اووف انت بطلت ما تسافر ليه ياخي انت مش وراك مصالح تشوفها.

هو بنفسه لا يعلم لما لم يسافر مع اصدقائه إلى احدى الاماكن السياحية داخل القاهرة، ربما لأنه كره السفر بالخارج، ربما لأن جارته الفأرة الصغيرة لا يوجد بها اي ذرة طفولة بجسدها، ان حاول إقناع عقله لكن عينيه تخونه وهو يتأمل ويدقق ويشملها بنظرات ذكورية بحته، عيناه وقعتا على صدرها المكشوف بسخاء له وللجميع لتطلق جيهان سبه وهي تغلق أزرار القميص وتضم الجاكت الجلد حتى يتوقف عن النظر بوقاحة، لم يعلق وسيم على الامر فالحديث معها لن يجدي بشيء لذا تسائل عن ديك البرابر خاصتها.

- بالحق فين حبيب القلب أيهم
تمتمت بنبرة ذات مغزى
- ايهم مسافر، لما يرجع هيروح لبابا عشان يطلبنى
رائع يبدو ان الديك يتحرق شوقا للاختلاء بدجاجته، رفع عيناه وهي يهمس بلا مبالاة
- يرجع بالسلامة
عدم الاهتمام صفعها بجنون، رأته يبتعد عنها وانشغل مع الفتيات المائعات، رفعت عينيها نحو السماء لتهمس بألم
- شيله من قلبي.

عادت ترتدي خوذتها لتصعد دراجتها وهي تنطلق بجنون الى منزلها، شيعها وسيم بنظراته قبل أن يصعد سيارته ويلحقها تلك المجنونة لتصل إلى بيتها سالمة كما وعد والدها انه سيعيدها اليوم للمنزل!
فلتستعد الصغيرة لعقاب والدها الاول.

تدور شادية كالنحلة في مكتبها، تنتقل بين الاقسام بكل خفة وهي تشعل الهمة في أعضاء فريقها، خسارة زبونها تقسم انه ستذيق تلك الحية ذات الخصلات الحمراء وتربيها جيدا كي لا تعبث معها، تحاول نسيان الشجار الذي نشبه والدها حينما علم أن شقيقتها عادت للسباق لكنها هدأت الأوضاع واخبرته ان يتناول دواء الضغط وهدأت الأوضاع لصباح الغد، والدها متوعد بشدة لجيهان التي تسللت في الصباح الباكر للذهاب إلى منزل ابنة عمتها كحجة انها امرأة حامل ويجب الاهتمام بها، هذا زاد من غضب والدها واقسم باغلظ الايمان انه سيؤدبها، هزت رأسها يائسة ولا تعلم ما سيحدث في المساء حينما اخبرها ان يراها على طاولة العشاء، لكن يبدو سيء، سيئ للغاية.

رفعت عيناها فجأة حينما رأت صافي امامها تهتف بتوسل
- شادية، شادية ارجوكى.

ألم تخبرها منذ ساعة على الهاتف انها لن تنظم زفافها، كادت ان تتحدث بلباقة شديدة وتعتذر الا انها سمعت صوت حماتها الخبيث تخبرها ان تجتمع هي ونانسي معا في حفلة الزفاف، لا تعلم كيف أغلقت الهاتف في وجوههم وها هي تنتقل بين المكاتب لتهدأ من حالة الغضب التي نشبت في داخلها، لا تريد التحدث مع عاصي، فهي أصدرت وجه الخشب بعد ليلة امس، لن تتساهل معه، ستخبره بطريقه واخرى انه لن يقدر على النفاذ وستجد طريقة او اخري لابعاده عن حياتها، وقفت أمام صافي تقول بلهجة غاضبة.

- استحالة، فاهمه استحالة اوافق على الجنان ده، ايدى مش هتتحط في ايد نانسى
تمتمت صافي بنبرة مترددة
- لكن..
وضعت الملفات التي تحملها على مكتب ما لتزفر بحرارة قائلة بهدوء خادع
- صافى، انا معنديش مشكلة لو هتكنسلى عندى، لكن متجبرنيش انى انا ونانسى نشتغل مع بعض
تنهدت صافي بضيق وهي تعلم رأسها اليابس لتتمتم بعبوس
- انتى عارفة حماتى
ابتسمت بعملية وهي تجيبها.

- عارفة، لطالما رأيها مأثر عليكي اعملى الفرح على حسب هي عايزاه، عن اذنك
غادرت مستأذنة وهي تحمل الملفات وتتوجه بها الى مكتبها، جلست على المقعد وهي تحاول ان تنعم بالهدوء المغلف في المكان الا ان اقتحام نجوي للمكتب وهي تتوجه اليها بعلامات لا تبشر بالخير جعل شادية تبتسم ببرود قائلة
- خير يا نجوى ابشريني، الحفلة اتحرقت وولعت
ردت نجوى بهدوء شديد.

- لا يا شادية كل حاجة كويسة، لكن العميل اللي قولتلك عليه نزل مصر
استقامت شادية من مجلسها وقالت
- مش قولتى انهم هيجوا اخر الاسبوع بعد ما اتفقنا
هزت نجوى رأسها لتمتم
- فيه تعديلات غيروها، قرروا انهم مش هيعملوا الفرح في مكان ثابت.

عبست ملامح شادية وهي تتذكر الاتفاق الذي أجروه على البريد الالكتروني وقد بعثوا لها طلباتهم لحفل زفافهم ورؤيتهم حتى تستطيع هي ان تعدل على بعض الاشياء او تضيف اشياء اخري، سالت بنفاذ صبر
- اومال فين؟
تمتمت نجوي بهدوء
- قررت العروسة تروح الاقصر و اسوان تعمل فرحها في المعابد بس الانطلاق هيكون في الاهرامات
رمشت شادية أهدابها عدة مرات لتمتم بدهشة
- في الوقت ده!، هما مجانين دول ولا ايه.

هزت شادية رأسها بيأس الا ان نجوي تمتمت بخشية
- ده غير ان فيه فريق تصوير ضخم جايبينه من امريكا
اتسعت عينا شادية بجنون لتصيح بحدة
- ومالهم المصورين عندي
اقتربت منها نجوي وقد انتبهت شادية انها تحمل مجلة اجنبية في يديها، قالت نجوي بهدوء
- عالميين يا شادية، مش هتصدقي ان المصور اللي جايبينه كان المسؤول عن فرح اميرة من بلاد اوربا شوفي الصور كدا.

قلبت شادية صفات صور الزفاف في المجلة بملل شديد، الصور تبدو احترافيه مثل طاقم تصويرها، اتسعت عيناها عند صورة اخذت من زاوية لم تراها قبلا باعجاب إلا أنها أخفته بمهارة شديدة لتمتم بنزق
- اي حاجه في ايد نانسي عمرها ما كانت خير ابدا.

رنين هاتفها اخرجها من وصلة الشتائم لنانسي لترد على صبري الذي ينوب عنها في العمل في فندق عرس الذي سيقام الليلة حتى تأتي إليه عند حلول الخامسة تطمئن أن كل شيء في مكانه، استمعت إلى نبرته المتوجسة
- استاذة شادية، فيه مشكلة كبيرة
اليوم، يبدو ان كل المصائب قررت ان تأتي خلف بعضها، تمتمت بسخرية
- قول يا صبري، مجتش عليك انت كمان، الفندق ولع
غمغم صبري بنبرة قلقة.

- الفندق بلغنى ان العروسة جالها حالة هستريا قبل ميعاد الفرح بساعة وعايزة تلغى الجوازة
اغمضت شادية جفنيها بيأس قبل أن تنفجر صائحة بحدة
- قسما بربى لو عرفت ان نانسى ايدها على الموضوع ده مش هرحمها، جيالك يا صبري خليك مكانك.

اخذت حقيبتها وحقيبة عملها تطلق عليها الاسعافات الاولية بداخلها كل شيء ومعبأة من الابرة للصاروخ حتى لا تستمع تذمر من وصيفات العروس او العروس نفسها ان شق جانب في الفستان، غادرت مكتبها لتبصر عاصي متكيء بجسده على سيارتها ويعبث في هاتفه ويبدو الاهتمام جليا عليه، هل وجد الأستاذ انيسة له؟!
ألقت بحقيبتها في وجهه ليلتقطها هو بكل مهارة قائلا بتساؤل
- على فين؟

ألقت ابتسامة صفراء في وجهه قبل أن تفتح باب السيارة الخلفي قائلة
- على الجنازة
هز عاصي رأسه والذهول يرتسم محياه لينطلق بالسيارة نحو الفرح، بل الجنازة كما اسمتها!

الروح تهفو إلى ساكن القلب
والقلب يميل بسكر من ذكر اسم الحبيب
العين تلمع
الأذن تطرب
الأنف يثمل
والعقل يصاب بالجنون.
حالته هو مع رهف غير قادر أن يمسك طرف الخيط، هو يعيش في فوضى معها.

منذ ظهورها الانيق والانثوي في مطعمه أول مرة لم يقدر سوى أن ينبذها، ف أنواع رهف ليست سهلة، بل ماكرة للغاية، تستدرج الرجال وهي في موضعها دون التخطيط أو الايقاع به، دون التعمد الظهور في نفس المكان أو اختلاق صدفه، لا لا ذلك النوع عقله يخطط ويدبر فقط ثم الضحايا تلمهم في نهاية اليوم، يذكره الأمر بالصياد الذي يلقي بشبكته في البحر منتظرا رزقة من الأسماك حينما يرفع شبكته.

هي فقط تعطيه اشارة للتقدم للامام، ليصبح ما بينهما شيء أكثر رسمية بدلا من مقابلات مختلسة لا تروي عطشه، ولا حتى يشبع عيناه ومشاعره تتلهف لما هو أكثر، ليصبح موطنها داخل ذراعيه حتى يقدر على اطمئنانها أن الجميع لا ينظرون نحوها باتهام كما تتخيل، كان في طريقه للصعود إلى غرفته بعد يوم شاق في عمله بالمطعم الا صوت والدته القادم من غرفة الصالون جعله يغير اتجاهه نحوها
-نزار.

حاول رسم ابتسامة هادئة على ثغره حتى يطمئن قلبه الملتاع، الا يكفي انها تستيقظ كل ليلة فزعة تنادي اسم شقيقه الذي قرر أن يتابع حياته في بلاد أجنبية باردة استطاعت أن تثلج صدر شقيقه الذي يكتفي فقط بمكالمات باردة لا تثلج قلب والدته، تفاجئ بوجود خالته وابنة خالته ليغمغم
-نعم ياست الكل
اتسعت ابتسامة عايشة وهي تبصر ولدها، زينة الرجال، فخرها ومصدر قوتها، نادته بهدوء
-تعال ياعمري، سلم على خالتك وبنتا.

قبل جبين والدته وهو يغمغم بصوت لم يسمعه أحد وهو يرى تحالف الثلاثة في غرفة الصالون مقر اجتماعاتهم السرية
- الله يستر
غمغمت خالته بنبرة مؤنبة
-لك وين هالغيبة يانزار، حتى بطلت تجي تزورنا
قبل جبين خالته وهو يتمتم بنبرة مرهقة
-والله ياخالتي مشغول كتير هالايام
لمعت عينا بيسان بقهر، طبيعي فهو يسخر وقته لتلك البائسة، الجرح لم يبرأ ليعيد هو يسكب الملح على جرحها الغائر دون أن يرأف بها، غمغمت بسخرية.

-واضح ان السنيورة واخدة عقلك
ضيق عيناه ليضم أنامله في قبضته وهو يزفر عدة مرات قبل أن يتهور، تمتم بحدة طفيفة
-بيسان
استشاطت بيسان غضبا وهي تراه بكل جرأة منه وبجاحة يدافع عنها وهي!، فلتحترق حتى في الجحيم فهي سلبت قلبه وعقله تلك الحقيرة الصغيرة، استقامت من مقعدها لتقف أمام نزار كند وما ساعدها على ذلك هو قامتها الطويلة المقاربة له إلا هناك بعض السنتيمترات الفارقة.

-الكل عرف يانزار، حتى اللي بيشغلوا عندك في المطعم عارفين انك بتحب بنت الغانم، البنت اللي سمعتها في الطين
شبت حرب شعواء في قلبه ليتمتم بحزم صارم
-بيساااااان، لا تخليني عصب عليكي
استقامت خالته هي الأخرى لتدافع عن ابنتها
-شووو يعني بتقطع صلة القرابة منشان هيك بنت
استغفر سريعا وهو يحوقل ليتمتم بعدها بمهادنة
-لا ياخالتي
نظرت خالته نحو عايشة نظرة ذات مغزى لتعيد النظر نحو ابن شقيقتها لتقول.

-اهم شي بالبنت سمعتها يانزار، يعني اذا مااخدت بنت خالتك لازم تتزوج بنت نسبها يشرفنا
الجيش حاصره من كل جانب حتى تأمروا للفتك به، روحه المختنقة تطلب الخلاص، ألا يكفي تدلل رهف عليه، رفع يديه مستسلما وهو يسارع اللوذ بالفرار
-واضح انكن اتفقتو عليي، بس انا قررت ومافي مجال لأي حوار عن اذنكن
خطى خطواته خارج غرفة مقرهن السري الا صوت والدته الحازم الزمه مكانه للحظات
-نزار.

نظر إلى والدته نظرة عميقة معاتبة، هو الذي أخبرها من قبل أن تكف خالته عن اقحام بيسان في كل حديث عن الزواج، تمتم بنبرة مطمئنة حينما رأي الذعر المترسم في وجهها
-انا رح روح عالمطعم ياامي
غادر دون أن يعبأ النظر نحو خالته وبيسان، انتسل الهاتف من جيب بنطاله ليتصل بسبب عذابه، ما ان استمع إلى نبرتها المرحبة به حتى صاح بنبرة غير قابلة للنقاش
-ليكي بدي شوفك هلا فورا بالمطعم.

ولكي لا يستمع شكوي منها أو أي حجة أغلق هاتفه نهائيا وهو عازم للتوجه نحو مطعمه الذي أغلقه منذ قليل!
أما عن الجانب الآخر..

صعقت رهف من مكالمته الغريبة، بل من إغلاقه للهاتف نهائيا وكأن يضعها تحت الأمر الواقع، قلبها غير مطمئن اطلاقا حدوث شيء له، تقسم ان كانت هي السبب أو السبب في حزنه لن تسامح نفسها، هطلت الدموع من عينيها وهي تهمس لنفسها ساخرة انتى سبب شقاءه انتى هي لعنته ، حاولت ان تخرج من المنزل لكن ما ان تذكرت تعاليم شقيقها الصارمة بعدم الخروج من المنزل بعد التاسعة جعلها تتقهقر، استمعت إلى نبرة فريال التحفيزية.

- روحيله
لمعت عيناها وهي تنظر إلى فريال باهتمام، ليدق قلبها بصخب لمقابلته، لكن عاد التردد يسكنها لتهمس
- لكن وقاص؟
دفعتها فريال قائلة بنبرة لعوب
- روحي وانا هتصرف مع وقاص، اهم حاجه متتأخريش
اومأت برأسها متفهمة لتنطق راكضة خارج القصر لتتوجه نحو مطعمه...

دفعت رهف باب المطبخ وعيناها تبحث عنه لتجده يقوم بفرد العجين بكل قسوة على طاولته، أجلت رهف حلقها وهي تقترب منه بتردد تسير على أطراف قدميها لتمتم بنبرة هامسة
- نزار.

رأت عضلات جسده المتشنجة حينما أصبحت على بعد شعرة منه، عادت تمتم اسمه بخشية شديدة واناملها على وشك لمس كتفه الصلب، إلا أنها تفاجأت حينما وجدت نفسها محاصرة بين ذراعيه، ارتعدت أوصالها برعب وهي تري نظرته القاتمة التي سحبت روحها، انامله تنهش جلدها، تأوهت بألم وجرس الخطر يدق بهلع، إلا أنها هزت رأسها نافية، لن يؤذيها، هو أرجل من أن يؤذيها بعكس الحقير الذي جرد ثيابها بكل فحش ودناءة منه.

العقل ذهب في غياهب الماضي
والقلب هو نورها التي تنقشع العتمة في روحها، ضربات قلبها تكاد تتسابق لخروجها من ضلوعها لتمتم بألم غير قادرة على الاحتمال
-ااااه، نزار.

نظر نزار نحو عينيها الزرقاوتين، يحاول الوصول إلى روحها، إلى شيء صعب الجميع الوصول اليه، لم يأبه لوجعها ف وجعه هو أعمق، الجميع يتآمرون ضده حتى هي، بصمتها وضعفها وخضوعها واستسلامها المستفز لأخيها وكلماتها التي ترددها كالببغاء حينما يخبرها بعقد خطبة فقط وس تريث حتى انتهاؤها من الجامعة، غمغم بحدة وهو يخبط بكف يده على سطح الطاولة بجوارها لترتجف من منابت رأسها حتى أخمص قدميها.

- عاجبتك حالتي يارهف، عاجبك اني عم اركض وراك وين مابتروحي
استمر بتقريعها ولجمها بدون رحمة وهو يهزها بعنف لتشهق باكية بصمت وهي تنظر اليه بصمت
-عجبك انو اتخلي عن كبريائي كرمال عيونك
تألمت لحالته الأشد بؤسا منها، وهي لا تعلم ما الذي اقترفته لتجرحه لتلك الدرجة، تمتمت بتوسل
-نزار
ازاح يديه عن مرفقيها وهو يدور امامها كالليث الحبيس يخرج زئيره الغاضب لينفجر في وجهها.

-لك شو مفكرتيني رح اقدر واجه هالناس كلها يارهف
ضغط اصبعي الابهام والسبابة على جسر أنفه ويده الاخرى وضعها على خصره لينكس رأسه متمتما بألم
-كل هالناس عم تضغط عليي، كلهن، لك حتى انتي، لك من وين رح جيب كل هالقوة هي وانت مو معي وانت مو عم تدعميني
بكت بقهر لترتمي على الأرض وهي تخبي وجهها بكفيها لتمتم بتوسل
-نزار انت، انت بتوجعني للاسف
صاح بشراسة وهو يدافع عن كرامته الجريحة هنا
-ووجعي يارهف، ووجعي انا.

استقامت من على الأرض بضعف وهي تقترب منه بهوان، لمست ذراعه بحذر لتمتم
-انا اسفة قلتلك هأذيك، اسفة بجد
اشعلته اكثر لينظر إليها والشرر يتراقص بجنون في مقلتيه، هذا ما تفعله دائما ودوما، هدر في وجهها
-لك اخرسيييي
صمتت رهف على نبرته الهادرة لتنكس رأسها ارضا وهي تعض طرف شفتها السفلى بارتجاف، استمعت إلى نبرته اليائسة
-لا تعتذري، لانو اسفك مو مقبول يارهفف
رفعت عيناها بجنون لتنظر اليه وهي تهز رأسها نافية.

-ارجوك الا انت يا نزار، الا انت متتخلاش عني
أبتسم نزار بمرارة وهو يتمتم
-انتي يلي تخليتي عني، لك كيف بدك وقف بوش عيلتي وانت مو موافقة عليي، وخايفة مني
حانت الان لتثبت أنها باقية عليه، تسلحت جيدا بلسانها وهي تمتم بنبرة متوترة
-خايفة ترجع بقرارك.

حدجها بنظرة قاسية ارعبتها، اللعنة الرجال حين الغضب لا يوجد فرق بين أعراقهم وجنسياتهم ولهجاتهم، جميع يفرضون سيطرتهم والمطلوب منها أن ترضخ وتستسلم صاغرة، لكن ما يكبلها للصراخ والتمرد ان هناك شق انثوي يستسلم بضعف نحوه، هي جائعة للاهتمام به، فهو كالغيث في صحرائها القاحلة.
غمغم بنبرة حادة وهو ينظر اليها بجنون وكأنه مختل عقليا على وشك الفتك بها
-لك مفكرتيني مو رجال.

سارعت تنفي قائلة بلهفة و نبرة الصدق تخللت إلى قلبه ليخمد ثائرته
-انت سيد الرجال يانزار
زفر نزار بحرارة وهو يقترب منها ليضم وجهها براحتي يده، ينظر الى عينيها الضارعتين له، حرارة ساخنة شبت في جسده ليغريه النعيم في عينيها
تمتم بنبرة اجشة وهو يكبح جماح شوقه ويبعد عيناه عن شفتيها التي تسحقها بدون رحمة له ولقلبه، فهو الأجدر بهما عن أسنانها
-لك وااافقي يارهف، وافقي ورح حارب الدنيا كلها منشانك.

صمت رهف للحظات وهي تنظر إلى الارض بشرود، مما جعل وجه نزار يحاكي كالموتي، رفعت عيناها لتنظر اليه وهي تهمس
-انا موافقة
اتسعت عيناه دهشة وهو يحدق بها غير مصدقا أنها أخبرته بموافقتها، هل سمع حقا أم تلك هلاوس سمعية أم ما زال في حلم لم يستيقظ منه بعد، وجنتيها التي زحف بهما الحمرة اكدت له وعينيها المتهربة منه بخجل جعله على وشك احتضانها حتى تزهق روحها، سارعت رهف تمتم بنبرة جادة
-لكن خطوبة زي ماقلت.

اغمض جفنيه وهو يراها تلك الغبية ما زالت تسحق شفتها السفلى بأسنانها، غمغم بنبرة خشنة
-رهفف روحي من وشي هلأ
رمشت رهف أهدابها بعدم فهم لتهمس بجهل لمشاعره التي تموج في داخله
-ايه؟
صاح بحدة وهو ينتزع نفسه انتزاعا عنها
-رووووحي من وشى قبل ما بوووسك هلا امشي
شهقت رهف صدمة من وقاحته لتسارع بالفرار من وجهه، أبتسم نزار بمكر شديد، فصغيرته يجب أن توضع تحت اختبار ضغط حتى يستطيع أن يخرج من حربه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة