قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن والأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن والأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثامن والأربعون

في مقر الإذاعة،.

توجهت جيهان بخطوات عاجلة تنظر الى ساعة يدها التي ستتجاوز الثامنة صباحا، تعلم أن صاحب المحطة الإذاعية صديق لوالدها، هي فقط ستطلب مهلة لدقائق معدودة تطلب من صاحب البرنامج الصباحي أن يعطيها وقتها لتحدث الجميع وتعتذر لشقيقتها التي رفعت جدار الصمت والخصومة بعد أن أعلنت فسخ الخطبة على صفحة الانستجرام، رغم انها تعلم ان شئ هذا ليس لتلك الدرجة يجلب الخصام، لكن ربما الايطالي فعل شئ ما أو خطيبها السابق منزعج كما أخبرتها شادية قبلا!

هزت رأسها بيأس وهي تفتح باب المكتب لتصيح بصخب
- يا صباح الخيرات
رفع صاحب محطة الإذاعة رأسه ليقول بتعجب
-جيجي!، انتي بتعملي ايه هنا من الصبح
اقتربت منه تقول بنبرة متوسلة
- عشر دقايق يا كبير، محتاجة ادي رسالة صباحية لحبيبة قلبي مضايقة مني شويتين.

نظر صاحب المحطة بعينين مدققتين ثم نظر الى ساعة يده، المذيع لم يأتي حتى الآن، ولا يوجد أحد يأتي في ذلك الوقت الباكر من الصباح خصوصا ان معظم برامج محطته بعد الظهر، قال بنبرة متشككة
- البرنامج بعد عشر دقايق، وحسام لسه مجاش، هتعرفي تتصرفي لحد لما يجي.

اتسعت عينا جيهان بانبهار، هل يعطيها موافقة أن تذيع، هي درست الإعلام نعم في مرحلة الكلية وعملت لشهور متدربة في مكتب صديق والدها، لكنها لم تجرب أن تكون مذيعة، أحبت أن يعرفها الجميع بصوتها وشكلها...
ارتفع رأسها حين سماعها إلى صوت أجش، يبدو انه استيقظ من نومه للتو
- تتصرف في ايه.

تعلقت عيناها لا اردايا به، تشعر بالوحشة والاشتياق لتلك الايام التي لم تراه بها، شعره استطال حتى ذقنه نمت بشعر اضافت بعض الجموح لمظهره البري، أجلت حلقها وقلبها بدأ يستميل بضعف له لتهمس ببعض التوتر
- انت ايه اللي جابك بدري، مش اذاعتك بليل
القي نظرة لائمة وقال بنبرة خشنة وهو يعبث بخصلات شعره
- لو انتي مهتمة كنتي عرفتي اني طول الليل قاعد في الإذاعة.

اتسعت عينا جيهان بخوف وهلع وهي تطمئن عليه بعينيها لترفع عينيها عنه وهي تسمع فتاة شابة تنظر بانبهار إلى وسيم وهي تتمايع في صوتها
- حسام هيتأخر يا مستر رؤوف
ألقت جيهان إليها نظرة ساخرة، وهي تكاد تتقيأ من ميوعتها ليقول رئيس المحطة
- شوفي مين من المذيعين يدخل مكانه لحد لما يجي حسام
أجاب وسيم بتثاؤب وهو يتوجه نحو غرفة التسجيل
- انا هدخل، حد يعملي فنجان قهوة
سارعت الفتاة تقول بنبرة متلهفة
- حاضر.

قلبت جيهان عينيها بملل وهي تهمس بصوت متقزز
- شوف النحنحة بتاعت البنات دي
شعرت بلمسة عارضة توضع على كتفها لتلتفت برأسها وهي تري وسيم يهاجمها بزرقة عينيه الداكنة ليقول بنبرة خاصة
- لطالما غيرانة اووي كدا روحي اعمليلي
رفعت جيهان حاجبها لتجيبه بحدة
- ليه ناقصك ايد ولا رجل، ولا اتشليت عشان اعملك
رفع وسيم كفه في وجهها، يقرأ المعوذتين ثم غمز بمكر قائلا بنبرة ذات مغزى
- يعني مش هتطبخيلي.

احتقن وجهها من الخجل لتجيبه بتوتر واندفاع
- واطبخلك على بتاع ايه ان شاء الله
هز وسيم رأسه يائسا ليقول بنبرة آمرة وهو يتوجه نحو الاستوديو يتخذ مقعدا خاص له
- يلا يا جيجي
القت نظرة نحو مدير المحطة الذي حذرها بعينيه ان تفسد الامر، اومأت رأسها وهي تلقي قبلة في الهواء جعل المدير يرفع حاجبين صارمين، جعل جيهان تنفجر ضاحكة وهي تجلس على المقعد المجاور ل وسيم الذي نظر بضيق إلى ما حدث منذ قليل.

هل تتغزل في الجميع هكذا؟ّ!، انتبه على وجود فتاة تضع له قهوته في كوب ورقي، شكرها بلطف زائد وهو ينظر الى عيني جيهان التي اشتعلت بغيرة جعلت ابتسامة عابثة تزين شفتيه...
رفعت عينيها تنظر الى مدير المحطة الذي يعد العد التنازلي بأصابعه حتى صدرت الاشارة الحمراء لتندفع جيهان تقول بنبرة حماسية وهي تلاعب حاجبيها بمكر.

- صباح الخير، صباح التفاؤل والجمال، صباح جميل الجو النهاردة حر شوية بس ده مش هيمنعنا اننا ننزل الشغل، او نعتذر لحبايبنا اللي مزعلينهم امبارح، معاكم جيجي السويسري في برنامجكم المعتاد كل صبح الساعة 8
هم وسيم بالتدخل الا أن جيهان قاطعته وهي تنفجر في ضحكة ناعمة، جعل وسيم يضم قبضة يده بعنف، تلك الغبية، الحمقاء المغفلة، الفأرة الصغيرة، هل تريده أن يفقد المتبقي من رشده!
قالت جيهان بنبرة ممازحة.

- واضح ان حسام اخدته نومة شوية وزحمة المرور هيأخره عنكم، بس لازم نستقبل محطم قلوب العذاري اللي هيكون معاكم بليل، وسيم المالكي
غمغم وسيم بنبرة ممازحة تحمل التهكم والسخرية في باطنها
- لثواني افتكرت اخدتي الإذاعة الصباحية ليكي
لم تلتفت ولم تعبأ كثيرا للرد عليه، ولم تنظر حتى إلى الأوراق، التفتت تسأله بصراحة
- وسيم بمناسبة الزحمة والخنقة منفكرش نعمل ليه زي دول أوروبا وندبل العربيات بالعجل.

ثم استرسلت بهدوء ونبرة حماسية
- عايزين نسمع اقتراحتكم، تقدروا تدخلوا على صفحة البرنامج وكل واحد يقول رأيه
ارتشف وسيم القهوة من كوبه وهو ينظر الى رئيس المحطة الذي لا يعجبه الوضع بالمرة، هو المخطئ، يشعر بنفسه هو الضيف وجيهان هي المذيعة، يخشى أن يؤثر برنامج الصباح بالسلب على المحطة ليجيبها قائلا ببرود
- مجتمعنا مش متفتح زي ما انتي متخيلة يا جيجي، الراجل عمره ما يقبل على مراته تركب عجل.

قلبت جيهان عينيها بملل وقالت بنبرة محتدة
- بتحب التفرقة العنصرية دي، البنت متركبش عجل، البنت متصاحبش، البنت متتأخرش على البيت بعد 9، البت والبت، كأن البنت دي عار او حاجه خايفين اننا نطلعها برا البيت
ارتشف من القهوة وهو ينظر اليها ببرود شديد، يشعل غضبها ويحرقها بذلك الهدوء المحافظ عليه، كادت أن تكسر الطاولة فوق رأسه وهو يجيبها بنبرة رخيمة.

- وليه متقوليش ان الراجل خايف عليها من نظرة، وشايفها جوهرة مش عايز غيره يشوفها
واجهته باتهام واضح وهي ترفع حاجبها بتحدي
- يعني انت ضد ركوب العجل
هز وسيم رأسه واجاب بهدوء قائلا
- مش ضد، بس البنت لو حبت تركب عجل يكون جوا نطاق معروف، يعني في النادي أو منطقة مخصصة تقدر تلعب فيها بحرية مع صحابتها، لكن شارع صعب جدا، محدش عارف ممكن تقابل مين وايه يجرالها او التعليقات اللي ممكن تسمعها وتجرحها.

صمتت جيهان وهي لا تجد أي طرف لتمسكه بها، رفعت عينيها لتنظر عبر الزجاج إلى رئيس المحطة، عابس الوجه، مكفهر الملامح، رفعت كلتا يديها معتذرة وهي تعود لسبب وجودها في ذلك الوقت الصباحي، تعلم أن شادية ورثت الكثير من طباع والدتها رغم أنها هي التي ورثت ملامحها، شادية تحب تلك الاشياء القديمة
من الاستماع عبر الراديو، ومشاهدة الافلام القديمة، واستماع الاغاني من الزمن الجميل، لكنها على النقيض تماما!

لم تكن لتأتي تقطع تلك المسافة من منزلها حتى المحطة الإذاعية لو لم تكن تعلم أن شقيقتها تستمع الى الاذاعة حين ذهابها للعمل، حمحمت وهي تشعر ببعض الحرج وهي تعلم ان ذلك الاستوديو بل المحطة بأكملها لن تطأها مرة اخرى، همست بنبرة معتذرة
- طيب عشان منبعدش اووي عن سبب وجودي هنا، حبيت اوجه رسالة لاختي المقموصة حبتين مني واقولها كل سنة وانتي طيب يا احن اخت واعقل اخت في الدنيا ويصبرك انتي وبابا على جناني.

راقبها وسيم بنظرة خاصة جدا وهو يرتشف قهوته، رغم كل عيوبها الظاهرة والسيئة
إلا أنه يعلم جوهر فأرته الصغيرة، نقية، نقية للغاية يخشي هو أن يلوث صفاء نقائها
اتسعت ابتسامته وهو يراقبها بافتتان شديد، كم اشتاق لها، عاقبته الصغيرة، عاقبته وبقسوة ببعدها عنه وتوقفها عن اقتحام حياته بصخبها المعتاد
- الاغنية الجاية دي مخصوص ليكي يا روحي، انا عارفة انك بتسمعي الاذاعة الصبح
انساب عبر السماعة اغنية لمحمد عبد الوهاب.

اخرتها ايه وياك يا اللى أنت ناسينا
عهد الهوي صنته وعمري ما خنته ولا بعت ايامه
في حبي خبيته وبقلبي غنيته وعشقت أنغامه
وقلت اغني وياك يا قاسي
بعدت عني وفضلت أقاسي
واحتار شبابي معاك والوجد فاض بينا
صابر وباستناك والصبر موش لينا
اخرتها ايه وياك ياللي انت ناسينا
اهل الهوي مساكين صابرين ومُش صابرين وبيحسدوا الخالي
اصل الهوي غدار فيه القلوب تحتار ما للهوي وما لي
يا اللى بحبك حيرت حبي
طاوعت قلبك لاوعت قلبي.

واحتار شبابي معاك والوجد فاض بينا
صابر وباستناك والصبر مش لينا
اخرتها ايه وياك يا اللى انت ناسينا
عيني على عيونك والرمش في جفونك قادر وظالمني
عينيك بتتكلم والرمش بيسلم وانت مخاصمني
وفي كل نظرة شايف غرامك
ولا قلت مرة سبب خصامك
واحتار شبابي معاك والوجد فاض بينا
صابر وباستناك والصبر مُش لينا
اخرتها ايه وياك يا اللى انت ناسينا.

اغمض وسيم جفنيه، اجادت تلك الفأرة الاغنية وضربته في مقتل، اسبل أهدابه وهو يرى خصلاتها المجعدة ليزفر بحرارة محاولا طرد أي مشاعر تكالبت عليه..
فلا خلاص له منها
ولا هي ستتوقف عن انتقامها الطفولي، لا يعلم كم الصبر الذي يكاد يحسد عليه ليتركها تعبر عن تمردها بصدر رحب
فبالنهاية هذا هو جزاء صنيعه، لتمرح وتعبث قليلا حتى يضربها بضربته القاضية.

تنهد سرمد زافرا بحرارة، حرارة الشمس أصبحت عمودية على رأسه، القي نظرة سريعة إلى ما اشتراه من متجر الحيوانات الأليفة...
بعمره لم يهادي شيئا بسيطا لأمرأة اسطورية مثلها، شئ بسيط يظن أنه سيمثل السعادة لبرتقاليته الخاصة، ألقي نظرة نحو القطة الصغيرة بفروها الابيض الناعم المغري للمس، متخيلا اصابعها السمراء النحيلة تمرر على فرو القطة،.

ابتسم والابتسامة تتسع وهو يهز رأسه بعدم تصديق، هل جلب لأمرأة هدية في عيد ميلادها؟!
لولا جيهان التي سردت بعفوية أم بقصد منها أنها كانت تملك قطة لأحتار ليجلب لها هدية!
ولما هي؟!، تلك الأنثي سائر عن جميع النساء اللاتي صاحبهن؟!
لانها تمتلك تأثيرا أكثر فتكا
وسلاح أشد إغراء
وعينين تقوده للخطيئة!

استمع إلى مواء القطة الصغيرة التي حرص على جعلها تشبه التي فقدتها بفضل جيهان التي كانت تنظر اليه بمكر شديد ولمعة داهية، لقد رفضت قطعا باتا وسألته
- ماذا تعني لك شقيقتي، أقسم أي أجابة خاطئة ستنساها وتنساني وتعود بادراجك إلى موطنك
أغمض جفنيه وهو يمرر أنامله على فراء القطة المتمرغة في دلالة وهي تموء بصوت ناعم، ليعطيها الاجابة.

- الأمر جدي، لا يوجد به عبث يا جيهان، إن كنت حقا تريدين مساعدة شقيقتك، مهدِ لي الطريق
وافقت وقتها على مضض واعطته صورة قديمة لها ولقطتها، لكن تلك الماكرة قصت الجزء الخاص ببرتقاليته ليبقي فقط صورة للقطة وهي تحملها على يديها النحيلتين
انتسل الهاتف من جيب بنطاله وهو يعبث بالأرقام، هل يتصل بعائلته الآن؟!، بحياته لم يجازف في أي علاقة ليجلب لأمرأة هدية بمناسبة مولدها!

اتصل على هاتف شقيقه سامر الذي أجاب بعد فترة وصاح بلهجة خشنة
- لا اصدق ان الاخ الوغد يتصل بي الان بعد فترة من الانقطاع
قلب سرمد عينيه بملل، شقيقه الصغير وغد مثل صديقه، صورة طبق الاصل من بعضهما، غمغم بجدية
- توقف يا سامر واخبرني اين انت
انفجر سامر ضاحكا بسخرية وهو يجيبه بشقاوة.

- في ايطاليا يا رجل وأين سأكون، بالمناسبة والدتك تلك المرة لا ترغب بمكالمتك، انها حزينة من أجل عدم اتصالك بها. أتصدق صديقك الوغد هذا يهاتفها يوميا وانت لا نسمع عنك خبرا
اتسعت عينا سرمد بجحوظ، الوغد، الوغد، الحقير، لما يتصل بوالدته!، تجهمت ملامحه وصاح بحدة
- سامر
أجابه سامر بنفس الشقاوة
- لا تحاول، هي لا تريد سماعك
زفر سرمد بسخط شديد ليضع القطة داخل صندوقها بعد أن ألبسها طوق خاص، صاح بنفاذ صبر.

- افتح مكبر الصوت لتسمعني
لم يأتيه رد سامر ليجلي سرمد حلقه وهو يفتح باب السيارة الخاصة التي طلبها عبر التطبيق، ثم آمر السائق أن يذهب إلى وجهته المعلنة سابقا،
اخر لقاء بينهما كانت تنقص من رصيده، كانت على شفا جرف من الانهيار، تستجديه استرحامها ومن يرحمه هو من عذابها؟!
غمغم بنبرة ناعمة وهو يستشعر سماع والدته لصوته
- يا روح سرمد وفؤاده، هل يقدر قلبك المسكين على مخاصمتي؟
جاء صوت شقيقه الساخر.

- لن تفلح حركتك تلك معها
تأوه سامر بوجع لينفجر سرمد ضاحكا حينما أتى صوت والدته الحبيب
- اخرس يا غبي
غامت عينا سرمد بتأثر ولهفة الاشتياق استحوذت عواطفه، همس بنبرة ممازحة
- حبيبتي، اعتقد انني أمر في حالة مرضية، ابنك لم يعد كما كان
شهقت والدته بفزع لتهمس بقلق
- يا صغيري.

لاحت على شفتيه ابتسامة ناعمة، مازالت والدته تناديه بذلك اللقب حتى بعد أن تجاوز الرابعة والثلاثون، تنهد بحرارة وهو ينظر نحو النافذة بشرود ليستمع إلى صوت والدته القلق
- ما بك يا قلب والدتك
رد بنبرة هادئة
- لقد وقعت في المصيدة حبيبتي
ظهر بعض الاستنكار والتعجب في صوت والدته
- أي مصيدة حبيبي؟!، أخبرني ما بك؟، صديقك هذا يلمح لي كل يوم عن اشياء لكن لا اريد ان اجعل قلبي يتعلق بآمال مزيفة.

نطقت اخر جملتها بحزم مما جعله ينظر نحو قفص القطة ليقول
- اشتريت لها قطة، كانت تملك قطة في وقت مراهقتها ثم ماتت
سمع صوت شهقة والدته وصوت سباب شقيقه الذي صاح بحدة
- اللعين، سقط في العشق
زجرته والدته بحدة ثم التفتت تقول بنبرة حازمة، تخاف أن تتعلق بآمال زائفة
- اشتريت قطة!، سرمد اقسم بعزة جلالة الله إن كان هناك عبث أو خدعة سأخاصمك والله سيحاسبني على قسمي هذا.

أرخى رأسه على مسند المقعد، ألم يكن منتظرا العشق؟ّ! إن كان هذا يسمى العشق فهو مرحب به، سيفتح كلتا ذراعيه مستقبلا سهامه وعذابه ثم حلاوته
- الأمر جدي يا حبيبتي، لكنها تمنعني من الولوج إليها
استمع الى صراخ والدته الحاد
- هل تظن بنات موطني سيستسلمن من كلمات عابثة يا ايطالي الهوية مثل ابيك
انفجر سرمد ضاحكا ليهمس بمكر.

- هل بدأنا الان نفصل الحدود الجغرافية؟، ثم انتي من وافقتي للزواج بوالدي وهل يرفض أحد الزواج من عائلة النجم
استشعر ارتباك والدته ليقرر الصمت وهو يستمع إلى توبيخها له
- اصمت، أخبرني كيف هي ملامحها؟
عينيها كهرمانيتين يداعب الشمس أطراف أهدابها باستحياء، وبشرة اختبر نعومتها قبلا، وقد رشيق يكاد يغويه لممارسة الخطيئة، هذب من أفكاره الجامحة ليقول بصوت أجش.

- عربية، ملامح شرقية خالصة، يسكن في عينيها جوع العاطفة
انفجرت والدته تشتمه لتتسع عينيه بجحوظ ليقول بعبوس
- ما الداعي للشتيمة يا حبيبتي
زمجرت والدته بغيظ وهي يرهف السمع لصوت ضحكات شقيقه لتقول بنبرة زاجرة
- هل تقول مثل تلك الكلمات لوالدتك
استمع الى صوت تأوه شقيقه واتبع يقول بعبثية
- اراهنك يا أمي أن ذلك العابث لمسها، انه لا يترك أي سيقان امرأة تعجبه.

مرر سرمد أنامله يهذب من لحيته ليستمع إلى صوت والدته الجاد
- اسمع يا ولد، لطالما ترغبها سنقوم بالعادات العربية ونطلبها من عائلتها، سأتي اليك انا وابيك
هز رأسه نافيا وقال بصوت جاد
- ليس الآن، حينما اشعر انها تستميل لي، ستأتين
تنهدت والدته بيأس، ثم اتبعت قولها بتحذير
- لا تفسد الامر يا غبي، وأزيل قناع العبثية والوقاحة أمام الفتاة
تراقصت عينيه السوداويين بمكر وقال بعبث
- لن أقدر على أن أعدك بشيء كهذا.

قبل اغلاق المكالمة استمع الى صوت شقيقه الغارق في الضحك
- اخبرتك ذلك الماجن، سيجعل الفتاة تزج بنفسها الى اقرب مشفى للأمراض العقلية للتخلص منه
هز رأسه يائسا وهو يغلق المكالمة ليعود فتح تطبيق الانستجرام ليري صورة جيجي وهي تلف ذراعها حول عنق برتقاليته متمنية ببعض العبارات الانجليزية عيد ميلاد سعيدا، اصبع السبابة لمست عبر الشاشة قد برتقاليته ليصبر نفسه، ما تبقى له القليل فقط..

هو عازم على هدم صومعتها التي تحتمي بها، إن كان وصل لباب غرفتها هذا لا يمنع من وجود بعض العوائق التي فرضت عليه حتى تصبح في قبضة يده.

انفجرت شادية غارقة في الضحك وهي لا تصدق شقيقتها المجنونة، اخذت الاذاعة الصباحية بسبب تأخير المذيع تعتذر امام الجميع، بل عيدتها في عيد ميلادها الذي قبل أوانه بشهر!
هزت رأسها يائسة، رغم كل ما تفعله شقيقتها وجنونها، والشجار بينهما بسبب انها اعلنت فسخ خطبتها على صفحة الانستجرام التابعة تحت ادارة تلك الماكرة، لتهمس شادية بعدم تصديق
- مجنونة
ارتفع صوت جيهان وقالت بنبرة طفولية.

- شايفة اعتذرت قدام الدنيا كلها متبقيش قموصة
زفرت شادية وهي تستقيم من مقعدها لتقول بنبرة جادة
- جيهان انتي غلطتي في حقي، مش هعديلك الموضوع زي ما انتي متخيلة
عادت جيهان تغريها بما فعلته خلال تلك الأيام من الخصام الصامت بين الشقيقتين، لتقول
- بابا عملك حفلة عيد ميلادك على الباخرة، اتبسطي لأنه رفض يعملي انا كمان
زمت شادية شفتيها لتقول بنبرة ممتعضة.

- يعني على اساس لما عمل الحفلة بتاعتك مكنتيش هتغرقي لولا ستر ربنا.

زفرت جيهان بحنق، هل تذكرها بحفلة عيد ميلادها السادس عشر، لا تعلم كيف تعثرت وكادت أن تفقد توازنها وتسقط حتى أنقذها فارسها الهمام وسيم وهو يوبخها في وجهها بحدة، كونها عمياء، وغبية لا تستطيع أن تنظر، وقلب حفلة مولدها إلى مأتم وأصدر ابيها فرمان بعدم إقامة أي حفلات في الباخرة، لكن وسيم ذو القلب الحنون، اشمئزت ملامحها ساخرة حينما تذكرت مساء الليلة جلب لها قطعة كعك وشمعة صغيرة طالبا منها أن تتمنى امنية وهو سيحققها فورا، اغمضت جيهان جفنيها وهي تتذكر أمنيتها.

طلبت أن يكون بجوارها دائما وابدا، ان يكون ملازما لها كظل ثاني، لكن هل نفذ وعده!
زفرت باختناق لتقول بنبرة جاهدت في جعلها مرحة
- المهم يا ستي، عايزاكي تكون انسة بتبرق بليل عشان بابا مسبش حد ومعزمهوش
هزت شادية رأسها يائسة لتقول
- بس عيد ميلادي مش النهاردة
انفجرت جيهان ساخطة
- عارفة انه بعد شهر، بس مش هستني لشهر عشان تصالحيني.

تفاجئت شادية من اغلاق المكالمة في وجهها، انتبهت على صوت طرقات الباب لتدلف نجوى وهي تقول بتوتر
- شادية
عبست شادية ملامحها وهي تري ارتباك مساعدتها لتقول باهتمام
- نعم يا نجوى
أجلت نجوي حلقها، لا تعلم كيف ستستقبل شادية ذلك الخبر خاصة وهي في مزاج رائق، تلعثمت قائلة بتوتر
- فيه حد برا عايز يقابلك
هزت شادية رأسها نافية وقالت بصوت مرتفع، كي يسمع الضيف أنه غير مرغوب في زيارته.

- مش فاضية يا نجوى، اعتذريله وخليه ياخد ميعاد من السكرتيرة
اغمضت نجوى جفنيها وهي تهمس بتوتر
- ما هو اصله
شمت شادية رائحة عطر قوية، اشعرتها بالاختناق، رائحة من دفاتر الذكريات القديمة، وأدتها قديما، رفعت رأسها لترى تلك النظرة الذئبية في عينيه كما حاصرها قبلا
لتنطق اسمه بتعثر
- م، معاذ.

التمعت عينيه باصرار وشغف، لم يكن يصدق ان تلغي خطبتها كما هو افسخ زفافه، يبدو ان القدر يلعب لعبته للمرة الثانية معه، ليقول بنبرة واثقة
- وحشتيني يا شادية
هوي قلب شادية وهي تعود خطوة للخلف تحملق به بجحوظ وعدم تصديق، ما الذي أعاده، ماذا يريد بعد أن تلذذ بتعذبيها وسحقها بعنف وتركها أشلاء على شاطئ الخذلان!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة