قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث

حينما انهت رهف محاضراتها بكل هدوء سحبت كتبها وهي تخرج من قاعة المحاضرات، عيناها تنظر بارتياب إذا علم أحد بهويتها، أو عاد ينبش في ماضيها الذي تحاول جاهدة أن تتخلص منه.
الأمر شاق عليها بل مؤلم للغاية، وقاص شقيقها يظن أنها تتدلل، لكن في كل ركن من أركان الجامعة تتذكر.

صديقتها نادية التي قتلت أمام عينيها بأبشع الطرق كانت ستقتل تلك الليلة لولا أن أخيها نضال قام بإنقاذها في آخر ثانية لربما لحقتها، شعرت بالاختناق
وكأن هناك مئة أيد ملتفة حول عنقها ليزهقوا روحها، الدموع شوش بصرها عن الرؤية، مسحت دموعها باناملها وهي تطرق برأسها خشية أن ترى عيون الناس.

ما زال هناك شعور يراودها بأن الجميع يراقبها، بأنهم يرونها مذنبة في حق نفسها، يظنونها مجنونة كونها خرجت من مصحة إدمانية ونفسية، هي حقا لن يتبقى لها سوى رماد، رماد بعد الحريق الذي شب واندلع لتسقط ميتة، ميتة بلا شعور،
حتى جاء نزار.

وعلى ذكر اسمه ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتيها، وبدأ قلبها يدق بعنف وكأنه الشيء الوحيد الذي يدفعها لاستمرار حياتها البائسة، تتذكر تفاصيل ملامحه الوسيمة، طوله الفاره، وعضلات ذراعيه القويتين وهو يحضر الطعام للزبائن، حزمه وصرامته بل قسوته ايضا حينما عملت معه سابقا قبل أن تعود لدراستها التي انقطعت لعامان، عينيه الراكدة اللتين تلمعان بوهج يسرق انفاسها ويتركها مقطوعة الأنفاس حينما يخصها بنظرة أو بكلمة، ثم لهجته الشامية الخاصة، ياويلها من نبرات صوته الاجشة حينما يتحدث معها بعاطفية تجعل مشاعرها تميل له بل ترتوي منه حتى تزهر انوثتها على يديه.

يراها أميرة وهي تراه الرجل الوحيد الذي جعل قلبها العتيد يمل له، كانت تعلم أن أنوثتها جائعة لاهتمام رجل، رجل يرمم حطامها حتى تغدو انثى طبيعية تسعى قدما للحياة وتستقبلها فاردة كلتا ذراعيها قائلة لها أنا أعيش.

لكن سرعان ما طفقت ذكريات لا تنسى، عويل وصراخ نادية ما زال يرن أذنيها وهي مكبلة بحبال متينة تبكي بقهرعلى ضعفها وقلة حيلتها وحينما حاولت الثوران تفاجئت بصفعة من شخص ألقاها أرضا، تشنج جسدها حينما بدأ العالم يدور من حولها وأصبحت تنظر بجنون في أعين الجميع، كانت على وشك التعرض لنوبة بكاء حاد إلا أن صوت أجش منعها من السقوط في ذلك الدرك
-صباااح الهنا والحب لعيونك الحلوووين.

مسحت دموعها وهي تلتفت اليه، جاهدت لتبتسم في وجهه وهي تنظر الى ملامح وجهه الوسيمة، همست بتساؤل
-صباح النور، نزار انت بتعمل ايه هنا
هز نزار رأسه وهو يقترب منها، آلمه قلبه من رؤية الحزن في عينيها، هو لا يعلم عن ماضيها الكثير لكن هو صبور معها حتى يجعلها تضع ثقتها الكاملة به لتحكي عما يجيش بصدرها، غمغم بنبرة دافئة وعيناه تتأمل كل تفصيلة في وجهها
-متل كل يوم اجيت شوف هالوش الحلو.

احتقنت وجنتيها تحت وطء نظراته الجريئة رغم انها تعلم نزار لفت الانظار من قبل الفتيات، انعقد لسانها وبدأ جسدها يرتجف من نظراته الحميمية لتوبخه بنبرة هامسة
-نزار، انت اللي بتعمله ده هياثر على سمعتي في الكلية
جز نزار على اسنانه، لوتعلم فقط تلك الهشة الحلوة صاحبة العينين الزرقاوين ما تثير به من مشاعر تملك عنيفة وعاطفة خشنة يكنه بداخله، اقترب مائلا بوجهه نحوها ليهمس بحرارة
-يابنت الناس وافقي تتزوجيني.

اجفلت حينما احست بزفيره الحار ويداه التي يقبضها على كفيه بسيطرة بالغة، تلعثما قائلة وهي تتحاشى النظر إلى عينيه
-انا، انا مقدرش لسه عندي سنة دراسية اخلصها، وقاص مش هيرحمني لو عرف اني هكسل على آخر سنتين
أميرته تتحجج، أميرته اصبحت تتدلل عليه دلال مهلك لعقله ومميت لقلبه، كظم غضبه من شقيقها الذي تركه عند مساعدة قائلا إن كنت تحبها فأبذل كامل طاقتك لتجعلها زوجتك ، وها هو يقوم.

بأقصى جهده، يستميل قلبها الذي يميل اليه بضعف يشعل فؤاده ويجعله يود، يود عناقها حتى تختنق أنفاسها
استغفر سريعا وهو يحوقل ليتمتم بمهادنة
-خلينا ننخطب والله بعينيبستناك لحتى تخلصي
هزت رأسها نافية عدة مرات
وهي تنظر الى يديها المتشابكتين
-مقدرش، اسفة، نزار بلغتك رفضي قبل كدا
همت بأن تبتعد عنه الا انه جذبها اليه بخشونة ورفع ذقنها لينظر الى عينيها المؤلمتين لقلبه، هي الوحيدة التي تؤذيه وتطيب جراحه.

تقتله وتحييه في آن واحد
استحكم الغضب به حتى اسودت عيناه قتامة وهو يصيح بحدة
-طيب ليش يارهف قليلي شو هو السبب
شحب وجهها وظهر الذعر في عينيها، تنفست لعدة مرات وهي تحاول ان تظهر شجاعتها وصلابتها أمامه
-عشاان، عشان عيلتك عيلتك مش هتتقبلني، مش هتتقبلني يانزار لحد دلوقتي محدش بيرحمني
ختمت آخر جملتها بألم مس قلبه الذي انتفض بهلع لرؤية دموعها الماسية تبلل وجنتيها النضرتين..
تهوره ازداد لحد الجنون.

وهو معها يتخلى عن ثوب الحزم والصرامة
يتجرد عن كل شيء قد يمنعه عنها
اقترب منها بهلع وهو يحاول كبح يديه عن مسح دموعها، غمغم بقلق
-طيب قليلي شو فيكي، فضفضيلي يارهف
زاد بكاءها وزاد عذابه هو الاخر، هزت رأسها نافية وهي تحاول ألا تضعف أمامه أكثر كي لا ترتمي في البكاء بين ذراعيه، ستبكي بين أحضان شقيقها وحاميها ثم ستتحدث مع زوجة شقيقها فريال.

لتقتبس منها بعض من الصبر، أكثر ما يؤلمها انها تؤلم قلبه، هو لا يستحق منها أن تقابل عطفه وحبه بالأذى دائما، تريد ان تبتعد عنه لكنها لا تريد أن تتركه؟!
غمغمت بنبرة مختنقة
-مش هقدر، عن اذنك
بلغ الصبر عنده منتهاه
ليعيد جذبها اليه مرة اخرى واقترب منها يهمس بحدة
-اذا ماقلتيلي ليش عم ترفضيني والله ليجي يوم وقدام امة لا اله الا الله لبوسك واحضنك.

اتسعت عيناها برعب للحظة ثم طفق حمرة الخجل تغزو وجنتيها وعينيها تنظر إلى عينيه تنتظره أن يقول انه يمزح أو أي شيء
يدل على مزاحه الجريء، غير معقول أن يكون جديا لتلك الدرجة
ابتسامة خجولة زينت شفتيها لا تعلم كيف تبتسم أمام ذلك الوقح، همست بنبرة خفيضة
-وقح.

اذا كانت هي مصدومة من ما قاله فهو يظن أن تحول لرجل عابث بلا أخلاق، يا ويله إن سمعت والدته يتحدث بكل جراءة إلى امرأة بتلك الدرجة، لكن قلبه ليس عليه بسلطان، يخشى اقتحام تلك المستفزة جيهان إلى حديثهما الآن، تلك المستفزة أخذت تساومه على أشياء كثيرة حتى
يقدر أن يختلي برهف لبعض الوقت قبل أن تعيدها إلى منزلها..
صاح بحرارة شديدة وهو يميل برأسه إليها
-وافقي يابنت الناس، انا مجنون ووالله العظيم بعملها.

سؤالها كان أشد سؤال غبي
قد تفوهت به في حياتها أمامه
-يعني وسط الناس هتحضني وتبوسني
لمعت عينيه الراكدة، واللون الأخضر يعصف بدون هوادة في قلبها ليهمس بنبرة جذابة
-لك احمديه لربك اني بس بدي بوسك من خدودك، الا لو تفكيرك راح لبعيد
ختم جملته ببعض المكر
الذي جعل وجهها اصبح كثمرة طماطم ناضجة، تمتمت بنزق وهي تبتعد عن عينيه الجريئتين التي تتأمل قدها
-قليل الادب.

استمعت إلى نبرة جيهان الساخرة التي جاءت على آخر جملة منه
-قليل الادب فعلا مترباش ابن الحاج عايشة
ظهر الغضب في عيني نزار واختفي من على وجهه ملامح العاطفة ليقول بنزق
-جيهااان، شو عم تعملي هون
رفعت حاجبها الأيمن وقالت بوقاحة شديدة
-بعمل ايه ياعنيا، بجيب البنت لاحسن تتحرش بيها، اسفه انت فعلا بتتحرش بيها.

زم شفتيه بعبوس شديد، لايعلم لما رهف تكون صديقة تلك المشاكسة بل هناك علاقة بين كلا العائلتين، الا يكفي انه يتحمل جيهان فقط بسبب كونه شريك شادية في مؤسستها لمنظمات الافراح، قال بحدة طفيفة
-انا مو قلتلك تستنيني ربع ساعة
اقتربت منه وقالت ببرود غير عابئة بنظراته المشتعلة
-استنيتك اكتر من 17 دقيقة خليك فاكر لو قربت منها هبلغ الحاجة عايشة الطيبة تشوف ابنها المنحرف
غمغم بنبرة خفيضة مليئة بالوعيد.

-ضبي لسانك جوا حلقك
ياجيهان، وصدقيني لو شي وصل لامي رح خليكي تحلمي تشوفيها
هل يهددها؟! هل يهددها ويمنع عنها رؤية والدته، المرأة ذات الوجه البشوش، المرأة التي كلما ذهبت إليها تذهلها باروع الاكلات والوجبات الدسمة تجعلها تقضي ساعات اضافية في النادي الرياضي للتخلص من الوزن الزائد، صاحت بلا مبالاة وهي تشيح بيدها
-تمام شيف عشان بس انت عارف ان انا بحب حاجة عايشة ازاى، على العموم خف على البنت مش قدك ياابن.

الشامي
بدي التجهم يغزو ملامح وجهه الوسيمة، لتبتسم في وجهه بنعومة وهي تهمس بنبرة ذات اهتمام لأول مرة يسمعه
نزار منها
-اصبر، الصبر حلو، رهف تحت حمايتي، اخوها مش هيرحمك لو عرف
سحبت ذراع رهف وهي تراقص حاجبيها بشقاوة نحو نزار الذي يكاد ينفجر غضبا
-يلا يا بيبي ورانا حفلة تجمع بنات.

مرر نزار أنامله على خصلات شعره، إلى متى سيصبر، إلى متى؟، سيجن حتما إن لم تصبح تلك الأميرة زوجته الليلة قبل الغد، زفر بحرارة شديد وهو يتحلي بالصبر قبل يشيع بعينيه نحو الفتاتين حتى غابا عن أنظاره، وداخله يتردد سيهجم عليها، سيستمر بالهجوم حتى ترضخ وترفع راية البيضاء قبل أن يتسلم هو حصونها و يغزوها بكل بطء.
سارت رهف بجوار جيهان لتغمغم بارتباك شديد
- تفتكري هيعملها؟
ردت جيهان بجراءة
- يبوسك؟! أكيد هيعملها.

انفجرت بعدها ضاحكة لتلكزها رهف وعلى وجهها أمارات الغضب لتصيح موبخة
- وقحة
لكن داخلها سعيد بل يرقص فرحا بما يحدث، دعت الله من قلبها أن لا يحدث شيء يعكر من صفو علاقتهما، فهي بالكاد تقف فكيف ستقدر على خوض الحرب مرة اخري بعد ان خرجت منه ناكسة رأسها للاسفل!

تدلك جبينها المتيبس وهي واقفة أمام قاعة التي من المفترض نالت اعجاب العروس لكن يبدو أن للحماة أحبت أن تنكد على حياة العروس الصغيرة، لوت شفتيها بنزق وهي تراها تقف كتكوت صغير أمام ديكان كل شخص منهما يحاول أن يجعل رأيه فوق كلام الجميع، حتى فوق العروس، تأففت شادية شفتيها بنزق وهي تبصر جسد عاصي الضخم الذي يقف على مقربة منها، واقفا كعمود لمدة خمس عشر دقائق لم يصدر منه تملل أو نزق وكأنه أفصل مشاعره بعيدة عن جسده وهي تشعر أنها ستنهار لو استمرت واقفة على قدميها..

حينما تلاقت أعينهما لم تشيح بعينيها عن عينيه كجبانة أو لصة تسترق النظرات كما ترى عاملات الفندق اللاتي تنظرن نحوه بوله و زفرات حارة يكدن يخرجونها من أفواههن، ابتسامة ساخرة زينت وجهها ليقابلها بايماءة من رأسه وهو ينظر نحو امرأة جميلة كانت تتابعه منذ مجيئه وقرر التعطف عليها بنظرة لتأتي المرأة تعطيه ما هو أكبر وأكثر متعة!

تقسم أنها رأت المرأة تستدرجه لغرفتها، اللعنة على قلة حيائها، وذلك اللعين لم يبتسم في وجهها بسماجة؟!

غير معقول أنه لم يفسر نظرات تلك الفاسقة اللعينة، لم تعلم أن ملامح وجهها كانت غاضبة مشتعلة تكاد تخرج لهيبا من عينيها، وحينما أمسكها عاصي بملامحها الغاضبة ابتسم راضيا نحوها وهو يخصها بنظرة لم تحاول حتى أن تفسرها ليعيد نظره للأمام بملامح قد من حجر والمرأة بكل وسيلة تحاول لفت انتباهه إلا انه لم يعيرها أدنى نظرة لتغادر المرأة يائسة في نهاية الأمر، وأكثر ما أذهلها حينما غادرت أختصها بغمزة ماكرة خاصة بها جعل شيء بداخلها يتحرك، زمت شفتيها وهي تشيح بوجهها عنه...

أي مشاعر أنثوية راودتها وأدتها سريعا، فهي بنهاية الأمر انثى تتأثر رغما عنها برجل مثله بهيبته وملامح وجهه الصارمة، مشاعر أنثوية عادية ستغادرها ما إن يبتعد وتعود هي لقوقعتها، لكن ما السبيل لجعله يبتعد هو تحديدا؟!

نظرت إلى ساعة معصمها وهي تري ما زال الديكان لم ينتهيا من اثبات ملكية ليست بملكيتهم، الصداع بدأ يتأكل دماغها لتتوجه نحو العروس وهي تسحبها بكل حزم وقلة لباقة تعلم، لكن صبرها بلغ منتهاه، تري القلق والهلع المرتسم على ملامحها الناعمة، غمغمت بهدوء
- انسه صافى انا مش عايزة أقولك إن لو والدتك وحماتك هيدخلوا في تفاصيل فرحك هيحصل ايه.

زفرت صافي بحرارة وهي تري صراع والدتها وحماتها ولا تعلم متى ستنتهي تلك الحرب بينهما، عضت على شفتيها وقد ندمت على جلب حماتها وهي تحاول أن تشاركها في مراسم الزواج لرأب الصدع بينهما، لكن يبدو أن حماتها ستظل هكذا حتى يهديها الله، تشكر شادية كثيرا انها سحبتها بعيدا عنهما لتهمس بتعب
- مش عارفة يا شادية بجد تعبت، بحاول اسعدهم هما الاتنين.

لم يكن جديدا لشادية أن ترى شجارات ومشاحنات بين أهل العريس والعروس، عملها كمنظمة العرس أكسبها صفات كثيرة أهمها الصبر وثانيا وهو الجمود والعملية وعدم إشراك العواطف داخل عملها كي لا يفسد، يكفي حينما ورطت عواطفها ليجعلها تخسر الكثير منذ أن تطلقت، بملامح جامدة ونبرة عملية قالت
- أول قاعدة لما تيجي لمصممة افراح، ابدا، ابدا ما تجيبي ماما وحماتك.

هزت صافي رأسها والحزن يغمرها، لم ينتبها عليها حتى الآن وما زال يتشاجران، ووالدتها تحملت ما يكفي من سلاطة لسانها لتنفجر في وجهها غير عابئة بالعاملين في الفندق، تنهدت شادية وهي تشد بقامتها لتتابع بهدوء وهي تضع يدها على كتف صافي المنكسة برأسه
- تانى قاعدة، يوم فرحك يومك انتى مش يومهم، كل واحدة فيهم عملت يوم فرحها على حسب ما تخيلته، يجي يومك وتمشيه على مزاجهم، هل هتكونى سعيدة يا صافى؟
- لأ، للاسف.

اختنق صوت صافي لترفع رأسها وتواجه تلك المرأة صاحبة ملامح سمراء ناعمة بل حينما تراها تقول انها ليست امراة قادرة على قيادة عمل وخصوصا رجال لكن وللعجب حينما رأتها أول مرة في قاعة لفرح صديقتها بدأت كوحش يكاد ينقض على من سيفسد عملها، تقف لهم بالمرصاد، كناظرة تمسك عصا التأديب إن رأت تلميذ مشاغب!
هزت شادية رأسها وقالت بنعومة حتى تهدأ من مشاعر العروس.

- تالت قاعدة، تاخديهم هما الاتنين في كافية وتقوليلهم يوم فرحك هتعمليه زي ما انت خططتيله، لأنه يومك انتي
ابتسمت صافي وكأن شادية مدتها بثوب العزيمة لتهمس
- هعمل كدا يا شادية، بجد انتى ملاكى
حركت بقدميها ناحية والدتها وحماتها إلا انها عادت وقالت بنبرة منخفضة
- بكرا هكلمك، نضبط التفاصيل
هزت شادية رأسها بتفهم وهي تنظر نحو الديكان اللذان وللعجب لم يتراجع أحد منهما مقدار انشا لتقول
- وانا في الانتظار.

وضعت شادية نظارتها القاتمة على عينيها ل تلتفت مغادرة لكن ما خشب جسدها وجود منافستها في المجال تتجه نحو السيدتين التي على اثرها صمتا، جحظت عيناها حينما رحبت بها حماة صافي المستقبلية لتتوجه فورا نحوهما قائلة بنبرة جاهدت أن تجعلها عادية
- ايه دا، انتي بتعملي ايه هنا
رفرفت نانسي وهي تلعب بخصلاتها الحمراء لتنظر نحو غريمتها لتقول بنبرة ناعمة
- شادية، صدفنا كتير مش كده ولا ايه.

ارتسمت ابتسامة صفراء على شفتي شادية وهي تقسم أنها ستنزع خصلات شعر تلك الحرباء الخبيثة، ألا يكفي انها تلتصق بها تلك العلكة منذ المدرسة حتى الثانوية، كانتا منافستين في الدراسة بل العمل ايضا، حينما تطلقت من الحقير معاذ وبدأت في إنشاء مؤسسة لتنظيم الزواج حتى عادت العلكة لتنافسها، مالت شادية برأسها لتهمس بحدة
- بتعملى ايه يا نانسي هنا، الارض ارضي.

هزت نانسي رأسها بلا مبالاة وداخلها يخفي حقدا، لطالما كانت تلك السمراء مميزة في كل شيء، لفتت إعجاب المعلمين بذكائها ثم في الجامعة كانت كفراشة ناعمة تسير في أروقة الجامعات حتى الشبان لم يقدرن سوى أن يعاملنها بلطف وكل لباقة رجل وكأنها أميرة، بل حينما خطبت من رجل أعمال بلغ منها الحقد لمنتهاه وحينما سمعت بالطلاق لم تصدق ما حدث ليفسخ رجلا عقد قرانه من امرأة أحلام أي رجل كما سمعت شاب في الجامعة، ربما لانها لفتت انتباه الجميع وقتها بحجابها الذي كان يزين رأسها لكن حتما لا تعلم ماذا حدث ليبدل تلك المرأة قبل ارتباطها بذلك الرجل ل 180 درجة، لكن لا يهم فهي أصبحت عادية بعد خلعها للحجاب بل وأقل من عادية، هي أمامها أكثر جمالا ببشرتها البيضاء وخصلات شعرها الحمراء بل وجسدها أكثر أنثوية من التي أمامها بجسد مراهقة، ابتسمت ببرود وقالت بنبرة ناعمة تحافظ عليها أمام زبونتها.

- والزبون زبونى، معايا ميعاد هنا لعميلة
ابتسمت حماة صافي وهي تتنهد براحة قائلة
- نانسي، كويس انك جيتي عشان انا تعبت بجد منهم
ابتسمت نانسي ابتسامة رائعة أنثوية أشعل شادية لتزم شفتيها وهي تضم قبضة يديها بقوة حتى لا تقوم بصفعها تلك الوقحة التي تجرأت وخطفت عميلة منها، تعلم نانسي جيدا لا تلعب بشرف والدليل أنها الآن بكل بجاحة تسرق زبائنها تتحداها على التفوه بكلمة!

رفعت نانسي ترسل نظرات متحدية نحو شادية التي تكاد تفقد أعصابها من الغضب والحنق لتهمس نانسي ببرودة أعصاب
- شوفتي، عن اذنك بقي ورايا شغل
وجهت نظرها نحو صافي التي يبدو عليها الذهول هي الاخري من حماتها المستقبلية، تستطيع شادية التنبؤ من الان أن الفرح لن يكتمل، الغضب يكاد يفقد أعصابها لتقول بنبرة حادة نحو صافي
- اقدر افهم ايه اللي بيحصل هنا
بكل قلة تهذيب وذوق صفعتها الحماة بوقاحة.

- شادية منكرش انك شاطرة في شغلك لكن شغلك كلاسيكي وده عكس مخيلتى
رفعت شادية حاجبها وهي تهمس باستنكار
- افندم؟!
اقتربت المرأة من نانسي لتتعلق بها نانسي بكل نعومة وهي تبتسم بشماتة لتسمع رد المرأة
- نانسي شوفت شغلها في open air، حتى على الكروز وفيها لمسات حديثة وده اللي عايزاه في فرح ابنى
لثواني رمقت نانسي من خلف نظارتها وهي تهز رأسها لتمسك بدفترها الخاص وهي تضعه في حقيبتها قائلة نحو صافي.

- وقت ما توصلى لقرار يا انسه صافى بلغيني.

غادرت القاعة بخطوات هادئة، متريثة حتى غابت عن أنظارهم، أما خارج القاعة كانت تدق بكعب حذائها على الأرضية المصقولة تخرج من الفندق ومن الخلف استمعت الى صوت عاصي يلحق خطواتها المهرولة وهو يتعجب كيف تهرول دون أن تشتكي قدميها من حذائها أو يعوقها عن الحركة بحرية؟! لطالما قابل نساء لا يكدن يتحركن خطوتين بحذاء الكعب حتى يسقطن على وجوههن أو يتعرضن لمواقف عنيفة قليلا، قال بهدوء وهو يرى الطاقة السلبية تشع من جسدها.

- هدى نفسك، مش مستاهلة العصبية دي
التفتت شادية نحوه على حين غرة وهي لا تجده سواه المتنفس أمامه، صاحت بعلو صوتها وهما أمام بوابة الفندق
- ابعد من وشى دلوقتى عفاريت الدنيا بتتنطط في وشى.

كز عاصي على أسنانه بغيظ شديد، كم يكره حينما تفقد أعصابها لتصرخ هادرة في وجهه دائما لأنه سعيد الحظ الذي يمتص جميع طاقتها السلبية لكن هذا يؤجج غضبه، وجانب شرير من داخله يجعله يود كسر عظامها اللينة حتى تخرس وتتعلم ألا ترفع صوتها عليه، تفاجئ حينما ألقت في وجهه حقيبتها ليتلقاها وهو يقول تحت أسنانه بنبرة غاضبة
- شادية.

حتى هو يريد أن يغضب والله لن يحدث همت بالشجار في وجهه إلا إنها لا تعلم متى أصبح أمام وجهها يميل برأسه حتى شعرت بلفحة حارة تخرج من شفتيه وهو يكاد يتحكم في أعصابه، ارتجف جسدها حينما شعرت بكتلة عضلات تلف جسدها لتعود خطوة واحدة بلا إرادة من جسدها بل عقلها وهو يبتعد عن الخطر المحقق أمامه
همس عاصي بنبرة دافئة وللعنة مشاعرها الأنثوية تريد الاستيقاظ له.

- متسمحيش لحد انه ياثر عليكي أو على شغلك، خليكي واثقة دايما من نفسك، العصبية عمرها ما بتيجي بفايدة
حمدت ربها أنها تنظر إليه خلف نظارتها القاتمة لا تعلم ماذا سيحدث إليها لو رآها أمامه معراة الروح، لثواني تنظر إليه دون حركة واحدة لكن لا تعلم هل هي ضعيفة لتلك الدرجة لتتأثر به؟!، هل هي علامات لعدم اختلاطها بالرجال لفترة من الوقت؟! أشاحت بعينيها بعيدة عنه لتهمس بنبرة متهزة
- رجعنى للمكتب دلوقتي
- اتفضلي.

لم تمهله لحظة وهي تخرج من الفندق لتتوجه خارجا، هز رأسه يائسا وهو لا يصدق أن تلك المرأة التي كانت بالداخل امرأة متزنة أمام النساء بالداخل، اشتعلت بالغضب حينما رأته ينظر لامرأة غيرها، بل حافظت على برودها حينما شعر بخطر من وجود امرأة ذات خصلات شعر حمراء تتقدم نحوهم، يعلمها جيدا لطالما رأى حروب باردة تقوم بين المرأتين لكنه لم يهتم كثيرا، لكن يبدو تلك المرأة ذو الخصلات الحمراء تريد تدمير تلك السمراء الغاضبة.

ما إن صعدت شادية السيارة حتى تصاعد رنين هاتفها، انسلت الهاتف من حقيبتها لتصيح بنفاذ صبر إلى مساعدتها
- ياريت تجيبي كل الخير يا نجوى
أجلت نجوى حلقها وهي لا تعلم كيف تبلغها بالمصيبة التي حدثت، وما جعلها تشعر بالتراجع نبرة شادية الغاضبة، حفزت نفسها للتشجيع حتى تقر بسرعة كي لا يخذلها لسانها
- شادية امسكى اعصابك، الأمير فسخ العقد بتاعه وقرر يروح لمنظمة تانية.

أرخت شادية رأسها على المقعد لتغمض جفنيها وهي تهمس بسخرية
- والمنظمة التانية دي تبقى نانسي مش كدا؟
استمعت إلى نبرة نجوي التي أكدت حديثها
- للاسف، لكن فيه خبر حلو، من اخباري عرفت نانسي خسرت زبون مهم جدا، وقدرت اديله الكارت بتاعنا.

الصداع يكاد يفتك رأسها، مسدت جبينها بإرهاق شديد وهي تبحث بيدها في الحقيبة عن أقراص الصداع، وضعت البرشام في فمها وحينما همت بالبحث عن قنينة مياه وجدت عاصي يقدم يده بزجاجة مياه، لم تنظر له ولم تشكره ولكنها اخذته منه لتتجرع الماء وتنتظر حتى يبدأ مفعول الدواء، بنبرة عديمة الحماس قالت
- مين الزبون؟
سارعت نجوى مساعدتها تجيبها بكل حماس تختلقه في صوتها حتى تعوض خسارة الزبون الهام.

- رجل أعمال مصري عايش في أمريكا، قرر هو وخطيبته يتجوزوا في مصر لكن ليه شروط غريبة، بس هنسمعها وقت ما يجوا المكتب
بنبرة ساخرة علقت
- ايه ناوي يحتفل بجوازه تحت الماية مثلا، انا كدا كدا في طريقي للمكتب، يبقى نتقابل
أغلقت المكالمة دون أن تنتظر سماع الرد على مساعدتها، تعلم أنها قليلة التهذيب اليوم مع الجميع، لكن رؤية نانسي دائما تعكر صفو مزاجها اليومي، انتبهت على صوت عاصي الحاد
- اضحكي.

لوهلة ظنت أنها هلاوس سمعية وصوت جهوري داخل باطنها يأمرها بذلك إلا أن الصوت تكرر عدة مرات، رفعت رأسها لتصطدم عيناها في المرأة الداخلية بعينيه وهو ينظر الى الطريق تارة واليها تارة أخرى
تحفزت ملامحها للانقضاض عليه وهي تهمس بحدة
- متامرنيش
بكل برودة أعصاب وابتسامة ماكرة قال
- ابتسمي متكشريش في وشى.

جحظت شادية عيناها وهي تفتح فمها ببلاهة، إن كان للبجاحة حدود فذلك الوقح تعداها بكل صفاقة ووقاحة، ابتسم عاصي ابتسامة ملتوية وهو يكاد يمنع نفسه من الضحك من منظرها يقسم لو رأت نفسها في المرأة لخبأت وجهها عنه لمدة لا تقل يوم، يعلم انها تتحكم في أعصابها وتعود للامبالاتها في فترة قصيرة، قال بحرج وهو يعود بعينيه نحو الطريق
- اقفلي بوقك يا استاذة.

اعتصرت شادية قبضة يدها، ألا يكفي عملها ليأتي ذلك السمج المثير للأعصاب حتى يلقي بكلمات مستفزة مثله في وجهها، انفجرت في وجهه بنبرة حادة
- سوق وبص كويس مش عايزة اتعرض لحادثة بسببك.

تنفست بهدر وصدرها يعلو ويهبط من الانفعال، لن تنكر أن اختفاء تعابير التسلية من وجهه جعلها تتوجس خيفة منه، كانت مرتعبة بالداخل، تقسم أنها تتلو الشهادتين، تعلم أنها تشد ذيل الأسد لكن لا تعلم لما تحب أن تشاكس الأسد بكل غباء منها، وكلما تحاول أن تتجاهله يشاكسها هو
وكأن أصبح هناك طريقة خاصة بهما يتعاملان بها والتفكير بذلك يجعل الأمر حميمي وخاص جدا وهذا لا ترغبه ابدا
انتبهت إلى صوته الهادئ.

- انت عارفة التكشير بتسرع من تجاعيد الوش
رفعت حاجبها استنكارا لردة فعله الباردة رغم انها تري الشرر المتراقص في مقلتيه وهو يحرقها بتلك النظرات حينما ينظر إليها عبر المرآة، تنهدت بحرارة وهي تدلك عنقها لتهمس بنبرة متعبة
- عاصي
ارتفع عاصي عينيه نحو المرآة ليشفق عليها وهو يري تقاسيم وجهها السمراء الشاحبة، غمغم بهدوء
- عيونه.

تلون وجنتيها بالحمرة وهي تستمع الى ردة الذي يبدو خرج عفوي منه، بللت طرف شفتيها وهي تنزع عيناها انتزاعها عن عينيه ليهمس بنبرة مرحة
- بريئة يا استاذة
رغما عنها ابتسمت وهي تشيح بعينيها نحو النافذة، الضيق اختفي والصداع الذي يفتك برأسه يبدو أن الدواء يجري مفعوله حتى أصبحت تشعر براحة أكثر، تعلم أن ما يحدث مع ذلك الحارس يرفضه عقلها تماما
ولا سؤال على القلب هنا، لأنه في وضع النوم.

لكن تلك المشاعر الأنثوية اللعينة، تلك المشاعر المتحفزة بل تهفو لتلتقط كلمات عفوية منه ستقتلها حتما حتى تعود بكل راحة قبل وجوده، رغم علمها قبل أن تراه أنها لم تعيش براحة لكن هذا أفضل بكثير أن تعيش بلا مبالاة وبرود بدل التحفز والترقب طيلة الوقت.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة