قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثاني والأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثاني والأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثاني والأربعون

في إحدى الأحياء الشعبية في القاهرة،
عقد سرمد حاجبيه وهو ينظر إلى شقيقة البرتقالية، عاقدا المقارنة بين الشقيقتين
والفارق بينهما كالمسافة بين السماء والأرض، الأولى متذمرة، جامدة الملامح، سيدة أعمال من الدرجة الأولى بجديتها وملابسها الواسعة إلا أنها تبرز انوثتها، لم تفقد أنوثتها أثناء عملها، والثانية جريئة، صاخبة، تضج بالحياة.

مرر إبهامه على ذقنه وهو ينظر إلى خصلات جيهان المجعدة معطية اياها صفة الجموح، نظرات عيني تلك الفاتنة تسبر أغواره
حتما تلك الفتاة ليست بالسهلة أبدا، وكل خطوة تخطوها يكون مخطط له.

لن ينكر انه يستفاد منها، الأول وهو عمله حيث ينفذ مشروع لجذب العيون الغرب للسياحة في الشرق الاوسط بدأ من المغرب ثم الأردن والسعودية واليمن ثم عاد إلى تونس والآن هو في مصر، عرض لجيهان أن تكون العارضة الاساسية لتمثل مصر الشابة وهي وافقت على الفور دون تردد، فهذا شئ سيضيف منها ومن عمله،.

نظر بعينيه نحو القهوة الشعبية الجالس بها وهو يستمع إلى صوت التلفاز العالي ثم بعض المشجعين الجالسون امام التلفاز، ليدير بعينيه نحو عجوزين يلعبان الطاولة كما شرحت له جيهان حينما قررا اخذ استراحة لفترة من الوقت قبل متابعة عملهما...
انتبه إلى سؤال جيهان الصريح وهي ترتشف الشاي من كوب زجاج
- ماذا تريد من شادية؟
كانت صريحة، واضحة، لم تلمح حتى، رفع عينيه إليها قائلا بنبرة معجبة.

- هل تعلمين ما الذي يعجبني بك، صراحتك
وضعت يدها على ذقنها ونبرة صوته الاجشة في الانجليزية تعجبها، حتما ذلك الإيطالي لن تدعه يفلت منها، بعد بحث طويل عنه، علمت بعض الاشياء عنه.

كون والده إيطالي ووالدته مصرية، لا تعلم ما الذي جمع بين الجنسين لكن حينما بحثت علمت ان قصتهما اسطورية بل خرافية حسب قراءتها لمقال في جريدة قديمة اضطرت ان تبعثها لمترجم ايطالي ودفعت مبلغ ليس بقليل حينما أعطته ساعتين من الزمن لترجمتها، لا يهم المال إذا كان العائد الأكبر هو ذلك الوسيم الخشن أمامها ليكون من نصيب شادية...

ترى نظراته المعجبة بل الشغوفة بشقيقتها، لكن هل هو جاد لعلاقة أم مجرد متعة لتمضية وقته حتى يعود الى ادراجه؟!
- لا ترواغ بالحديث، كن صريحا كما كنت صريحة معك
قالتها ببرود شديد وهي تنظر اليه بثقة عالية، لتسمع همسته الساخرة
- ليت شقيقتك تكون بتلك الصراحة مع نفسها
مالت بجسدها وهي تهمس بنبرة ماكرة
- ماذا تريد من امرأة مرتبطة برجل يا سرمد وعلى وشك الزواج منه.

كانت تريد شعلة الغضب في عينيه السوداويين، لتنبهر من تصلب وجهه وكفيه ونظرة الخطر كانت أكثر من كافية لمعرفة ان مشاعره صريحة واضحة متجلية كالشمس المتوسطة في كبد السماء...
اختلجت عضلة في فكه وعرقه النابض ينبض بقوة تحت نظرات جيهان المتفحصة، ليقول سرمد بهدوء شديد وهو يعلم أن تلك الصغيرة، داهية كبيرة
- ليست زوجة له، مجرد خطبة وتعارف، لمعرفة اذا كان هذا هو الرجل الذي تود الاستمرار معه في حياتها أم لا.

بنفس الهمس الخافت وقربها منه الخطير همست وعينيها الناعسة تختبر رجولته
- وانت وجدت انه غير مناسب لها
ابتسم سرمد وهو مرحبا لاختبارها، ليقترب منها مجيبا عليها بهمس أجش
- بل غير اهلا لها
لمعت التسلية في عينيها وهي تعود بجذعها لتستند على المقعد لتقول بنبرة ماكرة
- وما تلك الثقة التي تتحدث بها عن شقيقتي
عقد سرمد ساعديه مجيبا بصراحة واضحة اعجبت بها جيهان.

- لن اكون فظا معك، لكن اخبري شقيقتك لو استمرت بالغباء والتجاهل سأغزوها بكل طريقة ممكنة
حتما ذلك الرجل سيثير غضب والدها وسخطه، لكن سيكون ندا له، الأيام القادمة ستكون ممتعة بشدة، غمغمت بنبرة غير مبالية وهي تنظر إلى اظافرها المطلية باللون الوردي
-ثم
عقد سرمد حاجبيه ليقول
- لم افهم
ابتسمت جيهان بسخرية لتتحول معالم وجهها الساخرة لتقول بنبرة مستهزئة وهي تقيمه بعينيه بتقزز.

- ثم ماذا تريد منها، بعد أن تحطم حياتها وتفسخ خطبتها برجل يناسبها
الشقيقتان بدأن يثيران سخطه وغضبه، تعلم تلك الداهية جيدا كيف تطعن في الظهر، لكن ملامحه كانت باردة، قد من الحجر ليقول بهدوء مثيرا غضبها
- لا يناسبها
زفرت جيهان بسخط، ذلك الرجل ماكر، يعلم جيدا كيف يغطى جيدا برداء الغموض، لتقول بتأفف
- حسنا اخبرني عنك
ابتسم سرمد وقال بنبرة هادئة.

- اجعلي شقيقتك تعطي لي الاشارة الخضراء وسأخبرك بما تريدين معرفته
انفجرت جيهان ضاحكة، لتميل برأسها قائلة بنبرة ذات مغزى
- لن تعطيك شقيقتي الاشارة الخضراء، تستطيع أن ترشيني كي اسهل لك عملية المرور لكن بشرط
ابتسم سرمد بخفة، يشعر انه يسقط في شرك تلك الشقيقتان تماما، الاولي تتمنع عنه بميوعة منها وأساليبها الانثوية والأخرى تساعده لإغواء شقيقتها، استمع إلى شرطها الجاد.

- اري انك حقا أهلا لها، بل انت جدي معها يا سرمد النجم، هذا اسم عائلتك صحيح؟
قالت جملتها الاخيرة ببعض المكر، ليرفع سرمد عينيه ينظر إليها وهي تثرثر قائلة.

- علمت أنك تمتلك كلبا اسود ضخم، صحيح، انا احب الكلاب لكن شادية تخاف بل ترتعب منهم، لقد كانت تملك في مرحلة مراهقتها قطة تدعى لولو لكن للأسف ماتت القطة اثر حادث سيارة ثم بعدها دخلت شادية في حالة حزن شديد لان القطة اشترتها لها والدتي قبل أن تتوفى، فكانت القطة الشئ الوحيد الحي بعد وفاة ماما.

غامت عينا جيهان بحزن وشعرت بغصة في حلقها نتيجة عودتها لذكريات قديمة وفراق والدتهما عن الحياة، كانت شادية اكثرهما انهيارا منها ومن شقيقها ماهر، حاولت ان تتخلص من اشباح ذكريات الماضي، لكن مستمرا في الانقضاض عليها...

انقبضت معالم وجه سرمد، لثاني مرة يسمع عن فراق والدتهما بعد ليلتهما في الفندق واندفعت بانطلاق تتحدث عن اشتياقها ولهفتها لها، هو يملك والدة تعني العالم له، ويتمنى ان لا يمر يوما بفقدانها كحالهما، لم تفت عليه ذكر القطة التي تمتلكها تلك البرتقالية ليهمس بأسف
- آسف لسماع هذا.

ألقت جيهان الطعم بنجاح شديد وهي تعطي له المفتاح الأول للوصول اليها، كم تشعر بالفخر نتيجة ما تفعله، يجب أن تؤسس موقع توفق بها راسين في الحلال، حاولت ان تعود لمرحها، لكن ذكريات الماضي كان وقعها سئ عليها، تمتمت بنبرة هادئة
- لا مشكلة، لا اعلم لما ثرثرت معك كثيرا، أين كنا نحن، نعم تمتلك كلب ولديك على حد علمي شقيق آخر لك
هز سرمد رأسه وتمتم بنبرة تحمل الإعجاب لعقل تلك الصغيرة الداهية
- لست بالهينة اطلاقا.

كانت فخورة بنفسها وودت أن تخبره ان افضل مخترقين الحواسيب واسمها يجب أن يسجل من أفضل المخترقين في العالم، لكن للاسف تضطر فعل ذلك على باب المساعدة لمن تهتم لأمرهم، ولأن سرمد ما زال محب لرداء اضطرت اسفه ان تبحث خلفه لمعرفة التفاصيل الهامة...
تمتمت جيهان بفضول شديد
- أخبرني امرا، كيف عثرت والدتك على والدك وتزوجا ثم رحلا إلى إيطاليا.

اتسعت عينا سرمد، كيف علمت أمرا كهذا عنه! هل أجرت محقق للبحث خلفه، تساءل متفاجئا
- كيف تعرفين بكل هذا
تمتمت بصراحة شديدة وهي تقول بزهو ونبرة خاصة
- بحث مكثف عنك، لا تستهين بي ابدا، لانني اهتم بمن حولي
وصلته رسالتها تحديدا، وهي تحذره بعينيها ان اقدم على إيذاء شقيقتها
لا تعلم كيف يود حقا سحق عظام البرتقالية
سيفعلها اجلا ام عاجلا، هو متريث جدا في خطواته لها
أجاب بنبرة غامضة.

- القصة طويلة حقا، يجب ان تسمعيها من صاحب القصة بنفسه
هزت جيهان رأسها بعدم اكتراث لتبدأ تمارس دور الحماة المتسلطة عليه
- هل تمتلك شقة هنا؟
ارتشف الشاي من كوبه الحراري، تذكر نظرات فتي القهوة الحانقة حينما طلب من جيهان أن يضع الشاي في كوبه بدلا من كوب زجاجي ارتشفوا منه المئات من الاشخاص، ضيق سرمد حاجبيه وهو يرد على اسئلة اختبارها بهدوء شديد
- ابحث حاليا عن واحدة
هزت جيهان رأسها قائلة.

- اذا انت ستقيم هنا لفترة
اومأ براسه لتهمس بغيظ
- لما لا تتحدث بالعربية وانت عربي إذا
رفع حاجبه بتسلية قائلا بنبرة ماكرة
- ماذا، هل هذا ينقص من علامتي لأختبارك؟
تأففت جيهان وهي تقلب عينيها بملل، هل هي مكشوفة لذلك الحد امامه!
قالت بنزق شديد وهي تري هاتفها يرن، لا تحتاج لمعرفة المتصل فقد خصصت له نغمة مخصصة
- تحتاج لدروس مكثفة بالعربية، لا اصدقك انك حتى الان لم تلتقط كلمة عربية.

راقب سرمد هاتفها الذي يرن دون أن تكترث لثانية لمعرفة المتصل، لا يعلم لما تذكر الشاب الاشقر الغاضب حينما كانا معا، انتبه على سؤالها الفضولي
- اين الكلب إذا؟
أجاب بهدوء شديد، غير متضايقا انها تقتحم بعض من خصوصيته
- مع صديق لي
لمعت عيناها بمكر لتقول بنبرة شقية
- ان كنت متعجل للبحث عن شقة سأتصل بمن يساعدك لتجد شقتك في أي مكان تريده في القاهرة
ابتسم بهدوء قائلا
- شكرا لعرضك للمساعدة، لقد كلفت حقا صديق بهذا.

أصرت جيهان قائلة بمكر
- جربني انا، لن تندم أعلم شخصا يقدر على تلبية طلبك
راقب زوبعة ترابية قادمة من الخارج لتظهر التسلية على ملامحه وهو يري عاشق غيور مندفعا باتجاههما ليقول بنبرة جذابة
- لن أرفض عرضك، ان احتجتك سأهاتفك
ابتسمت جيهان بملء فيها لترتجف حينما شعرت بيد تصفع الطاولة ليهتز كوب شايها وينكسب بضع القطرات على الطاولة، بعينين مندلعة بالغضب اقترب منها وسيم هامسا بحدة.

- الهانم مبسوطة هنا مش كده ولا ايه
حاولت ان تبدي جيهان أنها متفاجئة من وجوده لتقول
- وسيم انت جيت هنا ازاي
رفع حاجبه بشرر ليرفع هاتفه وهو يريها الحالة التي انزلتها على صفحتها الرسمية مع ذلك اللزج الأجنبي، ألقي نظرة نارية نحو سرمد ليقول
- وده بيعمل ايه هنا
قرأ سرمد رسالته المهددة له لا تقترب منها، انها لي ، هز سرمد رأسه يبدو اليوم هو اليوم العالم للغيرة، صاحت جيهان بمجادلة.

- هتقلب الشريط ولا ايه، مش قولتلك عندي زبون
انفجر وسيم هادرا بصوت حانق
- زبوون، ومفيش غيرك اللي تبسطيه
ابتسمت في وجهه ببلاهه قائلة وهي تمسك خصلة من شعرها لتلفه حول اصبعها
- اصله جرب يتبسط مع غيري وللأسف معرفش يتبسط
هسهس وسيم بحدة وهو يحدج الجميع في المقهى بنظرات غاضبة، ليقول
- اتعدلي في كلامك
رفرفت جيهان عينيها ببرود غير مكترثة بالبركان الذي أمامها
- وإلا.

راقب سرمد بتسلية المشاجرة بين تلك الداهية والغاضب، ابتسم وهو يرتشف الشاي مقررا أن يتخذ وضع المشاهد دون نية للمساعدة...
- مش هيعجبك الوش التاني
قالها بحده جعل جيهان تقلب عينيها بعدم اكتراث لتهديداته الجوفاء
- تصدق بالله، نفسي اشوف وشك التاني اللي شغال طول الليل والنهار بتهددني بيه
امسك ذراعها بحدة وهو يرفعها من مقعدها لتتسع عينا جيهان بحدة قائلة
- ايه ده يا وسيم انت اتجننت.

اندفع بعض الشباب وقد اثارتهم الحمية الرجولية للدفاع عن تلك المرأة ليصيح صوت رجل غليظ أجش
- شيل ايدك يا شاطر من البنت، ولو راجل وريني عضلاتك
زفر وسيم بحدة وهو ينظر إلى جيهان بجنون ثم صاح بخشونة مماثلة
- البنت دي تبقي مراتي
ارتسمت النظرات العدائية على وجه الرجل ليستقيم بعض الرجال من مجالسهم مقتربين خلف الرجال، ازدردت جيهان ريقها بتوتر وهي تعلم المعادلة ليست في صالح وسيم اطلاقا!

- هه، قول كلام يدخل العقل يا حلو انت
كان سرمد يصور بكاميرته مستعدا للشجار الذي سينشب، القي غمزة ماكرة نحو جيهان التي كانت تحاول الخروج من المأزق بأقل الخسائر، اندفعت تضع ذراعها على خصر وسيم قائلة بتوتر
- كتبنا الكتاب من يومين، مستنيكم بقي تشرفونا يوم الفرح.

كان الرجل يرمقهما بنظرات متشككة، الا ان لن يقدر على أن يمد يده للرجل، الفتاة لم تنكر علاقاتها به، ربما غار خطيبها من جلوسها مع رجل غريب، هز رأسه دون معنى وهو يلقي بنظرة خاصة إلى رجاله ثم عاد جالسا على مقعده بهدوء..
ألقت جيهان نظرة متسلية، تخبره أنها أنقذته من موت كان واقعا لا محالة، ليندفع هامسا بحدة
- مش عايزة الوش التاني، اشربي
صاحت بنزق شديد وهي تحاول ان تفلت ذراعها من براثنه.

- بطل بقي، بدل ما تشكرني اني انقذتك منهم، بردو بتتبجح في وشي
ابتسم بشر قائلا وهو يتوجه نحو سيارته
- اصل ناوي اعلقك واكسر دماغك
انفجرت ضاحكة بسخرية، تثير سخطه وجنونه
- قول بقي كلام على قد كلامك، شكلك كان وحش اووي قدامي النهاردة
فتح باب السيارة ليقف امامها عاقدا حاجبيه قائلا
- انا بقول كلام مش قدي
هزت جيهان رأسها، ليدفعها وسيم بحدة داخل السيارة لتصرخ جيهان متوجعة حينما اصطدم رأسها بمقود السيارة
- اااااه.

ابتسم وسيم بجنون قائلا
- حلوة مش كده
صاحت حانقه في وجهه وهي تمسد موضع اصابتها بتأوه متألم
- متخلف وربنا
انزلق بجسده داخل السيارة، ليدير مفتاح سيارته قائلا بنبرة جنونية
- ولسه يا بيبي، هتشوفي النجوم في عز الضهر.

زفرت فرح بحدة وهي ترمق الذي بجانبها بسخط، دائما يمارس سلطته الذكورية عليها
ويهدم اساسها الجديد، تتذكر قبيل ساعة كانت مرتدية فستان استعدادا للذهاب الى حفلة اطلاق إعلانها، لكن ببرود قال
- اقلعي الفستان ده، ورانا مشوار أهم من اعلانك
لا تصدق وقاحته، ذلك المتسلط المزعج، رفضت وثارت الا ان النهاية رضخت ولم ترفض ان تنزع فستانها قائلة، ان كان يزعجه فليذهب بمفرده...

ورده كانت مجرد ابتسامة مستفزة كالتي ملتصقة بشفتيه حتى الآن، لتخرج من حقيبتها أحمر شفاة ومرآة لتنظر إلى تبرجها الهادئ، زادت من ثقل لون أحمر الشفاه الخوخي لترفع عينيها وترى نظرات نضال المسترقة لها وهو متابعا النظر نحو الطريق...

برمت شفتيها بحنق وهي تنظر إلى المرآة لترى شمس تلعب مع دميتها، ابتسمت بحنان شديد لها لتمد بجذعها تعدل من ثياب الصغيرة ثم طبعت قبلة على رأسها، لتخرج اجمل ابتسامة من شمس وهي تطبع قبلة على خد فرح، عادت مرة أخرى إلى مقعدها لتلتفت إلى نضال ملقية تأفف واضح منه، ليغمغم بعبوس
- قالبة وشك ليه
صاحت بحنق وهي تود أن تمزق وجهه الوسيم هذا.

- انت عايزني افرد وشي كمان بعد ما منعتني اني اروح الحفلة، لا وبكل بساطة تقولي ورانا مشوار أهم
حتى الان لم يخبرها إلى اين هم ذاهبون، لوي نضال شفتيه ساخرا
- وهي هتفرق ايه عن الاعلان اللي عملتيه
صاحت باعتراض وهي تعدل من تصفيفة شعرها باناملها
- انت بتدمر شغلي يا نضال
جنت تماما منذ دخولها لعالم الاضواء، لا تبقي جالسة هادئة لدقيقة دون أن تهتم بتصفيفة شعرها او زينة وجهها، هز رأسها قائلا بتهكم.

- بدمر شغلك، هو انتي فاكرة توزيع الابتسامات ده ولبس قصير وضيق ده شغل
استشفت الغيرة من صوته المنزعج لتلمع عينا فرح بمكر قائلة
- ااه شغل، ومش من حق اي حد انه يتدخل
صاح صارخا في وجهها
- من حقي ادخل لاني يا هانم جوزك
كان نبرته تملكيه، عنيفة كما عهدته، اشاحت بوجهها قائلة ببرود
- لا ملكش الحق يا نضال، قولتلك كل واحد ملهوش علاقة بالتاني وجوازنا كان هدفه الاول اني اربي بنتك مش كدا ولا ايه.

رفع نظراته نحو شمسه ليبتسم بحنان شديد ثم اعاد نظره الساخطة لفرح قائلا
- عندها دادة بتهتم بيها، يعني مكنتش فاكرك غبية للدرجة دي
انساب صوت ساخر من شفتيها لتهمس بقسوة
- اه قولتلي، حسيت مثلا بتأنيب ضمير لانك كنت مجوزني عرفي ويا حرام بقي فرح الغلبانة تتبهدل مش كدا قولت اتعطف عليها وعلى عيلتها اللي مش بتعبر فيها واسترها وارمي فلوس في جيوبهم عشان يبلعوا لسانهم، وبنتهم ايه تولع مش كدا.

صمت نضال، لن تتوقف عن إعادة ذلك الشريط مرة أخرى، رغم انه يشعر ببعض الشفقة لما آلت اليه الامور بسبب عائلتها التي لفظتهم من حياتها، يعلم تلك المرارة في حلقها، وهو اليتيم المنبوذ في العائلة، لاحت ابتسامة ساخرة على شفتيه ليقول بأسف مصطنع
- حقدك كبير اووي لعيلتك يا فرح
كتمت فرح شهقتها لتدير بوجهها للنافذة وهي تهمس بتحشرج
- محدش بيختار عيلته يا نضال
قبض بأنامله على المقود لتغيم عينيه بقسوة هامسا.

- عندك حق، محدش بيختار عيلته
إلى أي حد هما متشابهان
كلاهما من عالم وبيئة مختلفة
لكن ذاقا نفس الوجع، والفقد، لم تذق طعم الدفء سوى قدوم تلك الصغيرة لعالمهما
تشعر أنها مسؤولة منها رغم أنها ليست والدتها البيولوجية، استمعت إلى نبرته المتهكمة
- لا لا مكنتش متوقع حقيقي انك حقودة على عيلتك يا فرح، ايه فوقتي من الغيبوبة واكتشفتي الواقع
أخفت شعورها بالنقص ووارته تحت قناع الجمود لتقول.

- مش كلنا شايلين ذكريات سعيدة لحياتنا يا نضال، كل واحد شايل همه ومش حمل يشيل هم تاني
هز نضال رأسه مستفزا بها جميع مشاعرها
- يا حرام، تصدقي بدأت اشفق عليكي
ثواني وانفجرت فرح صائحة بحدة
- انت بتهرز يا نضال
يجرب ما تفعله معه، ذلك الاستفزاز واللعب بالاعصاب بكل دناءة، رفع حاجبه والتفت برأسه لثواني لها قائلا
- ومهزرش ليه، ما برضو لازم الواحد مياخدش الحاجة كدا قفش.

فغرت فرح شفتيها ببلاهة وهي تري مزاحه، واسلوبه الساخر، تمتمت بحدة
- نضال انت شارب حاجه
هز نضال رأسه قائلا بأسف
- قولت انتو يا ستات عالم النكد رقم واحد في حياتي، لا الهزار نافع ولا القفش نافع
زمجرت فرح بحدة لتصرخ في وجهه بعصبية
- متلعبش باعصابي يا نضال
هرة مشاكسة، تمتم بها نضال، تنبش بأظافرها على باب غضبه وجحيمه، التفت نحوها بحدة حينما قالت بملل
- ناوي تطلقني امتي.

اصطنع التفكير لثواني وقال وهو يصطف بسيارته امام مبنى سكني
- بفكر دلوقتي لانك بتغريني فعلا اني اقتلك
سحب مفاتحه وترجل من سيارته قائلا بصوت آمر
- انزلي
تأففت فرح وهي تترجل من مقعدها لتجده يسحب الصغيرة ويضعها على كتفه، نظرت إلى صورته مع ابنته وهي تتنهد بتحسر، متى ستكون قريبة منه الى تلك الدرجة!

ابتلعت غصة مؤلمة في حلقها وهي تسير خلفه والدنيا اسودت من حول وجهها، لم تكن تعلم أين هي، ولم تسأله حتى، كل شئ لم يكن مهما حتى افاقت من لمسة يده لخصرها، رفعت رأسها لتنظر اليه عاقدة الحاجبين الا أنه لم يكلف نفسه عناء النظر اليها، نظرت نحو الباب الذي فتح لتتسع عينيها بجحوظ حينما رأت، ابنة عمه أسرار بكل بهائها وطلتها الانثوية تقول بنبرة عابسة
- دايما بتتأخر يا نضال عن مواعيدك.

قرص نضال جانب خصرها لتنتفض فرح بحدة، وهي ترفع رأسها تحدجه بنظرات قاتلة، ما الذي أتى بها هنا؟!، أجاب نضال بجمود
- بالعكس جيت في الميعاد المناسب
التفتت اسرار حينما شعرت بذراع زوجها البوهيمي يسحبها لتقع اسيره بين ذراعيه، نظرت نحوه بعتاب، لطالما كان رافض لوجود ابن عمها لكنها بالنهاية علمت ان تراضيه، لذلك يقف امامها عابس الوجه متحفز للانقضاض عليه، ابتسمت بترحيب شديد وعينيها تلمع بالحنين.

- نورتوا بيتنا ونورت صغيرة عيلتنا بيتي
تقدم نضال نحو الصالة ليجد وقاص جالسا بجوار زوجته، ابتسم نضال قائلا بتفكه
- كبير العيلة موجود
ابتسم وقاص ببرود مجيبا
- وانت فاكر اني هتأخر عن اي حدث مهم لعيلتنا
لاحت السخرية في عيني نضال ليقول
- ياريت تقول الكلام ده للوالد والوالدة
خيم الصمت للجميع والعيون أصبحت مسلطة على وقاص، اندفعت فريال تمسك بكفه ليضمها كفها بقوة وهو يجيب ببرود.

- هما اللي خرجوا من قرارات أو اجتماع العيلة
اقتربت اسرار منه تحديدا لتحمل الصغيرة على ذراعها وهي تداعبها برقة ثم ترفع رأسها لتنظر إلى سراج بانبهار، ليندفع صوت فريال المتلاعب
- وقاص مش مالي عينك يا نضال
تمسك بخصر فرح المتجمدة امامه ليقول بهدوء وهو يتخذ اريكة لهما للجلوس عليها
- ومين قال، بس لازم الراس الكبيرة تكون موجودة يا مدام فريال.

كانت عيني نضال تبحثان عن صغيرته الأولي رهف، ليراها واقفة في الشرفة تتحدث بهمس خافت من المتصل الذي رجح انه خطيبها، بدأ ذلك الرجل يزعجه حقا، انقلبت ملامح وجه وهم بالتوجه نحوها وازعاجه الا أنه انتبه إلى صوت اسرار الناعم
- بنتك عايز تتاكل، مش كدا يا سراج.

مالت اسرار تقبل وجنتي الصغيرة، رغم قلة زيارتها لنضال إلا أن يكفي الاجتماع الشهري للعائلة، رغم كونه اسوأ يوم والجميع ينتظر مشاجرة للثورة إلا أن اليوم كانت حريصة على عدم جعله يوم سيئ، استمعت إلى نبرة سراج الخشنة
- اتلمي وخلي الليلة تعدي على خير
كان ينظر سراج إليها ثم للطفلة التي تنفجر ضاحكة بنعومة أسرت قلبه، يليق بملكته الجليدية ان تصبح اما لطفل منه، رفعت اسرار حاجبها بشرر.

- مش عجباك ان عيلتي موجودة يا سراج
ابتسم قائلا ببرود
- وانا اقدر اقول لأ، جيبي اللي عايزاه يا اسرار ده بيتك
عادت اسرار تنظر باهتمام شديد نحو الصغيرة، ترغب في فتاة مثلها حتما، تريدها فتاة لتدللها كثيرا، مالت تقبل وجنتيها ليصدر صوت مرح من شفتي الصغيرة لتغمغم اسرار بأمومة
- طب مش عايزة تتاكل حتة النوتيلا دي
مال سراج هامسا في أذنها بوقاحة وانامله امتدت للعب في خصرها.

- بقولك ايه ما نزحلق الناس دي ونروح اوضتنا
انتفضت اسرار بحدة وهي تزجره بعينيها قائلة بتحذير
- سراج
نظر اليها ببراءة وتابع قائلا وهو يمد يده للمس خد شمس التي لم تنكمش بل رفعت ذهبية عينيها لتنظر بانبهار للرجل الذي امامها، غمغم سراج بفظاظة
- متوقعتش ان بنته حلوة
لوت اسرار شفتيها قائلة بنزق
- ده اللي ربنا قدرك عليه.

زفرت فرح يائسة وهي تري من جميع الاتجاهات كل رجل يدلل انثاه الا زوجها العاق يجلس ناظرا أمام الشرفة بغيظ، اقتربت منه هامسة
- مقولتليش ان احنا هنروح عندهم، ده بقي الاهم من حفلتي
امال نحو اذنها بهمس خافت رافعا ذراعه ليحيط به من الخلف قائلا
- فرح، متخلنيش أخرج عن شعوري وازعلك
تأثرت للمسة أنامله على بشرة ساعدها، ازدردت ريقها بتوتر وارتفعت تنظر إلى عينيه الماكرتين قائلة
- عايز تضربني يا نضال، ولا عايزني.

تركت جملتها معلقة لترى العاصفة التي أضرمت في عينيه، ابتسم نضال وقال بصوت خشن
- صدقيني في يوم مش هيطلع عليكي نهار لو فضلتي تستفزيني
رفعت حاجبها بتسلية قائلة
- اعملها يا نضال، وقبل ما يطلع عليا نهار ساعتها هترحم عليك
ضيق بين حاجبيه وهو يراها جريئة، بل مندفعة بتهور لتحديه
لا أثر لفرح القديمة البائسة، غمغم قائلا بنبرة ذات مغزى
- جايبة الثقة من فين يا فرح
رفرفت بعينيها هامسة.

- منك، فاكرني هفضل مغلوبة على أمري طول الوقت
لف خصلة شاردة من شعرها حول اصبعه ليقول بتهديد
- حاسبي بقي يا قطة لما تلعبي من النار عشان متلسعكيش
ابتسمت فرح بثقة وهي تبسط يدها على صدره قائلة
- ما انا ناوية احرقك زي ما اتلسعت
لمعت عيناه باعجاب شديد، ليقول
- كلام كبير طالع منك يا فرح الغانم
هزت فرح رأسها دون أن ترد عليه، وقلبها يضج فرحا وهي تسمعه يلصق اسمها بجوار اسم عائلته...

كان وقاص يمسد ذلك البروز في بطن ساحرته لتنظر فريال إلى فرح ثم نضال لتعود النظر نحو وقاص، تشعر ب تأنيب ضميرها إلى ما آلت اليه الامور سابقا، لم تكن تريد افساد علاقة فرح بزوجها، همست بقلق لوقاص
- تفتكر هيفضل كدا يا وقاص
توقف وقاص عن مسد بطن زوجته ليرفع زرقاوه عينيه قائلا
- قصدك ايه
همست بقلق وبدأت نوبات الاضطراب والهلع تنتابها منذ حملها
- نضال وفرح، خايفة ان علاقتهم تموت.

ألقي نظرة خاصة للثنائي في الاريكة المجاورة لهما، ليعود النظر إليها قائلا
- فرح اكتر حد فينا تعرفه واتمني متغلطش زي المرة اللي فاتت
دمعت عينا فريال لتهمس بهلع
- حاسة بالذنب اني بدل ما اصلح علاقتهم اني عقدتها
مسح دموعها بانامله بدفء قائلا بانزعاج من أخيه
- هو اللي معقد وعايز يعقد غيره، خليه على عماه لغاية لما يخسر اللي يحبهم
عبست فريال ونظرت اليه قائلة بتيه
- وقاص
لوي وقاص شفتيه ساخرا قائلا بغموض.

- فاكر نفسه ان اللي تحت سيطرته مش هيتمردوا عليه
نظرت فريال إلى وجه زوجها وقالت بعدم فهم
- وقاص انت تقصد ايه
اجابها بجمود وهو يطبع قبلة على جبهتها
- الزمن يا فريال، الزمن غدار، يارب ميكنش غبي عشان يخسر حياته والناس اللي حواليه
تساءلت فريال باندفاع
- انت بتكرهه
هو لا يكرهه، بل يكره تصرفاته
ويكره أن يظهر أنه لا مبالي، لا يحتاج لمساعدة من أحد، يكره طريقته المستفزة في الحديث، غمغم وقاص بجمود.

- علاقة الاخوة اللي بينا معقدة، وصعب اشرحلك واقولك اذا كنت بكرهه او متعاطف معاه، بس في الاول والاخر من دمي و صعب اتخلى عنه
اقتربت اسرار منهما قائلة بهمس وهي تنظر اليهما بعد ان سمعت جزءا من حديثهما
- العيلة فوق كل حاجه يا وقاص
ابتسم وقاص إلى ابنه عمه بدفء ليقول بنبرة هادئة
- يا تري اسرار الغانم مجمعانا مع بعض ليه.

نظرت إلى زوجها بامتنان شديد ليقترب منها مقبلا جبينها بدفء وذراعه تتوسط خصرها، همت بأن تحكي سبب جلبها لهم الا أنها ترى وجود فرد ناقص في الاجتماع، قالت بتساؤل
- فين رهف
تقدمت رهف نحوهم بعد أن أنهت مكالمتها ووجهها عبارة عن قطعة فراولة جعل وجههي وقاص ونضال المتحفزة بالانقضاض على ذلك الوقح خطيبها، ارتفعت معدل الغيرة الاخوية لكلاهما وهما يسمعا همس رهف الخافت
- اتأخرت عليكم
هزت اسرار رأسها نافية لتهمس.

- لا متأخرتيش، سعيدة جدا ان الكل اللي بحبهم متجمعين، ومش هيكون لا اول ولا اخر تجمع لعيلتنا
نظرت الى زوجها وهو يدعمها جسديا ومعنويا، لتنظر إلى بعشق جارف وهي تنظر إلى عائلتها قائلة
- فيه قرر سعيد واخيرا قررت انكم تشاركوا فرحتي
لم تنتظر بل اندفعت تقول ودموعها تنساب من عينيها
- انا حامل
ضمها سراج بقوة مقبلا رأسها لتندفع رهف مصفقة بكلتا يديها قائلة
- ده انا هبقى عمتو لتالت مرة.

ارتسمت السعادة على وجوه الجميع حتى فرح ظلت تنظر إلى اسرار وهي تلتصق بزوجها وتنظر اليه كما لو انه الرجل الوحيد في العالم، استقامت فريال وهي تقول بسعادة بالغة
- الف مبروك، ان شاء الله ربنا يتمم حملك على خير
هبطت اسرار عينيها للبروز في بطن فريال لتقول بفضول
- عرفتي لو بنت ولا ولد
هزت رأسها قائلة بشقاوة
- قررت اتفاجئ واسيبها لحد ما اولد
شعرت بوجود فرح التي قالت باقتضاب
- مبروك.

ابتسمت اسرار بسعادة وهي تنظر إلى زوجها الذي يدعمها بنظراته ثم التفتت تقول لفرح
- عقبالك يا فرح
ارتسمت السخرية على شفتي فرح لتقول باستهزاء
- اه فعلا
اقتربت منها وهي تقول لها بنبرة ذات مغزى
- الست الناصحة بتعرف امتي تشد وترخي مش كدا
اندفعت تقول بهمس خافت وهي تنظر اليه لترى رهف محتضنة إياه بقوة ليربت على رأسها بأخوة وحنية تكون منعدمة حينما يأتي اليها
- ده عايز حبل يخنقه
ابتسمت اسرار قائلة بتعقل.

- خلي عقلك هو اللي يبقى دليلك، الست الشاطرة اللي بتعرف تحل مشاكلها من غير ما تطلب مساعدة من برا
عقدت فرح حاجبيها وهي تشعر انها تتحدث عن فريال لتسترسل اسرار بهدوء
- مش اقصد اني اقولك فريال دمرت حياتك، بس هي قدمت مساعدة بحسن نية، نضال بس اللي كان نقدر اقول قافش شوية
هل تلك الكلمة دارجة جدا في العائلة! لتسمعها منه ومنها، بعض بوادر الغيرة لاحت على وجهها لتتجهم وجه أسرار وهي تقول بجدية.

- انا ونضال اخوات، بس الغبي مش عايز يقولك انه بيحبك، لانه خايف يفقد اللي بيحبهم
ثم رقت ملامحها وزرقة عينيها المتوارثة في تلك العائلة كانت حانية لتقول
- مشوفتش نضال مرتاح مع واحدة زيك، نضال مليان عقد وكلاكيع بس نقول ايه، نصيبكم انك تبقي مراته، بس ابدا ما تفقديش كرامتك خليه هو اللي يركع على رجليه عشان تحبيه
مالت اسرار تهمس في اذن فرح قائلة بمكر.

- الراجل عايز كل فترة وفترة يتقرص من ودانه، عشان يفوق لو فكر يبص كدا ولا كدا
ارتسمت ابتسامة على فرح لتقول
- لا من الناحية دي متقلقيش، بالنسبالة نوع جديد عن الشقر اللي جربهم
مالت اسرار برأسها لتقول
- خلي عندك امل وصبر
اختنقت فرح من سماع تلك الجملة، الى متى تصبر وهي منذ أن وعت لم تجد من ينتشلها من دركها
- انتي متعرفيش انا مدمرة ازاي.

صاحت بها باختناق لتقترب أسرار منها مربتة على ظهرها، هي تشعر بوجعها، همست بألم
- اللي يشوف بلاوي الناس بتهون عليه بلوته، دايما بسمع المثل ده، وعايز اقولك مفيش حد من العيلة دي الا لو جرب عذاب والم اصعب من التاني، كل واحد مليان ومشوهه من جوا، مفيش حد عاش حياة طبيعية من طفولته يا فرح.

نكست فرح رأسها، لا تريد أن تكون في موضع شفقة من أحد، أبدا لا ترغب أن ترى الشفقة في عيونهم، رفعت رأسها بثبات وملامح جامدة لتنتبه على صوت نضال الحاد
- خلصتوا
لمع الإعجاب في عيني اسرار وهي ترى اختلاف شخصية فرح عن السابقة، قالت بنبرة ماكرة
- كل مرة كنت بقول لفرح خلي بالك من نضال لانه صعب، بس المرة دي اقولك يا نضال خاف المرة دي
ابتسم نضال باقتضاب وهو يضع يده على خصر فرح.

- والله عايز اقولك كتر خيرك على النصيحة دي
شعرت بوجود مدخنة حارقة تلسع مؤخرة عنقها، لتلتفت إلى زوجها البوهيمي بابتسامة واسعة ونظرة مهددة إلا أنه لم يعبأ بتهديدها ليلصقها بجواره، لم ذلك عن عيني نضال العابثتين ليرفع عينيه نحو رهف..
تلك الصغيرة التي تعاني من بعد والدها ووالدتها، كلاهما في عالم بعيد عنها، رآها كيف تدلل صغيرته شمس وتلعب معها لتهمس اسرار وقد قرأت ما يدور في خاطره
- سعادتها ناقصة.

رفع نضال عينيه نحو اسرار ليداري حزنه لتلك الصغيرة قائلا
- اومال اخوها وجوزها السوري بيعمل ايه
صاحت اسرار بثبات شديد
- وانت اخوها برضو يا نضال
هز نضال رأسه، أخ غير شقيق، ومكانة شقيقها أعلي منه، لن ينكر ذلك الواقع، رفعت فرح رأسها وهي تنظر نحو رهف ليخيم الحزن في قلبها...
أستجد من يهتم بها في حياتها كتلك العائلة المعقدة! رغم ازماتهم إلا أن كل فرد منهم يهتم بالآخر، غمغمت اسرار بحزن شديد.

- حتى لو كانت فرحانة بس هتكون فرحتها ناقصة، مامتها وبباها كل واحد في أشغاله
قاطعهم صوت وقاص الجاد
- مش بايدينا للأسف اننا نلاقي اب وام مثاليين، بس نقدر نغير ده بايدينا احنا للجيل الجديد
ألقي نظرة خاصة نحو نضال ليقول بنبرة ساخرة
- بيقنعني بكلامه دايما حامي العيلة
التمع الغضب في حدقتي وقاص ليصيح بحدة
- غصب عنك يا نضال
انفجر نضال ضاحكا، وهو يقول بمكر قائلا
- منقدرش نقول لأ يا باشا.

ابتسمت اسرار متنهدة براحة، تحمد الله أن تلك الليلة مرت على خير، رفعت انامل قدميها لتطبع قبلة على خد سراج دون خجل أمام الجميع
-شكرا لانك حققت امنيتي
ابتسم سراج وهو يدفن وجهه في اذنها هامسا
- معنديش حاجه ببلاش يا مراتي
ابتسمت اسرار وهي تعلم مقصده، نظرت اليه بشقاوة شديدة وهي تنفي ما سيحدث في خياله الجامح، إلا أنها على يقين تام، أن البوهيمي لا يوجد عنده لا في قاموسه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة