قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن والثمانون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن والثمانون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن والثمانون

في المشفى،
القلق ينخر في عظام رهف التي استقبلت صراخ فريال صباح اليوم دون وجود وقاص بجانبها
الولادة تقدمت قبل ميعادها باسبوع حسب ميعاد الطبيب والذي بسببه سافر وقاص لرحلة عمل سريعة ليحضر الولادة، لكن يبدو هناك رأي آخر
مررت رهف اصابعها على خصلات شعرها بتوتر لتنهار باكية على صوت صراخ فريال، ليرتعد جسدها بخوف من الحمل.

هل ستكون في مكانة فريال ولن تستطيع حتى التقاط أنفاسها؟ هزت رأسها بنفي تطرد أي أفكار سلبية تراودها لتسمع الى صوت نزار وهو يقترب منها هامسًا بدفء
- حبيبتي اهدي اهدي روووقي لا تخافي لح تكون منيحة
طالعته رهف بامتنان لتقترب منه وذراعي نزار تستقبلانها بشوق شديد لتنهار باكية على صدره قائلة بصوت مختنق.

-انا مرعوبة يا نزار، انت مش شايف هما حطوني في موقف صعب ازاي، نضال مش بيرد عليا حتى قافل تلفونه الخاص، كلمت اسرار بس كانت عندها ظروف مقدرتش تسمحلها تخرج من البيت ووقاص مسافر اسكندرية عايزني اعمل ايه
لامت نضال، الأحمق يبعث ورود كل يوم دون أن يأتي بها، بل ومنذ طلاقه اعتزل الجميع، وحينما زارته استقبلتها جليسة اطفال نزقة لم تتحمل أن تجلس لمدة خمس دقائق في المنزل لتستأذن مغادرة..

لأول مرة تشعر بالخوف الذي يسيطر على أنفاسها، بل تشعر بقلق من المستقبل
هي اعتادت على سفر وقاص، لكن لم تعتاد على غياب حامي العائلة الرئيسي
نضال نقطة قوتهم ومصدر أمانها رغم أفعاله المناقضة، لكنه يهتم ويكترث لأمرهم
وبحاجة لأهتمام مماثل، لكن لم يسمح لها للأهتمام به، بل سارع بالمغادرة لتسمع الى صوت نزار الدافئ
- انت قدها وقدود حبيبتي.

تنهدت بقلة حيلة وصوت صراخ فريال جعل جسدها يرتجف بضعف جعل نزار يضمها بحماية شديدة، مربتا على خصلات شعرها، لتشهق رهف مذعورة وهي تقول بارتجاف
- انا انا خايفة اكون نسيت شنطة البيبي
ضم نزار وجنتي رهف في كفيه ليتطلع اليها قائلا بهدوء، محاولا إرسال السكينة في روحها
- هي هي هون لا تخافي
عادت تسكن وتهدأ ملامحها القلقة لتهمس
-انا مش عارفة من غيرك هعمل ايه.

كظم نزار قلة حياته وضعفه، منذ اتصالها المفاجئ صباح اليوم حتى هرع إليها
هو لم يوضع تحت اختبار عصبي هذا قبلا من صراخ فريال وبكاء رهف وهما يذهبان في عربة الإسعاف، تنفس نزار بحدة وهو يتذكر السنتين التي سينتظرهما حتى زواجه منها
لن يستطيع
لن يقدر
هو رجل وهي بالنهاية زوجته
صاح بلهجة خشنة مسترعيًا انتباهها
- رهوووفتي
جففت رهف دموعها بكف يدها لتهمس
- نعم.

اطبق نزل شفتيه وهو لا يعلم ماذا ستظن به رهف في هذا الوقت الحالي
لكن ما يدفعه الآن، شئ بعيد جدا عن التعقل صاح بخشونة
- حبيبتي خلينا نعجل العرس شوي
عبست رهف مبتعدة عنه نادرة اياه بشك جعل نزار يغمغم بحنق
- ما رح اقدر اتحمل سنتين والله بمووت
فغرت رهف شفتيها لتهمس
- يا نزار انت اللي قولت انك هتستني
مرر أصابعه في خصلات شعره بيأس شديد ليجيبها
- لك كنت حمااااار حماااار، بس بنفس الوئت مابدي لهيكي عن دراستك.

رمشت رهف بأهدابها عدة مرات لتهمس اسمه بتيه
- نزار
عضت باطن خدها وهي تعلم ان نزار لا يمزح في ما يطلبه، مسدت عنقها بتوتر لتقترب منه قائلة بتوسل
- ممكن تستني عشاني ارجوك، انا متأكدة مية في المية انى مش هعرف اوفق بين الكلية والجواز، اديني فرصة عشان اقدر استوعب الموضوع ده، الجواز مسؤولية كبيرة، افرض حملت وانا في تالتة عايزيني اولد وانا في لجنة امتحان.

اتسعت عينا نزار بذهول قبل ان تنفرج عن شفتيها ابتسامة ناعمة ليقول بهمس أجش يعلم ما يفعل بها
-ياعمري ياقلبي مين قلك انو بدي ولاد هلا بس تخلصي بنفكر بهالموضوع
ارتعش جسد رهف لتسأله بصوت حاد
- ده انت مخطط بقي
غمز بعينيه الخضراوين قائلا
- طبعا ياروحي حاسبها على دوزبارا (على التكة)
هزت رهف رأسها بيأس واضعة راحة يدها على وجهها قائلة
- يا خوفي منك يا ابن الشامي
اقترب نزار منها يهمس بصوت أجش.

-والله ابن الشامي بدو موافقة كنافتو الطرية الناعمة
عضت رهف باطن خدها لتلكزه بخفة وهي تعلم تلك الجرة الناعمة منه
-بطل تقولى الاسم ده
ازداد نزار قربا منها ليهمس بصوت ماكر
- كنافتي
زمت رهف شفتيها بيأس شديد لتهمس بنفاذ صبر ووجنتيها المضرجة بالحمرة لا تساعدها ابدا على التحدث بجدية
- يا نزار بطل بقى قلة ادب.

انفجر نزار ضاحكا ليتحدث بيأس، وهو يتمنى رؤية نظرات أخيه الشامتة الذي لا ينفك عن الغبطة لعلاقته مع خطيبته
- هلا هاي قلة ادب ياروحي لسا ماشفتي قلة الأدب على اصولها
هزت رهف رأسها بيأس لتتحدث بصعوبة وقد طغى الحمرة على وجهها من جراءة حديثه في العلن
- عارفة اخر قلة ادبك دي، وبعدين انسي النهاردة مفيش كنافة
اجفلت حينما لمس ساعدها لتهز رأسها نافية بضعف
- نزار.

مرر أصابعه على طول ساعدها ليشعر بجسدها يرتجف تأثرا من لمسته
يلعن أخيها الأحمق
كيف سيصدق امرأة مثل رهف تكون يد طالت عليها مسبقًا
رغم ما عاشته لكن لا تثبت جرم لا تحمله، فما عاشته هي هو ما رأته لصديقتها وليست هي
صاح بصوت دافئ
- لك اشتئتلك اشتئتلك كنافتي
اغرورقت عينا رهف بالدموع لتهمس بفضول
- انت ازاي لسه عايزني بعد اللي حصل
لولا علمه أن سؤالها هو مجرد دحر الذعر من قلبها
وليس شك في إخلاصه لما جاوب عليها مطلقا.

بل ازداد قربا وتمسكا بكلتا ذراعيها ليهمس
- ااخ لك اليوم يلي اجيتي فيه على المطبخ وكنتي لابسة فستان وفاردة شعراتك خطفتيني من أول لحظة
مسد يديها المتشنجة ليقر باعتراف صادق
- كنت بخاف عليكي من الهوا الطاير بخاف عليكي من عيون الرايح والجاي، انا اخدت وعد عحالي احافظ عليكي، بس انت غرقتيني بحبببك
علق لسانها بسقف حلقها ولم تظن أن سيكون متهور في تلك اللحظة ليعبر عن مشاعره وهي في المشفى
لحظة لما هي في المشفى؟

غمغمت بتيه شديد
-انا!
هز نزار رأسه موافقا
- اي انت حبيبتي لا تستهوني بحالك
همت رهف بمعانقته إلا أن ذراعيها تخشبت تحت صوت صارخ قوي
-رهف
التفت رهف برأسها للجهة الأخرى لتتسع عيناها بذهول قبل أن تنطلق راكضة باتجاه نضال الذي اشتعلت عيناه بغضب نتيجة العرض الرخيص للرائح والغادي من المائع بجوارها
تيبست أطرافه حينما عانقته بقوة لتلف ذراعها حول عنقه وهي تهمس بعتاب.

- تخليني زي المجنونة ادور عليك واجيلك البيت وفي الاخر مش راضي تخليني اطمن عليك
عقد نضال حاجبيه بتعجب ليسأله بنبرة متعجبة
- جيتي البيت
فغرت رهف شفتيها بصدمة لتري أسرار بجوار جيهان والمذيع الشهير الذي تسمع برنامجه كل خميس لتهمس بتأكيد
-ايوا جيتلك بعد يوم المحكمة، وجيتلك بعدها بيومين واللي مشغلها دي مكنتش طايقاني وبتقولي انك مسافر، كل ده تقدر تسبني وتبعتلي بوكية ورد بارد كل يوم صبح.

عض نضال باطن خدها ليري دموعها الواشكة على الانهمار ليقول بصوت خافت
- انا اسف
التصقت رهف مرة أخرى بين ذراعيه ليربت نضال على ظهرها بامتنان مقبلا مقدمة رأسها، انسلت رهف بين ذراعيه لتقول بيأس
- بتبعد عني ليه يا نضاال، كنت محتاجالك بتبعد عني ليه
لمس نبرة الحاجة في صوتها
وهو في حالة حرجة وألم لا يحتاج لأن يضاف رصيد آخر من الآلآم الآخرين ليتحملهم ليعيد يهمس بصوت خافت لا يسمعه سواهم
- غصب عني.

زمجرت رهف بيأس لتضرب صدره بحدة قائلة
- مفيش حاجة اسمها غصب عنك، اقتلك يا ابن الغانم لو فكرت تفرط في مسؤولياتك
لف نضال نظرة نحو الجميع بمن فيهم المدللة التي تفرك يدها بتوتر وتحاول سؤال اي ممرضة في الرواق، تيقظت كامل حواسه نحو بكاء الرضيع
بحياته لم يحضر موقف مجلل كهذا، شئ يضارب عواطفه ويزلزل عالمه ويجعلها أرض لينة
انفتح الباب لتخرج الطبيبة التي تنفست الصعداء قائلة بإبتسامة بشوشة.

- الف مبروك المدام جابت بنت زي القمر
انحبس الهواء داخل رئتيه لتهتز حدقتيه وهو يرى سعادة الجميع بالطفلة
لما طفلة؟
لما يقيدونه بهذا الشكل؟
يفرض عليهم حماية خانقة لا يتوقع من اي المبادرة والاستجابة لكن طبع غريزي متأصل به رغما عنه
اقتربت جيهان تسأل بقلق الى الطبيبة
- فريال كويسة
هزت الطبيبة رأسها والابتسامة لا تفارق وجهها
- المدام صحتها بخير متقلقوش والبيبي كمان.

سارع نضال بالانزواء من هذا المكان قبل أن تنجر ساقيه إلى المقاصة
ارتفعت درجة الحرارة في الأجواء ليسارع بفتح اول زرين من قميصه وهو يجلس على اقرب مقعد وجده، أرخى ظهره على المقعد ليتنفس بتوتر وحدة
جز نضال على اسنانه بفقدان سيطرة ليضم قبضة يده مستعدا للفتك باي شخص أمامه، انتبه على صوت اسرار القلق
- نضال
فتح جفنيه ليقرأ في زرقة عينيها التساؤل الذي تهرب منه ليشيح برأسه للجهة الأخرى مما جعل أسرار تسأله.

- عملتها ولا لأ طمني
اغلق نضال جفنيه ليجيبها بحدة
- عملتها يا اسرار، عملتها
انتظرها ان تغادر وتتركه في ظلمته، الا انها ببساطة جلست بجواره لتسأله بهدوء
- ليه
فتح جفنيه ليري ملامحها الساكنة، وفضول عينيها جعله يرضخ مستسلما لها.

- الغبي هو اللى اتصرف بمعرفته، كنت بعاقبها ايوا، قولت للمهندس يوقف حسابها لمدة من الوقت معرفش هو اتصرف من دماغه ولما عرفت باللي هببه حاولت اسيطر على اللي عمله بس للأسف متابعينها كانوا مستنين منها اقل غلطة عشان تتفضح
هز نضال رأسه بيأس شديد، ليلعن نسل العائلة التي لا تنجب سوى البنات
هل يظنونه اخطبوط ليحافظ و يحمي الفتيات من غفلة آبائهم، حتى شمس الصغيرة تجاهلها كل تلك المدة.

ارخي جفنيه بإرهاق وهو يسمعها تمام بهدوء
- وعملت فيه ايه المهندس ده
انفرج عن نضال ابتسامة ساخرة ليقول
- وديته مصحة يقعد فيها فترة حلوة، ووصيت عليه
شهقت أسرار بذهول لتصيح بيأس
- انت، انت ملكش حل
عاد اسمه يتكرر مرة أخرى لكن تلك المرة صوت رهف التي تجذبه من يده
- نضال
نظر اليها بعبوس لتقول له بحماس شديد
- تعالا شوف البيبي
تجهمت ملامح نضال لينزع يده عنها قائلا بصوت أجش
- مفيش داعي، انا كدا كدا همشي.

ابتأست ملامح رهف للعبوس لتسارع بإمساك ساعده بقوة قائلة بحدة
- مش هتشيل بنت اخوك يعني؟
ثم لانت ملامحها تدريجيا لتقول بلين شديد
- فريال لما عرفت انك جيت أصرت انك تكون اول من تشيلها خصوصا ان وقاص مش هنا
ألقي نظرة نحو أسرار التي شجعته بعينيها، ليهز رأسه موافقا وهو يستقيم على مضض وفي قلبه رهبة وغصة
كونه الرجل الأول لحمل الصغيرة سيجعله رغما عنه حاميها ويكون مغلفها بحمايته
وهذا لا يرغبه.

يريد الخلاص والانزواء وهم لا يكفون سوى دفعة دفعا
رهف تجذبه بانطلاق وملامح انثوية ناعمة ليهز رأسه بيأس حينما اقتحمت الغرفة بمن فيها، لتبقى العيون محدقة به
نضال الذي يمتلك من الجرأة ما يجعله يرفع رأسه ليطالع نحو المدللة جيهان ببرود ليقول بصوت أجش
- حمدلله على السلامة
رشقته جيهان بسهام نارية متوعدة لتهمس
- مش لايق عليك الاحترام.

رخت جفون فريال لتتنهد براحة وهي تجعل رهف تحمل الصغيرة لتقدمها نحو نضال الذي ينازع كي لا يوافق على طلبهم
لكن صوت فريال المجهد شتت جميع دوافعه
- الله يسلمك يا نضال، سمي وانت بتشيل أسيل
اغمض نضال جفنيه بيأس ليمد يديه حاملا الرضيعة، لوهلة خشي من قطعة لحم حي صغير متحرك خصوصا انها بلا ملامح مميزة ليرتعش جسده بقوة وهو يميل مقتربا ناظرا للكائن الصغير النائم بعمق.

انتفض جسده على صوت وقاص الذي اقتحم الباب قائلا بذعر
- فريااال
ارتسمت ابتسامة راضية على ثغر فريال جعل وقاص يميل مقبلا رأسها وهي تهمس اسمه بميوعة
- وقاص
عاد يقبل رأسها مرة أخرى ليغمغم باعتذار
- انا اسف بجد، انا عامل حسابي ان الولادة اخر الاسبوع زي ما الدكتورة قالت
ربتت على صدره وهي تعلم مدى رفضه للسفر خاصة الأيام القليلة التي تسبق وضع حملها، لكن ما أصرت على وقاص للسفر إلا لمشكلة طارئة، غمغمت بهدوء.

- حصل خير يا حبيبي، أسيل في حضن عمها وواضح انها مستريحة على الاخر
اشمأزت ملامح جيهان للقرف لتقول بحدة
- الهي يا رب ينشق ويتبلع من الأرض
استقام وقاص وهو ينظر نحو نضال الذي يحمل طفلته، تضخم شعور بالمسؤولية والفضول ليري صغيرته المستكانة بين ذراعي عمها، انتبه نضال من شروده الصغيرة لقرب اخيه ليقول وهو يمد يده للطفلة
- شيل بنتك يا حامي العيلة.

لمعت زرقة عينا وقاص بانبهار أشد وهو يراقب ملامحها الصغيرة عن كثب، لدرجة جعلته يخشي من حملها أو إزعاج نومها، سأله بنبرة غليظة
- كبرت في ودانها
رجفت عينا نضال ليتحفص الصغيرة التي أوشكت على خروجه من سيطرته بقلق، ماذا يفعل كائن صغير به
مال نحو أذنها مكبرا ليرتعد جسد نضال محاولا التخلص من كمية المشاعر التي تكالبت عليه ليمد بجسد الصغيرة نحو أبيها الذي تلقفها بحذر قائلا بتعجل
- انا، انا مضطر استأذن.

تنهدت جيهان براحة شديدة لترخي بجسدها على ظهر المقعد قائلة
-غار واستريح.

في قرية الغانم،
تبادل كلا من سرمد وغسان مشاجرات يدوية وكلامية مما جعل سرمد يزفر بحنق محاولا عدم التهور كي لا تصاب رأسه المضمدة ليقول حانقًا وهو يترجل من سيارة غسان التي خطفته من عائلته لساعة من الوقت قبل العودة
-اهدأ يا احمق
ترجل غسان هو الاخر ولا يصدق غباء صديقه، كيف سمح لنفسه للانجراف بحب متهور غير عالما أبعاده
لكن مع ذلك ليس بيده شئ سوي إعانة صديقه ليضربه على ذراعه مما جعل سرمد يصرخ بخشونة.

- توقف عن ضربي ايها الغبي
جذبه غسان بحدة نحو حديقة منزله ليصيح بحنق غير مصدقا الطرق الملتوية التي يتخذها صديقه لمقابلتها
- انت المتكاسل هنا، هيا انفض عنك اتربتك واذهب للفتاة.

جلس سرمد على المقعد مريحا رأسه التي تطن بقوة أثر قيادة المتهور، بل هو المتهور الذي شجعه على القيادة بسرعة كي يقابلها في مشفى القرية حيث تزور إحدى قريباتها، هذا ما وضحته برسالة نصية سريعة قبل أن يهاتف غسان ويطلب منه على وجه السرعة لمقابلته
صاح بضجر شديد
- اذهب ماذا يا أحمق، ألا ترى أنني أتلقى العلاج ولا استطيع التحرك كثيرا
انفجر غسان ضاحكا بسخرية ليربت على ظهره قائلا بامتعاض.

- غبي وأحمق ومدلل، افسدتك خالتي
تجهمت ملامح وجه سرمد وهو يلاحظ لفظ القرابة التي بدأ يستخدمها صديقه لوالدته ليصيح بخشونة
- لا تقل خالتي يا هذا
لمعت عينا غسان بتسلية شديدة وهو يقترب منه بمكر قائلا
-لماذا؟
صاح سرمد بحدة شديدة وهو يضم قبضة يده كي لا يلكم هذا الأحمق
-لانها امي، ولا توجد صلة تربطنا
ارخي غسان رأسه على ظهر المقعد ليرفع قدميه على المنضدة الصغيرة ليقول.

-بلد والدتك من نفس بلدتي، يعني نحن من نفس البلد
زمجر سرمد بخشونة ويظن أنه إن لم يصمت صديقه سيضطر بقول اشياء سخيفة لا يريدها الآن ليصيح بحدة
- غبي
لوي غسان شفتيها قائلا بمكر شديد
- مغفل
زمجر سرمد بغضب ليستقيم من مقعده بحدة جعل رأسه تشتد لكن ركن ألمه جانبا، والتفت باحثا عن كلبه قائلا
- اين سيد؟
عقد غسان ساعديه على صدره قائلا ببرود ولم يكلف نفسه عناء الرد على سؤاله
- لا تلفت الانتباه كثيرا.

مرر سرمد أنامله على شاربه بعد صلعه الحالي ليقول بامتعاض
- انت تعلم انني جئت من أجل سيد
انفجر غسان تلك المرة ضاحكا بسخرية وهو يستمع الى اغبي مبرر من صديقه ليقول بمكر
- يا صديق اكذب تلك الكذبة على شخص آخر
قاطع حديثهم نباح الكلب السعيد الذي يهز ذيله بقوة راكضا بأقصي سرعة نحو صديقه الحي، جلس سرمد على ركبتيه طالبا من سيد الهدوء كي لا يلقيه ارضا ليضع يده بتوجع على رأسه
- رويدا، رويدا.

استكانت لهفة سيد وهو ينظر الى صديقه الذي يداعب فراءه، لمعت عينا سيد حينما سأله
- أخبرني هل مزقت وجه ذلك ال
نبح سيد بصوت قوي جعل سرمد يربت على ظهره قائلا بامتنان
- احب سماع هذا
دار سيد حول سرمد عدة مرات مما جعل سرمد ينفجر ضاحكا طالبا منه الصبر حينما رن هاتفه، تجاهل اتصال اخيه ليتصل بصاحبة العينين الكهرمانية التي أطاحت بعقله وجعلته يفقد اتزانه.

رنة الأولى بالثانية والثالثة، ليتبعها استجابتها لاتصاله ليقول بصوت خشن
- شاديااه
استشعر زفرات انفاسها عبر الأثير ليسألها بصوت قوي
- أين انتِ؟
اجابته بهدوء شديد
- في البيت
اتسعت عيناه ذهولا ليري أحلامه تبخرت لرؤيتها ليسألها بقوة
- ألم تزوري قريبتك لرؤية مولودها؟
عضت شادية شفتها السفلي بحرج شديد لتغمغم
- نعم زرتها مع بابا منذ ساعة
لم يكن ليستنكر هذا الأمر من والدها اطلاقا
بل لم يكن ليستنكر أي شئ من قبل والدها.

صاح بلهجة عابثة وهو يصبر قلبه على زيارته لها في الغد مع عائلته ليطمئن رجفة قلبه
- والدك يعلم كيف يحميكِ مني، لكن ليس بعد غد
استمع الى انفاسها السريعة وصوتها المتعثر
- هل أخذت موعدًا معه؟
أومأ برأسه ليغمغم قائلا
-نعم ولن تصدقي كيف حاولت المحافظة على ضغط النفس كي لا اقوم بقتل أي أحد يستطيع عرقلة زواجنا
شهقت شادية بذهول واضعة يدها على ثغرها محاولة استعادة سيطرة جسدها لتسأله بتخبط.

- سرمد، كيف؟ أعني نيتك لم تكن واضحة للزواج، لما الآن؟
ولكي يدفع الفضول قليلا أجابها ببعض الغموض والعبث المتأصل به
- انتظريني حينما آتي إليكِ، سأجيبك على جميع أسئلتك، كوني بخير
تنهدت شادية بيأس وهي تسأله بصوت هادئ
- كيف حال رأسك؟
انتبه على صوت رسالة ليرفع هاتفه وهو يرى نص رسالة شقيقه المتوعدة، ليضطر إنهاء مكالمته مضطرًا
- لا زالت تؤلم قليلا، لكنني أتعافي، سأقابلك في الغد.

غمغمت شادية بكلمات غير مفهومة قبل أن تغلق الهاتف مما جعل سرمد يجيب على اتصال شقيقه ليبادر في الهدر بوجهه
- ماذا يا أحمق
أجابه سامر بجمود شديد جعل الآخر يشعر بالقلق
- يجب عليك مقابلتي الآن
غمغم سرمد بفظاظة شديدة، فأخر ما يرغبه هو استماع تقريع
- أين يا أحمق، ثم أنا مشغول
زفر سامر بحدة قبل أن يهدر في الهاتف صارخا
- الأمر يتعلق بامرأتك، هيا تعال
تجمدت أطرافه ليشعر بالبرودة التي تزحف أوردته.

لا لا يصدق أيعقل أن والدها رفض زواجه منها
ممكن وهذا يبدو واقعيا خصيصا مفاجأة شادية لزيارته في الغد، أجلي حلقه وهو يمسد رأسه قائلا
-ماذا حدث؟
اجابه سامر بجمود شديد دون النية في الإفصاح ليقول
- لن ينفع الحديث في الهاتف سرمد، اجعل غسان يعود بك للمنزل ثم سننطلق أنا وأنت
جز سرمد على ضروسه ساخطا ليغمغم بقلق
- انت تقلقني
هز سامر رأسه دون جدوى ليقول
- لا تقلق، الأمر فقط لن يتحمل التأجيل.

نظر غسان بنظرات نارية نحو سيد الذي يرمقه شرزا ليصيح بحدة متوجها داخل منزله
-احمقان، غبيان، لعينان
تفاجئ بمن يفتح باب المنزل وصاحبة الخصلات الكستنائية خرجت من مخبئها اخيرا، ليلقي ابتسامة مقتضبة ردتها بإشاحة رأسها وهي تدير ظهرها لتغمغم عايشة
- بيسان لك اقعدي كمان ولو، ماصرلك جاية من شوي
هزت بيسان رأسها وهي تميل لتطبع قبلة على وجنتيها قائلة.

- مش عايزة اتأخر على ماما ولا على الضيوف الجايين، متنسيش الساعة سبعة يا خالتو هيجو
طغي العبوس على ملامح عايشة إلا انها لا تملك سوى الدعاء فقط ولا ترغب سوي بسعادة ابنة شقيقتها، لتسمع تعليق غسان الفضولي
- ضيوف شوو؟
اغمضت بيسان جفنيها بنفاذ صبر، لتلتف برأسها إليه قائلة بفظاظة
- وانت مالك
اتسعت عينا غسان بشر جراء وقاحتها تلك المرأة، ليهم بإطلاق سبة الا ان امه قالت بعتاب أموي
- غسان.

حتى أمه أصبحت في صفها، يشعر أنه دخيل وليس ابنًا بحاجة لمن يدافع عنه أمام خضراء العينين، ليهز رأسه محوقلا ليقول
-لك امي ماحكينا شي عم اسال
غمغمت عايشة ببؤس شديد وهي تنظر الى بيسان التي تتحاشى النظر نحو غسان
توقعت انه يوجد بينهم شرارة، لكن لا شئ مما توقعته حدث
- فيه عريس جاي لبيسان
وقع الخبر كالصاعقة على رأس غسان الذي صاح بذهول
- يقصف عمرو.

عاد نضال إلى شقته ليلفه الظلام من كل جانب ليزيد من شعوره بالظلام، والبقعة المضيئة تبهت تدريجا في جوف العتمة المستمدة من روحه..
انهار المحارب وخر ساقطًا بعد اكتشافه لنقاط ضعفه
مصدر قوته انحنت جانبًا بتخاذل مقزز له أمام الضوء القوي المبهر ليهز رأسه يائسا وقد كره النور
استاذ الظلام حتى تعلم الركض دون خوف من أى وجود عرقلة تمنع من الركض بحرية.

إلا أن توقف بدلا التوجه لغرفته ليعود مرة أخرى للصالة، اين شقيته الصغيرة؟
شمسه التي لا يخشي من نورها ولا من إحالة أرضه جحيمّا
أوجس في نفسه خيفة لتتلون عيناه بشرر ناري وأسوأ الاحتمالات تتراءى أمام عينيه ليسمع صوت المربية
-مساء الخير يا نضال بيه انا
نهرها بحزم واضح وهو يقول بغلظة
- اششش مش عايز رط كتير
توترت أعصاب المربية لترتعش يديها قائلة
- انا، انا كنت بس
صاح بصوت قوي ناهر
- فين شمس.

عضت المربية شفتيها بقلق لتزيل الدمعة الخائنة وهي تجيبه بضعف
- ما هو ده اللي كنت بحاول اوصلهولك
اقترب منها والشك يتلاعب بأساوره ليهم بصفع المرأة حتما أو قتلها أهون ليصيح بنبرة مميتة
- البت فين
ارتعشت شفتي المربية وهي تبتعد عدة خطوات عنه قائلة بتوتر
- ف في.
أطاح بمزهريه التي جددها للمرة الثلاثين ارضًا ليهدر في وجهها قائلا
- ما تنطقييييي
صرخت المربية بفزع لتشير نحو غرفة ابنته قائلة
- في اوضتها.

زفر نضال بحدة ليسارع بالتوجه ناحية غرفة ابنته، والسكون المطبق في عرفتها أرسل تيار بارد قشعرت من اب جسده ليهمس اسمها راجيا صحو شمسه
- شمس
ابتلع الغصة في حلقه ليقوم بإشعال اضاءة الغرفة ليراها مستلقية على الفراش، اقترب منها ليتفحص وجهها الشاحب بجحوظ، مال ليضع أنامله على خدها لتصحو شمسه إلا أن أنامله انتفضت حينما شعر بحرارة جسدها العالية ليهمس بجزع
- شمس
سقط على ركبتيه وهو يكرر ندائها
لكن شمسه لا تستيقظ.

شمسه غابت
وابتلعها بظلمته.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة