قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس والأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس والأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الخامس والأربعون

تحرك غسان بملل شديد في ارجاء منزله، لولا أن سرمد يربطه الكثير من الأعمال لكانا يقضيان معظم أوقاتهم خارج المنزل كالأيام الخوالي، ابتسم متذكرا تلك الأيام ومغازلة النساء، لكن سرعان انقلب وجهه للعبوس حينما سمع نباح كلبه، هذا ما ينقصه أن يكون ذلك الضخم في منزله ويزعج نومه والجيران من الجنس الناعم، انتسل الهاتف من جيب بنطاله وهو يتصل بصديقه الوغد، الذي لم يراه منذ ايام
- أخبرني ما احوالك يا وغد.

حادثه بالايطالية ليبتسم سرمد وهو ينظر عبر الشرفة الى الأسفل ليقول بجمود
- ليست سيئة، حقا ليست سيئة
عبس غسان وهو يستمع إلى نبرة صديقه الغامضة ليسأله باهتمام قائلا
- وما أخبار الشقة، هل هي جيدة؟
نظر بعينيه معاينا احوال الشقة بدهانها البسيط وأرضيتها التي سيغير كل ما بها ليقول بنبرة هادئة
- ليست سيئة يا غسان، لكن احتاج سأجلب مهندس من ايطاليا لتصميم الشقة
انفجر غسان ضاحكا وهو يغمغم قائلا بمكر.

- مهندس من ايطاليا والشقة، ماذا يا رجل، هل تخطط البقاء هنا للأبد، كنت تجلس في الفنادق ما حل بك
ترن كلمة تلوثني مرارا في عقل سرمد، منذ تلك الليلة حرفيا عاني صراع عنيف بين تهوره وجموحه وعقله الذي يخبره بالتراجع، المرأة ستحرقه يوما، ستحرقه بنيرانها وعينيها الكهرمانيتين، استمع الى نبرات صديقه المغازلة.

- اعلم انها تلك السمراء الفاتنة، لن انكر انها جميلة، بل فاتنة، حتى الطباخين في مطعم نزار يتحججون بأي شئ للحديث معها ولو لدقائق
انقبضت معالم وجهه ليضم كفه يده على حاجز سور الشرفة بعنف، زفرات حارة ملتهبة هي كل ما تصله إلى غسان، زفر سرمد حانقا مررا يده على خصلات شعره، ليهمس لنفسه بحدة
- ما السحر الذي تملكه، لتجعل كل الرجال يلهثون خلفها؟!

يشعر بالضيق، بل الغضب، صديقه يغازلها، الامر مريب، مريب انه يشعر انه ليس في مزاج للمزاح ابدا، وأن الفتاة التي يذكرونها ليست امرأة عابرة، بل امرأة تخصه هو، امرأة سرمد النجم، القي لكمة حانقة تعبر عن سخطه ويأسه الشديدين ليستمع إلى صوت غسان المتسائل
- هل قلت شئ؟
تمتم نافيا وهو يدلف نحو الشقة بعد أن صور الإرجاء ليبعثها إلى صديق له
- لا.

صمت كلاهما وران صمت شديد بينهما يحدث لأول مرة، ليقطع الصمت سرمد سائلا بمرح
- ما اخبار سوزي؟
زمجر غسان قائلا بحدة
- اسمه سيد يا وغد، سوزي تلك المائعة البريطانية الصهباء، كانت لكنك غبي واضعتها من يدك
انفجر سرمد ضاحكا بعبثية وقال بنبرة ذات مغزى
- هل والدتك جانبك لتسمع كلامك المحترم
جاره غسان في مزاحه ليتصنع الحنق قائلا.

- لا ولما تظنني اتحدث بلغتك يا وغد، سيد كان كلب سئ، سئ للغاية لكن لا انكر ان بعض الفتيات هنا في تلك المنطقة احببن ضخامته
انقبضت معالم وجه سرمد قائلا بجدية
- هل يتوددون له ويطعمونه؟
انفجر غسان يصيح بثورة وحنق
- نعم، يطعمونه ورد ومياه ذهب وانا الفقير اتناول الخبز اليابس
انفجر سرمد في الضحك ليقول بنبرة ممازحة
- يا انت مع والدتك الآن
تجهمت ملامحه حينما استمع إلى نباح كلبه ليقول بعبوس
- لماذا يصرخ هكذا.

قلب غسان عينيه بملل شديد وقال
- لا شئ من الممكن جار مار، سأتصل بك حينما ارى سيد المزعج ماذا يريد
أنهى اتصاله ليخرج بملل شديد الى بوابة المنزل، انتبه على وجود امرأة يافعة ذو خصلات كستنائية تصرخ بعنف شديد تحاول ان تبتعد عن الكلب لكن الكلب وقف بقامته وضخامة جسده يرعب تلك المرأة، مال غسان برأسه وهو يعلم ان تلك الملامح رآها قبلا، لكن أين؟!

حينما رفعت رأسها تنظر اليه بنجدة، علم صاحبة العينين الخضراوين، هل يستطيع نسيانها، ابنة خالته، صاح بجمود شديد
-اخرسي
انفجرت بيسان تصرخ برعب حقيقي مما زاد من زمجرة الكلب، يعلو من نباحه لتنكمش بيسان حول نفسها تصرخ بصوت مرتفع، شعرت بيد غليظة مسكتها من زندها ساحبا إياها نحو المنزل، رفعت عينيها لتنظر اليه وحينما همت بالحديث انفجر في وجهها صارخا
-لك اخرسييي بقا، مو شايفة سيد بيعصب من الضوجة.

اتسعت عينا بيسان بجنون، لا تصدق ذلك الوقح انه يعنفها امامه هكذا، همت بالصراخ في وجهه إلا أن نباح الكلب الذي اقترب منها جعلها تسارع بالاختباء خلف ظهره ملقية صرخة فزعة، صاحت بتوتر وهي تري الكلب ينظر اليه نظرات شرسة متوعدة لها بالقتل
- انت، انت مش شايف حجمه ده ياكلني
قلب غسان عينيه بملل نحو سيد والي تلك الخائفة المذعورة المتحامية خلف ظهره ليقول بسخرية
- والله بتاكليه انت بدون ملح قال بياكلها قال.

انفجرت بيسان صارخة في وجهه
- بعده، بعده عني
شعر غسان بطنين في أذنه اليسرى التي تصرخ منها، قال بجمود وملل شديد إلى سيد
- سيد ارجع مكانك
زمجر سيد بحدة ورفض قاطع من عينيه وهو ينظر بوعيد إلى بيسان التي صاحت صارخة
- مش بيرجع، شايف بيبصلي ازاي
دار غسان رأسه هامسا بوقاحة شديدة وتبرم
- لك معو حق، شكلك بجيب الجلطو
عقدت بيسان جبينها متسائلة بعدم فهم
- انت بتبرطم وبتقول ايه.

القي لسيد نظرة زاجرة جعلت الكلب ينظر مترددا، إلا أن الوعيد في عيني غسان جعل الكلب ينظر إليه بحدة ثم استدار على عقبيه يتوجه إلى منزله الذي انشأه له غسان بعد يوم من مكوثه، التفتت غسان قائلا بحدة
-نعم ياعيني وانتي شو خصك، مو ناقصني غير تتحكمي بكلامي
تنفست بيسان زافرة بحرارة حينما رأت الكلب يسير بتباطؤ مغيظ وكأنه مالك المكان ليعود إلى منزله، صاحت في وجه المدعو غسان قائلة بغيظ.

- اوففف، انا مش عارفة بضيع وقتي مع انسان زيك كدا ليه
اشاحت يدها بلا مبالاة في وجه غسان الذي استقبل الامر بصدمة، الفتاة تلوح له بعدم مبالاة، اللعنة، لو كان في إيطاليا لأرتمت النساء تحت قدميه، ما ذلك الجبروت الذي يمتلكونه النساء العربيات ومتى تحولن من قطط وديعة إلى نمور مفترسة!
هسهس بغضب شديد وهو يمرر أنامله على خصلات شعره الناعمة.

- لك يصحلك يابعدي انا ياعيني نص بنات ايطاليا كانو يلحقوني بس ماكنت شيلن من ارضن
ارتسمت ابتسامة بلهاء على شفتي بيسان، لتغمغم بتهكم
- اه تقصد الأرامل والستات اللي شوية ويقابلوا ربنا
اتسعت عينا غسان بجحوظ مخيف ليصرخ في وجهها
- لاااااا هيك كتير، مابسمحلك تهينيني ها.

رفعت بيسان كلتا يديها تأمره بالتوقف عن الصراخ، مررت اصبع السبابة على جسر انفها، يكفي انها منذ خطبة نزار وتلك الخاطفة وهي لم تأتي إلى بيت خالتها، تحاول جديا ان تبعد نفسها عن مدار نزار كي لا تضعف، وعيد والدتها أخافها إن لم تترك نزار في حالة فستحبسها في البيت دون زواج، مجرد خادمة تنظف المنزل وستمنع أي زيارات من جيران أو خالتها التي احبتها حبا جما منذ أن قدمت مع ابنها إلى مصر...

رفعت عينيها تنظر الى عيني غسان المتأججة بغضب، تحاول أن تستشف ملامح وجهه القريبة من شقيقه، لكن تعابير وجهه الساخطة والمتغيرة من ثانية لأخرى يجعله بعيد الشبة تماما عن نزار العملي الجاد
هذا يبدو انه يعيش مراهقة متأخرة، بل بمعنى مصري أكثر نسوانجي!
تمتمت بقرف شديد واشمئزاز
- انا مش عارفة انت نافش ريشك على ايه، وانت اصلا متساوش نكلة.

ضيق حاجبيه وهو يحاول فهم الكلمة الاخيرة، رغم أنه يشعر انها تهينه، بل بات متأكدا وهي تظهر تمللها من وقوفها معه لكن تساءل
- شو هي نكلة؟!
اتسعت ابتسامة بيسان لتجيبه برحابة صدر
- يعني ملكش قيمة، هدي شوية من مستوى غرورك ده، لان بجد جمالك الشامي ده شوية وهيعمي عنينا.

انهت جملتها ساخرة وهي تنظر اليه باستفزاز جعل غسان يكاد ينهار سخطا وغضبا منها الا ان صوت والدته جعله يبتعد عن مجالهما متخذا الصمت ولو كانت النظرات تقتل لاردت بيسان صريعة!
- وصلتي ياعمري
رفعت بيسان رأسها لترتسم ابتسامة شبه باهتة وقالت
- ايوا يا خالتو جيت.

ألقت بيسان نفسها بين ذراعيها لتترقق الدموع من عيني عايشة، والله يعز عليها الا تترك الفتاة تهرب من يديها ولا يتجوزها رجل يبعدها عنه، لكن نزار وقلبه مشغول، رفعت رأسها نحو غسان الذي يقف بسخط وتعابير وجهه الساخطة جعلتها تهز رأسها يائسة، وهذا الكبير لا يبدو انه يفكر حتى في الارتباط، لكنها لن تكرر غلطتها مرة اخري وتعد صغيرتها بشئ هي غير قادرة على تحقيقه..

لكن امنية، امنية قلبها، ان يزرع الله الحب في قلوبهم
مسحت الدمعة التي انسالت من عينها لتنظر إلى ملامح بيسان الناعمة التي ورثت الشقرة من والدها الراحل وعينيها من والدتها، لتقول بعبوس
- ولي دبة هيك بتتركيني بدون ماتسالي عني.

اختنقت انفاس بيسان ورفعت عينيها الزائغتين تحاول أن تنظر في أي جهة بعيدة عن خالتها، اصطدمت عينيها بالطفل الكبير الذي تجهمت ملامحه اكثر وهو يراها تلتصق بوالدته كما لو أنها ابنتها التي ولدتها...
عادت تنظر بعينيها نحو خالتها وقالت بهمس خافت
- معلش يا خالتو للأسف كنت تعبانة.

انقبض قلب عايشة اكثر، لتنظر اليها غير قادرة على مساعدتها، هي من فطرت قلبها، لا تعلم كيف حتى تداوي جروحها، غمغمت بحزن شديد وهي تري ثياب بيسان العملية البعيدة عن ثيابها المكونة من بنطال وتيشرت
- يييي ياعمري سلامة ألبك حبيبتي ما ع ألبك شر، لك بس شووو هالئمر.

اتسعت ابتسامة بيسان ببهوت وهي ترى خالتها مقيدة، لا تعلم ما الذي تفعله لكي تخفف من احزانها، هي حتى الآن لا تعلم، بداخلها غضب، غضب كبير من والدتها وخالتها دون عن أي فرد آخر، لكنها لا تقدر على أذيتهم أو حتى الإتيان بحركة تمرد، هزت رأسها تقول بنبرة هادئة
- روحت عملت شوية مقابلات عشان الشغل وربنا يسهل
اتسعت عينا عايشة ثم فهمت ان الصغيرة تبتعد، بل وتنزوي بعيدا عنها، همست بنبرة شاحبة.

- الله ييسرلك امورك حبيبتي، ووعد مني اذا انقبلتي بالشغل لح اعملك البقلاوة يلي بتحبيها من تحت دياتي ياعمري
اتسعت ابتسامة بيسان لتنتبه كلتاهما على صوت غسان النزق
- استني استني امي، البقلاوة مابتعمليها غير إلى انا بس
ألقت عايشة نظرة ساخطة نحو ثم إلى الكلب الضخم الغير مقيد يسير بتبختر في الحديقة لتقول بحدة
- هس هس بلا كترة حكي رجع الكلب عمكانه وغسل ايدك بالتراب وبعدين بالمعقم يلا لشوف.

ثم التفتت نحو بيسان تجذبها قائلة
- تعي حبيبتي فوتي عجوا
كانت تتمني ان يكون لها مكان في منزل خالتها، لكن لمحت بطرف عينها قدوم نزار وهو يتحدث بصوت هامس الى خطيبته لتهز بيسان رأسها نافية وقالت
- لا يا خالتو، معلش، مضطرة ارجع البيت، هجيلك يوم تاني.

استدارت بيسان راحلة لتقف بصدمة تنظر إلى نزار الذي كان متحاشيا النظر اليها، بل كان ملهيا لأن من على الهاتف خطفت اهتمامه، ابتلعت غصة في حلقها لترمش عينيها تمنع الدموع من الخروج...

التقط غسان ردة فعل بيسان وهو ينظر بعبوس شديد إلى تلك الواقفة تنظر إلى شقيقها بيأس شديد ثم تبعها رحيلها المخزي، ناكسة الرأس، تلاعب الافكار في عقله لكنه سرعان ينفض أي شكوك تسري في مخيلته ليقترب من والدته التي تنظر بملامح حزينة على رحيل بيسان ليقول باستفسار
- لك شبها هي بلاحظها بس يجي نزار مابتئعد
زفرت عايشة قائلة بنبرة حزينة.

- ليك حبيبي مافينا نحط الزيت جنب النار منشان مايصير في حريقة، ورغم انو لما مابشوفا بحس حالي عم اختنئ بس الحمد لله انو عم تبعد حالها لحالا، انا ماصدئت اجتمعت باختي وبنتا.

استدارت امه تشق طريقها داخل المنزل، ليقف غسان شاعرا بوجود حلقة ناقصة، ما الذي فاته على مدار سنوات غيابه؟!، تذكر انها لم تأتي لحفلة عقد قران شقيقه، وخالته جاءت صباح اليوم التالي بمفردها متعللة أن ابنتها مريضة أمس فلم تقدر على الحضور، رغم أن الأمر كان غير منطقي إلا أنه تجاهل كل شئ، لكن تلك النظرات يعلمها، هل تحب شقيقه؟!

عند تلك الخاطرة انقبض قلبه، دلف نحو المنزل باحثا عن شقيقه ليقتحم غرفته وهو يجد شقيقه في مزاج رومانسي حالم
- كنااافتي الحلوة الطرية، شو عم تعملي ياألبي
صاح غسان بغضب وتوتر
- انت ياعم روميو اتركلي جولييت شوي وتعا بدي منك شي ضروري
رفع نزار عينيه بحدة يأمره بالخروج إلا أن العناد الاقوي كان لغسان، اضطر نزار مستأذنا غالقا المكالمة ليلتفت نزار برأسه قائلا بنفاذ صبر
- خيييير.

بصراحة واضحة من أبرز الصفات في غسان قال
- كان في شي بينك وبين بيسان
ضيق نزار حاجبيه لا يعلم ما فائدة ذلك السؤال الان، هز رأسه قائلا بلا مبالاة
- لك يازلمة ماكان في شي امك واختا كان مخططين لشي وانا مااخدت وعطيت ماتحط ببالك.

ثم استقام ساحبا هاتفه يعاود الاتصال بزوجته ليقف غسان واقفا في منتصف الغرفة، هل هم مدركين ما قامت به والدته وخالته؟!، شحب وجهه وهو ينظر إلى نزار المنفجر بالضحك ثم استعاد صورة بيسان المنكسة الرأس، ليقول بصدمة
-لااا هيك مصيبة
ستحدث كارثة، بل مصيبة ان لم يتدخل هو على وجه السرعة، محاولا إقصاء بيسان من نزار متأكدا انها ستنساه للأبد.

الحب يكون حق مكتسب
حينما يري الطرف الآخر يسامح دائما
ويغفر دائما
حتى حينما يكون مخطئا الآخر يسارع بالاعتذار
ويكون الطرف الآخر هو يردد كلمات الحب والغزل
يكون الطرف أكثر اهتماما واكثر تفهما واكثر تسامحا.
الحب يكون حق مكتسب
حينما يؤذي الحبيب قلبك
يصفعك بتجاهله
وانت تسامح وتغفر بكل حماقة
يبدأ التجاهل ويقل مقداره اهتمامك
تكون آخر شخص من اهتماماته..
الحب يكون حق مكتسب.

حينما تنزع رداء كرامتك وكبريائك والمتبقي من انسانيك
كما قال شكسبير الحب أعمى ونزار قباني قال في حب من طرف واحد
إن كنتَ لا تحبني فاتركني أحبك وأكون بقربِك
اجعلني على هامش حياتِك أكون خادماً
بين يديك رهنُ إشارةٍ من ناظريك
لا تحرمني أن أتنفسَ عطرك سأرضى أن أكون في الصفوف الخلفية
ربما يأتي خريفٌ تتساقط فيه أوراقُ صحبِك عندما يوجعك الفراغُ
برداً سأكون مِعطفك وترهِبُك الوحدةُ خوفاً.

سأحضنُ خوفَك وسيعلم الجمعُ الذي ضمّه عالمنا أني خيرُ من أخلص في حبِّك.
زفرت فرح بيأس، وقلبها يوشك على الاحتضار، تريد كلمة مطمئنة، دافع ان الوقود لن ينفذ، هو يستهلك مشاعرها، وصبرها، وقوة احتمالها
وهي ما عادت تملك نفسا للمتابعة، عقلها يفكر في لحظة متمردة أن تتركه.

لكن بعد أن تتركه تعود لعائلتها البائسة التي لم تهتم بها، بل حين طلاقها منه مرة امها كانت تنغص حياتها وتحيلها جحيم، تريد ان تثبت قدمها في مجال تنجح به حتى وإن كانت لا تكترث به، لكن المال هو السلطة الذي يجب أن تمتلكه...
ترجلت من سيارة الاجرة امام شركة الدعاية لتشق بطريقها داخل الشركة وقدميها تتوجه نحو مكتب ناجي، تعلم انه عابس، بل متضايق وغاضب انها غابت يوم الحفلة، لكن يا ليت الأمر بيدها!

ثم هي لا تحاول التفكير إذا علم نضال انها هنا، حتما تريد نسيانه لفترة من الوقت حتى تستعد لحروبها معه الباردة...
وجدته واقفا يتحدث لسكرتيرته وحينما تقابلت اعينهم قرر تجاهلها وهو يتابع حديثه مع السكرتيرة المنصتة له باهتمام، تقدمت ببعض التوتر امامه لترفع السكرتيرة عيناها إلى التي اقتحمت دائرة حديثهم، ثم ببعض العبارات الخافتة اعتذرت مغادرة ليقف كلاهما أمام بعضهم
بداخل عينيه اشياء غريبة لأول مرة تقرأها.

بعض الاهتمام الذي لاح على وجهه لتبتسم بتوتر شديد وهي تفرك يدها ليصدمها بحديثه البارد
- انتي عارفة خسرتي ايه بسبب انك مجتيش الحفلة
أجلت حلقها وحاولت ان تهدأ أعصابها لتقول بهمس خافت
- مستر ناجي انا اعتذرتلك اليوم ده، للأسف حصل ظروف ومقدرتش
قاطعها بصوت جاد وعينيه تدقق النظر لوجود أي علامة كدمة مثل المرة السابقة
- خلي بالك لو اتكرر الغلط ده تاني صدقيني انتي بنفسك هتقعي في المجال ده.

اتسعت ابتسامتها العملية وقالت
- متقلقش مش هتتكرر
كيف تعده بشيء هي غير متأكدة منه، رمقها ببعض الاستخفاف والسخرية ليقول
- عندك حسابات على التواصل الاجتماعي
هزت رأسها نافية لتقول بعدم اهتمام
- مش مهتمة حقيقي بالصفحات دي
مال ناجي رأسه، محاولا تكهن التي أمامه، كيف هي في أمس الحاجة للعمل رغم علمه أسم زوجها، ثم لا تهتم بعملها، كأنها تريد اثارة غضب وسخط زوجها بعملها
زمجر في وجهها قائلا بغضب من لامبالاتها.

- اكبر غلط انك تخسري مفتاح مهم يقدر يرفع من مستواكي، كتير من البنات اللي هنا قدرت تحقق طموحاتها من خلال حساب ده غير الشركات التي تطلب منك تعلني عن منتجاتهم وتاخدي عمولة منهم
قلبت عينيها ببعض الملل وقالت ببرود
- لو عملت صفحة مش ههتم بيها
زفر بسخط وهو يمرر إبهامه على ذقنه ليقول ببرود
- هنخلي جيجي تهتم بالموضوع ده، وخصوصا انها اكتر واحدة بتقدر تجذب متابعين بنشاطتها المختلفة.

صمت لثواني واتبعها بقنبلة جعلت عيناها تتسع بجحوظ
- المرة دي دورك في فيديو كليب
اتسعت عيناها بجحوظ واستحال وجهها للشحوب المخيف وهي تتخيل دورها، راقصة عارية تغوي المغني أو أي كان، مرت خاطرة ان علم نضال بدورها هذا لتهمس بصعوبة وهي تحاول ان تجلي حلقها
- فيديو كليب
هز رأسه قائلا بنبرة خاصة
- مخرج كان في الحفلة شاف ملامحك وعجبتيه.

تلك الكلمة لا تعجبه وخصوصا من رجل، ازدردت ريقها لتنظر اليه باضطراب وعجز شديدين قرأه ناجي لتهمس فرح ببعض بودار الغضب
- عجبته؟!
هزت رأسها نافية قائلة
- بس انا مظنش اني هقدر اعمل كده، ولا حتى نضال
انفجر في وجهها قائلا بحدة
- اعتقد انتي اللي وقعتي عقد الشركة بايدك مش كدا ولا ايه
هزت رأسها وهي تلعن ذلك العقد اللعين الذي وقعته لتقول
- يا مستر ناجي، صعب جدا اظهر في فيديو كليب ارقص فيه
طمئنها ببعض البرود قائلا.

- متقلقيش احنا برضو بنهتم بالتفاصيل، والفيديو مش خادش للحياء ولا فيه عري
ترددت قائلة ببعض الخوف
- بس
لطالما علم سبب معاناتها ذلك المسمى بزوجها، ذلك القلق والتوتر وشحوب الوجه، جعل نفسه وحشا مخيفا في قلب زوجته، ليقول بحدة
- انتي ملكيش سلطة توافقي أو ترفضي، بامضتك للعقد انتي بحد ذاتك وافقتي على شروط الشركة، واللي تشوفه الشركة الاصح والمناسب ليها بتوافق.

نكست فرح راسها بعجز شديد، تشعر أن اللعبة التي غامرت بنفسها داخله أكبر منها بل
دوامة تبتلع كل ما تقابله، رفعت رأسها متفاجئة من ذلك الصوت الأجش الغاضب
- عقد الشركة ده اللي بتهددها بيه تبله وتشرب ميته
دارت راسها تنظر بحدقتين متسعتين لتهمس بخفوت
- نضال.

زمجر نضال غاضبا والغيرة العمياء أعمته وهو يرى قلقها وخوفها عليه إن افقد اعصابه، اخفضت عيناها ارضا لتشعر بانامله الغليظة التي امسكت بزندها لتتأوه بألم، مما جعل نضال يزمجر بغضب ليقول بصوت مرتفع
- مراتي مش هتظهر في اي اعلان ولا فيديو كليب ترقص وتتمايص فيه.

راقب ناجي الوضع بين فرح المنكمشة في وجود زوجها الذي يقودها على سجيته، شعر بالأسف على حالها الذي كتبته بيدها، ألقي نظرة خاصة نحو سكرتيره أن يأتي بحراس المبنى، فهو غير مستبشر خيرا بوجوده المفاجئ
- مرات حضرتك بنفسها وافقت على شروط العقد، انت ملكش اي احقية تتكلم هنا
نزع أنامله من فرح ليقول بنبرة معلنة الحرب.

- سمعني كدا قولت ايه؟!، مليش ايه يا حبيبي. أي أحقية، انت بتجرني اني اخلي اسوي وشك بالاسفلت يا اسمك ايه
ألقي نظرة حادة نحو المتجمهرين حوله ليقول بنبرة متسلطة
- طلعوه برا
القي نضال نظرة نحو الحراس الهامين بإمساكه ليصيح هادرا في وجوههم بحدة ونبرة مزمجرة.

- محدش فيكم يحط ايه عليا، والا قسما عظما لاقوم اهد الشركة باللي فيها واقفلها بالشمع الاحمر ووريني بقي يا حيلتها انت وصاحب الشركة هتعمل ايه لما ادي بلاغ صغير كدا يوديكم في داهية
شهقت فرح وهي تنظر بخشية الى الجميع وهمساتهم التي تسمعها، بعضهم كان يرتفع بخياله لحد السماء لتهمس برعب
- نضال، اهدي بس
تقدمت تحاول ان تقف حائلا بينهما وتهدأ الأمر قبل خروجه عن السيطرة.

لكنها تعلم ان لا فائدة ترجي من وقوفها أمام الطوفان فهو سيبتلعها اولا!
صاح ناجي بنبرة متحدية وهو عاقدا ذراعيه
- اسمع، كل تهديداتك دي متهمنيش في حاجه، احنا شركة محترمة وسمعتنا معروفة، ومراتك جت بنفسها محدش ضربها على ايديها، شغل البلطجية والحركات البيئة دي مش عليا
ازاح فرح جانبا وهو يقترب من ناجي قائلا بنبرة ساخرة
- لا هو انا مقولتلكش، بشتغل بلطجي آخر الليل.

ثم اتبعها لكمة قوية في وجهه يخرج بها حنقه، وغيرته، غضبه المستفحل في ركن من جسده وهو يعلم أن ذلك القذر يهتم بزوجته، عقله يصور الكثير من التصورات التي تودي عقله إلى التهلكة، سابقا كان يراهن على قلبها الذي يستسلم له
لكن الان لا يستطيع المراهنة على أي شئ!
- نضااال
صاحت بها فرح برعب وهي تقف حائط سد هش كي لا يفقد زمام سيطرته، القت نظرة نحو ناجي الذي انحني خافضا بجذعه نتيجة اثر الضربة، تفاجأت بصراخه الهادر.

- مسمعش صوتك انتي خالص
ترقرقت الدموع في عينيها وأجهشت في البكاء لتصيح بحدة
- سيبه انت اتجننت
كل دفاعها عنه يزيده سخطا وغضبا، هل شئ هناك لم يعلمه بينهما؟! يقسم انه سيقتلها لو علم ان هناك شئ خفي!
زمجر بغضب وهو يهم بالقاء لكمه في وجهه الناعم هذا
- اخرسي
أشار ناجي بيده إلى السكرتيرة لتقطع الاتصال بالشرطة، يمرر أنامله على موضع لكمة نضال ليقول بنبرة خاصة
- هحبسك يا نضال.

يكره برود ذلك الذي أمامه، حتى أنه لم يحاول أن يرد له اللكمة، يهدده والآخر يجيبه بلا مبالاة، زمجر بحدة
- وريني يا حيلتها
القي ناجي نظرة خاصة نحو فرح التي تنظر إلى كليهما بتيه شديد ليقول بجمود
- اديني قرارك حالا يا فرح
ثم استدار متوجها ناحية غرفة مكتبه وقفت فرح وحيدة تحاول ان تجتاز ذلك الاختبار
هو أم عملها.

شعرت برجال الأمن يحدثونه بغلظة للمغادرة لتنظر اليه بألم ثم استدارت تتوجه نحو مكتب ناجي، تعلم عاقبة ما فعلته وهي تري نظرته المميتة التي حدجها بها!
فتحت الباب دون ان تدقه كعادتها ثم همت بالاعتذار قبل ان تلحق المجنون زوجها ويهدم المكتب فوق رؤوسهم، لتتفاجئ بنبرته الغليظة
- كنت متوقع انك جاية هنا عشان مش تبقى مشهورة، عشان تتمردي على جوزك مش كدا
ابتلعت ريقها تجيبه بنبرة مختنقة
- بحقق ذاتي يا ناجي.

الدموع هطلت تدريجيا من عينيها، تفاجأت باقترابه منها وهو يهسهس بغضب
- بتحققي ذاتك، ويا تري جوزك المحترم بيمد ايه لما بيتعصب
رفعت عينيها ولم تقدر على اجابته، فهو يعلم المرة السابقة التي جاءت بكدمة على وجهها، انفجرت تبكي دون سيطرة لتسمع شتيمته قبل أن يقول بنبرة حادة
- ليه بتعملي في نفسك كده
شعرت بيده التي وضعت على مرفقيها، نظرت إلى يديه ثم إلى نظرة عينيه الغريبة بعض الشيء
كأن ناجي هذا لم تعرفه سابقا.

وهو يلفها بكل ذلك الاهتمام والنبرة الحادة
همست بتيه شديد وهي غير مدركة مغبة ما تفعله والي اي مقصلة هي تجر إليها!
- ايه
انتفضت بهلع حينما فتح الباب فجأة لتتسع عينيها وهي مدركة أنها ميتة لا محالة ولا سبيل لها من النجاة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة