قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل التاسع والأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل التاسع والأربعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل التاسع والأربعون

الماضي حينما يعود، وخصوصا المؤلم
ذلك الماضي الذي دفنته في وقت سابق، أعلنت وقتها الفوز على ذاكرة عقلك متحديا انك لن تتذكره مرة الأخري..
هو ذلك الماضي، بكل ألمه
يخبرك كم كنت ساذجا، مغفلا، احمقا
كم كنت ضعيف، تندفع بقلبك البرئ في زمن مزق البراءة ولطخ الطهر.
عينا شادية تنظر بجحوظ مخيف وقد تسرب ايقاع لحن الموت
ازدردت ريقها بتوتر وجسدها وضع تحت فحص ذكوري قذر يعاين ويكشف عن بضاعة له..

ثم همسته الاجشة جعلتها تشهق بفجع
- وحشتيني يا شادية
ذكريات وأحداث كثيرة ظلت تضربها دون هوادة، ككرة مطاطية تعبث في أرجاء غرفة ضيقة دون نافذة، دون باب للخروج، كسجن تم القاء السجين ثم شيد اربعة حوائط ليصارع السجين بين شيئين الصمت ثم الموت.
اغمضت شادية جفنيها بإرهاق تحاول ازاحة تلك الصورة المميتة لروحها، والتي مزقتها حرفيا، جعلتها تعاني من الخوف الشديد ان تنزلق في بركة آثام، هو الذي كسرها
حطمها.

دمرها حرفيا
لعب معها بكل براعة، اساليب صياد لا يخطئ ابدا استدراج صيده الثمين إلى فخه
قناع الحب والوداعة خدرها، استدرجها ببطئ حتى حصل على غايته
وكله اسفل خطبة بعقد زواج، سحبت نفسا عميقا وزفرته على مهل لتفتح عينيها وهي تحدجه بغضب
صاحت بحدة متوترة فضحه ارتعاش لسانها وارتجاف جسدها
- انت، انت بتعمل ايه هنا.

ارتسمت ابتسامة ذئبية، غزالته الناعمة ما زالت كما تركها بعد فسخ خطبتهم طلاقه، يعترف انها أرهقته كثيرا، لم تسمح له بالكثير واضعة حدود بينهما، ظن الخطبة ستلينها لكن للاسف رأسها كان كحجر صوان، قرر أن يعقد قرانهما قبل الزواج حتى يستطيع هدم تلك الحدود المستفزة، المتقهقرة لجيوشه، ويعترف انه فاز كما لو فاز باليانصيب.

كل يوم يرويها بكلمات حب تحب النساء سماعها، ترهف قلبها ويلين جلمود عقلها حتى صارت قطعة لينة يسهل تشكيلها، رغم حذرها لكن النساء تستطيع تخديرهن، أليس كذلك؟!
انتعش قلبه بتسلية وعينيه تمشطان منحيات جسدها، رغم أن جسدها كان سابقا به منحنيات رائعة لكن الآن تبدو قطعة من عروس باربي، بعض التغذية سيعيدها إلى شادية التي يعرفها.
وضع يديه في جيب بنطاله وهو يقول بنبرة بها بعض الاستفزاز والتصميم.

- هكون بعمل ايه يعني يا شادية، جيتلك
يعلنها بكل صراحة الوقح، الفاسق، الكاذب، مهما سبته لن تفي صفة بحقه ابدا، اشتعلت غيظا وسخطا لتنفجر هادرة في وجهه
- اطلع برا
لم تتأثر به عضلة في وجه وهي تطرده بوقاحة من مكتبها، ألقي نظرة نحو مساعدتها التي تتابع بقلق ما يحدث، تنهد قائلا بنبرة لعوب
- مكنش ده استقبالك لما رجعت حياتك وعملتيلي فرحي.

يوم مشئوم مثل وجهه، استغفرت الله سريعا وهي تحدج نجوي نظرات نارية تمنعها من المغادرة، دقت بعصبية مفرطة بكعب حذائها العملي على الارضية المصقولة تنفجر في وجهه
- وانت ليك عين يا بجح ترجعه تاني، اطلع برا لاحسن اناديلك الأمن
ما زال بوقفته العنجهية، ألقي نظرة نحو نجوي وقال
- تقدري تسبيني يا انسه اتكلم شوية مع الانسة.

أنهى كلمته بتهكم مع نظرة صريحة وعينين لامعتين بمكر، يعطيها رسالة واضحة لشادية التي أشاحت برأسها ترفع رأسها تنظر نحو سقف الغرفة تزفر بنفاذ صبر
- شادية
نطقتها نجوى وهي بين اختيارين، تخشى أن تتركها ويؤذيها، هي تريد ان تدافع وتثأر، ذلك النوع من الرجال لا تعلم كيف كانت ربة عملها ارتبطت به، وهو بكل قذارة وخسة حينما قرر الزواج ترك منظمي الزفاف وقرر أن تنظم زفافه، رمقته بقرف شديد ليأتيها صوت شادية الحاد.

- متتحركيش، ونادي الأمن يرموا البتاع ده برا
انفجر معاذ ضاحكا ضحكة مجلجلة، كانت كأصوات صفير حاد على وشك أن يخترق طبلة اذنها، كشر معاذ ملامحه ليقول بنبرة ساخرة
- اظن انك مش محتاجة فضيحة اكتر من كدا يا شادية
شدت من قامتها، وقلبها يحترق ببطء بعد ان تحول رمادا، يحاول حثيثا اشعال الرماد الذي اخلفه، لوت شفتيها قائلة
- والله انا مش شايفة سبب يخليك قاعد لحد دلوقتي قدامي، الا لو انت مهزق.

غزالته تحولت للبوة، لا يعلم كيف استطاعت أن تكتسب بعض الشراسة تلك التي من المؤكد ستجعله راغبا بها اكثر، لن يقدر على تركها تلك المرة، ربما تطول مدة علاقتهم عكس المرة السابقة، همس بهدوء خبيث
- هتزعلي مني يا شادية
ثم قال بهدوء ونبرة متهكمة
- ده انا سبتك يوم فرحي تعبري عن مشاعر الغيرة والكره اللي جواكي.

كانت نجوى تنسحب ببطء تاركة كلاهما يتناطحان مقررة انها ستكون في الخارج وان شعرت بالوضع يسوء ستجلب الامن، رفعت شادية حاجبها لتضحك ساخرة ثم عقدت جبينها لتصيح بصرامة
- وهو انت فاكر شادية بتاعت زمان عايشة دلوقتي، ومستنياك ترجعلها، فوق مش بنت السويسري اللي تهين كرامتها على حتة راجل ميساواش في سوق الرجالة.

تهينه بكل بجاحة عل يوجد كرامة ليحفظ ماء وجهه، لكنه كائن لزج، تتعجب كيف كانت معمية البصر والبصيرة لترتبط برجل مثله، حظها سيئ بل اسود مع الرجال
رفعت رأسها تحت صوته اللعوب وهو يقترب بحذر وتروي منها
-من امتي طلعلك ضوافر بتخربش يا قطة
عقدت ذراعيها على صدرها تقول ببرود
- عايز ايه، اخلص
ارتسمت ابتسامة على شفتيه ليقول
- نرجع زي ما كنا يا حبي.

صمتت شادية لثانية، اثنان، ثالثة ثم اتبعها بضحكة مجلجلة لتشرس ملامحها وهي تندفع تهب في وجهه، منفثة نيران اندلعت في جوفها
- ضحكتني، نرجع تاني، هو انت فاكر ارجع لواحد قذر زيك بعد ما خلصت منه
اياك ان تندفع في علاقة وتجعل شخص يبتزك، يذكرك أسوأ لحظة في حياتك
اياك ان تسلم رأسك كهدية لعلاقة ان تعلم ابعادها، ستنتهي بالفشل، لوي معاذ شفتيه ليحك طرف ذقنه بابهامه قائلا.

- يا خسارة، ده انتي وقتها شوية وهتترجيني عشان ارجع عن قراري
شملته في نظرة مزدرية لتقول بشموخ
- مش انا اللي اتذل لشخص ملهوش لازمة يا معاذ
كاد يصفق على كلامها الملئ بالكبرياء، وهي بعيدة كل البعد عن تلك الصفة، سألها بنبرة ساخرة
- معاذ الحب الاول يا حبيبتي مش كدا
لم يسمح لها لاكمال حديثها بل تابع يقول بنبرة خشنة
- كنتي صعبة للكل يا شادية، صعبة بس مش مستحيلة
مالت برأسها تنظر نحو نقطة وهمية، رفعت رأسها وقالت.

-خلصت
ابتسم، تلك اللبوة سيستمع معها، كثيرا، مال برأسه ثم قال
- جيت اقولك انك للاسف نجحتي انك تشوقيني ليك تاني، اصل وحشتنا الايام بتاعت الخطوبة ونفسي اكررها
- بتحلم
قالتها بشراسة واندفاع رافض ليقول باستفزاز
- زي ما حلمت انك تبقي ليا مش صعب عليا، المحاولة الأولى صعبة لكن التانية...
قاطعته بحدة
- مستحيلة
صحح كلمتها قائلا ببرود
- سهلة
سحب نفسا عميقا ثم زفر على مهل ليقول.

- انا طلقت مراتي لانها للاسف معرفتش تمتعني زيك، شوفت بالصدفة خبر فسخ خطوبتك، شوفتي قدرنا نتجمع لبعض ازاي
رمقته بازدراء وتقزز، لتلتفت نحو مكتبها تجلس عليه قائلة
- عايزاك تحلم يا معاذ
هز رأسه وهو يرى أن اكتفي حاليا بما أراده، همس وعينيه تنظر بتصميم اليها
- سلام يا قطة، بالمناسبة مشوفتش الحارس اللي كان ملازمك المرة اللي فاتت، كويس عشان يسهل مقابلتنا.

اندلعت نيران هوجاء في عينيها الكهرمانيتين لتمسك بقطعة خزفية ترميها في وجهه الا انه تفادها بمهارة على صوتها المهتاج
- قذررر
انفجر ضاحكا و صدى صوت ضحكته يتردد في أذنيها دون رحمة، ضحكات تسخر منها ومن عدم معرفة أصله المتدني، امسكت بعدة اقلام وهي تستقيم من مقعدها على خروجه تجئ تارة وتذهب تارة أخرى، انتبهت على صوت نجوى التي اندفعت للمكتب حينما خرج معاذ لم تنسي أن ترمقه بشرز ثم اقتربت من شادية قائلة بخوف.

- شادية
زمجرت بحدة وهي ترمي الاقلام على الارض
- القذر ده لو جه الشركة يطرد فورا، ولو أصر تتصلوا بالبوليس يا نجوى
هزت رأسها وهي تقول بقلق وهي تري حالة شادية و الهستيريا التي اصابتها تدمر كل ما تطيله بيدها
- حاضر اهدي بس
مررت يدها بعصبية على خصلات شعرها المعقودة، فكت ربطة شعرها لتعبث بخصلات شعرها بحدة، تود قتله، لما لا تجرأ على قتله، لما لا تستطيع إيذاءه كما أذاها؟!

همست بعصبية شديدة والدموع تتجمع تمنعها من السقوط
تزجرها بعنف
- سبيني اهدي يا نجوى
هزت رأسها بطاعة وهي تبتعد بقلق وخشية لكن ليس بيدها الحل، دعت الله ان يبعد عنها ذلك الحقير أو تراه معاقبا بقسوة
- حاضر.

انفجرت وانهارت تبكي على الأرض حينما اغلقت نجوي الباب خلفها، تزجر نفسها وعلى ضعفها الذي أودي بحياتها إلى التهلكة، ظنت انه انتهي، ذلك الشبح الذي يقتات من روحها لحظة النوم، لكنه ليس كابوس ينتهي حين استيقاظها بل واقع، واقع لا تعلم كيف ستتخلص منه!

ترجل سرمد من السيارة حاملا القطة في صندوقها الخاص، رفع عينيه نحو شركة برتقاليته، ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتيه، برتقاليته المهلكة امرأة ناجحة في عملها، يشهد بذلك حينما عمل معها في حفل زفاف صديقه، عملية وصارمة وأوامرها تلقي على الرجال لا يتجرأ أحد على التقاعس عن العمل، لن ينكر أن حتى عامليه في طاقم التصوير اعجبوا بها، رأى نظرة الاعجاب في أعينهم لكنه قرر صرفهم ثاني يوم الى الطائرة المتوجهة لإيطاليا..

برتقاليته هي ملكه وحده، انفرجت عن شفتيه ابتسامة ماكرة، لتراه والدته أصبح متملك وغيور، دعائها مستجاب والدته، يمرر أنامله نحو موضع السلسلة التي طلبت والدته ارتداءها، ثم رفع الصندوق ليحادث القطة التي تموء بنعومة
- حسنا يا صغيرة، كيف تتوقعين ستقابلك برتقاليتي
وصله مواء صوتها الضعيف وهي تنظر اليه بعينيها البراقتين ليقول بهدوء.

- ليس بتلك المأساوية يا صغيرة، لكن يوجد لدي رفيق يجب أن تتوافقا معا في المستقبل، لا اريد أي شجار بينكما
اندفع نحو الشركة يرتقي السلالم حتى يتوجه للباب الرئيسي، تفاجأ بعاصفة غاضبة خبطت كفه ليرفع سرمد رأسه قائلا بنبرة غليظة
- انتبه يا رجل
القي معاذ نظرة ساخرة وهو يرمقه بملابسه الفوضوية المهلهلة البعيدة كل البعد عن حلته العملية، هبط بعينه نحو صندوق به القطة، ليشيح بيده قائلا بعدم اكتراث.

- يا عم انا مش فاضيلك
جز سرمد على اسنانه، يكاد يحترق غضبا وقتل ذلك المدلل الغبي حينما قرأ الازدراء في عينيه له وللقطة الخاصة لبرتقاليته
- سيد سرمد
انتبه من أفكاره السوداوية صوت نجوى المرتبك التي رحبت به ببعض التعجب، لكنه اختفي وهي تعتاد على زيارته لمقر عمل رب عملها، تقرأ الإعجاب في عيني ذلك الأجنبي لربة عملها لكن الى متى؟! متى ستفرض شادية حل نهائي كي يكف ذلك الأجنبي عن ملاحقتها؟!

وان كان الأجنبي جدي وهي تشك بذلك، يجب أن يكون مؤهلا لها
ابتسم سرمد بهدوء وهو يسألها بنعومة يستخدمها للنساء
- مرحبا يا جميلة، أخبريني هل السيدة هنا؟
رفعت ونجوي عينيها ترى ملامحه الوسيمة الرجولية الخشنة، هي تكاد تخر ساقطة من جاذبية الرجل امامها، لو تملك رجلا يتودد لها لم تكن لتسمح له بالابتعاد عنها، ابتسمت بحلاوة وهي تندفع بتهور لتجيبه إلا أنها تراجعت في آخر لحظة
- ااا، لا، لا ليست هنا.

شملها سرمد بنظرة ضيقة، عابس الوجه، عاقد الجبين ليقترب منها دانيا برأسه ليقترب من مستوى رأسها قائلا
- اتعلمين ما أكثر شئ اكرهه في النساء؟
نظرت اليه بقلق لتزدرد ريقها هامسة
- م، مماذا يا سيد سرمد
أجاب بحدة طفيفة وهو يرفع الصندوق لتحمله
- الكذب يا جميلة، ضعي تلك الصغيرة في سيارة السيدة الخاصة
حملت نجوى الصندوق ثم قالت بقلق
- لكن يا سيد سرمد ألا يجب أن...
صاح بلهجة امرة وسواد عينيه تموج بالخطر.

- نفذي دون مماطلة
عبست قائلة بصوت به بادرة الغضب
- افندم
ارتسمت ابتسامة على شفتيه قائلا
- كوني لطيفة، انه شئ خاص بها
نظرت إلى القطة ثم إليه لتقول بيأس
- حسنا
هز رأسه باستحسان حينما لم تماطله تلك الجميلة، رفع عينيه نحو درجات السلم ليقول بنبرة تحمل شوقا
- لنرى البرتقالية
ارتقي درجات السلم وهو يمني نفسه بشوق رؤية تقاسيم وجهها المليح وتلك العاطفة المتأججة في عينيها، رفع رأسه حينما رآها.

بكل بهائها وجمالها تسير بكل، عصبية وتوتر!
صاح بنبرة مرحبة
- صباح الخيريا...
لم تعطي له مجالا للرد، بل لم تلتفت بل كانت في مجال وعزلة خاصة، تدارك الأمر وهو يصنع بجسده حائلا، كادت أن ترتطم به إلا أنها توقفت ترفع رأسها تري من اوقفها بكل قلة تهذيب، همست اسمه
- سرمد
وياليتها لم تنطقه اساسا، كيف تشعل به مراجل ووحوشا تعربد طالبة بالانقضاض على تلك الناعمة، لم يري سبب سهاده وارقه، تضع نظارة شمسية ليقلق.

كونها تخفي عينيها عن الجميع انها في حالة نفسية سيئة..
تحركت شادية وهي تغمغم ببعض الحنق، بكاءها لم يساعدها لثانية أن تهدأ، متى ستقوي؟ متى ستقدر على دعسه بكل جبروت كما فعل معها
- مش انت وهو
استمعت إلى اسم ذلك المعذب الثاني لها، أغمضت جفنيها وهي تسحق شفتها السفلي متابعة سيرها
- شادياااه
رفعت رأسها نحو الحارس قائلة
- مفاتيح العربية.

أخرج الحارس مفاتيح سيارتها من جيبه بعد ان ذهبت للصيانة صباح اليوم ليقول بنبرة هادئة
- اتفضلي يا استاذة
شكرته في خفوت وقدميها تتحرك بتعجل تسبقان الريح، تحاول تفكر بعقلها أين تذهب في ذلك الوقت، لا تريد العودة للمنزل ولا الذهاب لفريال، يجب أن تتصرف تلك المرة بنفسها، تواجهه هو، يكفي المرة السابقة أن والدها وشقيقتها هما من دافعا عن حقها وانكسارها...

شهقت برعب حينما شعرت بيد غليظة تمسك زندها دافعا بجسدها تستند على جسد سيارتها، رفعت رأسها لتراه ينزع نظارتها بكل خشونة اعتادتها منه، تلك الجرأة الكبيرة اعتادتها، أشاحت بعينيها متهربة من النظر إليه، تبدو مريعة، بل طفلة صغيرة دائما تبكي ليست امرأة تخطت منتصف العقد الثالث..
اغضبه انه تتجاهله، تجاهلته البرتقالية مرتان، مرتان، كيف جرؤت؟!

ما ذلك الجبروت الذي تملكه عليه؟! تلاقت عيناه المشتعلة بغضب اهوج بعينيها المنتفختين اثر البكاء، عبس وهو يسألها بصوت أجش
- ما بك؟
نزعت ذراعها من قبضة يده، متوجعة بصوت خفيض من قبضته المؤلمة، لما لا يتعطف عليها ويترك يدها او ذراعها لمرة واحدة عند محادثاتهم
تحشرج صوتها والدموع تتجمع في مآقيها لينظر سرمد بقلق حقيقي، يكاد يستفسر عن حالتها إلا أنها همست
- اريد ان اكون بمفردي، هل تسمح لي ارجوك.

ببساطة تركته تستقل سيارتها وتنبذه للمرة الثالثة، اندفع غضبه يجلي كمراجل يكاد يهشم رأسها، رفع رأسه طالبا الصبر كي لا يقتلها ميتا او صريعة في عشقه، توجه نحو السيارة يستقل بجانبها، استمع إلى شهقتها الخفيضة ثم همسها
- سرمد ارج...
قاطعها بحدة وغضب مستتر
- قودي السيارة على مهل، لا نريد أن نصاب بحادث
انفجرت صائحة بتوسل
- أخرج ارجوك، اخرج اريد ان اكون بمفردي.

لم يرد، لم يكلف نفسه عناء الاستجابة لطلبها، تنهدت بيأس وهي تتحرك بسيارتها تقودها برعونة تضغط بكل عنف على دواسة الوقود، الدموع متجمعة في عينيها، القذر معاذ، القذر كيف تجرا ان يلمح باشياء مقززة كتلك هي لا ذنب لها
هي كانت بريئة، كانت دقيقة وصارمة، وتزوج بها ليأخذ ما سعى له في الخطبة، كيف لم تنتبه له، كيف لم تعلم أن شخص مثله هوائي، ينتقل كل فترة وفترة للنساء، انتبهت من زخم افكارها لصوت الايطالي.

- ما الذي أحزنك؟
القت نظرة نحو سرمد، مختلفان في طريقة اللبس، المعاملة، حتى طباعهم، لكن وإن تعددت الاختلافات كلاهما يسعى لشئ واحد
إشباع رغباتهم ودفنها حية، همست بصوت ميت
- تريد أن تعرف
ضغطت على دواسة الوقود وهي تتخطى بعض السيارات في الشارع الهادئ، لتسمعه يجيب
- نعم
مسحت دمعة انزلقت من عينيها لتقول بجفاء
- لن اخبرك، ليس هناك شئ بينا يستدعي اخبارك
سب بعنف وهو يقول بلهجة امرة
- قودي بحذر.

ضربت المقود عدة مرات بعنف والدموع تهبط من عينيها لتهمس
- انا غبية، غبية وضعيفة
صاح بلهجة آمرة وهو يرى أنها حظت على أول مخالفة سبب انها قادت رغم إشارة المرور الحمراء
- أوقفي السيارة
انتفض جسدها يرتجف وانفلتت اعصابها غير قادرة على الرؤية لتهمس وهي تضم قبضة يدها لتضرب بقوة على قلبها
- نفسي اموت لو ده هيخليني ارتاح
سب للمرة العاشرة وهو يهدر في وجهها
- أوقفي السيارة.

استمع سرمد إلى مواء القطة والي هذر برتقاليته، لينزع حزام الامان وهو يتسلم المقود متفاديا لاخر لحظة السيارة التي كادت ان تصطدم بهما، سمع إلى انطلاق الزمور من صاحب السيارة العنيف، وضع ذراعه حول مقعدها ليسحب مكابح السيارة بعنف لتتوقف السيارة فجأة متحميا برأسه ليصطدم بمسند المقعد وجسد برتقاليته يصطدم بصدره، جز على اسنانه مزمجرا بغضب وهو يهبط بعينيه ليراها تبكي
ألجم لسانه الصمت وهو يسمعها تهمس.

- عايزة اروح لماما، عايزة اقولها تسامحني اني بقيت وحشة، مش ذنبي، والله مش ذنبي، هما اللي خلوني ابقى كدا
مرر انامله على وجهها الباكي، مزيلا دموعها بابهامه قائلا
- هوني عليك يا جميلة
لم تتحمل الصمود لتغرق في بكاء حار أثر لمسته لوجنتيها
- وانت جيت كملت عليا.

رفعت شادية رأسها تحاول استيعاب كيف اقترب منها، توردت وجنتيها ما ان اكتشفت انها تكاد تكون محتضنة إياه، رفعت عينيها المعذبتين له وازداد معدل الشهيق والزفير، ابتعد بصعوبة شديدة، رغم رغبته المتجلية في عينيه لتقبيلها، حاول أن يصمت عقله ومتجاهلا صوتها المعذب (انت تلوثني ) حاول جاهدا ان يتناساه لم يستطيع، انتبه على صوت مواء القطة الضعيف لترفع شادية رأسها هامسة من مصدر صوت قطة
- ايه دا.

عاد يجلس في مقعده رغم بداية حبه واغرامه أن يكون ملاصقا له، ليتشبع برؤية ملامحها الفاتنة الباكية، قال بصوت متحشرج محاولا نفض أفكاره الخبيثة كابحا رغبة اندلعت في جوفه
- قطة
اتسعت عيناها بذهول لتردد
- قطة
ادارات برأسها للخلف لترى صندوق صغير ملقى على أرض السيارة، بحذر رفعته لتضعها على ساقيها، فتحت باب الصندوق لتخرج قطة صغيرة ذات فراء أبيض ناعم، اندفعت الدموع تخرج من عينيها تلك المرة فرحا.

لولو، انها لولو، قطتها التي جلبتها والدتها، رفعت عينيها لتراه ينظر إليها بعاطفة خشنة قائلا
- جلبته لك لعيد مولدك، كل عام وانت فاتنة يا جميلة
مررت شادية اناملها النحيلة في فراء القطة، حركت القطة رأسها وتميله ناحية مصدر الدغدغة لتهمس شادية بدموع غير مسيطرة
- لولو
اجلي سرمد حلقه ليهمس بتوسل
- لا تبكي ارجوك، لا تبكي
رفعت شادية رأسها تهمس
- سرمد.

ضاع سرمد، اهلكتيه يا شاديااه، هلك تماما بصوتك الشجي لاسمه، من امامه طفلة صغيرة فقدت مصدر امانها وسرقت فرحتها بموت اقرب فردين لها، راقبها وهي تمرر أناملها السمراء النحيلة على فراء القطة لتهمس
- لولو
هز راسه وهو يهمس بحشرجة متغلبا على رغبته الآن في عناقها
- نعم لولو يا جميلة
شكرته بلطف بالغ وهي تنظر للقطة بافتتان وشوق شديدين
- شكرا، هديتك قيمة للغاية.

ابتلعت غصة في حلقها وهي تلمس فراء القطة، تتذكر يوم أن تجاهلت لولو وماتت في حادثة طريق وهي خارجة من أسوار منزلها، همست بنبرة متحشرجة
- كنت امتلك قطة صغيرة للغاية جلبتها لي ماما، رغم عدم حبها للقطط لكن لم تقدر على احزاني وجلبتها لي واسميتها لولو، عاشت صغيرتي لفترة حتى وفاة ماما
غامت عيناه بتأثر، تلك المرأة، قادرة أن ترفعه لأعلى عنان السماء، ثم قادرة على أن تسقطه لقاع الأرض
- آسف لسماع هذا.

لوت شادية شفتيها تكبح نوبة بكاء أخرى
- فقدت ماما وبسبب حزني فقدت لولو ايضا
رفعت عينيها تهمس بعذاب
- شعرت ان قلبي مات يا سرمد، بل قلبي ميت
بل مات قلبي انا يا برتقالية، لاول مرة يختبر شعور بالعجز
يراها تتعذب بصمت غير قادر على الإتيان بحركة، ترفع علامة محذرة للاقتراب أو التمادي، ثم رسالتها الواضحة المرة السابقة جعلته يحاول تهذيب بعض خصاله المندفعة، هو يحاول، لا يعتقد أن يكون مهذبا لكنه حاول على الاقل.

همس بنبرة عاطفية شديدة
- انا بجوارك
توقفت عن مسد فراء القطة لتقول بجمود
- لا أحد يظل بجوار الآخر لطوال العمر، الجميع يرحل ما أن يأخذوا غرضهم من الشخص الذي يريده
صاح بلهجة بها عنيده
- اذا انت لم تعلمي سرمد جيدا يا صغيرة
لفها بنظرة متملكة اصبحت تعلمها، لتسدل اهدابها استحياء وهي تسمع جملته المتملكة.

- سرمد النجم، لا يتخلى أبدا عن شئ خاص به وغالي عنده، لا يتركه ابدا وما دام لي نفس يتردد لا اهدر شئ ثمين وخاص ابدا
رفعت رأسها تنظر اليه ساخرة، وتسخر من حالها، ما ان اقترب معاذ من دائرتها حتى اصبحت شئ رخيص، اغتاظ سرمد من رؤية السخرية في عينيها ليقول بحدة
- لا اريد رؤية تلك اللمحة الساخرة، انا لا اخرج كلمات جوفاء
مالت برأسها هامسة بسخرية
- كلكم شبه بعض.

رغم حبها للقطة وانها تشبه راحلتها لولو الخاصة، عادت ملامحها للجمود وهي تضع القطة في الصندوق مرة أخرى مودعة إياها لتقول
- لااستطيع الاحتفاظ بها، شكرا على هديتك لا اقدر على قبولها
رفع حاجبه بسخرية يراها تكاد تموت و متشبثة بالصندوق ليقول
- ولما؟ هل تخشين منها؟
نظرت إلى القطة بخوف ورهبة ثم همست بقلة حيلة
- اخاف ان لم ارعاها كفاية
رقت نظراته واختفت السخرية ليقول بنبرة هادئة.

- كان هذا في الماضي، لا اريدك ان تتعلقي بالماضي، الماضي انتهى بفرحه ومساوئه، الإنسان يسعى قدما لحياته لأجل نفسك ولأجل من بجوارك، لا تكسري وتطعني مساعدة الشخص الذي يقدم يد العون لجعلك أفضل
عينيها مغويتين، حتى بنظرات التيه المظللة عينيها، يكاد يقسم أنه في أوج لحظاتهما العاطفية ستدفعه صريعا، هذب أفكاره الجامحة وهو يقول.

- لولو ستعتنين بها جيدا، القطة احبتك منذ اول وهلة، لقد كشفت عليها وهي بصحة جيدة لا تقلقي
ابتسمت شادية بقلق لتمر رعشة طفيفة سرت في جسدها بنظرته العميقة لها، يعجبها هذا السرمد عن الوقح والعابث، همست تسأله بأسمه
- سرمد
الصبر، الصبر فقط، قالها وهو يهز رأسه ليسمع سؤالها
- من انت يا سرمد حقا؟ أي وجه هو وجهك الحقيقي؟
هالة غريبة احاطتها، وسكينة لفتها وهي بجواره، اهتمامه، وحرصه على أدق تفاصيلها جعلها
مرعوبة.

مذعور مما ينتويه، ألقت سؤالا وهي عاجزة عن فهمه لترفع عينيها المهلكتين لتسمعه يتمتم
- إذا كنت تريدين المعرفة، تجرأي وخذي خطوة للأمام
عبست حاجبيها بعدم فهم قائلة
- خطوة لماذا؟
خطوة اقترب منها والمحيط بينهما يزداد تقلصا، رجفة مشاعر اثارتها لثانية وهي ترى هذا الرجل برجولته التي لا تنكرها وجاذبيته يسعى خلفها، فغرت شفتيها وهي تري النظرة القاتمة المظللة حدقتيه
- لتعرفيني عن قرب.

تلك النظرة لطالما قرأتها سابقا في عيني معاذ، وفي عيون رجالا آخرون، نظرة جسد يشتهي لعناق وما هو أكثر، ارتجف جسدها بنفور فوري قائلة
- لا
عقد سرمد حاجبيه وهو يرى انقلاب ملامحها الوديعة إلى أخرى قلقة ومتوترة
- لا!

تكاد تتماسك أمامه، غريب امرها، تبكي امامه ولا تشعر انها ضعيفة، بكائها هو سر توقفه عن عبثه وعربدته، لا تعلم كيف تأمنه لتلك الدرجة حتى في أوج لحظاتها ضعفا لا تخشاه، أي ثقة هو زرعها لتكون امامه بتلك الهيئة المزرية أمامه؟!
نصيبها من الحب قليل، ربما لا وجود لقدسية الحب القديم، الارض تحولت الارض شهوة ورغبة ويتصارع الجميع لاملاء فجواتهم الناقصة، ارتعشت شفتيها وهي تهمس بصوت مميت.

- ما تنتظره مني لن أستطيع أن اقدمه لك اسفه، لن أقدر
خبط بعنف على الزجاج لترتجف شادية بعنف وهي تشعر بأنامله القاسية أخذت طريقها لذراعها وهو يدفعها دفعا للاقتراب منه
تري الشراسة والانفعال في حدقتي عينيه المظلمتين اللتان تنفسان نارا
راقبته ببعض الانبهار، سرمد قلما يفقد رزانته وتحكمه، أليس من حقها أن تخشى؟! تخشى وتأمن من مكره الآن؟!
اتسعت عيناها بجحوظ حينما استمعت إلى سؤاله الذي يكاد يلفظه
- هل تحبينه؟

أيغار!
سؤال ضربها في مقتل وهي تري فتحتي انفه تنقبض وتنبسط دلالة على كبت غيظه وتهوره الذي يربطه بلجام تظن انه غير قادر على التحكم به، عيناها هبطت لا اراديا إلى قميصه المفتوح كاشفا عن سلساله الجلدي الذي لا تعلم ما نهايته، رفعت عيناها تهمس بعدم فهم
- من؟

جز على اسنانه ساخطا، تلك الغبية، او التي تتعمد التغابي معه، قسي بعنف على ذراعها، يعلم انه سيترك أثرا على جلدها المغري لكن ليكن شئ تتذكره به في كل لحظة تأوه يخرج من شفتيها المغريتين لقطافهم..
- خطيبك، هل تحبينه؟
همت أن تخبره أيهما، او تجيبه بنعم كي يخرج خارج حدود دائرتها إلا أن هزت رأسها نافية، لتسمع همسه العنيف المتملك
- اذا من هو الرجل الذي يمنعك عني؟ أجيبي.

تأوهت بوجع حقيقي لم تقدر على تحمله إلا أنه لم يخفف قبضته، توسلته بعينيها ان يتوقف، إلا أن نداء عينيها رفضه لم تجد بدا سوى أن تهمس اسمه
- سرمد
يكاد سرمد يخرج زئيرا او يسحبها لعناق ملتهب الانفاس في التو واللحظة، لكنه يلجم شياطينه ويهذب أفكاره المنحلة لها
ألا ترى ما هو بفاعل معها؟!
ألا ترحمه ولو للحظات، تهمس اسمه وهل تراه قديسا؟!
هدر في وجهها بعنف وصوته اجش بدا على وشك فقدان السيطرة.

- لا تنادي اسمي بتلك الطريقة يا برتقالية، ابدا لا تتجرأي على نطق اسمي بذلك الغنج والدعوة المغرية للاقتراب منك
طالعته بذهول، أي دعوة ذلك المجنون يقصده، هل تمادت معه؟! هل تمادت ولو قليلا؟ همست باختناق
- تفهم أرجوك، لست انا تلك المنشودة، انا بعيدة كل البعد عن تصوراتك، لن تجد ما تريده مني
خبط بعنف بابهامه على جانب رأسها لتتأوه بتوجع جعله يزمجر في وجهها وهو يقول بحدة.

- ومن اخبرك بما أريده منك، اسمعي يا محدودة الفكر والعقل الغبي هذا
صاحت بعبوس ونفي وهي تراه يقلل من شأنها
- عقلي ليس غبي
رفع حاجبيه دلالة على بعض السخرية، ليقول بسخرية
- اسمعي يا صغيرة انت
عارضته بوهن شديد وبعض التمرد يتلألأ كهرمانية عينيها الفاتنة
- لست صغيرة سرمد
لاحت على شفتيه ابتسامة متسلية، ويده تترك ذراعها ليراها تمسك ذراعها التي ظلت تحت اسره لفترة وهي تنظر اليه بغضب ليقول بنبرة لعوب.

- اسمعي يا برتقالية، حاولي ان تعترضي على هذا
قالها وهو يراها تهم بمعارضته للمرة الثالثة، اقترب منها وهو يقول بإصرار
- هذا أصدر فرمانا ووجب تنفيذه، لن يعوقني أي شئ يا برتقالية للتوغل لروحك التائقة لي، انا الوحيد فقط من يسمح له بالدخول لجنتك المحرمة ولا شخص اخر غيري سيتجرأ للدخول من بعدي.

خشت منه، بل هي تخشى، لكن نبرته الجدية الخالية من العبث المعتاد، لكن أي جنة محرمة عليه وقد بقت استحالت إلى أرض قاحلة لتسدل أهدابها وعلى شفتيها مرتسمة ابتسامة حزينة..
مهما تعددت الشخصيات الا كلهم يبتغون غاية وحيدة في المرأة، همست بنبرة هادئة وهي تعيد تحريك محرك السيارة
- يجب ان اغادر
رفعت عيناها تتوسله حرفيا وهي تري الرفض في عينيه
- سرمد، احتاج حقا مساحة لي.

تأفف سرمد بحدة وهو يغادر السيارة بعد إلقاء بوابل عن سيارتها المتهورة الرعناء بل لم يكتفي بهذا فقط، بل صفع باب سيارتها بعنف لتنظر اليه بحدة قبل أن تنطلق بسيارتها ينظر إلى أثرها ليهز رأسه يائسا
طريق مليء بالشوك، لكنه جسور سيتابع الطريق ما دام سيصل لزهرته البرية!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة