قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثاني والعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثاني والعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثاني والعشرون

في الفندق،
ينقر بأنامله على طاولة المكتب، منتظرا برتقاليته للظهور، فمنذ ليلة أمس وهروبها منه، هل تهرب منه حقا؟! أم تخبره لا وقت للعبث معي؟!
ومنذ متى هو يهتم برغبات الآخرين، يراها طالبة منه المساعدة
عيناها منذ رآها اللحظة الأولى سوداويين
لكن مع التدقيق، لون حدقتها بنيتين
ومع ضوء الشمس تصبح كهرمانيتين
ضيق حاجبيه وهو يمرر يده الأخرى على لحيته المهذبة، لما هي معقدة لتلك الدرجة؟!

تذكره بمسائل اللوغاريتمات المعقدة أيام دراسته، أم هو يقعدها ليدفع بنفسه في تيارها!
وما المثير بها لتلك الدرجة؟!، توقفت أصابعه على النقر وهو يلعن من بين خلجات عقله، ينهر عقله على ذلك السؤال الغبي، من المفترض أن يسأل ما هو الغير المثير بها لينفر منها؟!

أجواء البلاد العربية الحارة باتت تزعجه، كز على أسنانه وهو يتذكر ليلة أمس التي قضاها في التطلع لملامحها الفاتنة بدلا من الاهتمام بمشروعه، يتردد اسمه الهامس منها كملمس ناعم يدغدغ خشونة كفيه، ينتظر المرة الثالثة التي سيمسك بها كفها حتى يطلق وقتها العنان لجموحه الثائر حرا لغزوها، سينتزع منها كل لمحة أرقته، كل لفتة قيدته، لدرجة لو طال يتسلل لها بين أوردتها كمرض مسموم.

انتبه من شروده على صوت جيهان التي أصدرت تضجرا من صمتها لتمتم
- أخبرني هل أبدو مريعة؟
لطالما يكره تلك البدايات من الاسئلة، أسئلة ذات معنى عادى لكن محتواها متفجر، يكاد يزعزع أي علاقة، التفتت إليها بابتسامة ساحرة ليتمتم
- بل فاتنة جميلتي، يعجبني إشراقك في الصباح.

ضيقت جيهان عيناها، لتضم شفتيها بامتعاض، الإجابة لم تسرها اطلاقا، لاحظت ليلة أمس تحديقه السافر بشقيقتها، بل الجميع لاحظ واختار الصمت واللامبالاة كما شقيقتها التي لم تصدر أي انزعاج بل التفتت إلى عملها بكل جدية ورسمية شديدة، كانت قليلة الكلام رغم أسئلته التي يلقيها في ملعبها بل بمهارة شديدة تهرب من أسئلته لتهتم بالزفاف المرتقب، وضعت علامة (اكس ) للصفة الأولى به لتقول بنبرة ماكرة
- أنت معسول الكلام.

هز سرمد رأسه وقال بصراحة
- أبدا، أنا رجل أجيد تقدير الجمال الذي أمامي
فقط لو ينزع النظارة من عينيه، جزت على اسنانها الرجل يخفي باب التوغل لمشاعره وصدق كلامه، كيف ستصدقه وهو يخفي عيناه الماكرتين كما لسانه، مررت يدها على خصلات شعرها لتقول
- إذا أنت وأسر أصدقاء؟

ارخي بجسده على المقعد وهو يلتفت إلى جيهان شقيقة البرتقالية علم ذلك مساء أمس منذ ان استدرج نجوى مساعدة البرتقالية لتعطيه معلومات كافية عنها وللأسف لم يحظي بمعلومات عملها ومساعدة شقيقتها في ذلك الزفاف، ظنها ستصبح حليفته، لكن الماكرة العربية يبدو أن لها قرون استشعاريه للترصد من الخطر لتعطيه معلومات لا تسمن ولا تغني من جوع، جمالها المبهر الخاطف للعيان لا ينكره، بالنهاية هو رجل يقدر الجمال، يعطي لكل امرأة العناية التي تستحقها، غمغم بمشاكسة.

- تعلمين، تلك البداية الفضولية لفتح خزائن الرجل لتعريته
هزت جيهان رأسها نافية وقالت بأريحية شديدة
- أبدا، فضولية نعم، لكن لست لدرجة الوقاحة، إن رغبت بعدم التحدث ليست مشكلة
صمت سرمد وعيناه تحدق في كوبه الحراري ليعود النظر نحو الباب المغلق، فقط لو أطلق وحوشه الحبيسة العنان لجذبها تلك البرتقالية من شعرها وجرها إلى غرفة المكتب، أو يجذبها إلى غرفته ثم...

ترك لمخيلته العنان التفكير بجموح شديد، إلا أنه سرعان ما لعنها في سره وهو يعتدل بحدة، قبض بقوة على يده وهو يهب من مجلسه بحدة، الحرارة بدأت تسير في أوردته، كجمرات مشتعلة، نظر نحو مكيف الهواء الذي لا يصيبه بلسعات باردة تهدأ من جحيمه الخاص، أغمض جفنيه لثواني ثم عاد يجلس على كرسيه بهدوء.

رفعت جيهان حاجبها بتعجب لحاله ذلك المجنون الذي كان يبتسم بعبث قبل أن تتجهم ملامحه ثم انتفض من مقعده كما لو أن عقرب لدغه، يدور جيئة وذهابا حتى وقف أمام المكيف ثم عاد إلى مكانه كما لو لم يحدث شئ، وضعت علامة ( اكس ) الثانية، الرجل لن يكون من معايير شادية أبدا، انتبهت على سؤاله العابث
- إذا أنت والأشقر على علاقة أو حدثت مشاجرة بينكما فأصبحتم متباعدين.

مالت برأسها وهي تبتسم بمكر شديد، توهجت بندقية عيناها لتغمغم
- تستطيع إيجاد عدة أساليب أخرى لاستدراجي
يلعب لعبة خطيرة معها، تلك الابتسامة الناعمة والعينان الناعستان ونبرتها المغناجة يعلمهم جيدا، ابتسم بتحفظ شديد وهو يقول بلا مبالاة
- للأسف أنا رجل صريح يا فاتنة، صراحتي لا تعجب الكثير لكن ستعجبها رغما عن أنفها
ازداد لمعة عيناها وهي تهمس بنعومة شديدة، تستميله لفخها
- من؟

مرر يده على خصلات شعره الكثيفة ليبتسم بخفة قائلا بغموض
- التي تكره صراحتي
انتفضت جيهان من مقعدها، تشعر بازدواجية حديثه، بل ازدواجية شخصيته، صاحت بحنق
- انت رجل...
قاطعها قائلا بملل
- واثق، ناجح، مغرور، نرجسي وبلا بلا بلا، يحق لي ذلك بعد أن حفرت بطريقي للنجاح.

علمت أن طريقة المهاجمة لا تجدي نفعا، بدلا من استفزازه ستحاول أن تجد صفات جيدة رغم عدم تأكدها من عدم وجود الخصال به، اقتربت منه لتجلس في مواجهته، غمغمت بثرثرة لطيفة
- لكن سرمد كلمة عربية، كيف؟
استسلم إلى تيارها الناعم بإرادته وهو يقول بهدوء
- ألم أخبرك قبلا، لي أصول عربية، لكن انا تربيت وترعرعت في إيطاليا وبعد أن بلغت سن الرشد واكتشفت موهبتي لحب الصور التحقت بمعهد حتى أضع بصمة خاصة بي.

بدت الدهشة ترتسم ملامحها، هبطت عيناها لوجهه وجسده، كيف لم تعلم ذلك الأمر، سرعان ما تبدلت ملامحها لابتسامة بلهاء وهي تسأله بمكر
- ايطالي أم عربي؟
بمرح شديد رد على فضولها
- ايطالي
انطفئ الوهج في عينيها إلا إن تعمد ينطق بتلكؤ شديد
- يوجد تشابهات كثيرة بين الإيطاليين والمصريين يا فاتنة
همت بالرد عليه، إلا أن عاصفة برتقالية قررت التخلي عن صمتها لتهب في وجهه
- ابدا، أنتم مجرد نسخة باهتة شاحبة الملامح من الأصل.

انفجرت جيهان ضاحكة وهي تغمز له بمكر
- ضربة في منتصف الجبهة.

استقامت من مجلسها معتذرة وهي تغادر الغرفة، لتبقى البرتقالية وحيدة، كنعجة ثمينة في الوادي الخاص به، تفحصها بتمهل شديد لكن الخصلات الحرة تم تقييدها في كعكة بشعة، ما الذي تفعله تلك المغفلة؟!، هبطت عيناه نحو بلوزتها الحريرية الزرقاء ثم إلى تنورتها البيضاء التي ضمت جسدها بحب، اتسعت ابتسامته، تعلم كيف ترضيه تلك البرتقالية جيدا، ود أن يلتقط صورا في ذاكرة صديقه إلا إن ابتسامته الماكرة جعل شادية تتأفف بشديد وهي تجلس على مقعدها ملقية بالأوراق على الطاولة، صاحت ببرود شديد.

- وما الذي يتميز به رجالكم عنا؟
وصلته رسالتها الخفية، ما زالت الابتسامة العابثة مزينة ثغره وهو يتأمل وجهها النضر الخالي من مساحيق التجميل، قال ببرود مستفز
- ولما الرجال تحديدا؟ أنا تحدثت بشكل عام.

هزت رأسها يائسة، الله يعلم كيف ستتحمل ذلك الإيطالي لفترة أطول، تحاول أن تجلد ذاتها قائلة فقط أيام وسيسافر إلى الأقصر وأسوان، عسى فقط أن يصاب بضربة شمس يمنعه من إتمام الزفاف ويأتي بمساعد بدلا عنه، فتحت عقد عملهم، تحاول أن تجد ثغرة تضغط بها عليه، لكن لا شيء، كل شيء من طرف المتعاقدين صريحة وواضحة، هي لها السلطة الأعلى داخل قاعة الزفاف فقط وما خارجه فهو من شأنه.

من الجمود للحنق ثم الضيق، تقضم شفتها السفلى بحدة وقلمها يطرق بإيقاعات حادة، تكاد تكون قاتلة وهي تنظر نحو الأوراق التي استنتج انها ورقة عقدهم، غمغم بمشاكسة
- انتى تخافين
رفعت رأسها بحدة لتتكرر كلمته بريبة
- أخاف؟!
هز رأسه موافقا وهو يقول بثقة شديدة لا تعلم مصدرها
- نعم، تخافين الوقوع في حب رجل نرجسي، بارد المشاعر، شاحب البشرة عكسك يا سمراء.

اتسعت عيناها هلعا وهي تستقيم من مكانها، تحاول أن تجد كلمة تفيق ذلك المختل، شعرت به يحاول الوصول لها لتنتفض بجسدها رافضة بنفور شديد وهو يتمتم بنفس نبرته الواثقة
- لكن اجزم لك ما بداخلي براكين لم اقدر على إخمادها منذ رؤيتك يا...
لمعت عيناها بغضب شديد وهي تقترب منه لتصفع وجنته، تنفست بهدر وما زال صدى الصفعة يدوى في غرفتها، صاحت بنفور شديد وملامحها تتحول للاشمئزاز
- سافل، منحط.

الغضب استفحل طبقته الباردة، لم يصفعه احد، بل لم يتجرأ أن يفعلها وتأتى تلك البرتقالية تكسر قيودا، امسك معصمها بحدة وقوة جعلها تطلق تأوه خفيض، اعتصر رسغها ليشعر بمحاولاتها الفاشلة للفكاك منه، دفع جسدها للخلف ليحصرها بجسده ومن الخلف بالطاولة، انتزع نظارته والقاها على الطاولة بدون اكتراث ليغمغم بخشونة ولهجة خطيرة
- ان مدت يدك مرة اخري علىّ اقسم لك انى سأكسرها.

سكنت شادية وهي ترى الفتيل المشتعل في عينيه السوداويين، أسدلت أهدابها باستحياء شديد وهي تشعر بسهوم قاتلة من عينيه تكاد تعريها، عينيه مميتة، إلا إن الانتفاضة في جسدها جعلها تكز على أسنانها بغيظ لتمتم
- لا تهددني ابدا
اقترب اكثر وهو يحاول ان يشم عبيرها الذي لم يلتقطه حتى الآن، غمغم بخشونة
- مشاكسة
حذرته من التمادي أكثر بعينيها ويدها الأخرى على وشك الاستعداد لصفعه مرة أخري، صاحت ببرود شديد.

- هل انتهيت الآن، أريد تغيير العقد الذي بيننا
راقب محاولاتها البائسة للتحرر منه، تكاد تتلوى لتفك اثر يدها منه، غمغم بنبرة عملية لا تتناسب وضعه المشتعل
- مبدئيا العقد مع مساعدتي الخاصة، رغم تحجيمك لي والذي رفضته وما زلت رافض له لكن أستطيع التغاضي عنه بسبب...
انفجرت هادرة في وجهه والشرر يتراقص في حدقتيها
- ابتعد عن اختي، فهمت، أساليبك تلك لا تمارسها على فتياتي هنا، لا أهدد هباءً، الزم حدودك.

مال ليقترب من رأسها هامسا
- أتغارين يا جميلة؟
- افندم!
لا تصدق لما يصر أنها معجبة به، ما الدليل الذي يملكه كي يقر شيء غير موجود بالصحة، تشعر بالتهديد، بل بالخطر منه، شعور طبيعي للغاية، هو يخترق حدودها الحمراء برعونة شديدة، بدأت تشعر بالهوان يصيبها في جسدها ونظرات عينيه تعريها بخجل مؤسف لها، تلونت وجنتيها بالحمرة وهي تسمع همسه الخافت.

- اشعر بتذبذبات جسدك حتى لو على بعد مسافة بعيدة شعرت بك منذ دخلت الغرفة ولم تصدري صوتا كي تراقبيني مع شقيقتك، عينيك المغويتين ترمقني بسهام نارية وتتغضن ملامح وجهك للضيق أو خيبة ربما
رفعت عيناها ببهوت شديد، الثقة الخطيرة المنبعثة من عينيه لا تريدها، ابدا، لوت شفتيها لتهمس بسخرية
- أحب أن تبني أحلام وسقف أمنيات مرتفعة حقا، أنا لا اكترث بك، تريد العبث خارج الفندق لا دخل لي بك، عملي وفتياتي خط أحمر.

اهه خفيضة أطلقتها حينما قسي على رسغها بخشونة شديدة غير مكترثا برقة وهشاشة عظامها، صاح بتمرد
- وضعت القوانين ليتم اختراقها.

زمجر بغضب شديد وهو ينفس عن غضبه بضغطه عنيفة لرسغها، نعومة جلدها يغريه، يغريه لدرجة يدفعه عقله للجنون، نظر نحو خاتم خطبتها متطلبا من وحوشه الصبر، لن يقترب من امرأة مرتبطة، سيسعي على فسخ خطبتها اولا ثم سيطلق العنان لوحوشه وإخراج وحوشها الصغيرة معه، احس بتهاون جسدها وعيناها التي تتسع بجحوظ مخيف، مخيف لدرجة أن رأت أفكاره العابثة، تضرج وجهها بالحمرة الشديدة ليبتسم وهو يسترسل هامس.

- سأغازل من أريد، لا شأن لك بى سوى بعملي، لا يوجد في العقد شرط يمنعني من تقدير جمال النساء
تمتمت بحدة طفيفة ورجفة جسدها يصله عبر يدها الاسيرة له
- سنفسح العقد
أنامله داعبت نبض رسغها للمرة الثالثة، أفلتت يدها بخشونة منه وهي تبتعد بمقدار انشات عن الموجة الحارة التي ضربتها، استمعت يتمتم ببرود شديد.

- الزفاف مهم بالنسبة لك، اعلم هذا، منظمة اخري كانت ستتعاقد معي لكن آسر اخبرني ان صاحبة الخصلات الحمراء تغيرت، أصبت بالإحباط حقا وفي مخيلتي وجود امرأة، باردة عملية لكن لا بأس بك سأضطر للمتابعة
استشعرت سخريته منها ومن أنوثتها، الرجل قاب قوسين أو أدني على وشك التهامها دون القدرة هي على التفوه بشيء، ثم رسائل عينيه الوقحتين، لقد قرأتها لا تعلم كيف، لكنها استشعرت خطرا محقق منه، زفرت ساخطة.

- انت زودتها اوي
صاح بتساؤل فضولي شديد وعيناه ترتكزان على ساقيها بنهم
- لما لا ترتدين تنانير قصيرة
هبطت عيناها تدريجيا نحو تنورتها التي تغطيها حتى أسفل ركبتيها لترتفع عيناها نحوه، لتجده ينظر الى ساقيها بعبوس شديد، أجلت حلقها وهي ترد بحدة
- وما دخل لك بي
ارتفع عيناه من ساقيها نحو تنورتها المهلكة ثم خصرها النحيف ليصل نحو عيناها قائلا بمغازلة
- تبدين اجمل بها.

زفرت ساخطة بشدة وهي نحو عينيه الوقحتين، نبضات قلبها تتسارع بجنون مخيف تحت وطء نظراته، وكأنها مستحبة لري عطشها الواضح، تمتمت بهمس
- خلصت من عاصي تظهر انت
عاصي كان يلعب على أوتار أعصابها، يدفعها لفقدان سيطرتها، لكن ذلك!
يلعب على أوتار أنوثتها، يتمسك بقيود جسدها المستسلم له بخزي شديد،.

ال، ، لا تعلم أي شتيمة تفي بحقه، جريء لدرجة غير مهتم بأنها امرأة مرتبطة بغيره، خيالاته الجامحة ستؤرقه فقط في أحلامه لأنها لن تتحقق، مررت يدها على عنقها تمسده بتعب واضح، انتبهت على صوته المتسلي
- حسنا، اذا كنتى تخشين منى لتلك الدرجة كونى بدلا منها
تلونت وجنتيها ووجها تجهم بحنق لتصيح
- افندم
تابع ثرثرته الهادئة وهو يقترب من الطاولة ليهبط بمستوى عيناه نحو عينيها قائلا.

- خلال السفر تكوني في صحبتي كي تمنعيني من النظر للجمال وشقيقتك
رفرفت عيناها ببهوت شديد تحت ابتسامته الماكرة، لوت شفتيها قائلة بحنق
- لست متفرغة، يوجد عمل ساشرف عليه هنا حين عودتكم من الرحلة
انفرجت عن شفتيه ابتسامة ليقول بنبرة عابثة
- احظي بعض المرح يا فتاة، ازيلى ذلك العبوس، إلا إذا فريقك غير كفؤ لينفذوا طلباتك
لم تستجيب لتحديه لتهمس بجمود وهي تثبت له كفاءة فريق عملها.

- انت لا تعلم ما هي الاختبارات التي يخضوعونها للموافقة عليهم والانضمام لفريقي
لمعت عيناه بإعجاب شديد أخافها، أربك فرائصها المرتعدة لتسمعه يغمغم
- أسبوع لن يؤثر
همت بالرد عليه الا أن احدهم فتح الباب على عجاله، لم يبتعد عنها مقدار انش ليدير بوجهه نحو جيهان القائلة بحماس
- سرمد، هيا بنا العروس منتظرة بشوق للذهاب الى الاهرامات.

هز رأسه موافقا وهو يلتفت نحو البرتقالية ذات الوجنتين الحمراويين ليميل هامسا في أذنها بنبرة أجشة
- فكري يا جميلة، تذكري سأسترد تلك الصفعة غاليا منك.

ارتعد بدنها والزفرة الحارة الخارجة من شفتيه ضربت عنقها استجابت لها، ارتدت مبتعدة عدة خطوات وهي تعطيه ظهرها، تخبي ما يعتري على وجهها أو مشاعر فاضحة لعينيه، كزت على أسنانها بغيظ وهي تشعر بقدميه تتجهان صوب الباب، تتبعته بعينيها لتجفل من لحظة إمساكه بها، رفع نظارته وهو يغمز لها بعينيه قبل أن يغادر لتطلق شادية زفيرا ساخطا وعقلها لا يسعفها التفكير سوى أنه فقط أيام وسيغادر وينتهي افتتانه بما هو لم يصادفه قبلا، سخرت من كلماتها الحمقاء، الرجل لن يغادر حتى يحقق مأربه منها، لكن هي له بالمرصاد.

ساقيها يسابقان الريح، تخشي أن تقابل جدها أو عمتها، لا تجد أحد يتحدث معها وتبث شكواها، لا وجود لصديقة حقيقة تحفظ أسرارها رغم كثرة معارفها لكن جميعهن سطحيات لدرجة مستفزة، أكثر سطحية منها وبعقول فارغة، وحالمات مثلها، يحلمن بعريس وسيم من عائلة تفوقهم ثراء لكنها حلمت برجل يخطف دقات قلبها، يأسرها حرفيا، عيناها تبحث بتلهف عنه عينيه، عيناها تحفظ ملامحه التي نقشت على جدران قلبها.

تكون هي ملكته المتوجة، أميرته المدللة، وزوجته الكئيبة، والحبيبة الغيورة، ويكون هو رجلها الأوحد، آمانها وحاميها الأوحد، يهب لها حبه لحد التخمة، ينعش أنوثتها بغيرته من عيون الرجال عليها، ترى اهتماما صادقا من عينيه، بهتت فجأة وتوقفت ساقيها عند آخر درج.

لما لم تجد هذا في لؤي؟!، لما لم يقدر أن يغترف بعضا من مشاعره لها؟، غامت عيناها بالحزن وهي تنفض سبات الوهن لتتحرك خارجة من القصر إلا أن صوت جميلة أوقفها للحظات
- وجد
جففت دمعتها المتساقطة ولم تلتفت إلى المنادى إلا أن صوت عمتها الملح بشدة أوقفها
- وجد، أنا بنادي عليكي.

عضت على شفتيها ليست بجاحدة حتى لا تنسى اهتمام عمتها بها، دارت على عقبيها لتلفت إلى عمتها قائلة بنفاذ صبر وهي تنظر إلى الساعة المزينة معصمها
- خير
اتسعت عينا جميلة بصدمة من وقاحة ابنتها الجديدة عليها،
- رايحة فين
راجعت عن هجومها وهي تحاول التحكم في غضبها الجريح، تمتمت ببرود أعصاب
- النادي، وبعدين هعدي على الشغل اشوف ايه اللى ناقص.

اقتربت جميلة وهي تضع يدها على ذراع ابنتها التي ربتها، إلا إن ما قتلها تمنع وجد وهي تتظاهر برفع يدها لتعدل تصفيفة شعرها، طعنة وألم يكاد يقتلها وهي تهمس
- وجد، عايزاكي متضايقيش مني
هزت وجد رأسها وقالت بفتور شديد
- متقلقيش يا مماه مش مضايقة.

صمتت جميلة للحظات، لا تعلم كيف هي على وشك التصريح بشيء مثل هذا الوقع على أذني صغيرتها، لكن ها هي الآن تجنى ما زرعته، لا أحلامها تحققت ولا أحلام ابنتها تحققت، الفتاة تكاد تصبح نسخة مصغرة منها بطريقة مفجعة.

قلبها المتلهف يخشي عليها أن تجرها أمواج الغضب والخذلان لسنوات حتى تتساقط الوردة المتفتحة عبير أخاذ على الأرض وتدهسها أقدام المارة بقسوة شديدة، غمغمت بنبرة خفيضة وعيناها تراقب تعابير وجه وجد الجامدة
- شادية هتظهر في كذا مناسبة معانا خصوصا انها هتبقي
بنبرة فاترة قاطعتها وجد قائلة
- مراته.

دمعت عينا جميلة بأسف شديد، وألم جعل جحود وجد الظاهري يستسلم، لكن امتنعت، ليس الآن، يجب أن تشعر ما أجرمته في حقها، غمغمت جميلة بنبرة معذبة
- انا اسفه
ارتفعت عينا وجد لتقول بنبرة باردة
- محققتيش حلمك للاسف، لا الاول ولا التاني
هزت رأسها بتلهف شديد، وهي تلاحظ الاستجابة في عيني ابنتها، لتقول بتسارع
- معتصم مش موافق على الجواز، باين عليه انه
قاطعتها وجد صارخة في وجهها
- تاني، امل تانى.

اقتربت منها وهي تصيح بانفعال شديد، احمر وجهها من الانفعال وهي تنظر بقسوة لجميلة
- المرة الجاية هتعملي فيا ايه
تراجعت جميلة متقهقرة من الهجوم المباغت، تمتمت اسمها بتعطف
- وجد
علا صوتها بانهيار شديد
- ببساطة انا تعبت، فاهمة، تعبت، من كل محاولة بتنتهي بالفشل
همت جميلة بمقاطعتها
- لكن
صاحت بنبرة قاطعة وهي تتوجه نحو خارج المنزل بأقصى سرعة لديها
- انا ماشية.

همت جميلة بملاحقتها إلا أن نداء غالب أوقفها عن زيادة جحود قلب وجرح قلب الآخر
- جميلة
التفتت نحو والدها الذي حظت به بالدنيا لتمتم برهبة
- نعم
صاح غالب بحدة
- متلعبيش في عقل البنت، انا ساكت من الاول عشان قولت يمكن لؤي يغير قراره، لكن دلوقتي هو ارتبط بواحدة سيبي البنت تهدي
قاطعته جميلة وهي تهم لتخبره عن مدى كره معتصم للارتباط
- بس
رفع يده قاطعا ليصيح بصرامة شديدة.

- من غير بس، مش عايز افقدها زى ما فقدتك، وجد مش من نصيب لؤي، لؤي لو كان مايل ليها من الأول كان خطبها
عضت جميلة على شفتيها وعينيها المغرورقتين بالدموع تحكي قصص عن الآلام لتمتم
- حظها قليل
اخفض غالب عينيه وهو يغمغم بصوت جامد
- او يمكن مش نصيبها مع لؤي، انا هنام ساعتين قبل ما انزل الشركة.

أومأت جميلة برأسها وقلبها يتمني بكل توسل أن يسعد قلب ابنتها، تستحق وجد من يسعى لنيل قلبها، رغم قصتهما المتشابهة لكن تتمنى أن يتغير مسار قصة وجد.

رمت حقيبتها داخل سيارتها لتصعد سيارتها، صاحت بعصبية شديدة وهي تصرخ باهتياج
- تيجي تدمر حياتي وتقولي عايزة مصلحتك
أطلقت صرخة مدوية وهي تضرب على المقود بضعف شديد
- ليه بتعملي فيا كده يا مماه، ليه.

رفعت يدها لتدير محرك سيارتها لكن المفتاح لم تجده، نظرت إلى جانبها لتتسع عيناها جحوظها من بعثرة محتوياتها على مقعدها ثم أرضا، بحثت داخل حقيبتها ولكنها لم تجده، هبطت برأسها نحو الأرض لتضع يدها على الأرض بحثا عن المفتاح، ابتسمت بظفر وهي تأخذه لكن أعاق طريقها وجود ورقة، عبست وهي تلتقط الورقة ايضا، وضعت المفتاح وبدأت بإدارة المفتاح لتشغليها، وقعت عيناها على الورقة، اتسعت عيناها وهي تتذكر صاحب تلك البطاقة، صاحب العينين الخضراوين والجسد العضلي الذي احتضنته، تلونت وجنتيها بحرج من تلك الذكرى، لتقع عيناها على المكان الذي يعتبر على مقربة منها، أومضة خاطفة عن حديثه.

-لما تشوفي مشاكل الناس، هتعرفي ان مشكلتك هينة لدرجة تحترمي نفسك من أفكار ممكن تيجي على بالك.

عضت على شفتيها وهي تضع الورقة في حقيبتها لتغير وجهتها من النادى نحو المكان، بعد نصف ساعة وصلت الى المبني لترتفع عيناها نحو الميتم الحديث، ليست ك المياتم المهجورة في الافلام، اتسعت عيناها ببهوت وهي تري ترحيب الحارس ليفتح البوابة الحديدة دون السؤال حتى، شهقت وهي ترى جمع من الصبية يرمون على بعضهم الالوان، تابعت بطريقها وعيناها توجهت نحو بضعة فتيات جالسات على الدرج يلونون على لوحة بيضاء، أوقفت سيارتها وهي تهبط من سيارتها وهي تتعجب من عدم وجود مشرف ينهر الأطفال من تفرقهم بدلا من مكوثهم في مكان واحد، صعدت الدرج لتنتبه نحو صوت امرأة.

- مساء الخير يا هانم، تحبي اخدم حضرتك بحاجة
هل هي في ميتم أم منزل الالعاب، أم في برنامج مقالب، هل يعقل ما تسمعه عن المياتم التي يتم بيع الاطفال وايذائهم لدرجة مؤلمة وبيع اعضائهم، غمغمت بارتباك
- مكتب المدير
هزت المرأة وقالت بملامح بشوشة
- الوقت ده مش هتكون في مكتبها هتلاقيها في الجنينة اللي من ورا
هزت رأسها وشكرتها بخفوت
- شكرا
ابتسمت المرأة بلطف شديد أصبح يرعبها
- العفو.

نقرات كعب حذائها على الأرض يصدر صوتا مزعجا، عيناها تتأمل بشغف وتيه شديد نحو مجموعة من الأطفال الجالسون على الأرض يلعبون بحرية شديدة وانطلاق حيوي بعث لقلبها ابتسامة، هي متلهفة للقاء صاحبة تلك المؤسسة، إن وجدت حقا اهتمام المرأة للأطفال ستخصص مبلغ من أرباح متجرها لتلك المؤسسة، تخشب قدميها من صوت فتاة تصيح بذعر
- ابعدي عنها دي عيانة
صوت بكاء فتاة صغير صدر وهي تصيح ببكاء
- انا مش عيانة.

صاحت الاولي بقسوة شديدة
- انتى كدابة، انتي عيانة، اللى في وشك ده مرض
شهقت وجد من تجمهر الفتيات على الفتاة الضعيفة، بدون حماية مثل التي في مواجهتها، تهز الفتاة رأسها نافية لتقول ببكاء
- مش عيانة، هو قالى انا مش عيانة
التفت الفتاة تبدو أكبر عمرا من الصغيرة لتقول بقسوة
- امشي، عشان متبقيش زيها.

اقتربت وجد بلهفة نحو الصغيرة التي تبكي بقهر جعل وجد تحن عليها لتهبط بجذعها لتنبته الفتاة من وجود أحدهم، رفعت عينيها لتنظر بتوجس اليها وهمت بالابتعاد عنها الا ان وجد همست بلهفة
- قربي متخافيش
لثواني نظرت الفتاة بتوجس والدموع تسقط من عينيها لتقترب منها قائلة
- انا، انا مش عيانة، قالي ان انا جميلة
مررت وجد اناملها على جديلة الفتاة لتهمس بعذوبة
- انتى جميلة يا حبيبتي.

مسحت الفتاة دموعها سريعا وهي تنظر بشغف وفضول نحو المرأة التي تهتم بها لتمتم بطفولية محببة
- بجد، انتي مش خايفة مني زيهم
مالت وجد تقبل كلا وجنتيها ثم قالت بنبرة ناعمة
- ابدا، انتى جميلة عنهم، عندك حاجه نادرة عكسهم، وده اللي مخليهم متغاظين منك
رفعت الفتاة رأسها نحو زاوية معينة خمنت وجد أنهن الفتيات الشريرات، لتهبط عينا الفتاة قائلة بتساؤل
- بجد.

هزت رأسها موافقا وهي تسمح دموعها العالقة في أهدابها، تمدها بثقة وحماية ولو مؤقتة
- طبعا
ابتسمت الفتاة بعذوبة شديدة لتهمس
- هو الوحيد اللي كان بيقولي اني جميلة، شايفني حلوة حتى وانا كدا
تساءلت بفضول شديد وهي تراها تكرر شخصا بعينه
- مين ده؟
اجابت الفتاة بلهفة شديدة وهي تصدر عبوس طفولي
- الدكتور، بقاله فترة مجاش ومضايقة منه
تخشب جسد وجد حينما استمعت الى صوت تعلمه جيدا، وكيف تنساه وهو من قادها الى هنا.

- جيت اهو، يا تري الاميرة هتعمل ايه للحارس الغلبان
سارعت الفتاة بالقفز في أحضانه بقوة وهو يفتح ذراعيه لها، اعتدلت وجد وهي تنظر نحوه ببهوت شديد، كيف طبيب؟، ألم يكن حارسا خاصا؟!، رأت عطفه وحنانه نحو الفتاة وهي تضحك بانطلاق شديد ابهرها بقوة، وتمنت من تجد ويزيل حزنها من قلبها، انتبهت الى صوت الفتاة
- هحكم عليك اممم، هحكم عليك انك تيجي هنا كل يوم
مال مقبلا جبهتها قائلا بنبرة حلوة
- الأميرة تطلب وانا انفذ.

لم تمتلك وجد سوى الابتسام، غمغمت الفتاة بحزن
-وحشتني اوي يا دكتور
ربت عاصي على ظهرها وقال
- مش قولنا الأميرة متعيطش، تحارب بقوة قدام الأعداء
رفعت وجد رأسها مجفلة، هل رآها؟، ما هذا السؤال الغبي بالطبع رآها، استمعت إلى صوتها المتحشرج
- بيقولوا عني عيانة عشان عندي بهاق وهعديهم
مال عاصي نحوها وهو يقبل كلا جفنيها وغمغم بنبرة عاطفية أبوية
- وانا قولتلك ايه
ابتسمت بنعومة شديدة وهي تهمس بحلاوة.

- انه بيجي بس للحلوين، وانه مش هيعديهم
قبل كلا وجنتيها وهو يخرج من بنطاله مصاصة بنكهة الفراولة جعل الفتاة تقفز من مكانها وهي تقبل وجنته
- شاطرة يا تسبيح
همست وجد وعيناها تدمع بعاطفة مؤثرة
- اسمها تسبيح
هزت تسبيح رأسها وقالت بانطلاق
- ايوا، بابا اللي سمهولى
سرعان ما تحول تفتح وجهها إلى حزن جعل عاصي يتمتم بقوة
- ها قولنا ايه
ازدرت الفتاة حلقها وهي تمتم بنبرة متحشرجة
- ربنا يرحمه هو وماما.

اقتربت وجد بلهفة من الصغيرة وهي تهبط بجذعها لتهمس برقة شديدة
- عيطي يا تسبيح
أجهشت الفتاة بالبكاء لترفع عينيها بلوم نحو عاصي الذي امتعضت ملامحه بيأس شديد، ربتت على ظهرها لتهمس بهدوء الى الفتاة
- تعرفي ماما وبابا ماتوا
توقفت الفتاة عن البكاء لترفع رأسها هامسة
- حتى انتي
اومأت برأسها ودموعها تسيل على وجنتيها لتهمس
- كنت زعلانة انهم مشيوا وسابوني لوحدي، بس جيه جدو غالب.

مسحت الفتاة دموع وجد بكفيها الصغيرين لتهمس بتساؤل
-بس مين جدو غالب؟
ابتسمت وجد ببهجة وهي تهمس
- جدو غالب ده اللي خلاني اعيش معاه
ابتسمت الفتاة لثواني سرعان ما همست بألم
- بس انا معنديش جدو عشان اعيش معاه
كانت على وشك السقوط في نوبة بكاء أخرى إلا أن عاصي تخلي عن صمته وهو يقول
- وانا روحت فين
اشرقت ملامح تسبيح لتصفق بكلتا يديها قائلة
- انا عندي دكتور عاصي و ميس روفيدا
تمتمت وجد بعدم فهم
- ميس روفيدا!

هزت تسبيح رأسها قائلة
- الماما بتاعتنا كلنا
ليأتي صوت عاصي الهادئ
- مديرة الملجأ
ابتسمت وجد وهي تهمس للصغيرة
- شوفتي ربنا بعتلنا ناس حلوة ازاي
هزت الفتاة رأسها مرارا، لتصمت قليلا هامسة
- انتي اسمك ايه؟
تمتمت بنعومة
- وجد
تساءلت بعدم فهم وهي تشعر بعدم معرفتها بمعنى اسم المرأة التي امامها
- يعني ايه وجد
ابتسمت ضاحكة وهي تقول بنعومة
- يعني قلب، اسمي معناه قلب
هزت الفتاة رأسها وهي تقفز من مكانها برشاقة.

- حلو الاسم، عجبني، هسمي عروستى الجديدة وجد
استقامت وجد وهي تمرر يدها على تنورتها القصيرة تنفض عنها أى أتربة، امتعضت ملامح عاصي للضيق ألم تجد تنورة أقصر منها حتى ترتديها، اشاح بوجهه بعيدا عنها لثواني قبل أن يلتفت اليها، ثبتته بنظرة منها ليرفع حاجبه قائلا بتساؤل
- بتبصيلي كده ليه
غمغمت بنبرة حرجة
- مقولتش انك دكتور انا افتكرت بس انك بتشتغل
قاطعها بهدوء.

- بودي جارد، غريبة مع انك لما شوفتيني اول مرة مفتكرتنيش
تلون وجهها من الحرج لتهمس بارتباك وهي تشعر بعينيه المتفحصة لها
- كنت مش غريب عليا، بس بعد فتره جمعت
صاح عاصي بضيق شديد لم يقدر على إخفائه متخيلا انحنائها في الشارع لأي سبب بتنورتها تلك، في البداية صمت ولم يملك سوى أن يشيح بوجهه مبتعدا عن النظر لكن لا يعلم ما الذي دفعه لتنبيهها.

- على كدا انتى بتوطي جسمك كدا كتير، لو بتعملي كدا ياريت تخلي بالك بعد كدا ومتوطيش في الشارع كتير
تفاجأت من هجومه المباغت عليها، وارتبكت لثواني وهي لم تلاحظ أن تنورتها قصيرة لدرجة أن يبدي ملاحظة، وتساءلت سرا ما سيقول إن رآها بثوب التنس والتنورة التي يراها قصيرة يوجد أقصر منها؟، انتبهت على صوته الآمر
- تعالى.

كادت أن تثور في وجهه إلا أنه سبقها بالمغادرة وهو يتوجه نحو الباب الداخلي للمبني، لحقته بفضول شديد ودافع غريب لكنه طفق يتشعب سائر جسدها..
عبير عطرها الناعم شمه قبل أن يحس بحرارة جسدها بجواره، غمغم قائلا بهدوء
- الملجأ لما اتعمل، مدام روفيدا كنت من فترة بشتغل معاها بودي جارد كانت أول مرة تنزل مصر بعد سنين من الغربة، هربت من اعمامها عشان الورث ومهمتي اني اتكلف بحمايتها.

انتبهت وجد بكل حواسها له، وهي تستمع قصة تشابه قصة الأفلام همست بفضول
- وبعدين
ابتسم عاصي وهو يرى عينيها اللامعتين بفضول، يؤسفه من إحباط خيالها الجامح ليتمتم
- الهروب تعبها وفي الاخر اتفقت توصل لحل الاطراف كلها تتراضي عنها، اتنازلت عن الشركة ليهم
حل العبوس على وجهها لتمتم بضيق
- بالسهولة دي
هز عاصي رأسه وهو يتابع حديثه قائلا.

- ابعد اهتمامات مدام روفيدا هو الشغل والشركة، اعمامها هما اللي مهتمين بالشركة وعارفين السوق ماشي ازاي
لا يعلم ما الذي يقوده ثرثرتها معه، المرأة التي أمامه هشة، هشة للغاية، تشبه أميرات ذلك الميتم الصغيرات، أجلسها على مقعد ما ليجلس بجوارها وهو يقول
- الفلوس اللي معاها كانت مقررة تبيع نصها للجمعيات الخيرية بس انا اديتها اقتراح تعمل بنفسها ملجأ خصوصا انها بتحب الاطفال.

ابتسمت وجد بنعومة وعيناها تدور في انحاء المكان، المكان مبهج ومريح للنفس، الالوان هادئة محببة للعين، ترى الأرضيات النظيفة، إذا ما زالت الدنيا بخير رغم مساوئها، كم تحسد روفيدا الآن، فهي وجدت سعادتها وهي..!
- ونفذته وكانت سعيدة جدا وهي بتشوف مشروعها بينجح، وانها قدرت ترسم ابتسامة طفل
انتبهت على صوت عاصي الذي تنحنح بحرج
- اتكلمت كتير صح
هزت رأسها نافية ووجنتيها يخضبان بحرج
- لا ابدا.

ابتسم عاصي وهو يغمغم بنبرة خشنة
- سعيد انك جيتي هنا
تخضبت وجنتيها بالحمرة لتهمس بارتباك
- مكنش ورايا حاجه، قولت اجي واشوف
صمتت وجد وهي تدعى النظر في الارجاء كى لا تتقابل عيناها مع صاحب العينين الخضراوين، التزم هو الآخر الصمت وهو يتأمل ملامحها الناعمة، خصلات شعرها الغجرية الداكنة الهابطة باسترخاء شديد وتمهل مهلك له، بشرة ذراعيها المكشوفة جعلت حاجبيه تنعقدان بانزعاج، انتبه على صوت روفيدا وهي تقول بتلهف.

- عاصي، اخيرا جيت
استقام من مجلسه ليقترب من روفيدا التي صاحت بضجر
- الحقني يا عاصي شوفلي حل مع الشركة دي، بقالي اسبوعين بقولهم يرشوا الجنينة عشان الحشرات، لحد دلوقتى بيماطلوا معايا
عقدت وجد حاجبيها بضيق لعدم اتاحة الرؤية للمدعوة بروفيدا بسبب ضخامة جسد عاصي، استقامت من مجلسها وهي تميل برأسها لرؤيتها، وهالتها الصدمة الثانية.

المرأة ليست عجوز، بل شابة!، هل شابة؟!، من الممكن أنها في منتصف الثلاثينات، وملامح اوربية خالصة، تجهمت ملامحها للضيق وهي تستمع إلى حنقها
- واخدين فلوس ليه لطاما مش هيشتغلوا
غمغم عاصي بهدوء وهو يتطلب منها الصبر
- أهدي، هتصرف انا، متقلقيش
اشرقت ملامحها الفاتنة لتثرثر قائلة.

- ياريت يا عاصي، عايزة ادخل التنس حتى لو ملعب صغير بس بعد كدا لقيت المساحة هتصغر من الجنينة، هشوف صاحب الارض اللى جنبي لو هيقدر يبيع حته من أرضه واضمها ليا، مين دى
صاحت فجأة هلعة وهي تشعر برأس إمرأة خلف جسد عاصي، وضعت يدها على صدرها تهدأ من نبضات قلبها الهادرة، التفت عاصي وهو ينظر الى ملامحها العابسة والعدائية نحو روفيدا بالتحديد، انفرجت عن شفتيه ابتسامة وهو يميل برأسه معرفا كلا المرأتين.

- اعرفك انسه وجد، مدام روفيدا
صافحتها روفيدا ببشاشة شديدة لتقول
- اهلا اتشرفت بيكي، نورتي الدار
ابتسمت وجد بنعومة شديدة، لتمتم بخجل ولوهلة شعرت بحماقتها وحماقة ما شعرت به
- وانا اكتر
سحبتها من ذراعها قائلة وهي تستأذن من عاصي الذي وضع كلا كفيه في جيب بنطاله
- تعالي اعرفك بالمكان اكتر، صدقيني هيعجبك وصدقيني بحب الافكار.

ابتسمت وجد بتحفظ وهي تشعر انها تجر جرا مبتعدة عن الشخص الوحيد الذي تعلمه في هذا المكان، التفتت برأسها تنظر باستجداء الى عاصي الذي هز رأسه وابتسامة مشجعة جعلها تزم شفتيها وهي تعيد التفات رأسها، اتسعت ابتسامته وداخله يقينا الأيام القادمة، ستكون مزيدا من الصخب والضوضاء!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة