قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثاني

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثاني

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثاني

رغم استماع رهف للبرنامج الإذاعي إلا أنها لم تكن منتبه على صوت المذيع اطلاقا بل الكارثة التي أحدثتها متصلة لتستطيع إرباكه، كل ما كانت تنتبه إليه هو صوت الأغانى في كل فاصل.

سعادة خبيثة طفقت كل ركن من جسدها، تلك العادة اكتسبتها فقط له، لانه هو الاخر يقضي ليلته للاستماع للاغاني اثناء تأدية عمله العظيم، رفرفت بأهدابها وحمرة الخجل تغزو وجنتيها، زجرت نفسها وهي تنكب لتتابع مذاكرة دروسها لكن طبق الكنافة أغراها منظره، تركت كتابها وهي تسحب الطبق لتتناوله بتلذذ شديد، كل قطمة ألذ من الأخرى، لا يوجد شخص يستطيع أن يعدها بحب مثل مطعمه، لقد كانت واحدة منهم قبل أن تعود لحياتها الطبيعة أو بقايا حياتها الطبيعة، تتابع حياتها ودراستها كى تتخرج من كليتها وتساعد عائلتها في المؤسسة، تنهدت وهي تغلق جفنيها لتستمع إلى صوت المغنية والألحان تخرج بتدلل ليلفها في غمامة ناعمة.

شهقت حينما استمعت الى رنين هاتفها، ارتبكت حينما نظرت الى اسم المتصل، تبا ماذا تفعل، بل ماذا تقول؟، نظرت الى اهتزاز هاتفها والرنين الملح كصاحبه لتلتقط هاتفها وترد عليه قبل أن ينهي الاتصال وأول جملة خرجت من المتصل صوته الأجش
-عم تتدرسي؟
صوته الشامي يفعل بها وبقلبها الأفاعيل، العاطفة بصوته لا تستطيع أن تخطئها ابدًا، غمغمت بهمس خافت
-بذاكر يانزار.

ضحكة انفلتت منه وهو ينظر الى الفرن ينتظر نضج العجين، ما جعل ابتسامته تتسع أكثر وعيناه تغيم بعاطفة هو استماعها الى صوت المغنية التي يستمع إليها الآن، بعفويتها تستطيع أن تربكه
لتأتي والدته الان وتشاهد ابنها الذي يعود لمرحلة المراهقة بسببها هي، ابتسم بحنان شديد قائلا
-عم تدرسي منيح ولا بدك حدا يشجعك.

صمتها الطويل يستوعبه كثيرا، يعلم انه تخطي معها أول عقبة، لكنه متمهل طالما ستتفتح زهرته على يديه، تنشر بعيق رائحتها المسكية له فقط، حنت عليه اخيرا بردها المرتبك
-بذاكر كويس يا نزار متقلقش
بتهور مراهق عاشق غمغم بعنف وهو يرمي منشفته على طاولة المطبخ، يحمد ربه كثيرا عدم وجود العاملين وإلا أكلوا وجهه، من يصدق نزار العظيم الخشن متصلب الوجه في الصباح يتحول الى عاشق متهور في الليل؟!

-ياالله لو بتعرفي انو مصدق ايمتا يجي اليوم وكون انا وياك سوا ببيت واحد، رح دللك يارهف، انت انخلقتي لحتى تتدللي، انخلقتي اميرة لحتى تكون كل طلباتك مجابة
انفلتت شهقة كتمتها سريعا كي لا يسمعها، أغمضت جفنيها وقلبها يرتجف، بل يتراقص على كلماته العنيفة الصادقة منه، اتقد وجهها بالحمرة وعيناها الزرقاوين تلمعان كما لو أن السماء تحتفل بالبدر الذي بدد من ظلام السماء..

لعن نزار نفسه وهو يطلب من قلبه أن يستريح للحظات، يزجره على انفالته من عقاله، ابتسم بحرج وهو يمرر يده على خصلات شعره الداكنة ليقول
-شو رايك احكيلك جملة ضحكتني لواحد بحب الاكل كتير وقعد يتغزل بمرته
تناولت قطعة الكنافة وهي تسمح لهواء المكيف يلسعها ببرودته لتغمغم
-اكيد
همس بصوت خافت كما لو أنه يتحدث سرًا
-قال تخيلي انو لو هالمحيطات كلها زيت والصحرا زعتر عكتر مابعملو فيهن سندويشات بحبك.

توقفت عن مضغ الطعام وأهدابها ترمشها لعدة مرات، رعشة سرت في أنحاء جسدها والصمت خيم الوضع، وكأنه يدع بها فرصة لتلمم شتاتها، ما قاله ليس سهلا، بل في جميع أحاديثهم لم يلمح ابدًا، ما خطبه اليوم؟
-ماني سمعان صوتك
صاح بها بعد فترة من صمت طويل، خشي ان يكون اصابها شيء إلا أنها استجمعت شتات نفسها لتوبخه بنبرة مرتبكة
-نزار، بطل قلة ادب.

انفجر نزار ضاحكًا ولفت انتباهه صوت الفرن ليسارع باخراج الكعك من الفرن وهو يقول
-يوووه ليش انا شو قلت، ماكون قلت شي مو منيح لا سمحا الله
لم يصله صوتها كما المعتاد لكن اصوات غريبة صدرت بدلا من صوتها الذي تمنعه عنه بقسوة، يالقسوة رهف، قال بتساؤل
-عم تاكلي؟
عادت تضع اللقمة الاخيرة في فمها وهي تهمس بدون وعي
-ايوا، فريال جابتلي الكنافة النابلسية من المطعم بتاعك، طعمها يجنن.

تلألأت عيناه الراكدة ليقوم بقطع الكعك الذي سيعطيه لها في الصباح، تذوق قطعه منها وهو يهمس بخشونة
-صحة ياروحي، لو كنت بعرف كنت عملتلك ياها بايدي، بعد هيك لما تكوني مشتهية شي خبريني انا بعملك ياها
صاحت معترضة بخجل
-نزار مش مستاهله انا..
ثبتها بصوته الجاد وهو ينهي الجدال في صالحه
-رهففف خلصنا بقا، انتِ اميرتي وحقك تتدللي عليي.

رفرفت باهدابها والهواء بات ثقيلا، حرارة احتاجت جسدها وهي تقف امامه المكيف، ترى ما الحرارة التي دبت في جسدها رغم برودة الجو؟!، همست بارتباك
-انا هقفل
لم تنتظر وداعه بل اغلقت المكالمة كلما شعرت انها حشرت في المنتصف، هز رأسه يائسا وعلى شفتيه ابتسامة ناعمة تزين ثغره غير مدركا أن هناك شخص يشاهد ما يحدث بعينين تقطر منهما كرها وبغض لتهمس بيسان بكره
- سحرته، سحرته بنت الغانم.

هو الأحق ان يعطيها كل ذلك العطف والدلال وليست تلك السارقة، غامت عيناها بحزن وهي تراه يضع شرائح الكعك في حافظة طعام ليرسلها لتلك السارقة في الغد، لكن أين هي من كل ذلك؟!
غادرت المطعم وهي تتوعد لتلك السارقة التي نهبت خطيبها، وتلك المعركة ستنتصر بها وستحفظ قلبها.

منذ مجيء الحارس وكل صباح تستيقظ بمزاج، كيف تصحو وكل يوم ترى وجه حارسها، كلا بل عذابها الصباحي عاصي، وضعت شادية ملمع الشفاه على شفتيها وهي تنظر الى المرآة، تدقق وتفحص ملامحها السمراء التي تعرضت قديما الى التنمر من قبل فتيات فارغات العقل، شمخت برأسها عاليا وهي تسحب حقيبة عملها لتستعد للذهاب للعمل كي لا تتصل بها نجوي او عروس تخبرها انها تريد الغاء زفاف..

وجدته يتكيء بجذعه العضلي على سيارتها الحمراء ولا تعلم ما يخفي خلف عينيه، رفعت حاجبها وهي تنظر بامتعاض لطريقته الغير مكترثة وكأنه سيد المكان وليس موظف تحت إمرتها، خلع نظارته القاتمة وهو يشير بعينيه الى سبب وقفتها لتنظر اليه بحدة نحو سيارتها، ابتسم بتكاسل وهو يزيح بجسده العضلي عن سيارتها الثمينة ليقول بصوت رخيم
- صباح الخير يا استاذة شادية.

نظرت الى ساعتها المزينة في معصمها لترفع عينيها تنظر اليه لتقول بحدة
- صباح النور يا استاذ عاصي، اقدر اعرف سبب تأخيرك ايه
هز رأسه وهو يزفر بحدة، يبدو أن الناظرة عادت لتمارس سلطتها عليه وكأنه تلميذ مشاغب، تمتم بنبرة عادية
- سهرت وصحيت متأخر وجيتلك متأخر بعد نص ساعة مش مشكلة.

رفرفت شادية بأهدابها وهي لا تصدق ذلك العديم الذوق، الفظ، وقفت امامه بنحول جسدها الرقيق أمام طوله الفارع وضخامة جسده جعل ثقتها قليلا تهتز كلما يقف في وجهها يستعرض عضلاته عليها، همست بحدة وعينيها تنظر اليه بشرر تقسم لو أن النظرات تحرق لأحرقته من موضعه
- انت مجنون، انت بتتكلم معايا كده ازاى
بدأ الملل يعتري وجهه ليرفع بكفه طالبا منها الصمت
صمتت واتسعت عيناها جحوظا لحركته الوقحة.

تمتم بحدة وهو يفتح باب سيارتها
- صداع ورغي على الصبح اتفضلي خلينا نتحرك عشان نكسب وقت
هزت رأسها نافية وهي لا تصدق جرأته، يالله هل يراها ضعيفة الى ذلك الحد؟!، تمسكت بحقيبتها وهي تصيح
- لا لا، كدا كتير، رايحة لبابا
أصر قائلا بحدة ونبرة صوته كانت خفيضة
- اتفضلي معايا بالزوق ويبقي نشوف الاستاذ بابا هيعمل ايه.

ثارت شياطينها ولا تصدق ما يحدث في ذلك الصباح، هل يلعب الند بالند معها، كزت على أسنانها وهي تقترب منه ترفع اصبع السبابة محذرة
- متتحدنيش
رفع حاجبه بتسلية وهو يبتر تلك الضحكة المتشفية ليهمس بنبرة لعوب
- بتحداك يا شادية، ويكون في علمك ان انا الصف الكسبان.

عيناها البندقيتين تتحدى عينيه الغامضتين، تلعب معه حرب باردة الاعصاب، كاد ان ينتصر عليها وهو يستمر في دحض مقاومتها الحثيثة للبقاء والصمود الا انه اجفل حينما استمع الى صوت أنثوي ساخر
- تقدر يا باشا تاخدها ورا مصنع الكراسى بدل قدام باب بيتنا
صاحت شادية بصراخ موبخة لشقيقتها
- جيهاااان
عقدت جيهان ساعديها على صدرها لتقول ببرود
- الله انا بقول حاجه، عموما طريقكم زراعى مع الف سلامة.

الجمتها شادية من التفوه بالمزيد من الحماقات، لتعود تنظر الى عاصي ووجهها مشتعل من الغضب والخجل في آن واحد، القت الحقيبة الخاصة بها امامه وصاحت بنبرة جادة
- عشان مش فيقالك بس والله هتشوف مني تصرف مش هيعجبك بس اصبر
التقط حقيبتها بكل هدوء بين ذراعيه ليميل برأسه نحو أذنها هامسا بجمود
- اتكملى على قدك يا استاذة.

اشتعلت النار في أوداجها لتستقل السيارة وهي تغلقه بكل حدة جعل عاصي ييأس منها، حي جيهان بحركة من رأسه قبل أن يصعد للسيارة ويتحرك بها متوجها نحو عملا ويدعو الله ان يكون الصباح مشرق، لطيف، هادئ كما حدث منذ قليل مع الاستاذة الناظرة!

شيعتهما جيهان بنظرها حتى غابا عن انظارها، ابتسمت بهدوء شديد وهي تضع السماعات في اذنيها، رفعت مستوى الصوت حتى تنعزل عن الدنيا باكملها وتبقي صخب الالحان يداعب اذنيها، خرجت من البوابة وهي تلزم عيناها بعدم النظر إلى منزل ابن الجيران، تحول سيرها البطيء الى هرولة وهي تغمض جفنيها للحظات، تنساه أو تتحاول التناسي.

تتمنى أن يأتي رجلا ليضع حبه في قلبها بعيد كل البعد على أمثال اللزج أيهم وشاكلته، يحق لها بنهاية سعيدة، يأتي فقط، يأتى و...

شهقت بفزع شديد حينما شعرت بأنامل قاسية تلف ذراعها ليجذبها نحوه بقوة، سقطت سماعة اذنها على اثرها أرضا متهشمة لم تتحمل الأرض القاسية، نبضاتها تقرع بجنون ولثواني جسدها تيبس من هول الموقف الذي تتعرض له الآن، خرج تاوه مؤلم من شفتيها وعيناها تتسعان بذهول شديد الى الظلمة في عينيه، استكان قلبها وهي تراه لتقول متنهدة براحة.

- يخربيتك وقعت قلبى، فيه حد بيخض حد كده؟ وبعدين انت عارف سماعتي الجديدة جبتها بكاااام يا استاذ انت.

شدد وسيم أنامله على ذراعها وهو ينظر بغضب الى ما ترتديه، بنطال رياضي ضيق مستفز، مستفز لمشاعر أي رجل، أما القميص القطني ذو الحملات فحدث ولا حرج، الجزء السفلى مستعرض نحافة خصرها، وبكل قلة عقل منها، الا يكفى ان يشتعل حرفيا من تعليقات من بعض المخنثين من الرجال، لا يعلم متى قام من فراشه ليلحق بها قبل ان تعرض للحى جسدها بسخاء، تمتم بحدة
- ممكن تسيبك من الزفت اللي اتكسر امبارح وتقوليلي ومبترديش ليه عليا؟

رفرفت بأهدابها عدة مرات وهي ترى نظراته التي تزداد قتامة حينما يتفحص في كل قطعة من ثوبها، صاحت بحدة وهي تزيح بذراعها عنه
- ثوانى، هو انت اخويا ولا ابويا عشان تسألنى، مجرد جيران الباب في وش الباب يعني لا تسألني بعمل ايه ولا بخرج فين ولا بنزل مع مين، اخرك معايا صباح الخير مساء الخير
كظم وسيم غيظه ليصيح هادرا بعلو صوته
- جيهااااااان
بملامح باردة لا تتناسب مع الموقف المتوتر والمشتغل في الأجواء همست بميوعة.

- اسمي جيجي
القي رداء المعاملة بالحسنى جانبا ليقترب ممسكا بعضديها وهو يهزها صارخا بعنف وسواد عينيه ألجمها للحظات وهي تستكين في قبضته
- المسخرة دى تتقلع فورا
مالت برأسها وهي تهمس بهدوء
- ليه شايفنى تخنت، شكلى وحش مثلا، لأ، يبقى مش قالعة.

قبض بعنف مؤخرة عنقها ليجذبها اليه والمسافات تقلصت، عيناه تستبيح وتستكشف وتصل الى النقطة الضعف عندها، ارتبكت قليلا وهي تشعر بالاجواء بدأت تبدو حميمية بل ودافئة للغاية، زفر وسيم متنهدا بيأس لتلسع حرارة زفيره بشرة وجهها وجعل جسدها يرتجف رجفة فضحتها أمامه
همس وسيم بنبرة بث فيها كل الهدوء المتبقي منه
- جيهان كلمة تانية وهتلاقيني عملت تصرف مش هيعجبك انا روحى في مناخيرى.

لسانها ملتصق في سقف حلقها، لم تطلب قربه هو، هي تريد رجلا آخر غيره، رجل يجعل قلبها يهتز من ذكر اسمه، تداركت نفسها وهي ترسم العبث في ملامحها لتقول
- يا عيني يا بيبي، هي البت اللى كلمتك لحد دلوقتي معصباك، فين اعصابك الباردة يا بيبي فينها، مش كنت فرحان بنفسك وتقول انك دمك بارد زي الانجليز فينها بقى
وكأنه يحتاج المزيد من الحطب حتى يشتعل، وضع كفه على شفتيها وهو يصيح بحدة
- اخرسي، ايه راديو شغال مبيسكتش.

رمقها باستهجان وهي تنظر اليه بوداعة شديدة وجسدها مستكن بين ذراعيه، عبس وهو يخشي لحظة جنون منها ان يستسلم لها لتصبح يديه وجبتها للغداء، ازاح كفه سريعا وهو يحمد الله انها سليمة معافة ليقول بنبرة جدية
- جيهان لآخر مرة بقولك اللبس ده تقلعيه، جسمك مكشوف وده ميصحش، انسه صغيرة تبين جسمها للناس والا يقولوا عليها...

تكسرت ابتسامتها والسعادة التي تطرب قلبها، وبدأ الفرح يتحول لمأتم، انسه صغيرة؟! بعد كل ذلك الجنون يراها انسه صغيرة، تمتمت بتقزز
- قذر، اقسم بالله تستاهل البت اللي كلمتك امبارح يسلم بوقها.

اختلجت عضلة في فكه وعيناه تظلمان من تذكر مكالمة أمس، الجميع اصبحوا يشمتون به خصوصا نظرات التشفي من عينيها ونبرة السعادة التي ترن في أذنيه، وضع كفيه في جيب بنطاله وهو يراها تهبط بجذعها تلتقط سماعتها قبل أن تودعه بكل هدوء اعصاب
- يلا بقى بستأذنك رايحة اشوف أيهم والشلة
، تشاوو
ود لو وجد حائط بجواره ليفرغ به طاقته السلبية، وجد حصوة صغيرة عرقلت طريقة ليقذفها بعنف وهو يشد خصلات شعره بجنون
- يالله.

سترسله تلك الصغيرة ذو الخصلات الوردية الى العباسية قريبًا!

ابتسامة شيطانية لعوب زين ثغر آسيا المكتنزتين، لفت خصلة سوداء حول اصبعها لتنظر الى اللوحة أمامها
لا تريد انتقاما اهوج
بل تريد أن تكون متريثة.

المخطط أمامها عن عائلة دمرت عائلتها الصغيرة، انحسرت ابتسامتها وهي تري الثمار اليانعة الفاسدة الذين ورثوا كل طباعهم المغلفة بالحقد الدفين، نظرت الى صورة الرجلين وسيم المالكي و لؤي المالكي ثم المرأة وجد المالكي ، كيف يحمل ملامح اثنان منهما ناعمة مسالمة والاخري الغامضة ولا يحمل احدا منهما البغض والكراهية مثل جدهم الأكبر، نظرت الى صورة جدهم العظيم الذي وضع أحفاده تحت جناحه لتهمس بقهر.

-فاكر انك لو ضميتهم تحت جناحك مش هعرف اتحرك.

تجهمت معالم وجهها الفاتن لتخبط بكفها على سطح المكتب بعنف، لن تترك الجد ينعم بسلام، يكفي أنه سرق منها احلامها البسيطة المكونة من ابيها وامها لتعيش هي وأختها تحت سقف بيت دافيء، لما هو جاحد لتلك الدرجة، لماذا سلب منها ابيها ليضمه تحت جناحه، لكن ليس كل مرة تسلم الجرة، سيذيق ذلك الجد الجاحد الخرف جزاء حقدها المتنامي منذ أن تركهما والدهما ولبي نداء عائلته على الفور، ستجعله يندم على كل ليلة ضحك منها ساخرا من ضعفها وسذاجتها، لن تجعلهم يهنئون بمكسبهم، ضيقت عيناها تنظر إلى الرؤوس الثلاث التي ستنهض باسم المالكي وتمدها لأجيال قادمة.

-سقوطكم قرب يا عيلة المالكي، لازم الباشا الكبير يشوف احفاده اللي ضمهم تحت جناحه هيخبوا أمله ازاي
انفلتت منها ضحكات مدوية في انحاء الغرفة، سقطت على كرسيها وهي تعبث بخصلات شعرها السوداء التي تحاكي سواد عقلها، هي لن تلعب على المكشوف، بل ستنظر من بعيد، ستترصد لثلاثتهم وتختار فقط من يختل بتوازنه حتى تجعله غير قادرا على القيام مرة أخرى.
هي اليد الخفية في اللعبة
القادرة على تغير مسارها.

فمن الأحق منها لتجعلهم يذيقون من نفس الكأس ذو الطعم الصدأ،
ابعدت عيناها نهائيا عن صورهم لتقع عيناها على السطح العاكس
تتأمل قدها يمينا ويسارا، تعلم قدر نفسها جيدا
هي القادرة على زعزعة أعتي رجال وأكثرهم برودة على سطح الأرض ليتحولوا الى كائنات شرهه، جشعة، نهمة.

تصاعد رنين هاتفها لتنسل الهاتف من جيب بنطالها الجينز وهي تري المتصل، زينت ابتسامة ساخرة على شفتيها يبدو حفيد العائلة البكري لم يتحمل اساليب الضغط التي تمارسها عليه، ما زال هاتفها يرن للمرة الثالثة وهذا ان دل، فيدل على نفاذ صبر المتصل، حينما فتحت الخط لتتسع عيناها بتسلية من نبرة هجوم المتصل
-عايزة ايه من الاخر
لوت شفتيها بنزق وهي تغمغم بنبرة مغوية
- تفتكر عايزة ايه من حفيد المالكي.

صمت للحظات قليلة قبل ان يهمس بحدة وكأنه يخشي أن يفضح
-عايزة ايه انا مش فاضي ورايا شغل
شرست ملامحها الفاتنة وبرقت عيناها الشبية بعيني القطط لتقول بنبرة ساخرة
- تفضي نفسك ليا، عشان متجيش في الاخر تعيط يعيني
يبدو أن المتصل لم يتحمل سخريتها منه اذا انتفض من مقعده بضخامة جسده ليصيح هادرا بحدة
-انتي اتجننتي فوقي لنفسك انتي بتكلمي لؤي المالكي.

لم ترمش جفنيها رغم صوته الذي كاد أن يخترق طبلة أذنها، بل بكل هدوء قالت
-هبعتلك العنوان وتيجي في الوقت وإلا بقي...
تركت باقي جملتها معلقة لثواني لتجعل المتصل يكاد يدفع للجنون، همست بنبرة ناعمة خادعة
-تتحرم من العز اللى انت فيه، انت عارف ان كل اللي مستخبي بيبان.

اسبل لؤي جفنيه وهو لا يصدق تلك المرأة التي أصبحت تطارده، كشبح لا يريد أن يغادره في أرضه، اتكأ بجذعه الضخم وعينيه الشرستين تطلق وعيدا خالصا لتلك المرأة التي امسكته بجرمه الوحيد، كلما حاول تتبع مكالمتها يري ان اشارة موقعها تتغير من بلد اجنبية الى اخرى في نفس المكالمة، وصوتها يتغير في كل مرة، مرة بصوت فتاة ومرة اخرى بصوت عجوز والان تهاتفه بصوت امرأة غانية متمرسة، ضغط على ضروسه وهو يعلم أنها ليست امرأة سهلة لكنها جبانة، جبانة لأنها لم تواجهه وقررت ان تتوارى خلف حجاب، يرى تلك التي قللت راحته، يري المرأة فقط ويقسم انه سيفصل رأسها عن باقي جسدها، ليس في نهاية الأمر تأتي امرأة يخشي منها..

ذكورته تصرخ به، كبرياءه يئن صارخا لكي يلقن تلك المرأة درسا حتى لا تلعب به، لكن كيف، بالله كيف علمت عن ماضيه الذي تخلص من جميع آثاره؟!، او هو الذي ظن أنه تخلص، انتبه على اشعار رسالة من هاتفه ليرى أنها تعطيه موقع مقابلتهما للغد، لاح سؤال خبيث ماذا لو لم تكن امرأة؟! بل رجل يحاول ان يلوي ذراعه
المنافسون كثر في ساحة السوق.

وبالطبع تلك الحركات الدنيئة ستكون من منافسين له في العمل، ارخي رأسه على الحائط وهو يدع عقله يموج في التفكير ليتمتم
- ان غدا لناظره قريب.

لا تسأل شخصا لماذا هو دونا عن الباقي
لأنه ببساطة وجد ما يبحث عنه
أو أردك أن الحياة بدونه لا شيء
أما عنه فهو منذ أوعت جعلوه زوجها المستقبلي
لذا أودعت كل مشاعرها الأنثوية الرقيقة حتى تندمج مع مشاعر رجولته الأجشة.
رفرفت وجد بأهدابها الكثيفة تتأمل ملامح وجهها الفاتن، ترى ما العيب بها حتى لا يستطيع أن يراها؟!
هل هي شفافة لتلك الدرجة؟!، تري لما التجاهل والقرب في ان واحد؟!

لما يدعي عدم الاكتراث رغم انها شعرت به يكاد يجن ويدك عنقها حينما علم بخطبتها التي فسختها بعد أن علمت أن خطيبها يهيم ب إمرأة عشقا!
ترى هل كل ذلك بدافع أنه يهتم بها فقط، بسبب علاقة القرابة؟!

انقبض قلبها واستحال وجهها للشحوب حينما أوصلت أفكارها إلى تلك المنطقة، منطقة تعتبر كحائط سد لا يوجد أمامها سوى حائط شاهق ومن المستحيل أن تعود بأدراجها بعد ما وصلت إليه، رغم أن ما وصلت إليه لا شيء في الحقيقة لكنها تشعر أنها حققت انجازا بماذا؟!

حنقه وضيقه ولا يريد أن ينفرد بها في مكان واحد وكل ذلك حدث حينما خطبت فقط، لكنها في الحقيقة لا تعتبرها خطبة، فالخطيب كان يراها صديقة وهي لم تشعر بالضيق بل ساعدته للوصول واستدراج خطيبته إلى حفل خطبتها لتصبح هي الخطيبة بديلة عنها!
انحدرت دمعة لا تعلم متى سمحت لها بالمغادرة لتشد من عزيمتها و شكيمتها المهتزة لتخرج من غرفة نومها، لأنها ربما ولو بقت لعدة دقائق ستصاب بالجنون بسببه!

هبطت من الدرج اللولبي وهي تتجه نحو الحديقة لتبصر جدها، فخر عائلة المالكي وأعظم رجل قابلته في الحياة، هو أباها الفعلي حينما توفي أباها، هو الذي أشعرها أنه السند الذي ترتكز عليه إن خذلتها الحياة والحب!

اغرورقت عيناها بالدموع وقد استفحل الألم في قلبها، أغمضت جفنيها وهي تسحب هواء عميق لتزفره على مهل وأصابعها المضطربة تنقرها على حقيبة يدها وكأنها آلة بيانو تعزف عليه بأصابعها لينساب لحن عذب أدي إلى استرخاء أعصابها المتشنجة وطردت أي شحنة سلبية لتستقبل جدها ووالدتها بأجمل ابتسامة جاهدت شفتيها لإظهارها، فهي ابنة مرهفة كما يحسدها الجميع، من عائلة عريقة، لم تشعر باليتم وجدها الذي قضي حياته ليربيها حتى غدت انثي جميلة ومنع أي رجل للظهور في حياتها حتى يأتي ابن العم ويقرر تزويجها، هذا إن قرر سيادته سخرت من نفسها وهي تميل بجسدها لتقبل خد جدها الذي ترك صحيفته على طاولة الطعام واستقبل قبلتها بأروع ابتسامة.

- صباح الخير جدو
قبل غالب جبين حفيدته الغالية، الحفيدة الوحيدة التي تربت بين ذكرين، غمغم بابتسامة ناعمة
- صباح النور يا قلب جدو
ابتسمت بامتنان دائما معتادة عليه حينما تصبح عليه كل صباح، وكأنه يخبرها أنه ينتظرها ما إن يطمئن قلبه على من سيحتفظ به داخل عينيه ومن غيره بالطبع؟!، ابن عمها الذي يتفنن في تعذيبها نفسيا.
طبعت قبلة في الهواء لأمها التي ربتها طوال عمرها قائلة
- صباح الخير مماه.

تعلم أنها تكره القبلات والعناق وما شابهه، تراه غير مقبول وسلوك استفزازي شاعري، ابتسمت جميلة بعذوبة وهي تضع كوب عصيرها على الطاولة لتقول
- اقعدى يا حبيبتي، افطري
جلست بجوار جدها وهي تغترف منه حبا يغدقه دائما لها، تمسكت بذراعه بقوة وهو تفهم رسالتها الخفية الطالبة للدعم ليربت على كتفها، عبس وجهها حينما رأت المقعد المقابل لها فارغا لتتساءل
- وسيم مجاش ولا ايه؟

هزت جميلة رأسها نافية وقالت بحنق لم تقدر على أن يتخلى نبرتها المنخفضة دائما
- وسيم في فيلا الكومباوند قال هيجي على وقت الغدا، انا مش عارفة ايه الفضايح اللي تلاحقنا في كل حتة من ناحية انتى ومن ناحية تانية هو
عضت وجد على شفتيها تمنع ضحكة وهي تتذكر امس ماذا حدث لوسيم ابن عمها، فبالنهاية هو يستحقها والفتاة التي تحدثت معه بجرأة يبدو أنها وقعت في حب رجل مشابه لوسيم أو وسيم هو نفسه!

حتى الان تتذكر تلك الحرقة في صوتها، ضحكتها الساخرة النابعة من ألم عميق داخلي تعلمه جيدا فهي أصبحت خبيرة جدا أن تضحك في وجه من يؤذيها، تشعر أن هناك بينهما رابط خفي ألا وهو حب من طرف واحد، لم تقدر على كبح ابتسامتها التي زينت وجهها لتهمس بحرج
- مماه
وكأن الابتسامة جعلت جميلة تزيد من تقريعها الذي لن ينتهي
- وانتي فيه بنت عاقلة تخلى خطيبها يتجوز غيرها، لا وانتى اللى بتسلميها ليه، الناس في النادى أكلت وشى.

اضمحلت ابتسامتها وما تبقي فقط جسد ساكن وملامح غادرت صاحبتها لتبقي كما لو أنها امرأة فقدت ما تملكه في حياتها، بكل عملية استقامت من المقعد وهي تعلم لو بقت لدقيقة لاستمرت في تقريعها عن كونها.

كيف تترك خطيبها الكابتن الطيار، بل كيف بغبائها تفسد العمل بين عائلتها وعائلة السويسري رغم علاقة الصداقة التي تربطهما وحينما قررا دمج العمل بصورة زواج أفسدته بغبائها كما تقول والدتها، غبية حينما قررت عدم التشبث برجل ملك لأمرأة أخرى، غبية لانهم جعلوها تقع في حب ابن عمها بل لم يحاولوا منعها وزجرها أن الطائر الحر لن يقع في عش الزواج.

بملامح وكأنها ملامح انثى ميتة، مقلتيها تتشبث في عيني الجد تهمس له باستنجاء
- جدو، كلمها من فضلك انا رايحة الشغل
شيعها غالب حتى غابت عن أنظاره والتفت بعينيه نحو ابنته ليغمغم بقسوة
- جميلة مكنش فيه داعي نرجع للماضى، الموضوع اتقفل.

ابتسمت جميلة بألم، وماذا يواجه والدها من كلام الناس الذي لا ينتهي، النساء ينهشن في لحمها ولحم ابنتها حية ومع ذلك يرسمن ابتسامة خبيثة ماكرة وحينما يملئون بطونهم الجائعة يرتسم الحزن على محياهن وينتهدن بحزن ثم يغادرن ليلقين على مسامع باقي نساء النادي الأخبار مع بهارات إضافية، تنهدت زافرة بحدة وهي تمتم
- متقفلش، مش انا اللى بواجه كلام الناس، كتر خيره لؤى سند عيلتنا بجد.

تجمدت ملامح الجد وهو يعود لالتقاط صحيفته، يبحث عبثا عن أي أخبار تلفت انتباه بعيدا عن التفكير بحفيده البكر البعيد عن أرض الوطن وهو يوسع أعمال العائلة في الخارج، لكن هناك شيء خاطئ في حفيده، لا يعلم حتى الآن ما هو، ولكن سيعلم آجلا أم عاجلا ويتمنى أن لا يحدث كارثة تزعزع من رابطة أسرته الذي جاهد بكل شيء وفعل كل شيء حتى يحافظ على أسرته تحت جناحه، همس بنبرة ساخرة
- سند فعلا.

عبست ملامح جميلة وهي تسمع همهمات غير مفهومة من والدها لتهمس بتساؤل
- بتقول حاجه يا بباه؟
هز غالب رأسه نافيا
- كلى يا جميلة، كلى.

عاد غالب النظر لصحيفته مرة أخرى، كوسيلة لجعل الذي أمامه يتوقف عن التحدث، يعيد أوراقه ويراجعها مرة أخرى، وسيم الذي يبتعد عن قصر العائلة ويتحجج بالعيش في منزل والديه المسافرين بالخارج للعمل يتذكر وقتها كان وسيم بالعاشرة كان والده قرر السفر للتدريس بالخارج لكنه رفض بإصرار عنيد مقررا منع إقلاع الغرسة التي نبتت في أرضه لتغرس في بلاد الغرب كوالدته الاجنبية، ثم وجد صغيرته الناعمة التي يحفظ جميع خلجاتها وما تخفيه فهو الذي رباها على يده، لو فقط طاوعه لؤي على زواج ابنة عمه، حتى لا يفقد صغيرته، هز رأسه يائسا لاعنا لؤي من صلابة رأسه الشبيهة له.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة