قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السادس والأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السادس والأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل السادس والأربعون

ما هو الحب حقا؟
أهو الألم
أم القهر
أم الحزن
لا أعلم هل الحب يجعلني أقف كمسخ أمام من أحبه
وأعشق التراب الذي يسير عليه
وأتمنى نظرة حانية من عينيه الجافئتين
أم ماذا؟!
ما هو الحب؟، وما هو العشق؟! وهل كذب السابقون وزرعوا بداخلنا كذبة كبيرة لنرتطم بصخرة الواقع!
إن أعطتني الحياة كل ذلك الألم، لما لم تعطيني فرحة، وكأنها تظن انها كثيرة على
كثير على أن أحظى بسعادة ولو ضئيلة..

كل شخص يأخذها على حين غرة، منذ قدوم نضال الهائج الى مقر الشركة التي تعمل بها، والاختيار الذي وقعت فيه لأن تختار بين معذب القلب أم ذلك المسكين الذي تلقى ضربة من زوجها..
إن كان زوجها يغار بشدة، لما لا يريحها، يطمئنها أن غيرته تلك تكمن من شدة خوفه عليها
هو يراها تخرج عن طوعه، تنبذ رداءه الذي يحجبها عن العالم الذي تود أن تكتشف مميزاته..

لكن الاهتمام الغريب الذي ينطلي على عيني ناجي، كانت الضربة القاضية، تخشى أن تفسر اهتمامه بشكل خاطئ، ولا تريد أن تزيد الوضع سوءً
تعلم أن ما فعلته لن يمر على خير وخصوصا نضال لن يتوارى على أخذ حقه كاملا
رفعت عيناها وأسوأ ما في مخيلتها يمر كشريط اسود امام عينيها، وهوية المقتحم كانت
جيهان.

صمت مهيب ابتلع ألسنتهم، وعيون كل منهم تنظر للأخرى بالتساؤل والشك، كانت جيهان أول من سيطرت على اندفاع فضولها وهي تري ابتعاد فرح بجسدها عن ناجي الذي التمعت عيناه بنظرة غريبة، بدت غامضة لها
بل ناجي بكله غامض، كأنه ليس بصديق تعرفه!

زفرت جيهان بحده، هذا ما ينقصها توتر آخر فوق توترها، منذ تلك الليلة التي صرخت فيها شادية انها اعلنت فسخ خطبتها على صفحة الانستجرام الخاصة بشقيقتها، أعلنت الخصام والمقاطعة ووالدها ينتظر تقرير ما قامت بإفساده..

تظن ان الايطالي قام بشئ جعل كل غضب شادية منه يصب فوق رأسها، ما ذنبها هي إن ارادت أن تجمع بينهما، تراه مناسبا، بل شخص بعبثية وجديته المبهرين وكيف ينتقل كلاهما بين وقت العمل ووقت الراحة ابهرتها، الرجل ليس سيئا لتلك الدرجة
والأهم من ذلك، أنه رجل، رجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ليس مثل ذلك النجس معاذ، أو الغول بعضلات ضخمة لؤي.

ان بحثت عن شخص يناسب شقيقتها، ف سرمد هو المترشح الأول بلا منازع، قدمت إلى ناجي ليجد لها حلا، لكن منذ قدومها إلى الشركة ورؤية ثور يناطح الجميع بقرونه علمت أن السيدة فرح قامت بعمل عظيم أثار غيرة ذلك الهمجي!
استمع الجميع الى صوت نضال الصارخ وهو يلقي السباب في وجوه أفراد الأمن، مالت جيهان برأسها تنظر إلى شحوب فرح واهتزاز بدنها وهي تراها ساهمة في ملكوت آخر
- ممكن افهم ايه اللي بيحصل هنا.

اخفضت فرح رأسها، عضت على طرف شفتها السفلى والدموع تتخذ طريقها للانفجار
لما يجرحها ويهينها إلى تلك الدرجة؟! لما يترك للجميع انطباع سئ عنها
ألا يحق لها الاختيار؟!، أم هو الوحيد من له الحكم في التحكم بمقاليدها؟!
شحوبها حاكي الموتى، رفعت رأسها بتباطؤ لتهمس لجيهان وقلبها يدق طنين الموتى واشكة على أن تلقى حتفها لتهمس بصوت خاوي
- مفيش حاجه يا جيهان.

رفعت جيهان حاجبها باستنكار لتلقي نظرة نحو ناجي بكدمة كبيرة حمراء على خده لتقول بحدة
- والله، على أساس شايفني عيلة صغيرة تضحك عليها بكلمتين
ارهفت اذنيها السمع إلى سماعها لسباب ذلك الثور، هل من حسن حظ فرح أنها من اقتحمت الباب اولا؟!
صاحت بنفاذ صبر وهي تتطلع إلى صمتهم الكئيب
- التور اللي برا ده بيعمل ايه
زفر ناجي بحدة قائلا
- جيهان.

وقفت فرح متخشبة، تستمع إلى صوت الصخب الخارجي، وكل زمجرة منه وسبة تقلل من قيمتها عنده
هل هي عبئ عليه، أم يريها ما هي مكانتها عنده وأنها لا ترقي لشئ بجواره!
بات صوت الموت أقرب إليها من انفاسها لتغمض جفنيها ودمعة تسللت من مآقيها تحفر في خدها، وصوت نضال الصارخ يطن في أذنيها
- وعزة جلالة الله، لو محدش بعد من وشي هتندموا على اليوم اللي وقفتوا فيه قدام نضال الغانم.

تأففت جيهان بحده وهي لم تجد من يجيب على تساؤلها، صاحت بنفاذ صبر
- هو ايه حصل
تطوع ناجي يقول بنبرة باردة وهو يلقي نظرة خاصة نحو فرح الفاقدة النطق
- البيه مضايق ان مراته هتطلع في فيديو كليب
اتسعت عينا جيهان باعجاب شديد لتصفق بيدها قائلة
- واوووو، بتتكلم بجد، مين المطرب جيل جديد ولا قديم
اكتفي ناجي بمراقبة فرح التي تنتظر أن تجر للمقصلة، لما تفعل ذلك بحياتها.

ما ذلك الحب المريض ليجعلها تتعلق برجل مثله، رجل لا يقدرها ولا يحترمها أمام الجميع
رجل يهينها، ويتعمد جرح كرامتها وكأن زوجته تلك، جارية اشتراها بثمن بخس!
لا يعلم ما دافعه للدفاع المستميت للأخذ بحقها، أو افاقة تلك الغبية الغارقة بيأس في حب مشبوب أهوج، هو حاول أن يصمت وأن يتخذ درع اللامبالاة لكن لم يستطيع، لم يتحمل أن يراها تقتل نفسها متعمدة، مرر أنامله على موضع الكدمة ليتأوه بخفوت.

لا يريد أن يتصارع مع رجل يتخذ ذراعه لغة الحديث والمحاورة، هو يأمن من شره فقط، منتظرا تلك الغائبة عن الحياة أن تفيق وتثأر!
اقتحم نضال المكتب الذي فضلته عليه هو
فرح التي كانت تهب نفسها له دائما فضلت ذلك المسخ عليه
كانت طعنة، طعنة غادرة لن تبرأ أبدا، وهو يرى زوجته فضلت رجلا غريبا
رجلا يعلم ما يرغب من زوجته هي، ملكه ويقسم أن من يقترب منها سيكون في عداد الموتى.

لا أحد يعبث بأشيائه وأملاكه الخاصة ابدا، عينيه محتقنة بشرر ورغبة دفينة للقتل صاح بنبرة هادرة في وجه التي ترتجف من رأسها لأخمص قدميها
- بدون كلمة يا فرح، قدامي حالا
بغضبه الأهوج
ورعبها
برغبته الدفينة بقتلها
وقلقها
بغيرته العنيفة
وقلبها الواشك على الاحتضار،
بعينيها الدامعتين
ونظرته المميتة
تلعثم الشفاة خوفها من بطشه
بنظرة الوعيد في عينيه
علمت أنها لن تقدر على أن تهدئته.

همست بعذاب ونبرة مختنقة والعالم من حولها يتساقط كما تتساقط النجوم من فلكها
- نضال
زمجر بغضب وهو يرفع عينيه ينظر بنظرة مميتة لناجي، أصبح هذا الرجل في عداد الموتى، لن يتركه ولن يرحمه ابدا حتى يراه يلفظ انفاسه الاخيرة
- جنبي حالاااااااا، والا قسما عظما لأسوي المخروبة دي في الارض.

اتخذت جيهان الصمت والوضع المشاهد، متعاطفة بأسف مع فرح التي تقف بتخشب تنظر إلى ذلك الجبار الغير متأثر بدموعها ولا خوفها، اتسعت عيناها بجحوظ حينما استمعت إلى نبرة ناجي الجادة
- اتكلم على قدك
لوت جيهان شفتيها بملل، هو من جلب لنفسه الموت، ابتسم نضال بابتسامة شرسة وهو يدخل بهدوء إلى غرفة ذلك القذر، صاح بنبرة ساخرة
- ايه ده، انت طلعلك صوت تاني، شكلك عايز تاخد علقة.

سارعت جيهان بإغلاق الباب خلفها حتى لا يرى الموظفون موت رب العمل أمام زوج غيور، صاح ناجي بحدة
- على الاقل مش همجي وبتسخدم دارعي
نظر نضال بملامح حادة لينظر إلى ناجي بسخرية من رأسه إلى أسفل قدميه قائلا بتهكم
- هو انت عندك دراع اصلا، ده انا اشك فيك اصلا
كادت ان تنفجر جيهان ضاحكة، لتهز رأسها هامسة
- قصف جبهة
وضع نضال يديه في جيب بنطاله وصاح بلهجة آمرة في وجه ناجي المحتقن بحدة
- العقد يتفسخ.

هم ناجي بالرد الا ان صوت فرح الجامد جعلت الرؤوس تلتفت نحوها
- مش هفسخ حاجه يا نضال، ووريني هتعمل ايه
ازدادت شراسة عيني نضال ليزمجر بحدة، كما لو انه ثور على وشك أن ينطح صاحب الرقعة الحمراء ليخرج يديه من بنطاله قائلا بنبرة شرسة
- هعمل ايه، وماله.

ختم جملته بلكمة قوية في فك ناجي الذي تفاجأ من هجومه المباغت، تبعه لكمة أخرى في معدته لتتسع عينا جيهان بجحوظ وهي تحاول بأي وسيلة إنقاذ ناجي، رفعت هاتفها تتصل بالشرطة، ووقفت فرح تنظر بجمود شديد إلى كلاهما
كأنها غير معنية بالموضوع
تقف كمشاهد فقط دون الإتيان بحركة أو رد فعل
زمجر نضال بحدة وهو يميل برأسه هامسا بنبرة تحذيرية لناجي
- فكر بس تقرب وقسما بالله ما هيطلع عليك نهار.

نظر نضال باشمئزاز وهو ينفض عنه ذلك الحقير، ليتوجه بخطوات حازمة نحو فرح التي تنظر اليه بقلق
منتظرة صفعة أو تقريع منه
ثانية وانقلبت الدنيا رأسا على عقب لتتفاجئ بنفسها محمولة على كتف نضال الذي خرج من الغرفة كما لو خرج من المعركة منتصرا بجائزته، كسي وجهها الحرج والغضب لتهمس
- نضال، انت اتجننت نزلني.

الا ان نضال لم يكن يلقي لها بالا، تابع سيره المختال أمام الجميع وهو حاملا زوجته، لتشعيهما جيهان بغبطة وتحسر هامسة بلوع
- اووف، حد زي كدا يا جدعان بدل ما انا سنجل
همت بالمغادرة الا انها استمعت الى صوت المسجي عليه ارضا يقول
- تعالي ساعديني
رفعت حاجبها بسخرية لتقول
- شغل دراعك يا نوجا.

القي ناجي سبة ليعود غالقا جفنيه بألم بعد ثلاث ضربات التي كانت كل واحدة أشد من الثانية، لهذا يرفض العمل مع نساء متزوجات، كله بسبب تلك البلوة جيهان التي قدمتها له!

منذ حمله الاستعراضي من مقر الشركة حتى وصل إلى مقر مسكنهما كان ما زال يحملها بتلك الطريقة الهمجية، البربرية ووضعها أرضا حينما وصل لحدود مملكته
بين جدار غرفة نومهما...
ازدردت ريقها بتوتر وهي تتخذ الصراخ حتى تخرج بعضا من ثورتها
- انت اتجننت، اوعي تفتكر في يوم اني سيباك ت...
قاطعها قائلا بنبرة خاوية ونبرة بها بعض التشكك
- بتعملي معاه ايه في الاوضة لوحدكم.

لم ترد، ولم يكن لها النية للإجابة على سؤاله المتشكك، اتسعت عيناها بجحوظ حينما وجدته ينزع حزام بنطاله، فغرت شفتيها والصدمة شلت تفكيرها
هل سيعاقبها؟!
هل سيمارس بعض ساديته عليها، انتفضت بهلع حينما هوي بحزامه على الارض لتنظر اليه جاحظة العينين واتبعه سؤالها المرتجف
- انن، انت بتعمل ايه
ابتسم نضال بشر وهو يلف حزام بنطاله حول راحة يده ليقول بتسلية ونظرات قاتمة يرى ضحيته الثانية.

- اشوف المدام بتاعتي، اللي مستغفلاني بتعمل ايه من ورايا
لم يعجبها جموح أفكاره، وتشكيكه بها، اغرورقت عينيها بالدموع وحاولت أن تقف كلبؤة جسورة وهي تصرخ في وجهه
- نبرة شك دي يا نضال
حل ازرار قميصه ببطئ وتروي، يربك مشاعرها
توتر اعصابها
يتلف رباطة جأشها وشجاعتها الوليدة.

حاولت أن تحتمي بجسدها عن نظراته النهمة على جسدها لتسمع صوت الحزام الذي هوي للمرة الثانية في الهواء مصدرا صوتا مرعبا، اهتزت أطراف بدنها وهي تسمعه يهمس بشر
- كنت متساهل كتير معاكي يا فرح
رفعت رأسها وهي تحاول أن تنزع رداء الجبن الذي ارتدته سابقا
لسانها كان يتحرك بخوف وتلعثم وعينيها تنظر إلى الحزام تارة، ثم إلى جذعه العاري تارة أخرى
متحاشية النظر إلى عينيه
كي لا تضعف
وتكتب هزيمة أخرى وتحقق انتصارات أخرى له.

- عايز تضربني
لم تسأله، بل كانت تسأله وهي تواجهه ببسالة شديدة، وقوة وليدة انبثقت تخرج من جنبات ضلوعها
تتحداه
تتحدى تلك الغطرسة والغرور
- اضربني
رفع حاجبه الأيسر لأعلى وهو ينظر اليها بوجوم وغضب مستتر لتتابع تصيح بحدة وهي تضرب بقدمها على الأرض
-انت ليه مصمم تكسرني وتقل من قمتي قدام الناس.

انفجر يضحك ساخرا وهو يرى تلك السذاجة التي تحدثه بها، هوي بحزام بنطاله على الأرض لتقشعر فرح مرتعدة خائفة ان تكون الضربة التالية على جلدها، صاح بشراسة ممزوجة بالقسوة
- أقل من قيمتك!، انتي عارفة انا مانع نفسي اني اقوم اكسر دماغك
ثم علا بصوته وبجبروته يعلن غيرته اللعينة، غير معترفا بالحب كونه غير مصدقا له.

- والله كنت رقدتك على سرير المستشفي، انتي عارفة مجرد بس تخيل انك مع النجس ده خلاني اروح بتفكيري في ايه
زمجرت هي الأخرى بغضب لتصرخ في وجهه بشراسة
- لان تفكيرك قذر
تبارت انفاسهما وبقي كلاهما يحدق في عيني الآخر، لوي نضال شفتيه بسخرية قبل ان يجذب خصلات شعرها بعنف لتصرخ فرح متأوه بعذاب
- ااااااه
دفن نضال رأسه في اذنها هامسا بنبرة مزمجرة.

- تفكيري قذر، تشوف مراتي تسيبني وتروح لل ده يبقي تفكيري قذر، الباب يتقفل عليكم وتفكيري قذر ليه شايفاني
انهمرت الدموع من مآقيها، تشعر بذاتها رخيصة
رخيصة عنده لدرجة باتت تشمئز من نفسها
يقولون أن تأتي متأخرة أفضل من ألا تأتي
هي لم ترغب أن ترى صورتها عنده
حتى الصبر في قلبها قد بلغ منتهاه
والحب لم يكن سوى خدعة كبيرة!

استكان جسدها وهي تردد تلك الكلمة لمرات عديدة، لم تشعر بنضال وهو ينتزع يده من خصلات شعرها، ولا به وهو يسحب قميصه، كل ما انتبهت له
تلك الغشاوة التي انزاحت كليا لتنظر إلى نضال
ذلك الرجل الذي يبدو غريبا عن الذي تعرفه، أو الشخص الذي تجاهلت معرفة حقيقته
انتبهت على صوته الحاد
- مفيش شغل تاني، ورجلك مش هتعتب باب البيت.

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها، هل يعيد عقاب عقيم كعقم تفكيره، آخر ما تفكر به حاليا هو ذلك العقاب، غمغمت بسخرية
- ولو موافقتش هتعمل ايه يا نضال
لم يلقي لها بالا بالرد عليها، التفت مغادرا لتعالجه فرح وهي تعوق طريقه قائلة بنبرة جامدة
- هتطلقني مثلا
رفع نضال حاجبه، آخر تفكيره أن يطلقها، هل تتمنى ان تتخلص منه؟!
على جثته، لتقتله اولا كي تتخلص منه.

اسودت عينيه قتامة وهو يراها تتابع بنفس النبرة الساخرة المستفزة
- هتضربني
ثم رفعت عيناها تقول بنبرة صريحة
- ولا تعذبني قولي
قبض على عنقها وهو يتنفس بحدة، عينيه بنيرانها المندلعة تكاد تحرقها من مكانها، ازدردت ريقها بتوتر لتسمعه يجز على اسنانه بسخط، كابحا تهوره ليقول
- متحاوليش تلعبي عليا يا فرح، انتي اللي هتندمي، عارف قلبك ده ليا لوحدي والا كنت دفنتك
غمغمت بصوت خاوي
- بتراهن على حاجه مبقتش ملكك يا نضال.

ابتسم بشر وجمود ملامح وجهه جعلته ينظر إليها لفترة، ود أن يلقنها درسا لن تنساه، يخبرها من هو الملك في تلك اللعبة، لكن ليس الان، ما لديه الآن هو أكبر لتلقين ذلك القذر درسا لتعديه ملكية غيره، ثم يأتي عقاب تلك المتمردة ويثبت لها بالقول والفعل كيف هي ملكه!

وقفت فرح وحيدة في غرفته، كل ما هو هنا ملكه، لا شئ هنا ملكها حتى بيته ملكه خاص، جاءت بضاعة أو مزهرية انيقة لتزين طاولة سفرته، توجعت وهي تنقص من نفسها، تشعر بالدونية وهي تحدق في كل ركن في اركان الغرفة، انفجرت تبكي بمرارة شديدة
يخبرها هو عن وجعه
وهل ذاق هو وجعها أو حاول أن يخفف عنها!
اصبح اناني حتى في غيرته، ورصيدها نفذ وأصبحت لا تملك رصيدا إضافيا، ما فعله اليوم كسرها، كسرها حتى العمق.

في حي عاصي،
زفر عاصي ساخطا، كان يعلم أن تلك الزيارة لن تمر على خير، كان متأكدا أن اندفاع جدته سيفسد كل تريثه في التعرف على وجد..
هو حتى الآن غير مستوعب ان الاميرة زارته حيه، بل وجلست وتناولت معهم، لم يصدر على ملامحها سوى ابتسامة راقية وهي تتسامر مع جدته ثم تتناول بنهم لذيذ للطعام معربة عن حلاوته، لو تعلم أن الحلوي تسكن في شفتيها
والعذوبة تخرج من شفتيها
والرقة تنضح من عينيها.

استند على عكازه زافرا بحرارة، يشعر بالحرارة التي تضج كامل أوردة جسده كلما مر خاطر لتذكر أميرته، ماذا فعلت هي بقلبه؟!
كيف أصبح سائرا في فلكها، هائما، منتظرا أن تسمح له بالدخول إلى عالمها الخاص!
تأففت توحة بحدة وهي تضرب بكلتا يديها على فخذيها لتقول بنفاذ صبر
-يوووه رايح فين يا وااد
توقف عاصي عن السير ليدير على عقبيه قائلا بنبرة يائسة
-ياتوحة الله يسترك شايفة طولي وسني، تقولي عليا ولد.

هل لأنه أطول وأعرض منها بعضلات يظن نفسه رجل، هل تريد أن تفتح له البوم الفضائح لتجعله ناكس الرأس شاعرا بالخجل من نفسه، هل يخجل من اللقب؟!
استقامت من مجلسها بحدة وهي تقترب منه قائلة بانزعاج
-واقرصك من ودانك يا وااد، اومال انتي فاكرني نايمة على وداني، تقدر تقولي مقولتيش عن البنت دي ليه عشان نخطبها
رفع عيناه للسقف لعدة ثواني ثم نظر اليها قائلا بنبرة ذات مغزى.

-نخطب مين بس يا توحة، انتي مش شيفاها من فين وانا من فين
ان كان يظن أنه يستطيع أن يكذب على الجميع فلن يقدر على الكذب أمامها، ألم تجلس أمامهما وترى نظرات بعضهما البعض، الاولي خجولة مترددة والثانية تحاول أن تتهذب كي لا تقتلع عينيه!
اشاحت يديها قائلة باستنكار واضح.

- نعم نعم نعم نعم، اومال الشهادات اللي معلقاها دي ليه، والكلية اللي دخلتك فيها، وانا انا اللي سبت الدنيا اللي فوق وجيت عشت مع المعلم الله يرحمه واللي عمره ما خلاني اندم انى اتجوزه وبعتلي صفاء.

تهدجت انفاسها والتمع الدموع في عينيها، ليمر شريط الذكريات امام نصب عينيها، تحية الشوربجي ابنة الحسب والنسب، التي تزوجت ابن معلم لحي شعبي، تتذكر استنكار اقرنائها تاركة المتقدمون لها بالزواج لتختار الرجل الذي دق باب قلبها، سنين مرت واتي بذرة حبهم في طفلة سمتها صفاء، تعرضت بعدها مشاكل في الرحم لم تقدر على جلب له الابن من صلبه، كان هناك كثير من النساء اللاتي كن موافقات على منح له الابن، لكنه رفض واكتفى فقط بها وبصغيرته، ثم كبرت الصغيرة وتزوجت زميل لها وسافرا إلى دول الخليج، سنوات زواجهم مرت وهي تشعر بغياب ووحشة في المنزل لتستيقظ في يوم على خبر وفاة زوج ابنتها وعادت صغيرتها مع ابن لها رضيع رأته وارثا الكثير من ملامح زوجها الراحل، لم تتحمل ابنتها فراق زوجها لتلاحقه وتترك الصغير بين ذراعيها، لم تحرم حفيدها من أي شئ سواء من تعليم أو تلبية رغباته مع الحزم الشديد في التعامل كونه الولد، وحفيدها لم يكن عاصي بل مطيع لاقصي حد، اقترب عاصي بلهفة منها قائلا بجزع.

- توحة
اختنقت انفاس توحة، ليحاول عاصي الاستناد على عكازه بقوة متحملا وزن توحة الزائد فوق وزنه ويجلسها على الاريكة ليسمعها تهمس
- الايام جرت بسرعة يا عاصي، جرت بسرعة لدرجة انا خايفة اموت ومشوفش ابنك يا عاصي
التمعت عينا عاصي وهو ينظر بلهفة وخوف من فقدانه لأمه الثانية من الحياة، مال مقبلا رأسها هامسا
- ربنا يديكي الصحة وطولة العمر يا رب يا امي.

انفرطت توحة في البكاء أثر كلمة امي لا تعلم كيف تلك الكلمة تفعل الأفاعيل في قلبها وعاطفتها تستميل لسماع تلك الكلمة منه، مررت يدها على وجهه، تدعي له أن يحقق الله امنيتها وتراه متزوجا من التي ملكت قلبه، وستكون شديدة الحرص على أن تزوج حفيدها وابنها من تلك الرقيقة التي خطفت قلبها لأول مرة
- البنت شرياك، اسمع مني، فرح قلبي بقي.

قالتها بيأس شديد وعاطفة مستجدية جعل عاصي يتأوه بعذاب، كيف يتأكد فقط انها ملك له، برغم انه يعلم ان جدته لن تبخل عليه بشئ، لكن فارق المستوى بينهما لن ينساه، هو يحاول جاهدا ان يكون مقبولا حينما يتقدم لها، فلا شهادته ولا عمله سيكون شافع له إن لم يكن اسم عائلته له ثقل في البلد، وخوفه الاكبر ان تكون هي لا تراه
بل تكون متأثره به فقط كرجل، ثم ينطفئ الانبهار لتحرق قلبه!
غمغم بنبرة جامدة وهو ينظر الى جدته.

- خايف تشوفه مجرد شخص شيفاه صديق او دكتور نفساني تعالج جروح روحها
ثارت وهاجت توحة وهي ترى حفيدها ينتقص من نفسه، الغبي ذلك الا يعلم ان ممتلكات عائلتها ما زالت تملك منها الكثير، وقررت ان تجعله كمبلغ مالي ضخم له ولاطفاله في المستقبل، ثم من تلك العائلة التي سترفض رجلا كرجلها هي وأسدها؟!
صاحت مستنكرة تلوي شفتيها بنزق
- يعني عايز تقول انك لو قولتلها هتجوزك هتعترض.

اغمض عاصي جفنيه ليسحب نفسا عميقا وقال بنبرة خاوية
- لو كانت هي النصيب يا توحة انا راضي ولو مش هي انا راضي
احتدت نظرات توحة لتقول بنبرة حادة
- يعني لو اتجوزت غيرك هتباركلها
غامت عينا عاصي الخضراوتين لتستحيل إلى بركتين سوداوين، وخاطر وجود رجل يحوم حولها، ازعجه بل أغضبه، وجعله يغلي كمرجل، ارتسمت ابتسامة مطمئنة على شفتي توحة قائلة
- ايوا كدا، اطلع عاصي اللي اعرفه، روح يا بني ربنا ييسرلك احوالك.

طبع قبلة على جبينها ثم استدار راحلا متوجها نحو المقهى، لتعقد توحة ذراعيها على صدرها، كيف ستقرب بين ذلك الغبيين، التمع عقلها بفكرة، اسماء، تلك الغبية من ستساعدها، سارعت بالقيام من مجلسها بنشاط طفل ينقاض سنوات عمرها ممسكة بهاتفها، تبحث من بين عدة أرقام عن رقمها الذي دونته منذ أن زارتها، ابتسمت بتشجيع شديد وهي تنتظر رد تلك الاميرة عليها وحالما فتح الخط قالت
- الوو.

ارتسمت ابتسامة على شفتيها، ثم عادت تستنكر وهي تحدق في الساعة التي تخطت الثامنة صباحا، هل ستكون زوجة كسولة؟!، همست قائلة برقة شديدة
- معلش يا حبيبتي صحيتك من النوم، هزعجك لو ازور المحل بتاعتك النهاردة عندي زبونة ليكي عشان تصممي فستانها
تأثر قلبها لنبرة الاهتمام في صوت تلك الرقيقة وهي تعرض عليها أن تتصل بسائق ليكون في انتظارها أسفل عقار منزلها خوفا على صحتها، همست بامتنان شديد لمبادرتها.

- متقلقيش يا بنتي، هيما هيركبني التاكسي، اديني العنوان
دونت العنوان في أجندتها لتقول بابتسامة مودعة
- اقابلك على خير
زفرت توحة بحدة، لم تخرج من الحي لسنوات عديدة، لكن يبدو الاوان قد حان لتكسر بعض من قواعدها في سبيل سعادة حفيدها...
ارتسم الحنق على ملامح وجهها وهي تتذكر تلك التي ستجلبها معها، لوت شفتيها ساخرة، هذا ما ينقصها في هذا الصباح لترى الوان اسماء العجيبة الخارجة عن الموضة، تمتمت بنبرة بائسة.

-لولا اسماء متستاهلش، بس كله عشان حبيب قلبي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة