قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس والتسعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس والتسعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس والتسعون

امسك زندها بخشونة جعله يستمع الى تأوه منها، يده الاخري بسطت حول ظهرها مما جعلها تجفل من حركته الجريئه، نظر الى عينيها المتسعتين بجحوظ ليمرر اصبع السبابة على طول ذراعها هامسا بنبرة تهديد
- سأقضي اليوم سأتحرش بك علنا، والله يعلم كيف سأحافظ على اعصابي ان تجرأ قذر لعين وتحرش بك، وتلك المرة ربما سأسقط في غيبوبة دائمة، هيا حافظي على صحتي وسلامته.

قشعريرة جسدها وصلته وانفاسها المتهدجة تلفح وجهه مع عبير عطر مسكر يكاد يفقد صوابه، رآها تنازع للتحرر منه، لكن يرغب في قبلة فقط
قبلة وبعدها سيحررها
ندائها الخفيض المتوسل بأسمه جعله يتركها مغرما ليبتعد خطوة وهو يري وجهها القاني وعينيها المتهربة منه ترتدي قميصه بتعجل تاركة أزرار القميص محلولة، ليبتسم برضا ظاهريا وهو يراها تجلس و تأخذ علبة الزلابيا وتدير ظهرها متناولة اياها بصمت.

لعن وسب بالايطالية، يعلم ان تمادى معها لكن أفضل قبل أن يقع معها في المحظور
تقدم وجلس مرة أخري وهو يسألها بخشونة
-ماذا تأكلين
كانت شادية تخفي ضحكة ماكرة وهي تغمض جفنيها مهدئة ضربات قلبها، حسنا تعترف انها كانت خطة خبيثة منها ان تجعله يغار وتري ان كان شرقيا اصيلا أم ما زال غربي
تذكرها انه يرغبها ترتدي تنانير قصيرة أثار حفيظتها، وارادت التأكد انه رجل ذو طابع شرقي.

هي تعترف انها لا ترتدي تلك الثياب مطلقا، وقد خلعت السترة قبيل مجيئه واعطتها لجيهان التي اخبرتها انها ستتناول احدي الوجبات السريعة قبل أن تلحق بها اخفت ابتسامتها قبل ان تستدير اليه وهي تقرب العلبة له قائلة بجمود
-زلابية، جربها
ارتفع حاجبيه بدهشة قبل أن يسحب واحدة ويأكلها بصمت ليقول
- هل تجعلينني أتقاسم معك في طعامك؟
لم تجيبه بل رفعت له عينيها الكهرمانيتين تسأله بجفاء
- فين اللبن بالقرفة.

اخرج من حقيبته كوبه الحراري الخاص، وقدمها لها قائلا
- معي دائما
اخذتها شادية منه على عجالة وهي تفتح الغطاء ثم ترتشف المشروب الساخن بتلذذ لتستدير اليه قائلة بعبوس
- هشرب نصها عشان متقولش حاجة لو خلصتها
عقد سرمد حاجبيه بريبة وهو يراها تتعامل معه بأريحيه، لأول مرة يراها تجعله يتقاسم معها طعاما، وتلك المرة بكامل ارادتها تشرب من كوبه
سألها بتعجب
-ما الأمر يا شادياااه.

حثته هي بعينيها لتناول الزلابية لتأخذ واحدة بالعسل وتتناولها بلذة لتسأله
- لما تتعمد مد حرف الالف
نست هي أنها تحدثه بالانجليزية، حقا تشعر بالارتباك أنها تحدثه بلغتها ويفهمها ويجيب عليها بالانجليزية، لكن شعرت حينما تحدثه بالانجليزية انها لا تشعر بالغرابة معه كما حدث منذ قليل
مجنونة، صحيح!
حك مؤخرة رأسه و أجابها بابتسامة دافئة
- حسنا هذا شئ بعيد عن ارادتي، ثم هل يضايقك كثيرا؟

هزت رأسها وهي تغمغم بصوت خفيض، وكأنها تحدث نفسها
- الموضوع اني مش متعودة عليه بس
وداعتها تلك وسكونها هذا غير مبشر مطلقا، سألها بدون مواربة
-ما الذي دفعك لمقابلتي يا شاديااه؟
زفرت شادية بيأس قبل ان تلتفت اليه قائلة
- بابا محق سرمد، انا اتشتت فقط بالحديث معك مرة بلغتي ثم بلغة نستطيع انا وانت نشارك بها عما يعتمر بداخلنا
هز سرمد رأسه وهو يمرر أنامله على لحيته ليجيبها ببساطة.

-تستطيعين التحدث بلغتك انا لا امانع
رمقته شادية بعبوس وهي تغمغم بيأس
-انا اريد سماع لغتك انت ايضا سرمد حتى لو لم افهمها مثل مقابلتنا الأولى، ثم انت كثير التنقل والغياب عن عائلتك وهذا شئ صعب علي حقا
ابتسم سرمد بعبث وهو يتذكر كلماته الايطالية المتغزلة بها وهي تنظر اليه بعدم فهم، محيت الابتسامة ما ان تذكر قلق الاب حيال ابنته ليخبرها بهدوء.

-ستكونين مع عائلتي، لن اتركك، واذا ما اردتي ان تكوني مع عائلتك ليست مشكلة
هل هذا هو الحل؟!، تناولت قطعة زلابية وقالت بحنق
- سرمد، الزواج يعني الاستقرار، وانت تضع عملك في المرتبة الاولي، وانا لن اعلق او اخبرك اترك عملك وشغفك، لن استطيع فعل هذا، لكن أنا سأعاني في بعدك وسفرك الدائم
انهت جملتها بصوت خفيض وبعض الخجل، ليقترب منها ممسكا بكفها قائلا بخشونة
- كوني معي اذا واجعلك تعيشين متعة لم تريها مطلقا.

ابتسمت شادية بيأس وهي تجيبه
-انت تعرف انني لست من النوع المغامر للسفر، وماذا عن عملي؟
عقد سرمد حاجبيه بريبة، حسنا لن ينكر ان هذا المنعطف من الاسئلة والحلول التي يقدمها لا تعجبها
يجعله يتوجس خيفة مما ستقرره تلك السمراء، هل تلك طريقة وداع منها!، لكن هذا لم يجعله يمنع من تقديم حل
-اري ان مساعدتك الصغيرة تأخذ عملك على محمل الجد، وأنها يد أمينة تستطيعن الوثوق فيها.

كل تلك الإجابات لم تعجبها، رفعت رأسها بيأس هامسة اسمه
- سرمد
ستعلن الانفصال عنه وستخلع خاتمه من بنصرها، ابدا ابدا لن يسمح بهذا بعد أن قطع شوط طويل فيه
امسك كفها بقوة ليري عينيها تسأله بتعجب، زفر بحدة وهز يهزر رأسه رافضا عن قرارها بالانفصال، فغرت شادية وهي تتفهم سبب انقباض وجهه، لتطمئنه بابتسامة خجولة وهي تسأله بحرج
- هل وقعت في الحب قبلا؟ هل تؤمن اصلا بالحب؟

اتسعت عينا سرمد بعدم ادراك وهو يسمع سؤالها، عينيه لم تشح عن خاصتها وهو يجيبها بمرح
-اجابة على سؤالك الثاني، نعم اؤمن به، انت لا تعلمين كيف نصبح حينما يتعلق الأمر بنسائنا وما بالك ان كانت تلك المرأة زوجته، سأحيل لحياتك الجحيم
نظرت اليه شادية بجحوظ لينفجر ضاحكا وهو يغمز لها بمشاكسة
- لا تخافي امزح معك
رأي ما زالت عينيها تطالبه بإجابة سؤالها، ليقر باعتراف.

-ارى سؤالك، حسنا لن انكر واخبرك انني كنت كالقديس، مرحلة مراهقتي كانت مدمرة تماما وهناك اشياء حقا اخجل من اخبرها لك، لانني اعلم انك ستصفعيني ما ان تسمعيها
رأي إحباط وجهها والحزن الذي اكتنفها بعد ما قاله، ليشد على كفها المستريحة في يده قائلا
- لكنني راشد الان، ورزين ولا يستطيع شيء أن يحيدني عما ابتغيه
هزت شادية رأسها بيأس شديد لتسحب يدها من خاصته قائلة بسخرية.

- كأنك تخبرني أنك توقفت عن التغزل بأي كان مؤنث
اجابها بمكر وخبث
- انا رجل اقدر الجمال
استقامت شادية بحدة وهي تعقد ذراعيها على صدرها قائلة باستنكار
- والله
ضحك سرمد وهو يستقيم محاولا التقرب منها ليغمغم بخبث
- يا غيورة
صاحت بنفي تام وملامحها تشي بعكس ما ينفعل قلبها من جنون
-مش غيورة ابعد عن وشي
قاطع طريقها بأن قال بهدوء وهو يري انفعالات جسدها مما يؤكد انها تغار عليه.

- انا اسف، انا اشاكسك يا حمقاء، ثم ماذا ارغب بالنساء من حولي وأنا لدي برتقالتي الخاصة
زفرت شادية بيأس وهي تدير ظهرها اليه في محاولة يائسة منها للخروج من حصاره
- مش هتبطل الكلمة يعني
انغلقت معالم وجه سرمد ليقول بحدة
- لاتلتفتي وتغادري لم أنهي حديثي بعد
استدارت اليه لتقول باستنكار تام
- افعل ما يحلو لي، لم تصبح بعد زوجي لكي تتحكم بي، وان اصبحت لن ادعك حتما
رفع حاجبه بتسلية ليسألها
-هل انتِ واثقة؟

ثم كي يشتت انتباهها، غمغم باستنكار وهو يلاحظ الثنائي من على بعد قريب منهما
- يبدو ان شقيقي لا يزخر وقتا ويتوقف بالتعرف علي الجميلات بما فيهم شقيقتك
رفعت شادية رأسها ووجهت بعينيها اتجاه موضعه، لتزفر بيأس وهي ترى شقيقتها تمازح مع شقيقه
هذا ما ينقصها بلوة أخرى من الشقيقة المجنونة، اقتربت منهما بتعجل وهي تسمع شقيقتها تقول بغنج
- إذا يا سام سأراك
غمز سامر بشقاوة شديدة مجيبا اياها
- لما لا، اعدك ستخسرين.

كشرت جيهان عن أنيابها لتعقد ذراعيها على صدرها قائلة بتحدي
- لا تكن مغرورا لذلك الحد
وضع نظارته على عينيه و أجابها بثقة
-بل ثقة يا جميلة
لوت جيهان شفتيها قائلة بسخرية
- انت لست بأرضك يا سام، لا تغتر بنفسك كثيرا
هم سامر بالرد عليها لكن زوبعة سمراء بقدمين اتت إلى ارضهم
- ممكن افهم ايه اللي بيحصل
رفعت جيهان اصبعها محذرة وهي تسحبها بعيدة عنه قائلة
-اوعك تقولي لبابا عشان مقتلكيش وابعتله الغراميات بتاعتكم.

هل تساومها الان؟!، صاحت شادية باستنكار
-تاني! سباق تاني يا مجنونة
هزت جيهان رأسها موافقة لتقول بتحدي
-عايزة اوري للطاووس ده قدراتي
رفرفت شادية بأهدابها عدة مرات لتقول
- انت مجنونة
ابتسمت جيهان بحلاوة وهي تغمز بعبث
- تعالي يوم السباق وبكدا بابا مش هيعرف
ثم تابعت بصوت خفيض
- وتمضي وقت لطيف مع الإيطالي
اتسعت عينا شادية بذهول قبل ان تتوحش عيناها وهي تهم بضرب تلك المجنونة، لتسألها ببرود
- ووسيم.

ادعت جيهان التفكير وهي تقول بلا مبالاة
- وسيم ده انا بطلع عليه الجديد والقديم، انتي فاكراني هعدي المزز اللي كان بيجبهم كل مرة بالساهل
غمغمت شادية بتحذير
- بلاش تلعب بالنار
لكن التحدي كان من نصيب جيهان التي اجابتها بثقة مفرطة
- بحب ألعب بالنار
ان كان يظن وسيم أن من مجرد طلبه للزواج سيجعلها تكف عن اثارة جنونه وغيرته فهو أحمق
ما فعلته معه مجرد استراحة محارب، لكن من الليلة
ستشن هجوما كاسحا على أرضه.

جاءه اتصال أن جدته قد فقدت وعيها
اتصال سريع لم يكمل حتى العشرون ثانية عن ما حدث لجدته وأين تقع المستشفى
لم يدري عاصي كيف استقام من مكتبه ولا كيف خرج من المشفى التي يعمل بها، ولا حتى كيف عثر على سيارة أجرة لتقله إلى المشفى التي تقبع بها جدته!
بالبداية ظن أن الأمر مزحة سخيفة، وأن جدته تمارس بعض جنونها، لكنها تعلم مدى حساسيته من هذا الأمر والاعيبها بسيطة وسهلة وداخل جدران منزله.

تمتعض من الدواء الملزمة لأتباعه، وتكره ان تبتعد من حلوها
هل نسيت أن تأخذ دوائها في ميعاده؟، هل أفرطت في تناول السكر التي حرص جيدا ان تأخذ مقادير محددة في اليوم
اخذ منها وعدا انها لن تكثر في الحلوي، لقد أقسمت على كتاب الله إنها لن تأخذ أكثر من الكمية التي يعطيها اياها
ماذا يحدث إذا؟!

ما الذي جعلها تفقد وعيها والله أعلم بما تعانيه الآن بمفردها وهو بعيد عنها ولولا اسماء التي يحرص على جعلها تتفقد احوال جدته كل يوم، لا يعلم ماذا كان سيحدث ان عاد ووجدها ملقاة على الأرض كجثة هامدة لا حول لها ولا قوة!
ضجيج السيارات لا تساعده على أن يتحلى بالهدوء والحلم اللذان يتزين بهما
قبض على كف يده بقوة، وهو يسحب نفس عميق ويزفره على مهل
ستكون بخير، هي فقط تختبر حبه لها.

ظل يرددها كثيرا، وشبح موت لا يغادر مخيلته، ابتلع غصة مريرة كالعلقم وهو يرى اخيرا السيارة توقفت عند بوابة المستشفى، انقد الرجل ثم ترجل سريعا
يكاد لا يشعر بقدميه وهو يسأل موظفة الاستقبال قبل أن يهرول تجاه غرفتها..
من آخر الرواق وجد اسماء تبكي بحرقة وعادل يحاول تهدئتها
ليسمع الحان الموت كالصدى في أذنيه
محال أن تفعل جدته به ذلك
محال أن تتركه.

هي الشئ الوحيد الذي كان يبقيه على قيد الحياة بعد رحيل عائلته، اعتصر قلبه بين راحتي يديه وتقدم ببطئ وارتعاشة فكه جعله يحاول سحب هواء داخل رئتيه
لكن لا وجود للهواء
حاول أن يسحب لكن كلما يسحب يشعر بالاختناق والضيق الذي يكتم أنفاسه
قلبه ينتفض بثوران محاولا البقاء على قيد الحياة، لكن باقي الاجهزة الاخرى لا تسمن ولا تغني من جوع!
عيناه صلبتين، وجسد اشتد كالوتر وهو يسأل بصوت مخنوق
- ايه اللي حصلها يا اسماء.

انتبهت اسماء على صوت عاصي، لتلتفت إليه وهي تنفجر بالبكاء هامسة بتقطع
-معرفش، انا عديت عليها النهاردة زي كل يوم وبرن عليها مش بتفتح، انا الصراحة افتكرتها نزلت الحارة او بتشتري طلبات، بس لما سألت عليها قالولي انها مطلعتش فخوفت وطلعت تاني وفتحت من المفتاح اللي ادتهوني واتخضيت لما لقيتها واقعة من الأرض، محستش بنفسي غير وانا وهنا.

انهارت بعدها اسماء تبكي بحرقة، وعادل يحاول بهدوء أن يجعلها تكف عن البكاء ويطمئنها انها ستكون بخير
لكن عاصي
لم يكن بخير مطلقا
ارضا الصلبة التي كان يضع فيها قدميه بكل ثقة تزعزعت، خشي مما كان يفكر فيه
سألها بنبرة جافة
- اخدت الدوا في ميعاده
فغرت اسماء شفتيها وهي تعقد حاجبيها محاولة التذكر، الا ان ذاكرتها المشوشة جعلتها تعاود في البكاء قائلة
- الصراحة مش فاكرة يا عاصي.

لم يدري عاصي سوي انه ينفجر في وجهها غاضبا
- مش فاكرة ازاي وانا منبه عليكي يا اسمااااء
تراجعت اسماء عدة خطوات للخلف وعينيها متسعة بجحوظ مخيف إلى ذلك الرجل الوحشي داخل ثيابه الانيقة، اندفع عادل يضعها خلف ظهره ويقترب من صديقه قائلا
- عاصي اهدي ارجوك، الدكتور هيطلع وهيطمنها عليها
صاح عاصي بحرقة شديدة محاولا ان يتمالك نفسه
-اهدي ايه يا عادل، اللي جو دي هي كل عيلتي.

اقترب عادل وهو يربت على كتف صديقه بمؤازرة قائلا
-هتقوم بالسلامة ان شاء الله، ممكن بس من عدم الاكل او نست ميعاد الدوا اغمي عليها
زفر عاصي بحدة وهو يشعر بيد صديقه تسحبه بقوة ليجلس على احدى المقاعد، وعادل يتمتم بهدوء
- اهدي ان شاء الله خير
اراح عاصي كفيه في وجهه، والندم بدأ يعتريه ليقول باختناق
-انا المفروض كنت امنعه عنها، بس اتفقت معاها انها تمشي على نظام الدوا وكميات معينة في اليوم.

لم يجد عادل شئ لتهدئة صديقه، لكنه تمنى أن تصبح الجدة بخير كي لا يفقد الحفيد عقله مع غيابها
ظل عاصي لفترة من الوقت محترق الأعصاب، وبكاء ونهنات أسماء لا تساعده على تهدئة أعصابه، استقام فورا ما أن وجد الطبيب يخرج من الغرفة ليسارع إليه قائلا
- طمني يا دكتور
تنهد الطبيب بأسي وقرر التعامل ببرودة بعض الشئ وهو يلقي رصاصاته الطائشة ليتلقاها جسد عاصي.

-الوضع مش مطمن، كون انها جالها غيبوبة سكر، السكر ارتفع عندها ونشكر الانسة انها جابتها على المستشفى في اسرع وقت عشان نقدر نتعامل معاها
ما أن رأى شحوب وجه عاصي وعادل حتى سارع لتهدئتهم قائلا بابتسامة عملية
- بس متقلقش الوضع تحت السيطرة دلوقتي، اول ما جت ادينا انسولين وبعدها ركبنالها محاليل عشان نقدر نعوض السوائل والالكتروليات المهمة زي البوتاسيوم اللي فقدتها.

تساءل الطبيب وهو يعلم الاجابة على السؤال مسبقا
-الحاجة مش مهتمة بمواعيد الدواء
هز عاصي رأسه وهو يجيبه
-للأسف
تنهد الطبيب بثقل وهو يقول بعملية
-هنضطر انها تمارس الرياضة بالاجبار، وتبعد عن أي سكر صناعي تماما، وتبعد عن اي وكل دسم او فيه دهون والسكريات
اومأ عادل بهزة من رأسه قائلا
-مفهوم
ابتسم الطبيب بعملية تلك المرة وهو يقول
- حمد لله علي سلامتها
تراجع عاصي عدة خطوات مبتعدا عنهما وهو يسمع عادل يخبره.

-الله يسلمك، شكرا يا دكتور
دمعة خائنة انسلت من على وجنتيه ليغمغم بالكثير من الشكر وهو يسقط على المقعد بتثاقل وابتسامة بسيطة مطمئنة حال اطمئنانه على جدته
رعشة يديه فضحته تماما ليقبض على ركبتيه محاولا التخلص من حالة التوتر التي تمر في جسده كي تفيق ويراها، ثم يعاتبها ويحتضنها..
في المساء،.

سحق عاصي لفافة التبغ الثالثة في هذا اليوم قبل ان يتجه داخل المشفي، نظر إلى ساعة يده وهو يتوقع ان هذا الوقت تكون جدته فاقت
لم يستيطع الرد على مكالمات وجد هذا الصباح، لم يجد القدرة على مهاتفتها
هو يشعر بالعجز، والضيق، والحنق
حانق من نفسه
وعاجز كونه لا يستطيع تقديم مساعدة
ضائق كون كل شئ ينهار من حوله
طرق باب غرفتها وفتحه ليجد اسماء تستقيم من مجلسها وهي تخرج من الغرفة تاركة لهما مساحة خاصة..

اغلق عاصي باب الغرفة وتأمل شحوب وذبول وجه جدته، وكأن المرأة الثلاثينية غادرت ذلك الجسد وحل محلها امرأة عجوز طاعن
سحب كرسي واقترب منها بعينين لائمتين ليقول
- ينفع تخضيني عليكي كدا
ابتسمت توحة بضعف لتغرورق عيناها بالدموع وهي تشعر بعاصي يلقي بنفسه بين ذراعيها محضتنا اياها بقوة لتربت توحة على ظهره ثم همست بمشاكسة
-مالك يا واد بقيت رهيف كدا ليه، انا قولت دي اخره المولتو والبسكوت اللي بتاكله.

ابتسم عاصي بضعف وهو عازم على اتصال وجد في اخر الليل، طبع قبلة مطولا على جبينها ليقول
-وليكي نفس تهزري ياتوحة
زفرت توحة بعمق لتتنهد بصوت ضعيف
-ومهزرش ليه يا عيون توحة، خلاص يا ابني اللي مكتوب مكتوب منقدرش نمنعه
غمغم عاصي بلوم شديد وهو يحدج جدته
- انتي لو تلتزمي باللي بقوله
تحاشت توحة النظر اليه، وهي تسأله بوجوم
- تقدر تمنع اللى مكتوب في قدرك
هز رأسه نافيا ليجيبها بخشونة
-لأ
ابتسمت تحية بضعف وهي تهمس.

- بتحارب ليه يا عاصي
تمسك بها عاصي بقوة ليجيبها بنبرة مختنقة
-مش عايز اخسرك زي امي وابويا، انتي كل عيلتي ودنيتي
ربنا على ظهر يده لتقول
- يا بكااش، دي فيه اميرة هتنور حياتك من بعدي
زجرها عاصي بحدة
- توحة قولتلك متجبيش سيرة الموت
قلبت تحية عيناها بضعف شديد، حدقت في السقف بشرود لتجيبه.

-الموت علينا حق يا عاصي، بس انا عارفة اني مش هقدر اعيش العمر كله، انا بس نفسي اشوف عيالك واشيلهم في حضني قبل ما اموت، انت عارف ان دي كانت امنيتي
سارع عاصي بأن يمسك يديها ويجعلها تنظر إلى عينيه
يخبرها بقوة ان لا تتركه بمفره
كيف تتركه بمفرده هكذا وهو ما زال بحاجتها، قال بلهفة
-قومي انتي بالسلامة الاول وانتي هتحضري فرحي وهتكوني اول من يشيل ابني
اغرورقت عينا تحية بالدموع لتجهش بالبكاء.

-مظنش اني هقدر اعيش ليوم فرحك يا عاصي
جحظت عينا عاصي، وشحب وجهه تدريجيا حتى حاكي الموتى
لما تفعل معه ذلك؟
يمد لها يد المساعدة، إلا أنها ترفض
هل كرهت الحياة لتلك الدرجة؟
ما دافعها؟ اليأس أم الأشتياق؟!
وماذا عنه هو؟
ألم تخبره أن عوضها الصغير، وكانت تتمنى طفلا يشبه زوجها، وقد شب على أن يصبح رجلا مثله، أن تكون له سيرة عطرة في أي حديث ورجل يفخر به الأطفال و يتخذونه قدوة!
ألم ترغب بكل ذلك؟! ماذا الآن.

لأنه يريدها، ترفض وتعارض
تخبره بكل صراحة أن أيامها معدودة!
ارتجفت اطراف يديه رغما عنه، وهو ينظر اليها بلوم
استقام من مقعده بحدة والتفت مغادرا، الا ان تراجع خطوة مع اندفاع الباب وصوت وجد اللاهث
- توحاا
نظرة واحدة قابل بها عيني وجد القلقتين به، تحاول الاطمئنان عليه الا انه هز برأسه ببرود تامر جعلها تقترب من توحة التي ذعرت من ملامحها الشاحبة لتهمس.

-انا قلقت جدا اول ما اتصلت بيت اسماء وحكتلي اللي حصلك جيت على طول، الف سلامة عليكي
ابتسمت توحة وهي تربت على يديها، مغمغة بهدوء
- تعبتي نفسك ليه بس، كنت هرجع البيت تاني يوم و تقعدي معايا اليوم كله
ابتسمت وجد وعينيها مغرورقة بالدموع لتهمس بصوت باكي
-اقعد معاكي العمر كله يا توحا، بس انتي تكوني بخير
تنهدت تحية بأسي وهي تنظر إلى عاصي المكفهر الوجه، ولسانه قد ابتلع
ينظر بتيه إليهما، لتهمس تحية بيأس.

- بتعيطي ليه انتي كمان دلوقتي
وفي محاولة منها لتبديد الجو الخانق الذي يقتل الأنفاس، صاحت تحية بمشاكسة
- هو كمان كان عاملي مناحة
قلب عاصي عينيه بملل ليقول بنبرة محذرة
- توحااا
ابتسمت تحية وهي تهمس بصوت خفيض تجاه وجد
-يا واد دي لما تشوف علي ألبوم صورك مش هتعرف تودي وشك منها
اطبق عاصي شفتيه صامتا وهو يهز رأسه يائسا، لتلمع عينا وجد بفضول
-فيها ايه يا توحة.

نظرت توحة إلى حفيدها الذي حدجها بنظرات مميتة، إلا أنها ابتسمت بوداعة قائلة
- تعالي في يوم عندي، وهبقي اوريلك عاصي باشا بيعمل ايه وقت شقاوته
صدر عدة طرقات على باب الغرفة، ليلتفتوا جميعا إلى غالب الذي ينظر إلى وجد بصرامة، كونها اندفعت نحو الداخل تاركة اياه مع لؤي ليقول بهدوء
- الف سلامة عليكي يا هانم
ابتسمت تحية وهي تغمغم بضعف قائلة
-الله يسلمك يا غالب.

أطبق على الغرفة الصمت خصوصا مع صمت عاصي، لتزدرد تحية ريقها قائلة
-غالب، انا عارفة اني مش هعيش العمر كله، بس انا عندي ليك طلب ومتعشمة انك مش هترفض
انقبض قلب عاصي وتوجست وجد خيفة ليهز غالب رأسه قائلا
-اؤمرى يا هانم
غمغمت بتصميم وعينيها معلقة علي حفيدها
- عايزة عاصي يكتب كتابه على وجد الليلة قبل بكرا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة