قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الحادي والثلاثون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الحادي والثلاثون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الحادي والثلاثون

قبلها بعدة دقائق
حرارة الشمس مرتفعة في ذلك الوقت من الشهر، زفر سرمد بسخط شديد وهو يمرر أنامله على لحيته الكثيفة لينظر الى ساعة يده، لعن صديقه الذي تأخر حتى الآن وما زال لديه أعمال يجب عليه انهاءها فاليوم ليلة العرس ثم بعدها سيودع برتقاليته،.

وعلى ذكرها، ابتسامة ماكرة زينت شفتيه وهو يتذكر حزمها وصلابتها وأوامرها التي تسقطها كوابل على رؤوس عامليها، تستطيع أن تكون حازمة دون أن تفقد ذرة من أنوثتها، ثيابها عملية يراها محتشمة غير متحررة كما تعاقد مع نساء قبلا بتنانير قصيرة، وعلى ذكر قصيرة فهي قصيرة للغاية، ثم الجزء العلوي لا يكاد يستر شيئا!

الحرارة تزداد سخونة وتفكيره بها بسمارها الناعم وملامحها الانثوية و قدها الممشوق يجعل شياطين داخلية تتراقص على حافة السقوط، انتبه إلى صوت مرتفع بلغة ايطالية
- يا اشتقت لك
هز سرمد رأسه وهو يري صديقه يرتجل من السيارة تبعها عناق اخوي حار ثم قال بفظاظة شديدة
- لا تعانقني يا ماذا سيكون تعليق الفتيات على
ضربه غسان على مؤخرة عنقه ثم ابتعد مضطرا ليقول بحنق
- لسنا في إيطاليا، توقف عن تلك الأفكار المنحلة.

ابتسم سرمد بامتنان شديد لصديق عمره الأوحد، معدنه أصيل ولا غبار عليه، يكفي والدته الراضية عنه بعكس أصدقائه الاخرون بل أصبح يستحوذ على انتباهها وهذا بالطبع ينتهي لمشاكسات كثيرة بينهما، شعر بامتنان شديد لوجوده هنا، ليستمع إلى تذمر غسان
- تعلم أنني ما كنت سآتي واقضي ساعات في السيارة لأزورك
ضيق سرمد حاجبيه وهو ينظر إلى السيارة ثم إليه ليقول بتساؤل
- هل جلبته؟

زفر غسان متأففا، بالطبع هل سيخبره باشتياقه مثلا بعد سفر ساعات بالسيارة ليكون في منتصف المدينة، رغم انه يشكر سيارة وسائق مطعم أخيه ما كان أتى بما طلبه ذلك الجاحد امامه، اشمئزت معالم وجهه ليقول بقرف
- بالطبع، متشوق لرؤيتك
اتسعت ابتسامة سرمد وهم بالذهاب للسيارة إلا أن غسان وضع جسده حائل للوصول للسيارة ليقول بمكر
- أخبرني ما هو حال المرأة
ما زال سرمد محتفظا بابتسامته ليقول بهدوء.

- تقصد مصممة الزفاف، يا صديقي دعني..
بتر باقي عبارته عندما تهادي على مسامعه صوتها، تلك البرتقالية بات يعلم صوتها ويميزه لو بين عشرات الأشخاص
- ايه التهور اللي بيحصل ده هنا
دار على عقبيه لتطعنه بسهام قاتلة، افترقت شفتاه وهو يراها
في أشد ثورتها، مبهرة، فاتنة لم يرى قبلها
خصلات شعرها تتطاير بجنون ولا يعلم متى حل نسيم ناعم ليضرب خصلات شعرها المسترسلة على ظهرها، عينها المندلعتين بغضب وجهها المتورد بحنق.

جعلها تبدو شهية، كثمرة طماطم حان قطافها
ارتسمت ابتسامة على شفتيه وهو يرى اليوم تخلت عن سروايلها الواسعة لترتدي سروال اسود انيق وفوقه بلوزة خضراء، اللون رهيب جدا على درجة سمارها، كيف تأتي بتلك درجات الألوان ليلائم سمرتها؟!
غمغمات ساخطة يسمعها وهي تتحدث عبر سماعة
- الباشا برا بيعمل ايه، ده تهريج لا يمكن أسمح بيه
الفقاعة التي لفته انفجرت حينما استمع إلى صوت صفير حار وغسان يقول باعجاب لم يخفيه.

- من تلك الفاتنة يا صديقي، بحياتي لم اري سمارا كتلك، لا تخبرني يا انك تعمل معها
تجهمت ملامحه وهو يرى من عيني الخضراوين لصديقه الإعجاب للأنثي التي أمامه، لم يعجبه ما يراه في عيني صديقه، حتما لم يعجبه، عقد حاجبيه والتزم الصمت وهو يراها تتجه نحوه بخطوات تكاد تنفس نارا!

توقفت شادية وهي تري رجلا آخر بجوار ذلك المتصابي، الا يكفي وجوده ليأتي بشخص مثله، ضيقت عينيها وهي ترى ملامح ذلك الرجل متشابه لشخص تعلمه، لكن الوقت لم يسعفها للتحدث مع غريب، التفتت بجدية نحو العابس لتقول بحنق
- ما هذا الذي أراه.

شعرت بالحرارة التي تغزو وجنتيها من نظرات ذلك الغريب الثاقبة لتشيح بعينها نحو سرمد الذي بقبضة يده لكم معدته، تأوه غسان متألما وهو ينحني بجذعه يلقي سبة بايطالية يقسم انها ستخدش حياء من علمها!
التفتت سرمد وعينيه تعبسان بطريقة ارهبت شادية الا انها وقفت أمامه بأنفة لتسمعه يقول ببرود
- ما الذي ترينه؟
اشتعل الشرر في عينيها الكهرمانتين لتقترب منه خطوة وهي تضم يدها على خصرها.

- التقاعس عن العمل، هل ظننت هنا كافيه لتقابل اصدقائك، يوجد عمل يا استاذ
رفع غسان عيناه لينظر نحو الثنائي امامه، لم يكترث به أحدا حتى الفتاة، ضيق عيناه وهو يرى صديقه ينظر إليها بطريقة جعلته يقترب منه قائلا بايطالية
- لم أكن اعلم انها شخصية نارية ايضا يا صديق
أدار سرمد وجهه بغضب يخرج سبات وقحة لتتسع عيناه وهو يرى شعلة الغضب المندلعة في عينيه ليتابع ممازحا وهو يضع يده على قلبه بدرامية.

- اريد التعرف عليها يا صديق، شعرت فجأة بحبي للنساء هنا
ثم وجه نظره خاصة إلى شادية التي تنظر بحذر نحوهما، تراقب الحديث الدائر من الشخص الغريب والعابس تحول لغاضب يكاد يكبح غضبه بدمدمات خاصة يخرجها بين الفينة والأخرى، صاحت فجأة وهي تدب بقدمها على الأرضية الصلبة
- اصمتا فورا، وتحدثا معي بلغة اعلمها
شهقت متراجعة حينما رأت نظرة نظرة وعيد وغضب
غضب دفين يحترق ويكاد يحرقها معه، جز على اسنانه ساخطا.

- ماذا تريدين؟
عبست وهي ترد عليه بجدية وداخلها يرتجف بشدة منه!
- تعود لعملك في الداخل، يجب أن نجري اخر اختبار هنا قبل العمل
رفع غسان يده قائلا وهو يحاول أن يجذب حوارا معهما
- مرحبا، دعيني اعرفك انا غسان صديق عربي لذلك الرجل
القت شادية نظرة نحوه ثم نحو سرمد المتجهم الوجه لتقول بحدة
- هل اخبرتني عن سبب عدم وجودك في الداخل؟

كشر غسان وجهه وهو لا يصدق انها لا تلتفت له، هو الاوسم منه، عيناه خضراوان وورث لهجة يعلم أنها تذوب بها فتيات بلدته والبلدان الشقيقة، لما لا يجد أي إشارة للاستجابة!، دمدم ساخطا بايطالية
- تلك وقاحة حقا منها، لكنها تستحق الصبر
القي غمزة نحو سرمد الذي اكتفي بابتسامة صفراء ثم عاد يقول نحو شادية
- كنت انتظر شئ هام
عقدت ذراعيها على صدرها لتمتم بنبرة مستخفة
- وما هو الشئ الهام؟

ألقي نظرة نحو غسان ليضيق غسان عيناه متصنعا عدم الفهم لثواني قبل ان يقول نافيا
- لا تخبرني، الفتاة ستر تعب
عضت شفتها السفلى وهي تشعر بالاستفزاز كونهما يتحدثان بلغة غريبة، زفر سرمد ساخطا وتمني تلك اللحظة ان تكون شفتيه مكان اسنانها، صاحت هادرة بحدة
- ماذا قلت انا، توقفا عن التحدث بلغة اجهلها.

دفع غسان ليتحرك عدة خطوات نحو السيارة، استجاب غسان على مضض وهو يتجه نحو عربة نقل المغلقة ليقول سرمد متزامنا مع فتح غسان للباب
- دعيني اعرفك بصديقتي المقربة، سوزي
ضيقت شادية حاجبيها متمتمة بتعجب
- سوزي!
هز رأسه إيجابا وقال بتسلية
- نعم.

تجمدت ملامحها لثواني، تنوي الانفجار في وجهه، هي تحملت جلوسها بقربه المهلك لاعصابها و مشاعرها الانثوية التي بدأت تتمرد وهو يخبرها صراحة انه جلب صديقته إلى هنا؟!، همت بالصراخ في وجهه الا انها صرخت فجأة مرتعبة حينما رأت جسد ضخم اسود ملئ بالفراء يركض في اتجاهها
- يا مامااا
انفجر غسان ضاحكا وهو يرى كلب صديقه متجها نحو المرأة التي تحاول الاختباء منها، اقترب سرمد بتكاسل وهو يقول بلهجة امرة نحو كلبه.

- سوزي اهدأي
تجمعت الدموع من عينيها وهي ترى جسدا ضخما ملئ بالفراء، لم تري حجم كلب يكاد يصل لمستوي طفل قبلا، اقتربت دون وعي تختبئ بجسدها خلف سرمد تدمدم برعب
- سرمد، سرمد بعده عني.

أدار سرمد بوجهه وهو ينظر نحوها نظرات ذات مغزى، يرى الرعب متجلي في عينيها والدموع تكاد تقفز من مقلتيها، وكلبه، يقصد كلبته تقترب منها وهي تزداد صراخا وتقلصا له، لا يعلم من أين حلت البهجة والسرور لينقشع ضيقه ليسمع إلى صياح غسان الماكر وهو يحدثه بلغته
- الفاتنة تخلت عن وجهها العملي البارد.

يزداد نباح الكلب مع صرخات شادية المرعوبة، وحينما همت بالدخول للفندق، ارتعبت حينا أعاقت طريقها لتقترب من سرمد قائلة بتوسل
- سرمد، سرمد ارجوك، بعده عني
يستمع إلى نبرات التوسل، ذلك الهمس المشابه حينما حاصرها في مدخل الطوارئ رغم الاول كان ملئ بالكبرياء، الا ان هذا به توسل لذيذ
توسل يستفز ذكوريته لفرض حماية ذكورية على انثي باتت تخصه!

تدفقت الدموع من عينيها والاوكسجين تجده يقل تدريجيا لتسحب نفسا عميقا وتزفره على مهل وهي تكتفي بتوسل نحو سرمد وتنظر برعب نحو الكلب الذي ينبح بانفعال شديد في وجهه شادية لتنكمش حول نفسها وهي تغطي كامل جسدها خلف ظهره، تنهد أسفا لما فعله ليهبط بجذعه وهو ينظر إلى كلبه بنظرات صارمة جعل الآخر يقل نباحه تدريجيا ليهز ذيله وهو يتقرب من صديقه، مرر سرمد أنامله على كلبه ليقول بنبرة خاصة.

- يبدو انه اقصد انها تحبك، كيف لا ي، تشتاق لي بعد تلك المدة من عدم رؤيتها
مسحت شادية الدموع من عينيها، وهي تنظر بخوف شديد إلى ذلك الكائن الضخم أمامها، غمغمت بنبرة متحشرجة
- ده مش حجم كلب طبيعي، بعده من وشي
- ابعد الكلب من وجه الفاتنة، الفتاة تتوسلك من الصباح يا غبي.

صاح بها غسان بحنق شديد وهو يراقب بتسلية إلى صديقه والي الفاتنة التي تحاول بشتي الطرق الابتعاد عن الكلب، مرر سرمد يده على فراء الكلب ليرفع بعينيه نحو شادية قائلا
- هوني عليك يا برتقالية
سبه غسان ببذاءة ليتابع قائلا بحنق طفولي
- الحقير يحظى دائما بالجميلات
حدجه سرمد بنظرات متوعدة ليعود ببصره نحو الخائفة، ارتسمت ابتسامة استفزتها وهو يقرب الكلب منها الا انها صرخت يائسة
- أبعده ارجوك.

انهار غسان ضاحكا وهو يرى الحقير قرب كلبه من مدخل البوابة ووقعت تحت رحمته، راقب المشهد بنظرات مستمتعة ليسمع تعليق صديقه الماكر
- انها هادئة، تقدمي سوزي وكوني لطيفة امام البرتقالية
انهارت أعصاب شادية لتضع كلتا كفيها على وجهها تخبئ وجهها من رؤية ذلك الجسد المرعب، حتى نباحه الذي هدأ علا ليرعب جسدها، تمتمت بانيهار
-بعده
انتصب سرمد واقفا وهو يشير إلى الكلب بأمر ليتجه نحو غسان.

- حسنا سوزي، يبدو أن برتقاليتي مستاءة لأنني أعرفك عليها
اطاع كلبه وهو يهز رأسه ليجري نحو غسان الذي فتح باب السيارة وأجلسه ثم اغلق الباب وعاد في مجلسه ببرود شديد يصفر...
مررت شادية اناملها على وجهها تتمني أن تجد كرسي الان لتجلس عليه، تشعر انها لو تحركت خطوة ستسقط ارضا، تهادي على مسامعها صوت نزار الذي صاح بتعجب
- غساان! شو عم تعمل هون؟

اشرقت ملامح غسان الذي وجد أخيرا من يهتم به، تحرك بتكاسل من وقفته ليقترب من شقيقه قائلا وهو يعانقه بأخوية
- نزار، الحمدلله انك اجيت
ثم تراقصت ملامحه بشقاوة ليقول بصوت مرتفع نسبيا وهو يوجه نظراته التي ما زالت على وقفتها كتمثال شمع
- تعرفها لهاي المرا
اتسعت عينا شادية بجحوظ لترفع رأسها وهي تصيح بحدة جازه على اسنانها بسخط
- مرا!
لكزه نزار على صدره ليتأوه غسان متألما، تنحنح نزار ليقول.

- لك غسان ما تحسن الفاظك هي الكلمة ما بتصير تحكيها
لوي غسان شفتيه، رغم عدم معرفته ما العيب بتلك الكلمة هنا الا انه قال على مضض
- اسف
ضيق سرمد عينيه وهو يلاحظ نظرات شقيق نزار المتهمة لبرتقاليته، لما لا يوجد شخص هنا لا يكترث بهالتها تلك، ضاقت عيناه يراقب بتحفز شديد وهو يراه يتقدم قائلا بابتسامة سمجة مثل ابتسامة شقيقه
- هاد اخي غسان، حكتلك عنه قبل.

مد غسان ليصافح يديها وقال بابتسامة مؤدبة يشك بها سرمد للحظة، هو أدري بذلك ال جيدا!
-اتشرفت بمعرفتك
مدت شادية يدها قائلة بابتسامة دبلوماسية وهي تحاول المحافظة على ثباتها حتى تجلس على أول مقعد تراه
- اهلا، نورت مصر، بعد اذنكم ورايا شغل
مال غسان مقبلا كفها لتتسع شادية لثواني ثم بعدها تورد وجهها حرجا لتسحب كفها دون أن تتفوه بكلمة مقررة الهرب بدل من متابعة تلك القصة الهزلية!

تأججت النار داخل جوف سرمد وهو يرفع عينيه لغسان الذي يشيح بعينه عن صديقه ليقول بمرح وهو يلف ذراعه حول عنق نزار
- ولك دب كيف عندكن في بنات بقولو للقمر روح لاقعد محلك وما بتقلي ااه قول لشوف
ضربه نزار على مؤخرة عنقه وهو لن يتحمل فظاظة شقيقه ليقول بتعجل
- للاسف هاي مخطوبة، شفلك غيرها
رفع غسان عيناه والمرح من على وجهه اختفي ليحل جديه على وجهه وهو يقول لصديقه
- حظك اسود يا صديق، المرأة مرتبطة.

ما زالت نظرات العداء والعنف ترشقه بسهام قاتلة ليعبس غسان وهو لا يصدق ان صديقه جدي لتلك الدرجة!، عاد ليتصنع المرح على وجهه وهو ينظر الى صديقه نظرات ذات مغزى ليقول
- تعال اعرفك هذا شقيقي نزار الذي صدعت به رأسك عنه
ثم أشار نحو سرمد ليتابع
- وهذا صديق غربتي سرمد، وهناك كلب لكن للمصلحة العامة خبأته عن الجميع نخشى أن تذهب الجميلات إلى مصحة نفسية.

زفر سرمد ساخطا، وهو يضم قبضة يده كي لا يقوم بلكم ذلك السمج، ويشب كراهية لا يعلم كيف استوطنه، ما الذي ضايقه؟!، لطالما هو وصديقه يحبان التسلي مع الفتيات وعلاقتهما صريحة، لا تورط في المشاعر وهن راضيات، ما الذي يجعله يرغب الآن في خنقه، وصديقه يعرب عن جمال برتقاليته، ضيق شديد يعتريه يكاد يزهق انفاسه، ليخرج صوت خافت جدا
هي تخصه فقط
رغما عن انف خطيبها وصديقه
تلك البرتقالية تخصه، رغم عن انفه هو الآخر
- احمق.

غمغم بحنق شديد وهو يقترب من نزار يمد يده بترحيب ثم اقترب من غسان يمسك يده التي لمست جلدها الانثوي ليديره خلف ظهر غسان، يكاد يسحق كل اصبع وكل انملة وافكار خبيثة سارت تنتشر كالسم في أوردة جسده ليجعله ينتشي من السعادة، تأوه غسان بألم ليقول بحنق مشاكس
- كفاكما حقا، هل تجداني وسادة للتنفس عن غضبكما
هز نزار رأسه وهو لا يصدق انه يكبره بثلاث أعوام، شقيقه سيلقي بسمعته في الوحل حتما!

في حي عاصي،
تنهدت أسماء ابن جارة توحة التي تسكن في الشقة السفلية من شقتها بحرارة، لتتخذ مكانا على الأريكة في صالة توحة الانيقة، وقالت بشكوى
- عادل ما بيصدق انه يهرب مني يا ست توحة ويتحجج يهرب مرة يقولي عشان الجيم ومرة عشان النادي.

ارتشفت توحة الشاي عدة رشفات ثم تستمع إلى ثرثرة ابنة جارتها التي تراها كحكيمة لحياتها، رغم كرهها لمن في الحي وكرهها للجيل الحالي الذي انحدر اخلاقا ودينا إلا أن في الظلمة يوجد بصيص نور
وبصيص النور هو أول مفتاح أمل جعلها باقية على الحياة، من ناحية تطمئن على حفيدها وتلك المسترجلة امامها التي ترتدي ثيابا رجالية، بالطبع المسكين عادل سيهرب من وجهها، هل هذا الوجه الصبوح الذي سيستيقظ عليه؟!

لجمت لسانها وهي تراعي مشاعر تلك التي خطفت لبها حينما حملتها على يديها وهي ابنة ثلاثة أيام، لوت شفتيها بنزق وهي تسمع إلى باقي شكواها
- مع اني شغالة في الجيم في فترة المحجبات والاقيه هو بيضحك مع دي ويتكلم مع دي
- يا ست توحة مش بكلمك انا.

عادت توحة تقيم ثيابها، بداية من بنطلون زيتي واسع رجالي والي كنزة صفراء رجالية فضفاضة ووشاح اسود تغطي به وجهها، امتعضت ملامحها من تلك الالوان وقد اصابها تلوث بصري، محق ذلك المسكين، بالطبع سيفر هاربا
صمتت للحظات وهي تشرد متذكرة حاله حفيدها تلك الأيام، ذلك الشاب مريب في أفعاله، دوما حينما ينأى بنفسه عنها يخطط لمصيبه قادمة، تمتمت بشرود شديد
- الولا عاصي ده مش مرتحاله خالص.

سحقت اسماء شفتها السفلي لتدب بقدمها تصيح بسخط شديد
- يا ست توحة انا في ايه ولا في ايه
عادت ترتشف شايها وهي تنظر بنصف عين مغلقة لتقول بلهجة جادة
- بت يا اسماء متتكلميش خالص، مش انا قولتلك بلاش وش الخشب معاه انتي بقي نفضتي وجايه دلوقتي تبكيلي
ذرفت اسماء الدموع من عينيها لتغطي وجهها بكفيها تتابع بكاءها المزري، اشفقت توحة عليها وهي تسمع إلى نبرة اسماء المعذبة
- كنت غبية يا ست توحة.

ارتسمت توحة الجدية على وجهها لتتابع بتأنيب شديد
- قولتلك يا غبية، ابقي لينة معاه واعملي الحركات بتاعت البنات دي
توقفت أسماء عن البكاء فجأة وهبت من مجلسها قائلة بحدة
- اتمايص يا توحة!، انا كابتن اسماء اللي باسمي بيترعشوا بنات المدرسة تقوليلي اتمايص
لوت توحة شفتيها ساخرة لتقول بنبرة لاذعة
- ما تتمايصي يادي الخيبة، مش خطيبك هو انا قولتلك ارقصيله يا ام قفل انتي.

تورد وجنتيها بخجل وغضب في ان واحد وهي تفكر للحظة انها ترقص امامه كما تفعل المائعات، صاحت بلهجة بها خجل عذري
- يا ست توحة
استقامت توحة وهي تأخذ أسماء من ذراعها لتقول بنبرة متهكمة
- انا قولتلك ناخده وهو لسه قطة مغمضة قعدتي تقوليلي، مذاكرتي وتدريباتي يا توحة، اشبعي يا اختي بالتدريبات
عادت أسماء تنتحب بصمت لتقول بانهيار
- انتي هتقطمي فيا كتير يا توحة
عادت توحة لنبرتها العدائية لتصيح في وجهها.

- وهقطم رقبتك، انا مش عارفة انتي بقالك اسبوعين مش نازلة من وداني، وبتخليني انسى التاني
مالت اسماء تقبل وجنتيها لتلف ذراعيها حول عنقها وقالت بمكر انثوي
- انا اهم من عاصي دلوقتي، هو راجل اما انا بنتك الوحيدة، يرضيكي اعنس
ياليتها تستخدم حيلها تلك على عادل وليس عليها، لكنها غبية، رفعت توحة تقلب عينيها لتقول
- اااه، اسكت يا لساني.

قررت ان تساعدها للمرة الاخيرة، وتتحمل تذمراتها واعتراضاتها كي لا يتسرب عادل من يديها، عادت تمسك كوبها وترتشف شايها الذي اثلج بسببها
- المفروض هتتجوزوا امتي
لوت اسماء شفتيها وقالت بتهكم
- مش لما نعمل الخطوبة يا توحة
بصقت توحة الشاي من شفتيها لتضرب بيدها الحرة على صدرها قائلة بصدمة
- يا مصيبتي، وكل ده متخطبتهوش.

هربت أسماء بعينها من توحة لتكح عدة مرات قبل أن تقول بحرج وهي تتذكر انها أجلت الخطوبة حينما اتت مسابقة تابعة للمدرسة التي تعمل بها
- ما انت عارفة انشغلت بشوية حاجات
رفعت توحة كلتا يديها تناجي ربها حتى تتخلص من تلك البلوة، ثم عادت تضرب بكلتا يديها على ساقيها وقالت وهي تلجم لسانها من الذهاب وخنقها
- يا اخرة صبري، الولد ليه حق يزهق منك.

رأت الرفض المتلألأ في حدقتي توحة، لتقترب منها بمكر وهي تخرج من جيب بنطالها قائلة بمكر
- يا توحة بقي، ده انا جيالك وجبت العسلية من كشك قريب من مدرسة البنات، عشان تعرفي غلاوتك عندي، بس هي واحدة عشان صحتك وعاصي ميقلبش دراكولا
ضيقت توحة عينيها لثواني تنظر إلى العسلية ثم إلى اسماء التي ترمش أهدابها بمكر انثوي، خطفت منها العسلية وقالت باستسلام
- يا سوسة انتي، هاتي وبعدين اقولك.

نظرت اسماء إليها بجدية وقالت بلهجة حادة تستخدمها امام فتيات المدرسة المتقاعسات عن عمل تمارين رياضية في الطابور المدرسي
- وعد يا توحة
صاحت توحة فجأة بحدة وهي تشير الى الباب قائلة
- بت امشي من وشي، هجيبها منك ولا من امك انتي كمان
مالت تقبل وجنتها لتقول بنبرة مدللة قبل ان تخطف حقيبتها الرياضية لتهبط الى شقتها
- حبيبتي يا توحة، كنت متأكدة انك مش هترضي تخليني اعيط.

تنهدت توحة وهي تأمل أن تنجح تلك المرة، الفتاة ليست عديمة الدلال والمكر لكن يجب أن تضعه في الطريق الصحيح، زفرت توحة وهي تشرد في عاصي الذي أصبح يتحجج بوجود عمل كثير في الملجأ، ابنها الذي لا يقضي اسبوع كاملا في الملجأ قبل أن ينتقل لعمل الحراسة المقيت، ما سبب سر تشبثه تلك المرة بالعمل؟!، هل وجد امرأة استحوذت على انتباهه؟!

انشرحت اساريرها والأفكار تقودها وهي تتذكر ذلك الحلم، هل اصبح قريبا لتزوج حفيدها قرة عينها إلى اميرة؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة